منتديات الأماكن

منتديات الأماكن (https://www.al-amakn.com/vb//index.php)
-   ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ (https://www.al-amakn.com/vb//forumdisplay.php?f=6)
-   -   سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ ) (https://www.al-amakn.com/vb//showthread.php?t=85442)

| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:52 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


على مستوى المثقفين
1. إبراز شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم وخصائص أمته من خلال نشر ذلك والتحدث عنه في
المناسبات الإعلامية والثقافية.
2. عدم نشر أي موضوع ينتقص فيها من سنته صلى الله عليه وسلم .
3. التصدي للإعلام الغربي واليهودي المضاد والرد على ما يثيرونه من شبهات وأباطيل عن ديننا ونبينا
محمد صلى الله عليه وسلم .
4. عقد اللقاءات الصحفية والإعلامية والثقافية مع المنصفين من غير المسلمين والتحدث عن النبي..
صلى الله عليه وسلم ورسالته.
5. نشر ما ذكره المنصفون من غير المسلمين بشأنه صلى الله عليه وسلم .
6. عقد الندوات والمنتديات الثقافية لإبراز منهجه وسيرته وبيان مناسبة منهجه
صلى الله عليه وسلم لكل زمان وكان .
7. إعداد المسابقات الإعلامية عن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وتخصيص الجوائز القيمة لها.
8. كتابة المقالات والقصص والكتيبات التي تتحدث عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
9. الاقتراح على رؤساء تحرير الصحف والمجلات لتخصيص زاوية يبين فيها الآيات والأحاديث التي تدل على
وجوب محبته صلى الله عليه وسلم وأن محبته مقدمة على الولد والوالد والناس أجمعين بل ومقدمة على
النفس وأن هذه المحبة تقتضي تعظيمه وتوقيره وإتباعه وتقديم قوله على قول كل أحد من الخلق .
10. الاقتراح على مدراء القنوات الفضائية لإعداد برامج خاصة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
وكيفية تعامله مع زوجاته وأبناءه وأصحابه وأعدائه وغير ذلك من صفاته الخلقية والخلقية.
11. حث مؤسسات الإنتاج الإعلامي على القيام بإنتاج أشرطة فيديو تعرض سيرة الرسول..
صلى الله عليه وسلم بطريقة احترافية شيقة.
12. حث المحطات التلفزيونية الأرضية والقنوات الفضائية على إنتاج وبث أفلام كرتونية للناشئة تحكي
شمائل الرسول صلى الله عليه وسلم وبعض القصص من السنة النبوية.






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:53 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



على مستوى الأغنياء والحكومات
1. دعم النشاطات الدعوية المتعلقة بالسيرة النبوية الشريفة .
2. طباعة الملصقات التي تحمل بعض الأحاديث والمواعظ النبوية .
3. المساهمة في إنشاء القنوات الفضائية والإذاعات والمجلات التي تتحدث عن الإسلام ونبي الإسلام
صلى الله عليه وسلم باللغات المختلفة وبالأخص اللغة الإنجليزية.
4. استئجار دقائق في القنوات أو الإذاعات الأجنبية لعرض أطروحات عن الإسلام ونبي الإسلام
صلى الله عليه وسلم.
5. إنشاء مراكز متخصصة لبحوث ودراسات السيرة النبوية والترجمة إلى اللغات العالمية.
6. إنشاء متاحف ومكتبات متخصصة في بالسيرة والتراث النبوي الشريف .
7. إنشاء مواقع على الإنترنت متخصصة في السيرة والسنة النبوية الشريفة.
8. طباعة ونشر الكتب والأشرطة والبرامج الإعلامية التي تبرز محاسن الدين الذي جاء به النبي
صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وشمائله بعدة لغات وخاصة اللغة الإنجليزية.
9. المساهمة في دعم المسابقات الدعوية التي تهتم بالسيرة النبوية ورصد مبالغ تشجيعية لها.

· الرقم 10 نتركه لك لتكمله وتبعث به إلينا على عنوان اللجنة.

أخي المسلم أختي المسلمة.. إن الواجب علينا جميعًا - كلٌ حسب استطاعته - أن ننصر نبينا وإمامنا
وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، ولذلك أعددنا هذه المذكرة حتى لا يبقى لأحد منا عذر، فلنعمل
جميعًا على نشرها وتوزيعها، ودعوة الأهل وعموم الناس من خلال المجالس العائلية..
والمكالمات الهاتفية، ورسائل الجوال، على نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم.





إعداد : اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء

ICSFP.com : ط§ظ„ظ„ط¬ظ†ط© ط§ظ„ط¹ط§ظ„ظ…ظٹط© ظ„ظ†طµط±ط© ط®ط§طھظ… ط§ظ„ط£ظ†ط¨ظٹط§ط، طµظ„ظ‰ ط§ظ„ظ„ظ‡ ط¹ظ„ظٹظ‡ ظˆط³ظ„ظ…







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:54 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


الرد على شبهة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالدنيا والغنائم
الرد على شبهة اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالدنيا والغنائم


الكاتب: الشبكة الإسلامية

من الشبه التي أثارها أعداء الإسلام، وروَّجوا لها بهدف تشويه شخصية محمدٍ صلى الله عليه وسلم، للوصول
إلى الطعن في دعوته، وإبعاد الناس عنها، ما يدَّعونه من أنه كان صاحب مطامع دنيوية، لم يكن يظهرها في
بداية دعوته في مكة، ولكنه بعد هجرته إلى المدينة بدأ يعمل على جمع الأموال والغنائم من خلال الحروب
التي خاضها هو وأصحابه، ابتغاء تحصيل مكاسب مادية وفوائد معنوية.
وممن صرح بذلك "دافيد صمويل مرجليوت " المستشرق الإنجليزي اليهودي، حيث قال: "عاش محمد هذه
السنين الست بعد هجرته إلى المدينة على التلصص والسلب والنهب.. وهذا يفسر لنا تلك الشهوة التي
أثرت على نفس محمد، والتي دفعته إلى شن غارات متتابعة، كما سيطرت على نفس الإسكندر من قبل
ونابليون من بعد ".
والحق، فإن الناظر في سيرته صلى الله عليه وسلم، والمتأمل في تاريخ دعوته، يعلم علم اليقين..
أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يسعى من وراء كل ما قام به إلى تحقيق أي مكسب دنيوي، يسعى إليه
طلاب الدنيا واللاهثون وراءها، وهذا رد إجمالي على هذه الشبهة..
أما الرد التفصيلي فبيانه فيما يلي:
1- أن ما ذُكر في هذه الشبهة لا يوجد عليه دليلٌ في واقع حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ لو كان كما
قيل لعاش عيش الملوك، في القصور والبيوت الفارهة، ولاتخذ من الخدم والحراس والحشم ما يكون على..
المستوى المتناسب مع تلك المطامع المزعومة، بينما الواقع يشهد بخلاف ذلك، إذ كان في شظف من العيش،
مكتفياً بما يقيم أود الحياة، وكانت هذه حاله صلى الله عليه وسلم منذ أن رأى نور الحياة إلى أن التحق بالرفيق الأعلى..،
يشهد لهذا أنّ بيوته صلى الله عليه وسلم كانت عبارة عن غرف بسيطة لا تكاد تتسع له ولزوجاته.
وكذلك الحال بالنسبة لطعامه وشرابه، فقد كان يمر عليه الشهر والشهران لا توقد نارٌ في بيته، ولم يكن له
من الطعام إلا الأسودان - التمر والماء-،
فعن عائشة رضي الله عنها قالت لعروة:
( ابن أختي إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم نارٌ، فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم؟ قالت: الأسودان، التمر والماء
) متفق عليه.
وسيرته صلى الله عليه وسلم حافلة بما يدل على خلاف ما يزعمه الزاعمون.
2- ثم إن هذه الشبهة تتناقض مع الزهد الذي عُرف به النبي صلى الله عليه وسلم، وحث عليه أصحابه، فقد
صح عنه أنه قال: ( إن مما أخاف عليكم بعدي ما يفتح عليكم من زهرة الدنيا وزينتها) متفق عليه،
وقرن في التحذير بين فتنة الدنيا وفتنة النساء، فقال: ( إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر
كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء
) رواه مسلم.
3- ومما يدحض هذه الشبهة وينقضها من أساسها أن أهل مكة عرضوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
المال والملك والجاه من أجل أن يتخلى عن دعوته، فرفض ذلك كله، وفضل أن يبقى على شظف العيش مع
الاستمرار في دعوته، ولو كان من الراغبين في الدنيا لما رفضها وقد أتته من غير عناء.
4- أنّ الوصايا التي كان يزود بها قواده تدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن طالب مغنم ولا صاحب شهوة،
بل كان هدفه الأوحد والوحيد إبلاغ دين الله للناس، وإزالة العوائق المعترضة سبيل الدعوة.
فها هو يوصي معاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله إلى اليمن بقوله:
( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى، فإذا عرفوا ذلك فأخبرهم
أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا صلوا فأخبرهم أن الله افترض عليهم زكاة في
أموالهم تؤخذ من غنيهم فترد على فقيرهم، فإذا أقروا بذلك فخذ منهم وتوق كرائم أموال الناس
)
رواه البخاري.
فهو صلى الله عليه وسلم لم يقاتل أحداً، قبل دعوته إلى الإسلام، الذي تصان به الدماء والحرمات.
5- ومما يُرد به على هذه الفرية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ارتحل من الدنيا ولم يكن له فيها إلا أقل
القليل، ففي الصحيح عن عمرو بن الحارث قال : ( ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته درهماً،
ولا ديناراً، ولا عبداً، ولا أمة، ولا شيئاً إلا بغلته البيضاء، وسلاحه وأرضاً جعلها صدقة
) رواه البخاري،
وعن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: ( توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي من شيء
يأكله ذو كبد، إلا شطر شعير في رف لي
) متفق عليه.
6- وكما قيل: فإن الحق ما شهدت به الأعداء، فقد أجرى الله على ألسنة بعض عقلاء القوم عبارات تكذب هذه
الشبهة، من ذلك ما قاله "كارليل" : "أيزعم الكاذبون أن الطمع وحب الدنيا هو الذي أقام محمداً وأثاره، حمق
وأيـم الله، وسخافة وهوس
".
ويقول: "لقد كان زاهداً متقشفاً في مسكنه، ومأكله، ومشربه، وملبسه، وسائر أموره وأحواله.. فحبذا محمد
من رجل خشن اللباس، خشن الطعام، مجتهد في الله، قائم النهار، ساهر الليل، دائباً في نشر دين الله،
غير طامع إلى ما يطمع إليه أصاغر الرجال، من رتبة، أو دولة، أو سلطان، غير متطلع إلى ذكر أو شهوة
".
7- وما زعمه المستشرق اليهودي "مرجليوت" من أن انتقام رسول صلى الله عليه وسلم من يهود المدينة كان
لأسباب مصطنعة وغير كافية، فجوابه أن الواقع خلاف ذلك .
إذ أبرم النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود معاهدة تقرهم على دينهم، وتؤمنهم في أنفسهم وأموالهم،
بل تكفل لهم نصرة مظلومهم، وحمايتهم، ورعاية حقوقهم، ولم يكن في سياسته صلى الله عليه وسلم
إبعادهم، ومصادرة أموالهم إلا بعد نقضهم العهود والمواثيق، ووقوعهم في الخيانة والمؤامرة.
وبعد: فلا حجة لمن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان صاحب مطامع دنيوية، يحرص عليها، ويسعى
في تحصيلها، وإنما هي دعوة صالحة نافعة، تعود بالخير على متبعيها في الدنيا والآخرة،
والحمد لله رب العالمين.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:56 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


شبهات وتهم ضد مقام النبوة(1)
قال الله تبارك وتعالى: ( إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابًا مهينًا)
[الأحزاب : 57].
ما من نبي ولا رسول أرسله الله عز وجل إلا واجه أعداء يكذبونه ويشككون الناس في صدق نبوته وهذه سنة
من سنن الله عز وجل قال تعالى: (كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض
زخرف القول غرورا ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون
) [الأنعام : 112].
ولم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم بدعاً بين الرسل فقد واجه ما واجهه إخوته من الأنبياء من التكذيب والعناد
والقتال والتشريد والسجن والطرد والاستهزاء ولكن ذلك لم يثنه عن دعوته ولم يفلَّ في عزيمته بل كان ثابتاً
كالطود الأشم فصبر وهانت عليه نفسه في سبيل الله عز وجل حتى نصره الله عز وجل ورفع له ذكره إلى
يوم القيامة.
وقد اتهم نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه كاذب وقيل شهواني وقالوا عنه ساحر وكاهن وشاعر ومجنون وأتهم
بأنه عدواني ومتعصب وإرهابي وهذه التهم مجرد شبهات واهية تسقط عند أول وهلة من التعرف على
شخصيته ودراسة سيرته وتتبع سنته صلى الله عليه وسلم.
وفيما يلي نستعرض كل شبهة أثيرت حول نبينا صلى الله عليه وسلم ونفندها بحجج منيرة كالشمس في
رائعة النهار.

الشبهة الأولى: قولهم عنه: (كاذب):
الشبهة الثانية: قولهم عنه (ساحر، كاهن، مجنون):
الشبهة الثالثة: ( قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلا):
الشبهة الرابعة: وهي من شبه المستشرقين الحديثة وصفهم له صلى الله عليه وسلم بأنه (شهواني):
الشبهة الخامسة: من أعظم الشبه والافتراء: وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه..
(إرهابي دموي سفاك للدماء ) :
الشبهة الأولى: قولهم عنه: (كاذب):

هذه أضعف فرية افتريت على نبينا صلى الله عليه وسلم وأضعف شبهة يمكن أن يتشبث بها أحد قديماً أو
حديثاً، وذلك لما اشتهر عنه صلى الله عليه وسلم منذ طفولته من صدق الحديث وأمانة في الخلق حتى كانت
من أوضح صفاته وأخلاقه التي تميز بها، حتى أنه كان يسمى في الجاهلية بالأمين لصدقه وأمانته ..
صلى الله عليه وسلم ومما يثبت ذلك ما جرى في قصة بناء قريش للكعبة قبل بعثته صلى الله عليه وسلم
واختلافهم على وضع الحجر الأسود حتى كادوا يقتتلون بسبب إرادة كل قبيلة أن تفوز بشرف وضع الحجر
الأسود في مكانه ولما اشتد الخلاف فيما بينهم وأصرت كل قبيلة على الفوز.
بهذا الشرف أراد أحد عقلائهم أن يضع حداً للخلاف فقال لهم حكموا بينكم أول داخل عليكم من باب الصفا
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأوه مقبلاً قالوا: هذا محمد الأمين رضينا به حكماً.
ففي هذه القصة وقد حدثت قبل البعثة أكبر دليل على اشتهاره بالصدق والأمانة فيما بينهم.
ومما يثبت اشتهاره بالصدق بين قريش وعدم شكهم في صدق حديثه حديث أبي سفيان مع هرقل وسؤال
هرقل حينما سأل أبا سفيان: هل تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فقال: لا ثم رد هرقل في آخر الحديث
بحكمة قل من يفطن لها إذ قال: وسألتك أتتهمونه بالكذب فقلت: لا فعلمت أنه لن يدع الكذب على الناس ثم
يكذب على الله تعالى و الحديث في صحيح البخاري..
ومما يثبت نفي الكذب عنه ما ورد في حديث ركانة بن عبد يزيد في السنن بإسناد فيه كلام.
وكان شديد العداوة للنبي صلى الله عليه وسلم والاستهزاء به فقال يوماً للنبي صلى الله عليه وسلم:
يا ابن أخي بلغني عنك أمر ولست بكذاب فإن صرعتني علمت أنك صادق، لقد أثبت صدقه بنفي الكذب عنه
مع شدة العداوة وكثرة استهزاءه بالنبي صلى الله عليه وسلم كما ورد في السير.
وقد روى الترمذي عن علي أن أبا جهل قال له: إنا لا نكذبك، ولكن نكذب بما جئت به فأنزل الله تعالى فيهم:
(فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) [الأنعام : 33].
وقد اشتهر بين قريش صدقه صلى الله عليه وسلم حتى إن أبا طالب لما أخبره نبينا صلى الله عليه وسلم
بخبر الصحيفة التي كتبتها قريش وأن الأرضة قد أكلتها ولم تترك فيها إلا كلمة واحدة هي (باسمك اللهم)
قام أبو طالب يحاجّ قريش حتى فتحوا الكعبة وأخرجوا الصحيفة ووجدوها حقاً كما قال:
نبينا صلى الله عليه وسلم فوبخهم أبو طالب بقوله شعراً في هذا:

وقد كان في أمر الصحيفة عبرة ***متى ما يخبر غائب القوم يُعجب
محا الله منها كفرهم وعقوقهم
*** وما نقموا من ناطق الحق مُعرب
فأصبح ما قالوا من الأمر باطلاً
*** ومن يختلق ما ليس بالحق يُكذب

وقد كانت علامات الصدق تلوح على محياه صلى الله عليه وسلم حتى قال عبد الله بن سلام الحبر اليهودي
في قصة إسلامه أنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ونظر في وجهه قال: فلما تبينت وجهه عرفت أن
وجهه ليس بوجه كذاب).(رواه ابن ماجه وغيره).


ولو لم تكن فيه آيات مبينة**** كانت بديهته تأتيك بالخبر





| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:57 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


شبهات وتهم ضد مقام النبوة(2)

الشبهة الثانية: قولهم عنه (ساحر، كاهن، مجنون):
وهذه الصفات التي وصفه بها كفار قريش لما جاءهم بالحق ولم يستطيعوا له رد فجنحوا إلى هذه التهم
والأوصاف حتى يصدوا الناس عنه إذ أنه لا يجلس إليه أحد فيعرض عليه الإسلام ويقرأ القرآن على مسامعه
إلا أخذ بلب جليسه وأسر قلبه فأراد المعاندون بإثارة هذه الشبهة أن يصدوا الناس عن الجلوس إليه وسماعه
خاصة في المواسم التي يجتمع فيها الناس من أنحاء الجزيرة العربية.
هذا عتبة بن ربيعة جاء مندوباً لقريش لمفاوضة النبي صلى الله عليه وسلم حتى يترك دعوته فيقول له:
يا ابن أخي إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر
عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم، ثم عرض عليه المال والملك وعرض
عليه ما استطاعه من الإغراء حتى إذا فرغ عتبة من كلامه ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع إليه فقال:
أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم. قال: فاسمع مني. قال: أفعل. فقال الحبيب صلى الله عليه وسلم:
بسم الله الرحمن الرحيم (حــم* تنزيل من الرحمن الرحيم). [فصلت 1 : 2].
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ وقد ألقى عتبة يديه وراء ظهره معتمداً عليهما وهو يسمع منصتاً
حتى انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة فسجد، ثم قال:
(قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك) سيرة ابن هشام.!!
وعاد عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله قد جاءكم أبا الوليد بغير الوجه الذي ذهب به.
فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو
بالشعر ولا بالسحر ولا بالكهانة، أطيعوني واجعلوها لي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فو الله
ليكونن لقولـه الذي سمعت منه نبأ عظيم.
فهذا عتبة بن ربيعة وهو من صناديد قريش وسادتهم بعدما سمع القرآن وجلس إلى النبي..
صلى الله عليه وسلم ينفي أن يكون شاعراً أو كاهناً أو ساحراً.
وهذا النضر بن الحارث سيد آخر من سادة قريش وكبير من كبرائهم ممن كفر حسداً وحقداً يقوم في قريش
ذات يوم ويقول: يا معشر قريش إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، فقد كان فيكم محمد غلاماً
حدثاً، أرضاكم فيكم وأصدقكم حديثاً وأعظمكم أمانة حتى إذا رأيتم في صدغه الشيب. وجاءكم بما جاءكم به
قلتم ساحر لا والله ما هو بساحر لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم، وقلتم كاهن، لا والله ما هو بكاهن قد
رأينا الكهنة وتخالجهم وسمعنا سجعهم. وقلتم شاعر، لا والله ما هو بشاعر قد رأينا الشعر وسمعنا أصنافه
كلها هزجه ورجزه.
قلتم مجنون لا والله ما هو بمجنون لقد رأينا الجنون فما هو بخنقه ولا وسوسته ولا تخليطه. يا معشر قريش
فانظروا في شأنكم فإنه والله قد نزل لكم أمر عظيم. فهذه شهادتين من أعدى أعداءه تثبت كذبهم وافتراءهم
عليه سيرة ابن هشام..
الشبهة الثالثة: ( قالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليه بكرة وأصيلا):
اتهم المشركون نبينا صلى الله عليه وسلم بأنه جمع أساطير الأولين من الرواة الذين كانوا يتناقلونها ثم كتبها
فهو يلقيها عليهم ليدعي بذلك الوحي.
وقد بيّن القرآن الكريم الرد على مثل هذه الشبهة ومفاده أنه كان صلى الله عليه وسلم أمياً لا يقرأ ولا يكتب.
وأنه لم يخرج من مكة ولم يسافر إلى البلاد التي تكثر فيها هذه القصص والأساطير التي ادعتها عليه قريش
ثم إن ما جاءهم به محكم لا لبس فيه ولا اختلاف ولا عجمة ولا اعوجاج فيه على عكس ما كان يتناقل في
عصرهم من أساطير يكذب بعضها بعضاً.
وتحداهم أن يأتوا بمثله فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بسورة واحدة مثله فلما عجزوا تحداهم أن يأتوا بعشر آيات
مثله، ولن يستطيعوا ولو اجتمع الجن كلهم والإنس على أن يأتوا بمثله، وما زال التحدي قائمًا ليفضح عجزهم
وكذبهم وبهتانهم، وهذه الأمم وصلت في العصر الحديث إلى اقتحام الفضاء وتطويع الكائنات فهل يستطيعون
ولو اجتمعوا أن يأتوا بآية مثله؟
( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا )
[الإسراء : 88].
( أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) [يونس : 38].
( أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين )
[هود : 13].
وأنى لهم أن يأتوا بمثله وهو تنزيل من رب العالمين الحكيم العليم وهو القاهر فوق عباده وهو اللطيف الخبير.
الشبهة الرابعة: وهي من شبه المستشرقين الحديثة وصفهم له صلى الله عليه وسلم بأنه (شهواني):
حين تزوج إحدى عشرة امرأة بينما منع أتباعه من الزيادة على أربع نساء.

والجواب على هذه الشبهة:
أنه ينبغي أن يُعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج بكراً قط إلا عائشة – رضي الله عنها –
كما أنه صلى الله عليه وسلم إبان شبابه وفتوته لم يتزوج سوى خديجة – رضي الله عنها – حين كان عمره
خمساً وعشرين سنة وهي امرأة كبيرة فلو كان ذا شهوة لما اكتفى بها وهي المرأة الكبيرة في السن فلم
يتزوج عليها حتى توفيت – رضي الله عنها.
وكان زواجه بعائشة – رضي الله عنها – إكراماً لصديقه وأحب الناس إليه وأوفاهم لـه وأكثرهم إخلاصاً له
ولدعوته.
وكذلك كان زواجه بحفصة بنت عمر بن الخطاب إكراماً لأبيها ثاني رجل في الإسلام وثاني وزراءه وإذا لم يكرم
عمر بن الخطاب فمن يكرم إذاً؟! وأما زواجه بأم حبيبة وأم سلمة وسودة وميمونة وأم المساكين وهن أرامل
فكان إيواءً لهن لما فقدن أزواجهن ولما أصابهن من عذاب واضطهاد في ذات الله تعالى.
وزوّجه ربه تبارك وتعالى زينب بنت جحش وهو كاره لذلك خشية من قول الناس: «محمد تزوج امرأة ابنة زيد»
الذي تبناه قبل الإسلام فأراد الله عز وجل أن يهدم قاعدة التبني التي كانت متأصلةً في المجتمع الجاهلي
حيث كان للابن المتبنى عند العرب في الجاهلية جميع الحرمات والحقوق التي كانت للابن الحقيقي سواء
بسواء، فكان أقوى معول لهدم هذه القاعدة أن أمر الله عز وجل نبيه أن ينكح زوجة زيد بعدما طلقها وقد كان
ابناً لـه بالتبني في الجاهلية ليستقر عند العرب عدم جواز التبني.
وكان زواجه لصفية وجويرية مسحاً لدموعها وإذهاباً لحزنهما لموت زوجيهما في معركة قتال دارت بين
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين رجالهما.
كما أن من فوائد زواجه صلى الله عليه وسلم ما كان شائعاً عند العرب من احترام للمصاهرة إذ كانوا يرون
مناوأة ومحاربة الأصهار سبة وعاراً على أنفسهم.
فلما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم بأم سلمة المخزومية لم يقف خالد بن الوليد المخزومي من،،
المسلمين موقفه الشديد الذي وقفه بأحد، وكذلك أبو سفيان قائد المشركين لم يواجه رسول الله..
صلى الله عليه وسلم بأي محاربة بعد زواجه بابنته أم حبيبة،وكذلك لا نرى من قبيلتي بني المصطلق وبني
النضير أي استفزاز وعداء بعد زواجه بجويرية وصفية.
ومن أعظم وأجل مقاصد نكاحه صلوات ربي وسلامه عليه أنه كان مأموراً بتزكية وتعليم الناس ولما كان من
المبادئ التي قام عليها بناء المجتمع المسلم ألا يختلط الرجال بالنساء كانت الحاجة داعية إلى وجود نساء
مختلفات الأعمار والمواهب (وهن أمهات المؤمنين)
فيزكيهن النبي صلى الله عليه وسلم ويربيهن ويعلمنهن ليقمن من بعده بتربية نساء المسلمين فيكفين
مؤنة التبليغ في النساء،.
وقد كان لأمهات المؤمنين فضلٌ كبير في نقل أحواله صلى الله عليه وسلم المنزلية للناس.
أفترى رجلاً يدع الزواج في شبابه من النساء ويقتصر على امرأة كبيرة في السن كخديجة أو كسودة حتى
يصل الخمسين من عمره ثم فجأة يجد في نفسه شهوة عارمة فيتزوج بمثل هذا العدد الكبير من النساء؟!.
اللهم إن هذا لا يقولـه إنسان عاقل بل لا يقوله إلا مكابر فاجر.
الشبهة الخامسة:من أعظم الشبه والافتراء: وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه
(إرهابي دموي سفاك للدماء ):
وهذه التهمة إنما يذيعها المستشرقون في العصر الحديث تشكيكاً في دعوته وصدق نبوته..
صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من الحلم والاحتمال والعفو عند المقدرة والصبر
على المكاره الشيء الكثير جداً.
وكل حليم عرفت منه زلة وحفظت عنه هفوة ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يزدد مع كثرة الأذى إلا صبراً
وعلى إسراف الجاهل إلا حلماً، قالت عائشة – رضي الله عنها: ما خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك
حرمة الله فينتقم لله بها أخرجه البخاري، وكان أبعد الناس غضباً وأسرعهم رضىً.
وقد كان من أعظم دلائل نبوته التي وردت في كتب أهل الكتاب. والتي آمن على مثلها من آمن منهم مثل
عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وغيرهما أن حلمه يسبق غضبه.

وقد كان العفو والصفح أحب إليه من الانتقام كما في القصص التالية:
* تصدى لـه غورث بن الحارث ليفتك به صلى الله عليه وسلم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مطرح تحت
شجرة وحده
قائلاً (من القيلولة وهو نوم وسط النهار) دون حرس، وأصحابه قائلون كذلك.
وذلك في غزاة، فلم ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وغورث قائم على رأسه، والسيف مصلتٌ
في يديه وقال: من يمنعك مني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «الله». فسقط السيف من يد غورث، فأخذه
النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «من يمنعك»؟
قال غورث: كن خير آخذ فتركه وعفا عنه. فعاد إلى قومه فقال: جئتكم من عند خير الناس.
(أخرجه الإمام أحمد وهو في البخاري مختصراً ).
* لما دخل المسجد الحرام صبيحة الفتح ووجد رجالات قريش جالسين مطأطي الرؤوس ينتظرون حكم
رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاتح فيهم، فقال: «يا معشر قريش ما تظنون أني فاعل بكم»؟
قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، قال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء» (حسن إسناده ابن حجر في فتح الباري)
فعفا عنهم بعدما ارتكبوا من الجرائم ضده وضد أصحابه ما لا يقادر قدره، ولا يحصى عده، ومع هذا فقد عفا
عنهم ولم يعنف ولم يضرب. ولم يقتل فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
* سحره لبيد بن الأعصم اليهودي (القصة في صحيح البخاري)، فعفا عنه ولم يؤاخذه. بل لم يثبت أنه لامه
أو عاتبه مجرد لوم أو عتاب. فضلاً عن المؤاخذة والعقاب.
* تآمر عليه المنافقون وهو في طريق عودته من تبوك إلى المدينة تآمروا عليه ليقتلوه وعلم بهم وقيل له
فيهم فعفا عنهم، وقال: (لا يُتحدث أن محمداً يقتل أصحابه) (القصة في صحيح البخاري).
* لم يذكر في غزوة من الغزوات أنه اعتدى على أحد أو غزا قوماً مسالمين بل كانت غزواته وسراياه موجهة
إلى من بدأه بالعداوة وحاول الكيد للإسلام والمسلمين.
وكان يأمر أمراءه إذا أرسلهم أن لا يقتلوا امرأة ولا طفلاً ولا عجوزاً ولا راهباً معتزلاً في صومعته وكان ينهاهم
عن التحريق بالنار وإفساد الزرع.
وقد غيّر النبي صلى الله عليه وسلم أغراض الحروب وأهدافها التي كانت تضطرم نار الحرب لأجلها في
الجاهلية، فبينما كانت الحرب عبارة عن النهب والسلب والقتل والإغارة والظلم والبغي والعدوان وأخذ الثأر
والفوز بالوتر وكبت الضعيف وتخريب العمران وتدمير البنيان وهتك حرمات النساء والقسوة على الضعيف
والولائد والصبيان وإهلاك الحرث والنسل والعبث والفساد في الأرض في الجاهلية، إذ صارت هذه الحرب
في الإسلام جهاداً في تحقيق أهداف نبيلة وأغراض سامية وغايات محمودة يعتز بها المجتمع الإنساني
في كل زمان ومكان وغدت الحرب جهاداً في تخليص الإنسان من نظام القهر والعدوان.
إن تحول المجتمع إلى نظام العدل والنصف بدلاً عن نظام يأكل فيه القوي الضعيف، حتى يصير المجتمع إلى
نظام يصير فيه القوي ضعيفاً حتى يؤخذ الحق منه وصارت بذلك الحرب جهاداً لتخليص المستضعفين من
الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك ولياً
واجعل لنا من لدنك نصيراً. وصارت جهاداً في تطهير أرض الله من الغدر والخيانة والإثم والعدوان وغدت
وسيلة لبسط الأمن والسلامة والرأفة والرحمة ومراعاة الحقوق والمروءة.
أومن قام بتبديل الحرب من شرٍّ محضٍ إلى خيرٍ محضٍ يكون إرهابياً أو سفاكٍ للدماء؟.
أفترى من يأمر بهذا العدل والإنصاف والرحمة والرأفة حتى مع العدو أثناء القتال يمكن أن يوصف بأنه إرهابي
أو قاتل أو سفاك للدماء؟ سبحانك هذا بهتان عظيم!!
علماً بأن جميع البلاد التي فتحها بالسيف ظهر فيها الإسلام وانتشر وثبت أهلها على الإسلام، مما يؤكد
أن انتشار الإسلام وثباته لصفاته الذاتية فيه وليس انتشاره عائداً إلى نشره بالقوة والسيف فقط كما أن
أكثر بقاع الإسلام وبلاده مما فتح سلماً دون حرب أو قتال كما ثبت ذلك في دواوين السيرة وكتب التاريخ.
إن هذه الشبه والتهم التي يطلقها أعداء الإسلام على نبينا صلى الله عليه وسلم لم تكن يوماً لتوهي
من عضد الرسالة أو الرسول الذي بعث بها:
(يريدون أن يطفؤوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون) [التوبة : 32].
بل ربما كانت هذه الشبه فأل خير لهذا الدين إذ أنه ومنذ ظهور فجر النبوة المحمدية كانت هذه الشبه والاتهامات
سبباً وباعثاً قوياً في إقبال الناس على دعوته صلى الله عليه وسلم فكلما زادت التهم زاد تحري الناس
وسؤالهم عن الرسول والرسالة فيقودهم ذلك إلى الانبهار بأضواء النبوة حتى يسلمهم ذلك إلى الدخول في
دين الله أفواجاً والحمد لله أولاً وآخراً.
وقولنا لمن يروج هذه الشبه والتهم هو ما قاله حسان ابن ثابت في المنافحة عن النبي صلى الله عليه وسلم
والذب عنه وهو أجمل ما قيل في الذب عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستطع أحد أن يحلق..
إلى ما دون هذا فضلاً عن أن يساميه وأنّى لهم ذلك وهو المؤيد بروح القدس، يقول – رضي الله عنه:

هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه **** وعند الله في ذاك الجزاءُ
هجوت مباركاً براً حنيفاً **** أمين الله شيمته الوفاءُ
أتهجوه ولستَ له بكفء؟ **** فشركما لخير كما الفداءُ
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم وقاءُ


وإذا كان هذا ما قاله مؤمن به، فإن ما ورد عن أعداءه من الثناء عليه كثيرٌ جداً – والحق ما شهدت به الأعداء –
فهذا الدكتور مايكل هارت الذي ألف كتاب (المائة الأوائل).
يضع في المقام الأول نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويعلل ذلك بقوله:
(( إن اختيار المؤلف لمحمد صلى الله عليه وسلم ليكون في رأس القائمة التي تضم الأشخاص الذين كان لهم
أعظم تأثير عالمي في مختلف المجالات، إن هذا الاختيار ربما أدهش الكثير من القراء
(يقصد بهم القراء من
غير المسلمين الذين ألف لهم الكتاب، وإلا فإن المسلمين يعتقدون عقيدة جازمة بأن محمد..
صلى الله عليه وسلم هو خير الثقلين
) إلى حد قد يثير بعض التساؤلات، ولكن في اعتقاد المؤلف..
أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح بشكل أسمى وأبرز في كلا
المستويين الديني والدنيوي.
لقد أسس محمد صلى الله عليه وسلم ونشر أحد أعظم الأديان في العالم، وأصبح أحد الزعماء العالميين
السياسيين العظام.
ففي هذه الأيام وبعد مرور ثلاثة عشر قرناً تقريباً على وفاته، فإن تأثيره لا يزال قوياً وعارماً
))*.


*كتاب (المائة الأوائل في المقدمة) للدكتور مايكل هارت.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:59 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


تعدد زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم

أ.د محمود حمدي زقزوق


قالوا إنه صلى الله عليه وسلم:
· تزوج زوجة ابنه بالتبني (زيد بن حارثة).
· أباح لنفسه الزواج من أي امرأة تهبه نفسها (الخلاصة أنه شهواني).

الرد على الشبهة:
الثابت المشهور من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج إلا بعد أن بلغ الخامسة والعشرين من العمر.
والثابت كذلك أن الزواج المبكر كان من أعراف المجتمع الجاهلي رغبة في الاستكثار من البنين خاصة ليكونوا
للقبيلة عِزًّا ومنعة بين القبائل.
ومن الثابت كذلك في سيرته الشخصية صلى الله عليه وسلم اشتهاره بالاستقامة والتعفف عن الفاحشة
والتصريف الشائن الحرام للشهوة، رغم امتلاء المجتمع الجاهلي بشرائح من الزانيات اللاتي كانت لهن بيوت
يستقبلن فيها الزناة ويضعن عليها " رايات " ليعرفها طلاب المتع المحرمة.
ومع هذا كله ـ مع توفر أسباب الانحراف والسقوط في الفاحشة في مجتمع مكة ـ لم يُعرَف عن الرسول محمد
صلى الله عليه وسلم إلا التعفف والطهارة بين جميع قرنائه؛ ذلك لأن عين السماء كانت تحرسه وتصرف عنه
كيد الشيطان.
ويُرْوَى في ذلك أن بعض أترابه الشباب أخذوه ذات يوم إلى أحد مواقع المعازف واللهو فغشَّاه الله بالنوم فما
أفاق منه إلا حين أيقظه أترابه للعودة إلى دورهم. ( هذه واحدة )..
( أما الثانية ) .. فهي أنه حين بلغ الخامسة والعشرين ورغب في الزواج لم يبحث عن "البكر" التي تكون
أحظى للقبول وأولى للباحثين عن مجرد المتعة.
وإنما تزوج امرأة تكبره بحوالي خمسة عشر عامًا، ثم إنها ليست بكرًا بل هي ثيب، ولها أولاد كبار أعمار
أحدهم يقترب من العشرين؛ وهي السيدة خديجة وفوق هذا كله فمشهور أنها هي التي اختارته بعد
ما لمست بنفسها ـ من خلال مباشرته لتجارتها ـ من أمانته وعفته وطيب شمائله صلى الله عليه وسلم.
( والثالثة ) .. أنه صلى الله عليه وسلم بعد زواجه منها دامت عشرته بها طيلة حياتها ولم يتزوج عليها حتى
مضت عن دنياه إلى رحاب الله. وقضى معها - رضي الله عنها - زهرة شبابه وكان له منها أولاده جميعًا إلا
إبراهيم الذي كانت أمه السيدة "مارية" القبطية.
( والرابعة ) .. أنه صلى الله عليه وسلم عاش عمره بعد وفاتها - رضي الله عنها - محبًّا لها يحفظ لها أطيب
الذكريات ويعدد مآثرها وهي مآثر لها خصوص في حياته وفي نجاح دعوته فيقول في بعض ما قال عنها:
[ صدقتني إذ كذبني الناس وأعانتني بمالها ]. بل كان صلى الله عليه وسلم لا يكف عن الثناء عليها والوفاء
لذكراها والترحيب بمن كن من صديقاتها، حتى أثار ذلك غيرة السيدة عائشة - رضي الله عنها.

أما تعدد زوجاته صلى الله عليه وسلم فكان كشأن غيره من الأنبياء له أسبابه منها:
أولاً: كان عُمْرُ محمد صلى الله عليه وسلم في أول زواج له صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة تجاوز
الخمسين وهي السنّ التي تنطفئ فيها جذوة الشهوة وتنام الغرائز الحسية بدنيًّا، وتقل فيها الحاجة
الجنسية إلى الأنثى وتعلو فيها الحاجة إلى من يؤنس الوحشة ويقوم بأمر الأولاد والبنات اللاتي تركتهم
خديجة - رضي الله عنها -.

وفيما يلي بيان هذا الزواج وظروفه.
الزوجة الأولى: سودة بنت زمعة: كان رحيل السيدة خديجة - رضي الله عنها - مثير أحزان كبرى في بيت النبي
صلى الله عليه وسلم وفي محيط الصحابة - رضوان الله عليهم - إشفاقًا عليه من الوحدة وافتقاد من يرعى
شئونه وشئون أولاده. ثم تصادف فقدانه صلى الله عليه وسلم عمه أبا طالب نصيره وظهيره وسُمِّىَ العام
الذي رحل فيه نصيراه خديجة وأبو طالب عام الحزن.
في هذا المناخ.. مناخ الحزن والوحدة وافتقاد من يرعى شئون الرسول وشئون أولاده سعت إلى بيت الرسول
واحدة من المسلمات تُسمى خولة بنت حكيم السلمية وقالت: له يا رسول الله كأني أراك قد دخلتك خلّة لفقد
خديجة فأجاب صلى الله عليه وسلم: [ أجل كانت أم العيال وربة البيت]، فقالت يا رسول الله: ألا أخطب عليك ؟.
فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ولكن – من بعد خديجة ؟!
فذكرت له عائشة بنت أبى بكر فقال الرسول: لكنها ما تزال صغيره فقالت: تخطبها اليوم ثم تنتظر حتى تنضج..
قال الرسول ولكن من للبيت ومن لبنات الرسول يخدمهن ؟
فقالت خولة: إنها سودة بنت زمعة، وعرض الأمر على سودة ووالدها:
فتم الزواج ودخل بها صلى الله عليه وسلم بمكة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن سودة هذه كانت زوجة للسكران بن عمرو وتوفي عنها زوجها بمكة فلما حلّت تزوجها
الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت أول امرأة تزوجها صلى الله عليه وسلم بعد خديجة، وكان ذلك في رمضان
سنة عشر من النبوة.
وعجب المجتمع المكي لهذا الزواج لأن "سودة" هذه ليست بذات جمال ولا حسب ولا تصلح أن تكون خلفًا لأم
المؤمنين خديجة التي كانت عند زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بها جميلة وضيئة وحسيبة تطمح،
إليها الأنظار.
وهنا أقول للمرجفين الحاقدين: هذه هي الزوجة الأولى للرسول بعد خديجة، فهي مؤمنة هاجرت الهجرة الأولى
مع من فرّوا بدينهم إلى الحبشة وقد قَبِلَ الرسول زواجها حماية لها وجبرًا لخاطرها بعد وفاة زوجها إثر عودتهما
من الحبشة.
وليس الزواج بها سعارَ شهوة للرسول ولكنه كان جبرًا لخاطر امرأة مؤمنة خرجت مع زوجها من أهل الهجرة
الأولى إلى الحبشة ولما عادا توفي زوجها وتركها امرأة تحتاج هي وبنوها إلى من يرعاهم.
الزوجة الثانية بعد خديجة:
عائشة بنت أبى بكر الذي يقول عنه الرسول صلى الله عليه وسلم:
"إن من آمن الناس علىّ في ماله وصحبته أبا بكر، ولو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً، ولكن أخوة
الإسلام..".

ومعروف من هو أبو بكر الذي قال عنه الرسول صلى الله عليه وسلم متحدثاً عن عطائه للدعوة
" ما نفعني مالٌ قط ما نفعني مال أبى بكر "، وأم عائشة هي أم رومان بنت عامر الكناني من الصحابيات
الجليلات، ولما توفيت نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قبرها واستغفر لها وقال:
"اللهم لم يخف عليك ما لقيت أم رومان فيك وفي رسولك صلى الله عليه وسلم"، وقال عنها يوم وفاتها:
"من سرّه أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان" ولم يدهش مكة نبأ المصاهرة بين أعز
صاحبين؛ بل استقبلته كما تستقبل أمرًا متوقعاً؛
ولذا لم يجد أي رجل من المشركين في هذا الزواج أي مطعن - وهم الذين لم يتركوا مجالاً للطعن إلا سلكوه
ولو كان زورًا وافتراء.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بفتاة بينه وبينها قرابة خمسين عامًا ليس بدعا
ولا غريبًا لأن هذا الأمر كان مألوفًا في ذلك المجتمع. لكن المستشرقين ومن تحمل قلوبهم الحقد من بعض
أهل الكتاب - على محمد صلى الله عليه وسلم - جعلوا من هذا الزواج اتهامًا للرسول وتشهيرًا به بأنه رجل
شهواني غافلين بل عامدين إلى تجاهل ما كان واقعًا في ذلك المجتمع من زواج الكبار بالصغيرات كما في
هذه النماذج:
- فقد تزوج عبد المطلب جد الرسول صلى الله عليه وسلم من هالة بنت عم آمنة التي تزوجها أصغر أبنائه
عبد الله ـ والد الرسول صلى الله عليه وسلم.
- وتزوج عمر بن الخطاب ابنة على بن أبى طالب وهو أكبر سنًّا من أبيها.
- وعرض عمر على أبى بكر أن يتزوج ابنته الشابة " حفصة " وبينهما من فارق السن مثل الذي بين المصطفي
صلى الله عليه وسلم وبين " عائشة " (1).
كان هذا واقع المجتمع الذي تزوج فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة. لكن المستشرقين والممتلئة
قلوبهم حقدًا من بعض أهل الكتاب لم ترَ أعينهم إلا زواج محمد بعائشة والتي جعلوها حدث الأحداث -
على حد مقولاتهم - أن يتزوج الرجل الكهل بالطفلة الغريرة العذراء (2).
قاتل الله الهوى حين يعمى الأبصار والبصائر!
الزوجة الثالثة:
حفصة بنت عمر الأرملة الشابة: توفي عنها زوجها حنيس بن حذافة السهمي وهو صحابي
جليل من أصحاب الهجرتين - إلى الحبشة ثم إلى المدينة - ذلك بعد جراحة أصابته في غزوة أُحد حيث فارق
الحياة وأصبحت حفصة بنت عمر بن الخطاب أرملة وهي شابة.
وكان ترمّلها مثار ألم دائم لأبيها عمر بن الخطاب الذي كان يحزنه أن يرى جمال ابنته وحيويتها تخبو يومًا
بعد يوم..
وبمشاعر الأبوة الحانية وطبيعة المجتمع الذي لا يتردد فيه الرجل من أن يخطب لابنته من يراه أهلاً لها..
بهذه المشاعر تحدث عمر إلى الصديق " أبى بكر " يعرض عليه الزواج من حفصة لكن أبا بكر يلتزم الصمت
ولا يرد بالإيجاب أو بالسلب.
فيتركه عمر ويمضى إلى ذي النورين عثمان بن عفان فيعرض عليه الزواج من حفصة فيفاجئه عثمان بالرفض..
فتضيق به الدنيا ويمضى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يخبره بما حدث فيكون رد الرسول ..
صلى الله عليه وسلم عليه هو قوله: [يتزوج حفصةَ خيرٌ من عثمان ويتزوج عثمان خيرًا من حفصة] (3).
وأدركها عمر - رضي الله عنه - بفطرته إذ معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما استشعره عمر هو
أن من سيتزوج ابنته حفصة هو الرسول نفسه وسيتزوج عثمان إحدى بنات الرسول صلى الله عليه وسلم.
وانطلق عمر إلى حفصة والدنيا لا تكاد تسعه من الفرحة وارتياح القلب إلى أن الله قد فرّج كرب ابنته.
الزوجة الرابعة:
أم سلمة بنت زاد الراكب: من المهاجرين الأولين إلى الحبشة وكان زوجها (أبو سلمة) عبد الله
ابن عبد الأسد المخزومي أول من هاجر إلى يثرب (المدينة) من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
جاءت إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم كزوجة بعد وفاة " أم المساكين زينب بنت خزيمة الهلالية "
بزمن غير قصير.
سليلة بيت كريم، فأبوها أحد أجواد قريش المعروفين بلقب زاد الراكب؛ إذ كان لا يرافقه أحد في سفر
إلا كفاه زاده.
وزوجها الذي مات عنها صحابي من بني مخزوم ابن عمة المصطفي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة
ذو الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة. وكانت هي و زوجها من السابقين إلى الإسلام. وكانت هجرتهما
إلى المدينة معًا وقد حدث لها ولطفلها أحداث أليمة ومثيرة ذكرتها كتب السير. رضي الله عن أم سلمة..
ولا نامت أعين المرجفين.
الزوجة الخامسة:
زينب بنت جحش
: لم أرَ امرأة قط خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثًا وأوصل
للرحم وأعظم صدقة وأشد تبديلا إلا لنفسها في العمل الذي تتصدق وتتقرب به إلى الله عز وجل؟(4).
هكذا تحدثت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها– عن " ضرّتها " زينب بنت جحش. أما المبطلون الحاقدون
من بعض أهل الكتاب فقالوا: أُعْجِب محمد صلى الله عليه وسلم ـ وحاشا له - بزوجة متبناه " زيد بن حارثة "
فطلقها منه وتزوجها.
ويرد الدكتور هيكل في كتابه "حياة محمد"(5) صلى الله عليه وسلم على هذا فيقول: إنها شهوة التبشير
المكشوف تارة والتبشير باسم العلم تارة أخرى، والخصومة القديمة للإسلام تأصلت في النفوس منذ
الحروب الصليبية هي التي تملى على هؤلاء جميعًا ما يكتبون.
والحق الذي كنا نود أن يلتفت إليه المبطلون الحاقدون على الإسلام ورسوله صلى الله عليه وسلم..
هو أن زواج محمد صلى الله عليه وسلم من زوجة ابنه بالتبني زيد بن حارثة إنما كان لحكمة تشريعية أرادها
الإسلام لإبطال هذه العادة ـ عادة التبني ـ التي هي في الحقيقة تزييف لحقائق الأمور كان لها في واقع
الناس والحياة آثار غير حميدة.
ولأن هذه العادة كانت قد تأصلت في مجتمع الجاهلية اختارت السماء بيت النبوة بل نبي الرسالة الخاتمة
نفسه صلى الله عليه وسلم ليتم على يديه وفي بيته الإعلان العلمي عن إبطال هذه العادة.
وتجدر الإشارة هنا إلى مجموعة الآيات القرآنية التي جاءت إعلاناً عن هذا الحكم المخالف لعادات الجاهلية
وتفسيرًا للتشريع الجديد في هذه ـ المسألة و في موضوع الزواج بزينب حيث تقول:
(ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)(6).
( ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم )(7).
(وإذ تقول للذى أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه
وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرًا زوجناكها لكيلا يكون على المؤمنين حرج في
أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرًا وكان أمر الله مفعولاً
) (8).
مرة أخرى نذكر بأن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم من زينب لم تكن وراءه أبدًا شهوة أو رغبة جنسية وإنما
كان أمرًا من قدر الله وإرادته لإبطال عادة التبني من خلال تشريع يتردد صداه بأقوى قوة في المجتمع الجاهلي
الذي كانت عادة التبني أصلاً من أصوله وتقليدًا مستقرًا فيه، فكان السبيل لأبطالها أن يتم التغيير في بيت
النبوة وعلى يد الرسول نفسه صلى الله عليه وسلم.
وقد فطنت السيدة " زينب بنت جحش " نفسها إلى هذا الأمر فكانت تباهي به ضراتها وتقول لهن:
" زوجكن أهاليكن وزوجني ربي من فوق سبع سمَاوات"(9).
أما لماذا كان زيد بن حارثة نفسه يتردد على الرسول معربًا عن رغبته في تطليق زينب؛
فلم يكن - كما زعم المرجفون - أنه شعر أن الرسول يرغب فيها فأراد أن يتنازل عنها له..
ولكن لأن حياته معها لم تكن على الوفاق أو التواد المرغوب فيه؛ ذلك أن زينب بنت جحش لم تنس أبدًا ـ
وهي الحسيبة الشريفة والجميلة أيضًا أنها أصبحت زوجًا لرجل كان رقيقًا عند بعض أهلها وأنه
ـ عند الزواج بها ـ كان مولىً للرسول صلى الله عليه وسلم أعتقه بعد ما اشتراه ممن أسره من قريش
وباعه بمكة.
فهو ـ وإن تبناه محمد وبات يسمى زيد بن محمد في عرف المجتمع المكي كله، لكنه عند العروس الحسيبة
الشريفة والجميلة أيضا ما يزال ـ كما كان بالأمس - الأسير الرقيق الذي لا يمثل حُلم من تكون في مثل حالها
من الحسب والجمال وليس هذا بغريب بل إنه من طبائع الأشياء.
ومن ثم لم تتوهج سعادتها بهذا الزواج، وانعكس الحال على زيد بن حارثة فانطفأ في نفسه توهج السعادة
هو الآخر، وبات مهيأ النفس لفراقها بل لقد ذهب زيد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يشكو زينب إليه
كما جاء في البخاري من حديث أنس قال: جاء زيد يشكو إلى الرسول فجعل صلى الله عليه وسلم يقول له:
[أمسك عليك زوجك واتق الله](10) قال أنس: لو كان النبي كاتمًا شيئًا لكتم هذا الحديث.
لكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول له كما حكته الآية: أمسك عليك زوجك ولا تسارع بتطليقها.
وزينب بنت جحش هي بنت عمة الرسول صلى الله عليه وسلم ..
- كما سبقت الإشارة – وهو الذي زوجها لمولاه "زيد" ولو كانت به رغبة فيها لاختارها لنفسه؛ وخاصة أنه
رآها كثيراً قبل فرض الحجاب، وكان النساء في المجتمع الجاهلي غير محجبات فما كان يمنعه
– إذًا – من أن يتزوجها من البداية؟! ولكنه لم يفعل.
فالأمر كله ليس من عمل الإرادة البشرية لهم جميعًا: لا لزينب ولا لزيد ولا لمحمد صلى الله عليه وسلم،
ولكنه أمر قدري شاءته إرادة الله لإعلان حكم وتشريع جديدين في قضية إبطال عادة "التبني"
التي كانت سائدة في المجتمع آنذاك.
يؤكد هذا ويدل عليه مجموع الآيات الكريمة التي تعلقت بالموضوع في سورة الأحزاب.
أما الجملة التي وردت في قوله تعالى: ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن
تخشاه
)(11). فإن ما أخفاه النبي صلى الله عليه وسلم هو كتم ما كان الله قد أخبره به من أن زينب
ـ يومًا ما ـ ستكون زوجًا له؛ لكنه لم يصرح به خشية أن يقول الناس: إنه تزوج زوجة ابنه بالتبني(12).
الزوجة السادسة: جويرية بنت الحارث الخزاعية: الأميرة الحسناء التي لم تكن امرأة أعظم بركة على قومها
منها فقد أعتق الرسول صلى الله عليه وسلم بعد زواجه بها أهل مائة بيت من بني المصطلق
(التي هي منهم).
كانت ممن وقع في الأسر بعد هزيمة بني المصطلق من اليهود في الغزوة المسماة باسمهم. وكاتبها من
وقعت في أسره على مال فذهبت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لها:
"أو خير من ذلك؟ قالت: وما هو؟ قال: أقضى عنك كتابتك وأتزوجك. قالت: وقد أفاقت من مشاعر الهوان
والحزن: نعم يا رسول الله. قال: قد فعلت
"(13).
وذاع الخبر بين المسلمين: أن رسول صلى الله عليه وسلم قد تزوج بنت الحارث بن ضرار زعيم بني
المصطلق وقائدهم في هذه الغزوة.
معنى هذا أن جميع من بأيديهم من أسرى بني المصطلق قد أصبحوا بعد هذا الزواج كأنهم أصهار
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وإذا تيار من الوفاء والمجاملة من المسلمين للرسول صلى الله عليه وسلم تجسد في إطلاق المسلمين لكل
من بأيديهم من أسرى بني المصطلق وهم يقولون: أصهار رسول الله، فلا نبقيهم أسرى.
ومع أن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الأسيرة بنت سيد قومها والذي جاءته ضارعة مذعورة مما يمكن
أن تتعرض له من الذل من بعد عزة.. فإذا هو يرحمها بالزواج، ثم يتيح لها الفرصة لأن تعلن إسلامها وبذا تصبح
واحدة من أمهات المؤمنين.
ويقولون: إنه نظر إليها.
وأقول: أما أنه نظر إليها فهذا لا يعيبه ـ وربما كان نظره إليها ضارعة مذعورة – هو الذي حرك في نفسه
صلى الله عليه وسلم عاطفة الرحمة التي كان يأمر بها بمن في مثل حالتها ويقول: [ارحموا عزيز قوم ذل
فرحمها وخيرها فاختارت ما يحميها من هوان الأسر ومذلة الأعزة من الناس.
على أن النظر شرعًا مأذون به عند الإقدام على الزواج - كما في هذه الحالة -
وكما أمر به صلى الله عليه وسلم أحد أصحابه عند رغبته في الزواج - قائلاً له: [انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم
بينكما
](14).
وقد توفيت في دولة بنى أمية وصلى عليها عبد الملك بن مروان وهي في السبعين من العمر
- رضي الله عنها.
الزوجة السابعة: صفية بنت حُيىّ ـ عقيلة بنى النضير: إحدى السبايا اللاتي وقعن في الأسر بعد هزيمة
يهود بني النضير أمام المسلمين في الوقعة المسماة بهذا الاسم، كانت من نصيب النبي..
صلى الله عليه وسلم فأعتقها وتزوجها: فماذا في ذلك؟! ولم يكن عتقه إياها وتزوجها بدعًا في ذلك؛
وإنما كان موقفًا جانب الإنسانية فيه هو الأغلب والأسبق.
فلم يكن هذا الموقف إعجابًا بصفية وجمالها؛ ولكنه موقف الإنسانية النبيلة التي يعبر عنها السلوك النبيل
بالعفو عند المقدرة والرحمة والرفق بمن أوقعتهن ظروف الهزيمة في الحرب في حالة الاستضعاف والمذلة,
لا سيما وقد أسلمن وحسن إسلامهن.
فقد فعل ذلك مع "صفية بنت حُيىّ" بنت الحارس عقيلة بني النضير (اليهود) أمام المسلمين في الموقعة
المعروفة باسم (غزوة بني قريظة) بعد انهزام الأحزاب وردّهم مدحورين من وقعة الخندق.
الزوجة الثامنة:
أم حبيبة بنت أبى سفيان نجدة نبوية لمسلمة في محنة: إنها أم حبيبة "رملة" بنت أبى
سفيان كبير مشركي مكة وأشد أهلها خصومة لمحمد صلوات الله وسلامه عليه.
كانت زوجًا لعبيد الله بن جحش وخرجا معًا مهاجرين بإسلامهما في الهجرة الأولى إلى الحبشة، وكما هو
معروف أن الحبشة في عهد النجاشي كانت هي المهجر الآمن للفارين بدينهم من المسلمين حتى يخلصوا
من بطش المشركين بهم وعدوانهم عليهم؛ فإذا هم يجدون في – ظل النجاشي –
رعاية وعناية لما كان يتمتع به من حس إيماني جعله يرحب بأتباع النبي الجديد الذي تم التبشير بمقدمه
في كتبهم على لسان عيسى بن مريم– عليه السلام – كما تحدث القرآن عن ذلك في صورة الصف في
قوله: ( وإذ قال عيسى بن مريم يا بنى إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقًا لما بين يدي من التوراة ومبشرًا
برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد
)(15).
لكن أم حبيبة بنت أبى سفيان كانت وحدها التي تعرضت لمحنة قاسية لم يتعرض لمثلها أحد من هؤلاء
المهاجرين الأوائل إلى الحبشة؛ ذلك أن زوجها عبيد الله بن جحش قد أعلن ارتداده عن الإسلام ودخوله في
النصرانية وما أصعب وأدق حال امرأة باتت في محنة مضاعفة: محنتها في زوجها الذي ارتد وخان..
ومحنتها السابقة مع أبيها الذي فارقته مغاضبة إياه في مكة منذ دخلت في دين الله (الإسلام)..
وفوق هاتين المحنتين كانت محنة الاغتراب حيث لا أهل ولا وطن ثم كانت محنة حملها بالوليدة التي كانت
تنتظرها والتي رزقت بها من بعد وأسمتها "حبيبة".. كان هذا كله أكبر من عزم هذه المسلمة الممتحنة
من كل ناحية والمبتلاة بالأب الغاضب والزوج الخائن!!
لكن عين الله ثم عين محمد صلى الله عليه وسلم سخرت لها من لطف الرعاية وسخائها ما يسّر العين ويهون
الخطب، وعادت بنت أبى سفيان تحمل كنية جديدة، وبدل أن كانت " أم حبيبة " أصبحت " أم المؤمنين "
وزوج سيد المسلمين - صلوات الله وسلامه عليه.
والحق أقول: لقد كان نجاشي الحبشة من خلّص النصارى فأكرم وفادة المهاجرين عامة وأم المؤمنين بنت
أبى سفيان بصفة خاصة. فأنفذ في أمرها مما بعث به إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخطبها له.
وكانت خطبة الرسول صلى الله عليه وسلم لأم حبيبة بنت أبى سفيان نعم الإنقاذ والنجدة لهذه المسلمة
المبتلاة في الغربة؛ عوضتها عن الزوج الخائن برعاية سيد البشر صلى الله عليه وسلم؛
وعوضتها عن غضب الأب "أبى سفيان" برعاية الزوج الحاني الكريم صلوات الله عليه.
كما كانت هذه الخطبة في مردودها السياسي ـ لطمة كبيرة لرأس الكفر في مكة أبى سفيان بن حرب
الذي كان تعقيبه على زواج محمد لابنته هو قوله: "إن هذا الفحل لا يجدع أنفه"؛ كناية عن الاعتراف بأن
محمدًا لن تنال منه الأيام ولن يقوى أهل مكة - وهو على رأسهم - على هزيمته والخلاص منه لأنه ينتقل
كل يوم من نصر إلى نصر.
كان هذا الاعتراف من أبى سفيان بخطر محمد وقوته كأنه استشفاف لستر الغيب أو كما يقول المعاصرون:
تنبؤ بالمستقبل القريب وتمام الفتح.
فما لبث أن قبل أبو سفيان دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم إياه إلى الإسلام وشهد ألا إله إلا الله وأن
محمدًا رسول الله.
وتقدم أحد الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأله قائلاً:
" إن أبا سفيان رجل يحب الفخر فهلا جعلت له ما يحل عقدته ويسكن حقده وغيظه، فقال صلوات الله وسلامه
عليه في ضمن إعلانه التاريخي الحضاري العظيم لأهل مكة عند استسلامهم وخضوعهم بين يديه
":
· من دخل داره فهو آمن.
· ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن.
· ومن دخل دار أبى سفيان فهو آمن "(16).

وانتصر الإسلام وارتفع لواء التوحيد ودخل الناس في دين الله أفواجًا.
وفي مناخ النصر العظيم.. كانت هي سيدة غمرتها السعادة الكبرى بانتصار الزوج ونجاة الأب والأهل
من شر كان يوشك أن يحيط بهم.
تلكم هي أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبى سفيان التي أحاطتها النجدة النبوية من خيانة الزوج وبلاء الغربة
ووضعتها في أعز مكان من بيت النبوة.
الزوجة التاسعة:
ميمونة بنت الحارث الهلالية أرملة يسعدها أن يكون لها رجل: آخر أمهات المؤمنين..
توفي عنها زوجها أبو رهم بن عبد العزّى العامري؛ فانتهت ولاية أمرها إلى زوج أختها العباس الذي زوجها
رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث بنى بها الرسول ـ في " سرف " قرب " التنعيم" على مقربة من مكة
حيث يكون بدء الإحرام للمعتمرين من أهل مكة والمقيمين بها.
وقيل: إنه لما جاءها الخاطب بالبشرى قفزت من فوق بعيرها وقالت:
البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل:
إنها هي التي وهبت نفسها للنبي والتي نزل فيها قوله تعالى: (وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي
إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين
..)(17).
كانت آخر أمهات المؤمنين وآخر زوجاته صلوات الله وسلامه عليه.



(1) تراجم لسيدات بيت النبوة للدكتورة بنت الشاطئ: ص 250 وما بعدها.
(2) المصدر السابق.
(3) انظر سيدات بيت النبوة للدكتورة بنت الشاطئ ص 324 (4) صحيح مسلم كتاب الفضائل.
(5) حياة محمد ص 29.
(6) الأحزاب: 40.
(7) الأحزاب: 5.
(8) الأحزاب: 37.
(9) رواه البخاري (كتال التوحيد 6108).
(10) رواه البخاري (كتاب التوحيد).
(11) الأحزاب: 37.
(12) انظر فتح الباري 8 / 371 عن سيدات بيت النبوة لبنت الشاطئ ص 354.
(13) رواه البخاري: فتح الباري _ كتال النكاح باب 14.
(14) رواه البخاري: فتح الباري ـ كتاب النكاح باب 36.
(15) الصف: 6.
(16) رواه البخاري – فتح الباري – " كتاب المغازي ".
(17) الأحزاب: 50.






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 04:00 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


حول عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم وموقف القرآن من العصمة

أ.د محمود حمدي زقزوق

هناك من لا يعترفون بأن الرسول معصوم عن الخطأ ، ويقدمون الأدلة على ذلك بسورة [عبس وتولى] وكذلك
عندما جامل الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاته، ونزلت الآية الكريمة التي تنهاه عن ذلك (انتهى).

الرد على الشبهة:
إن عصمة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكذلك عصمة كل الرسل - عليهم السلام - يجب أن تفهم في نطاق
مكانة الرسول.. ومهمة الرسالة.. فالرسول: بشر يُوحَى إليه.. أي أنه - مع بشريته - له خصوصية الاتصال..
بالسماء ، بواسطة الوحي.. ولذلك فإن هذه المهمة تقتضى صفات يصنعها الله على عينه فيمن يصطفيه ،
كي تكون هناك مناسبة بين هذه الصفات وبين هذه المكانة والمهام الخاصة الموكولة إلى صاحبها.
والرسول مكلف بتبليغ الرسالة، والدعوة إليها، والجهاد في سبيل إقامتها وتطبيقها.. وله على الناس طاعة
هي جزء من طاعة الله - سبحانه وتعالى-(أطيعوا الله وأطيعوا الرسول), (قل أطيعوا الله والرسول),
(من يطع الرسول فقد أطاع الله), (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله)، ولذلك كانت عصمة الرسل
فيما يبلغونه عن الله ضرورة من ضرورات صدقهم والثقة في هذا البلاغ الإلهي الذي اختيروا ليقوموا به بين
الناس.. وبداهة العقل - فضلاً عن النقل - تحكم بأن مُرْسِل الرسالة إذا لم يتخير الرسول الذي يضفى الصدق
على رسالته ، كان عابثًا.. وهو ما يستحيل على الله، الذي يصطفى من الناس رسلاً تؤهلهم العصمة لإضفاء
الثقة والصدق على البلاغ الإلهي.. والحُجة على الناس بصدق هذا الذي يبلغون.
وفى التعبير عن إجماع الأمة على ضرورة العصمة للرسول فيما يبلغ عن الله، يقول الشيخ محمد عبده عن
عصمة الرسل - كل الرسل-: "... ومن لوازم ذلك بالضرورة: وجوب الاعتقاد بعلو فطرتهم، وصحة عقولهم،
وصدقهم في أقوالهم، وأمانتهم في تبليغ ما عهد إليهم أن يبلغوه، وعصمتهم من كل ما يشوه السيرة
البشرية، وسلامة أبدانهم مما تنبو عنه الأبصار وتنفر منه الأذواق السليمة، وأنهم منزهون عما يضاد شيئًا
من هذه الصفات، وأن أرواحهم ممدودة من الجلال الإلهي بما لا يمكن معه لنفس إنسانية أن تسطو عليها
سطوة روحانية.. إن من حكمة الصانع الحكيم - الذي أقام الإنسان على قاعدة الإرشاد والتعليم - أن يجعل
من مراتب الأنفس البشرية مرتبة يُعدُّ لها، بمحض فضله، بعض مَنْ يصطفيه من خلقه، وهو أعلم حيث يجعل
رسالته، يميزهم بالفطرة السليمة، ويبلغ بأرواحهم من الكمال ما يليقون معه للاستشراق بأنوار علمه،
والأمانة على مكنون سره، مما لو انكشف لغيرهم انكشافه لهم لفاضت له نفسه، أو ذهبت بعقله جلالته
وعظمته، فيشرفون على الغيب بإذنه، ويعلمون ما سيكون من شأن الناس فيه ، ويكونون في مراتبهم
العلوية على نسبة من العالمين، نهاية الشاهد وبداية الغائب ، فهم في الدنيا كأنهم ليسو من أهلها ، هم
وفد الآخرة في لباس من ليس من سكانها
..
أما فيما عدا ذلك - [أي الاتصال بالسماء والتبليغ عنها] - فهم بشر يعتريهم ما يعترى سائر أفراده ، يأكلون
ويشربون وينامون ويسهون وينسون فيما لا علاقة له بتبليغ الأحكام ، ويمرضون وتمتد إليهم أيدي الظلمة ،
وينالهم الاضطهاد ، وقد يقتلون
".
فالعصمة - كالمعجزة - ضرورة من ضرورات صدق الرسالة ، ومن مقتضيات
حكمة من أرسل الرسل - عليهم السلام -..
وإذا كان الرسول - كبشر - يجوز على جسده ما يجوز على أجساد البشر.. وإذا كان الرسول كمجتهد قد كان
يمارس الاجتهاد والشورى وإعمال العقل والفكر والاختيار بين البدائل في مناطق وميادين الاجتهاد التي لم
ينزل فيها وحى إلهي.. فإنه معصوم في مناطق وميادين التبليغ عن الله - سبحانه وتعالى - لأنه لو جاز عليه
الخطأ أو السهو أو مجانبة الحق والصواب أو اختيار غير الأولى في مناطق وميادين التبليغ عن الله لتطرق
الشك إلى صلب الرسالة والوحي والبلاغ ، بل وإلى حكمة من اصطفاه وأرسله ليكون حُجة على الناس..
كذلك كانت العصمة صفة أصيلة وشرطًا ضروريًا من شروط رسالة جميع الرسل - عليهم السلام -..
فالرسول في هذا النطاق - نطاق التبليغ عن الله - (وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحى يوحى).
وبلاغة ما هو بقول بشر، ولذلك كانت طاعته فيه طاعة لله، وبغير العصمة لا يتأتى له هذا المقام.
أما اجتهادات الرسول صلى الله عليه وسلم فيما لا وحى فيه، والتي هي ثمرة لإعماله..
لعقله وقدراته وملكاته البشرية، فلقد كانت تصادف الصواب والأولى ، كما كان يجوز عليها غير ذلك..
ومن هنا رأينا كيف كان الصحابة، رضوان الله عليهم في كثير من المواطن وبإزاء كثير من مواقف وقرارات
وآراء واجتهادات..
الرسول صلى الله عليه وسلم يسألونه - قبل الإدلاء بمساهماتهم في الرأي - هذا السؤال الذي شاع في
السُّنة والسيرة:
"يا رسول الله، أهو الوحي؟ أم الرأي والمشورة؟.." فإن قال: إنه الوحي. كان منهم السمع والطاعة له ، لأن
طاعته هنا هي طاعة لله.. وهم يسلمون الوجه لله حتى ولو خفيت الحكمة من هذا الأمر عن عقولهم،
لأن علم الله - مصدر الوحي - مطلق وكلى ومحيط، بينما علمهم نسبى، قد تخفى عليه الحكمة التي
لا يعلمها إلا الله.. أما إن قال لهم الرسول - جوابًا عن سؤالهم -:
إنه الرأي والمشورة.. فإنهم يجتهدون ، ويشيرون ، ويصوبون.. لأنه صلى الله عليه وسلم هنا ليس معصومًا ،
وإنما هو واحد من المقدمين في الشورى والاجتهاد.. ووقائع نزوله عن اجتهاده إلى اجتهادات الصحابة كثيرة
ومتناثرة في كتب السنة ومصادر السيرة النبوية - في مكان القتال يوم غزوة بدر.. وفى الموقف من أسراها..
وفى مكان القتال يوم موقعة أُحد.. وفى مصالحة بعض الأحزاب يوم الخندق.. إلخ.. إلخ.
ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أراد الله له أن يكون القدوة والأسوة للأمة:
(لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا).
وحتى لا يقتدي الناس باجتهاد نبوي لم يصادف الأولى، كان نزول الوحي لتصويب اجتهاداته التي لم تصادف
الأولى، بل وعتابه - أحيانًا - على بعض هذه الاجتهادات والاختيارات من مثل:
(عبس وتولى * أن جاءه الأعمى * وما يدريك لعله يزكى * أو يذكر فتنفعه الذكرى * أما من استغنى *
فأنت له تصدى * وما عليك ألا يزكى * وأما من جاءك يسعى * وهو يخشى * فأنت عنه تلهى
). ومن مثل:
(يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغى مرضاة أزواجك والله غفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم
والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثًا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف
بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير
). ومن مثل:
(ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم *
لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم
).
وغيرها من مواطن التصويب الإلهي للاجتهادات النبوية فيما لم يسبق فيه وحى، وذلك حتى لا يتأسى الناس
بهذه الاجتهادات المخالفة للأولى.
فالعصمة للرسول صلى الله عليه وسلم ، فيما يبلغ عن الله شرط لازم لتحقيق الصدق والثقة في البلاغ
الإلهي، وبدونها لا يكون هناك فارق بين الرسول وغيره من الحكماء والمصلحين، ومن ثم لا يكون هناك فارق
بين الوحي المعصوم والمعجز وبين الفلسفات والإبداعات البشرية التي يجوز عليها الخطأ والصواب..
فبدون العصمة تصبح الرسالة والوحي والبلاغ قول بشر، بينما هي - بالعصمة - قول الله - سبحانه وتعالى -
الذي بلغه وبينه المعصوم - عليه الصلاة والسلام -.. فعصمة المُبَلِّغ هي الشرط لعصمة البلاغ..
بل إنها - أيضًا - الشرط لنفى العبث وثبوت الحكمة لمن اصطفى الرسول وبعثه وأوحى إليه بهذا البلاغ.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 04:01 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


دعوى: خلو الكتب السابقة من البشارة برسول الإسلام

أ.د محمود حمدي زقزوق

زعموا أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس برسول. وبنوا هذا الزعم على أربع شعب هي:
1. إن العهد والنبوة والكتاب محصورة في نسل إسحق لا إسماعيل.؟!
2. إن محمداً صلى الله عليه وسلم لم يأت بمعجزات.؟!
3. إن القرآن من نوادر الأعمال الإنسانية ، فليس هو معجزاً(1)؟!
4. إن الكتب السابقة - التوراة وملحقاتها والأناجيل - خلت من البشارة برسول الإسلام؟!

الرد على الشبة:
ولكن قبل أن نواجهها مواجهة مباشرة أريد أن أقدم كلمة موجزة بين يدي هذه المواجهة ، رأيت أن تقديمها من
أوجب الواجبات في هذا المجال.
وجود "البشارات" وعدمها سواء.. أجل: إن وجود البشارات وعدمها في الكتب المشار إليها آنفًا سواء، وجودها
مثل عدمها، وعدمها مثل وجودها
.
فرسالة رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم ليست في حاجة إلى دليل يقام عليها من خارجها، بحيث إذا لم
يوجد ذلك الدليل "الخارجي" بطلت - لا سمح الله - تلك الرسالة؛ فهي رسالة دليلها فيها، ووجود البشارات بها
في كتب متقدمة - زمنا - عليها لا يضيف إليها جديداً، وعدم وجود تلك البشارات لا ينال منها شيئاً قط.
فهي حقيقة قائمة بذاتها لها سلطانها الغني عما سواها. ودليلها قائم خالد صالح للفحص في كل زمان ومكان،
باق بقاء رسالته أبد الدهر أشرق ولم يغب، ظهر ولم يختف، قوى ولم يضعف. علا ولم يهبط، إنه دليل صدق
الأنبياء كلهم. فكل الأنبياء مضوا ولم يبق من أدلة صدقهم إلا ما جاء في هذا الدليل "القرآن العظيم" حيث شهد
لهم بالصدق والوفاء وأنهم رسل الله المكرمون ،فلا يظنن أحدُ أننا حين نتحدث عن بشارات الكتب السابقة
برسول الإسلام إنما نتلمس أدلة نحن في حاجة إليها لإثبات صدق رسول الإسلام في دعواه الرسالة.
فرسول الإسلام ليس في حاجة إلى "تلك البشارات" حتى ولو سلم لنا الخصوم بوجودها فله من أدلة الصدق
ما لم يحظ به رسول غيره.

وستعالج البشارة به صلى الله عليه وسلم على قسمين:
1- بشاراته صلى الله عليه وسلم في التوراة.
2- بشاراته صلى الله عليه وسلم في الإنجيل.

أولاً: البشارات في التوراة تعددت البشارات برسول الإسلام في التوراة وملحقاتها، ولكن اليهود أزالوا عنها كل
معنى صريح، وصيروها نصوصاً احتمالية تسمح لهم بصرفها عنه صلى الله عليه وسلم ومع هذا فقد بقيت
بعد تعديلها وتحريفها قوية الدلالة على معناها "الأصلي" .
من حملها على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم لأن حملها على غيره متعذر أو متعسر أو محال.
فهي أشبه ما تكون برسالة مغلقة محي "عنوانها" ولكن صاحب الرسالة قادر - بعد فضها - أن يثبت اختصاصها به ،
لأن الكلام " الداخلي " الذي فيها يقطع بأنها " له " دون سواه؛ لما فيها من "قرائن" وبينات واضحة ونعرض!
- فيما يلى - بعضاً منها:
"وهذه هي البركة التي بارك بها موسى رجل الله بني إسرائيل قبل موته".
فقال: "جاء الرب من سيناء ، وأشرق لهم من ساعير ، وتلألأ من جبل فاران"(2).

في هذا النص إشارة إلى ثلاث نبوات:
الأولى: نبوة موسى عليه السلام التي تلقاها على جبل سيناء.
الثانية: نبوة عيسى عليه السلام وساعير هي قرية مجاورة لبيت المقدس ، حيث تلقى عيسى عليه السلام
أمر رسالته.
الثالثة: نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وجبل فاران هو المكان الذي تلقى فيه - عليه الصلاة والسلام -
أول ما نزل عليه من الوحي وفاران هي مكة المكرمة مولد ومنشأ ومبعث محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذه العبارة - مرة أخرى - تضمنت خبراً وبشارتين:
فالخبر هو تذكير موسى بفضل الله عليه حيث أرسله إليهم رسولاً.

والبشارتان:
الأولى: خاصة بعيسى عليه السلام.
والثانية: خاصة بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وموقف اليهود منهما النفي: فلا الأولى بشارة بعيسى ابن مريم ولا الثانية بشارة برسول الإسلام.
أما موقف النصارى فإن النفي - عندهم - خاص ببشارة رسول الإسلام. ولهم في ذلك مغالطات عجيبة ، حيث
قالوا إن "فاران" هي " إيلات" وليست مكة. وأجمع على هذا " الباطل" واضعو كتاب: قاموس الكتاب المقدس.
وهدفهم منه واضح إذ لو سَلَّمُوا بأن "فاران" هي مكة المكرمة ، للزمهم إما التصديق برسالة رسول الإسلام ،
وهذا عندهم قطع الرقاب أسهل عليهم من الإذعان له!!
أو يلزمهم مخالفة كتابهم المقدس ، ولم يقتصر ورود ذكر "فاران" ..
على هذا الموضع من كتب العهد القديم ، فقد ورد في قصة إسماعيل عليه السلام مع أمه هاجر حيث
تقول التوراة: إن إبراهيم عليه السلام استجاب لسارة بعد ولادة هاجر ابنها إسماعيل وطردها هي وابنها
فنزلت وسكنت في "برية فاران"(3). على أنه يلزم من دعوى واضعي قاموس الكتاب المقدس من تفسيرهم
فاران بإيلات أن الكذب باعترافهم وارد في التوراة.
لأنه لم يبعث نبي من " إيلات" حتى تكون البشارة صادقة. ومستحيل أن يكون هو عيسى عليه السلام ؛
لأن العبارة تتحدث عن بدء الرسالات وعيسى تلقى الإنجيل بساعير وليس بإيلات.
فليست " فاران " إلا " مكة المكرمة " وباعتراف الكثير منهم ، وجبل فاران هو جبل " النور " الذي به غار حراء ،
الذي تلقى فيه رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم بدء الوحي،وهجرة إسماعيل وأمه هاجر إلى مكة
المكرمة " فاران " أشهر من الشمس.

وترتيب الأحداث الثلاثة في العبارة المذكورة:
جاء من سيناء وأشرق من ساعير وتلألأ من فاران.هذا الترتيب الزمنى دليل ثالث على أن " تلألأ من جبل فاران "
تبشير قطعى برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
وفي بعض " النسخ " كانت العبارة: "واستعلن من جبل فاران" بدل "تلألأ".
وأياً كان اللفظ فإن "تلألأ" و"استعلن" أقوى دلالة من "جاء" و"أشرق" وقوة الدلالة هنا ترجع إلى "المدلولات "
الثلاثة. فالإشراق جزء من مفهوم "المجيء"..
وهكذا كانت رسالة عيسى بالنسبة لرسالة موسى (عليهما السلام).
أما تلألأ واستعلن فهذا هو واقع الإسلام ، رسولا ورسالة وأمة ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
هذه المغالطة (فاران هي إيلات) لها مثيل حيث تزعم التوراة أن هاجر أم إسماعيل عندما أجهدها العطش هي
وابنها إسماعيل بعد أن طردا من وجه "سارة" طلبت الماء فلم تجده إلا بعد أن لقيا ملاك " الرب " في المكان
المعروف الآن " ببئر سبع " ؟!
وأنها سميت بذلك لذلك..؟! وكما كذبت فاران دعوى "إيلات" كذَّبت "زمزم الطهور" دعوى "بئر سبع"؟‍
وستظل فاران - مكة المكرمة - وزمزم الطهور "عملاقين" تتحطم على صخورهما كل مزاعم الحقد والهوى.
ويجيء نص آخر في التوراة لا محمل له إلا البشارة برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم..
مهما غالط المغالطون.

وهو قول الله لموسى حسب ما تروى التوراة:
"أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك ، وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم بكل ما أوصيه به ، ويكون أن الإنسان
الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه
"(4).
حدث هذا حسب روايات التوراة وعداً من الله لموسى في آخر عهده بالرسالة ، وكان يهمه أمر بني إسرائيل من
بعده ، فأعلمه الله - حسب هذه الرواية التوراتية - أنه سيبعث فيهم رسولا مثل موسى عليه السلام.
ولقوة دلالة النص على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فقد وقف أهل الكتابين - اليهود والنصارى -
موقفين مختلفين هدفهما واحد ، وهو أن النص ليس بشارة برسول الإسلام.

أما اليهود فلهم فيه رأيان:
الأول: أن العبارة نفسها ليست خبراً بل هي نفي ، ويقدرون قبل الفعل "أقيم"
همزة استفهام يكون الاستفهام معها "إنكارياً" وتقدير النص عندهم هكذا "
أأقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم مثلك؟!
بطلان هذا الرأي وهذا الرأي باطل ولن نذهب في بيان بطلانه إلى أكثر من كلام التوراة نفسها. وذلك ؛
لأنه لو كان النص كما ذكروا بهمزة استفهام إنكاري محذوفة هي في قوة المذكور لكان الكلام نفياً فعلاً ،ولو كان
الكلام نفياً لما صح أن يعطف عليه قوله بعد ذلك:
"ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه " ؟!
فهذا المقطع إثبات قطعاً فهو مرتب على إقامة النبي الذي وعد به المقطع الذي قبله. فدل هذا " العطف "
على أن المقطع السابق وعد خبرى ثابت لا نفي.
ويترتب على ذلك بطلان القول الذاهب إلى تقدير الاستفهام..؟!
الثاني: وقد أحس اليهود ببطلان القول بالاستفهام فاحتاطوا للأمر وقالوا لا مانع أن يكون النص خبراً ووعداً مثبتاً ،
ولكنه ليس المقصود به عيسى ابن مريم عليه السلام ولا محمد بن عبد الله رسول الإسلام..
صلى الله عليه وسلم ، بل المراد به نبى من أنبياء إسرائيل يوشع بن نون فتى موسى، أو صموئيل..؟!

موقف النصارى:
أما النصارى فيحملون البشارة في النص على عيسى عليه السلام وينفون أن يكون المراد بها رسول
الإسلام صلى الله عليه وسلم وقد علمنا قبلا أن اليهود ينفون أن تكون لعيسى عليه السلام.
وللنصارى مغالطات عجيبة في ذلك إذ يقولون إن النبي الموعود به ليس من بنى إسماعيل بل من بنى إسرائيل.
ومحمد إسماعيلي فكيف يرسل الله إلى بنى إسرائيل رجلاً ليس منهم.؟!
كما قالوا :إن موسى أتى بمعجزات ومحمد لم يأت بمعجزات فكيف يكون مثله.
وقد رددنا على هذه الفرية فيما تقدم.

الحق الذي لا جدال فيه:
والواقع أن كل ما ذهب إليه اليهود والنصارى باطل. باطل. ولن نذهب في بيان بطلانه إلى أبعد من دلالة النص
المتنازع عليه نفسه.
أما الحق الذي لا جدال فيه فإن هذا النص ليس له محمل مقبول إلا البشارة برسول الإسلام ..
صلى الله عليه وسلم .
وإليكم البيان: إن النص المتنازع عليه يقيد البشارة بالنبي الموعود به فيه بشرطين:
أحدهما: أنه من وسط إخوة بنى إسرائيل.
وثانيهما: أنه مثل موسى عليه السلام صاحب شريعة وجهاد لأعداء الله وهذان الشرطان لا وجود لهما لا في
يوشع بن نون ، ولا في صموئيل كما يدعى اليهود في أحد قوليهم.
ولا في عيسى عليه السلام كما يدعى النصارى.
أما انتفاء الشرط الأول فلأن يوشع وصموئيل وعيسى من بنى إسرائيل وليسو من وسط إخوة بنى إسرائيل.
ولو كان المراد واحداً منهم لقال في الوعد: أقيم لهم نبياً منهم.. ؟! هذا هو منهج الوحي في مثل هذه الأمور
كما قال في شأن النبي صلى الله عليه وسلم:
(هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم...)(5).
وكما جاء على لسان إبراهيم وإسماعيل (عليهما السلام) (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم...)(6).
وأما انتفاء الشرط الثاني ، فلأن: لا صموئيل ولا يوشع ولا عيسى ابن مريم كانوا مثل "موسى" عليه السلام.
فموسى كان صاحب شريعة ، ويوشع وصموئيل وعيسى وجميع الرسل الذين جاءوا بعد موسى عليه السلام
من بنى إسرائيل لم يكن واحداً منهم صاحب شريعة ، وإنما كانوا على شريعة موسى عليه السلام.
وحتى عيسى ما جاء بشريعة ولكن جاء متمماً ومعدلاً فشريعة موسى هي الأصل.
إن عيسى كان مذكراً لبنى إسرائيل ومجدداً الدعوة إلى الله على هدى من شريعة موسى عليه السلام !!
فالمثلية بين هؤلاء - وهي أحد شرطيْ البشارة - وبين موسى عليه السلام لا وجود لها؟!
الشرطان متحققان في رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم وبنفس القوة والوضوح اللذين انتفي الشرطان
بهما عمن ذكروا من الأنبياء ثبت ذلك الشرطان لمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم:
فهو من نسل إسماعيل ، وإسماعيل أخو إسحق ، الذي هو أبو يعقوب المسمى إسرائيل. فهو من وسط
إخوة بنى إسرائيل - بنو عمومتهم - وليس من إسرائيل نفسها.
وبهذا تحقق الشرط الأول من شرطيْ البشارة:
ومحمد - عليه الصلاة والسلام - صاحب شريعة جليلة الشأن لها سلطانها الخاص بها - جمعت فأوعت - مثلما
كان موسى - أكبر رسل بنى إسرائيل - صاحب شريعة مستقلة كانت لها منزلتها التي لم تضارع فيما قبل من
بدء عهد الرسالات إلى مبعث عيسى عليه السلام ،وبهذا يتحقق الشرط الثاني من شرطى البشارة وهو
" المثليه " بين موسى ومحمد (عليهما صلوات الله وسلامه) ، فعلى القارئ أن يتأمل ثم يحكم.
في المزامير المنسوبة إلى داود عليه السلام وردت كثير من العبارات التي لا يصح حمل معناها إلا على
رسول الإسلام.
ومن ذلك قول داود كما تروى التوراة:
" أنت أبرع جمالاً من بنى البشر. انسكبت النعمة على شفتيك، لذلك باركك الله إلى الأبد. تقلد سيفك على
فخذك أيها الجبار ، جلالك وبهاؤك. وبجلالك اقتحم. اركب من أجل الحق والدعة.. بتلك المسنونة في قلب
أعداء الملك - يعنى الله - شعوب تحتك يسقطون.. من أجل ذلك مسحك الله إلهك بدهن الابتهاج..
أكثر من رفقائك
" (7).
اسمعي يانيت وأميلي أذنك ، وانسي شعبك وبيت أبيك ، فيشتهي الملك الملك حسنك ؛ لأنه هو سيدك
فاسجدي له. وبنت صور أغنى الشعوب تترضى وجهك بهدية. كلها مجد ابنة الملك في خدرها.
منسوجة بذهب ملابسها مطرزة ، تحضر إلى الملك في إثرها عذارى صاحباتها مقدمات إليك يحضرن بفرح
وابتهاج يدخلن إلى قصر الملك. عوضاً عن آبائك يكون بنوك نقيمهم رؤساء في كل الأرض اذكر اسمك في
كل دور فدور من أجل ذلك تحمدك الشعوب إلى الدهر والآبد
" .
وقفة مع هذا الكلام في المقطع الأول (أ) لا تنطبق الأوصاف التي ذكرها داود إلا على رسول الإسلام..
صلى الله عليه وسلم.
فهو الذي قاتل بسيفه في سبيل الله وسقطت أمامه شعوب عظيمة كالفرس والروم.
وهو الممسوح بالبركة أكثر من رفقائه الأنبياء ؛ لأنه خاتم النبيين ، ورسالته عامة خالدة
(وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين )(8).
ولم يترك رسول هدى وبيانا مثلما ترك رسول الإسلام في القرآن الحكيم ، وفي أحاديثه وتوجيهاته ، التي
بلغت مئات الآلاف ، وتعددت المصادر التي سجلتها ، وفيها من روائع البيان ، وصفاء الألفاظ ، وشرف المعاني
ما ليس في غيرها.
أما المقطع الثاني (ب) فهو أوصاف للكعبة الشريفة. فهي التي تترضاها الأمم بالهدايا. وهي ذات الملابس
المنسوجة بالذهب والمطرزة ، وهي التي يذكر اسمها في كل دور فدور وتأتيها قوافل" الحجيج "..
رجالاً ونساءً من كل مكان فيدخل الجميع في " قصر الملك " ويحمدها الناس إلى الأبد؛
لأن الرسالة المرتبطة بها رسالة عامة: لكل شعوب الأرض الإنس والجن. بل والملائكة. وفي مواسم الحج
يأتيها القاصدون من جميع بقاع الأرض مسلمين، ورعايا مسلمين من بلاد ليست مسلمة. خالدة:
لم ينته العمل بها بوفاة رسولها، كما هو الحال فيما تقدم. وإنما هي دين الله إلى الأبد الأبيد.
وأشعيا وسفره من أطول أسفار العهد القديم ملئ بالإشارات الواضحة التي تبشر برسول الإسلام..
صلى الله عليه وسلم، ولولا المنهج الذي أخذنا به هنا وهو عدم التطويل لذكرنا من ذلك الكثير؛
ولذا فإننا نكتفي بهذا المقطع لدلالته القوية على ما نقول:
" قومي استنيري؛ لأنه قد جاء نورك ، ومجد الرب أشرق عليك.. لأنه ها هي الظلمة تغطى الأرض والظلام
الدامس الأمم. أما عليك فيشرق الرب ، ومجده عليك يرى."

فتسير الأمم في نورك ، والملوك في ضياء إشراقك.ارفعي عينيك حوالي وانظري.
قد اجتمعوا كلهم جاءوا إليك. يأتي بنوك من بعيد، وتحمل بناتك على الأيدي ، حينئذ تنظرين وتنيرين ويخفق
قلبك ويتسع ؛ لأنه تحول إليك ثروة البحر ، ويأتي إليك غنى الأمم تغطيك كثرة الجمال بكران مديان ، وعيفة
كلها تأتي من شبا. تحمل ذهبًا ولبانًا ، وتبشر بتسابيح الرب. كل غنم قيدار تجتمع إليك. كباش نبايوت تخدمك
تصعد مقبولة على مذبحي، وأزين بيت جمالي.
من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها.
إن الجزائر تنتظرني وسفن ترشيش في الأول لتأتى من بعيد ، وفضتهم وذهبهم معهم لا سم الرب إلهك…(9).
وبنو الغريب يبنون أسوارك، وملوكهم يخدمونك..
وتفتح أبوابك دائما نهاراً وليلاً لا تغلق ، ليؤتى إليك بغنى الأمم وتقاد ملوكهم...(10).

دلالة هذه النصوص:
بلا أدنى ريب فإن هذا الكلام المنسوب إلى أشعيا وصف لمكة المكرمة وكعبتها الشامخة.
فالمقطع الأول إنما هو حديث عن موسم الحج المبارك فيه يجتمع بنوها حولها من كل مكان وفيه لمحة قوية
جداًُ إلى نحر الهدى صبيحة العيد.
ألم يشر النص إلى غنم قيدار، وقيدار هوولد إسماعيل عليه السلام الذي تشعبت منه قبائل العرب.
ثم ألم ينص على المذبح الذي تنحر عليه الذبائح؟
كما أشار النص ثلاث إشارات تعد من أوضح الأدلة على أن المراد بهذا النص مكة المكرمة.
وتلك الإشارات هي طرق حضور الحجاج إليها. ففي القديم كانت وسائل النقل:
ركوب الجمال. ثم السفن. أما في العصر الحديث فقد جدت وسيلة النقل الجوى "الطائرات"..
وبشارة أشعيا تضمنت هذه الوسائل الثلاث على النحو الآتي:
1- الجمال ، قال فيها: تغطيك كثرة الجمال!!
2- السفن ، قال فيها: وسفن ترشيش تأتي ببنيك من بعيد!
3- النقل الجوى، وفيه يقول: من هؤلاء الطائرون كسحاب وكالحمام إلى بيوتها؟!!
أليس هذا أوضح من الشمس في كبد السماء.

على أن النص ملئ بعد ذلك بالدقائق والأسرار ، ومنها أن مكة مفتوحة الأبواب ليلاً ونهاراً لكل قادم في حج
أو عمرة!!
ومنها أن خيرات الأمم تجبى إليها من كل مكان ، والقرآن يقرر هذا المعنى في قول الله تعالى:
(أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء)(11).
ومنها أن بنى الغريب (يعنى غير العرب) يبنون أسوارها. وكم من الأيدي العاملة الآن، وذوي الخبرات يعملون
فيها ويشيدون قلاعها فوق الأرض وتحت الأرض ومنها أنه ما من عاصمة من عواصم العالم إلا دخلت في محنة
من أهلها أو من غير أهلها إلا هذه "العاصمة المقدسة",
فظلت بمأمن من غارات الغائرين وكيد الكائدين، ومثلها المدينة المنورة.
ومنها كثرة الثروات التي مَنَّ الله بها عليها. أليس البترول من ثروات البحر العظمى التي تفجرت أرض الحجاز
وشبه الجزيرة منه عيوناً دفاقة بمعدل لم تصل إليه أمة من الأمم. أضف إلى ذلك سبائك الذهب والفضة.
والحديث عن مكة المكرمة حديث عن رسول الإسلام ؛ لأن مجدها لم يأت إلا على يدي بعثته..
صلى الله عليه وسلم.
هذه الحقائق لا تقبل الجدل. ومع هذا فإن أهل الكتاب (وخاصة اليهود)
يحملون هذه الأوصاف على مدينة "صهيون" ولهذا فإنهم عمدوا إلى النص وعدلوه ليصلح لهذا الزعم.
ولكننا نضع الأمر بين يدي المنصفين من كل ملة. أهذه الأوصاف يمكن أن تطلق على مدينة "صهيون".
لقد خرب " بيت الرب " في القدس مراراً وتعرض لأعمال شنيعة على كل العصور. أما الكعبة الشريفة
والمسجد الحرام فلم يصل أحد إليهما بسوء ،..
ثم أين ثروات البحر والبر التي تجبى إلى تلك المدينة وأهلها (إلى الآن) يعيشون عالة على صدقات الأمم.
وأين هي المواكب التي تأتى إليها براً وبحراً وجَوّاً ، وهل أبوابها مفتوحة ليلاً ونهاراً ، وأين هم بنوها الذين
اجتمعوا حولها.وما صلة غنم قيدار وكباش مدين بها.
وأين هو التسبيح الذي يشق عنان السماء منها.. وأين.. وأين..؟‍
إن هذه المغالطات لا تثبت أمام قوة الحق ، ونحن يكفينا أن نقيم هذه الأدلة من كتبهم على صدق الدعوى ،
ولا يهمنا أن يذعن القوم لما نقول فحسبك من خصمك أن تثبت باطل ما يدعيه أمام الحق الذي تدافع عنه.
والفاصل بيننا ـ في النهاية ـ هو الله الذي لا يُبدل القول لديه.
وتنسب التوراة إلى نبي يدعى "حبقوق" من أنبياء العهد القديم ، وله سفر صغير قوامه ثلاثة إصحاحات.
تنسب إليه التوراة نصوصاً كان يصلي بها. تضمنها الإصحاح الثالث من سفره. وهذا الإصحاح يكاد يكون كله
بشارة برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم. وإليكم مقاطع منه: "الله جاء من تيمان، والقدوس من جبل
فاران ـ سلاه ـ جلاله غطى السماوات. والأرض امتلأت من تسبيحه وكان لمعان كالنور له من يديه شعاع ،
وهناك استتار قدرته. قدامه ذهب الوبأ. وعند رجليه خرجت الحمى. وقف وقاس الأرض، نظر فرجف الأمم
ودكت الجبال الدهرية، وخسفت آكام القوم
".
مسالك الأزل يسخط دست الأمم ، خرجت لخلاص شعبك... سحقت رأس بيت الشرير معرياً الأساس
حتى العنق... سلكت البحر بخيلك..(12).

دلالات هذه الإشارات:
لا يستطيع عاقل عالم بتاريخ الرسالات ومعاني التراكيب أن يصرف هذه النصوص على غير البشارة برسول
الإسلام صلى الله عليه وسلم. فالجهتان المذكورتان في مطلع هذا المقطع وهما: تيمان:
يعنى اليمن، وجبل فاران: يعنى جبل النور الذي بمكة المكرمة التي هي فاران. هاتان الجهتان عربيتان.
وهما رمز لشبه الجزيرة العربية التي كانت مسرحاً أولياً لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
فليس المراد إذن نبياً من بنى إسرائيل؛ لأنه معلوم أن رسل بنى إسرائيل كانت تأتى من جهة الشام شمالاً.
لا من جهة بلاد العرب. وهذه البشارة أتت مؤكدة للبشـارة المماثلة ، التي تقدم ذكرها من سفر التثنية ،
وقد ذكرت أن الله: تلألأ أو استعلن من جبل فاران.
بيد أن بشارة التثنية شملت الإخبار بمقدم موسى عليه السلام والتبشير بعيسى عليه السلام ..
وبمحمد صلى الله عليه وسلم أما بشـارة حبقوق فهي خاصة برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
ولو لم يكن في كلام حبقوق إلا هذا "التحديد" لكان ذلك كافياً في اختصاص بشارته برسول الإسلام..
صلى الله عليه وسلم, ومع هذا فقد اشتمل كلام حبقوق على دلائل أخرى ذات مغزى:
· منها: الإشارة إلى كثرة التسبيح حتى امتلأت منه الأرض.. ؟!
· ومنها: دكه صلى الله عليه وسلم لعروش الظلم والطغيان وقهر الممالك الجائرة.
· ومنها: أن خيل جيوشه ركبت البحر ، وهذا لم يحدث إلا في ظل رسالة الإسلام.
على أن كلام حبقوق ملئ بالرمز والإشارات مما يفيدنا في هذا المجال ولكننا نتجاوزه لأمرين:

أحدهما: أن في الإشارات الصريحة غناء عنها.
وثانيهما: عدم التطويل ـ هنا ـ كما اتفقنا.
بشاراته صلى الله عليه وسلم في العهد الجديد أسفار العهد الجديد (الأناجيل والرسائل)
حافلة بالنصوص التي يتعين أن تكون "بشارات" برسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
تلك البشـارات تعـلن أحياناً في صورة الوعـد بملكوت الله أو ملكوت السماوات. وأحيانا أخـرى بالـروح القـدس.
ومرات باسـم المعـزى أو الفارقليط ، وهي كلمة يونانية سيأتي فيما بعد معناها ، تلك هي صورة البشارات
في الأناجيل في صيغها المعروفة الآن.
ففي إنجيل متى وردت هذه العبارة مسـندة إلى يحيى عليه السلام المسمى في الأناجيل: يوحنا المعمدان.
وفيها يقول: "توبوا ؛ لأنه قد اقترب ملكوت السماوات"(13).
فمن هو ملكوت السماوات الذي بشر به يحيى؟! هل هو عيسى عليه السلام ـ كما يقول النصارى؟!
هذا احتمال.. ولكن متَّى نفسه يدفعه حيث روى عن عيسى عليه السلام نفس العبارة: "توبوا ؛
لأنه قد اقترب ملكوت السماوات
"(14).
فلـو كان المراد بملكـوت السماوات ـ هذه ـ عيسى عليه السلام لما وردت هذه "البشارة" على لسان عيسى؛
إذ كيف يبشر بنفسه ، وهو قائم موجود ، والبشـارة لا تكون إلا بشئ محـبوب سيأتي، كما أن الإنذار ـ قسيمه ـ
لا يكون إلا بشيء "مكروه" قد يقع.
فكلاهما: التبشير والإنذار ـ أمران مستقبلان.
إن ورود هذه العبارة عن عيسى نفسه تخصيص لذلك العموم المستفاد من عبارة يحيى عليهما السلام.
فدل ذلك على أن المراد بملكوت السماوات رسول آخر غير عيسى. ولم يأت بعد عيسى ـ باعتراف الجميع ـ
رسول غير رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
فدل ذلك على أنه هو المراد بملكوت السماوات في عبارة عيسى عليه السلام ـ قولاً واحداً ـ وباحتمال أرجح
في عبارة يحيى؛ إذ لا مانع عندنا ـ أن يكون يحيى عليه السلام قد بشر بها بعيسى عليه السلام.
أما بشارة عيسى فلا موضع لها إلا الحمل ـ القطعي ـ على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
وفي صيغة الصلاة التي علمها المسيح لتلاميذه ـ كما يروي مَتَّى نفسه ـ بشارة أخرى بنبي الإسـلام.
وهذا هو نص مَتَّى في هذا "فصلوا أنتم هكذا: أبانا الذي في السماوات ليتقدس اسمك ليأت ملكوتك"(15).
ووردت هذه الصيغة في إنجيل لوقا هكذا: "متى صليتم فقـولوا: أبانا الذي في السماوات ليتقـدس اسمك
ليأت ملكوتك
.."(16).
ويذكر لوقا أن المسيح جمع تلاميذه، وعلمهم كيف يقهرون الشياطين، ويشفـون الأمراض ثم قال:
"وأرسلهم ليكرزوا ـ أي يبشروا ـ بملكوت الله"(17).
أما مرقس فيسند هذه البشارة إلى المسيح نفسه إذ يقول: "جاء يسوع إلى الجبل يكرز ببشارة ملكوت الله
ويقول: قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله
" (18).
فهـؤلاء ثلاثة من التلامذة يتفقـون على أن يحيى وعيسى (عليهما السلام)
قد بشرا بملكوت الله الذي اقترب.
فمن المراد بملكوت الله إذا لم يكن هو رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم؟!
وأكاد أجزم بأن عبارة "المسيح ، قد كمل الزمان" لا تعني سوى انتهاء عصر الرسالات الموقوتة وإقبال
الرسالة الخالدة!!
أما يوحنا صاحب رابع الأناجيل. فإنه يذكر هذه البشارات في مواضع متعددة من إنجيله. ومن ذلك ما يرويه
عن المسيح عليه السلام
" الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي، والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للأب
الذي أرسلني. بهذا كلمتكم وأنا عندكم.
وأما المعزى (اسم فاعل من الفعل المضعف العين عزى)(19) الروح القدس، الذي سيرسله الأب باسمي
فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بما قلته لكم
"(20).
كما يروي يوحنا قول المسيح ـ الآتي ـ مع تلاميذه: "إنه خير لكم أن انطلق. إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزى،
ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر وعلى دينونة
"(21).
ويروي كذلك قول المسيح لتلاميذه: "وأما إذا جاء ذاك روح الحق ، فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛
لأنه لا يتكلم من نفسه. بل كل ما يسمع يتكلم به ، ويخبركم بأمور آتية
".. ؟!(22).
فمن هو المعزى أو روح القدس أو روح الحق الذي بشر به المسيح عليه السلام حسبما يروى يوحنا؟!
إن المسيح يقول: إن ذلك المُعَرِّى أو الروح القدس لا يأتي إلا بعد ذهاب المسيح، والمسيح ـ نفسه ـ
يُقـِرُّ بأن ذلك المُعَرِّى أو الروح أَجَلُّ منه شأنا، وأعم نفعاً وأبقى أثراً، ولذلك قال لتلاميذه: خير لكم أن أنطلق.
إن لم أنطلق لا يأتيكم المُعَرِّى.
وكلمة "خير" أفعل تفضيل بمعنى أكثر خيراً لكم ذهابي ليأتيكم المعزى ولو كان "المُعَـزَّى" مسـاويًا للمسيح
في الدرجة لكانا مستويين في الخيرية ولما ساغ للمسيح أن يقول خير لكم أن أنطلق.
ومن باب أولى لو كان "المعزَّى" أقل فضلاً من المسيح. فعبارة المسيح دليل قاطع على أنه بشر بمن هو
أفضل منه ، لا مساوٍ له ولا أقل.
ثم يصف المسيح ذلك المُعَرَّى أو الروح بأوصـاف ليست موجـودة في المسيح نفسه عليه السلام.

ومن تلك الأوصاف:
أ ـ إنه يعلم الناس كل شيء..
وهذا معناه شمول رسالته لكل مقومات الإصلاح في الدنيا والدين. وذلك هو الإسلام.
ب ـ إنه يبكت العالم على خطية. .
والشاهد هنا كلمة " العالم " وهذا معناه شمول الإسلام لكل أجـناس البشر ، عربا وعجماً ، في كل زمان
ومكان. ولم توصف شريعة بهذين الوصفين إلا الإسلام.
جـ ـ إنه يخـبر بأمور آتية ..
ويذكـر بما مضى. وقد تحقق هذا في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم.
فأخبر بأمور آتية لم يخبر بها من سبقه أو أخبروا ولكن ليس على وجه التفصيل والتأكيد الذي كان على يديه
صلى الله عليه وسلم فكم في القرآن من أمور أخبر بها قبل أن تقع فوقعت كما أخبر ، وكم فيه من الإخبار بما
سيكون في الحياة الآخرة من أوصاف الجنة ، والنار ، والبعث ، وعلامات الساعة ، وتخاصم أهل النار ، وحوار
أصحاب الجنة مع " رجال الأعراف " ، وندم من باعوا دينهم بدنياهم... إلخ.
وذكر بما مضى من أحوال الأمم ، وقيام الحضارات ثم سقوطها وأحوال المرسلين وما بلغوا به أقوامهم والشهادة
لهم بالصدق والأمانة والإخلاص والوفاء ، ومسلك بعض الأقوام من رسلهم والصراع الذي دار بين المحقين
وأهل الباطل ، وعاقبة بعض المكذبين... إلخ.
ثم استوعبت رسالته الحياة كلها فأرست قواعد الاعتقاد الصحيح وسنت طرق العبادة المثمرة ، ووضعت أصول
التشريع في كل ما هو متعلق بالحياة عاجلها وآجلها ، ووضحت العلاقة السليمة بين المخلوق والخالق ، وبين
الناس بعضهم بعضاً. وحررت العقول ، وطهرت القلوب ورسمت طريق الهدى لكل نفس ولكل جماعة ولكل أمة.
أي أنها أرشدت إلى كل شيء. وعلمت كل شيء مما يحتاج تعلمه إلى وحي وتوقيف..!
ذلك هو الإسلام ، ولا شيء غير الإسلام.
وشهدت ـ فيما شهدت ـ للمسيح عليه السلام بأنه رسول كريم أمين أدى رسالته وبشر وأنذر بنى إسرائيل,
وأنه عبده ورسوله (ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون)(23).
وشهادة رسول الإسلام لعيسى عليه السلام منصوص عليها في بشارات عيسى نفسه به..
(صلى الله عليه وسلم). فاسمع إلى يوحنا وهو يروى عن المسيح عليه السلام قوله الآتي:
"ومتى جاء المعزَّى الذي سأرسله " أنا " إليكم من الأب روح الحق من عند الأب ينبثق فهـو يشهـد لي..
وتشهـدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء
"(24).
روح القـدس هذا، أو المعزَّى ، أو روح الحق لا يمكن أن يكون عيسى ؛ لأن عـيسى لم يبشر بنفسـه ،
وهو كان موجوداً ساعة قال هذا ولا يمكن أن يكون المراد به نبياً بعد عيسى غير محمد صلى الله عليه وسلم
لأننا متفقون على أن عيسى لم يأت بعده نبي قبل رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم.
فتعين أن يكون روح القدس ، أو المعزَّى ، أو روح الحق تبشيرا بمحمد صلى الله عليه وسلم إذ فيه تجتمع تلك
الأوصاف ، كما يتحقق فيه معنى "الأفضلية" إذ هو خاتم النبيين، الذي جاء بشريعة خالدة عامة، وعلى هذا
حملنا قبلا قول عيسى: " خير لكم أن أنطلق. إن لم أنطلق لا يأتيكم المُعَزِّى " .
وهذا إقرار من عيسى بأن المبشر به أفضل من المُبَشِّر وكفي بذلك شواهد.
أما البشارة باسم "الفارقليط" فقد خلت منها الترجمات العربية المعاصرة للكتاب المقـدس.
ومعـلوم أن الكتاب المقدس خضع للترجمات وطبعات متعددة ؛ لدرجة أن الترجمات العربية لتختلف من نسخة
إلى أخرى اختلافا بيناً.
وتحت يدي ـ الآن ـ نسختان من الطبعـات العربية كلتاهما خاليتان..
من كلمة الفارقليط، وموضوع مكانها كلمة المعزى.
بيد أنني وجدت أن ابن القيم ، وابن تيمية ، كل منهما قد نقل عن نسخ خطية كانت معاصرة لهما نصوصاً فيها
التصريح باسم "الفارقليط" كما أن الشيخ رحمت الله الهندي (رحمه الله) نقل في كتابه "إظهار الحق"
نصوصاً "عن ترجمات عربية ترجع إلى أعوام: 1821 ـ 1831 ـ 1844م وتمت في لندن معنى "الفارقليط": كلمة
يونانية معناها واحد مما يأتي:
الحامد ـ الحماد ـ المحمود ـ الأحمد. أو معناها كل ما تقدم. فمعنى "فارقليط" يدور حول الحمد وجميع مشتقاته
المشار إليها.
وكل واحد منها يصح إطلاقه على رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم فهو الحامد والحمّاد والمحمود
والأحمد ، والمحمد.
وفي الطبعات ـ اللندنية ـ المتقدم ذكرها ورد النص هكذا: "إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. وأنا أطلب من
الآب فيعطيكم فارقليط آخر، ليثبت معكم إلى الأبد
".
"الفارقليط" روح القـدس الذي يرسله الآب باسمي هو يعلمكم كل شيء، وهو يذكركم كل ما قلته لكم"(25).
ومقارنة هذين النصـين بالنص المقابل لهما الذي نقلناه آنفا عن إنجيل يوحنا من الطبعات العربية الحديثة
تريك أن الطبعات الحديـثة حـذفت كلمة " الفارقليط " ووضعت مكانها كلمة " المعزى " كما تريك أن الطبعات
الحديثة حذفت جملة: " ليثبت معـكم إلى الأبد " .
وهو نص على خلود الإسلام على أنهم عادوا واعترفوا بأن كلمة " المعزى " التي في الطبعات الحديثة
للكتاب المقـدس أصلها مترجـم عن كلمة يونانية لفظاً ومعنى وهي " باراكليتس ".
ومعناها المعزى ، وليست " فارقليط " أو " بارقليط " التي معناها الحماد والحامد... والتي يتمسك بها
المسلمون!

وهذه المحاولات مردودة لسببين:
أولهما: ليس نحن ـ المسلمين ـ الذين قاموا بعمل بالطبعات القديمة التي فيها " الفارقليط " .
وإنما طبعها النصارى قديماً. فعملهم حجة على الطبعات الحديثة, وهم غير متهمين في عملهم هذا.
وثانيهما: ولو كانت الكلمة "هي: الباراكليتس" فلماذا خلت منها الطبعات القديمة والنسخ المخطوطة؟!
بل ولماذا خلت منها الطبعات الحديثة؟!
وأيًا كان المدار: فارقليط ، أو باراكليتس ، أو المعزى ، أو الروح القدس فنحن لا نعول على الكلمة نفسها بقدر
ما نعول على الأوصاف التي أجريت عليها. مثل يعلمكم كل شيء ـ يمكث معكم إلى الأبد.
فهـذه الأوصـاف هي لرسـول الإسـلام صلى الله عليه وسلم ومهما اجتهدتم في صرفها عنه فلن تنصرف.
ولهم " شبهة " أخرى يحلو لهم تردادها وهي: محمد صلى الله عليه وسلم عربي الجنس واللسان ..
فكيف يرسله الله إلى أمم وأجناس غير عربية.. وكيف يكلف الله الناس برسالة لا يعرفون لغتها ولا عهد لهم
بالتحدث معها. وكيف يستطيعون أن يفهموا القرآن ، وتوجيهات رسول الإسلام ، وهما باللغة العربية؟‍‍!

رد الشبهة:
نرد عليها من طريقين:
الأول: وهو مستمد من واقـع القـوم أنفسهم. فهم يدعون تبعاً لما قال "بولس"
أن عيسى عليه السلام مرسل لخلاص العالم كله. وأنه أمر حوارييه أن يكرزوا كل العالم برسالة الخلاص ،
وفي أيامنا هذه كثرت المنشورات التي تقول: المسيح مخلص العالم. وهنا نسأل القوم سؤالاً:
أية لغة كانت لغة المسيـح عليه السلام وحوارييه ؟! هل هي العبرانية أم اليونانية؟! وأيا كان الجواب فإن
المسيح كان يتكلم لغة واحدة. وأوحى إليه الإنجيل بلغة واحدة.. فعلى أي أساس إذن قلتم:
إنه منقذ لكل العالم؟! هل كل العالم كان وما يزال يعرف لغة المسيح ؟!
أم أن العالم أيام المسيح كان يتكلم بعدة لغات.. والآن يتكلم بمئات اللغات؟!
فإن كنتم قد ادعيتم أن المسيح هو منقذ كل العالم مع تسليمكم بأنه كان يتكلم بلغة واحدة فلماذا تنكرون
على رسول الإسلام أن يكون مرسلاً لكل العالم.؟! وما الفرق بين رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم
والمسيح عليه السلام حتى تحظروا عليه ما استبحتموه للمسيح؟! أهذا عدل.. أهذا إنصاف!!
وإن تنازلتم عن عالمية المسيح فأنتم مدينون!!
الثاني: وهو مستمد من طبيعة الإسلام. ومن تاريخه الطويل الحافل بكل عجيب.
نعم: إن محمداً صلى الله عليه وسلم عربي اللسان ، والجنس ، والقرآن العظيم الذي جاء به عربي اللسان،
عالمي التوجيه والتشريع والسلطان. ووحدة اللغة في الإسلام مثل وحدة العقيدة فيه.
ولم يحل دون انتشار الإسلام بين الأمم والشعوب غير العربية أن لغة رسالته عربية ورسوله عربي ورواده
الأوائل عرب.
هذه الاعتبارات لم تحل دون نشر الإسلام لجميع شعوب الأرض باختلاف لغاتها وعقائدهـا وأجناسها.

وكان سلوك الدعوة إلى الإسلام حكيمًا، وهذه أبرز ملامحه:
أولاً: إن صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم أرسل رسله يحملون رسائله وكتبه إلى كل رؤساء القبائل
وملوك الأمم والشعوب ، وقد بدأت هذه الطريقة بعد وقوع صلح الحديبية ، وكل حامل رسالة أو كتاب إلى
رئيس أو ملك كان على علم بلغة من هم المبعوث إليهم.
فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل دحية بن خليفة الكلبي.
وأرسل إلى المقوقس عظيم القبـط بمصـر حاطب بن أبى بلتعة. وأرسل إلى كسرى عبد الله بن حذافة
السهمي.
وأرسل إلى الحارث بن أبى شمر الغساني شجاع بن ذهب الأسدى. وكان هؤلاء الرسل عالمين بلغات من
أرسلوا إليهم.
كما كان صلى الله عليه وسلم يحتفظ بمترجمين يترجمون له ما يرد من رسائل لغتها غير العربية.
ثانياً: إن الملوك والرؤساء كان لديهم مترجمون ـ كذلك ـ يترجمون لهم ما يرد من رسول الإسلام أو يقومون
بالترجمة من العربية إلى غيرها ، ومن غير العربية إلى العربية في حالة ما إذا كان " المرسل "
وفداً يحمل رسائل شفوية للتبليغ.
ثالثاً: إن اليهود وكثيراً من النصارى كانوا يعرفون اللسان العربي ، ومن النصارى من هم عـرب خلص
كنصـارى نجـران ، كما أن العجم من الفرس والروم كان من بينهم عرب يعايشونهم ويقيمون بينهم.
رابعاً: كان صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم يحض أصحابه على تعلم لغات الأمم ومما يروى عنه ـ
عليه الصلاة السلام ـ قوله: من تعلم لغة قوم أمن غوائلهم.
خامساً: لما اجتازت الدعوة مرحلة الدعوة بالرسالة والكتاب والوفد ، والبعث ، ودخلت في مرحلة الفتح كان
الجنود المسلمون ينشرون اللغة العربية كما ينشرون الإسلام نفسه. وما من أرض حل بها الإسلام إلا وقد
حلت بها اللغة العربية تعضده ، وتؤازره في انسجام عجيب ، فقضت اللغة العربية على لغات الأمم والشعوب
وحلت هي محلها. قضت على القبطية في مصر وعلى الفارسية في الشام وعلى البربرية في شمال غرب
أفريقيا كما قضت على السريانية وغيرها من اللغات ، وأصبحت هي لغة الحياة والإدارة والكتابة والنشر
والتأليف.
سادساً: قام العرب المسلمون بترجمة ما دعت إليه المصلحة من تراث الأمم المفتوحة ، ففتحوا نوافذ الفكر ،
والثقافة ، والمعرفة لمن لا يعرف غير العربية من العرب المسلمين. كما ترجموا من الفكر الإسلامي
ما يصلح ضرورة لغير العرب من المسلمين فنقلوه من العربية إلى غير العربية وفاءً بحق الدعوة والتبليغ.
سابعاً: أقبل غير العرب من الذين دخلوا الإسلام على تعلم العربية وتركوا لغاتهم الأصلية وأصبحوا عربي
اللسان واللغة.
ومن هـؤلاء أعلام لا يحصون كان لهم فضل عظيم في إنماء الفكر الإسلامي منهم اللغويون ، والنحويون ،
والبيانيون ، والفقـهاء ، والأصوليون ، والمفسرون ، والمحدثون ، والمتكلمون ، والفلاسفة ، والمناطـقة ،
والرياضيون ، والأطباء ، والفلكيون ، بل والشعراء والأدباء والرحالة والجغرافيون ، وغيرهم ، وغيرهم.

إن كل مجال من مجـالات النشـاط العلمي في الإسلام نبغ فيه كثير من غير العرب بعد تعلمهم اللغة العربية
التي كانوا فيها مثل أنجب وأحذق وأمهر أبنائها. ولو رحنا نحصى هؤلاء لضاق بنا السهل والوعر ، فلتكن الإشارة
إليهم نائباً عن ذلك التفصيل غير المستطاع.
إن وحدة اللغة في الإسلام لم تحل دون نشر الإسلام ، فلم يمض طويل من الزمن حتى بلغت الدعوة مشارق
الأرض ومغاربها.
وصلت إلى الهند والصين في أقصى الشرق ، وإلى شواطئ المحيط الأطلسي في أقصى الغرب وإلى بلاد
النوبة جنوباً وإلى جبال البرانس جنوبي فرنسا شمالاً. وتوطدت في قلب الكون:
الحجاز واليمن والشام وفارس وبلاد ما بين النهرين وما وراء النهرين ومصر وجنوب الوادي، وتركت اللغة العربية
الواحدة آثارها في كل قطر أشرقت فيه شمس الإسلام ، وحتى ما فارقه الإسلام ـ كأسبانيا ـ ما تزال حضارة
الإسلام وآثار العربية تغزو كل بيت فيها.
وكما استوعب الإسلام مناهج الإصلاح في كل مجالات الحياة الإنسـانية استوعـبت شقيقته الكبرى
" اللغة العربية " كل أنماط التعبير ووسعت بسلطانها كل وسائل التسجيل والتدوين.. وامتلكت ناصية البيان
الرائع الجميل ، فهي لغة علم ، ولغة فن ومشاعر ، ووجدان. وقانون وسلام وحرب ، ودين ودنيا.
إن أكثر من ألف مليون مسلم ينتشرون في ربوع الأرض الآن لم يعجز الكثير منهم من غير العرب عن حفظ
كتاب الله " القرآن العظيم " ويتلونه كما أنزل بلسان عربي فصيح. فإذا عاد إلى حديثه اليومي لجأ إلى لغة
أمه وأبيه وبيئته.
ومسلم غير عربي استطاع أن يحفظ أو يقرأ القرآن بلغته العربية الفصحى لهو قادر ـ لو أدى المسلمون العرب
واجبهم نحو لغة التنزيل ـ أن يقرأ بها كتب الحديث، والفقه، والتشريع، والنحو، والصرف ، والبلاغة ، والأدب
وسائر العلوم والفنون.
ولكنه ذنب العـرب المسـلمين لا ذنب اللغة. فهي مطواعة لمن يريد أن يتقنها إن وجد معلماً مخلصاً.
والأمل كبير ـ الآن ـ في أن يلتقي كل المسلمين على لغة واحدة ، كما التقوا على عقيدة واحدة.
إن رسـول الإسـلام صلى الله عليه وسلم عالمي الدعوة وإن كان عربي اللسان والجنس.
وإن الإسلام الحنيف عالمي التوجيه والسلطان وإن كانت لغة تنزيله عربية ورسوله عربياً ، ورواده الأوائل عرباً.



(1) رددنا على هذه الادعاءات في " الإسلام في مواجهة الاستشراق في العالم " مرجع سبق ذكره.
(2) سفر التثنية: الإصحاح (33) الفقرات (1-2).
(3) سفر التكوين (21 - 21).
(4) سفر التثنية: الإصحاح (18) الفقرات (18 - 19).
ويكون المعنى عليه: كيف أقيم لهم نبياً من وسط إخوتهم ؟‍ أي لا أفعل هذا.
(5) الجمعة: 2.
(6) البقرة: 129.
(7) المزمور (45) الفقرات (2 - 17) مع الحذف اليسير. (8) الأنبياء: 107.
(9) مكان النقط هنا كلام لم نذكره هو " قدوس إسرائيل لأنه مجدك " ؟! وهذا مقطع مضاف بكل تأكيد
والهدف منه صرف الكلام عن معناه الظاهر!!
(10) سفر أشعياء الأصحاح (60) الفقرات (4-12) مع حذف يسير.
(11) القصص: 57.
(12) (3 ـ3 ـ15) مع الحذف.
(13) الإصحاح (3) الفقرة (2).
(14) الإصحاح (4) الفقرة (17).
(15) الإصحاح (6) الفقرة (9ـ10).
(16) الإصحـاح (11) الفقـرة (2).
(17) الإصحاح (9) الفقرة (2).
(18) الإصحاح (1) الفقرة (14 ـ15).
(19) هذا إيضاح وليس من النص.
(20) الإصحاح (14) الفقرات (24 ـ 26).
(21) الإصحاح (16) الفقرتان (7 ـ8).
(22) الإصحاح (16) الفقرة (13).
(23) مريم: 34.
(24) الإصحاح (15) فقرتا (26 ـ 27).
(25) انظر كتاب " إظهار الحق " ص 528 للشيخ رحمت الله الهندي تحقيق الدكتور أحمد حجازي السقا.
نشر دار التراث.








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 04:03 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصورة العملية التطبيقية لهذا الدين، ويمتنع أن تعرف دين الإسلام ويصح
لك إسلامك بدون معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكيف كان هديه وعمله وأمره ونهيه.
لقد سالم وحارب، وأقام وسافر، وباع واشترى، وأخذ وأعطى، وما عاش صلى الله عليه وسلم وحده، ولا غاب
عن الناس يوماً واحداً، ولا سافر وحده.
وما أصيب المسلمون إلا بسبب الإخلال بجانب الاقتداء به صلى الله عليه وسلّم، والأخذ بهديه، واتباع سنته،
وقد قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
حتى اكتفى بعض المسلمين من سيرته صلى الله عليه وسلّم بقراءتها في المنتديات والاحتفالات ولا يتجاوز
ذلك إلى موضع الاهتداء والتطبيق.... وبعضهم بقراءتها للبركة أو للاطلاع على أحداثها ووقائعها أو حفظ غزواته
وأيامه وبعوثه وسراياه.
وهذا راجع إما لجهل بأصل مبدأ الاتباع والاهتداء والاقتداء وعدم الإدراك بأن هذا من لوازم المحبة له..
صلى الله عليه وسلم، وإما لعدم إدراك مواضع الاقتداء من سيرته صلى الله عليه وسلم نظراً لضعف الملكة
في الاستنباط أو لقلة العلم والاطلاع على كتب أهل العلم.
وهنا تأتي أهمية استخراج الدروس واستنباط الفوائد والعظات واستخلاص العبر من سيرته صلى الله عليه وسلم.
إن السيرة النبوية لا تدرس من أجل المتعة في التنقل بين أحداثها أو قصصها، ولا من أجل المعرفة التاريخية
لحقبة زمنية من التاريخ مضت، ولا محبة وعشقاً في دراسة سير العظماء والأبطال، ذلك النوع من الدراسة
السطحية إن أصبح مقصداً لغير المسلم من دراسة السيرة.
فإن للمسلم مقاصد شتى من دراستها، ومنها:
أولاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو محل القدوة والأسوة، وهو المشرع الواجب طاعته واتباعه ..
قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجٌو اللهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيراً}
(الأحزاب: 21)،
وقال تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (النور: 54)،
وقال: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله} (النساء: 80)،
وقال: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} (آل عمران: 31).
فهو التجسيد العملي والصورة التطيبقية للإسلام، وبدونها لا نعرف كيف نطيع الله تعالى ونعبده.
فسيرته صلى الله عليه وسلم يستقي منها الدعاة أساليب الدعوة ومراحلها، ويتعرفون على ذلك الجهد
الكبير الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل إعلاء كلمة الله، وكيف التصرف أمام العقبات
والصعوبات والموقف الصحيح أمام الشدائد والفتن.
ويستقي منها المربُّون طرق التربية ووسائلها.
ويستقي منها القادة نظام القيادة ومنهجها.
ويستقي منها الزهَّاد معنى الزهد ومقاصده.
ويستقي منها التجَّار مقاصد التجارة وأنظمتها وطرقها.
ويستقي منها المبتلون أسمى درجات الصبر والثبات وتقوى عزائمهم على السير على منهجه والثقة التامة
بالله عز وجل بأن العاقبة للمتقين.
ويستقي منها العلماء ما يعينهم على فهم كتاب الله تعالى، ويحصلون فيها على المعارف الصحيحة في علوم
الإسلام المختلفة، وبها يدركون الناسخ والمنسوخ وأسباب النـزول وغيرها وغيرها من المعارف والعلوم.
وتستقي منها الأمة جميعاً الآداب والأخلاق والشمائل الحميدة.
ولهذا قال ابن كثير: «وهذا الفن مما ينبغي الاعتناء به، والاعتبار بأمره، والتهيؤ له، كما رواه محمد بن عمر
الواقدي عن عبد الله بن عمر بن علي عن أبيه سمعت علي بن الحسين يقول: كنا نعلم مغازي النبي..
صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن
. قال الواقدي: وسمعت محمد بن عبدالله يقول:
سمعت عمي الزهري يقول: في علم المغازي علم الآخرة والدنيا» .
وقال إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص: «كان أبي يعلمنا مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم
ويعدها علينا، ويقول: هذه مآثر آبائكم فلا تضيعوا ذكرها
».
وقال علي بن الحسين: «كنا نعلم مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن»
لقد خلف التاريخ عظماء وملوكاً وقُوَّاداً، وشعراء، وفلاسفة،..
فمن منهم ترك سيرة وأسوة يؤتسى بها في العالمين؟
لقد طوى التاريخ ذكرهم فلم يبق منه شيء وإن بقيت بعض أسمائهم.
لقد أصبحت سير كثير من العظماء أضحوكة للبشر على مدار التاريخ كله
فأين نمرود الذي قال لإبراهيم: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ}؟! (البقرة: 258) وأين مقالة فرعون وشأنه الذي قال:
{أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} (النازعات: 24)، وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي}؟! (القصص: 38).
إن هؤلاء العظماء في زمانهم يسخر منهم اليوم الصغير والكبير والعالم والجاهل، فإن كانوا دلسوا على
أقوامهم في زمنهم واستخفوا بهم فأطاعوهم؛ فقد افتضح أمرهم بعد هلاكهم، وأصبحوا محل السخرية
على مدار الزمان.
إن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم جاءت بإخراج الناس من ظلمات الشرك والأخلاق وفساد العبادة
والعمل إلى نور التوحيد والإيمان والعمل الصالح:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} (الأحزاب:45-46)
ثانياً: ندرس السيرة ليزداد إيماننا ويقيننا بصدقه، فالوقوف على معجزاته ودلائل نبوته مما يزيد في الإيمان
واليقين في صدقه صلى الله عليه وسلم، فدراسة سيرته العطرة وما سطرته كتب السيرة من مواقف
عظيمة، وحياة كاملة كريمة، تدل على كماله ورفعته وصدقه.
ثالثاً: ولينغرس في قلوبنا حبه، فما حملته سيرته من أخلاق فاضلة، ومعاملة كريمة، وحرصه العظيم على
هداية الناس وصلاحهم وجلب الخير لهم، وبذل نفسه وماله في سبيل إخراج الناس من الظلمات إلى النور،
ومن الشقاء إلى السعادة، وما كان من حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته في إبعادها عما يشق
عليها ويعنتها.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 04:04 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


فهو الوحيد في التاريخ الذي تقتدي به في كل شيء

- إذا كنت غنيا ثريا فاقتد بالرسول عندما كان تاجرا يسير بسلعه بين الحجاز و الشام ، و حين ملك خزائن
البحرين ...
- و إن كنت فقيرا معدما فلتكن لك أسوة به و هو محصور في شعب أبي طالب، و حين قدم إلى المدينة
مهاجرا إليهـا مـن وطنه و هو لا يحمل من حطام الدنيا شيئا ...
- و إن كنـت ملكـا فاقتـد بـسنته و أعمالـه حـين ملـك أمـر العـرب، و غلـب علـى آفـاقهم و دان لطاعتـه
عظمـاؤهم، و ذووا أحلامهم ...
- و إن كنت رعية ضعيفة فلك في رسول الله أسوة حسنة، أيام كان محكوما بمكة في نظام المشركين ..
- و إن كنت فاتحا غالبا فلك من حياته نصيب أيام ظفره بعدوه في بدر و حنين و مكة ...
- و إن كنت منهزما لا قدر الله ذلك، فاعتبر به في يوم أحد و هو بين أصحابه القتلى و رفقائه المثخنين
بالجراح ...
- و إن كنت معلما فانظر إليه و هو يعلم أصحابه في المسجد ...
- وإن كنت تلميذا متعلما فتصور مقعده بين يدي الروح الأمين جاثيا مسترشدا ...
- و إن كنت واعظا ناصحا و مرشدا أمينا فاستمع إليه و هو يعظ الناس على أعواد المسجد النبوي ...
- و إن كنت يتيما فوالده توفي قبل أن يولد ووالدته توفت و هو ابن ست سنوات ...
- و إن كنت صغير السن فانظر إلى ذلك الوليد العظيم حين أرضعته مرضعته الحنون حليمة السعدية ...
- و إن كنت شابا فاقرأ سير راعي مكة ...
- و إن كنت تاجرا مسافرا بالبضائع فلاحظ شؤون سيد القافلة التي قصدت بصرى ...
- و إن كنت قاضيا أو حكما فانظر إلى الحكم الذي قصد الكعبة قبل بزوغ الشمس ليضع الحجر الأسود في محلـه
و قـد كـاد رؤساء مكة يقتتلون، ثم ارجع البصر إليه مرة أخرى وهو في فناء مسجد المدينة يقضي بين النـاس
بالعـدل يـستوي عنـده منهم الفقير المعدم و الغني المثري ...
- و إن كنت زوجا فاقرأ السيرة الطاهرة و الحياة النزيهة لزوج خديجة و عائشة.و إن كنت أبا لأولاد فتعلم ما كـان
عليـه والـد فاطمة الزهراء و جد الحسن و الحسين ...
و أيا من كنت، و في أي شأن كان، فإنك مهما أصبحت أو أمسيت و على أي حال بت أو أضحيت فلك في حياة
محمد هداية حسنة وقدوة صالحة تضيء لك بضوئها ظلام العيش، فتصلح ما اضطرب من أمورك .







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 04:07 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


ميزات السيرة النبوية وخصائصها

أولاً: أنها معلومة ومسجلة ولم يخف منها شيء، فما ترك علماء الإسلام على مر التاريخ باباً من أبواب السيرة
إلا وقد ألفوا فيه مؤلفاً مستقلاً، شمل ذلك دقائقها وجزئياتها حتى أصبح المسلم عند قراءته لسيرة النبي ..
صلى الله عليه وسلم كأنه يعايشه ويشاهده تماماً لوضوحها وشمولها.
وسيأتي بيان ذلك في الحديث عن مصادر السيرة النبوية، ويكفي أن تعلم أن عدد ما ألف في السيرة النبوية
في اللغة الأوردية -وهي لغة حديثة- يزيد عن ألف كتاب، وعدد ما ألف في اللغات الأوربية في القرن نفسه يزيد
ألف وثلاثمائة كتاب، هذا في القرن الثالث عشر
ثانياً: ما تميزت به من الصدق والأمانة في نقلها، فقد حظيت ضمن ما حظيه الحديث من التمحيص والتحقيق
والمقارنة والتثبت من النقلة ومعرفة الصحيح منها من الضعيف، فأصبحت أصح سيرة نقلت إلينا عن نبي
أو عظيم.
ثالثاً: أن رسالته صلى الله عليه وسلم عامة لجميع الخلق مع خلودها.
فسيرته قدوة وأسوة لكل البشر قد ساوت بين الملوك والسوقة، سيرة ينتفع بها صغار الناس وكبارهم، فهم
في دين الله سواء قد رفع من شأن الجميع.

عالمية الرسالة و ركيزة الدعوة..
وقال صلى الله عليه وسلم: «وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً»
إن الإنسانية كلها تتطلع إلى مثل أعلى تقتدي به، ولن تجد سيرة -لعظيم أو نبي- معلومة كاملة شاملة غير
سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
إن أي دين لا يقوم على ركيزتين:
حقوق الله، وحقوق البشر لا يمكن أن ينقذ البشرية ويقودها إلى الصلاح والنجاة والسعادة والكمال.

والديانات الآن قسمين:
1- ما ليس فيه ذكر لله البتة مثل البوذية والديانات الصينية
2- من تؤمن بوجود الله تعالى، لكن لا يعرف الإنسان فيها كيف يعتقد بربه؟ وبأي صفة يصفه؟
وبأي شكل تتجلى العقيدة في الله عز وجل؟
أما حقوق البشر فابحث في جميع الأديان هل تجد تفصيلاً للحياة الأسرية والعلاقات الاجتماعية، فضلاً عن
الحياة السياسية والعلاقات الدولية، والشئون الاقتصادية، تفحص في سير جميع الأنبياء والعظماء هل تجد
إجابة على هاتين الركيزتين؟
من المؤكد أنك لن تصل إلى نتيجة إلا في دين الإسلام وسيرة النبي ..صلى الله عليه وسلم.

السيرة وأخلاق الرسول..
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقض وقته بين أحبابه وأصحابه، بل قضى أغلب عمره بين ألد أعدائه..
المشركين، وفي آخر عمره كان يجاوره اليهود والمنافقون، فلم يستطيعوا أن يرموه بنقيصة في أخلاقه
وشمائله وصدقه، على الرغم من حرصهم الشديد بالبحث والتنقيب عنها، فقد رماه أهل مكة بالألقاب
السيئة وعيَّروه بالأسماء القبيحة، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يقدحوا في شيء من أخلاقه، أو يدنسوا عرضه
الطاهر رغم إنفاقهم أموالهم وإزهاقهم أرواحهم في عدائه،
قال تعالى: { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام:33).
وقد أخرج البخاري عن ابن عباس في صعود النبي صلى الله عليه وسلم الصفا لتبليغ الناس حيث قال:
« أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلاً بِالْوَادِي تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلاَّ صِدْقاً »
خامساً: شمولها لجميع نواحي الحياة مع الوضوح التام فيها.
لقد عاش النبي صلى الله عليه وسلم بين صحابته وتزوج بتسع نسوة، وأمر أن يبلغ الشاهد منهم الغائب،
وقال: «بلغوا عني ولو آية» رواه البخاري (3274)
وقال: «نضر الله امرءاً سمع منا شيئاً فبلغه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع» رواه الترمذي (2657)
وصححه الألباني ورواه البخاري بمعناه وما سافر وحده قط، ولا اعتزل الناس في يوم من الأيام أبداً، وقد تضافر
الصحابة على نقل كل شيء عنه، بل تفرغ عدد منهم للرواية والمتابعة له كأهل الصفة.
لقد وصفوه في قيامه وجلوسه، وكيف ينام، وهيئته في ضحكه وابتسامته، وكيف اغتساله ووضوؤه، وكيف
يشرب ويأكل وما يعجبه من الطعام، ووصفوا جسده الطاهر كأنك تراه، حتى ذكروا عدد الشعرات البيض في
رأسه ولحيته، ولمحة في كتاب من كتب السيرة والشمائل تجد العجب من هذا الشمول وهذه الدقة في
الوصف والنقل.
سادساً: أنها بعمومها لم تتعد القدرة البشرية، أي أنها لم تتكىء على الخوارق، أو قامت فصولها على معجزة
من المعجزات خارجة عن قدرات البشر. بل إنه من السهل التعرف عليها وتطبيقها، والاقتداء بها، فهي ليست
مثالية التطبيق.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 04:09 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


محمد صلى الله عليه وسلم عظيم في كل شيء
و هو بعد ذلك عظيم في كل شيء ...عظيم في كل المجالات و الميادين .. عظيم في أخلاقه

"ما غضب رسول الله قط "
" ما أخلف رسول الله عهدا قط "
"ما انتقم رسول الله لنفسه قط "
"ما ضرب رسول الله امرأة قط "
"ما كذب رسول الله قط "

.قبل البعثة كان الصادق الأمين، و بعد البعثة تصفه أمنا عائشة فتقول : "كان خلقه القرآن"
أخرجه أحمد (25302) إسناده صحيح على شرط الشيخين

عظيم في رؤيته السياسية
يوم قال بعد غزوة الخندق :" اليوم نغزوهم و لا يغزوننا "أخرجه البخاري (4110،4109)

عظيم في روحانيته
كان يصلي حتى تتورم قدماه و يقول: " أفلا أكون عبدا شكورا ؟ "متفق عليه

عظيم في عفوه عن أعدائه
"اذهبوا فأنتم الطلقاء "ضعفه الألباني السلسلة الضعيفة (1163)

عظيم في بث الأمل في نفوس الناس
"و الله ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار، حتى تخرج المرأة من الحيرة وحدها إلي البيت لا تخشى إلا الله."
أخرجه أحمد (16957) وإسناده صحيح على شرط مسلم

عظيم في شجاعته
يوم قال :" أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب "يوم حنين.
متفق عليه

عظيم في قدرته على تجميع الناس من حوله
… يعرف قدرات الناس، و يضع كل واحد منهم في مكانه الصحيح.

عظيم مع الشباب
يجمع شباب الصحابة و ينظم لهم مسابقة في رمي السهام، و يقول:
ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميـا وأنا مع فلان و فلان ضد فلان وفلان...
فظل فريق النبي يرمي والفريق الآخر لا يرمي فقال لهـم : مـا لكـم لا ترمـون؟
فقـالوا : كيف نرمى و أنت معهم ؟؟ فقال: ارموا و أنا معكم جميعا .متفق عليه

عظيم في عين زوجته
شـــهادة خديجـــة زوجتـــه "كـــلا و الله لا يخزيـــك الله أبـــدا". متفق عليه







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 10:56 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


فقه السيرة النبوية

ليس الغرض من دراسة السيرة النبوية وفقهها مجرد الوقوف علي الوقائع التاريخية ولا سرد ما طرف أو جمل
من القصص والأحداث, ولذا فلا ينبغي أن نعتبر دراسة فقه السيرة النبوية من جملة الدراسة التاريخية شأنها
شأن الاطلاع علي سيرة خليفة من الخلفاء أو عهد من العهود التاريخية الغابرة
وإنما الغرض منها أن يتصور المسلم الحقيقة الإسلامية في مجموعها متجسدة في حياته ..
صلي الله عليه وسلم بعد أن فهمها مبادئا وقواعدا وأحكاما مجردة في الذهن
أي أن دراسة السيرة النبوية ليست سوي عمل تطبيقي يراد منه تجسيد الحقيقة الإسلامية كاملة في مثلها
الأعلي محمد صلي الله عليه وسلم

وإذا أردنا أن نجزئ هذا الغرض ونصنف أجزاءه, فإن من الممكن حصرها في الأهداف التفصيلية التالية :
1- فهم شخصية الرسول صلي الله عليه وسلم (النبوية ) من خلال حياته وظروفه التي عاش فيها للتأكد من ان
محمدا عليه الصلاة والسلام لم يكن عبقريا سمت به عبقريته بين قومه ولكنه قبل ذلك رسول أيده الله بوحي
من عنده وتوفيق من لدنه.
2- أن يجد الإنسان بين يديه صورة للمثل الأعلي في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة كي يجعل منها دستورا يتمسك به ويسير عليه.
ولا ريب أن الإنسان مهما بحث عن مثل أعلي في ناحية من نواحي الحياة, فإنه واجد كل ذلك في حياة الرسول
صلي الله عليه وسلم علي أعظم ما يكون من الوضوح والكمال, ولذا جعله الله قدوة للإنسانية بأسرها إذ قال :
( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة ).
3- أن يجد الإنسان في دراسة سيرته عليه الصلاة والسلام ما يعنيه علي فهم كتاب الله تعالي وتذوق روحه
ومقاصده إذ أن كثيرا من آيات القرآن إنما تفسرها وتجليها الأحداث التي مرت برسول الله صلي الله عليه وسلم
و مواقفه منها.
4-أن يتجمع لدي المسلم من خلال دراسة سيرته صلي الله عليه وسلم أكبر قدر من الثقافة والمعارف
الإسلامية الصحيحة سواء ما كان منها متعلقا بالعقيدة أو الأحكام أو الأخلاق إذ لا ريب في أن حياته عليه
الصلاة والسلام إنما هي صورة مجسدة نيرة لمجموع مبادئ الإسلام وأحكامه.
5- أن يكون لدي المعلم والداعية الإسلامي نموذج حي عن طرق التربية والتعليم فلقد كان محمدا..
صلي الله عليه وسلم معلما ناضجا ومربيا فاضلا لم يأل جهدا في تلمس أجدي الطرق الصالحة في التربية
والتعليم خلال مختلف فترات دعوته, وإن من أهم ما يجعل سيرته صلي الله عليه وسلم وافية..
بتحقيق هذه الأهداف كلها أن حياته عليه الصلاة والسلام شاملة لكل النواحي الانسانية والاجتماعية التي
توجد في الإنسان من حيث أنه فرد مستقل بذاته, أو من حيث أنه عضو فعال في المجتمع. فحياته عليه
الصلاة والسلام تقدم إلينا نموذج سام للشاب المستقيم في سلوكه الأمين مع قومه وأصحابه كما تقدم
النموذج الرائع للإنسان الداعي إلي الله بالحكمة والموعظة الحسنة, الباذل منتهي الطاقة في سبيل إبلاغ
رسالته, ولرئيس الدولة الذي يسوس الأمور بحذق وحكمة بالغة, وللزوج المثالي في حسن معاملته,..
وللأب في حنو عاطفته مع تفريق دقيق بين الحقوق والواجبات لكل من الزوجة والأولاد, وللقائد الحربي
الماهر, والسياسي الصادق المحنك.
وللمسلم الجامع في دقة وعدل بين واجب التعبد والتبتل لربه والمعاشرة الفكهة اللطيفة مع أهله وأصحابه.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 10:57 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


المنهج العلمي في رواية السيرة النبوية

من المعلوم أن كتابة السيرة النبوية من عموم ما يسمي تاريخا, وإن كانت السيرة النبوية كما أوضحنا منطلقا
للتاريخ وحافزا علي رصد الوقائع والأحداث التي دخلت قبلها, والتي جاءت متسلسلة علي أعقابها ولكن..
علي أي منهج اعتمد كتاب السيرة في تاريخها وتدوينها؟
لقد كان منهجهم المعتمد في ذلك اتباع ما يسمي اليوم بالمذهب الموضعي في كتابة التاريخ طبق قواعد
علمية سنشير إليها.
ومعني هذا أن كتاب السيرة النبوية وعلماءها لم تكن وظيفتهم بصدد أحداث السيرة إلا تثبيت ما هو ثابت منها
بمقياس علمي في قواعد مصطلح الحديث المتعلقة بكل من السند والمتن وفي قواعد الجرح والتعديل
المتعلقة بالرواة وتراجمهم وأحوالهم.
فإذا انتهت بهم هذه القواعد العلمية إلي أخبار ووقائع وقفوا عندها ودونوها دون أن يقحموا تصوراتهم الفكرية
أو انطباعاتهم النفسية أو مألوفاتهم الببيئية إلي شيء من تلك الوقائع بأي تلاعب أو تحوير
قد كانوا يرون أن الحادثة التاريخية -التي يتم الوصول إلي معرفتها ضمن نفق من هذه القواعد العلمية التي
تتسم بمنتهي الدقة
- حقيقة مقدسة يجب أن تجلي أمام الأبصار والبصائر كما هي, كما كانوا يرون أن خيانة
لا تغتفر أن ينصب من التحليلات الشخصية والرغبات النفسية
-التي هي في الغالب من انعكاسات البيئة.
ومن ثمار العصبية- حاكم مسلط يستبعد منها ما يشاء ويحور فيها كما يريد ضمن هذه الوقاية من القواعد
العلمية وعلي ذلك الأساس من النظرة الموضوعية للتاريخ وصلت إلينا سيرة المصطفي صلي الله عليه وسلم
بدءا من ولادته ونسبه إلي طفولته فصبوته اليافعة إلي الإرهاصات الخارقة التي صاحبت مراحل طفولته وشبابه
إلي بعثته وظاهرة الوحي التي تجلت في حياته إلي أخلاقه وصدقه وأمانته إلي الخوارق ..
والمعجزات التي أجراها الله تعالي علي يده إلي مراحل الدعوة التي سار فيها لتلبية أمر ربه من سلم فدفاع
فجهاد مطلق حيثما طاف بالدعوة إلي الله تعالى.
لقد كان العمل التاريخي إذن بالنسبة إلي هذه السلسة من سيرته صلي الله عليه وسلم
ينحصر في نقلها إلينا محفوظة مكلوءة ضمن تلك الوقاية العلمية التي من شأنها ضبط الرواية من حيث
الإسناد واتصاله, ومن حيث الرجال وتراجمهم, ومن حيث المتن أو الحادثة وما قد يطوف بها من شذوذ ونحوه
أما عملية استباط النتائج والأحكام والمبادئ والمعاني من هذه الأخبار (بعد القبول التام لها) فعمل علمي آخر
لا شأن له بالتاريخ وما ينبغي أن يمزج به بحال من الأحوال, إنه عمل علمي متميز ومستقل بذاته ينهض بدوره
علي منهج و قواعد أخري من شأنها أن تضبط عملية استنباط النتائج والمبادىء من تلك الأحداث ضمن قالب
علمي يقصيها عن سلطان الوهم وشهوة الإرادة النفسية التي يعبر عنها أمثال وليم جيمس بإرادة الاعتقاد
من هذه القواعد القياس الاستقرائي وقانون الالتزام بأنواعه المختلفة والدلالات بأنواعها.
ولقد استنبطت من أحداث السيرة النبوية -طبقا لهذه القواعد- أحكام كثيرة, منها ما يتعلق بالاعتقاد واليقين,
ومنها ما يتعلق بالتشريع والسلوك. والمهم في هذا الصدد أن نعلم بأنها جاءت منفصلة عن التاريخ وتدوينه
بعيدة عن معناه ومضمونه,.
وإنما كانت نتيجة معاناة علمية أخري نهضت في حد وجودها علي البنيان التاريخي الذي قام بدوره علي
القواعد التي ذكرناها.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:00 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


صرخة قلم

صرخةٌ دوَّت فضجَت منها مسامعي ...
وأفجعتْ قلبي .. ففزعتُ من نومي وتلاشت كلُ الأحلام ِِ..
وأخذتُ أُقلَبُ رأسي.. وأنظرُ من ذا الذي بصراخِهِِ أفجعني والناسُ نيام ..إنه يصيح ويبكي كالأيتام ِِ ..
أطرقتُ أنصتُ لنحيبهِ ..من أينَ مصدرُه يا ترى ؟!
فإذا بصرخةٍ أُخرى تهز ُ تلك َ الأدراج ِ .. وتُرجِفُ في بيتي كلَ الأركان ِ ..
فبادرتُ إليها مسرعاً .. وفتحتُها .. فإذا بدفاتري وأوراقي مضطربة وكأن بها زلزالٌ .. بل بُركان ..
بعضُها فوقَ بعضِ .. من تحتِها حبرٌٌ يسيلُ سيلانَ دموع ِِ الأحزان ِِ ...
وإذا بصوت ِ الأنين ِ يزيد ُ ..!؟
فَهُلِع قلبي .. وَذُهِل عقلي .. وأرتجفَ جسمي .. ما الذي يجري ..!؟
أيعقل ُ تحت َ الورق ِ مصدرُ البكاء ِ ..!؟
كيف َ ذلك وكل َ ما في أدراجي جماد في جماد .!!
تمالكتُ نفسي .. وكتمت ُ أنفاسي .. ورفعت ُ أوراقي ...فزاد َ البكاء ُ ...!
فيالله ... يا الله .. يا الله .. أيعقل ُ !! إنه قلمي هو البكّاء ُ ..؟
يا الله هذا الجماد ُ ما أبكاهُ ..؟ وهذا الحبر ُ ما أجراهُ..؟
فرفعتُه وضممتُه بين كفي أواسيه وأرعاه ؟
وحبره يسيلُ على يدي .. وقطراتٌ من حبرِه تتساقطُ على أوراقي...؟
فلمَّا هدأ .. سألتُه :
يا قلمي قل لي بالذي خلق القلم ما الذي أبكاكَ..؟
يا قلمي ما الذي بعث فيك الأحزانُ ؟
يا قلمي ما الذي حرك فيك الأشجانُ ؟
قال القلم :
ضمَني بيدك .. فقد أعياني الصمت ُ فيك..
ضمني وأسكبْ الحبر َ على الورق ِ ...
ودعْ الحروف َ تخط ُ الآهات ِ التي فيني ..
ودعْ كلماتي تنطقُ بما يُبكيني ...
ودع عباراتي تبوح بما يكويني ..
قد هالني أمره .. وأفزعني حسه .. وأحزنني دمعه ..
فأدنيت ُ مني الورق .. وأمسكت بقلمي الذي من هول ما فيه أحترق ..
فقلت له متعجباً :
عجباً لك يا جمادُ ..! كيف لك أن تُحِسَّ كما يحسُّ العباد ُ ..!؟
فقال :
آآه ثم آآه وكيف َ لا أُحسُّ .. وكيف َ لا أبكي .. وكيفَ لا أحزن .. وكيفَ لا أغاااارُ يا أمة َ المليارِ
لا تَعْجبْ مني وإن كنت ُ جماداً..!
فأنا أبكي حبيباًَ تحركت من أجله الأرضُ .. والأشجارُ .. والدوابُ..
أبكي حبيباً من أجله بكى جذعُ منبرهِ حنيناً لفراقِه وما سكت َ وما استكان َ حتى ضمَّه واعتنقًه ..
أوليسَ جماداً !؟
أبكي حبيباً في كفِهِ الطاهرِ سبَّحَ الحصى ..أوليسَ جماداً !؟
أبكي حبيباً أمامَه نطقَ الذراع ُ خوفاًَ عليه وقال إني مسمومٌ فلا تأكلني..أوليس الطعامُ جماداً !؟
أبكي حبيباً من أجله نطقَ الحجرُ والشجرُ يُلقونَ عليه السلام َ...أوليسوا جمادا !؟
هل يكفي هذا ؟ أم أزيدُ يا كاتبي .. لتعرفَ من لأجلِهِ تحركَ إحساسي .. ونطقتْ من أجلِه كلماتي ...
وصرخت ُ أنثرُ أحباري .. يا أيها الراقدُ في المنام ِ..؟
فقلت له : وكيف لا أعرفُهُ وأنا من هديِهِ أرتوي .. ومن سنتِه أقتفي .. ومن سيرتِه أستقي ..
إنه الحبيب ُ .. إنه المختارُ .. إنه المصطفى ... إنه محمد عليه أفضل ُ صلاةٍ وأتم ُ تسليم ٍ ...
رسولُنا الذي زوى الله له الأرضَ حتى رأى مشرقَها ومغربَها بعضَها فوق بعضٍ...
هو قدوتُنا وأسوتُنا ومعلمُنا ومرشدُنا وقائدُنا وأستاذُنا
لقد أبكيتني يا قلمُ ..وزدتني شوقاً إليه.. فإذا به ينظر إلي بحرقةٍ
فسألته : هل من خطبٍ جديدٍ؟
فعادَ يكتبُ ويقول:
أوما سمعتَ يا كاتبي عن الذين منه يسخرون .!؟
أوما سمعتَ عن الذين من دينه يستهزؤون..!؟
أوما علمتَ عن الذين بأقبح ِ الأوصاف ِ له يرسمون ..؟

قاطعته وقلت : بلى بلى يا قلمي
قرأت ُ وسمعت ُ عن البقر ِ ..! عفواً عن رعاة ِ البقر ِ وهم أضلُُ من البقر ِ..!؟
فقال لي متهجماً :
أوماااااااااااااااااااا تغارررررررر يا واحداً من المليار ... وتثأر لحبيبك من هؤلاءِ الكفار..؟
أوما سمعتَ أن شيخاً يقول ُ بأنه رأى الحبيب َ المصطفى في المنام ِ غضبانٌ على من سكت َ وما غارَ وما ثارَ ؟
وأنه تبسم لمن ناصرَه وآزرَه..؟
طأطأت ُ رأسي حينها...وسالت من عينيَّ دمعاتٌ ... وخرجت من نفسي آهات ٌ وزفراتٌ ...
ونظرتُ إليه بِطرْف ِ عيني ثم نطقت ُ
أقول..:
آآآهِ يا قلمي ...ثم آآه...على تلك الأقلام ِ... إني والله ِ لأشدُّ غضباً من هؤلاء ِ الأقزام ِ...
ولكن أنت يا قلمي المُلام ...
أوما سمعتَ عن الذين سبُوا الإلهَ قبلَ رسولِنا ... ونالوا من شرعِنا في ما مضى من الأيام ِ..؟
أو ما قرأتَ حروفَهم .. أوما سمِعت َ كلامهم.. أوما رأيت نعيقَهم .. عبرَ وسائل ِ الإعلام ِ.؟
سخِروا من الباري ، واستهزؤوا برسولِنا الهادي ، وضحكوا من ديني الغالي ،ومزقوا قرأني
حتى قال أحدهم ..(( الله والشيطان وجهان لعملة واحدة )) ...
أين أنت من بني علمان ؟ ... أين أنت ممن يلبس ُ لباسَ الإسلامِ وهم فيهم يطعنون ليلَ نهار..؟
أين أنت من أؤلئك الذين بكفرِ صحابة ِ رسولنا يُصرَحون ، وبالشرك يصدعون ..
وبالسخرية والاستهزاء من السنة ِ يصدحون ..؟ وفي أمهات ِ المؤمنين يطعنون ؟
فجأة نظرتُ إليه بحدةٍ
وقلتُ:
ما بك يا قلم اِكتب .. تكلم .. لمَ السكوت ُيا صاحبَ الغيرة ؟
فقال :
ماذا عساي أن أقول .. لقد أفحمتني .. وأحييت في قلبي الجراح ..
وأصابني اليأس من تكالب الأعداء من كل ِ حدبٍ وصوب ٍ
قاطعته مرتلاً وبصوت الواثق
وقلت :
{حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }
(110) سورة يوسف
وقلت له لا تيأسْ يا قلم ما دام فينا أميرٌ يستدعي
وعالم ٌ يفتي .. وداعية ٌيوجه .. وخطيب ٌ ينادي .. وشاعر ٌ ينظم .. وتاجرٌ يقاطع ..ومنشدٌ يشدو.. وامرأة ٌ تربي ..
وإعلام ُ مجدٍ للمجد ِ يرنو ويرقى.. ولا تحزن فالخير في أمتنا باقٍ وإن غَفَل َ الكثيرُ .. وقام لنصرته القليل ُ ..
فضمني يا قلمي بقوة ٍ .. وشُدَّ من أزري كما شددت ُ عليك كفي ...واكتب للناس ِ أجمعين إننا للعزة ِقادمون ..
وللنصر ِ متهيئون .. وأبشَرك يا قلمي .. أنا ومن معي من الدعاة ِ لن نسكت َ على رعاة ِ الأبقار
لن ننسى ما يخططه بنو علمان والمنافقون الفجار .. ولن تستكين نبضات قلوبنا حتى نرى ذلة الكفار ...
وستطلق نبضات قلوبنا التي هتفت بحب الله ورسوله حملة شعارها.

...(( المليار مع محمد ))...
من موقع نبض الوفاء
ضد َحملة ِ المليون التي أطلقوها ... لتشويه صورة أشرف الخلق محمد صلى الله وعليه وسلم
وبذلوا لها الغالي والنفيس ليصدوا عن سبيل الله
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ
كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ
} (36) سورة الأنفال
فكما حشدوا مليون منصّر ٍ لتشويه صورةِ رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم
سنحشد بإذن الله مليارَ داعية ٍ .. يتبعون ملة محمدٍ .. ويتخلقون بخلق ِ محمد ٍ ..ويعيشون حياة َ محمد ٍ..
ويجاهدون جهاد َ محمد ٍ ... ويأخذون سنةَ محمد ٍ... ويتشبهون بشكل ِ محمد ٍ .. وينصرون محمداً..
وما حادثة ُ الدنمارك إلا واحدةً مما يخططون له .. ولكنها أيقظت العملاقَ في نفوسِنا ..
ولعلها تكون ُ بداية َ الانطلاقة ِ ... فاملأ الحبر يا قلمُ ... وأستعد للتصدي لكل ناعق ٍ ... وكن للخير سابقاً ...
وللشر ساحقا .. لعلك تكون ُ سبباً في رضى الرحمن ِ .. فيدخلني الجنان ..




كتبه أخوكم المحب / أبو زيد
مدير عام نبض الوفاء
29\12\1426هــ








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:03 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )

صلى عليك الله يا علم الهدى *** واستبشرت بقدومك الأيامُ
هتفت لك الأرواح من أشواقها *** وازينــت بحديثك الأقلامُ

ما أحسن الاسم والمسمَّى ، وهو النبي العظيم في سورة عمّ ، إذا ذكرته هلَّت الدموع السواكب ، وإذا تذكرته
أقبلت الذكريات من كل جانب .

وكنت إذا ما اشتدّ بي الشوق والجوى *** وكادت عُرى الصبر الجميل تفصمُ
أُعلِّل نفسي بالتلاقي وقربــــه
*** وأوهمــها لكنّــــها تتوهم

المتعبد في غار حراء ، صاحب الشريعة الغراء ، والملة السمحاء ، والحنيفية البيضاء ، وصاحب الشفاعة والإسراء ،
له المقام المحمود ، واللواء المعقود ، والحوض المورود .
هو المذكور في التوراة والإنجيل ، وصاحب الغرة والتحجيل ، والمؤيد بجبريل ، خاتم الأنبياء ، وصاحب صفوة
الأولياء ، إمام الصالحين ، وقدوة المفلحين ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) .

السماوات شيّقات ظِمـــاءُ *** والفضــا والنجوم والأضواءُ
كلها لهفة إلى العلَم الهــــا *** دي وشـوق لذاتــه واحتفـاءُ

تنظم في مدحه الأشعار ، وتدبج فيه المقامات الكبار ، وتنقل في الثناء عليه السير والأخبار ، ثم يبقى كنـزاً
محفوظاً لا يوفّيه حقه الكلام ، وعلماً شامخاً لا تنصفه الأقلام ، إذا تحدثنا عن غيره عصرنا الذكريات ، وبحثنا
عن الكلمات ، وإذا تحدثنا عنه تدفق الخاطر، بكل حديث عاطر ، وجاش الفؤاد ، بالحب والوداد ، ونسيت النفس
همومها ، وأغفلت الروح غمومها ، وسبح العقل في ملكوت الحب ، وطاف القلب بكعبة القرب ، هو الرمز لكل
فضيلة ، وهو قبة الفلك للخصال الجميلة ، وهو ذروة سنام المجد لكل خلال جليلة .
مرحباً بالحبيب والأريب والنجيب الذي إذا تحدثت عنه تزاحمت الذكريات ، وتسابقت المشاهد والمقالات .
صلى الله على ذاك القدوة ما أحلاه ، وسلم الله ذاك الوجه ما أبهاه ، وبارك الله على ذاك الأسوة ما أكمله وأعلاه ،
علَّمَ الأمة الصدق وكانت في صحراء الكذب هائمة ، وأرشدها إلى الحق وكانت في ظلمات الباطل عائمة ،
وقادها إلى النور وكانت في دياجير الزور قائمة .

وشبَّ طفل الهدى المحبوب متشحاً *** بالخير متزراً بالنور والنار
في كفه شعلة تهدي وفي دمـــه *** عقيدة تتحـــدى كل جبارِ

كانت الأمة قبله في سبات عميق ، وفي حضيض من الجهل سحيق ، فبعثه الله على فترة من المرسلين ،
وانقطاع من النبيين ، فأقام الله به الميزان ، وأنزل عليه القرآن ، وفرق به الكفر والبهتان ، وحطمت به الأوثان
والصلبان ، للأمم رموز يخطئون ويصيبون ، ويسدّدون ويغلطون ..
لكن رسولنا صلى الله عليه وسلم معصوم من الزلل ، محفوظ من الخلل ، سليم من العلل ، عصم قلبه من
الزيغ والهوى ، فما ضل أبداً وما غوى ، ( إنْ هو إلا وحي يوحى) .
للشعوب قادات لكنهم ليسوا بمعصومين ، ولهم سادات لكنهم ليسوا بالنبوة موسومين ، أما قائدنا وسيدنا
فمعصوم من الانحراف ، محفوف بالعناية والألطاف .
قصارى ما يطلبه سادات الدنيا قصور مشيدة ، وعساكر ترفع الولاء مؤيدة، وخيول مسومة في ملكهم مقيدة ،
وقناطير مقنطرة في خزائنهم مخلدة ، وخدم في راحتهم معبدة.
أما محمّد عليه الصلاة والسلام فغاية مطلوبه ، ونهاية مرغوبه ، أن يُعبد الله فلا يُشرك معه أحد ، لأنه فرد صمد
(لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ) .
يسكن بيتاً من الطين ، وأتباعه يجتاحون قصور كسرى وقيصر فاتحين ، يلبس القميص المرقوع ، ويربط على
بطنه حجرين من الجوع ، والمدائن تُفتَح بدعوته ، والخزائن تُقسم لأمته .

إن البرية يوم مبعث أحـــمدٍ *** نظر الإله لــها فبدّل حالها
بل كرَّم الإنسان حين اختار من *** خير البريــة نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائـــد أمةٍ *** جبت الكنوز وكسَّرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نـــحوه *** لا تبتـغي إلا رضاه سعى لها

ماذا أقول في النبي الرسول ؟ هل أقول للبدر حييت يا قمر السماء ؟ أم أقول للشمس أهلاً يا كاشفة الظلماء ،
أم أقول للسحاب سَلِمتَ يا حامل الماء ؟
اسلك معه حيثما سلك ، فإن سنته سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك ، نزل بزُّ رسالته في غار
حراء ، وبيع في المدينة ، وفصل في بدر ، فلبسه كل مؤمن فيا سعادة من لبس ، ويا خسارة من خلعه فتعس
وانتكس ، إذا لم يكن الماء من نهر رسالته فلا تشرب ، وإذا لم يكن الفرس مسوَّماً على علامته فلا تركب..
بلال بن رباح صار باتِّباعه سيداً بلا نسب ، وماجداً بلا حسب ، وغنيّاً بلا فضة ولا ذهب ، أبو لهب عمه لما عصاه
خسر وتبَّ ، (سيصلى ناراً ذات لهب) .

الفرس والروم واليونان إن ذكروا *** فعند ذكرك أسمال على قزم
هم نـمَّقوا لوحة بالـرِّقِ هائمـة *** وأنت لوحك محفوظ من التهمِ

وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، وإنك لعلى خُلُق عظيم ، وإنك لعلى نهج قويم ، ما ضلَّ ، وما زلَّ ، وما ذلَّ ،
وما غلَّ ، وما ملَّ ، وما كلَّ ، فما ضلَّ لأن الله هاديه، وجبريل يكلمه ويناديه ، وما زلّ لأن العصمة ترعاه ، والله أيده
وهداه ، وما ذلّ لأن النصر حليفه ، والفوز رديفه ، وما غلّ لأنه صاحب أمانة ، وصيانة ، وديانة، وما ملّ لأنه أُعطي
الصبر ، وشُرح له الصدر ، وما كلّ لأن له عزيمة ، وهمة كريمة ، ونفساً طاهرة مستقيمة .

كأنك في الكتاب وجدت لاءً *** محرمة عليــك فلا تحلُّ
إذا حضر الشتاء فأنت شمسٌ
*** وإن حل المصيف فأنت ظلُّ

صلى الله عليه وسلم ما كان أشرح صدره ، وأرفع ذكره ، وأعظم قدره ، وأنفذ أمره ، وأعلى شرفه ، وأربح صفقة
من آمن به وعرفه ، مع سعة الفناء ، وعِظَم الآناء ، وكرم الآباء ، فهو محمد الممجد ، كريم المحتد ، سخي اليد ،
كأن الألسنة والقلوب ريضت على حبه ، وأنست بقربه ، فما تنعقد إلا على وده ، ولا تنطق إلا بحمده ،
ولا تسبح إلا في بحر مجده .

نور العرارة نوره ونسيمــــه *** نشر الخزامى في اخضرار الآسِ
وعليه تاج محبة من ربـــه *** ما صيغ من ذهب ولا من ماسِ

إن للفطر السليمة ، والقلوب المستقيمة ، حباً لمنهاجه ، ورغبة عارمة لسلوك فجاجه، فهو القدوة الإمام ، الذي
يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبُل السلام .
صلى الله عليه وسلم، علَّم اللسان الذكر ، والقلب الشكر ، والجسد الصبر ، والنفس الطهر ، وعلَّم القادة
الإنصاف ، والرعية العفاف ، وحبب للناس عيش الكفاف ، صبر على الفقر ، لأنه عاش فقيرا ، وصبر على جموع
الغنى لأنه ملك ملكاً كبيرا ، بُعث بالرسالة ، وحكم بالعدالة ، وعلّم من الجهالة ، وهدى من الضلالة ، ارتقى في
درجات الكمال حتى بلغ الوسيلة ، وصعد في سُلّم الفضل حتى حاز كل فضيلة .

أتاك رسول المكرمـات مسلمـاً *** يريد رســـــول الله أعظم متقي
فأقبل يسعى في البساط فـما درى *** إلى البحر يسعى أم إلى الشمس يرتقي

هذا هو النور المبارك يا من أبصر ، هذا هو الحجة القائمة يامن أدبر ، هذا الذي أنذر وأعذر ، وبشر وحذر ، وسهل
ويسر ، كانت الشهادة صعبة فسهّلها من أتباعه مصعب ، فصار كل بطل بعده إلى حياضه يرغب ، ومن مورده
يشرب ، وكان الكذب قبله في كل طريق ، فأباده بالصديق ، من طلابه أبو بكر الصديق .
وكان الظلم قبل أن يبعث متراكماً كالسحاب ، فزحزحه بالعدل من تلاميذه عمر بن الخطاب ، وهو الذي ربى
عثمان ذا النورين ، وصاحب البيعتين ، واليمين والمتصدق بكل ماله مرتين ، وهو إمام علي حيدرة ، فكم من
كافر عفرّه ، وكم من محارب نحره ، وكم من لواء للباطل كسره ، كأن المشركين أمامه حُمُرٌ مستنفرة ، فرَّت
من قسوره .

إذا كان هذا الجيل أتباع نهــــجه *** وقد حكموا السادات في البدو والحَضَرْ
فقل كيف كان المصطفى وهو رمزهم *** مـــع نوره لا تذكر الشمس والقَمرْ

كانت الدنيا في بلابل الفتنة نائمة ، في خسارة لا تعرف الربح ، وفي اللهو هائمة، فأذّن بلال بن رباح ، بحيَّ على
الفلاح ، فاهتزت القلوب ، بتوحيد علاّم الغيوب ، فطارت المهج تطلب الشهادة ، وسبَّحت الأرواح في محراب
العبادة ، وشهدت المعمورة لهم بالسيادة .

كل المشارب غير النيل آسنةٌ *** وكل أرض سوى الزهراء قيعانُ
لا تُنحرُ النفس إلا عند خيمته *** فالموت فوق بلاط الحب رضوانُ

أرسله الله على الظلماء كشمس النهار ، وعلى الظمأ كالغيث المدرار ، فهزّ بسيوفه رؤوس المشركين هزّاً ،
لأن في الرؤوس مسامير اللات والعُزَّى ، عظمت بدعوته المنن ، فإرساله إلينا أعظم منّة ، وأحيا الله برسالته
السنن ، فأعظم طريق للنجاة إتباع تلك السنة .
تعلَّم اليهود العلم فعطَّلوه عن العمل ، ووقعوا في الزيغ والزلل ، وعمل النصارى بضلال ، فعملهم عليهم وبال ،
وبعث عليه الصلاة والسلام بالعلم المفيد ، والعلم الصالح الرشيد .

أخوك عيسـى دعا ميْتـاً فقام له *** وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ
قحطان عدنان حازوا منك عزّتهم *** بك التشرف للتـاريخ لا بهمِ




كتبه الشيخ الداعية / د. عائض القرنـــي
المقال من مكتب الشيخ عائض خاص بحملة مليار مع محمد صلى الله عليه وسلم









| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:04 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



دمعة على الحبيب صلى الله عليه وسلم ..

الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
ومن سار على نهجه واقتفى أثره إلى يوم الدين،، أما بعد
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،،
وأسأل الله لي ولكم التوفيق والسداد والإعانة من رب العباد،، آمين
دمعة على الحبيب صلى الله عليه وسلم ..
أخي الحبيب.. قلب عينيك في الملكوت تر الجمال بديعا، وافتح قلبك لأسرار هذا الجمال تر الحياة ربيعا، وخض
في معترك الحياة تكن لك الحياة جميعا، واجمع لي قلبك أجمع لك عقلي، وامنحني يدك فإني لأرجوا أن أمنح
لك حياة هادئة بإذن الله، وافتح صدرك أملأه دفئا ومحبة وصدقا، كن معي لأكون لك وكما تحب، وأعطني دمعة
تحيي بها قلبك، وتسلي بها نفسك، فدموعنا مداد للفكر، وعبراتنا ثبات على المبدأ، وبكاؤنا دوام على النهج
والمنهج.
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( أنت مع من أحببت)) ، فإذا تعلق العبد بالله أحب كل ما يقرب إلى الله
ويزيده، ويبقى أنه أشد حبا لله، فلا حب يوازي ذلك الحب وإنما يحب بحب الله وله.
قال ابن تيمية رحمه الله :
(( فإنك إذا أحببت الشخص لله كان الله هو المحبوب لذاته، فكلما تصورته في قلبك تصورت محبوب الحق
فأحببته فازداد حبك لله، كما إذا ذكرت النبي صلى الله عليه وسلم والأنبياء قبله والمرسلين
وأصحابه الصالحين وتصورتهم في قلبك فإن ذلك يجذب قلبك إلى محبة الله، والمحب لله إذا أحب شخصا لله فإن
الله هو محبوبه، فهو يحب أن يجذبه إلى الله تعالى، وكل من المحب لله والمحبوب لله يجذب إلى الله تعالى
)) اهـ.
أحبتي الكرام: إنني أحمل كلماتي هذه إلى أصحاب القلوب البيضاء لتتوجه بالحب الصادق إلى أصدق الحب
وأبقاه أشواقنا نحو الحجاز تطلعت= كحنين مغترب إلى الأوطان.

إن الطيور وإن قصصت جناحها = تسمو بهمتها إلى الطيران.
واسمح لي أخي الحبيب أن أنتقل وإياك إلى جيل تعيش معهم الأمن والسكينة، ودعني أستل من قلبك
خيطا أبيض نلتمس به الصلة بيننا وبينهم ، وأعرني دمعة تخفف بها الهوة بيننا وبين رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم وتوقيره.
قال مصعب بن عبد الله :
(( كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يتغير لونه ويحني حتى يصعب ذلك على جلسائه))،
وكان الحسن رحمه الله إذا ذكر حديث حنين الجذع وبكائه يقول: (( يا معشر المسلمين.. الخشبة تحن إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم شوقا إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه
)),
وكان عبد ارحمن بن القاسم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم فينظر إلى لونه كأنه نزف منه الدم وقد جف
لسانه في فمه هيبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول مصعب بن عبد الله :
(( ولقد كنت آتي عامر بن عبد الله بن الزبير فإذا ذكر عنده النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقى
في عينيه دموع
)).
وإني سائل بعد تلك الصور المتحدثة أين نحن من سيرتهم؟ وأين حالنا من حالهم؟ وما اثر الحب عندنا؟
وما أثره عندهم؟ بل وما صدق ما ندعي؟ وما صدق مالم يدعوه؟
وأين حقيقة ما ندعي؟ وما دلائل المحبة عندهم؟
لقد قام في قلوبهم ما قصرت هممنا عن أن تقوم بأقله، وأحيوا في شعورهم ما ماتت مشاعرنا دونه،
وتعلقت أبصارهم فيما وراء الطرف في حين لم تتجاوز أبصارنا أطرافنا.
والآن أصغ إلي إلى شيء من سيرته صلى الله عليه وسلم.
ذهب الرسول صلى الله عليه وسلم يوما إلى الكعبة وإذ هو يطوف بها وثب إليه أشراف قريش المتربصون به
وأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول في آلهتنا كذا كذا؟؟
فيجيبهم في هدوء: نعم، أنا أقول ذلك..!!
فيأخذون بمجمع ثوبه وأبو بكر يتوسل إليهم ويبكي ويقول: (( أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله))،
ومن رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الطائف وقد آوى إلى بستان يحتمي بحائطه من مطاردة السفهاء
ويمناه مبسوطة إلى السماء يدعوا بها ربه ويسراه تدفع عن وجهه الحجارة المقذوفة وهو يناجي ربه قائلا:
(( اللهم أشكوا إليك ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين..
أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني؟ إلى بعيد يتجهمني؟ أم إلى عدو ملكته أمري؟
إن لم يكن بك غضب فلا أبالي.. ولكن عافيتك أوسع لي.. أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح
عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك أو يحل علي سخطك، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة
إلا بك
))، لقد رآه الناس يعود من الطائف إلى مكة لا يائسا ولا مهزوما بل أكثر ما يكون أملا وبشرا وتفانيا.
وذات مرة وقف ذاك الإنسان العظيم محمد صلى الله عليه وسلم يقول:
(( مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة في زاوية من زواياه ، فجعل
الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة..؟؟ فأنا تلك اللبنة وأنا خاتم النبيين
)).

يا عين جودي بدمع منك أسبال= ولا تملن من سح وإعوال
لا تعداني بعد اليوم دمعكما =إني مصاب وإني لست بالسال
فإن منعكما من بعد بذلكما= إياي مثل الذي قد غر بالآل
لكن أفيضا على صدري بأربعة= إن الجوانح فيها هاجس صال
سح الشعيب وماء الغرب يمنحه= ساق يحمله ساق بإزلال
على رسول لنا محض مشاربه =سمح الخليقة عف غير مجهال
حامي الحقيقة نسال الوديقة فكـ= ـاك العناة كريم ماجد عالي
كساب مكرمة مطعام مسغبة= وهاب عيدية وجناء شملال
عف مكاسبه جزل مواهبه =خير البرية سمح غير نكال
واري الزناد وقواد الجياد إلى= يوم الطراد إذا شبت بأجذال
ولا أزكي على الرحمن ذا بشر= لكن علمك عند الواحد العالي
أنى أرى الدهر والأيام تفجعني= بالصالحين وأبقى ناعم البال
ياعين فابكي رسول الله إذ ذكرت= ذات الإله فنعم القائم الوالي


الله أكبر.. هذا هو معلم البشرية وخاتم الأنبياء.
الله أكبر.. هذا هو النور الذي رآه الناس وهو يحيا بينهم بشرا.. ثم رآه العالم بعد رحيله عن الدنيا حقيقة وذكرا.
أيها الإخوة: لقد تباعد بنا الزمن، واستنسرت الفتن، واشتغل الأكثرون بالحطام من المهن، غاب عنا الحب وإن
ادعيناه، ونسينا الواجبات فكانت أحاديث الذكريات، نتحدث عن السنة النبوية والهدي النبوي لكن لا ترى جادا
في الاتباع ولا صادقا في الكلام إلا قليلا.

وكل يدعي وصلا بليلا وليلى لا تقر لهم بذاكا

إن مما دعاني للكلام بهذه الأحرف ما أراه من تخلي القريب الأدنى عن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم
وسنته وتحليهم بما يؤسف له من رموز الفكر والأدب في جميع أحاديثهم، وإن هذا نكس ونقص في الفطرة
والتعليم وإلا فقد قال الله تعالى :
(( أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ))، وما أراه من هجوم على شخص النبي صلى الله عليه وسلم
وسيرته وسنته مما تبثه بعض من وسائل الإعلام المختلفة تصريحا وتلميحا ظاهرا وباطنا كالذي أحدثته
الجريدة الدانمركية ونشرته الصحف النرويجية من رسوم كاريكاتيرية تسيء إلى شخص النبي ..
صلى الله عليه وسلم وصحبه وتستهزئ بسنته عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم ،، والله المستعان.
ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نالوا منه أفديه بأبي هو وأمي..

فديت رسول الله .. كيف تجرؤوا= على خير خلق الله موتا ومولدا
أتانا.. وأصنام الضلال شواخص= يقيم عليها قاصد البيت مشهدا
فأمسى يُرَدي بالتعبد روحه= ويأبى لغير الله أن يتعبدا
فلما أتى جبريل بالوحي زاده يقينا= وأعطاه الدليل المؤكدا
تدثر بالثوب النقي مهابة= ولما دعاه الله قام وأرشدا
وأنذرنا نارا تلمظ جمره وبشر= بالفردوس من تاب واهتدا
جواد إذا طاف الزمان حكاية من الجود =ألفا سيد الخلق أجودا
أمين.. رأت فيه الأمانة نفسها= فأرخت له رأسا ومد له يدا
ولو سئل الإحسان يوما عن اسمه لقال= لنا الإحسان .. سميتَ أحمدا
فديت نبي الله قلبا وقالبا= ولا سلم الله الفتى المتمردا
وعذت بربي من تسلط جاهل= يرى نفسه في العلم شيخا وسيدا
أيشتم خير الناس فينا ونرتجي= من الله توفيقا ونصرا وسؤددا
يعذبني طبع الجحود وإنما= يكون الفتى المكابر لما أجحدا
ويؤلمني من أمتي طول لهوها= وكم ألم ممن نحب تولدا.





كتبه أخوكم المعد / عبد المنعم الهرري
Al_badr_15@*******.com

مشاركة لحملة المليار.. ( مقال )






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:06 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


شائع محمد الغبيشي

دعونا إخوتي الكرام نستقي شربة من النبع العذب الصافي تروي كل عطشٍ ظمآن .و نقتبس قنديلاً من السراج
الذي أوقده محمد صلى الله عليه و سلم إذ نقف على حديث عظيم عجيب يربط أول أمة محمد بآخرها ينقلها
نقلة أخرى تجتمع أمته كلها في صعيد واحد هناك في الدار الآخرة في عرصات القيامة في منزلة تتشوف لها
كثير من النفوس فيا فوز و يا سعادة و يا هناء من حضي بتلك المنزلة حديثا حديث تضلله مشاعر الحب من ذلك
القلب الكبير قلب محمد صلى الله عليه و سلم الذي يفيض بحب لا حدود له رغم كثرة العناء و المعاناة و لكنه
قلب محمد صلى الله عليه و سلم ذلك القلب الرحيم العطوف حب لم يقتصر على الجيل الذي عايشه و رباه
على عينه و بادله مشاعر الحب و جهد و جاهد في الدفاع عنه و الفداء له و لكنه حب تجاوز الحدود ليصل إلى
قوم لم يراهم و لم يخالطهم لكنهم أمنوا به و اقتدوا به و تأسوا بهديه و تمنوا لقاءه..
و لو فقدوا كل شيء في الحياة فكافأهم صلى الله عليه و سلم بأن أفاض عليهم أعظم مشاعر الوداد فتوجهم
بتاج الإخاء و ما أعظمه من تاج فعبر عن ذلك بشوق لا يملك المؤمن المحب المشتاق دمع عينه عن الجريان
فتعالوا معنا عباد الله نجسد كل هذه المعاني ..
من خلال هذا الحديث العظيم و نقف معه نستلهم الدروس و العبر .
عن أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المقبرة فقال :
( السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون وددت أني قد رأيت إخواننا ) فقالوا :
يا رسول الله ألسنا بإخوانك قال : ( بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعد وأنا فرطهم على الحوض )
فقالوا : يا رسول الله كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك قال :
( أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله) قالوا : بلى يا رسول الله قال :
( فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء وأنا فرطهم على الحوض فلا يذادن رجال عن حوضي كما يذاد
البعير الضال أناديهم ألا هلم ألا هلم ألا هلم فيقال إنهم قد بدلوا بعدك فأقول فسحقا فسحقا فسحقا
)
رواه مالك في الموطأ و النسائي و ابن حبان بسند صحيح .

الدروس و العبر :
أولاً : حب النبي صلى الله لأمته و شوقه لأتباعه تعالوا معنا نتأمل الحديث في روايات أخرى و أحاديث أخرى
عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ( وددت أني لقيت إخواني )
فقال أصحابه : أوليس نحن أخوانك ؟
قال : ( أنتم أصحابي ، و لكن إخواني الذين آمنوا بي و لم يروني ) رواه الإمام أحمد بسند حسن في موقف آخر
يعب الحبيب عن هذا الشوق عن أبو جمعة قال : تغدينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو عبيدة بن
الجراح قال فقال يا رسول الله هل أحد خير منا اسلمنا معك وجاهدنا معك قال:
( نعم قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني ) رواه الإمام أحمد و قال شعيب الأرنؤوط : حديث صحيح
و عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( إن أناسا من أمتي يأتون بعدي يود احدهم لو اشترى رؤيتي بأهله و ماله ) رواه الحاكم و صححه و افقه الذهبي
و حسنه الألباني .
فالواجب علينا أن نبادل رسولنا صلى الله عليه و سلم مشاعر الحب و الوداد و أن نتمنى لقياه عليه الصلاة
و السلام و يكونا هدفنا الأعظم الفوز بحبه والتأسي به و ليكون السؤال الذي يشغل بال المحب كيف نرد
حوضه كيف نظفر بلقائه ؟ لابد أن تنبعث مشاعر الحب من قلوبنا حباً صادقاً يصدقه العمل و الإتباع لا قولا
باللسان فحسب .
و لنتذكر حال سلفنا الصالح في حبهم لرسول و شوقهم إليه صلى الله عليه و سلم عن عبدة بنت خالد
بن معدان قالت : [ ما كان خالد يأوي إلى فراش إلا و هو يذكر من شوقه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم
و إلى أصحابه من المهاجرين و الأنصار يسميهم و يقول : هم أصلي و فصلي و إليهم يحن قلبي طال شوقي
إليهم فعجل ربي قبضي إليك حتى يغلبه النوم
]
و قال إسحاق التجيبي : كان أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم بعده لا يذكرونه إلا خشعوا و اقشعرت
جلودهم و بكوا و قال مالك ـ وقد سئل عن أيوب السختياني : [ ما حدثتكم عن أحد إلا و أيوب أفضل منه :
و قال : وحج حجتين فكنت أرمقه و لا أسمع منه غير أنه كان إذا ذكر النبي ..
صلى الله عليه و سلم بكى حتى أرحمه
]
وقال مصعب بن عبد الله : [ كان مالك إذا ذكر النبي صلى الله عليه و سلم يتغير لونه و ينحني حتى يصعب ذلك
على جلسائه فقيل له يوما في ذلك فقال لو رأيتم ما رأيت لما أنكرتم علي ما ترون و لقد كنت أرى محمد بن
المنكدر وكان سيد القراء لا نكاد نسأله عن حديث أبدا إلا يبكي حتى نرحمه
] .
وقال ثابت البناني لأنس بن مالك رضي الله عنه :
[ أعطني عينيك التي رأيت بهما رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى أقبلها ].
و عن جبير بن نفير عن أبيه قال جلسنا إلى المقداد بن الأسود يوما فمر به رجل فقال : ( طوبى لهاتين العينين
اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لوددنا انا رأينا ما رأيت وشهدنا ما شهدت
)
رواه الإمام أحمد وقال شعيب الأرنؤوط : إسناده صحيح
أخي هل يحملك الشوق إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم و هل تحدث نفسك برؤيته هل أقبلت على
سنته و اقتفيت آثاره طمعاً في الظفر بالورود على حوضه و شوق لرؤيته هل تردد ما قاله هذا المشتاق:

نسينا في ودادك كل غال *** فأنت اليوم أغلى ما لدينا
نلام على محبتكم و يكفي *** لنا شرف نلام و ما علينا
ولما نلقكم لكن شوقاً *** يذكرنا فكيف إذا التقينا
تسلى الناس بالدنيا و إنّا *** لعمر الله بعدك ما سلونا


يقول ابن القيم رحمه الله : [ فإذا صدق في ذلك ـ أي العبد ـ رزق محبة الرسول واستولت روحانيته على قلبه
فجعله إمامه ومعلمه وأستاذه وشيخه وقدوته كما جعله الله نبيه ورسوله وهاديا إليه فيطالع سيرته ومبادئ
أمره وكيفية نزول الوحي عليه ويعرف صفاته وأخلاقه وآدابه في حركاته وسكونه ويقظته ومنامه وعبادته
ومعاشرته لأهله وأصحابه حتى يصير كأنه معه من بعض أصحابه
] مدارج السالكين جـ3صـ268

ثانياً : الحذر من مخالفة هدي النبي صلى الله عليه و سلم فإن ذلك مؤذن بالحرمان من ورود حوض النبي..
صلى الله عليه و سلم عن أبي هريرة أنه كان يحدث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
( يرد علي يوم القيامة رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض فأقول يا رب أصحابي ؟ فيقول إنك لا علم لك بما
أحدثوا بعدك إنهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى
) رواه البخاري و تأمل قول النبي صلى الله عليه و سلم :
(فيقال إنهم قد بدلوا بعدك فأقول فسحقا فسحقا فسحقا )
ألا ما أعظم الحرمان و ما أجل الخسران من حرم هذا اللقاء العظيم.

ثالثاً : الإيمان بالحوض الذي خص الله به أمة محمد صلى الله عليه عن عبد الله بن عمرو:
قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( حوضي مسيرة شهر ماؤه أبيض من اللبن وريحه أطيب من المسك وكيزانه كنجوم السماء من شرب منها
فلا يظمأ أبدا )
رواه البخاري فحري بكل محب صادق لنبيه صلى الهر عليه و سلم أن يشتاق إلى ذلك اللقاء
و يحن إليه.

فمالي لا يحن إليك قلبي **** و حلمي أن أقبل مقلتيك
و أن ألقاك في يوم المعاد **** و ينعم ناظري من وجنتيك


رابعاً: فضل الوضوء و أن الله خص أمة محمد بأنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من أثار الوضوء قال المناوي
رحمه الله [ غرا محجلين من آثار الوضوء وما ذاك إلا لأن المؤمن يكسى في القيامة نورا من أثر السجود ونورا
من أثر الوضوء نور على نور فمن كان أكثر سجودا أو أكثر وضوءا في الدنيا كان وجهه أعظم ضياء وأشد إشراقا
من غيره فيكونون فيه على مراتب من عظم النور والأنوار لا تتزاحم ألا ترى أنه لو أدخل سراج في بيت ملأه
نورا فإذا أدخل فيه آخر ثم آخر امتلأ بالنور من غير أن يزاحم الثاني الأول ولا الثالث الثاني وهكذا
؟ ]

خامساً : مشروعية زيارة القبور و السلام على أهلها و قد كان النبي صلى الله عليه و سلم يكثر من زيارتها
و يحث على ذلك و كان الصحابة رضي الله عنهم و السلف الصالح يكثرون من زيارة القبور تأسياً برسول الله
صلى الله عليه و سلم .

و تشرع زيارة القبور لأمور :
1ـ السلام على الأموات و الدعاء و الاستغفار لهم فإنهم في أمس الحاجة إلى ذلك فقد حيل بينهم و بين
زيادة الحسنات و تكفير السيئات . عن عائشة قالت فقدت النبي صلى الله عليه وسلم فاتبعته فأتى البقيع
فقال السلام عليكم دار قوم مؤمنين أنتم لنا فرط وإنا بكم لاحقون اللهم لا تحرمنا أجورهم ولا تفتنا بعدهم
ورواه أبو داود
2 ـ تذكر الموت و الدار الآخرة قال صلى الله عليه و سلم : ( زوروا المقابر فإنها تذكركم الآخرة ) وعن البراء
قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة . فجلس على شفير القبر . فبكى حتى بل الثرى .
ثم ( يا إخواني لمثل هذا فأعدوا ) رواه ابن ماجة وحسنه الألباني .
و لذا كانت تلك الزيارات للسلف الصالح أعظم واعظ ومذكر فقد كان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على قبر بكى
حتى يبل لحيته فقيل له تذكر الجنة والنار فلا تبكي وتبكي من هذا فقال ان رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم قال : ( القبر أول منازل الآخرة فإن ينج منه فما بعده أيسر منه وإن لم ينج منه فما بعده
أشد منه قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والله ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه
)
رواه ابن ماجة و الإمام أحمد و حسنه الألباني .
و مر علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ بالمقابر فوقف عليها قليلا فقال : السلام عليكم أهل الديار الموحشة
و المحال المقفرة أنتم لنا سلف و نحن لكم تبع و بكم عما قليل لاحقون اللهم اغفر لنا و لهم و تجاوز عنا وعنهم
طوبى لمن ذكر المعاد للحساب و قنع بالكفاف و رضي في جميع أحواله عن الله تعالى ثم قال :
يا أهل القبور أما الزوجات فقد نكحت و أما الديار فقد سكنت و أما الأموال فقد قسمت هذا خبر ما عندك فما خبر
ما عندكم ؟
ثم التفت إلى أصحابه فقال : أما إنهم لو تكلموا لقالوا :
وجدنا خير الزاد التقوى .. وقال مالك بن دينار :
مررت بالمقبرة فأنشأت أقول أتيت القبور فناديتها ... فأين المعظم والمحتقر وأين المدل بسلطانه ...
وأين المزكى إذا ما أفتخر تفانوا جميعا فما مخبر ... وماتوا جميعا ومات الخبر تروح وتغدو بنات الثرى ...
فتمحو محاسن تلك الصور فيا سائلي عن أناس مضوا ... أما لك فيما ترى معتبر .







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:06 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



محمد بن شعبان أبو قرن

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, محمدٍ بن عبد الله, وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:
لمن هذه الرسالة:
هذه الرسالة تنادي كل مسلم حي على وجه الأرض.. يستظل بسماء المولى عز وجل, ويأكل من رزقه, ويشرب
من ماءه, وينعم بسمعٍ وبصرٍ وعقلٍ من خلق الله العلي القدير سبحانه جل شأنه..
هذه الرسالة تنادي الجميع..
من كان قريبًا.. أو بعيدًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم..
فليسمع الجميع.. ولينصت الكل لرسول الله صلى الله عليه وسلم..
أخي الحبيب..
قد تقرأ هذه الكلمات, ثم لا تلقي لها بالاً.. وكأنها خواطر عارضة مرت على عينيك دون تدبر أو وعيٌ منك لها..
وقد تقرأ هذه الكلمات فتتفكر فيها, وفي معانيها؛ فتنتفع بما هو مفيد منها..
قد تكون هذا أو ذاك..
وإني أخالك وأحسبك من الصنف الثاني..
ذاك الصنف المحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم..
الحريص كل الحرص على طاعته – والتي هي من طاعة الله عز وجل – واجتناب كل ما نهى عنه وزجر..
المهم..
هذه الكلمات هي حجة عليك أمام رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوم تلقاه عند رب العالمين..
فتعال معنا..
افتح أذنيك, وعينيك, وكذلك عقلك وقلبك..
حتى تسمع رسالة رسولك – صلى الله عليه وسلم –
( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) سورة ق الآية 37.

يا أمتي... أطيعوني:
يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا)
سورة النساء الآية 80. ويقول عز من قائل في سورة الحشر:
( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) الآية 7.
هل من عاقل يريد الجنة..؟!!!
هل من لبيب يرغب في سعادة الدنيا والآخرة؟!!
أمة محمد.. اعلموا أن السعادة كل السعادة في طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم,
قال تعالى: ( وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا) سورة النساء الآية69 .
والشقاء كل الشقاء في معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, قال تعالى:
(وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ) سورة النساء, الآية 14.
كلُ من يريد الجنة سينالها.. لن يحرم منها حتمًا..!!
وهذا هو منهج أهل السنة والجماعة الذي ندين الله عز وجل به.. ولكن هذا لن يتحقق إلا بشرط..!!
وهذا الشرط هو؛ طاعة الله جل وعلا, وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما أمر به, واجتناب كل ما نهى
عنه وزجر, كما ذكر ذلك علماء الأصول من أهل السنة والجماعة, وكما هو مقرر في دين الله تبارك وتعالى..
أما من يرفض طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, ويرفض تطبيق منهجه, ولا يدافع عن سنته..
فمن المؤكد أنّ النار هي مأواه والعياذ بالله..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى.. قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟!!
قال: من أطاعني دخل الجنة, ومن عصاني فقد أبى".. صدقت يا حبيبي يا رسول الله..
يا من لا تنطق عنه الهوى.. صلوات ربي وسلامه عليك..
يا أمتي.. أين أخلاقي:
الأحبة في الله..
الأخلاق هي رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وحسن الخلق هو سمته طيلة حياته, وهو جوهر رسالته
صلى الله عليه وسلم..
قال صلى الله عليه وسلم: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".. وتحكي عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حال
نبي الله صلى الله عليه وسلم فتقول: " كان قرآنًا يمشي على الأرض"..
أي أنه: كل فعل حسن, وخلق قويم كريم.. يحبه الله ورسوله.. وكل معصية أو خلق سيئ..
يبغضه الله ورسوله..
لحظة من فضلك..
الرسول صلى الله عليه وسلم يأمرك.. بالصدقة.. بالأمانة.. بالوفاء بالعهد.. بحسن الجوار.. بغض البصر..
وكذلك يأمر بألاّ تكون كذابًا.. أو مرتشيًا..أو فاسدًا مفسدًا..أو ظالمًا..أو مطلقًا لبصرك في الحرام..
والفائدة والنتيجة:
" إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم " صحيح.
يا أمتي:
أنتم الأمة الخاتمة..أنتم أصحاب الرسالة الأخيرة..أنتم خير أمة أخرجت للناس.. استمسكوا بأخلاقي –
صلى الله عليه وسلم-؛ تنجوا وتعلوا في الدنيا والآخرة وتُنْصَروا وإلا.. إن تركتم أخلاقي وسنتي:
فالهلاك الهلاك.. الحيرة الحيرة.. الهزيمة الهزيمة

يا أمتي.. أصلحوا وكونوا من المصلحين:
يا أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.. سيمضي الزمان ويمر.. وتتعاقب الأجيال جيل صالح يصلح..
وجيل يكثر فيه الفساد والمفسدون.. والجزاء من جنس العمل..

يا أمتي:
لو عاصرتم المفسدين في الأرض.. لا تصمتوا..
لو عاصرتم من يسرق أموال الأمة.. لا تصمتوا..
لو عاصرتم من يطعمكم أطعمة مسرطنة ( أي تسبب السرطان والأمراض)..
لا تصمتوا.. كلا.. لا تصمتوا وإلا تكونوا مثلهم..!!
فماذا تفعلوا؟!!!
ارفضوا كل أشكال الظلم والظالمين..
لا تخضعوا للظلم وترضوا به,, بل قولوا الحق ولو كان مرًا.. ولو كان عند سلطان جائر..
وساندوا أهل الحق.. ولا تخشوا في الله لومة لائم.. (فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ ) التوبة 13.
فلقد انتصرت الأمة بأبي بكر الصديق –رضي الله تعالى عنه وأرضاه- يوم أن وقف في وجه المرتدين..
وبالإمام أحمد يوم محنة خلق القرآن..
فكانوا رجالا ً الواحد منهم يزن أمة بأكملها.. كما كان حال أجدادنا الصحابة رضوان الله تعالى عليهم..
الجيل الرباني.. خريج مدرسة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الناس إذا رأوا الظلم (أو الظالم) فلم يأخذوا على يديه أوشك الله
أن يعمهم بعقاب" صحيح.

يا أمتي.. أبشري:
يا أمتي لا تحزني.. يا أمتي لا تخضعي.. فالله عز وجل معكم وهو ناصركم إن نصرتموه..
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) محمد آية 7.

يا أمة الإسلام..
كل هذا الهوان والضعف سيتغير ويتبدل.. إلى عز ونصرة وتمكين..
فقط.. اثبتوا على الحق.. ودافعوا عنه حتى النهاية.. واعلموا أنه دائمًا.. الغلبة لله ولرسوله وللمؤمنين..
قال تعالى:
( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ
الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) الصف الآيات 8, 9.
وقال عز من قائل: ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ) المنافقون 8.






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:08 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



د. عبد المعطي الدالاتي

ضيــف حــــراء :

في غار شاهق يقع على الطريق ما بين السماء والأرض تم اللقاء بين محمد القادم من الأرض حاملاً ضراعتها ،
وبين جبريل القادم من السماء حاملاً رسالتها ودار الحوار :
الملك جبريل : اقرأ .
النبي محمد : ما أنا بقارئ .
الملك جبريل : " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ، خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ،
عَلَّمَ الإنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ
"(1).
هذه الكلمات هي بسملة سعادة الإنسان ، وهي الأشعة الأولى لأنوار القرآن ، يا لها من براعة استهلال
لمقاصد الرسالة !!.
فمن تحت سن القلم تبعث الأمم ..
ها هنا في قلب الغار اختُصر تاريخ الإنسان ، فيا له من مكا ن غمر في جوفه ا لزمان .!
ولقد تكون بعض الأحداث في التاريخ أكبر من التاريخ نفسه !!
ويوم حراء أكبر وأخلد من التاريخ .
وأكرِم بيوم تم فيه اللقاء بين أ مين الأرض وأ مين ا لسماء !
( كان العالم كله في غفلة عن ذلك الرجل الذي يأوي إلى غار حراء متوحِّداً في سبيل التوحيد ..
وكانت ساعات يرتبط بها تاريخ أحقاب ودهور ، فلما انقضت مدتها لم يبق في الأرض المعمورة غافل عن ضيف
ذلك الغـــار ، ولم يبق جاهــل بآثــار تلك الســاعات التي كان يقضيها فيــه بالليل والنهار
..)(2)
لقد خرج محمد من هذا الغار حقيقة نقية كالسماء الصافية .. خرج قانوناً من قوانين الله التي تُسيِّر الشمس
والقمر ، وتمسك السماء والأرض .. يمضي قُد ماً إلى الغاية المقدورة مُضيّ النجوم في حُبكها والشمس
في فلكها ..
هبط الرسول من حراء وقد حمل أمانة الرسالة ، فليت شعري أَهَبط ونفسه قريرةٌ كما ينزل النور من الشمس
والقمر ؟ أم نزل ونفسه جائشةٌ كما ينزل الغيث بين الرعد والبرق؟!
ما هي المشاعر والأفكار التي كانت تجول في قلبه وقد حمل "قولاً ثقيلاً" لينقذ به العالمين من الظلمات
إلى النور ؟!
لست أدري .. ولكنه نزل د يناً جد يداً.. وعصراً وليداً .. وتاريخاً مد يداً .. وإصلاحاً شاملاً وهدى كاملاً ..
ورحمةً للعالمين ...
أيها الغار : يا مأوى محمد .. ويا مطلع النبوة .. ويا بوابة السماء ! كم فجّر الله فيك من ينابيع هدى ، ومن
شلالات سناء (3)..
مُذ قيل: (اقرأ) أشــرقـت *** في الكون شمـسُ الدعـوةِ
وســـرى ا لضيــاءُ علـى *** الوجودِ بأسرهِ في لحظةِ
ومحمدُ الهــادي ابتــد ا
*** د رب الهــدى من مكــةِ (4)

أختتم مقالي ببطاقات ثلاث :
الأولى يوقعها شاعر الألمان ( يوهان غوته ) :
" انظر إلى ينبوع الجبل يتدفق صافياً كشعاع د ري فوق السحب .. أرضعت ملائكة الخير طفولته في مهده ..
ساحباً في أثره أخواتٍ من العيون كأنما هو مرشدها الأمين ..
وأما في البوادي فالرياحين تنبثق عند قد ميه ، والمـروج تحيـا مـن أنفاسـه لا يثنيه الوادي الظليل ،
ولا الرياحين التي تطوّق ساقيه ، وتحاول أن تستهويه بلحاظها الفواتن ..
وها هو العُباب زاخراً يندفع لا يثنيه ثانٍ مخلفاً وراءه المنارات والصروح
.. ذلك هو ( محمد بن عبد الله ).

والبطاقة الثانية يوقعها شاعر الشرق ، الدكتور محمد إقبال :
"لا تعجبوا إذا اقتنصتُ النجوم ، فأنا من أتباع ذلك السيد العظيم ، الذي تشرفتْ بوطأته الحصباء ، فصارت أعلى
قد راً من النجوم .. جاءته بنت حاتم أسيرة، سافرة الوجه ، مطرقةً فاستحيا النبي ، وألقى عليها رداءه ..
يا رسول الله : نحن أعرى من السيدة الطائية ! نحن عراة ضعاف أمام أمم العالم ..
إنني مع عُبّاد الظلام في صراع شديد .. فمُدَّ سراجي بزيت منك جد يد .. ولا تضن عليّ بشعاع من أشعة
شمسك المنيرة للعالم ..
يا رب : أنت غني عن العالمين . فاقبل معذرتي يوم الدين .. وإن كان لا بد من حسابي ، فأرجوك يا رب أن
تحاسبني بعيداً من المصطفى ، فإني أستحي أن أنتسب إليه ، وأكون في أمته ، وأقترف مثل هذه الذنوب
)..

والبطاقة الثالثة : أبيات كتبتها بقلمي الصغير الذي غمسته بدواة حب كبير :

حــار فكــري لـســـت أدري مــا أقـــولْ!
أيُّ طُـهــــرٍ ضمّـــــه قلــبُ الــرســــولْ!
أيُّ نورٍ تــهــتــــدي فــيــــه العـقـــــولْ !
أنت مشـكاة الهدى ، أنت نــبراس الوصـولْ
أيُّ مــــدحٍ كان كُــفْـــــواً في المحافـــلْ!
يا رســــولاً بــشّـــرتْ فـيــه الرســــائلْ
أي كــــونٍ نــبـــــويٍّ في الشــــــمـائـلْ!
أنت نورٌ .. أنت طهرٌ .. أنت حقٌّ هـَدّ باطلْ
(5)

التحيات لله والصلوات والطيبات … السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ..
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .

أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
ما يقول الشـعر لو أثنى وما حيلةُ النثـر أمــام الأنبيــاءْ ؟!
قَدْ رهم جلَّ عن الشــعر فهل يُكملُ التاريخُ بَدءَ الشعراءْ
؟!

" من كتاب ربحت محمدا ولم أخسر المسيح "

(1) قرآن كريم ، سورة العلق .
(2) (الإسلام دعوة عالمية) عباس العقاد ص(99) .
(3) (ديوان عطر السماء) د.عبد المعطي الدالاتي .
(4) د. محمد إقبال عن (الطريق إلى المدينة) للعلامة أبي الحسن الندوي (120-129) .
(5) ديوان : (أحبك ربي – نجاوى شعرية) د.عبد المعطي الدالاتي ص 48 .








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:09 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


هشام محمد سعيد برغش

ذلكم رسول الله؛ صاحب الحوض المورود، واللواء المعقود، والمقام المحمود، صاحب الغرّة والتحجيل، المذكور
في التوراة والإنجيل، المؤيّد بجبريل، خير الخلق في طفولته، وأطهر المطهرين في شبابه، وأنجب البشرية
في كهولته، وأزهد الناس في حياته، وأعدل القضاة في قضائه، وأشجع قائد في جهاده؛ اختصه الله بكل خلق
نبيل؛ وطهره من كل دنس وحفظه من كل زلل، وأدبه فأحسن تأديبه وجعله على خلق عظيم؛ فلا يدانيه أحد
في كماله وعظمته وصدقه وأمانته وزهده وعفته.
اعترف كل من عرفه حق المعرفة بعلو نفسه وصفاء طبعه وطهارة قلبه ونبل خلقه ورجاحة عقله وتفوق ذكائه
وحضور بديهته وثبات عزيمته ولين جانبه.

بل اعترف بذلك المنصفون من غير المسلمين؛ ومن هؤلاء:
يقول المستشرق الأمريكي (واشنجتون إيرفنج): «كان محمد خاتم النبيين وأعظم الرسل الذين بعثهم الله
تعالى ليدعوا الناس إلى عبادة الله
».
ويقول : البروفيسور يوشيودي كوزان ـ مدير مرصد طوكيو: ( أعظم حدث في حياتي هو أنني درست حياة
رسول الله محمد دراسة وافية، وأدركت ما فيها من عظمة وخلود
).
ويقول عالم اللاهوت السويسري د.هانز كونج : (ـ بحثت في التاريخ عن مثل أعلى لهذا الإنسان، فوجدته
في النبي العربي محمد صلى الله عليه وسلم
).
ويقول توماس كارليل: ( قرأت حياة رسول الإسلام جيدًا مرات ومرات، فلم أجد فيها إلا الخُلُق كما ينبغي أن
يكون، وكم ذا تمنيت أن يكون الإسلام هو سبيل العالم
).
ويقول المستشرق الفرنسي أميل ردمنغم: "... كان محمد صلى الله عليه وسلم أنموذجًا للحياة الإنسانية
بسيرته وصدق إيمانه ورسوخ عقيدته القويمة، بل مثالاً كاملاً للأمانة والاستقامة وإن تضحياته في سبيل
بث رسالته الإلهية خير دليل على سمو ذاته ونبل مقصده وعظمة شخصيته وقدسية نبوته
".
ويقول المستشرق الإسباني (جان ليك):
( أيّ رجل أدرك من العظمة الإنسانية مثلما أدرك محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأيُّ إنسان بلغ من مراتب
الكمال مثل ما بلغ، لقد هدم الرسول المعتقدات الباطلة التي تتخذ واسطة بين الخالق والمخلوق
)".
أما (وليام موير) المؤرخ الإنجليزي فيقول في كتابه (حياة محمد): "لقد امتاز محمد عليه السلام بوضوح كلامه،
ويسر دينه، وقد أتم من الأعمال ما يدهش العقول، ولم يعهد التاريخ مصلحًا أيقظ النفوس وأحيى الأخلاق..
ورفع شأن الفضيلة في زمن قصير كما فعل نبي الإسلام محمد
".
هذه مقتطفات من مواقف فلاسفة ومستشرقين أوروبيين وغربيين في حق المصطفى محمد ..
صلى الله عليه وسلم النبي الخاتم، أردنا منها إثبات أن أبناء الحضارة الغربية يقرون بدور الإسلام في بنائها
وتشييد صروحها، وبنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصفاته الحميدة وفضله المتصل إلى يوم القيامة على
البشرية في جميع أقطار المعمور، ذلك أن التعصب الأوروبي المسيحي لم يكن خطًا صاعدًا باستمرار، وإنما
وجد هناك منصفون أكدوا الحقيقة بلا لف أو دوران، ولكن الثقافة الغربية السائدة والمتشبعة بقيم التعصب
والعناد والتمركز الحضاري حول الذات سعت إلى حجب هذه الحقائق وإخفاء هذه الأصوات حتى لا يتمكن
الشخص الأوروبي العادي من الإطلاع على ما أتبثه أبناء جلدته من الكبار في حق الإسلام ونبيه ورسالته
العالمية الخالدة، وذلك كله بهدف تحقيق غرضين، الأول إبعاد الأوروبيين المسيحيين عن الإسلام الذي دلل
على قدرته على التغلغل في النفوس وملامسة صوت الفطرة في الإنسان، فهو يخيف الغرب المتوجس من
تراجع عدد معتنقي المسيحية في العالم ,برغم ما ينفقه من الأموال والوقت لتنصير الشعوب.
والغرض الثاني ضمان استمرار الصراع بين الغرب والإسلام والقطيعة بينهما لمصلحة الصهيونية والماسونية
التي تعتبر نفسها المتضرر الأول والرئيس من أي تقارب أو حوار بين الإسلام والغرب.
وفي هذه الورقات اليسيرات نكشف جانباً من جوانب عظمته, وأخلاقه الكريمة وخصاله الشريفة لعل الله يهدي
بها أقواماً علم منهم الإنصاف إلى الحق، ولعله يرعوي أقوام آخرون ممن تابع عن جهل وتعصب أعمى تلك
الحملة الظالمة والتشويه الكاذب لسيرة أعظم إنسان عرفته البشرية.

أخلاق أعظم إنسان:
كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خُلقاً وأكرمهم وأتقاهم، وقد شهد له بذلك ربه جل وعلا..
وكفى بها فضلا؛ قال تعالى مادحاً وواصفاً خُلق نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم:
((وَإِنّكَ لَعَلَىَ خُلُقٍ عَظِيمٍ )) [القلم 4].
يقول خادمه أنس بن مالك رضي الله عنه:" كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقًا" -
رواه البخاري ومسلم.
وتقول زوجه صفية بنت حيي رضي الله عنها: "ما رأيت أحسن خلقًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم " -
رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.
وقالت عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم، قالت:
(كان خلقه القرآن) صحيح مسلم.
فهذه الكلمة العظيمة من عائشة رضي الله عنها ترشدنا إلى أن أخلاقه صلى الله عليه وسلم هي اتباع
القرآن، وهي الاستقامة على ما في القرآن من أوامر ونواهي، وهي التخلق بالأخلاق التي مدحها القرآن
العظيم وأثنى على أهلها والبعد عن كل خلق ذمه القرآن.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: ومعنى هذا أنه صلى الله عليه وسلم صار امتثال القرآن أمراً ونهياً
سجيةً له وخلقاً.... فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه، هذا ما جبله الله عليه من الخُلق العظيم
من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم وكل خُلقٍ جميل.ا.هـ
وقد جاءت صفاته وخصاله الكريمة صلى الله عليه وسلم في كتب أهل الكتاب نفسها قبل تحريفها ؛ فعن
عطاء رضي الله عنه قال: قلت لعبد الله بن عمرو أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في
التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة بصفته في القرآن:
( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) وحرزًا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل،
لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى
يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صمًا وقلوبًا غلفًا - رواه البخاري.

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله :
كان صلى الله عليه وسلم خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجته
بالإكرام والاحترام، حيث قال صلى الله عليه وسلم:
(( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )) رواه الترمذي.
وكان من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أهله وزوجه أنه كان يُحسن إليهم ويرأف بهم
ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم، وكان من شأنه صلى الله عليه وسلم
أن يرقّق اسم عائشة ـ رضي الله عنها ـ كأن يقول لها: (يا عائش )، ويقول لها:
(يا حميراء ) ويُكرمها بأن يناديها
باسم أبيها بأن يقول لها: ( يا ابنة الصديق ) وما ذلك إلا تودداً وتقرباً وتلطفاً إليها واحتراماً وتقديراً لأهلها.
و كان صلى الله عليه وسلم يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم، وكانت عائشة تغتسل
معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها: ( دعي لي)، وتقول له: دع لي. رواه مسلم
وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها‏.‏ وكان إذا هويت شيئاً لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا
شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقاً - وهو العَظْمُ الذي عليه
لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربما كانت
حائضاً، وكان يأمرها وهي حائض فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه
مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب.
(عن الأسود قال :سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قال : كان يكون في مهنة
أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة
) رواه مسلم.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم - رواه أحمد.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت:
"خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن،.
فقال للناس : اقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم
وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي أسابقك فسبقني،
فجعل يضحك وهو يقول هذا بتلك
" رواه أحمد.
بل إنه صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية رضي الله عنها..
رجلها حتى تركب على بعيرها. رواه البخاري.
ومن دلائل شدة احترامه وحبه ووفائه لزوجته خديجة رضي الله عنها..
إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها (صديقاتها)، وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة رضي الله عنها
بأنها كانت تغير من هذا المسلك منه - رواه البخاري.

عدل النبي صلى الله عليه وسلم:
كان عدله صلى الله عليه وسلم وإقامته شرع الله تعالى مع القريب والبعيد والعدو والصديق والمؤمن والكافر
مضرب المثل ؛ كيف لا وهو رسوله صلى الله عليه وسلم، والمبلغ عن ربه ومولاه؟!!
فكان صلى الله عليه وسلم يعدل بين نسائه ويتحمل ما قد يقع من بعضهن من غيرة كما كانت عائشة ـ
رضي الله عنها ـ غيورة.
فعن أم سلمة ـ رضي الله عنها أنها ـ أتت بطعامٍ في صحفةٍ لها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه،
فجاءت عائشة... ومعها فِهرٌ ففلقت به الصحفة، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم بين فلقتي الصحفة..
وهو يقول: (كلوا، غارت أُمكم ـ مرتين ـ ) ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم صحفة عائشة فبعث بها إلى
أُم سلمة وأعطى صحفة أُم سلمة عائشة. رواه النسائي وصححه الألباني.
وقال صلى الله عليه وسلم في قصة المرأة المخزومية التي سرقت:
(‏والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد‏,‏ لقطعت يدها‏ )‏.

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال والصبيان :
عن أنس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم - رواه البخاري ومسلم.
و كان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه.
وكان صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته وهو يصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعها وجاء الحسن
والحسين وهما ابنا بنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من
المنبر فحملهما حتى ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله:
(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) (لأنفال:28) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان
فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.
و كان صلى الله عليه وسلم إذا مر بالصبيان سلم عليهم وهم صغار وكان يحمل ابنته أمامه وكان يحمل ابنة
ابنته أمامة بنت زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس وكان ينزل من الخطبة ليحمل
الحسن والحسين ويضعهما بين يديه.

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الخدم والضعفاء والمساكين:
عن أنس رضي الله عنه قال" خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال
لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا
" - رواه البخاري ومسلم.
و عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمًا له ولا امرأة
ولا ضرب بيده شيئًا قط، إلا أن يجاهد في سبيل الله. رواه البخاري ومسلم.
و عن عائشة رضي الله عنها قالت "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما
ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك
حرمة الله فينتقم
".
وعن ابن أبي أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة
والمسكين والعبد حتى يقضي له حاجته. رواه النسائي والحاكم.

رحمة النبي صلى الله عليه وسلم:
قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) (الأنبياء:107)
وقال تعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ..) (آل عمران:159)
وعندما قيل له ادع على المشركين قال صلى الله عليه وسلم:"إني لم أبعث لعانًا، وإنما بعثت رحمة" -
رواه مسلم.
و كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم من وليَ من أمرِ أمتي شيئاً، فشقَّ عليهم، فاشقُق عليه،
و من ولي من أمر أمتي شيئاً، فرفق بهم، فارفق به
)
وقال صلى الله عليه وسلم في فضل الرحمة: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من
في السماء
) رواه الترمذي وصححه الألباني .
وقال صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة الذين أخبر عنهم بقوله: ( أهل الجنة ثلاثة - وذكر منهم- : ورجل
رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم
) رواه مسلم.

عفو النبي صلى الله عليه وسلم:
عن أنس رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة،
فقلت له والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به صلى الله عليه وسلم، فخرجت حتى أمر على
صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه
وهو يضحك فقال يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟ قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله – فذهبت
" رواه مسلم.
و عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم..
إذ جاء أعرابي، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَه مَه، قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تزرموه، دعوه )،.
فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له:
( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن )
قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه. رواه مسلم.

تواضعه صلى الله عليه وسلم:
كان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين، يتخلق ويتمثل بقوله تعالى:
(( تِلْكَ الدّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ )) [ القصص 83 ].
وكان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل
عذر المعتذر.
يتواضع للمؤمنين، يقف مع العجوز ويزور المريض ويعطف على المسكين، ويصل البائس ويواسي..
المستضعفين ويداعب الأطفال ويمازح الأهل ويكلم الأمة، ويواكل الناس ويجلس على التراب وينام على
الثرى، ويفترش الرمل ويتوسّد الحصير، ولما رآه رجل ارتجف من هيبته فقال صلى الله عليه وسلم:
"هوّن عليك، فإني ابن امرأة كانت تأكل القديد بمكة" رواه ابن ماجه.
وكان صلى الله عليه وسلم يكره المدح، وينهى عن إطرائه ويقول: " لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى
بن مريم، فإنما أنا عبد الله ورسوله، فقولوا عبد الله ورسوله
" أخرجه البخاري .
فكان أبعد الناس عن الكبر، كيف لا وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم:
( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله ) رواه البخاري.
كيف لا وهو الذي كان يقول صلى الله عليه وسلم: ( آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد )
رواه أبو يعلى وحسنه الألباني.
كيف لا وهو القائل بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم: ( لو أُهدي إليَّ كراعٌ لقبلتُ ولو دُعيت عليه لأجبت )
رواه الترمذي وصححه الألباني.
ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجيب الدعوة ولو إلى خبز الشعير ويقبل الهدية.
عن أنس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب -
رواه الترمذي في الشمائل.
والإهالة السنخة: أي الدهن الجامد المتغير الريح من طوال المكث.

مجلسه صلى الله عليه وسلم:
كان صلى الله عليه وسلم يجلِس على الأرض، وعلى الحصير، والبِساط.
عن أنس رضي الله عنه قال " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده
حتى يكون الرجل ينزع يده، ولا يصرف وجهه من وجهه حتى يكون الرجل هو يصرفه، ولم ير مقدمًا ركبتيه بين
يدي جليس له
" - رواه أبو داود والترمذي بلفظه.
وعن أبي أمامة الباهلي قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على عصا، فقمنا إليه، فقال
لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا - رواه أبو داود وإسناده حسن.

زهده صلى الله عليه وسلم:
كان صلى الله عليه وسلم أزهد الناس في الدنيا وأرغبهم في الآخرة، خيره الله تعالى بين أن يكون ملكًا نبيًا
أو يكون عبدًا نبيًا فاختار أن يكون عبدًا نبيًا.
فكان صلى الله عليه وسلم ينامُ على الفراش تارة، وعلى النِّطع تارة، وعلى الحصير تارة، وعلى الأرض تارة،
وعلى السرير تارة بين رِمَالهِ، وتارة على كِساء أسود‏.
وكان بيته من طين، متقارب الأطراف، داني السقف، وقد رهن درعه في ثلاثين صاعًا من شعير عند يهودي،
وربما لبس إزارًا ورداء فحسب، وما أكل على خوان قط.
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: ( دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو على سرير مزمول بالشريط
وتحت رأسه وسادة من أدم حشوها ليف، ودخل عمر وناس من الصحابة فانحرف النبي صلى الله عليه وسلم
فرأى عمر أثر الشريط في جنبه فبكى
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
ما يبكيك يا عمر قال: ومالي لا أبكي وكسرى وقيصر يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا وأنت على الحال
الذي أرى فقال يا عمر: أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة قال: بلى
قال: هو كذلك)
وكان من زهده صلى الله عليه وسلم وقلة ما بيده أن النار لا توقد في بيته في الثلاثة أهلة في شهرين .
فعن عروة رضي الله عنه قال: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها كانت تقول: والله يا ابن أختي كنا لننظر إلى
الهلال ثم الهـلال ثـلاثة أهله في شهرين ما أوقـد في أبيـات رسـول الله صلى الله عليه وسلم نار، قلت:
يا خالة فما كان عيشكم؟ قالت: الأسودان ـ التمر والماء ـ) رواه البخاري ومسلم.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يبيت الليالي المتتابعة طاوياً وأهله
لا يجدون عشاءً، وكان أكثر خبزهم الشعير
) رواه الترمذي وحسنه الألباني.

عبادته صلى الله عليه وسلم:
كان صلى الله عليه وسلم أعبد الناس، و من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان عبداً لله شكوراً؛
فإن من تمام كريم الأخلاق هو التأدب مع الله رب العالمين وذلك بأن يعرف العبد حقّ ربه سبحانه وتعالى عليه
فيسعى لتأدية ما أوجب الله عز وجل عليه من الفرائض ثم يتمم ذلك بما يسّر الله تعالى له من النوافل،
وكلما بلغ العبد درجةً مرتفعةً عاليةً في العلم والفضل والتقى عرف حق الله تعالى عليه فسارع إلى تأديته
والتقرب إليه عز وجل بالنوافل.
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العالمين في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه إن الله
تعالى قال: (... وما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره
الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه
...)
رواه البخاري.
فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرف حق ربه عز وجل عليه وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر
على الرغم من ذلك كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ ويسجد فيدعو ويسبح
ويدعو ويثني على الله تبارك وتعالى ويخشع لله عز وجل حتى يُسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل.
فعن عبد الله بن الشخير ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ
كأزيز المرجل من البكاء
) رواه أبو داود وصححه الألباني.
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه،
فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟
قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) رواه البخاري.
ومن تخلقه صلى الله عليه وسلم بأخلاق القرآن وآدابه تنفيذاً لأمر ربه عز وجل أنه كان يحب ذكر الله ويأمر به
ويحث عليه، قال صلى الله عليه وسلم: ( لأن أقول سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليَّ
مما طلعت عليه الشمس
) رواه مسلم.
و كان صلى الله عليه وسلم أكثر الناس دعاءً، وكان من أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول:
( اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) رواه البخاري ومسلم .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنه كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قبل موته:
(اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت ومن شر ما لم أعمل ) رواه النسائي وصححه الألباني.

دعوته صلى الله عليه وسلم:
شملت دعوته عليه الصلاة والسلام جميع الخلق، فكان صلى الله عليه وسلم أكثر رسل الله دعوة وبلاغـًا
وجهادًا، لذا كان أكثرهم إيذاءً وابتلاءً، منذ بزوغ فجر دعوته إلى أن لحق بربه جل وعلا .

وكانت دعوته صلى الله عليه وسلم على مراتب:
المرتبة الأولى‏:‏ النبوة‏.‏ الثانية‏:‏ إنذار عشيرته الأقربين‏.‏ الثالثة‏:‏ إنذار قومه‏.‏ الرابعة‏:‏ إنذار قومٍ ما أتاهم من نذير
من قبله وهم العرب قاطبة‏
.‏ الخامسة‏:‏ إنذارُ جميع مَنْ بلغته دعوته من الجن والإِنس إلى آخر الدّهر.‏
وقد قال الله جل وعلا لنبيه صلى الله عليه وسلم:
( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ).
وكانت دعوته صلى الله عليه وسلم كلها رحمة وشفقة وإحساناً وحرصاً على جمع القلوب وهداية الناس
جميعاً مع الترفق بمن يخطئ أو يخالف الحق والإحسان إليه وتعليمه بأحسن أسلوب وألطف عبارة وأحسن
إشارة، متمثلاً قول الله عز وجل: (( ادْعُ إِلِىَ سَبِيــلِ رَبّــكَ بِالْحِكْـمَةِ وَالْمَـوْعِظَـةِ الْحَسَنَـةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي
هِيَ أَحْسَنُ
... )) [ النحل:12] .

ومن ذلك لما جاءه الفتى يستأذنه في الزنى.
فعن أبي أُمامة ـ رضي الله عنه ـ قال: إن فتىً شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، ائذن
لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه فقال له: ( ادنه)، فدنا منه قريباً، قال: (أتحبّه لأمّك؟)
قال: لا والله، جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم) قال: (أفتحبه لابنتك؟)
قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لبناتهم) قال: (أفتحبه لأختك؟)
قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لأخواتهم). قال: (أفتحبه لعمتك؟)
قال: لا والله، جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لعماتهم). قال: (أفتحبه لخالتك؟)
قال: لا والله جعلني الله فداءك. قال: (ولا الناس جميعاً يحبونه لخالاتهم)
قال: فوضع يده عليه، وقال: ( اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصّن فرجه) فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى
شيء. رواه أحمد.

كرم النبي صلى الله عليه وسلم وجوده:
كان صلى الله عليه وسلم أكرم الناس وأجود الناس لم يمنع يوماً أحداً شيئاً سأله إياه، يعطي عطاء من
لا يخشى الفقر؛ فهو سيد الأجواد على الإطلاق، أعطى غنمًا بين جبلين، وأعطى كل رئيس قبيلة من العرب
مائة ناقة، ومن كرمه صلى الله عليه وسلم أنه جاءه رجل يطلب البردة التي هي عليه فأعطاه إياها..
صلى الله عليه وسلم وكان لا يردّ طالب حاجة، قد وسع الناس برّه، طعامه مبذول،وكفه مدرار، وصدره واسع،
وخلقه سهل، ووجه بسّام.
وجاءته الكنوز من الذهب والفضة وأنفقها في مجلس واحد ولم يدّخر منها درهمًا ولا دينارًا ولا قطعة، فكان
أسعد بالعطية يعطيها من السائل، وكان يأمر بالإنفاق والكرم والبذل، ويدعو للجود والسخاء، ويذمّ البخل
والإمساك صلى الله عليه وسلم.
بل كان ينفق مع العدم ويعطي مع الفقر، يجمع الغنائم و يوزعها في ساعة، ولا يأخذ منها شيئًا، مائدته ..
صلى الله عليه وسلم معروضة لكل قادم، وبيته قبلة لكل وافد، يضيف وينفق ويعطي الجائع بأكله، ويؤثر
المحتاج بذات يده، ويصل القريب بما يملك، ويواسي المحتاج بما عنده، ويقدّم الغريب على نفسه، فكان
صلى الله عليه وسلم آية في الجود والكرم، ويجود جود من هانت عليه نفسه وماله .
وكل ما يملك في سبيل ربه ومولاه، فهو أندى العالمين كفًا، وأسخاهم يدًا، غمر أصحابه وأحبابه وأتباعه،
بل حتى أعداءه ببرّه وإحسانه وجوده وكرمه وتفضله، أكل اليهود على مائدته، وجلس الأعراب على طعامه،
وحفّ المنافقون بسفرته، ولم يُحفظ عنه صلى الله عليه وسلم..
أنه تبرّم بضيف أو تضجّر من سائل أو تضايق من طالب، بل جرّ أعرابي برده حتى أثّر في عنقه وقال له:
أعطني من مال الله الذي عندك، لا من مال أبيك وأمّك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم وضحك وأعطاه.

شجاعته صلى الله عليه وسلم وجهاده:
كان صلى الله عليه وسلم أشجع الناس وأثبتهم قلبًا، لا يبلغ مبلغه في ثبات الجأش وقوة القلب مخلوق،
فهو الشجاع الفريد الذي كملت فيه صفات الشجاعة وتمّت فيه سجايا الإقدام وقوة البأس، وهو القائل:
" والذي نفسي بيده لوددت أنني أقتل في سبيل الله ثم أحيا ثم أقتل" أخرجه البخاري.
لا يخاف التهديد والوعيد، ولا ترهبه المواقف والأزمات، ولا تهزه الحوادث والملمّات، فوّض أمره لربه وتوكل عليه
وأناب إليه، ورضي بحكمه واكتفى بنصره ووثق بوعده، فكان صلى الله عليه وسلم يخوض المعارك بنفسه
ويباشر القتال بشخصه الكريم، يعرّض روحه للمنايا ويقدّم نفسه للموت، غير هائب ولا خائف، ولم يفرّ من
معركة قط، وما تراجع خطوة واحدة ساعة يحمي الوطيس وتقوم الحرب على ساق وتشرع السيوف وتمتشق
الرماح وتهوي الرؤوس ويدور كأس المنايا على النفوس.
فهو في تلك اللحظة أقرب أصحابه من الخطر، يحتمون أحيانًا به وهو صامد مجاهد، لا يكترث بالعدوّ ولو كثر
عدده، ولا يأبه بالخصم ولو قوي بأسه، بل كان يعدل الصفوف ويشجع المقاتلين ويتقدم الكتائب.
وقد فرّ الناس يوم حنينن وما ثبت إلا هو صلى الله عليه وسلم وستة من أصحابه، وكان صدره بارزًا للسيوف
والرماح، يصرع الأبطال بين يديه ويذبح الكماة أمام ناظريه وهو باسم المحيا، طلق الوجه، ساكن النفس.
وقد شُجّ عليه الصلاة والسلام في وجهه وكسرت رباعيته، وقتل سبعون من أصحابه، فما وهن ولا ضعف
ولا خار، بل كان أمضى من السيف. وبرز يوم بدر وقاد المعركة بنفسه، وخاض غمار الموت بروحه الشريفة.
وكان أول من يهبّ عند سماع المنادي، بل هو الذي سنّ الجهاد وحثّ وأمر به.
وتكالبت عليه الأحزاب يوم الخندق من كل مكان، وضاق الأمر وحلّ الكرب، وبلغت القلوب الحناجر، وزلزل
المؤمنون زلزالا شديدًا، فقام صلى الله عليه وسلم يصلي ويدعو ويستغيث مولاه حتى نصره ربّه وردّ كيد
عدوّه وأخزى خصومه وأرسل عليهم ريحا وجنودًا وباؤوا بالخسران والهوان.

صدق النبي الكريم صلى الله عليه وسلم:
بل هو الذي جاء بالصدق من عند ربه، فكلامه صدق وسنّته صدق، ورضاه صدق وغضبه صدق، ومدخله صدق
ومخرجه صدق، وضحكه صدق وبكاؤه صدق، ويقظته صدق ومنامه صدق، و كلامه صلى الله عليه وسلم كله
حق وصدق وعدل، لم يعرف الكذب في حياته جادًّا أو مازحًا، بل حرّم الكذب وذمّ أهله ونهى عنه، وكل قوله
وعمله وحاله صلى الله عليه وسلم مبني على الصدق، فهو صادق في سلمه وحربه، ورضاه وغضبه، وجدّ
وهزله، وبيانه وحكمه، صادق مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والرجل والمرأة، صادق في نفسه ومع
الناس، في حضره وسفره، وحلّه وإقامته، ومحاربته ومصالحته، وبيعه وشرائه، وعقوده وعهوده ومواثيقه،
وخطبه ورسائله، فهو الصادق المصدوق، الذي لم يحفظ له حرف واحد غير صادق فيه، ولا كلمة واحدة خلاف
الحق، ولم يخالف ظاهره باطنه، بل حتى كان صادقًا في لحظاته ولفظاته وإشارات عينيه،.
وهو الذي يقول- لما قال له أصحابه: ألا أشرت لنا بعينك في قتل الأسير؟!-:
" ما كان لنبي أن تكون له خائنة أعين" رواه أبو داود والنسائي .
فهو الصادق الأمين في الجاهلية قبل الإسلام والرسالة، فكيف حاله بالله بعد الوحي والهداية ونزول جبريل
عليه ونبوّته وإكرام الله له بالاصطفاء والاجتباء والاختيار؟!

صبره صلى الله عليه وسلم:
لا يعلم أحد مرّ به من المصائب والمصاعب والمشاق والأزمات كما مرّ به صلى الله عليه وسلم، وهو صابر
محتسب، صبر على اليتم والفقر والجوع والحاجة، وصبر على الطرد من الوطن والإخراج من الدار والإبعاد
عن الأهل، وصبر على قتل القرابة والفتك بالأصحاب وتشريد الأتباع وتكالب الأعداء وتحزّب الخصوم واجتماع
المحاربين، وصبر على تجهّم القريب وتكالب البعيد، وصولة الباطل وطغيان المكذبين..
صبر على الدنيا بزينتها وزخرفها وذهبها وفضتها، فلم يتعلق منها بشيء، فهو صلى الله عليه وسلم الصابر
المحتسب في كل شأن من شؤون حياته، فالصبر درعه وترسه وصاحبه وحليفه، كلما أزعجه كلام أعدائه
تذكّر {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ } طه 130، وكلما راعه هول العدو وأقضّ مضجعه تخطيط الكفار تذكّر
{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} الأحقاف 35.
مات عمه فصبر، وماتت زوجته فصبر، وقتل عمه حمزة فصبر، وأبعد من مكة فصبر، وتوفي ابنه فصبر، ورميت
زوجته الطاهرة بالفاحشة كذباً وبهتاناً فصبر، وكُذّب فصبر..
قالوا له شاعر كاهن ساحر مجنون كاذب مفتر فصبر، أخرجوه، آذوه، شتموه، سبّوه، حاربوه، سجنوه..
فصبر، وهل يتعلّم الصبر إلا منه؟
وهل يُقتدى بأحد في الصبر إلا به؟ فهو مضرب المثل في سعة الصدر وجليل الصبر وعظيم التجمّل وثبات
القلب، وهو إمام الصابرين وقدوة الشاكرين صلى الله عليه وسلم.

ضحكه صلى الله عليه وسلم:
وكان صلى الله عليه وسلم ضحاكًا بسامًا مع أهله وأصحابه؛ يمازح زوجاته ويلاطفهن ويؤنسهن ويحادثهن حديث
الود والحب والحنان والعطف؛ وكانت تعلو محيّاه الطاهر البسمة المشرقة الموحية، فإذا قابل بها الناس أسر
قلوبهم أسرًا فمالت نفوسهم بالكلية إليه وتهافتت أرواحهم عليه، وكان يمزح ولا يقول إلا حقًا، فيكون مزحه
على أرواح أصحابه ألطف من يد الوالد الحاني على رأس ابنه الوديع..
يمازحهم فتنشط أرواحهم وتنشرح صدورهم وتنطلق أسارير وجوههم.
يقول جرير بن عبد الله البجلي: ما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تبسّم في وجهي.
وكان صلى الله عليه وسلم في ضحكه ومزاحه ودعابته وسطاً بين من جفّ خلقه ويبس طبعه وتجهّم محيّاه
وعبس وجهه، وبين من أكثر من الضحك واستهتر في المزاح وأدمن الدعابة والخفة.
بل كان من هديه صلى الله عليه وسلم أن يمازح بعض أصحابه قال له أحد أصحابه ذات مرة: أريد أن تحملني
يا رسول الله على جمل، قال:" لا أجد لك إلا ولد الناقة" فولّى الرجال فدعاه وقال: " وهل تلد الإبل إلا النوق؟
" أي أن الجمل أصلا ولد ناقة. أخرجه أحمد عن أنس بن مالك
.
و سألته امرأة عجوز قالت: يا رسول الله! ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم:
(يا أُم فلان إن الجنة لا تدخلها عجوز، فولت تبكي، فقال: أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز، إن الله تعالى
يقول: (( إِنّآ أَنشَأْنَاهُنّ إِنشَآءً * فَجَعَلْنَاهُنّ أَبْكَاراً * عُرُباً أَتْرَاباً)) [ الواقعة 35 – 37 ] رواه الترمذي في الشمائل
وحسنه الألباني .
هذا غيض من فيض وقطرة من محيط من خصال وأخلاق أعظم إنسان عرفته البشرية جمعتها على عجل
مساهمة متواضعة وكلمات مختصرة لعل الله عز وجل يفتح بها قلوباً غلفًا إلى الحق، ويهدي بها أعيناً عمياً
لتدرك جانباً يسيراً من جوانب العظمة في حياة سيد الخلق وحبيب الحق صلى الله عليه وسلم.



وكتبه
أبو عبد الرحمن هشام محمد سعيد برغش





| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:10 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 

| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:12 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


تعريف الصحبة

الصحابة هم أصحاب رسول الإسلام محمد بن عبد الله والذين لقوه مؤمنين وماتوا على دين الإسلام.
‏والصحبة في اللغة هي الملازمة والمرافقة‏ والمعاشرة. رافق أصحاب محمد محمدا في أغلب فترات حياته
بعد الدعوة، وساعدوه على إيصال رسالة الإسلام ودافعوا عنه في مرات عدة. وبعد وفاة الرسول محمد
قام الصحابة بتولي الخلافة في الفترة التي عرفت بعهد الخلفاء الراشدين، وتلاهم صحابي أموي واحد هو
معاوية بن أبي سفيان. وتفرق الصحابة في الأمصار لنشر العلم والجهاد وفتح المدن والدول.
وقاد الصحابة العديد من المعارك الإسلامية في بلاد الشام وفارس ومصر.

ما تثبت به الصحبة
أختلف أهل العلم فيما تثبت به الصحبة‏، وفي مستحق أسم الصحبة‏، فقال بعضهم‏:‏
«إن الصحابي من لقي رسول الإسلام مؤمنا به‏، ومات على الإسلام» وقال ابن حجر العسقلاني‏:‏
«هذا أصح ما وقفت عليه في ذلك
». ‏
‏فيدخل فيمن لقيه‏ من طالت مجالسته للنبي محمد ومن قصرت ومن روى عنه ومن لم يرو عنه ومن غزا
معه ومن لم يغز معه ومن رآه رؤية ولو من بعيد ومن لم يره لعارض كالعمى.‏
ويخرج بقيد الإيمان‏‏ من لقيه كافرا وإن أسلم فيما بعد‏، إن لم يجتمع به مرة أخرى بعد الإيمان.
كما يخرج بقيد الموت على الإيمان‏ من ارتد عن الإسلام بعد صحبة رسول الإسلام ومات على الردة فلا يعد
صحابيا. ومن بعض أهل العلم من اشترط التمييز ومنهم من لم يشترطه.
وقال البعض‏:‏ «لا يستحق اسم الصحبة‏ ولا يعد في الصحابة إلا من أقام مع رسول الإسلام سنة فصاعدا
أو غزا معه غزوة فصاعدا
»، ‏حكي هذا عن سعيد بن المسيب
وقيل يشترط في صحة الصحبة‏‏ طول الاجتماع والرواية عنه معا ‏وقيل:‏ يشترط أحدهما‏، وقيل‏:‏
يشترط الغزو معه‏، أو مضي سنة على الاجتماع‏، وقال أصحاب هذا القول‏:‏ «لأن لصحبة رسول الإسلام شرفا
عظيما لا ينال إلا باجتماع طويل يظهر فيه الخلق المطبوع عليه الشخص ‏كالغزو المشتمل على السفر الذي
هو قطعة من العذاب‏، والسنة المشتملة على الفصول الأربعة التي يختلف فيها المزاج
»

طرق إثبات الصحبة
منها ‏:‏التواتر بأنه صحابي
ثم الاستفاضة والشهرة القاصرة عن التواتر
ثم بأن يـروى عـن أحـد من الصحابـة أن فلانا له صحبـة ، أو عن أحد التابعين بناء على قبول التزكية عن واحد
ثم بأن يقول هو إذا كان ثابت العدالة والمعاصرة ‏: أنا صحابي أما الشرط الأول ‏:‏ وهو العدالة فجزم به الآمدي
وغيره ‏،‏ لأن قوله ‏:‏ أنا صحابي ، قبل ثبوت عدالته يلزم من قبول قوله ‏:‏ إثبات عدالته ‏,‏ لأن الصحابة كلهم عدول
فيصير بمنزلة قول القائل ‏:‏ أنا عدل (وذلك لا يقبل)
وأما الشرط الثاني ‏:‏ وهو المعاصرة فيعتبر بمضي مائة سنة وعشر سنين من هجرة رسول الإسلام
‏لقوله في آخر عمره لأصحابه ‏:
( أرأيتكم ليلتكم هذه ‏؟‏ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد ‏)
وزاد مسلم من حديث جابر ‏:‏( أن ذلك كان قبل موته بشهر )
وفي "الكفاية في علم الرواية" للحافظ أبو بكر البغدادي في باب القول في معنى وصف الصحابي انه صحابي
والطريق إلى معرفة كونه صحابيا
...عن الواقدي محمد بن عمر قال أخبرني طلحة بن محمد بن سعيد بن المسيب عن أبيه ..
قال كان سعيد بن المسيب يقول الصحابة لا نعدهم الا من أقام مع رسول الإسلام سنة أو سنتين وغزا معه
غزوة أو غزوتين قال بن عمرو رأيت أهل العلم يقولون كل من رأى رسول الإسلام وقد أدرك الحلم وأسلم
وعقل أمر الدين ورضيه فهو عندنا ممن صحب رسول الإسلام ولو ساعة من نهار ولكن اصحابه على طبقاتهم
وتقدمهم في الإسلام...
... سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل وذكر من أصحاب رسول الإسلام أهل بدر فقال ثم أفضل الناس بعد هؤلاء
أصحاب رسول الإسلام القرن الذي بعث فيهم كل من صحبه سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة أو رآه فهو من
اصحابه له من الصحبة على قدر ما صحبه وكانت سابقته معه وسمع منه ونظر اليه...
... قال محمد بن إسماعيل البخاري ومن صحب رسول الإسلام أو رآه من المسلمين فهو من اصحابه حدثني
محمد بن عبيد الله المالكي انه قرأ على القاضى أبى بكر محمد بن الطيب قال لا خلاف بين أهل اللغة في
ان القول صحابي مشتق من الصحبة وانه ليس بمشتق من قدر منها مخصوص بل هو جار على كل من صحب
غيره قليلا كان أو كثيرا كما ان القول مكلم ومخاطب وضارب مشتق من المكالمة والمخاطبة والضرب وجار على
كل من وقع منه ذلك قليلا كان أو كثيرا وكذلك جميع الأسماء المشتقة من الأفعال.
وكذلك يقال صحبت فلانا حولا ودهرا وسنة وشهرا ويوما وساعة فيوقع اسم المصاحبة بقليل ما يقع منها
وكثيره وذلك يوجب في حكم اللغة اجراء هذا على من صحب رسول الإسلام ولو ساعة من نهار هذا هو الأصل
في اشتقاق الاسم ومع ذلك فقد تقرر للامة عرف في انهم لا يستعملون هذه التسمية الا فيمن كثرت
صحبته واتصل لقاؤه ولا يجرون ذلك على من لقى المرء ساعة ومشى معه خطى وسمع منه حديثا .







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:13 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



نبذة عن الصحابة

هم هؤلاء الأعلام الذين عرفوا من أحوال رسول الإسلام ما جعلهم يهرعون إليه ويضعون مقاليدهم بين يديه
ينغمسون في فيضه الذى بهر منهم الأبصار وأزال عنهم الأكدار، وصيرهم
أهلا لمجالسته ومحادثته ومرافقته ومخالطته ، حتى آثروه على أنفسهم وأموالهم وأزواجهم وأولادهم ، وبلغ
من محبتهم له وإيثارهم الموت في سبيله أن هان عليهم اقتحام المنية كراهة أن يجدوه في موقف مؤذ ..
أو كربة يغض من قدره. ولما للصحابة من الفضل العظيم فإن الله ذكرهم فيما أنزل من الكتب ؛
حتى لا يذهب ذكرهم ولا تمحى من رؤوس القبائل والشعوب مآثرهم فقال:
{ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ
وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ
شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} سورة الفتح :29.
وذكر القرآن {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (12) ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (13)
وَقَلِيلٌ مِنْ الآخِرِينَ (14)} سورة الواقعة:10-14.
ثم ذكر القرآن: في سورة الواقعة أيضا :
{إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاءً (35) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً (36) عُرُباً أَتْرَاباً (37) لأَصْحَابِ الْيَمِينِ (38)
ثُلَّةٌ مِنْ الأَوَّلِينَ (39) وَثُلَّةٌ مِنْ الآخِرِينَ (40) }الواقعة:35-40.
ويتضح من الآيات السابقة، وما يجرى في فلكها، أن الصحابة درجات بعضها فوق بعض ، فالسابقون الأولون
الذين أسلموا وجوههم إلى الله ، ولبوا مناديه إلى الإيمان ،وكل من على سطح هذه المعمورة مخالف لهم
هم كبار الصحابة الذين اصطنعهم سيدهم بنفسه ، ورباهم تحت سمعه وبصره عبر ثلاث عشرة سنة
قضاها رسول الإسلام في مكة، وقال فيهم ورحى الحرب دائرة في بدر ..
(اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض )
في تاريخ الرسول والملوك للطبرى، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم ، ط دار المعارف ، القاهرة 2 /477.
وقال أيضا ( الله الله في أصحابى، فلو أن أحدكم تصدق بمثل أحد ذهبا ما ساوى مده ولا نصيفه)
رواه البخارى في صحيحه
يلى هؤلاء السابقين من المهاجرين ،السابقون من الأنصار وهم الذين بايعوا رسول الإسلام ليلة العقبة على
أن يمنعوه من الأسود والأحمر، والإنس والجن. يقول القرآن :
{ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (100)} سورة التوبة:100.
وما سوى الصحابة الكبار طبقات بعضها أفضل من بعض ، فالذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا أفضل من الذين
أنفقوا من بعد وقاتلوا ، يقول القرآن { وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ
اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} سورة الحديد:10. وواضح من الآية السابقة وما يشبهها
أن الله قد جعل لأصحاب رسول الإسلام مقياسا
تقاس به أقدارهم وميزانا توزن به منازلهم ومراتبهم ، فالسابقون الأولون من المهاجرين هم الكبار الذين
لا يسمو إليهم غيرهم ، ومن عداهم من الصحابة الكرام متفاوتون تبعا لأعمالهم في نصرة الإسلام
،وجهادهم تحت ألويته وراياته ، فأفضلهم الذين شهدوا بدرا ودافعوا عن النبى صلى الله عليه وسلم ودينه
فيها. ويليهم من شهد غزوة أحد و غزوة الخندق، وهكذا حتى غزوة تبوك.






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:16 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


ثوابت عن الصحابة

وهناك عدة ثوابت عند مذهب أهل السنة عن الصحابة، منها:
1- الصحابة كلهم عدول ، لا يجوز تجريحهم ولا تعديل البعض منهم دون البعض.
2- الصحابة لم يذكرهم الله في كتابه إلا وأثنى عليهم وأجزل الأجر والمثوبة لهم ،ولم يفرق بين فرد منهم وفرد
ولا بين طائفة وطائفة.
وفيهم يقول الرسول : (خيرالقرون قرنى، ثم الذين يلونهم ، ثم الذين يلونهم) (رواه البخارى في صحيحه 6 /75).

عدالة الصحابة
‏‏‏اتفق أهل السنة ‏على أن جميع الصحابة عدول ‏، ولم يخالف في ذلك إلا قليل وهذه الخصيصة للصحابة بأسرهم ‏،
ولا يسأل عن عدالة أحد منهم ‏، بل ذلك أمر مفروغ منه ‏، لكونهم على الإطلاق معدلين بتعديل الله لهم وإخباره
عن طهارتهم ‏، واختياره لهم بنصوص القرآن
ذكر القرآن ‏:‏( كُنْتُمْ خَيْرَ أمَّةٍ أخْرِجَت للنّاس ‏) ‏واتفق المفسرون السنة على أن الآية واردة في أصحاب رسول
الإسلام ذكر القرآن ( وَكَذلِك جَعَلنَاكُم أمَّةً وَسَطا لِتَكُونوا شُهَدَاء عَلى النّاسِ ‏)
وذكر القرآن ‏:‏ (‏ مُحَمّدٌ رَسُولُ اللّهِ والذين مَعْهُ أشِدّاءٌ على الكُفّارِ ‏)
وفي نصوص الحديث الشاهدة بذلك كثرة ‏، منها حديث ‏أبي سعيد المتفق على صحته ‏:‏
أن رسول الإسلام قال
‏:
‏( لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي ‏بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ‏ولا نصيفه ‏)
‏وقال -صلى الله عليه وسلم- ‏ :
( الله ، الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضا بعدي ‏، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ‏، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ‏،
ومن آذاهم فقد أذاني ‏، ومن أذاني فقد أذى الله ‏،‏ ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه
)
‏قال ابن الصلاح ‏:‏( ثم إن الأمة مجمعة على تعديل جميع الصحابة ‏، ومن لابس الفتن منهم فكذلك ‏، بإجماع
العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع ‏، إحسانا للظن بهم ‏،‏ ونظرا إلى ما تمهد لهم من المآثر ‏، وكأن الله أتاح
الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة ‏،‏ وجميع ما ذكرنا يقتضي القطع بتعديلهم ‏، ولا يحتاجون مع تعديل
الله ورسوله لهم إلى تعديل أحد من الناس

ونقل ابن حجر عن الخطيب في
‏"‏ الكفاية ‏"‏ أنه لو لم يرد من الله ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال
التي كانوا عليها من الهجرة ‏، والجهاد ‏، ونصرة الإسلام ‏، وبذل المهج والأموال ‏، وقتل الآباء ‏، والأبناء ‏،
والمناصحة في الدين ‏، وقوة الإيمان واليقين ‏:‏ القطع بتعديلهم ‏، والاعتقاد بنزاهتهم ‏،‏ وأنهم كافة أفضل من
جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون من بعدهم
‏)
ثم قال ‏‏ هذا مذهب كافة العلماء ‏،‏ ومن يعتمد قوله ‏،‏ وروى بسنده إلى أبي زرعة الرازي قال ‏:
( ‏ إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الإسلام فاعلم أنه زنديق ‏)‏ذلك أن الرسول حق ‏،‏ والقرآن حق ‏،‏
وما جاء به حق ‏،‏ وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة ‏، وهؤلاء يريدون أن يجرحوا شهودنا ‏، ليبطلوا الكتاب والسنة ‏،
والجرح بهم أولى ‏، وهم زنادقة
)

إنكار صحبة من ثبتت صحبته بنص القرآن
اتفق الفقهاء السنة على تكفير من أنكر صحبة أبي بكر ‏-‏-‏ لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغار ‏، إذا كان
ذلك تكذيبا .. لقول القرآن : ‏( إذْ يَقُول لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إنّ اللّهَ مَعَنَا ‏)
‏واختلفوا في تكفير من لم تذكر صحبته بالقرآن ( حيث لا يرد تكذيب آية من القرآن هنا)
ممن أنكر صحبة غيره من الخلفاء الراشدين عند السنة، كعمر ‏،‏ وعثمان ‏،‏ وعلي فنص الشافعية ‏على أن من
أنكر صحبة سائر الصحابة غير أبي بكر لا يكفر بهذا، وهو مفهوم مذهب المالكية ‏، وهو مقتضى قول الحنفية ‏،
وقال الحنابلة ‏:‏ يكفر لتكذيبه ما صح عن رسول الإسلام ولأنه يعرفها العام والخاص وانعقد الإجماع على ذلك
فنافي صحبة أحدهم أو كلهم مكذب لرسول الإسلام.

الإنتقاص من الصحابة
‏‏عند المذهب السني من سب الصحابة أو واحدا منهم ( وكلهم عدول) ، فإن نسب إليهم ما لا يقدح في عدالتهم
‏أو في دينهم بأن يصف بعضهم ببخل‏ أو جبن أو قلة علم أو عدم الزهد ‏ونحو ذلك ‏، فلا يكفر باتفاق الفقهاء ،
ولكنه يستحق التأديب.
‏أما بقية الصحابة فقد اختلفوا في تكفير من سبهم ‏، فقال الجمهور ‏:‏ لا يكفر بسب أحد الصحابة‏، يكفر بتكفير
جميع الصحابة ، أو القول بأن الصحابة ارتدوا جميعا بعد وفاة رسول الله أو أنهم فسقوا، لأن ذلك تكذيب لما نص
عليه القرآن‏،‏ وأن مضمون هذه ذلك‏ أن نقلة الكتاب والسنة كفار أو فسقة‏، مع أن هذه الأمة التي هي خير أمة
أخرجت ‏للناس، وخيرها القرن الأول وهم الصحابة.

آخر من توفي من : الصحابة
آخر من مات من أهل العقبة : جابر بن عبد الله بن عمرو،
ومن أهل بدر : أبو اليسر،
ومن المهاجرين: سعد بن أبي وقاص ، وهو آخر العشرة المبشرين بالجنة موتاً،
وآخر من مات بمكة من الصحابة: عبد الله بن عمر .
وبالمدينة: سهل بن سعد بن معاذ ،
وبالكوفة: عبد الله بن أبي أوفى ،
وبالبصرة: أنس بن مالك،
وبمصر: عبد الله بن الحارث بن جزء،
وبالشام: عبد الله بن يسر،
وبخراسان: بريدة،
وآخر الناظرين إلى النبي محمد موتاً: أبو الطفيل عامر بن واثلة.






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:17 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



إسلامه

لقي أبو بكر -رضي الله عنه- رسول الله -صلى الله عليه و سلم- فقال :
( أحقّ ما تقول قريش يا محمد من تركِكَ آلهتنا ، وتسفيهك عقولنا وتكفيرك آباءَنا ؟!)
فقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :
( إني رسول الله يا أبا بكر ، ونبّيه بعثني لأبلغ رسالته ، وأدعوك الى الله بالحق ، فوالله إنه للحق أدعوك الى الله
يا أبا بكر ، وحده لا شريك له ، ولا نعبد غيره ، و الموالاة على طاعته أهل طاعته
)
وقرأ عليه القرآن فلم ينكر ، فأسلم وكفر بالأصنام وخلع الأنداد ، و أقرّ بحقّ الإسلام ورجع أبو بكر وهو مؤمن
مُصَدّق .. يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- :
( ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له عنه كَبْوَة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عَتّم عنه حين ذكرته له وما تردد فيه )

أول خطيب
عندما بلغ عدد المسلمين تسعة وثلاثين رجلاً ، ألح أبو بكر على الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الظهور
فقال الرسول : ( يا أبا بكر إنّا قليل ) فلم يزل يلح حتى ظهر الرسول -صلى الله عليه وسلم- وتفرّق المسلمون
في نواحي المسجد ، وكل رجل معه ، وقام أبو بكر خطيباً ورسول الله جالس ، وكان أول خطيب دعا الى الله
عزّ وجل والى رسول الله -صلى الله عليه وسلم..
وثار المشركون على أبي بكر وعلى المسلمين ، فضربوهم ضربا شديدا ، ووُطىءَ أبو بكر ودنا منه الفاسق
عتبة بن ربيعة ، فجعل يضربه بنعلين مخصوفين ، وأثّر على وجه أبي بكر حتى لا يعرف أنفه من وجهه ، وجاء
بنو تيم تتعادى ، فأجلوا المشركين عن أبي بكر ، وحملوا أبا بكر في ثوب حتى أدخلوه ولا يشكون في موته ،
ورجعوا بيوتهم و قالوا : ( والله لئن مات أبو بكـر لنقتلـن عُتبة ) ورجعوا الى أبي بكر وأخذوا يكلمونـه حتى
أجابهم فتكلم آخر النهار فقال ما فعـل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟ فنالوه بألسنتهم وقاموا.

أم الخيــر
ولمّا خلت أم الخير ( والـدة أبي بكر ) به جعـل يقول : ( ما فعل رسول الله -صلـى اللـه عليه وسلم-؟)
قالت: ( والله ما لي علم بصاحبك ) قال : ( فاذهبي الى أم جميل بنت الخطاب فاسأليها عنه )
فخرجت حتى جاءت أم جميل ، فقالت : ( إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله ؟)
قالت : ( ما أعرف أبا بكر ولا محمد بن عبد الله وإن تحبي أن أمضي معك الى ابنك فعلت ؟)
قالت : ( نعم ) فمضت معها حتى وجدت أبا بكر صريعا ، فدنت أم جميل وأعلنت بالصياح.
وقالت : ( إنّ قوما نالوا منك هذا لأهل فسق ؟! وإنّي لأرجو أن ينتقـم اللـه لك )
قال : ( فما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟)
قالت : ( هذه أمك تسمع ؟)
قال : ( فلا عين عليك منها )
قالت : ( سالم صالح )
قال : ( فأين هو ؟)
قالت : ( في دار الأرقم )
قال : ( فإن لله عليّ ألِيّة ألا أذوق طعاما أو شرابا أو آتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- )
فأمهَلَتا حتى إذا هدأت الرِّجْل وسكن الناس خرجتا به يتكىء عليهما حتى دخل على رسول الله -
صلى الله عليه وسلم- فانكب عليه يقبله وانكبّ عليه المسلمون ورقّ رسول الله .
فقال : ( أبو بكر بأبي أنت وأمي ليس بي إلاّ ما نال الفاسق من وجهي ، وهذه أمي بَرّة بوالديها ، وأنت
مبارك فادعها الى الله ، وادع الله لها عسى أن يستنقذها بك من النار
)
فدعا لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم دعاها الى الله عزّ وجل ، فأسلمت فأقاموا مع رسول الله في
الدار شهراً ، وكان حمزة يوم ضُرِب أبو بكر قد أسلم .

جهــاده بمالـــــه
نفق أبوبكر معظم ماله في شراء من أسلم من العبيد ليحررهم من العبودية ويخلصهم من العذاب الذي كان
يلحقه بهم ساداتهم من مشركي قريش ، فأعتق بلال بن رباح وستة آخرين من بينهم عامر بن فهيرة
وأم عبيس .. فنزل فيه قوله تعالى :"( وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى ").

منزلته من الرســــــول
كان -رضي الله عنه- من أقرب الناس الى قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأعظمهم منزلة عنده حتى ..
قال: ( فيه ان من أمَنِّ الناس علي في صحبته وماله أبوبكر ، ولو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكرخليلا ،
ولكن أخوة الاسلام ومودته ، لا يبقين في المسجد باب إلا سُدّ إلا باب أبي بكر
)
كما أخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن أبا بكر أرحم الأمة للأمة ، وأنه أول من يدخل معه الجنة ..
فقد قال له : ( الرسول -صلى الله عليه وسلم- أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل الجنة من أمتي )
وأنه صاحبه على الحوض فقد قال له الرسول -صلى الله عليه وسلم- :
( أنت صاحبي على الحوض ، وصاحبي في الغار )
كما أن أبو بكر الصديق هو والد أم المؤمنين عائشة لذا كان عظيـم الإفتخـار بقرابته من رسول الله -
صلى الله عليه وسلم- ومصاهرته له وفي ذلك يقول : ( والذي نفسي بيـده لقرابة رسـول الله -
صلى الله عليه وسلم- أحبُّ إليّ من أن أصل قرابتي
).

الاســــراء والمعـــــراج
حينما أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مكة الى بيت المقدس ذهب الناس الى أبي بكر..
فقالوا: ( له هل لك يا أبا بكر في صاحبك ، يزعم أنه قد جاء هذه الليلة بيت المقدس وصلى فيه ورجع الى مكة !)
فقال : ( لهم أبو بكر إنكم تكذبون عليه ) فقالوا بلى ، (ها هو ذاك في المسجد يحدث به الناس ) .
فقال : ( أبو بكر والله لئن كان قاله لقد صدق ، فما يعجّبكم من ذلك ! فوالله إنه ليخبرني أن الخبر ليأتيه من الله
من السماء الى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه ! فهذا أبعد مما تعجبون منه
)
ثم أقبل حتى انتهى الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال :
( يا نبي الله ، أحدثت هؤلاء القوم أنك جئت بيت المقدس هذه الليلة ؟) قال نعم ) .
قال : ( يا نبي الله فاصفه لي ، فإني قد جئته )
فقال : ( رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرفع لي حتى نظرت إليه)
فجعل الرسول الكريم يصفه لأبي بكر ويقول : ( أبو بكر صدقت ، أشهد أنك رسول الله )
حتى إذا انتهى قال : ( الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر وأنت يا أبا بكر الصديق )
فيومئذ سماه الصديق.

الصحبــــــــه
لقد سجل له القرآن الكريم شرف الصحبة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أثناء الهجرة الى المدينة
المنورة ..فقال تعالى :"( ثاني اثنين اذ هما في الغار ، اذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا )"
كان أبو بكر رجلا ذا مال ، فاستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-في الهجرة.
فقال: ( له الرسول لا تعْجل لعل الله يجعل لك صاحباً ) فطمع بأن يكون رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
إنما يعني نفسه حين قال له ذلك ، فابتاع راحلتين فاحتبسهما في داره يعلفهما إعدادا لذلك ، وفي يوم الهجرة ،
أتى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بيت أبي بكر بالهاجرة في ساعة كان لا يأتي فيها ، فلما رآه أبو بكر ..
قال : ( ما جاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-هذه الساعة إلا لأمر حدث ).
فلما دخل تأخر له أبو بكر عن سريره ، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وليس عند أبي بكر إلا أسماء
وعائشة ، فقال : ( الرسول أخرج عني من عندك ) فقال : ( أبو بكر يا رسول الله ، إنما هما ابنتاي ، وما ذاك ؟
فداك أبي وأمي
!)
فقال : ( إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة )
فقال : ( أبو بكر الصُّحبة يا رسول الله ؟) قال الصُّحبة )
تقول السيدة عائشة :
( فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ )
ثم قال: ( أبو بكر يا نبيّ الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا )
فاستأجرا عبد الله بن أرْقَط ، وكان مشركاً يدلهما على الطريق ، فدفعا إليه راحلتيهما ، فكانت عنده يرعاهما
لميعادهما .

أبـــواب الجنــــة
عن أبا هريرة ‏قال :‏ ‏سمعت رسول الله ‏-صلى الله عليه وسلم- ‏‏يقول :
(‏ ‏من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب‏ ‏-يعني الجنة- يا عبد الله هذا خير ،
فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ، ومن كان من أهل الجهاد ، دعي من باب الجهاد ، ومن كان
من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام وباب الريان
)
فقال : ( أبو بكر ‏ما على هذا الذي يدعى من تلك الأبواب من ضرورة )
وقال : ( هل يدعى منها كلها أحد يا رسول الله ) قال نعم ، وأرجو أن تكون منهم يا ‏‏أبا بكر ).

مناقبـــةوكراماتـــه
مناقب أبو بكر -رضي الله عنه- كثيرة ومتعددة فمن مناقبه السبق الى أنواع الخيرات والعبادات حتى قال :
( عمر بن الخطاب ما سبقت أبا بكر الى خير إلاّ سبقني ) وكان أبو بكر الصديق يفهم إشارات الرسول -
صلى الله عليه وسلم- التي تخفى على غيره كحديث :
( أن عبداً خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده ، فاختار ما عنده ) ، ففهم أنه عليه الصلاة والسلام ينعي نفسه ،
ومن ذلك أيضا فتواه في حضرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإقراره على ذلك .
وهو أول خليفة في الإسلام ، وأول من جمع المصحـف الشريـف ، وأول من أقام للناس حجّهـم في حياة
رسـول اللـه -صلى اللـه عليـه وسلم- وبعده .. وكان في الجاهلية قد حرم على نفسه شرب الخمر ،
وفي الإسلام امتنع عن قول الشعر ..
كما أنه -رضي الله عنه- لم يفته أي مشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد قال له الرسول -
صلى اللـه عليه وسلم- ( أنت عتيق الله من النار ) ، فسمّي عتيقاً .
وقد بلغ بلال بن رباح أن ناساً يفضلونه على أبي بكر فقال :
( كيف تفضِّلوني عليه ، وإنما أنا حسنة من حسناته !!)
عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قال : ‏كنت جالسا عند النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏إذ أقبل ‏‏أبو بكر‏ ‏آخذا
بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبته ، فقال : ( النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏أما صاحبكم فقد ‏‏غامر ‏‏)
فسلم وقال : ( إني كان بيني وبين ‏‏ابن الخطاب ‏ ‏شيء ، فأسرعت إليه ثم ندمت ، فسألته أن يغفر لي ، فأبى
علي فأقبلت إليك
) فقال : ( يغفر الله لك يا ‏أبا بكر ‏) ‏ثلاثا ، ثم إن ‏عمر ‏ندم ، فأتى منزل ‏أبي بكر ‏..
‏( فسأل أثم ‏أبو بكر ‏) فقالوا : ( لا ) فأتى إلى النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏فسلم ، فجعل وجه النبي
‏ -‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏يتمعر ، حتى أشفق ‏‏أبو بكر ،‏ ‏فجثا ‏‏على ركبتيه فقال : ( يا رسول الله ، والله أنا كنت
أظلم مرتين
) فقال النبي ‏-‏صلى الله عليه وسلم-:
( ‏إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت ، وقال ‏ أبو بكر‏ ‏صدق ، وواساني بنفسه وماله ، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي )
مرتين فما أوذي بعدها .

خلافـــــــته
وفي أثناء مرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يصلي بالمسلمين ، وبعد وفاة الرسول الكريم
بويع أبوبكر بالخلافة في سقيفة بني ساعدة ، وكان زاهدا فيها ولم يسع اليها ، اذ دخل عليه ذات يوم..
عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فوجده يبكي ، فساله عن ذلك فقال له: ( يا عمر لا حاجة لي في امارتكم !!)
فرد عليه عمر أين المفر ؟ ( والله لا نقيلك ولا نستقيلك) .

جيش اسامــــه
وجَّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد في سبعمائة الى الشام ، فلمّا نزل بـذي خُشُـب -
واد على مسيرة ليلة من المدينة- قُبِض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وارتدّت العرب حول المدينة ،
فاجتمع إليه أصحاب رسول الله فقالوا :
( يا أبا بكر رُدَّ هؤلاء ، تُوجِّه هؤلاء الى الروم وقد ارتدت العرب حول المدينة ؟!)
فقال: ( والذي لا إله إلا هو لو جرّت الكلاب بأرجل أزواج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما رَدَدْت جيشاً
وجَّهه رسول الله ولا حللت عقدَهُ رسول الله
) فوجّه أسامة فجعل لا يمر بقبيل يريدون الارتداد إلا قالوا :
( لولا أن لهؤلاء قوّة ما خرج مثل هؤلاء من عندهم ، ولكن ندعهم حتى يلقوا الروم )
فلقوا الروم فهزموهم وقتلوهم ورجعوا سالمين فثبتوا على الإسلام.

حروب الـــــرده
عد وفـاة الرسـول -صلى الله عليه وسلم- ارتدت العرب ومنعت الزكاة ، واختلـف رأي الصحابة في قتالهم مع
تكلمهم بالتوحيـد ، قال عمر بن الخطاب كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
( أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا منّي دماءَهم وأموالهم إلا بحقها ،
وحسابهم على الله
)؟!)
فقال أبو بكر: ( الزكاة حقُّ المال ) وقال والله لأقاتلن من فرّق الصلاة والزكاة ، والله لو منعوني عَنَاقاً كانوا
يُؤدّونها الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( لقاتلتهم على منعها ) ونصب أبو بكر الصديق وجهه وقام وحده
حاسراً مشمِّراً حتى رجع الكل الى رأيه ، ولم يمت حتى استقام الدين ، وانتهى أمر المرتدين.

جيوش العـــراق والشــام
ولمّا فرغ أبو بكر -رضي الله عنه- من قتال المرتدين بعث أبا عبيدة الى الشام وخالد بن الوليد الى العراق ،
وكان لا يعتمد في حروب الفتوحات على أحد ممن ارتدَّ من العرب ، فلم يدخل في الفتوح إلا من كان ثابتا
على الإسلام.

استخلاف عمــــــر
مّا أراد أبو بكر أن يستخلف عمر بن الخطاب بعث إليه وقال: ( إني أدعوك إلى أمر متعب لمن وليه ،فاتق الله
يا عمر بطاعته ، وأطعه بتقواه ، فإن المتقي آمن محفوظ ، ثم إن الأمر معروض لا يستوجبه إلا من عمل به ،
فمن أمر بالحق وعمل بالباطل ، وأمر بالمعروف وعمل بالمنكر يوشك أن تنقطع أمنيتُهُ ، وأن يحبط عمله ،
فإن أنت وليت عليهم أمرهم فإن استطعت أن تخفّ يدك من دمائهم ، وأن تصم بطنك من أموالهم ، وأن يخف
لسانك عن أعراضهم ، فافعل ولا حول ولا قوة إلا بالله
).

وفــــــــــاته
ولد أبو بكر في مكة عام ( 51 قبل الهجرة ) ومات بالمدينة بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بسنتين وثلاثة
أشهر وبضع ليال سنة ( 13 هـ ) ولمّا كان اليوم الذي قُبض فيه أبو بكر رجّت المدينة بالبكاء ، ودهش الناس
كيوم قُبض الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وجاء علي بن أبي طالب باكيا مسرعا وهو يقول :
( اليوم انقطعت خلافة النبوة ) حتى وقف على البيت الذي فيه أبو بكر مسجّىً فقال :
( رحمك الله يا أبا بكر ، كنت أول القوم إسلاما ، وأكملهم إيمانا ، وأخوفهم لله ، وأشدهم يقينا ، وأعظمهم
عناءً ، وأحوطهم على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأحدبهم على الإسلام ، وآمنهم على أصحابه ،
وأحسنهم صُحْبة ، وأفضلهم مناقب ، وأكثرهم سوابق ، وأرفعهم درجة ، وأشبههم برسول الله ..
-صلى الله عليه وسلم- به هدياً وخُلُقاً وسمتاً وفعلاً
).







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:17 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


نــــــسبـــــــــه

الفاروق أبو حفص ، عمر بن الخطاب بن نُفيل بن عبد العزَّى القرشي العدوي ، ولد بعد عام الفيل بثلاث عشرة
سنة ( 40 عام قبل الهجرة ) ، عرف في شبابه بالشـدة والقـوة ، وكانت له مكانة رفيعـة في قومه اذ كانت له
السفارة في الجاهلية فتبعثـه قريش رسولا اذا ما وقعت الحرب بينهم أو بينهم و بين غيرهم وأصبح الصحابي
العظيم الشجاع الحازم الحكيم العادل صاحب الفتوحات وأول من لقب بأمير المؤمنين .

إسلامــــــه
أسلم في السنة السادسة من البعثة النبوية المشرفة ، فقد كان الخباب بن الأرت يعلم القرآن لفاطمة بنت
الخطاب وزوجها سعيد بن زيد عندما فاجأهم عمر بن الخطـاب متقلـدا سيفه الذي خـرج به ليصفـي حسابه
مع الإسـلام ورسوله ، لكنه لم يكد يتلو القرآن المسطور في الصحيفة حتى صاح صيحته المباركة :
( دلوني على محمد ).
وسمع خباب كلمات عمر ، فخرج من مخبئه وصاح :
( يا عمـر والله إني لأرجو أن يكون الله قد خصـك بدعـوة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، فإني سمعته بالأمس
يقول : ( اللهم أيد الإسلام بأحب الرجلين إليك ، أبي الحكم بن هشام ، وعمر بن الخطاب )
فسأله عمر من فوره : ( وأين أجد الرسول الآن يا خباب ؟ )
وأجاب خباب : ( عند الصفـا في دار الأرقـم بن أبي الأرقـم ) ومضى عمر الى مصيره العظيم ففي دار الأرقم
خرج إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فأخذ بمجامع ثوبه وحمائل السيف فقال :
( أما أنت منتهيا يا عمر حتى يُنزل الله بك من الخزي والنكال ما أنزل بالوليد بن المغيرة ؟
اللهم هذا عمر بن الخطاب ، اللهم أعزّ الدين بعمر بن الخطاب
) فقال عمر : ( أشهد أنّك رسول الله )
وباسلامه ظهر الاسلام في مكة اذ قال للرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون في دار الأرقم :
( والذي بعثك بالحق لتخرجن ولنخرجن معك ) وخرج المسلمون ومعهم عمر ودخلوا المسجد الحرام
وصلوا حول الكعبة دون أن تجـرؤ قريش على اعتراضهم أو منعهم ، لذلك سماه الرسول..
-صلى الله عليه وسلم- ( الفاروق ) لأن الله فرق بين الحق والباطل .

لســـــان الحــق
هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ومن علماء الصحابة وزهادهم ، وضع الله الحق على لسانه اذ كان
القرآن ينزل موافقا لرأيه ، يقول علي بن أبي طالب :
( إنّا كنا لنرى إن في القرآن كلاما من كلامه ورأياً من رأيه )
فقال عبد الله بن عمر : ( مانزل بالناس أمر فقالوا فيه وقال عمر ، إلا نزل القرآن بوفاق قول عمر )
‏عن ‏أبي هريرة ‏-‏رضي الله عنه- ‏‏قال : ‏قال رسـول اللـه ‏-‏صلى اللـه عليه وسلم-‏ :
( لقد كان فيما قبلكم من الأمم ‏‏محدثون ،‏ ‏فإن يك في أمتي أحد فإنه ‏‏عمر ) و‏زاد ‏‏زكرياء بن أبي زائدة ‏ ‏عن ‏
‏سعد ‏ ‏عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏عن ‏أبي هريرة ‏‏قال ‏: ‏قال النبي ‏ ‏-صلى الله عليه وسلم- :
( لقد كان فيمن كان قبلكم من ‏بني إسرائيل‏ ‏رجال يكلمون من غير أن يكونوا أنبياء ، فإن يكن من أمتي منهم
أحد ‏‏فعمر
) قال ‏‏ابن عباس ‏-‏رضي الله عنهما- : ( ‏‏من نبي ولا محدث ‏).

قــــــــــوة الحـــــــــق
كان قويا في الحق لا يخشى فيه لومة لائم ، فقد ‏استأذن ‏‏عمر بن الخطاب ‏‏على رسول الله..
‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏وعنده ‏‏نسوة ‏من ‏ قريش ،‏ ‏يكلمنه ويستكثرنه ، عالية أصواتهن على صوته ، فلما استأذن
‏‏عمر بن الخطاب ‏قمن فبادرن الحجاب ، فأذن له رسول الله -‏صلى الله عليه وسلم-،‏ ‏فدخل ‏‏عمر ‏‏ورسول الله..
‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏‏يضحك ، فقال ‏‏عمر : ( ‏ ‏أضحك الله سنك يا رسول الله )
فقال النبي ‏-صلى الله عليه وسلم-‏ ‏: ( عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي ، فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب )
فقال ‏‏عمر : ( ‏فأنت أحق أن يهبن يا رسول الله ) ثم قال عمر ‏:
( ‏يا عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله ‏-‏صلى الله عليه وسلم-) ‏فقلن :
(نعم ، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله -‏صلى الله عليه وسلم-) ‏فقال رسول الله ‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏:
( إيها يا ‏ابن الخطاب ‏، ‏والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكا ‏فجا ‏قط إلا سلك ‏‏فجا ‏غير‏فجك ).
ومن شجاعته وهيبته أنه أعلن على مسامع قريش أنه مهاجر بينما كان المسلمون يخرجون سرا ، وقال متحديا
لهم : ( من أراد أن تثكله أمه وييتم ولده وترمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي )
فلم يجرؤ أحد على الوقوف في وجهه .
رُويَ عن الرسـول -صلى الله عليه وسلم- العديد من الأحاديث التي تبين فضل عمـر بن الخطاب نذكر منها
( إن الله سبحانـه جعل الحق على لسان عمر وقلبه ) ،( الحق بعدي مع عمـر حيث كان ) ،
( لو كان بعدي نبيّ لكان عمـر بن الخطاب ) ، ( إن الشيطان لم يلق عمـر منذ أسلم إلا خرَّ لوجهه )
( ما في السماء ملك إلا وهو يوقّر عمر ، ولا في الأرض شيطان إلا وهو يفرق من عمر )
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :
( رأيتني دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء امرأةِ أبي طلحة وسمعت خشفاً أمامي ، فقلت : ما هذا يا جبريل ؟
قال : هذا بلال ، ورأيت قصرا أبيض بفنائه جارية ، فقلت : لمن هذا القصر ؟ قالوا : لعمر بن الخطاب ، فأردت
أن أدخله فأنظر إليه ، فذكرت غيْرتك
) فقال عمر : ( بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار !)
وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( بيْنا أنا نائم إذ أتيت بقدح لبنٍ ، فشربت منه حتى إنّي لأرى الريّ
يجري في أظفاري ، ثم أعطيت فضْلي عمر بن الخطاب
) قالوا : ( فما أوّلته يا رسول الله ؟) قال: ( العلم )
قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمصٌ ، منها ما يبلغ
الثدي ومنها ما يبلغ أسفل من ذلك ، وعُرِضَ عليّ عمر بن الخطاب وعليه قميص يجرّه قالوا :
( فما أوَّلته يا رسول الله
؟) قال : ( الدين ) .

خلافــة عمـر
رغب أبو بكر -رضي الله عنه- في شخصية قوية قادرة على تحمل المسئولية من بعده ، واتجه رأيه نحو عمر
بن الخطاب فاستشار في ذلك عدد من الصحابة مهاجرين وأنصارا فأثنوا عليه خيرا ومما قاله عثمان بن عفان
( اللهم علمي به أن سريرته أفضل من علانيته ، وأنه ليس فينا مثله ) وبناء على تلك المشورة وحرصا
على وحدة المسلمين ورعاية مصلحتهم.
أوصى أبو بكر الصديق بخلافة عمر من بعده ، وأوضح سبب اختياره قائلا:
( اللهم اني لم أرد بذلك الا صلاحهم ، وخفت عليهم الفتنة فعملت فيهم بما أنت أعلم ، واجتهدت لهم رأيا
فوليت عليهم خيرهم وأقواهم عليهم
) ثم أخذ البيعة العامة له بالمسجد اذ خاطب المسلمين قائلا :
( أترضون بمن أستخلف عليكم ؟ فوالله ما آليـت من جهـد الرأي ، ولا وليت ذا قربى ، واني قد استخلفـت
عمر بن الخطاب فاسمعوا له وأطيعوا
) فرد المسلمون : ( سمعنا وأطعنا) وبايعوه سنة ( 13 هـ ).

انجازاتـــه
استمرت خلافته عشر سنين تم فيها كثير من الانجازات المهمة لهذا وصفه ابن مسعود -رضي الله عنه- فقال:
( كان اسلام عمر فتحا ، وكانت هجرته نصرا ، وكانت إمامته رحمه ، ولقد رأيتنا وما نستطيع أن نصلي الى البيت
حتى أسلم عمر ، فلما أسلم عمر قاتلهم حتى تركونا فصلينا
).
فهو أول من جمع الناس لقيام رمضان في شهر رمضان سنة ( 14 هـ ) ، وأول من كتب التاريخ من الهجرة في
شهر ربيع الأول سنة ( 16 هـ ) ، وأول من عسّ في عمله ، يتفقد رعيته في الليل وهو واضع الخراج ، كما
أنه مصّـر الأمصار ، واستقضـى القضـاة ، ودون الدواويـن ، وفرض الأعطيـة ، وحج بالناس عشر حِجَـجٍ متواليـة ،
وحج بأمهات المؤمنين في آخر حجة حجها .
وهدم مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزاد فيه ، وأدخل دار العباس بن عبد المطلب فيما زاد ، ووسّعه
وبناه لمّا كثر الناس بالمدينة ، وهو أول من ألقى الحصى في المسجد النبوي ، فقد كان الناس إذا رفعوا
رؤوسهم من السجود نفضوا أيديهم ، فأمر عمر بالحصى فجيء به من العقيق ، فبُسِط في مسجد الرسول..
-صلى الله عليه وسلم- وعمر -رضي الله عنه- هو أول من أخرج اليهود وأجلاهم من جزيرة العرب الى الشام ،
وأخرج أهل نجران وأنزلهم ناحية الكوفة فقال أبو بكر : ( الصُّحبة يا رسول الله ؟)
قال : ( الصُّحبة ) تقول السيدة عائشة : ( فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح حتى
رأيت أبا بكر يبكي يومئذ
) ثم قال أبو بكر : ( يا نبيّ الله إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا )
فاستأجرا عبد الله بن أرْقَط ، وكان مشركاً يدلهما على الطريق ، فدفعا إليه راحلتيهما ، فكانت عنده يرعاهما
لميعادهما .

الفتوحــــات الأسلاميــــه
لقد فتح الله عليه في خلافته دمشق ثم القادسية حتى انتهى الفتح الى حمص ، وجلولاء والرقة والرّهاء
وحرّان ورأس العين والخابور ونصيبين وعسقلان وطرابلس وما يليها من الساحل وبيت المقدس وبَيْسان
واليرموك والجابية والأهواز والبربر والبُرلُسّ .. وقد ذلّ لوطأته ملوك الفرس والروم وعُتاة العرب حتى قال
بعضهم : ( كانت درَّة عمر أهيب من سيف الحجاج ).

هيبتــــه وتواضعــــــه
وبلغ -رضي الله عنه- من هيبته أن الناس تركوا الجلوس في الأفنية ، وكان الصبيان إذا رأوه وهم يلعبون فرّوا ،
مع أنه لم يكن جبّارا ولا متكبّرا ، بل كان حاله بعد الولاية كما كان قبلها بل زاد تواضعه ، وكان يسير منفردا من
غير حرس ولا حُجّاب ، ولم يغرّه الأمر ولم تبطره النعمة.

استشــهـاده
كان عمر -رضي الله عنه- يتمنى الشهادة في سبيل الله ويدعو ربه لينال شرفها :
( اللهم أرزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك) وفي ذات يوم وبينما كان يؤدي صلاة الفجر
بالمسجد طعنه أبو لؤلؤة المجوسي ( غلاما للمغيرة بن شعبة ) عدة طعنات في ظهره أدت الى استشهاده
ليلة الأربعاء لثلاث ليال بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين من الهجرة، ولما علم قبل وفاته أن الذي طعنه
ذلك المجوسي حمد الله تعالى أن لم يقتله رجل سجد لله تعالى سجدة،ودفن الى جوار الرسول..
-صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في الحجرة النبوية الشريفة الموجودة الآن في
المسجد النبوي في المدينة المنورة.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:19 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


نــسبـــــه

عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة القرشي ، أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة الذي جعل عمر
الأمر شورى بينهم ، وأحد الخمسة الذين أسلموا على د أبي بكر الصديق ، توفي رسول الله..
-صلى الله عليه وسلم-وهو عنه راضٍ صلى إلى القبلتيـن وهاجر الهجرتيـن وبمقتله كانت الفتنة الأولى في
الإسلام.

أسلامــــــه
كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- غنياً شريفاً في الجاهلية ، وأسلم بعد البعثة بقليل ، فكان من السابقين
إلى الإسلام ، فهو أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجته رقيّة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الهجرة
الأولى والثانية وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
( إنّهما لأوّل من هاجر إلى الله بعد لوطٍ ) ، ( إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوطٍ )
وهو أوّل من شيّد المسجد ، وأوّل من خطَّ المفصَّل ، وأوّل من ختم القرآن في ركعة ، وكان أخوه من المهاجرين
عبد الرحمن بن عوف ومن الأنصار أوس بن ثابت أخا حسّان .
قال عثمان : ( ان الله عز وجل بعث محمداً بالحق ، فكنتُ ممن استجاب لله ولرسوله ، وآمن بما بُعِثَ به محمدٌ ،
ثم هاجرت الهجرتين وكنت صهْرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبايعتُ رسول الله فوالله ما عصيتُه
ولا غَشَشْتُهُ حتى توفّاهُ الله عز وجل
).

الصــلأبـــــه
مّا أسلم عثمان -رضي الله عنه- أخذه عمّه الحكم بن أبي العاص بن أميّة فأوثقه رباطاً ، وقال :
( أترغبُ عن ملّة آبائك إلى دين محدث ؟ والله لا أحلّك أبداً حتى تدعَ ما أنت عليه من هذا الدين )
فقال عثمان : ( والله لا أدَعُهُ أبداً ولا أفارقُهُ ) فلمّا رأى الحكم صلابتَه في دينه تركه.

ذي النوريــــــن
لقّب عثمان -رضي الله عنه- بذي النورين لتزوجه بنتيْ النبي -صلى الله عليه وسلم- رقيّة ثم أم كلثوم ، فقد
زوّجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنته رقيّة ، فلّما ماتت زوّجه أختها أم كلثوم فلمّا ماتت تأسّف..
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مصاهرته فقال :
( والذي نفسي بيده لو كان عندي ثالثة لزوّجنُكَها يا عثمان ).

سهم بـــــــدر
أثبت له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سهمَ البدريين وأجرَهم ، وكان غاب عنها لتمريضه زوجته رقيّة بنت
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :
( إن لك أجر رجلٍ ممن شهد بدراً وسهمه ).

الحديبـــــيه
بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عثمان بن عفان يوم الحديبية إلى أهل مكة ، لكونه أعزَّ بيتٍ بمكة ،
واتفقت بيعة الرضوان في غيبته ، فضرب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشماله على يمينه وقال :
( هذه يدُ عثمان ) فقال الناس : ( هنيئاً لعثمان ) .

جهاده بمالـــــه
ام عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بنفسه وماله في واجب النصرة ، كما اشترى بئر رومة بعشرين ألفاً
وتصدّق بها ، وجعل دلوه فيها لدِلاِءِ المسلمين ، كما ابتاع توسعة المسجد النبوي بخمسة وعشرين ألفاً
كان الصحابة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزاةٍ ، فأصاب الناس جَهْدٌ حتى بدت الكآبة في وجوه
المسلمين ، والفرح في وجوه المنافقين ، فلما رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك قال :
( والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزقٍ ) .
فعلم عثمان أنّ الله ورسوله سيصدقان ، فاشترى أربعَ عشرة راحلةً بما عليها من الطعام ، فوجّه إلى النبي
-صلى الله عليه وسلم- منها بتسعٍ ، فلما رأى ذلك النبي قال : ( ما هذا ؟)
قالوا : أُهدي إليك من عثمان - فعُرِفَ الفرحُ في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والكآبة في وجوه
المنافقين ، فرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- يديه حتى رُؤيَ بياضُ إبطيْه ، يدعو لعثمان دعاءً ما سُمِعَ
دعا لأحد قبله ولا بعده : ( اللهم اعط عثمان ، اللهم افعل بعثمان ).
قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ فرأى لحماً فقال :
( من بعث بهذا ؟) قلت : عثمان - فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رافعاً يديْهِ يدعو لعثمان.

جيش العسُــــــره
جهّز عثمان بن عفان -رضي الله عنه- جيش العُسْرَة بتسعمائةٍ وخمسين بعيراً وخمسين فرساً ، واستغرق
الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء له يومها ، ورفع يديه حتى أُريَ بياض إبطيه ،فقد جاء عثمان
إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف دينار حين جهّز جيش العسرة فنثرها في حجره ، فجعل
-صلى الله عليه وسلم- يقلبها ويقول : ( ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم ) مرتين.

الحيــــــــاء
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( أشد أمتي حياءً عثمان )
قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها- : استأذن أبو بكر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مضطجع
على فراش ، عليه مِرْطٌ لي ، فأذن له وهو على حاله ، فقضى الله حاجته ، ثم انصرف ثم استأذن عمر فأذن له ،
وهو على تلك الحال ، فقضى الله حاجته ، ثم انصرف ثم استأذن عثمان ، فجلس رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- وأصلح عليه ثيابه وقال : ( اجمعي عليك ثيابك ) فأذن له ، فقضى الله حاجته ثم
انصرف ، فقلت : ( يا رسول الله ، لم أركَ فزِعْتُ لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان !!)
فقال : ( يا عائشة إن عثمان رجل حيي ، وإني خشيت إنْ أذنْتُ له على تلك الحال أن لا يُبَلّغ إليّ حاجته )
وفي رواية أخرى : ( ألا أستحي ممن تستحيي منه الملائكة ).

فضـــــــله
دخل رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابنته وهي تغسل رأس عثمان فقال :
( يا بنيّة أحسني إلى أبي عبد الله فإنّه أشبهُ أصحابي بي خُلُقـاً ) وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
( مَنْ يُبغضُ عثمان أبغضه الله ) وقال : ( اللهم ارْضَ عن عثمان )
وقال : ( اللهم إن عثمان يترضّاك فارْضَ عنه ) اختَصّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتابة الوحي ،
وقد نزل بسببه آيات من كتاب الله تعالى ، وأثنى عليه جميع الصحابة ، وبركاته وكراماته كثيرة ، وكان عثمان
-رضي الله عنه- شديد المتابعة للسنة ، كثير القيام بالليل.
قال عثمان -رضي الله عنه- : ( ما تغنيّتُ ولمّا تمنّيتُ ، ولا وضعتُ يدي اليمنى على فرجي منذ بايعتُ بها
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما مرّت بي جمعة إلا وإعتقُ فيها رقبة ، ولا زنيتُ في جاهلية ولا إسلام ،
ولا سرقت
).

اللهم أشهـــــــد
عن الأحنف بن قيس قال : انطلقنا حجّاجاً فمروا بالمدينة ، فدخلنا المسجد ، فإذا علي بن أبي طالب والزبير
وطلحة وسعد بن أبي وقاص - فلم يكن بأسرع من أن جاء عثمان عليه ملاءة صفراء قد منع بها رأسه فقال :
( أها هنا علي ؟) قالوا : نعم - قال : ( أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم
-) قال : ( من يبتاع مِرْبدَ بني فلان غفر الله له ؟) فابتعته بعشرين ألفاً أو بخمسة
وعشرين ألفاً ، فأتيت رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت : ( إني قد ابتعته )
فقال : ( اجعله في مسجدنا وأجره لك ) ؟ قالوا : نعم
قال : ( أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :
( من يبتاع بئر روْمة غفر الله له ) فابتعتها بكذا وكذا ، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فقلت : ( إني قد ابتعتها ) فقال : ( اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك )؟ قالوا : نعم
قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر في وجوه القوم
يوم ( جيش العُسرة ) فقال : ( من يجهز هؤلاء غفر الله له ) فجهزتهم ما يفقدون خطاماً ولا عقالاً ؟
قالوا : نعم
قال : ( اللهم اشهد اللهم اشهد ) ثم انصرف.

الخلافـــــــه
كان عثمان -رضي الله عنه- ثالث الخلفاء الراشدين ، فقد بايعه المسلمون بعد مقتل عمر بن الخطاب -
رضي الله عنه- سنة 23 هـ ، فقد عيَّن عمر ستة للخلافة فجعلوا الأمر في ثلاثة ، ثم جعل الثلاثة أمرهم
إلى عبد الرجمن بن عوف بعد أن عاهد الله لهم أن لا يألوا عن أفضلهم ، ثم أخذ العهد والميثاق أن..
يسمعوا ويطيعوا لمن عيّنه وولاه ، فجمع الناس ووعظهم وذكّرَهم ثم أخذ بيد عثمان وبايعه الناس على ذلك ،
فلما تمت البيعة أخذ عثمان بن عفان حاجباً هو مولاه وكاتباً هو مروان بن الحكم.
ومن خُطبته يوم استخلافه لبعض من أنكر استخلافه أنه قال : ( أمّا بعد ، فإنَّ الله بعث محمداً بالحق فكنت
ممن استجاب لله ورسوله ، وهاجرت الهجرتين ، وبايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ،
والله ما غششْتُهُ ولا عصيتُه حتى توفاه الله ، ثم أبا بكر مثله ، ثم عمر كذلك ، ثم استُخْلفتُ ، أفليس لي من
الحق مثلُ الذي لهم
؟!)

الخيــــــــــر
انبسطت الأموال في زمنه حتى بيعت جارية بوزنها ، وفرس بمائة ألف ، ونخلة بألف درهم ، وحجّ بالناس
عشر حجج متوالية.

الفتوح الإسلامــــــيه
وفتح الله في أيام خلافة عثمان -رضي الله عنه- الإسكندرية ثم سابور ثم إفريقية ثم قبرص ، ثم إصطخر
الآخـرة وفارس الأولى ثم خـو وفارس الآخـرة ، ثم طبرستان ودُرُبجرْد وكرمان وسجستان ، ثم الأساورة في
البحر ثم ساحل الأردن .

الفتنــــــة
ويعود سبب الفتنة التي أدت إلى الخروج عليه وقتله أنه كان كَلِفاً بأقاربه وكانوا قرابة سوء ، وكان قد ولى
على أهل مصر عبدالله بن سعد بن أبي السّرح فشكوه إليه ، فولى عليهم محمد بن أبي بكر الصديق
باختيارهم له ، وكتب لهم العهد ، وخرج معهم مددٌ من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي
السّرح ، فلمّا كانوا على ثلاثة أيام من المدينة ..
إذ همّ بغلام عثمان على راحلته ومعه كتاب مفترى ، وعليه خاتم عثمان ، إلى ابن أبي السّرح يحرّضه
ويحثّه على قتالهم إذا قدموا عليه ، فرجعوا به إلى عثمان فحلف لهم أنّه لم يأمُره ولم يعلم من أرسله ،
وصدق -رضي الله عنه- فهو أجلّ قدراً وأنبل ذكراً وأروع وأرفع من أن يجري مثلُ ذلك على لسانه أو يده ،
وقد قيل أن مروان هو الكاتب والمرسل !
ولمّا حلف لهم عثمان -رضي الله عنه- طلبوا منه أن يسلمهم مروان فأبى عليهم ، فطلبوا منه أن يخلع
نفسه فأبى ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد قال له :
( عثمان ! أنه لعلّ الله أن يُلبسَكَ قميصاً فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه ).

الحصـــــــار
فاجتمع نفر من أهل مصر والكوفة والبصرة وساروا إليه ، فأغلق بابه دونهم ، فحاصروه عشرين أو أربعين يوماً ،
وكان يُشرف عليهم في أثناء المدّة ، ويذكّرهم سوابقه في الإسلام ، والأحاديث النبوية المتضمّنة للثناء
عليه والشهادة له بالجنة ، فيعترفون بها ولا ينكفّون عن قتاله !! وكان يقول :
( إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عهد إليّ عهداً فأنا صابرٌ عليه ) ، ( إنك ستبتلى بعدي فلا تقاتلن ).
وعن أبي سهلة مولى عثمان : قلت لعثمان يوماً : ( قاتل يا أمير المؤمنين )
قال : ( لا والله لا أقاتلُ ، قد وعدني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمراً فأنا صابر عليه )
واشرف عثمان على الذين حاصروه فقال : ( يا قوم ! لا تقتلوني فإني والٍ وأخٌ مسلم ، فوالله إن أردتُ إلا
الإصلاح ما استطعت ، أصبتُ أو أخطأتُ ، وإنكم إن تقتلوني لا تصلوا جميعاً أبداً ، ولا تغزوا جميعاً أبداً ولا
يقسم فيؤكم بينكم
) فلما أبَوْا قال: ( اللهم احصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تبق منهم أحداً )
فقتل الله منهم مَنْ قتل في الفتنة ، وبعث يزيد إلى أهل المدينة عشرين ألفاً فأباحوا المدينة ثلاثاً يصنعون
ما شاءوا لمداهنتهم.

استشهـــــاده
وكان مع عثمان -رضي الله عنه- في الدار نحو ستمائة رجل ، فطلبوا منه الخروج للقتال ، فكره وقال :
( إنّما المراد نفسي وسأقي المسلمين بها ) فدخلوا عليه من دار أبي حَزْم الأنصاري فقتلوه ، و المصحف
بين يديه فوقع شيء من دمـه عليه ، وكان ذلك صبيحـة عيد الأضحـى سنة 35 هـ في بيته بالمدينة.
ومن حديث مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان : أن عثمان أعتق عشرين عبداً مملوكاً ، ودعا بسراويل
فشدَّ بها عليه ، ولم يلبَسْها في جاهلية ولا إسلام وقال : ( إني رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
البارحة في المنام ، ورأيت أبا بكر وعمر وأنهم قالوا لي
: ( اصبر ، فإنك تفطر عندنا القابلة ) فدعا بمصحف
فنشره بين يديه ، فقُتِلَ وهو بين يديه.
كانت مدّة ولايته -رضي الله عنه وأرضاه- إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهراً وأربعة عشر يوماً ، واستشهد
وله تسعون أو ثمان وثمانون سنة..
ودفِنَ -رضي الله عنه- بالبقيع ، وكان قتله أول فتنة انفتحت بين المسلمين فلم تنغلق إلى اليوم.

يوم الجمـــــــل
في يوم الجمل قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :
اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ، ولقد طاش عقلي يوم قُتِل عثمان ، وأنكرت نفسي وجاؤوني للبيعة
فقلت : ( إني لأستَحْيي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
( ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة ) وإني لأستحي من الله وعثمان على الأرض لم يدفن بعد.
فانصرفوا ، فلما دُفِنَ رجع الناس فسألوني البيعة فقلت : ( اللهم إني مشفقٌ مما أقدم عليه )
ثم جاءت عزيمة فبايعتُ فلقد قالوا : ( يا أمير المؤمنين ) فكأنما صُدِعَ قلبي وقلت :
( اللهم خُذْ مني لعثمان حتى ترضى ).





| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:19 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


نــسبـــــــــه

هو ابـن عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ولد قبل البعثة النبوية بعشـر سنين وأقام في بيت النبوة فكان أول
من أجاب الى الاسلام من الصبيان ، هو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وزوجته فاطمة الزهراء ابنة النبي..
-صلى الله عليه وسلم- ووالد الحسن والحسين سيدي شباب الجنة.

الرسول يضمه إليــه
ان أول ذكر من الناس آمن برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصدق بما جاءه من الله تعالى:
علي بن أبي طالب رضوان الله وسلامه عليه ، وهو يومئذ ابن عشر سنين ، فقد أصابت قريشاً أزمة شديدة ،
وكان أبو طالب ذا عيال كثير فقال الرسول الكريم للعباس عمه :
( يا عباس ، إن أخاك أبا طالب كثير العيال ، وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمـة ، فانطلق بنا إليه فلنخفـف
عنه من عياله ، آخذ من بنيـه رجلا وتأخذ أنت رجلا فنكفهما عنه
)
فقال العباس : ( نعم ).
فانطلقا حتى أتيا أبا طالب فقالا له : ( إنا نريد أن نخفف من عيالك حتى ينكشف عن الناس ما هم فيه )
فقال لهما أبو طالب : ( إذا تركتما لي عقيلاً فاصنعا ما شئتما ) فأخذ الرسول -صلى الله عليه وسلم- علياً
فضمه إليه ، وأخذ العباس جعفراً فضمه إليه ، فلم يزل علي مع رسول الله حتى بعثه الله تبارك وتعالى نبياً ،
فاتبعه علي -رضي الله عنه- وآمن به وصدقه ، وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا حضرت الصلاة خرج
الى شعاب مكة ، وخرج علي معه مستخفياً من أبيه وسائر قومه ، فيصليان الصلوات معا ، فإذا أمسيا رجعا.

منـــزلته من الرسـول
مّا آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين أصحابه قال لعلي : ( أنت أخي ) وكان يكتب لرسول الله..
-صلى الله عليه وسلم- ، وشهد الغزوات كلها ما عدا غزوة تبوك حيث استخلفه الرسول..
-صلى الله عليه وسلم- في أهله وقال له: ( أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى )
وكان مثالا في الشجاعة و الفروسية ما بارز أحد الا صرعه ، وكان زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة قال فيه النبي
-صلى الله عليه وسلم- : ( من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ومن أبغض عليا فقد أبغضني ،
ومن أبغضني فقد أبغض الله
)
دعاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وزوجته فاطمة وابنيه ( الحسن والحسين ) وجلَّلهم بكساء وقال :
( اللهم هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهِّرْهُم تطهيراً ) وذلك عندما نزلت الآية الكريمة.
قال تعالى : ( إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عنكم الرِّجسَ أهلَ البيت )
كما قال -عليه أفضل الصلاة والسلام- : ( اشتاقت الجنّةِ إلى ثلاثة : إلى علي ، وعمّار وبلال ).

ليلة الهجـــرة
في ليلة الهجرة ، اجتمع رأي المشركين في دار الندوة على أن يقتلوا الرسول -صلى الله عليه وسلم-
في فراشه ، فأتى جبريل -عليه السلام- رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال:
( لا تبيت هذه الليلة على فراشك الذي كنت تبيت عليه ) فلما كانت عتمة من الليل اجتمع المشركون على
بابه يرصدونه متى ينام فيثبون عليه ، فلما رأى رسول الله مكانهم قال لعلي :
( نم على فراشي ، وتَسَجَّ ببردي هذا الحضرمي الأخضر فنم فيه ، فإنه لن يَخْلُصَ إليك شيء تكرهه منهم ).
ونام علي -رضي الله عنه- تلك الليلة بفراش رسول الله ، واستطاع الرسول -صلى الله عليه سلم- من الخروج
من الدار ومن مكة ، وفي الصباح تفاجأ المشركون بعلي في فراش الرسول الكريم وأقام علي -كرّم الله وجهه-
بمكة ثلاث ليال وأيامها حتى أدى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الودائع التي كانت عنده للناس ، حتى
إذا فرغ منها لحق برسول الله في قباء .

أبــو تـــراب
دخل ‏علي ‏‏على ‏فاطمة -رضي الله عنهما-‏ ‏، ثم خرج فاضطجع في المسجد ، فقال النبي..
‏-‏صلى الله عليه وسلم- ‏: ( ‏أين ابن عمك ) قالت : ( في المسجد ) فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن ظهره ،
وخلص التراب إلى ظهره ، فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول : ( اجلس يا ‏‏أبا تراب ) مرتين .

يـــــوم خيبـــر
في غزوة خيبـر قال الرسـول -صلى اللـه عليه وسلم- :
( لأُعْطينّ الرايةَ غداً رجلاً يحب الله ورسوله ، ويُحبه الله ورسوله ، يفتح الله عليه ، أو على يديه )
فكان رضي الله عنه هو المُعْطَى وفُتِحَت على يديه . ‏

خلافتـــه
ما استشهد عثمان -رضي الله عنه- سنة ( 35 هـ ) بايعه الصحابة والمهاجرين و الأنصار وأصبح رابع الخلفاء
الراشدين ، يعمل جاهدا على توحيد كلمة المسلمين واطفاء نار الفتنة ، وعزل الولاة الذين كانوا مصدر
الشكوى.
ذهبت السيدة عائشة زوجة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى مكة المكرمة لتأدية العمرة في شهر محرم
عام 36 هجري ، ولما فرغت من ذلك عادت الى المدينة ، وفي الطريق علمت باستشهاد عثمان واختيار
علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين ، فعادت ثانية الى مكة حيث لحق بها طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام
-رضي الله عنهما- وطالب الثلاثة الخليفة بتوقيع القصاص على الذين شاركوا في الخروج على الخليفة عثمان
-رضي الله عنه- ، وكان من رأي الخليفة الجديد عدم التسرع في ذلك ..
والانتظار حتى تهدأ نفوس المسلمين ، وتستقر الأوضاع في الدولة الاسلامية ، غير أنهم لم يوافقوا على ذلك
واستقر رأيهم على التوجه الى البصرة ، فساروا اليها مع أتباعهم .

معركـــة الجمـــل
خرج الخليفة من المدينة المنورة على رأس قوة من المسلمين على أمل أن يدرك السيدة عائشة
-رضي الله عنها- ، ويعيدها ومن معها الى مكة المكرمة ، ولكنه لم يلحق بهم ، فعسكر بقواته في( ذي قار )
قرب البصرة ، وجرت محاولات للتفاهم بين الطرفين ولكن الأمر لم يتم ، ونشب القتال بينهم وبذلك بدأت موقعة
الجمل في شهر جمادي الآخرة عام 36 هجري ، وسميت بذلك نسبة الى الجمل الذي كانت تركبه السيدة
عائشة -رضي الله عنها- خلال الموقعة ، التي انتهت بانتصار قوات الخليفة ، وقد أحسن علي -رضي الله عنه-
استقبال السيدة عائشة وأعادها الى المدينة المنورة معززة مكرمة ، بعد أن جهزها بكل ما تحتاج اليه ، ثم
توجه بعد ذلك الى الكوفة في العراق ، واستقر بها..
وبذلك أصبحت عاصمة الدولة الاسلامية 0

مواجــــهة معاويـــــة
قرر علي بن أبي طالب -رضي الله عنه - ( بعد توليه الخلافة ) عزل معاوية بن أبي سفيان عن ولاية الشام ،
غير أن معاوية رفض ذلك ، كما امتنع عن مبايعته بالخلافة ، وطالب بتسليم قتلة عثمان -رضي الله عنه-
ليقوم معاوية باقامة الحد عليهم ، فأرسل الخليفة الى أهل الشام يدعوهم الى مبايعته ، وحقن دماء
المسلمين ، ولكنهم رفضوا ، فقرر المسير بقواته اليهم وحملهم على الطاعة ، وعدم الخروج على جماعة
المسلمين ، والتقت قوات الطرفين عند ( صفين ) بالقرب من الضفة الغربية لنهر الفرات ، وبدأ بينهما القتال
يوم الأربعاء (1 صفر عام 37 هجري ) .
وحينما رأى معاوية أن تطور القتال يسير لصالح علي وجنده ، أمر جيشه فرفعوا المصاحف على ألسنة الرماح ،
وقد أدرك الخليفة خدعتهم وحذر جنوده منها وأمرهم بالاستمرار في القتال ، لكن فريقا من رجاله ، اضطروه
للموافقة على وقف القتال وقبول التحكيم ، بينما رفضه فريق آخر وفي رمضان عام 37 هجري اجتمع..
عمر بن العاص ممثلا عن معاوية وأهل الشام ، وأبو موسى الأشعري عن علي وأهل العراق ، واتفقا على
أن يتدارسا الأمر ويعودا للاجتماع في شهر رمضان من نفس العام ،..
وعادت قوات الطرفين الى دمشق والكوفة ، فلما حان الموعد المتفق عليه اجتمعا ثانية ، وكانت نتيجة
التحكيم لصالح معاوية .

الخــوارج
علن فريق من جند علي رفضهم للتحكيم بعد أن اجبروا عليا -رضي الله عنه- على قبوله ، وخرجوا على
طاعته ، فعرفوا لذلك باسم الخوارج ، وكان عددهم آنذاك حوالي اثني عشر ألفا ، حاربهم الخليفة وهزمهم
في معركة (النهروان) عام 38 هجري ، وقضى على معظمهم ، ولكن تمكن بعضهم من النجاة والهرب
وأصبحوا منذ ذلك الحين مصدر كثير من القلاقل في الدولة الاسلامية .

استشهــــاده
لم يسلم الخليفة من شر هؤلاء الخوارج اذ اتفقوا فيما بينهم على قتل علي ومعاوية وعمرو بن العاص في
ليلة واحدة ظنا منهم أن ذلك يحسم الخلاف ويوحد كلمة المسلمين على خليفة جديد ترتضيه كل الأمة ،
وحددوا لذلك ثلاثة من بينهم لتنفيذ ما اتفقوا عليه ، ونجح عبد الرحمن بن ملجم فيما كلف به ، اذ تمكن من
طعن علي -رضي الله عنه- بالسيف وهو خارج لصلاة الفجر من يوم الجمعة الثامن عشر من رمضان عام
أربعين هجرية بينما أخفق الآخران.
وعندما هجم المسلمون على ابن ملجم ليقتلوه نهاهم علي قائلا :
( ان أعش فأنا أولى بدمه قصاصا أو عفوا ، وان مت فألحقوه بي أخاصمه عند رب العالمين ، ولا تقتلوا بي
سواه ، ان الله لا يحب المعتدين
) وحينما طلبوا منه أن يستخلف عليهم وهو في لحظاته الأخيرة قال لهم:
(لا آمركم ولا أنهاكم ، أنتم بأموركم أبصر ) واختلف في مكان قبره وباستشهاده -رضي الله عنه-
انتهى عهد الخلفاء الراشدين.






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:20 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


نـــــسبــــه

طلحة بن عبيـد اللـه بن عثمان التيمـي القرشي المكي المدني ، أبو محمـد لقد كان في تجارة له بأرض بصرى ،
حين لقي راهبا من خيار رهبانها ، وأنبأه أن النبي الذي سيخرج من أرض الحرم ، قد أهل عصره ، ونصحه باتباعه
وعاد الى مكـة ليسمع نبأ الوحي الذي يأتي الصادق الأميـن ، والرسالة التي يحملها ، فسارع الى أبي بكر
فوجـده الى جانب محمد مؤمنا ، فتيقن أن الاثنان لن يجتمعا الا علـى الحق ، فصحبه أبـو بكر الى الرسـول
-صلى الله عليه وسلم- حيث أسلم وكان من المسلمين الأوائل.

إيــمــانـــه
لقد كان طلحة -رضي الله عنه- من أثرياء قومه ومع هذا نال حظه من اضطهاد المشركين ، وهاجر الى المدينة
وشهد المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- الا غزوة بدر ..
فقد ندبه النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه سعيد بن زيد الى خارج المدينة ، وعند عودتهما عاد المسلمون
من بدر ، فحزنا الا يكونا مع المسلمين ..
فطمأنهما النبي -صلى الله عليه وسلم-..
بأن لهما أجر المقاتلين تماما ، وقسم لهما من غنائم بدر كمن شهدها وقد سماه الرسول الكريم يوم أحُد..
( طلحة الخير ) وفي غزوة العشيرة ( طلحة الفياض ) ويوم حنين ( طلحة الجود ).

بطــولتــــه يــوم أحــد
في أحد أبصر طلحة -رضي الله عنه- جانب المعركة الذي يقف فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فلقيه
هدفا للمشركين ، فسارع وسط زحام السيوف والرماح الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فرآه والدم
يسيل من وجنتيه ، فجن جنونه وقفز أمام الرسول -صلى الله عليه وسلم- يضرب المشركين بيمينه
ويساره ، وسند الرسول -صلى الله عليه وسلم وحمله بعيدا عن الحفرة التي زلت فيها قدمه ..
ويقول أبو بكر - رضي الله عنه- عندما يذكر أحدا :
( ذلك كله كان يوم طلحة ، كنت أول من جاء الى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي الرسول ولأبي
عبيدة بن الجراح: "دونكم أخاكم " ونظرنا ، واذا به بضع وسبعون بين طعنة وضربة ورمية ، واذا أصبعه
مقطوعة ، فأصلحنا من شأنه
).
وقد نزل قوله تعالى : " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من
ينتظر ، وما بدلوا تبديلا
" .
تلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية أمام الصحابة الكرام ، ثم أشار الى طلحة قائلا :
( من سره أن ينظر الى رجل يمشي على الأرض ، وقد قضى نحبه ، فلينظر الى طلحة )
ما أجملها من بشرى لطلحة -رضي الله عنه- ، فقد علم أن الله سيحميه من الفتنة طوال حياته وسيدخله
الجنة فما أجمله من ثواب.

عطائــه وجــوده
وهكذا عاش طلحة -رضي الله عنه- وسط المسلمين مرسيا لقواعد الدين ، مؤديا لحقوقه ، واذا أدى حق ربه
اتجه لتجارته ينميها ، فقد كان من أثرى المسلمين ، وثروته كانت دوما في خدمة الدين ، فكلما أخرج منها
الشيء الكثير ، أعاده الله اليه مضاعفا ، تقول زوجته سعدى بنت عوف:
( دخلت على طلحة يوما فرأيته مهموما ، فسألته : ما شأنك ؟ فقال : المال الذي عندي ، قد كثر حتى
أهمني وأكربني وقلت له: ما عليك ، اقسمه فقام ودعا الناس ، وأخذ يقسمه عليهم حتى ما بقي منه
درهما
)
وفي احدى الأيام باع أرضا له بثمن عال ، فلما رأى المال أمامه فاضت عيناه من الدمع وقال :
( ان رجلا تبيت هذه الأموال في بيته لا يدري مايطرق من أمر ، لمغرور بالله )
فدعا بعض أصحابه وحملوا المال معه ومضى في الشوارع يوزعها حتى أسحر وما عنده منها درهما..
وكان -رضي الله عنه- من أكثر الناس برا بأهله وأقاربه ، وكان يعولهم جميعا ، لقد قيل :
( كان لا يدع أحدا من بني تيم عائلا الا كفاه مئونته ، ومئونة عياله )
( وكان يزوج أياماهم ، ويخدم عائلهم ، ويقضي دين غارمهم )
ويقول السائب بن زيد : ( صحبت طلحة بن عبيد الله في السفر و الحضر فما وجدت أحدا ، أعم سخاء على
الدرهم ، والثوب ، والطعام من طلحة
).

طلحــة والفتنــه
عندما نشبت الفتنة في زمن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أيد طلحة حجة المعارضين لعثمان ، وزكى
معظمهم فيما ينشدون من اصلاح ، ولكن أن يصل الأمر الى قتل عثمان -رضي الله عنه- ، لا لكان قاوم
الفتنة ، وما أيدها بأي صورة ، ولكن ماكان كان ، أتم المبايعة هو والزبير لعلي -رضي الله عنهم جميعا-
وخرجوا الى مكة معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان..
وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري طلحة والزبير في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع
علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة ) في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة:
( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟)
ثم قال للزبير: ( يا زبير : ناشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان
كذا ، فقال لك : يا زبير ، ألا تحب عليا ؟؟ فقلت : ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟
فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم
)
فقال الزبير: ( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك ).

الشهــــاده
وأقلع طلحـة و الزبيـر -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في هذه الحرب ، ولكن دفعـا حياتهما ثمنا لانسحابهما ،
و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا ، فالزبير تعقبه رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ،
وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته..
وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات أنهاها قائلا :
اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمـان من الذين قال الله فيهم :
( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ) ثم نظر الى قبريهما وقال :
( سمعت أذناي هاتان) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : ( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة ).

قبـــــر طلحــة
مّا قُتِلَ طلحة دُفِنَ الى جانب الفرات ، فرآه حلماً بعض أهله فقال :
( ألاّ تُريحوني من هذا الماء فإني قد غرقت ) قالها ثلاثاً ، فأخبر من رآه ابن عباس ، فاستخرجوه بعد بضعة
وثلاثين سنة ، فإذا هو أخضر كأنه السِّلْق ، ولم يتغير منه إلا عُقْصته ، فاشتروا له داراً بعشرة آلاف ودفنوه
فيها ، وقبره معروف بالبصرة ، وكان عمره يوم قُتِلَ ستين سنة وقيل أكثر من ذلك.






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:21 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


نــــسبــــه

الزبير بن العوام يلتقي نسبه مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-في ( قصي بن كلاب ) كما أن أمه ( صفية )
عمة رسول الله ، وزوجته أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين ، كان رفيع الخصال عظيم الشمائل ، يدير تجارة
ناجحة وثراؤه عريضا لكنه أنفقه في الإسلام حتى مات مدينا .

الزبيـــر وطلحـــة
رتبط ذكرالزبيـر دوما مع طلحة بن عبيد الله ، فهما الاثنان متشابهان في النشأة والثراء والسخاء والشجاعة
وقوة الدين ، وحتى مصيرهما كان متشابها فهما من العشرة المبشرين بالجنة وآخى بينهما الرسول
-صلى الله عليه وسلم- ، ويجتمعان بالنسب والقرابة معه ، وتحدث عنهما الرسول قائلا:
( طلحة والزبيـر جاراي في الجنة ) ،
و كانا من أصحاب الشورى الستة الذين اختارهم عمر بن الخطاب لإختيار خليفته.

أول سيــف شهـر الأسـلام
أسلم الزبير بن العوام وعمره خمس عشرة سنة ، وكان من السبعة الأوائل الذين سارعوا بالإسلام ، وقد
كان فارسا مقداما ، وإن سيفه هو أول سيف شهر بالإسلام ، ففي أيام الإسلام الأولى سرت شائعة بأن
الرسول الكريم قد قتل ، فما كان من الزبير إلا أن استل سيفه وامتشقه ، وسار في شوارع مكة كالإعصار ،
وفي أعلى مكة لقيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- فسأله ماذا به ؟
فأخبره النبأ فصلى عليه الرسول ودعا له بالخير ولسيفه بالغلب.

إيمـانه وصبــره
كان للزبير -رضي الله عنه- نصيبا من العذاب على يد عمه ، فقد كان يلفه في حصير ويدخن عليه بالنار كي
تزهق أنفاسه ، ويناديه: ( اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب )
فيجيب الفتى الغض : ( لا والله ، لا أعود للكفر أبدا ) ويهاجر الزبير الى الحبشة الهجرتين ، ثم يعود ليشهد
المشاهد كلها مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-.!

غـــزوة أحـــد
في غزوة أحد وبعد أن انقلب جيش قريش راجعا الى مكة ، ندب الرسول -صلى الله عليه وسلم- الزبير وأبوبكر
لتعقب جيش المشركين ومطاردته ، فقاد أبوبكر والزبير -رضي الله عنهما- سبعين من المسلمين قيادة ذكية ،
أبرزا فيها قوة جيش المسلمين ، حتى أن قريش ظنت أنهم مقدمة لجيش الرسول القادم لمطاردتهم..
فأسرعوا خطاهم لمكة هاربين.

بنــو قــريــظة
وفي يوم الخندق قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( مَنْ رجلُ يأتينا بخبر بني قريظة ؟)
فقال الزبير : ( أنا ) فذهب ، ثم قالها الثانية فقال الزبير: ( أنا ) فذهب ، ثم قالها الثالثة فقال الزبيـر : ( أنا )
فذهب ، فقال النبـي -صلى الله عليه وسلم- : ( لكل نبيّ حَوَارِيٌّ، والزبيـر حَوَاريَّ وابن عمتي )
وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا للرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أرسل الرسول الزبيـر
وعلي بن أبي طالب فوقفا أمام الحصن يرددان: (والله لنذوقن ماذاق حمزة ، أو لنفتحن عليهم حصنهم )
ثم ألقيا بنفسيهما داخل الحصن وبقوة أعصابهما أحكما وأنزلا الرعب في أفئدة المتحصـنين داخله وفتحا
للمسلمين أبوابه.

يـــوم حنيــــن
وفي يوم حنين أبصر الزبيـر ( مالك بن عوف ) زعيم هوازن وقائد جيوش الشرك في تلك الغزوة ، أبصره واقفا
وسط فيلق من أصحابه وجيشه المنهزم ، فاقتحم حشدهم وحده ، وشتت شملهم وأزاحهم عن المكمن
الذي كانوا يتربصون فيه ببعض المسلمين العائدين من المعركة.

حبــه للجهــــاد
كان الزبير بن العوام شديد الولع بالشهادة ، فهاهو يقول :
( إن طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء ، وقد علم ألا نبي بعد محمد ، وإني لأسمي بنيّ
بأسماء الشهداء لعلهم يستشهدون
).
وهكذا سمى ولده عبد الله تيمنا بالشهيد عبد الله بن جحش ..
وسمى ولـده المنـذر تيمنا بالشهيد المنـذر بن عمـرو..
وسمى ولـده عـروة تيمنا بالشهيد عـروة بن عمـرو..
وسمى ولـده حمـزة تيمنا بالشهيد حمزة بن عبد المطلب..
وسمى ولـده جعفـراً تيمنا بالشهيد جعفر بن أبي طالب..
وسمى ولـده مصعبا تيمنا بالشهيد مصعب بن عميـر..
وسمى ولـده خالـدا تيمنا بالشهيد خالـد بن سعيـد..
وهكذا أسماهم راجيا أن ينالوا الشهادة في يوم ما ..

وصيــــته
كان توكله على الله منطلق جوده وشجاعته وفدائيته ، وحين كان يجود بروحه أوصى ولده عبد الله بقضاء ديونه
قائلا: ( إذا أعجزك دين ، فاستعن بمولاي ) وسأله عبد الله: ( أي مولى تعني ؟)
فأجابه : ( الله ، نعم المولى ونعم النصير ) يقول عبدالله فيما بعد : ( فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت:
يا مولى الزبير اقضي دينه ، فيقضيه
).

موقعـــة الجمــــل
بعد استشهاد عثمان بن عفان أتم المبايعة الزبير و طلحة لعلي -رضي الله عنهم جميعا- وخرجوا الى مكة
معتمرين ، ومن هناك الى البصرة للأخذ بثأر عثمان ، وكانت ( وقعة الجمل ) عام 36 هجري طلحة والزبير
في فريق وعلي في الفريق الآخر ، وانهمرت دموع علي -رضي الله عنه- عندما رأى أم المؤمنين ( عائشة )
في هودجها بأرض المعركة ، وصاح بطلحة :
( يا طلحة ، أجئت بعرس رسول الله تقاتل بها ، وخبأت عرسك في البيت ؟) ثم قال للزبير:
( يا زبير : نشدتك الله ، أتذكر يوم مر بك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن بمكان كذا ، فقال لك :
يا زبير ، الا تحب عليا ؟؟
فقلت: ألا أحب ابن خالي ، وابن عمي ، ومن هو على ديني ؟؟
فقال لك : يا زبير ، أما والله لتقاتلنه وأنت له ظالم
) فقال الزبير :
( نعم أذكر الآن ، وكنت قد نسيته ، والله لاأقاتلك ) وأقلع طلحة و الزبير -رضي الله عنهما- عن الاشتراك في
هذه الحرب ، ولكن دفعا حياتهما ثمنا لانسحابهما ، و لكن لقيا ربهما قريرة أعينهما بما قررا فالزبير تعقبه
رجل اسمه عمرو بن جرموز وقتله غدرا وهو يصلي ، وطلحة رماه مروان بن الحكم بسهم أودى بحياته .

الشهــــاده
لمّا كان الزبير بوادي السباع نزل يصلي فأتاه ابن جرموز من خلفه فقتله و سارع قاتل الزبير الى علي يبشره
بعدوانه على الزبير ويضع سيفه الذي استلبه بين يديه ، لكن عليا صاح حين علم أن بالباب قاتل الزبير..
يستأذن وأمر بطرده قائلا : ( بشر قاتل ابن صفية بالنار ) وحين أدخلوا عليه سيف الزبير قبله الإمام وأمعن
في البكاء وهو يقول : ( سيف طالما والله جلا به صاحبه الكرب عن رسول الله )
وبعد أن انتهى علي -رضي الله عنه- من دفنهما ودعهما بكلمات انهاها قائلا :
( اني لأرجو أن أكون أنا وطلحـة والزبيـر وعثمان من الذين قال الله) فيهم:
( ونزعنا ما في صدورهم من غل اخوانا على سرر متقابلين ) ثم نظر الى قبريهما وقال :
( سمعت أذناي هاتان رسول الله )-صلى الله عليه وسلم- يقول: ( طلحة و الزبير ، جاراي في الجنة )






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:22 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


أسلامـــه

كان سعد -رضي الله عنه- من النفر الذين دخلوا في الاسلام أول ما علموا به فلم يسبقه الا أبوبكر و علي
وزيد و خديجة قال سعد :
بلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدعوا الى الاسلام مستخفيا فعلمت أن الله أراد بي خيرا
وشاء أن يخرجني بسببه من الظلمات الى النور فمضيت اليه مسرعا حتى لقيته في شعب جياد وقد صلى
العصر فأسلمت فما سبقني أحد الا أبي بكر وعلي وزيد -رضي الله عنهم- ، وكان ابن سبع عشرة سنة
كما يقول سعد -رضي الله عنه- : ( لقد أسلمت يوم أسلمت وما فرض الله الصلوات ).

ثـــورة أمــــه
يقول سعد -رضي الله عنه- : ( وما سمعت أمي بخبر اسلامي حتى ثارت ثائرتها وكنت فتى بارا بها محبا لها)
فأقبلت علي تقول: ( يا سعد ما هذا الدين الذي اعتنقته فصرفك عن دين أمك و أبيك؟ والله لتدعن دينك
الجديد أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت فيتفطر فؤادك حزنا علي ويأكلك الندم على فعلتك التي فعلت وتعيرك
الناس أبد الدهر
) فقلت: لاتفعلي يا أماه فأنا لا أدع ديني لأي شيء الا أن أمه اجتنبت الطعام ومكثت أياما
على ذلك فهزل جسمها وخارت قواها فلما رأها سعد قال لها:
( يا أماه اني على شديد حبي لك لأشد حبا لله ولرسوله ووالله لو كان لك ألف نفس فخرجت منك نفسا بعد
نفس ما تركت ديني هذا بشيء
) فلما رأت الجد أذعنت للأمر وأكلت وشربت على كره منها.
ونزل قوله تعالى: "ووصينا الانسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي
ولوالديك الي المصير وأن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا
معروفا واتبع سبيل من أناب الي ثم الي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون
" .

أحـد العشـرة المبشريـن بالجنة
كان الرسول -صلى الله عليه وسلم يجلس بين نفر من أصحابه ، فرنا ببصره الى الأفق في إصغاء من يتلقى
همسا وسرا ، ثم نظر في وجوه أصحابه وقال لهم : ( يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة )
وأخذ الصحاب يتلفتون ليروا هذا السعيد ، فإذا سعد بن أبي وقاص آت وقد سأله عبدالله بن عمرو بن العاص
أن يدله على ما يتقرب به الى الله من عبادة وعمل فقال له :
( لا شيء أكثر مما نعمل جميعا ونعبد ، غير أني لا أحمل لأحد من المسلمين ضغنا ولا سوءا ).

الدعــوة المجــابـــة
كان سعد بن أبي وقاص إذا رمى عدوا أصابه وإذا دعا الله دعاء أجابه ، وكان الصحابة يردون ذلك لدعوة الرسول
-صلى الله عليه وسلم- له : ( اللهم سدد رميته ، وأجب دعوته ) ويروى أنه رأى رجلا يسب طلحة وعليا
والزبير فنهاه فلم ينته فقال له: ( إذن أدعو عليك ) فقال الرجل: ( أراك تتهددني كأنك نبي !)
فانصرف سعد وتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه قائلا :
( اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما سبقت لهم منك الحسنى ، وأنه قد أسخطك سبه إياهم ،
فاجعله آية وعبرة
) فلم يمض غير وقت قصير حتى خرجت من إحدى الدور ناقة نادّة لا يردها شيء ، حتى
دخلت في زحام الناس ثم اقتحمت الرجل فأخذته بين قوائمها ، ومازالت تتخبطه حتى مات.

أول دم اريـــق في الاسلام
كان أصحاب الرسول -صلى الله عليه وسلم- إذا صلوا ذهبوا في الشعاب فاستخفوا بصلاتهم من قومهم ،
فبينما سعد بن أبي وقاص في نفر من الصحابة في شعب من شعاب مكة ، إذ ظهر عليهم نفر من ..
المشركين وهم يصلون ، فناكروهم وعابوا عليهم ما يصنعون حتى قاتلوهم ، فضرب سعد -رضي الله عنه-
يومئذ رجلاً من المشركين بلحي بعير فشجه ( العظم الذي فيه الأسنان ) ، فكان أول دم هريق في الإسلام.

أول سهـــم رمي في الاســلام
بعثه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في سرية عبيدة بن الحارث -رضي الله عنه- الى ماء بالحجاز أسفل ثنية
المرة فلقوا جمعا من قريش ولم يكن بينهم قتال ألا أن سعد قد رمى يومئذ بسهم فكان أول سهم رمي به
في الاسلام .

غزوة أحـــــد
وشارك في أحد وتفرق الناس أول الأمر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ووقف سعد يجاهد ويقاتل
فلما رآه الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرمي جعل يحرضه ويقول له: ( يا سعد ارم فداك أبي وأمي )
وظل سعد يفتخر بهذه الكلمة طوال حياته ويقول: ( ما جمع الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأحد أبويه الا لي )
وذلك حين فداه بهما.

إمـــرة الجيــــش
عندما احتدم القتال مع الفرس ، أراد أمير المؤمنين عمر أن يقود الجيش بنفسه ، ولكن رأى الصحابة أن تولى
هذه الإمارة لرجل آخر واقترح عبدالرحمن بن عوف : ( الأسد في براثنه ، سعد بن مالك الزهري )
وقد ولاه عمر -رضي الله عنه- امرة جيش المسلمين الذي حارب الفرس في القادسية وكتب الله النصر
للمسلمين وقتلوا الكافرين وزعيمهم رستم وعبر مع المسلمين نهر دجلة حتى وصلوا المدائن وفتحوها ،
وكان إعجازا عبور النهر بموسم فيضانه حتى أن سلمان الفارسي قد قال:
( إن الإسلام جديد ، ذللت والله لهم البحار ، كما ذللت لهم البر ، والذي نفس سلمان بيده ليخرجن منه أفواجا ،
كما دخلوه أفواجا
) وبالفعل أمن القائد الفذ سعد مكان وصول الجيش بالضفة الأخرى بكتيبة الأهوال وكتيبة
الخرساء ، ثم اقتحم النهر بجيشه ولم يخسر جنديا واحدا في مشهد رائع ، ونجاح باهر ودخل سعد بن أبي
وقاص ايوان كسرى وصلى فيه ثماني ركعات صلاة الفتح شكرا لله على نصرهم.

إمــارة العــراق
ولاه عمر -رضي الله عنهما- إمارة العراق ، فراح سعد يبني ويعمر في الكوفة ، وذات يوم اشتكاه أهل الكوفة
لأمير المؤمنين فقالوا: ( إن سعدا لا يحسن يصلي ) ويضحك سعدا قائلا :
( والله إني لأصلي بهم صلاة رسول الله ، أطيل في الركعتين الأوليين وأقصر في الآخرين )
واستدعاه عمر الى المدينة فلبى مسرعا ، وحين أراد أن يعيده الى الكوفة ضحك سعدا قائلا:
( أتأمرني أن أعود إلى قوم يزعمون أني لا أحسن الصلاة ؟!) ويؤثر البقاء في المدينة.

الستــة اصحاب الشورى
و عندما حضرت عمر -رضي الله عنه- الوفاة بعد أن طعنه المجوسي جعل الأمر من بعده الى الستة الذين
مات النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راض و أحدهم سعد بن أبي وقاص ، وقال عمر :
( إن وليها سعد فذاك ، وإن وليها غيره فليستعن بسعد ).

سعــد والفتنــه
اعتزل سعد الفتنة وأمر أهله وأولاده ألا ينقلوا له أخبارها ، وذات يوم ذهب إليه ابن أخيه هاشم بن عتبة
بن أبي وقاص ويقول له: ( يا عم ، ها هنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر ) فيجيبه سعد :
( أريد من مائة ألف سيف ، سيفا واحدا ، إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا ، وإذا ضربت به الكافر قطع )
فتركه ابن أخيه بسلام وحين انتهى الأمر لمعاوية سأل سعدا: ( مالك لم تقاتل معنا ؟) فأجابه:
( إني مررت بريح مظلمة فقلت : أخ .. أخ .. وأنخت راحلتي حتى انجلت عني ) فقال معاوية:
( ليس في كتاب الله أخ .. أخ .. ولكن ) .
قال الله تعالى: ( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ، فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى
فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله
).
وأنت لم تكن مع الباغية على العادلة ، ولا مع العادلة مع الباغية، فأجاب سعد قائلا :
( ما كنت لأقاتل رجلا -يعني علي بن أبي طالب- قال له الرسول : أنت مني بمنزلة هارون من موسى
إلا أنه لا نبي بعدي
).

وفــــاته
وعمر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- كثيرا وأفاء الله عليه من المال الخير الكثير لكنه حين أدركته الوفاة
دعا بجبة من صوف بالية وقال:
( كفنوني بها فاني لقيت بها المشركين يوم بدر واني أريد أن ألقى بها الله عز وجل أيضا )
وكان رأسه بحجر ابنه الباكي فقال له : ( ما يبكيك يا بني ؟ إن الله لا يعذبني أبدا ، وإني من أهل الجنة )
فقد كان إيمانه بصدق بشارة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبيرا وكانت وفاته سنة خمس وخمسين
من الهجرة النبوية وكان آخر المهاجرين وفاة ، ودفن في البقيع.






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:22 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


نـــسبـــــه

عبد الرحمن بن عوف أحد الثمانية السابقين الى الإسلام ، عرض عليه أبو بكر الإسلام فما غُـمَّ عليه الأمر
ولا أبطأ ، بل سارع الى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يبايعه وفور إسلامه حمل حظـه من اضطهاد..
المشركين ، هاجر الى الحبشة الهجـرة الأولى والثانيـة ، كما هاجر الى المدينـة مع المسلميـن وشهـد
المشاهد كلها ، فأصيب يوم أُحُد بعشريـن جراحا إحداها تركت عرجا دائما في ساقه ، كما سقطت بعـض
ثناياه فتركت هتما واضحا في نطقه وحديثه.

التجــارة
كان -رضي الله عنه- محظوظا بالتجارة إلى حد أثار عَجَبه فقال :
( لقد رأيتني لو رفعت حجرا لوجدت تحته فضة وذهبا ) وكانت التجارة عند عبد الرحمن بن عوف عملاً وسعياً
لا لجمع المال ولكن للعيش الشريف ، وهذا ما نراه حين آخى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بين المهاجرين
والأنصار ، فآخى بين عبد الرحمن بن عوف و سعد بن ربيع ،فقال سعد لعبد الرحمن:
( أخي أنا أكثر أهل المدينة مالا ، فانظر شطر مالي فخذه ، وتحتي امرأتان ، فانظر أيتهما أعجب لك حتى
أطلّقها وتتزوجها )
قال عبد الرحمن : ( بارك الله لك في أهلك ومالك ، دُلوني على السوق )
وخرج الى السوق فاشترى وباع وربح .

حــــق الله
كانت تجارة عبد الرحمن بن عوف ليست له وحده ، وإنما لله والمسلمون حقا فيها ، فقد سمع الرسول..
-صلى الله عليه وسلم- يقول يوما :
( يا بن عوف إنك من الأغنياء ، وإنك ستدخل الجنة حَبْوا ، فأقرض الله يُطلق لك قدميك ) ومنذ ذاك الحين
وهو يقرض الله قرضـا حسنا ، فيضاعفـه الله له أضعافـا ، فقد باع يوما أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعا
على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين ،وقدّم خمسمائة فرس لجيوش الإسلام ،
ويوما آخر ألفا وخمسمائة راحلة.
وعند موته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله ، وأربعمائة دينار لكل من بقي ممن شهدوا بدرا
حتى وصل للخليفة عثمان نصيبا من الوصية فأخذها وقال :
( إن مال عبد الرحمن حلال صَفْو ، وإن الطُعْمَة منه عافية وبركة )
وبلغ من جود عبد الرحمن بن عوف أنه قيل :
( أهل المدينة جميعا شركاء لابن عوف في ماله ، ثُلث يقرضهم ، وثُلث يقضي عنهم ديونهم ، وثلث يصِلَهم
ويُعطيهم
) وخلّف بعده ذهبُ كثير ، ضُرب بالفؤوس حتى مجلت منه أيدي الرجال.

قافـلة الإيمــان
في أحد الأيام اقترب على المدينة ريح تهب قادمة اليها حسبها الناس عاصفة تثير الرمال ، لكن سرعان ما تبين
أنها قافلة كبيرة موقَرة الأحمال تزحم المدينة وترجَّها رجّا ، وسألت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- :
( ما هذا الذي يحدث في المدينة ؟) وأُجيبت أنها قافلة لعبد الرحمن بن عوف أتت من الشام تحمل تجارة له
فَعَجِبَت أم المؤمنين : ( قافلة تحدث كل هذه الرجّة ؟) فقالوا لها: ( أجل يا أم المؤمنين ، إنها سبعمائة راحلة )
وهزّت أم المؤمنين رأسها وتذكرت : ( أما أني سمعت) رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
( رأيت عبد الرحمن بن عوف يدخل الجنة حَبْوا ) و وصلت هذه الكلمات الى عبد الرحمن بن عوف ، فتذكر أنه
سمع هذا الحديث من النبي -صلى الله عليه وسلم- أكثر من مرة ، فحثَّ خُطاه الى السيدة عائشة وقال لها:
( لقد ذكَّرتني بحديث لم أنسه ) ثم قال :
( أما إني أشهدك أن هذه القافلة بأحمالها وأقتابها وأحْلاسِها في سبيل الله ) ووزِّعَت حُمولة سبعمائة راحلة
على أهل المدينة وما حولها.

الخـــوف
وثراء عبد الرحمن -رضي الله عنه- كان مصدر إزعاج له وخوف ، فقد جيء له يوما بطعام الإفطار وكان صائما ، فلما
وقعت عليه عيناه فقد شهيته وبكى ثم قال :
( استشهد مصعب بن عمير وهو خير مني فكُـفّـن في بردة إن غطّت رأسه بدت رجلاه ، وإن غطّت رجلاه
بدا رأسه ، واستشهد حمزة وهو خير مني ، فلم يوجد له ما يُكَـفّـن فيه إلا بردة ، ثم بُسِـطَ لنا في الدنيا
ما بُسـط ، وأعطينا منها ما أعطينا وإني لأخشى أن نكون قد عُجّلـت لنا حسناتنا
) .
كما وضع الطعام أمامه يوما وهو جالس مع أصحابه فبكى ، وسألوه: ( ما يبكيك يا أبا محمد ؟)
قال : ( لقد مات رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما شبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ، ما أرانا أخّرنا
لما هو خير لنا
) .
وخوفه هذا جعل الكبر لا يعرف له طريقا ، فقد قيل :
( أنه لو رآه غريب لا يعرفه وهو جالس مع خدمه ما استطاع أن يميزه من بينهم ).

الهروب من السلــطة
كان عبد الرحمن بن عوف من الستة أصحاب الشورى الذين جعل عمر الخلافة لهم من بعده قائلا :
( لقد توفي رسول الله وهو عنهم راض ) وأشار الجميع الى عبد الرحمن في أنه الأحق بالخلافة فقال :
( والله لأن تُؤخذ مُدْية فتوضع في حَلْقي ، ثم يُنْفَذ بها إلى الجانب الآخر ، أحب إليّ من ذلك ) وفور اجتماع
الستة لإختيار خليفة الفاروق تنازل عبد الرحمن بن عوف عن حقه الذي أعطاه إياه عمر ، وجعل الأمر بين
الخمسة الباقين ، فاختاروه ليكون الحكم بينهم وقال له علي -كرم الله وجهه- : ( لقد سمعت رسول الله..
-صلى الله عليه وسلم- يصفَك بأنك أمين في أهل السماء ، وأمين في أهل الأرض
)
فاختار عبد الرحمن بن عوف ( عثمان بن عفان ) للخلافة ، ووافق الجميع على إختياره.

وفــاتــه
في العام الثاني والثلاثين للهجرة جاد بأنفاسه -رضي الله عنه- وأرادت أم المؤمنين أن تخُصَّه بشرف لم تخصّ
به سواه ، فعرضت عليه أن يُدفن في حجرتها الى جوار الرسول وأبي بكر وعمر ، لكنه استحى أن يرفع..
نفسه الى هذا الجوار ، وطلب دفنه بجوار عثمان بن مظعون إذ تواثقا يوما أيهما مات بعد الآخر يدفن الى جوار
صاحبه وكانت يتمتم وعيناه تفيضان بالدمع : ( إني أخاف أن أحبس عن أصحابي لكثرة ما كان لي من مال )
ولكن سرعان ما غشته السكينة واشرق وجهه وأرْهِفَت أذناه للسمع كما لو كان هناك من يحادثه ، ولعله سمع
ما وعده الرسول -صلى الله عليه وسلم- : ( عبد الرحمن بن عوف في الجنة )





| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:23 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


نــسبـــه

سعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيْل العدوي القرشي ، أبو الأعور ، من خيار الصحابة ابن عم عمر بن الخطاب وزوج
أخته ، ولد بمكة عام ( 22 قبل الهجرة ) وهاجر الى المدينـة ، شهد المشاهد كلها إلا بدرا لقيامه مع طلحة
بتجسس خبر العير ، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، كان من السابقين الى الإسلام هو وزوجته أم جميل
( فاطمة بنت الخطـاب ).

والــده
وأبوه -رضي الله عنه- ( زيـد بن عمرو ) اعتزل الجاهليـة وحالاتها ووحّـد اللـه تعالى بغيـر واسطـة حنيفيـاً ، وقد
سأل سعيـد بن زيـد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقال :
( يا رسـول الله ، إن أبـي زيـد بن عمرو بن نفيل كان كما رأيت وكما بَلَغَك ، ولو أدركك آمن بـك ، فاستغفر له ؟)
قال : ( نعم ) واستغفر له ، وقال : ( إنه يجيءَ يوم القيامة أمّةً وحدَهُ ).

أحد العشرة المبشرون بالجنــة
روي عن سعيد بن زيد أنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
( عشرة من قريش في الجنة ، أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ،
وسعد بن مالك
( بن أبي وقاص ) ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل ، و أبو عبيدة بن الجراح )
رضي الله عنهم أجمعين .

الدعـوة المجابــــة
كان -رضي الله عنه- مُجاب الدعوة ، وقصته مشهورة مع أروى بنت أوس ، فقد شكته الى مروان بن الحكم ،
وادَّعت عليه أنّه غصب شيئاً من دارها ، فقال : ( اللهم إن كانت كاذبة فاعْمِ بصرها ، واقتلها في دارها )
فعميت ثم تردّت في بئر دارها ، فكانت منيّتُها.

الولايــــة
كان سعيد بن زيد موصوفاً بالزهد محترماً عند الوُلاة ، ولمّا فتح أبو عبيدة بن الجراح دمشق ولاّه إيّاها ، ثم نهض
مع مَنْ معه للجهاد ، فكتب إليه سعيد : ( أما بعد ، فإني ما كنت لأُوثرَك وأصحابك بالجهاد على نفسي وعلى
ما يُدْنيني من مرضاة ربّي ، وإذا جاءك كتابي فابعث إلى عملِكَ مَنْ هو أرغب إليه مني ، فإني قادم عليك
وشيكاً إن شاء الله والسلام
).

البيــــعة
كتب معاوية إلى مروان بالمدينة يبايع لإبنه يزيد ، فقال رجل من أهل الشام لمروان: ( ما يحبسُك ؟)
قال مروان : ( حتى يجيء سعيد بن زيد يبايع ، فإنه سيـد أهل البلد ، إذا بايع بايع الناس ) قال :
( أفلا أذهب فآتيك به ؟) وجاء الشامـي وسعيد مع أُبيّ في الدار ، قال: ( انطلق فبايع ) قال :
( انطلق فسأجيء فأبايع ) فقال : ( لتنطلقنَّ أو لأضربنّ عنقك ) قال :
( تضرب عنقي ؟ فوالله إنك لتدعوني إلى قوم وأنا قاتلتهم على الإسلام ).
فرجع إلى مروان فأخبره ، فقال له مروان : ( اسكت ) وماتت أم المؤمنين ( أظنّها زينب ) فأوصت أن يصلي
عليها سعيد بن زيد ، فقال الشامي لمروان : ( ما يحبسُك أن تصلي على أم المؤمنيـن ؟) قال مروان :
( أنتظر الذي أردت أن تضرب عنقـه ، فإنها أوصت أن يُصلي عليها ) فقال الشامي:
( أستغفر الله ).

وفـــاتـــــه
توفي بالمدينة سنة ( 51 هـ ) ودخل قبره سعد بن أبي الوقاص وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم أجمعين.






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:24 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 





نــــــسبـــــــــه

اأبوعبيدة عامر بن عبدالله بن الجراح الفهري ... يلتقي مع النبي-صلى الله عليه وسلم- في أحد أجداده
(فهر بن مالك ) وأمه من بنات عم أبيه .. أسلمت وقتل أبوه كافرا يوم بدر .
كان -رضي الله عنه- طويل القامة ، نحيف الجسم ، خفيف اللحية ، أسلم على يد أبي بكرالصديق في الأيام
الأولى للاسلام ، وهاجر الى الحبشة في الهجرة الثانية ثم عاد ليشهد مع الرسول -صلى الله عليه وسلم-
المشاهد كلها.

غــــزوة بـــدر
وفي غزوة بدر جعل أبو ( أبو عبيدة ) يتصدّى لأبي عبيدة ، فجعل أبو عبيدة يحيد عنه ، فلمّا أكثر قصدَه فقتله ،
فأنزل الله هذه الآية .
قال تعالى :"( لا تجدُ قوماً يؤمنون بالله واليومِ الآخر يُوادُّون مَنْ حادَّ الله ورسوله ولو كانوا آباءَ هُم أو أبناءَ هم أو
إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتبَ في قلوبهم الأيمان ").

غـــزوة أحـــــــــد
يقول أبوبكر الصديق -رضي الله عنه- لما كان يوم أحد ، ورمي الرسول -صلى الله عليه وسلم- حتى دخلت
في وجنته حلقتان من المغفر ، أقبلت أسعى الى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وانسان قد أقبل من
قبل المشرق يطير طيرانا ، فقلت : اللهم اجعله طاعة ، حتى اذا توافينا الى رسول الله..
-صلى الله عليه وسلم- اذا هو أبوعبيدة بن الجراح قد سبقني ، فقال :
( أسألك بالله يا أبا بكر أن تتركني فأنزعها من وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتركته) ، فأخذ أبوعبيدة
بثنيته احدى حلقتي المغفر ، فنزعها وسقط على الأرض وسقطت ثنيته معه ، ثم أخذ الحلقة الأخرى بثنيته
الأخرى فسقطت ، ( فكان أبوعبيدة في الناس أثرم ).

غـــزوة الخــــبط
أرسل النبي -صلى الله عليه وسلم- أباعبيدة بن الجراح أميرا على ثلاثمائة وبضعة عشرة مقاتلا ، وليس معهم
من الزاد سوى جراب تمر ، والسفر بعيد ، فاستقبل أبوعبيدة واجبه بغبطة وتفاني ، وراح يقطع الأرض مع جنوده
وزاد كل واحد منهم حفنة تمر ، وعندما قل التمر أصبح زادهم تمرة واحدة في اليوم ، وعندما فرغ التمر راحوا
يتصيدون ( الخبط ) أي ورق الشجر فيسحقونه ويسفونه ويشربون عليه الماء ، غير مبالين الا بانجاز المهمة ،
لهذا سميت هذه الغزوة بغزوة الخبط.

مكـــــانة أمين الأمـــــــة
قدم أهل نجران على النبي-صلى الله عليه وسلم- وطلبوا منه ان يرسل اليهم واحدا فقال:
عليه الصلاة والسلام( لأبعثن -يعني عليكم- أمينا حق امين ) فتشوف أصحابه رضوان الله عليهم يريدون
أن يبعثوا لا لأنهم يحبون الامارة أو يطمعون فيها ولكن لينطبق عليهم وصف النبي -صلى الله عليه و سلم-
"أمينا حق امين" وكان عمر نفسه-رضي الله عليه-من الذين حرصوا على الامارة لهذا آنذاك بل صار
-كما قال يتراءى- أي يري نفسه - للنبي صلى الله عليه وسلم- حرصا منه -رضي الله عنه- أن يكون أمينا حق
أمين ولكن النبي صلى الله عليه وسلم- تجاوز جميع الصحابة وقال قم يا أباعبيدة )
كما كان لأبي عبيدة مكانة عالية عند عمر فقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو يجود بأنفاسه :
( لو كان أبوعبيدة بن الجراح حيا لاستخلفته فان سألني ربي عنه ، قلت : استخلفت أمين الله ، وأمين رسوله ).

معـــــركة اليـــرموك
في أثناء قيادة خالد -رضي الله عنه- معركة اليرموك التي هزمت فيها الامبراطورية الرومانية توفي أبوبكر
الصديق -رضي الله عنه- ، وتولى الخلافة بعده عمر -رضي الله عنه- ، وقد ولى عمر قيادة جيش اليرموك لأبي
عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة وعزل خالد - وصل الخطاب الى أبىعبيدة فأخفاه حتى انتهت المعركة ، ثم
أخبر خالدا بالأمر ، فسأله خالد يرحمك الله أباعبيدة ، ما منعك أن تخبرني حين جاءك الكتاب ؟
( فأجاب أبوعبيدة اني كرهت أن أكسر عليك حربك ، وما سلطان الدنيا نريد ، ولا للدنيا نعمل ، كلنا في الله أخوة )
وأصبح أبوعبيدة أمير الأمراء بالشام0

تـــواضــــعة
ترامى الى سمعه أحاديث الناس في الشام عنه ، وانبهارهم بأمير الأمراء ، فجمعهم وخطب فيهم قائلا :
( يا أيها الناس ، اني مسلم من قريش ، وما منكم من أحد أحمر ولا أسود ، يفضلني بتقوى الا وددت أني
في اهابه !!
وعندما زار أمير المؤمنين عمر الشام سأل عن أخيه ، فقالوا له من ؟
( قال أبوعبيدة بن الجراح ) وأتى أبوعبيدة وعانقه أمير المؤمنين ثم صحبه الى داره ، فلم يجد فيها من
الأثاث شيئا ، الا سيفه وترسه ورحله ، فسأله عمر وهو يبتسم ألا اتخذت لنفسك مثلما يصنع الناس ؟
( فأجاب أبوعبيدة يا أمير المؤمنين ، هذا يبلغني المقيل ).

طـــاعون عاموس
حل الطاعون بعمواس وسمي فيما بعد "طاعون عمواس" وكان أبوعبيدة أمير الجند هناك فخشي عليه عمر
من الطاعون فكتب اليه يريد أن يخلصه منه قائلا :
( اذا وصلك خطابي في المساء فقد عزمت عليك ألا تصبح الامتوجها الي واذا وصلك في الصباح ألا تمسي
الا متوجها الي فان لي حاجة اليك) وفهم أبوعبيدة المؤمن الذكي قصد عمر وانه يريد أن ينقذه من الطاعون
فكتب الى عمر متأدبا معتذرا عن عدم الحضور اليه وقال : ( لقد وصلني خطابك يا أمير المؤمنين وعرفت قصدك
وانما أنا في جند من المسلمين يصيبني ما أصابهم فحللني من عزمتك يا أمير المؤمنين)
ولما وصل الخطاب الى عمر بكى ، فسأله من حوله هل مات أبوعبيدة ؟
( فقال كأن قد)
والمعنى أنه اذا لم يكن قد مات بعد والا فهو صائر الى الموت لا محالة اذ لا خلاص منه مع الطاعون .

وفـــــاته
كان أبو عبيـدة -رضي الله عنه- في ستة وثلاثيـن ألفاً من الجُند ، فلم يبق إلاّ ستـة آلاف رجـل والآخرون ماتوا
مات أبوعبيـدة -رضي الله عنه- سنة (18) ثماني عشرة للهجرة في طاعون عمواس وقبره في غور الأردن
رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:25 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


خالد بن الوليد - لا ينام ولا يترك أحدا ينام .. ان أمره لعجيب..!
هذا الفاتك بالمسلمين يوم أحد والفاتك بأعداء الاسلام بقية الأيام.. ألا فلنأت على قصته من البداية ،ولكن أية
بداية..؟
انه هو نفسه، لا يكاد يعرف لحياته بدءا الا ذلك اليوم الذي صافح فيه الرسول مبايعا ولو استطاع لنحّى عمره
وحياته، كل ماسبق ذلك اليوم من سنين، وأيام..
فلنبدأ معه اذنمن حيث يحب ، من تلك اللحظة الباهرة التي خشع فيها قلبه لله، وتلقت روحه فيها لمسة من
يمين الرحمن، وكلتا يديه يمي، فنفجّرت شوقا الى دينه، والى رسوله، والى استشهاد عظيم في سبيل
الحق، ينضو عن كاهله أوزار مناصرته الباطل في أيامه الخاليات..
لقد خلا يوما الى نفسه، وأدار خواطره الرشيدة على الدين الجديد الذي تزداد راياته كل يوما تألقا وارتفاعا،
وتمنّى على الله علام الغيوب أن يمدّ اليه من الهدى بسبب.. والتمعت في فؤاده الذكي بشائر اليقين،
فقال: " والله لقد استقام المنسم.. وان الرجل لرسول.. فحتى متى..؟ أذهب والله، فأسلم"..
ولنصغ اليه رضي الله عنه وهو يحدثنا عن مسيره المبارك الى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وعن رحلته
من مكة الى المدينة ليأخذ مكانه في قافلة المؤمنين.
".. وددت لو أجد من أصاحب، فلقيت عثمان بن طلحة، فذكرت له الذي أريد فأسرع الاجابة، وخرجنا جميعا
فأدلجنا سحرا.. فلما كنا بالسهل اذا عمرو بن العاص، فقال مرحبا يا قوم، قلنا : وبك..
قال : أين مسيركم؟ فأخبرناه، وأخبرنا أيضا أنه يريد النبي ليسلم.
فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة أول يوم من صفر سنة ثمان ..
فلما اطّلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمت عليه بالنبوّة فردّ على السلام بوجه طلق،
فأسلمت وشهدت شهادة الحق.
فقال الرسول: قد كنت أرى لك عقلا رجوت ألا يسلمك الا الى خير ، وبايعت رسول الله وقلت : استغفر لي كل
ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله.
فقال : ان الاسلام يجبّ ما كان قبله.. قلت : يا رسول الله على ذلك..
فقال: اللهم اغفر لخالد بن الوليد كل ما أوضع فيه من صدّ عن سبيلك..
وتقدّم عمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، فأسلما وبايعا رسول الله
"...
أرأيتم قوله للرسول:" استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صدّ عن سبيل الله"..؟
ان الذي يضع هذه العبارة بصره، وبصيرته، سيهتدي الى فهم صحيح لسلك المواقف التي تشبه الألغاز في
حياة سيف الله وبطل الاسلام.
وعندما نبلغ تلك المواقف في قصة حياته ستكون هذه العبارة دليلنا لفهمها وتفسيرها-..
أما الآن، فمع خالد الذي أسلم لتوه لنرى فارس قريش وصاحب أعنّة الخيل فيها، لنرى داهية العرب كافة في
دنيا الكرّ والفرّ، يعطي لآلهة أبائه وأمجاد قومه ظهره، ويستقبل مع الرسول والمسلمين عالما جديدا، كتب الله
له أن ينهض تحت راية محمد وكلمة التوحيد.. مع خالد اذن وقد أسلم، لنرى من أمره عجبا.
أتذكرون أنباء الثلاثة شهداؤ أبطال معركة مؤتة..؟
لقد كانوا زيد بن حارثة، وجعفر بن أبي طالب، وعبدالله بن رواحة ، لقد كانوا أبطال غزوة مؤتة بأرض الشام تلك
الغزوة التي حشد لها الروم مائتي ألف مقاتل، والتي أبلى المسلمون فيها بلاء منقطع النظير وتذطرون العبارة
الجليلة الآسية التي نعى بها الرسول صلى الله عليه وسلم قادة المعركة الثلاثة حين قال :
" أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل بها حتى قتل شهيدا. ثم أخذها جعفر فقاتل بها، حتى قتل شهيدا ، ثم أخذها
عبدالله بن رواحة فقاتل بها حتى قتل شهيدا
".
كان لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا بقيّة، ادّخرناها لمكانها على هذه الصفحات.
هذه البقيّة هي : " ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله، ففتح الله علي يديه".
فمن كان هذا البطل..؟
لقد كان خالد بن الوليد.. الذي سارع الى غزوة مؤتة جنديا عاديا تحت قيادة القواد الثلاثة الذين جعلهم الرسول
على الجيش : زيد، وجعفر وعبدالله ابن رواحة، والذين اساشهدوا بنفس الترتيب على ارض المعركة الضارية
وبعد سقوط آخر القواد شهيدا، سارع الى اللواء ثابت بن أقوم فحمله بيمينه ورفعه عاليا وسط الجيش المسلم
حتى لا بعثر الفوضى صفوفه ، ولم يكد ثابت يحمل الراية حتى توجه بها مسرعا الى خالد بن الوليد
قائلا له : " خذ اللواء يا أبا سليمان".. ولم يجد خالد من حقّه وهو حديث العهد بالاسلام أن يقود قوما فيهم
الأنصار والمهاجرون الذين سبقوه بالاسلام ، أدب وتواضع وعرفان ومزايا هو لها اهل وبها جدير!
هنالك قال مجيبا ثابت بن أقرم : " لا آخذ اللواء، أنت أحق به.. لك سن وقد شهدت بدرا"..
وأجابه ثابت : " خذه، فأنت أدرى بالقتال مني، ووالله ما أخذته الا لك".
ثم نادى في المسلمين: اترضون امرة خالد..؟ قالوا : نعم..
واعتلى العبقري جواده. ودفع الراية بيمينه الى الأمام كأنما يقرع أبوابها مغلقة آن لها أن تفتح على طريق
طويل لاحب سيقطعه البطل وثبا ، في حياة الرسول وبعد مماته، حتى تبلغ المقادير بعبقريته الخارقة أمرا كان
مقدورا ، ولّي خالد امارة الجيش بعد أن كان مصير المعركة قد تحدد. فضحايا المسلمين كثيرون، وجناهم
مهيض ، وجيش الروم في كثرته الساحقة كاسح، ظافر مدمدم ، ولم يكن بوسع أية كفاية حربية أن تغير من
المصير شيئا، فتجعل المغلوب غالبا، والغالب مغلوبا.
وكان العمل الوحيد الذي ينتظر عبقريا لكي ينجزه، هو وقف الخسائر في جيش الاسلام، والخروج ببقيته سالما،
أي الانسحاب الوقائي الذي يحول دون هلاك بقية القوة المقاتلة على أرض المعركة.
بيد أن انسحابا كهذا كان من الاستحالة بمكان.، ولكن، اذا كان صحيحا أنه لا مستحيل على القلب الشجاع فمن
أشجع قلبا من خالد، ومن أروع عبقرية وأنفذ بصيرة..؟
هنالك تقدم سيف الله يرمق أرض القتال الواسعة بعينين كعيني الصقر، ويدير الخطط
في بديهته بسرعة الضوء. ويقسم جيشه، والقتال دائر، الى مجموعات، ثم يكل الى كل مجموعة بمهامها
وراح يستعمل فنّه المعجز ودهاءه البليغ حتى فتح في صفوف الروم ثغرة فسيحة واسعة، خرج منها جيش
المسلمين كله سليما معافى.
بعد أن نجا بسبب من عبقرية بطل الاسلام من كارثة ماحقة ما كان لها من زوال،وفي هذه المعركة أنعم الرسول
على خالد بهذا اللقب العظيم ، وتنكث قريش عهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيتحرك المسلمون
تحت قيادته لفتح مكة،وعلى الجناح الأيمن من الجيش، يجعل الرسول خالدا أميرا، ويدخل خالد مكة، واحدا من
قادة الجيش المسلم، والأمة المسلمة بعد أن شهدته سهولها وجبالها.
قائدا من قوّاد جيش الوثنية والشرك زمنا طويلا وتخطر له ذكريات الطفولة، حيث مراتعها الحلوة..
وذكريات الشباب، حيث ملاهيه الصاخبة ثم تجيشه ذكريات الأيام الطويلة التي ضاع فيها عمره قربانا خاسرا
لأصنام عاجزة كاسدة. وقبل أن يعضّ الندم فؤاده ينتفض تحت تحت روعة المشهد وجلاله..
مشهد المستضعفين الذين لا تزال جسومهم تحمل آثار التعذيب والهول، يعودون الى البلد الذي أخرجوا منه
بغيا وعدوا، يعودون اليه على صهوات جسادهم الصاهلة، وتحت رايات الاسلام الخافقة.
وقد تحوّل همسهم الذي كانوا يتناجون به في دار الأرقم بالأمس، الى تكبيرات صادعة رائعة ترجّ مكة رجّا،
وتهليلات باهرة ظافرة، يبدو الكون معها، وكأنه كله في عيد.. كيف تمّت المعجزة..؟
أي تفسير لهذا الذي حدث؟ لا شيء الا هذه الآية التي يرددها الزاحفون الظافرون وسط تهليلاتهم وتكبيراتهم
حتى ينظر بعضهم الى بعض فرحين قائلين: (وعد الله.. لا يخلف الله وعده)..!
ويرفع خالد رأسه الى أعلى. ويرمق في اجلال وغبطة وحبور رايات الاسلام تملأ الأفق.. فيقول لنفسه:
أجل انه وعد الله ولا يخلف الله وعده.. ثم يحني رأسه شاكرا نعمة ربه الذي هداه للاسلام وجعله في يوم
الفتح العظيم هذا، واحدا من الذين يحملون راية الاسلام الى مكة وليس من الذين سيحملهم الفتح على
الاسلام ويظل خالد الى جانب رسول الله، واضعا كفاياته المتفوقة في خدمة الدين الذي آمن به من كل يقينه،
ونذر له كل حياته، وبعد أن يلحق الرسول بالرفيق الأعلى، ويحمل أبو بكر مسؤولية الخلافة.
وتهبّ أعاصير الردّة غادرة ماكرة، مطوقة الدين الجديد بزئيرها المصمّ وانتفاضها المدمدم.. يضع أبو بكر عينه
لأول وهلة على بطل الموقف ورجل الساعة.. ألي سليمان، سيف الله، خالد بن الوليد..!!
وصحيح أن أبا بكر لم يبدأ معارك المرتدين الا بجيش قاده هو بنفسه، ولكن ذلك لا يمنع أنه ادّخر خالدا ليوم
الفصل، وأن خالدا في المعركة الفاصلة التي كانت أخطر معارك الردة جميعا، كان رجلها الفذ وبطلها الملهم.
عندما بدأت جموع المرتدين تتهيأ لانجاز مؤامرتها الضخمة، صمم الخليفة العظيم أبو بكر
على أن يقود جيوش المسلمين بنفسه، ووقف زعماء الصحابة يبذلون محاولات يائسة لصده عن هذا العزم.
ولكنه ازداد تصميما.
ولعله أراد بهذا أن يعطي القضية التي دعا الناس لخوض الحرب من أجلها أهميّة وقداسة، لا يؤكدها في رأيه
الا اشتراكه الفعلي في المعارك الضارية التي ستدور رحاها بين قوى الايمان، وبين جيوش الضلال والردة،
والا قيادته المباشرة لبعض أو لكل القوات المسلمة، ولقد كانت انتفاضات الردة بالغة الخطورة، على الرغم
من أنها بدأت وكأنها تمرّد عارض، لقد وجد فيها جميع الموتورين من الاسلام والمتربصين به فرصتهم النادرة،
سواء بين قبائل العرب، أم على الحدود، حيث يجثم سلطان الروم والفرس، هذا السلطان الذي بدأ يحسّ
خطر الاسلام الأكبر عليه، فراح يدفع الفتنة في طريقه من وراء ستار..!
ونشبت نيران الفتننة في قبائل: أسد، وغطفان، وعبس، وطيء، وذبيان..
ثم في قبائل: بني غامر، وهوزان، وسليم، وبني تميم، ولم تكد المناوشات تبدأ حتى استحالت الى جيوش
جرّارة قوامها عشرات الألوف من المقاتلين.
واستجاب للمؤامرة الرهيبة أهل البحرين، وعمان، والمهرة، وواجه الاسلام أخطر محنة، واشتعلت الأرض من
حول المسلمين نارا.. ولكن، كان هناك أبو بكر..!!
عبّأ أبو بكر المسلمين وقادهم الى حيث كانت قبائل بني عبس، وبني مرّة، وذبيان قد خرجوا في جيش لجب
ودار القتال، وتطاول، ثم كتب للمسلمين نصر مؤزر عظيم ، ولم يكد الجيش المنتصر يستقر بالمدينة.
حتى ندبه الخليفة للمعركة التالية.
وكانت أنباء المرتدين وتجمّعاتهم تزداد كل ساعة خطورة .. وخرج أبو بكر على رأس هذا الجيش الثاني، ولكن
كبار الصحابة يفرغ صبرهم، ويجمعون على بقاء الخليفة بالمدينة، ويعترض الامام علي طريق أبا بكر ويأخذ
بزمام راحلته التي كان يركبها وهو ماض امام جيشه الزاحف فيقول له: " الى أين يا خليفة رسول الله..؟
اني أقول لك ما قاله رسول الله يوم أحد : لمّ سيفك يا أبا بكر لا تفجعنا بنفسك..."
وأمام اجماع مصمم من المسلمين، رضي الخليفة أن يبقى بالمدينة وقسّم الجيش الى احدى عشرة
مجموعة.. رسم لكل مجموعة دورها ، وعلى مجموعة ضخمة من تلك المجموعات كان خالد بن الوليد أميرا
ولما عقد الخليفة لكل أمير لواءه، اتجه صوب خالد وقال يخاطبه:
" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: نعم عبدالله. وأخو العشيرة، خالد ابن الوليد، سيف
من سيوف الله. سلّه الله على الكفار والمنافقين
"..
ومضى خالد الى سبيله ينتقل بجيشه من معركة الى معركة، ومن نصر الى مصر حتى كانت المعركة
الفاصلة، فهناك باليمامة كان بنو حنيفة، ومن انحاز اليهم من القبائل، قد جيّشوا أخطر جيوش الردو قاطبة،
يقوده مسيلمة الكذاب ، وكانت بعض القوات المسلمة قد جرّبت حظها مع جيوش مسيلمة، فلم تبلغ منه منالا
وجاء أمر الخليفة الى قائده المظفر أن سر الى بني حنيفة.. وسار خالد.. ولم يكد مسيلمة يعلم أن ابن الوليد
في الطريق اليه حتى أعاد تنظيم جيشه، وجعل منه خطرا حقيقيا، وخصما رهيبا.

والتقى الجيشان:
وحين تطالع في كتب السيرة والتاريخ، سير تلك المعركة الهائلة، تأخذك رهبة مضنية، اذ تجد نفسك أمام
معركة تشبه في ضراوتها زجبروتها معارك حروبنا الحديثة، وان تلّفت في نوع السلاح وظروف القتال.
ونزل خالد بجيشه على كثيب مشرف على اليمامة، وأقبل مسيلمة في خيلائه وبغيه، صفوف جيشه من
الكثرة كأنها لا تؤذن بانتهاء..!
وسّلم خالد الألوية والرايات لقادة جيشه، والتحم الجيشان ودار القتال الرهيب، وسقط شهداء المسلمين تباعا
كزهور حديقة طوّحت بها عاصفة عنيدة..!!
وأبصر خالد رجحان كفة الأعداء، فاعتلى بجواده ربوة قريبة وألقى على المعركة نظرة سريعة، ذكية وعميقة
ومن فوره أدرك نقاط الضعف في جيشه وأحصاها، رأى الشعور بالمسؤولية قد وهن تحت وقع المفاجأة التي
دهمهم بها جيش مسيلمة، فقرر في نفس اللحظة أن يشدّ في أفئدة المسلمين جميعا الى أقصاه..
فمضى ينادي اليه فيالق جيشه وأجنحته، وأعاد تنسيق مواقعه على أرض المعركة.
ثم صاح بصوته المنتصر: " امتازوا، لنرى اليوم بلاء كل حيّ" .. وامتازوا جميعا..
مضى المهاجرون تحت راياتهم، والأنصار تحت رايتهم " وكل بني أب على رايتهم".
وهكذا صار واضحا تماما، من أين تجيء الهزيمة حين تجيء واشتعلت الأنفس حماسة، اتّقدت مضاء، وامتلأت
عزما وروعة، وخالد بين الحين والحين، يرسل تكبيرة أو تهليلة أو صيحة يلقى بها امرا، فتتحوّل سيوف جيشه
الى مقادير لا رادّ لأمرها، ولا معوّق لغاياتها ، وفي دقائق معدودة تحوّل اتجاه المعركة وراح جنود مسيلمة
يتساقطون بالعشرات، فالمئات فالألوف، كذباب خنقت أنفاس الحياة فيه نفثات مطهر صاعق مبيد..!!
لقد نقل خالد حماسته كالكهرباء الى جنوده، وحلّت روحه في جيشه جميعا.. وتلك كانت احدى خصال
عبقريّته الباهرة ، وهكذا سارت أخطر معارك الردة وأعنف حروبها، وقتل مسيلمة ، وملأت جثث رجاله وجيشه
أرض القتال، وطويت تحت التراب الى الأبد راية الدّعيّ الكذاب ، وفي المدينة صلى الخليفة لربه الكبير المتعال
صلاة الشكر، اذ منحهم هذا النصر، وهذا البطل.. وكان أبو بكر قد أدرك بفطنته وبصيرته ما لقوى الشر الجاثمة
وراء حدود بلاده من دور خطير في تهديد مصير الاسلام واهله.. الفرس في العراق.. والروم في بلاد الشام.
امبرطوريتان خرعتان، تتشبثان بخيوط واهنة من حظوظهما الغاربة وتسومان الناس في العراق وفي الشام
سوء العذاب، بل وتسخرهم، وأكثرهم عرب، لقتال المسلمين العرب الذين يحملون راية الدين الجديدة،
يضربون بمعاوله قلاع العالم القديم كله، ويجتثون عفنه وفساده..!
هنالك أرسل الخليفة العظيم المبارك توجيهاته الى خالد أن يمضي بجيشه صوب العراق..
ويمضي البطل الى العراق، وليت هذه الصفحات كانت تتسع لتتبع مواكب نصره، اذن لرأينا من أمرها عجبا.
لقد استهلّ عمله في العراق بكتب أرسلها الى جميع ولاة كسرى ونوابه على ألوية العراق ومدائنه.
" بسم الله الرحمن الرحيم .. من خالد بن الوليد.. الى مرازبة فارس. . يلام على من اتبع الهدى
أما بعد، فالحمد لله الذي فضّ خدمكم، وسلب ملككم، ووهّن كيدكم
من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، واكل ذبيحتنا فذلكم المسلم، له ما لنا وعليه ما علينا اذا جاءكم كتابي
فابعثوا اليّ بالرهن واعتقدوا مني الذمّة والا، فوالذي لا اله غيره لأبعثن اليكم قوما يحبون الموت كما تحبون
الحياة
".. وجاءته طلائعه التي بثها في كل مكان بأنباء الزّخوف الكثيرة التي يعدها له قوّاد الفرس في العراق،
فلم يضيّع وقته، وراح يقذف بجنوده على الباطل ليدمغه.. وطويت له الأرض طيّا عجيبا.
في الأبلّة، الى السّدير، فالنّجف، الى الحيرة، فالأنبار، فالكاظمية. مواكب نصر تتبعها مواكب... وفي كل مكان
تهلّ به رياحه البشريات ترتفع للاسلام راية يأوي الى فيئها الضعفاء والمستعبدون ، أجل، الضعفاء
والمستعبدون من أهل البلد الذين كان الفرس يستعمرونهم، ويسومونهم سوء العذاب.
وكم كان رائعا من خالد أن بدأ زحفه بأمر أصدره الى جميع قوّاته:
" لا تتعرّضوا للفلاحين بسوء، دعوهم في شغلهم آمنين، الا أن يخرج بعضهم لقتالكم، فآنئذ قاتلوا المقاتلين".
وسار بجيشه الظافر كالسكين في الزبد الطريّ حتى وقف على تخوم الشام ، وهناك دوّت أصوات المؤذنين،
وتكبيرات الفاتحين.
ترى هل سمع الروم في الشام..؟ وهل تبيّنوا في هذه التكبيرات نعي أيامهم، وعالمهم..؟
أجل لقد سمعوا.. وفزّعوا.. وقرّروا أن يخوضوا في حنون معركة اليأس والضياع..!
كان النصر الذي أحرزه الاسلام على الفرس في العراق بشيرا بنصر مثله على الروم في الشام، فجنّد الصدّيق
أبو بكر جيوشا عديدة، واختار لامارتها نفرا من القادة المهرة، أبو عبيدة بن الجراح، وعمرو بن العاص، ويزيد
بن أبي سفيان، ثم معاوية بن أبي سفيان، وعندما نمت أخبار هذه الجيوش الى امبراطور الروم نصح وزراءه
وقوّاده بمصالحة المسلمين، وعدم الدخول معهم في حرب خاسرة.
بيد أن وزراءه وقوّاده أصرّوا على القتال وقالوا: " والله لنشغلنّ أبا بكر على أن يورد خيله الى أرضنا"..
وأعدوا للقتال جيشا بلغ قوامه مائتي ألف مقاتل، وأ{بعين ألفا.
وأرسل قادة المسلمين الى الخليفة بالصورة الرهيبة للموقف فقال أبو بكر: " والله لأشفينّ وساوسهم بخالد"..
وتلقى ترياق الوساوس.. وساوس التمرّد والعدوان والشرك، تلقى أمر الخليفة بالزحف الى الشام، ليكون
أميرا على جيوش الاسلام التي سبقته اليها، وما اسرع ما امتثل خالد وأطلع، فترك على العراق المثنّى
بن الحارثة وسار مع قواته التي اختارها حتى وصل مواقع المسلمين بأرض الشام، وأنجز بعبقريته الباهرة
تنظيم الجيش المسلم وتنسيق مواقعه في وقت وجيز، وبين يدي المعركة واللقاء، وقف في المقاتلين خطيبا
فقال بعد أن حمد ربه وأثنى عليه : " ان هذا يوم من أيام الله، لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي.
أخلصوا جهادكم وأريدوا الله بعملكم، وتعالوا نتعاور الامارة، فيكون أحدنا اليوم أميرا، والآخر غدا، والآخر بعد غد،
حتى يتأمّر كلكم"... هذا يوم من أيام الله.. ما أروعها من بداية..لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي..
وهذه أكثر روعة وأوفى ورعا!!
ولم تنقص القائد العظيم الفطنة المفعمة بالايثار، فعلى الرغممن أن الخليفة وضعه على رأس الجيش بكل
أمرائه، فانه لم يشا أن يكون عونا للشيطان على أنفس أصحابه، فتنازل لهم عن حقه الدائم في الامارة
وجعلها دولة بينهم، اليوم أمير، ودغا أمي رثان.. وبعد غد أمير آخر.. وهكذا، كان جيش الروم بأعداده وبعتاده،
شيئا بالغ الرهبة ، لقد أدرك قوّاد الروم أن الزمن في صالح المسلمين، وأن تطاول القتال وتكاثر المعارك يهيئان
لهم النصر دائما، من أجل ذلك قرروا أن يحشدوا كل قواهم في معركة واحدة يجهزون خلالها على العرب حيث
لا يبقى لهم بعدها وجود، وما من شك أن المسلمين أحسّوا يوم ذاك من الرهبة والخطر ما ملأ نفوسهم
المقدامة قلقا وخوفا ، ولكن ايمانهم كان يخفّ لخدمتهم في مثل تلك الظلمات الحالكات، فاذا فجر الأمل
والنصر يغمرهم بسناه..!!
ومهما يكن بأس الروم وجيوشهم، فقد قال أبو بكر، وهو بالرجال جدّ خبير:
" خالد لها".!!
وقال:" والله، لأشفينّ وساوسهم بخالد".. فليأت الروم بكل هولهم، فمع المسلمين الترياق..!!
عبأ ابن الوليد جيشه، وقسمه الى فيالق، ووضع للهجوم والدفاع خطة جديدة تتناسب مع طريقة الروم بعد
أن خبر وسائل اخوانهم الفرس في العراق.. ورسم للمعركة كل مقاديرها ، ومن عجب أن المعركة دارت كما
رسم خالد وتوقع، خطوة خطوة، وحركة حركة، حتى ليبدو وكأنه لو تنبأ بعدد ضربات السيوف في المعركة، لما
أخطأ التقدير والحساب..!! كل مناورة توقعها من الروم صنعوها.. كا انسحاب تنبأ به فعلوه..
وقبل أن يخوض القتال كان يشغل باله قليلا، احتمال قيام بعض جنود جيشه بالفرار، خاصة أولئك الذين هم
حديثو العهد بالاسلام، بعد أن رأى ما ألقاه منظر جيش الروم من رهبة وجزع ، وكان خالد يتمثل عبقرية النصر
في شيء واحد، هو الثبات ، وكان يرى أن حركة هروب يقوم بها اثنان أو ثلاثة، يمكن أن تشيع في الجيش من
الهلع والتمزق ما لا يقدر عليه جيش العدو بأسره ، من أجل هذا، كان صارما، تجاه الذي يلقي سلاحه ويولي
هاربا ، وفي تلك الموقعة بالذات موقعة اليرموك، وبعد أن أخذ جيشه مواقعه، دعا نساء المسلمين، ولأول
مرّة سلّمهن السيوف، وأمرهن، بالوقوف وراء صفوف المسلمين من كل جانب وقال لهن:
" من يولّي هاربا فاقتلنه".. وكانت لفتة بارعة أدت مهمتها على أحسن وجه..!!
وقبيل بدء القتال طلب قائد الروم أن يبرز اليه خالد ليقول له بضع كلمات ، وبرز اليه خالد، حيث تواجها فوق
جواديهما في الفراغ الفاصل بين الجيشين.
" وقال ماهان قائد الروم يخاطب خالدا" " قد علمنا أنه لم يخرجكم من بلادكم الا الجوع والجهد..
فان شئتم، أعطيت كل واحد منكم عشرة دنانير، وكسوة، وطعاما، وترجعون الى بلادكم، وفي العام القادم
أبعث اليكم بمثلها
". وضغط خالد الرجل والبطل على أسنانه، وأدرك ما في كلمات قائد الروم من سوء الأدب.
وقرر أن يردذ عليه بجواب مناسب، فقال له:
" انه لم يخرجنا من بلادنا الجوع كما ذكرت، ولكننا قوم نشرب الدماء، وقد علمت أنه لا دم أشهى وأطيب من
دم الروم، فجئنا لذلك
"..!!
ولوة البطل زمام جواده عائدا الى صفوف جيشه. ورفع اللواء عاليا مؤذنا بالقتال. " الله أكبر" " هبّي رياح الجنة".
كان جيشه يندفع كالقذيفة المصبوبة.، ودار قتال ليس لضراوته نظير.، وأقبل الروم في فيالق كالجبال.
وبجا لهم من المسلمين ما لم يكونوا يحتسبون، ورسم المسلمون صورا تبهر الألباب من فدائيتهم وثباتهم.
فهذا أحدهم يقترب من أبي عبيدة بن الجرّاح رضي الله عنه والقتال دائر ويقول:
" اني قد عزمت على الشهادة، فهل لك من حاجة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبلغها له حين ألقاه
فيجيب أبو عبيدة: " نعم قل له: يا رسول الله انا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا".
ويندفع الرجل كالسهم المقذوف.. يندفع وسط الهول مشتاقا الى مصرعه ومضجعه.. يضرب بسيفه، ويضرب
بآلاف السيوف حتى يرتفع شهيدا..!!
وهذا عكرمة بن أبي جهل.. أجل ابن أبي جهل.. نادي في المسلمين حين ثقلت وطأة الروم عليهم قائلا:
" لطالما قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يهدني الله الاسلام، افأفرّ من أعداء الله اليوم
ثم يصيح:" من يبايع على الموت". فيبايعه على الموت كوكبة من المسلمين، ثم ينطلقون معا الى قلب المعركة
لا باحثين عن النصر، بل عن الشهادة.. ويتقبّل الله بيعتهم وبيعهم، فيستشهدون..!!
وهؤلاء آخرون أصيبوا بجراح أليمة، وجيء لهم بماء يبللون به أفواههم، فلما قدم الماء الى أولهم، أشار الى
الساقي أن أعط أخي الذي بجواري فجرحه أخطر، وظمؤه أشد.. فلما قدّم اليه الامء، اشار بدوره لجاره.
فلا انتقل اليه أشار بدوره لجاره ، وهكذا، حتى.. جادت أرواح أكثرهم ظامئة، ولكن أنضر ما تكون تفانيا وايثارا..!!
أجل.. لقد كانت معركة اليرموك مجالا لفدائية يعز نظيرها.
ومن بين لوحات الفداء الباهرة التي رسمتها عزمات مقدرة، تلك اللوحة الفذة.. لوحة تحمل صورة خالد بن الوليد
على رأس مائة لا غير من جنده، ينقضّون على ميسرة الروم وعددها أربعون ألف جندي، وخالد يصيح في المائة
الذين معه: " والذي نفسي بيده ما بقي مع الروم من الصبر والجلد الا ما رأيتم.
واني لأرجو أن يمنحكم الله أكتافهم
". مائة يخوضون في أربعين ألف.. ثم ينتصرون..!! ولكن أي عجب؟
أليس مالء قلوبهم ايمان بالله العلي الكبير.. وايمان برسوله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم؟
وايمان بقضية هي أكثر قضايا الحياة برا، وهدى ونبلا؟
وأليس خليفتهم الصديق رضي الله عنه، هذا الذي ترتفع راياته فوق الدنيا، بينما هو في المدينة’ العاصمة
الجديدة للعالم الجديد، يحلب بيده شياه الأيامى، ويعجن بيده خبز اليتامى..؟
وأليس قائدهم خالد بن الوليد ترياق وساوس التجبر، والصفلف، والبغي، والعدوان، وسيف الله المسلول على
قوى التخلّف والتعفّن والشرك؟ أليس ذلك، كذلك..؟ اذن، هبي رياح النصر.،هبّي قويّة عزيزة، ظافرة، قاهرة.
لقد بهرت عبقرية خالد قوّاد الروم وأمراء جيشهم، مما حمل أحدهم، واسمه جرجح على أن يدعو خالدا للبروز
اليه في احدى فترات الراحة بين القتال.
وحين يلتقيان، يوجه القائد الرومي حديثه الى خالد قائلا: " يا خالد، أصدقني ولا تكذبني فان الحرّ لا يكذب..
هل أنزل على نبيّكم سيفا من السماء فأعطاك ايّاه، فلا تسلّه على أحد الا هزمته
"؟؟
قال خالد: لا.. قال الرجل: فبم سميّت يبف الله
قال خالد: ان الله بعث فينا نبيه، فمنا من صدّقه ومنا من كذّب. وكنت فيمن كذّب حتى أخذ الله قلوبنا الى
الاسلام، وهدانا برسوله فبايعناه.. فدعا لي الرسول، وقال لي: أنت سيف من سيوف الله، فهكذا سميّت..
سيف الله". قال القائد الرومي: والام تدعون..؟ قال خالد: الى توحيد الله، والى الاسلام.
قال: هل لمن يدخل في الاسلام اليوم مثل ما لكممن المثوبة والأجر؟
قال خالد: نعم وأفضل.. قال الرجل: كيف وقد سبقتموه..؟
قال خالد: لقد عشنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأينا آياته ومعجزاته وحق لمن رأى ما رأينا، وسمع
ما سمعنا أن يسلم في يسر ، أما أنتم يا من لم تروه ولم تسمعوه، ثم آمنتم بالغيب، فان أجركم أجزل وأكبر
اا صدقتم الله سرائركم ونواياكم.
وصاح القائد الرومي، وقد دفع جواده الى ناحية خالد، ووقف بجواره:
علمني الاسلام يا خالد"".! وأسلم وصلى ركعتين لله عز وجل.. لم يصلّ سواهما، فقد استأنف الجيشان
القتال ، وقاتل جرجه الروماني في صفوف المسلمين مستيتا في طلب لبشهادة حتى نالها وظفر بها..!
وبعد، فها نحن أولاء نواجه العظمة الانسانية في مشهد من أبهى مشاهدها ، اذ كان خالد يقود جيوش
المسلمين في هذه المعركة الضارية، ويستلّ النصر من بين أنياب الروم استلالا فذا، بقدر ما هو مضن ورهيب،
واذا به يفاجأ بالبريد القادم من المدينة من الخليقة الجديد، أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وفيه تحيّة الفاروق
للجيش المسلم، نعيه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه، وتولية أبي
عبيدة بن الجرّاح مكانه.
قرأ خالد الكتاب، وهمهم بابتهالات الترحّم على ابي بكر والتوفيق لعمر ،ثم طلب من حامل الكتاب ألا يبوح
لأحد بما فيه وألزمه مكانه أمره ألا يغادره، وألا يتصل بأحد.
استأنف قيادته للمعركة مخفيا موت أبي بكر، وأوامر عمر حتى يتحقق النصر الذي بات وشيكا وقريبا.
ودقّت ساعة الظفر، واندحر الروم ، وتقدّم البطل من أبي عبيدة مؤديا اليه تحيّة الجندي لقائده ، وظنها
أبو عبيدة في أول الأمر دعابة من دعابات القائد الذي حققق نصرا لم يكن في السحبان بيد أنه ما فتئ
أن رآها حقيقة وجدّا، فقبّل خالد بين عينيه، وراح يطري عظمة نفسه وسجاياه..
وثمّت رواية تاريخية أخرى، تقول: ان الكتاب أرسل من أمير المؤمنين عمر الى أبي عبيدة، وكتم أبو عبيدة
النبأ عن خالد حتى انتهت المعركة ، وسواء كان الأمر هذا أو ذاك، فان مسلك خالد في كلتا الحالتين هو الذي
يعنينا ولقد كان مسلكا بالغ الروعة والعظمة والجلال ولا أعرف في حياة خالد كلها موقفا ينبئ باخلاصه العميق
وصدقه الوثيق، مثل هذا الموقف... فسواء عليه أن يكون أميرا، أو جنديا..
ان الامارة كالجندية، كلاهما سبب يؤدي به واجبه نحو الله الذي آمن به، ونحو الرسول الذي بايعه، ونحو الدين
الذي اعتنقه وسار تحت رايته وجهده المبذول وهو أمير مطاع.. كجهده المبذول وهو جندي مطيع..!
ولقد هيأ له هذا الانتصار العظيم على النفس، كما هيأه لغيره، طراز الخلفاء الذين كانوا على راس الأمة
المسلمة والدولة المسلمة يوم ذاك..

أبو بكر وعمر..
اسمان لا يكاد يتحرّك بهما لسان، حتى يخطر على البال كل معجز من فضائل الانسان، وعظمة الانسان.
وعلى الرغم من الودّ الذي كان مفقودا أحيانا بين عمر وخالد، فان نزاهة عمر وعدله،وورعه وعظمته الخارقة،
لم تكن قط موضع تساؤول لدى خالد.. ومن ثم لم تكن قراراته موضع سك، لأن الضمير الذي يمليها، قد بلغ
من الورع، ومن الاستقامة، ومن الاخلاص والصدق أقصى ما يبلغه ضمير منزه ورشيد لم يكن أمير المؤمنين
عمر يأخذ على خالد من سوء، ولكنه كان يأخذ على سيفه التسرّع، والحدّة..
ولقد عبّر عن هذا حين اقترح على أبي بكر عزله اثر مقتل مالك بن نويرة، فقال: " ان في سيف خالد رهقا"
أي خفة وحدّة وتسرّع.. فأجابه الصدّيق قائلا: " ما كنت لأشيم سيف سلّه الله على الكافرين".
لم يقل عمر ان في خالد رهقا بل جعل الرهق لسيفه لا لشخصه، وهي كلمات لا تنمّ عن أدب أمير المؤمنين
فحسب، بل وعن تقديره لخالد أيضا.. وخالد رجل حرب من المهد الى اللحد.. فبيئته، ونشأته، وتربيته وحياه
كلها، قبل الاسلام وبعده كانت كلها وعاء لفارس، مخاطر، داهية.
ثم ان الحاح ماضيه قبل السلام، والحروب التي خاضها ضد الرسول وأصحابه، والضربات التي أسقط بها سيفه
أيام الشرك رؤوسا مؤمنة، وجباها عابدة، كل هذا كان له على ضميره ثقل مبهظ، جعل سيفه توّاقا الى أن
يطوّح من دعامات الشرك أضعاف ما طوّح من حملة الاسلام وانكم لتذكرون العبارة التي أوردناها أوّل هذا
الحديث والتي جاءت في سياق حديثه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ قال له: " يا رسول الله..
استغفر لي كل ما أوضعت فيه عن صدّ عن سبيل الله
".
وعلى الرغم من انباء الرسول صلى الله عليه وسلم اياه، بأن الاسلام يجبّ ما كان قبله، فانه يظل يتوسل على
الظفر بعهد من الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستغفر الله له فيما صنعت من قبل يداه والسيف حين يكون
في يد فارس خارق كخالد بن الوليد، ثم يحرّك اليد القابضة عليه ضمير منوهج بحرارة التطهر والتعويض، ومفعم
بولاء مطلق لدين تحيط به المؤمرات والعداوات، فان من الصعب على هذا السيف أن يتخلى عن مبادئه الصارمة،
وحدّته الخاطفة.. وهكذا رأينا سيف خالد يسبب لصاحبه المتاعب.
فحين أرسله النبي عليه الصلاة والسلام بعد الفتح الى بعض قبائل العرب القريبة من مكة، وقال له:
" اني أبعثك داعيا لا مقاتلا".
غلبه سيفه على أمره ودفعه الى دور المقاتل.. متخليا عن دور الداعي الذي أوصاه به الرسول مما جعله
عليه السلام ينتفض جزعا وألما حين بلفه صنيع خالد.. وقام مستقبلا القبلة، رافعا يديه، ومعتذرا الى الله
بقوله: " اللهم اني أبرأ اليك مما صنع خالد". ثم أرسل عليّا فودى لهم دماءهم وأموالهم.
وقيل ان خالدا اعتذر عن نفسه بأن عبدالله بن حذافة السهمي قال له: ان رسول الله قد أمرك بقتالهم لامتناعهم
عن الاسلام.. كان خالد يحمل طاقة غير عادية.. وكان يستبد به توق عارم الى هدم عالمه القديم كله ولو أننا
نبصره وهو يهدم صنم العزّى الذي أرسله النبي لهدمه لو أننا نبصره وهو يدمدم بمعوله على هذه البناية
الحجرية، لأبصرنا رجلا يبدو كأنه يقاتل جيشا بأسره، يطوّح رؤوس أفرداه ويتبر بالمنايا صفوفه.
فهو يضرب بيمينه، وبشماله، وبقدمه، ويصيح في الشظايا المتناثرة، والتراب المتساقط:
" يا عزّى كفرانك، لا سبحانك اني رأيت الله قد أهانك".. ثم يحرقها ويشعل النيران في ترابها..!
كانت كل مظاهر الشرك وبقاياه في نظر خالد كالعزّى لا مكان لها في العالم الجديد الذي وقف خالد تحت
أعلامه ولا يعرف خالد أداة لتصفيتها الا سيفه.. والا.." كفرانك لا سبحانك..اني رأيت الله قد أهانك"..!!
على أننا اذ نتمنى مع أمير المؤمنين عمر، لوخلا سيف خالد من هذا الرهق، فاننا سنظل نردد مع أمير
المؤمنين قوله: " عجزت النساء أن يلدن مثل خالد"..!!
لقد بكاه عمر يوم مات بكاء كثيرا، وعلم الانس فيما بعد أنه لم يكن يبكي فقده وحسب، بل ويبكي فرصة
أضاعها الموت عن عمر اذ كان يعتزم رد الامارة الى خالد بعد أن زال افتتان الناس به.
ومحصت أسباب عزله، لولا أن تداركه الموت وسارع خالد الى لقاء ربه.
نعم سارع البطل العظيم الى مثواه في الجنة..أما آن له أن يستريح..؟
هو الذي لم تشهد الأرض عدوّا للراحة مثله..؟
أما آن لجسده المجهد أن ينام قليلا..؟؟ هو الذي كان يصفه أصحابه وأعداؤه بأنه:
" الرجل الذي لا ينام ولا يترك أحدا ينام"..؟؟
أما هو، فلو خيّر لاختار أن يمدّ الله له في عمره مزيدا من الوقت يواصل فيه هدم البقايا المتعفنة القديمة،
ويتابع عمله وجهاده في سبيل الله والاسلام ، ان روح هذا الرجل وريحانه ليوجدان دائما وابدا، حيث تصهل
الخيل، وتلتمع الأسنّة، وتخفق رايات التوحيد فوق الجيوش المسلمة.
وأنه ليقول: " ما ليلة يهدى اليّ فيها عروس، أو أبشّر فيها بوليد، بأحبّ اليّ من ليلة شديدة الجليد، في
سريّة من المهاجرين، أصبح بهم المشركين
". من أجل ذلك، كانت مأساة حياته أن يموت في فراشه، وهو
الذي قضى حياته كلها فوق ظهر جواده، وتحت بريق سيفه، هو الذي غزا مع الرسول صلى الله عليه وسلم،
وقهر أصحاب الردّة، وسوّى بالتراب عرش فارس والروم، وقطع الأرض وثبا، في العراق خطوة خطوة، حتى
فتحها للاسلام، وفي بلاد الشام خطوة خطوة حتى فتحها كلها للاسلام ،أميرا يحملشظف الجندي وتواضعه
وجنديا يحمل مسؤولية الأمير وقدوته ،كانت مأساة حياة البطل أن يموت البطل على فراشه..!!
هنالك قال ودموعه تنثال من عينيه:
" لقد شهدت كذا، وكذا زحفا، وما في جسدي موضع الا وفيه ضربة سيف أو طعنة رمح، أ، رمية سهم.
ثم هأنذا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير، فلا نامت أعين الجبناء
"..!
كلمات لا يجيد النطق بها في مثل هذا الموطن، الا مثل هذا الرجل، وحين كان يستقبل لحظات الرحيل،
شرع يملي وصيّته.. أتجرون الى من أوصى..؟ الى عمر بن الخطاب ذاته..!
أتدرون ما تركته..؟ فرسه وسلاحه..!
ثم ماذا؟ لا شيء قط ، مما يقتني الناس ويمتلكون..!
ذلك أنه لم يكن يستحزذ عليه وهو حيّ، سوى اقتناء النصر وامتلاك الظفر على أعداء الحق.
وما كان في متاع الدنيا جميعه ما يستحوذ على حرصه شيء واحد، كان يحرص عليه في شغف واستماتة
تلك هي قلنسوته".سقطت منه يوم اليرموك. فأضنى نفسه والناس في البحث عنها فلما عوتب في ذلك
قال: " ان فيها بعضا من شعر ناصية رسول الله واني أتافاءل بها، وأستنصر
".
وأخيرا، خرج جثمان البطل من داره محمولا على أعناق أصحابه ورمقته أم البطل الراحل بعينين اختلط فيهما
بريق العزم بغاشية الحزن فقالت تودّعه:
أنت خير من ألف ألف من القو م اذا ما كبت وجوه الرجال أشجاع..؟
فأنت أشجع من لي ث غضنفر يذود عن أشبال أجواد..؟
فأنت أجود من سي ل غامر يسيل بين الجبال وسمعها عمر فازداد قلبه خفقا.. ودمعه دفقا..
وقال: " صدقت.. والله ان كان لكذلك".. وثوى البطل في مرقده.. ووقف أصحابه في خشوع، والدنيا من حولهم
هاجعة، خاشعة، صامتة ، لم يقطع الصمت المهيب سوى صهيل فرس جاءت تركض بعد أن خلعت رسنها،
وقطعت شوارع المدينة وثبا وراء جثمان صاحبها، يقودها عبيره وأريجه ، واذ بلغت الجمع الصامت والقبر الرطب
لوت برأسها كالراية، وصهيلها يصدح ، تماما مثلما كانت تصنع والبطل فوق ظهرها، يهدّ عروش فارس والروم،
ويشفي وساوس الوثنية والبغي، ويزيح من طريق الاسلام كل قوى التقهقر والشرك.
وراحت وعيناها على القبر لا تزيغان تعلو برأسها وتهبط، ملوّحة لسيدها وبطلها مؤدية له تحية الوداع..!
ثم مقفت ساكنة ورأسها مرتفع.. وجبهتها عالية.. ولكن من آقيها تسيل دموع غزار وكبار..!
لقد وقفها خالد مع سلاحه في سبيل الله ، ولكن هل سيقدر فارس على أن يمتطي صهوتها بعد خالد..؟
وهل ستذلل ظهرها لأحد سواه..؟ ايه يا بطل كل نصر.. ويا فجر كل ليلة، لقد كنت تعلو بروح جيشك على
أهوال الزحف بقولك لجندك: " عند الصباح يحمد القوم السرى
".حتى ذهبت عنك مثلا.. وهأنتذا، قد أتممت
مسراك.. فلصباحك الحمد أبا سليمان.. ولذكراك المجد، والعطر، والخلد، يا خالد..!
ودعنا.. نردد مع أمير المؤمنين عمر كلماته العذاب الرطاب التي ودّعك بها ورثاك:
" رحم الله أبا سليمان ما عند الله خير مما كان فيه ولقد عاش حميدا .. ومات سعيدا".







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:26 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


حمزة بن عبد المطلب - أسد الله وسيّد الشهداء

كانت مكة تغطّ في نومها، بعد يوم مليء بالسعي، وبالكدّ، وبالعبادة وباللهو..
والقرشيون يتقلبون في مضاجعهم هاجعين.. غير واحد هناك يتجافى عن المضجع جنباه، يأوي الى فراشه
مبركا، ويستريح ساعات قليلة، ثم ينهض في شوق عظيم، لأنه مع الله على موعد، فيعمد الى مصلاه في
حجرته، ويظل يناجي ربه ويدعوه.. وكلما استيقظت زوجته على أزير صدره الضارع وابتهالاته الحارّو الملحة،
وأخذتها الشفقة عليه، ودعته أن يرفق بنفسه ويأخذ حظه من النوم، يجيبها ودموع عينيه تسابق كلماته:
" لقد انقضى عهد النوم يا خديجة"..!!
لم يكن أمره قد أرّق قريش بعد، وان كان قد بدأ يشغلا انتباهها، فلقد كان حديث عهد بدعوته..
وكان يقول كلمته سرا وهمسا..كان الذين آمنوا به يومئذ قليلين جدا..
وكان هناك من غير المؤمنين به من يحمل له كل الحب والاجلال، ويطوي جوانحه على شوق عظيم
الى الايمان به والسير في قافلته المباركة، لا يمنعه سوى مواضعات العرف والبيئة، وضغوط التقاليد
والوراثة، والتردد بين نداء الغروب، ونداء الشروق.
من هؤلاء كان حمزة بن عبد المطلب.. عم النبي صلى الله عليه وسلم وأخوه من الرضاعة.
كان حمزة يعرف عظمة ابن أخيه وكماله.. وكان على بيّنة من حقيقة أمره، وجوهر خصاله..
فهو لا يعرف معرفة العم بابن أخيه فحسب، بل معرفة الأخ بالأخ، والصديق بالصديق..
ذلك أن رسول الله وحمزة من جيل واحد، وسن متقاربة.
نشأ معا وتآخيا معا، وسارا معا على الدرب من أوله خطوة خطوة..
ولئن كان شباب كل منهما قد مضى في طريق، فأخذ حمزة يزاحم أنداده في نيل طيبات الحياة، وافساح مكان
لنفسه بين زعماء مكة وسادات قريش..
في حين عكف محمد على اضواء روحه التي انطلقت تنير له الطريق الى الله وعلى حديث قلبه الذي نأى به
من ضوضاء الحياة الى التأمل العميق، والى التهيؤ لمصافحة الحق وتلقيه..
نقول لئن كان شباب كل منهما قد اتخذ وجهة مغايرة، فان حمزة لم تغب عن وعيه لحظة من نهار فضائل تربه
وابن أخيه.. تلك الفضائل والمكارم التي كانت تحلّ لصاحبها مكانا عليّا في أفئدة الناس كافة، وترسم صورة
واضحة لمستقبله العظيم.
في صبيحة ذلك اليوم، خرج حمزة كعادته.
وعند الكعبة وجد نفرا من أشراف قريش وساداتها فجلس معهم، يستمع لما يقولون..
وكانوا يتحدثون عن محمد..
ولأول مرّة رآهم حمزة يستحوذ عليهم القلق من دعوة ابن أخيه.. وتظهر في أحاديثهم عنه نبرة الحقد، والغيظ
والمرارة.
لقد كانوا من قبل لا يبالون، أو هم يتظاهرون بعدم الاكتراث واللامبالاة.
أما اليوم، فوجوههم تموج موجا بالقلق، والهمّ، والرغبة في الافتراس.
وضحك حمزة من أحاديثهم طويلا.. ورماهم بالمبالغة، وسوء التقدير..
وعقب أبو جهل مؤكدا لجلسائه أن حمزة أكثر الانس علما بخطر ما يدعو اليه محمد ولكنه يريد أم يهوّن الأمر
حتى تنام قريش، ثم تصبح يوما وقد ساء صاحبها، وظهر أمر ابن أخيه عليها...
ومضوا في حديثهم يزمجرون، ويتوعدون.. وحمزة يبتسم تارّة، ويمتعض أخرى، وحين انفض الجميع وذهب
كل الى سبيله، كان حمزة مثقل الرأس بأفكار جديدة، وخواطر جديدة.
راح يستقبل بها أمر ابن أخيه، ويناقشه مع نفسه من جديد...!!!
ومضت الأيام، ينادي بعضها بعضا ومع كل يوم تزداد همهمة قريش حول دعوة الرسول..
ثم تتحوّل همهمة قريش الى تحرّش. وحمزة يرقب الموقف من بعيد..
ان ثبات ابن أخيه ليبهره.. وان تفانيه في سبيل ايمانه ودعوته لهو شيء جديد على قريش كلها، برغم
ما عرفت من تفان وصمود..!!
ولو استطاع الشك يومئذ أن يخدع أحدا عن نفسه في صدق الرسول وعظمة سجاياه، فما كان هذا الشك
بقادر على أن يجد الى وعي حمزة منفا أو سبيلا..
فحمزة خير من عرف محمدا، من طفولته الباكرة، الى شباب الطاهر، الى رجولته الأمينة السامقة..
انه يعرفه تماما كما يعرف نغسه، بل أكثر مما يعرف نفسه، ومنذ جاءا الى الحياة معا، وترعرعا معا، وبلغا
أشدّهما معا، وحياة محمد كلها نقية كأشعة الشمس..!! لا يذكر حمزة شبهة واحدة ألمّت بهذه الحياة،
لا يذكر أنه رآه يوما غاضبا، أو قانطا، أو طامعا،أو لاهيا، أو مهزوزا...
وحمزة لم يكن يتمتع بقوة الجسم فحسب، بل وبرجاحة العقل، وقوة اارادة أيضا..
ومن ثم لم يكن من الطبيعي أن يتخلف عن متابهة انسان يعرف فيه كل الصدق وكل الأمانة..
وهكذا طوى صدره الى حين على أمر سيتكشّف في يوم قريب..
وجاء اليوم الموعود..وخرج حمزة من داره،متوشحا قوسه، ميمّما وجهه شطر الفلاة ليمارس هوايته المحببة،
ورياضته الأثيرة، الصيد.. وكان صاحب مهارة فائقة فيه..
وقضى هناك بعض يومه، ولما عاد من قنصه، ذهب كعادته الى الكعبة ليطوف بها قبل أن يقفل راجعا الى داره.
وقريبا من الكعبة، لقته خادم لعبدالله بن جدعان..
ولم تكد تبصره حتى قالت له:
" يا أبا عمارة.. لو رأيت ما اقي ابن أخيك محمد آنفا، من أبي الحكم بن هشام..
وجده جالسا هناك ، فآذاه وسبّه وبلغ منه ما يكره
"..
ومضت تشرح له ما صنع أبو جهل برسول الله..واستمع حمزة جيدا لقولها، ثم أطرق لحظة، ثم مد يمينه
الى قوسه فثبتها فوق كتفه.. ثم انطلق في خطى سريعة حازمة صوب الطعبة راجيا أن يلتقي عندها بأبي
جهل.. فان هو لم يجده هناك، فسيتابع البحث عنه في كل مكان حتى يلاقيه..
ولكنه لا يكاد يبلغ الكعبة، حتى يبصر أبا جهل في فنائها يتوسط نفرا من سادة قريش..
وفي هدوء رهيب، تقدّم حمزة من أبي جهل، ثم استلّ قوسه وهوى به على رأس أبي جهل فشجّه وأدماه،
وقبل أن يفيق الجالسون من الدهشة، صاح حمزة في أبي جهل:
" أتشتم محمدا، وأنا على دينه أقول ما يقول..؟! الا فردّ ذلك عليّ ان استطعت"..
وفي لحظة نسي الجالسون جميعا الاهانة التي نزلت بزعيمهم أبي جهل والدم لذي ينزف من رأسه،
وشغلتهم تلك الكلمة التي حاقت بهم طالصاعقة.. الكلمة التي أعلن بها حمزة أنه على دين محمد يرى
ما يراه، ويقول ما يقوله..أحمزة يسلم..؟ أعزّ فتيان قريش وأقواهم شكيمة..؟
انها الطامّة التي لن تملك قريش لها دفعا.. فاسلام حمزة سيغري كثيرين من الصفوة بالاسلام، وسيجد
محمد حوله من القوة والبأس ما يعزز دعوته ويشدّ ازره، وتصحو قريش ذات يوم على هدير المعاول تحطم
أصنامها وآلهتها..!!
أجل أسلم حمزة، وأعلن على الملأ الأمر الذي كان يطوي عليه صدره، وترك الجمع الذاهل يجترّ خيبة أمله،
وأبا جهل يلعق دماءه النازفة من رأسه المشجوج.. ومدّ حمزة يمينه مرّة أخرى الى قوسه فثبتها فوق كتفه،
واستقبل الطريق الى داره في خطواته الثابتة، وبأسه الشديد..!
كان حمزة يحمل عقلا نافذا، وضميرا مستقيما..
وحين عاد الى بيته ونضا عنه متاعب يومه. جلس يفكر، ويدير خواطره على هذا الذي حدث له من قريب..
كيف أعلن اسلامه ومتى..؟
لقد أعلنه في لحظات الحميّة، والغضب، والانفعال..
لقد ساءه أن يساء الى ابن اخيه، ويظلم دون أن يجد له ناصرا، فيغضب له، وأخذته الحميّة لشرف بني هاشم،
فشجّ رأس أبي جهل وصرخ في وجهه باسلامه...
ولكن هل هذا هو الطريق الأمثل لك يغدار الانسان دين آبائه وقومه... دين الدهور والعصور.. ثم يستقبل دينا
جديدا لم يختبر بعد تعاليمه، ولا يعرف عن حقيقته الا قليلا..
صحيح أنه لا يشك لحظة في صدق محمد ونزاهة قصده.. ولكن أيمكن أن يستقبل امرؤ دينا جديدا، بكل
ما يفرضه من مسؤوليات وتبعات، في لحظة غضب، مثلما صنع حمزة الآن..؟
وشرع يفكّر.. وقضى أياما، لا يهدأ له خاطر.. وليالي لا يرقأ له فيها جفن..
وحين ننشد الحقيقة بواسطة العقل، يفرض الشك نفسه كوسيلة الى المعرفة.
وهكذا، لم يكد حمزة يستعمل في بحث قضية الاسلام، ويوازن بين الدين القديم، والدين الجديد، حتى ثارت
في نفسه شكوك أرجاها الحنين الفطري الموروث الى دين آبائه.. والتهيّب الفطري الموروث من كل جيد..
واستيقظت كل ذكرياته عن الكعبة، وآلهاها وأصنامها... وعن الأمجاد الدينية التى أفاءتها هذه الآلهة المنحوتة
على قريش كلها، وعلى مكة بأسرها.
لقد كان يطوي صدره على احترام هذه الدعوة الجديدة التي يحمل ابن أخيه لواءها..
ولكن اذا كان مقدورا له أن يكون أح أتباع هذه الدعوة، المؤمنين بها، والذائدين عنها..
فما الوقت المناسب للدخول في هذا الدين.. لحظة غضب وحميّة..؟ أم أوقات تفكير ورويّة..؟
وهكذا فرضت عليه استقامة ضميره، ونزاهة تفكيره أن يخضع المسألأة كلها من جديد لتفكر صارم ودقيق..
وبدأ الانسلاخ من هذا التاريخ م\كله.. وهذا الدين القديم العريق، هوّة تتعاظم مجتازها..
وعجب حمزة كيف يتسنى لانسان أن يغادر دين آبائه بهذه السهولة وهذه السرعة..
وندم على ما فعل.. ولكنه واصل رحلة العقل..ولما رأى أن العقل وحده لا يكفي لجأ الى الغيب بكل اخلاصه
وصدقه..وعند الكعبة، كان يستقبل السماء ضارعا، مبتهلا، مستنجدا بكل ما في الكون من قدرة ونور، كي
يهتدي الى الحق والى الطريق المستقيم.. ولنضع اليه وهو يروي بقية النبأ فيقول:
".. ثم أدركني الندم على فراق دين آبائي وقومي.. وبت من الشك في أمر عظيم، لا أكتحل بنوم..
ثم أتيت الكعبة، وتضرّعت تاة الله أن يشرح صدري للحق، ويذهب عني الريب..
فاستجاب الله لي وملأ قلبي يقينا..وغدوت الى رسول الله صلى الل عليه وسلم فأخبرته بما كان من أمري،
فدع الله أن يثبت قلبي على دينه..
"وهكذا أسلم حمزة اسلام اليقيم.
أعز الله الاسلام بحمزة..ز ووقف شامخا قويا يذود عن رسول الله، وعن المستضعفين من أصحابه..
ورآه أبو جهل يقف في صفوف المسلمين، فأدرك أنها الحرب لا محالة، وراح يحرّض قريشا على انزال الأذى
بالرسول وصحبه، ومضى يهيء لحرب أهليّة يشفي عن طرقها مغايظة وأحقاده..
ولم يستطع حمزة أن يمنع كل الأذى ولكن اسلامه مع ذلك كان وقاية ودرعا.. كما كان اغراء ناجحا لكثير من
القبائل التي قادها اسلام حمزة أولا. ثم اسلام عمر بن الخطاب بعد ذلك الى الاسلام فدخلت فيه أفواجا..!!
ومنذ أسلم حمزة نذر كل عافيته، وبأسه، وحياته، لله ولدينه حتى خلع النبي عليه هذا اللقب العظيم:
"أسد الله، وأسد رسوله"..
وأول سرية خرج فيها المسلمون للقاء عدو، كان أميرها حمزة..
وأول راية عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد من المسلمين كانت لحمزة..
ويوم التقى الجمعان في غزوة بدر، كان أسد الله ورسوله هناك يصنع الأعاجيب..!!
وعادت فلول قريش من بدر الى مكة تتعثر في هزيمتها وخيبتها... ورجع أبو سفيان مخلوع القلب، مطأطئ
ال{اس. وقد خلّف على أرض المعركة جثث سادة قريش، من أمثال أبي جهل.. وعتبة بن ربيعة، وشيبة
بن ربيعة، وأميّة بن خلف. وعقبة بن أبي معيط.. والأسود بن عبدالله المخزومي، والوليد بن عتبة..
والنفر بن الحارث.. والعاص بن سعيد.. وطعمة ابن عديّ.. وعشرات مثلهم من رجال قريش وصناديدها.
وما كانت قريش لتتجرّع هذه الهزيمة المنكرة في سلام... فراحت تعدّ عدّتها وتحشد بأسها، لتثأر لنفسها
ولشرفها ولقتلاها.. وصمّمت قريش على الحرب.
وجاءت غزوة أحد حيث خرجت قريش على بكرة أبيها، ومعها حلفاؤها من قبائل العرب، وبقيادة أبي سفيان
مرة أخرى.. وكان زعماء قريش يهدفون بمعركتهم الجديدة هذه الى رجلين اثنين:
الرسول صلى اله عليه وسلم، وحمزة رضي الله عنه وأرضاه..أجل والذي كان يسمع أحاديثهم ومؤامراتهم
قبل الخروج للحرب، يرى كيف كان حمزة بعد الرسول بيت القصيد وهدف المعركة..
ولقد اختاروا قبل الخروج، الرجل الذي وكلوا اليه أمر حمزة، وهو عبد حبشي، كان ذا مهارة خارقة في قذف
الحربة، جعلوا كل دوره في المعركة أن يتصيّد حمزة ويصوّب اليه ضربة قاتلة من رمحه، وحذروه من أن ينشغل
عن هذه الغاية بشيء آخر، مهما يكن مصير المعركة واتجاه القتال.
ووعدوه بثمن غال وعظيم هو حريّته.. فقد كان الرجل واسمه وحشي عبدا لجبير بن مطعم.. وكان عم جبير
" قد لقي مصرعه يوم بدر فقال له جبير"
" اخرج مع الناس وان أنت قتلت حمزة فأنت عتيق"..!!
ثم أحالوه الى هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان لتزيده تحريضا ودفعا الى الهدف الذي يريدون..
وكانت هند قد فقدت في معركة بدر أباها، وعمها، وأخاها، وابنها.. وقيل لها ان حمزة هو الذي قتل بعض
هؤلاء، وأجهز على البعض الآخر، من أجل هذا كانت أكثر القرشيين والقرشيّات تحريضا على الخروج للحرب،
لا لشيء الا لتظفر برأس حمزة مهما يكن الثمن الذي تتطلبه المغامرة..!!
ولقد لبثت أياما قبل الخروج للحرب، ولا عمل لها الا افراغ كل حقدها في صدر وحشي ورسم الدور الذي
عليه أن يقوم به.. ولقد وعدته ان هو نجح في قال حمزة بأثمن ما تملك المرأة من متاع وزينة، فلقد أمسكت
بأناملها الحاقدة قرطها اللؤلؤي الثمين وقلائدها الذهبية التي تزدحم حول عنقها، ثم قالت وعيناها تحدّقان
في وحشي: " كل هذا لك، ان قتلت حمزة"..!!
وسال لعاب وحشي، وطارت خواطره توّاقة مشتاقة الى المعركة التي سيربح فيها حريّته، فلا يصير بعد عبدا
أو رقيقا، والتي سيخرج منها بكل هذا الحلي الذي يزيّن عنق زعيمة نساء قريش، وزوجة زعيمها، وابنة سيّدها.
كانت المؤمرة اذن.. وكانت الحرب كلها تريد حمزة رضي الله عنه بشكل واضح وحاسم..
وجاءت غزوة أحد... والتقى الجيشان. وتوسط حمزة أرض الموت والقتال، مرتديا لباس الحرب، وعلى صدره ريشة
النعام التي تعوّد أن يزيّن بها صدره في القتال..وراح يصول ويجول، لا يريد رأسا الا قطعه بسيفه، ومضى يضرب
في المشركين، وكأن المنايا طوع أمره، يقف بها من يشاء فتصيبه في صميمه.!!
وصال المسلمون جميعا حتى قاربوا النصر الحاسم.. وحتى أخذت فلول قريش تنسحب مذعورة هاربة..
ولولا أن ترك الرماة مكانهم فوق الجبل، ونزلوا الى أرض المعركة ليجمعوا غنائم العدو المهزوم.. لولا تركهم
مكانهم وفتحوا الثغرة الواسعة لفرسان قريش لكانت غزوة أحد مقبرة لقريش كلها، رجالها، ونسائها بل
وخيلها وابلها..!!
لقد دهم فرسانها المسلمين من ورائهم على حين غفلة، واعملوا فيهم سيوفهم الظامئة المجنونة..
وراح المسلمون يجمعون أنفسهم من جديدو ويحملون سلاحهم الذي كان بعضهم قد وضعه حين رأى جيش
محمد ينسحب ويولي الأدبار.. ولكن المفاجأة كانت قاسية عنيفة.
ورأى حمزة ما حدث فضاعف قوته ونشاطه وبلاءه..
وأخذ يضرب عن يمينه وشماله.. وبين يديه ومن خلفه..
ووحشيّ هناك يراقبه، ويتحيّن الفرصة الغادرة ليوجه نحنوه ضربته..
ولندع وحشا يصف لنا المشهد بكلماته:
[.. وكنت جلا حبشيا، أقذف بالحربة قذف لحبشة، فقلما أخطئ بها شيئا.. فلما التقى الانس خرجت أنظر
حمزة وأتبصّره حتى رأيته في عرض الناس مثل الجمل الأورق.. يهدّ الناس بسيفه هدّا، ما يقف امامه شيء،
فوالله اني لأتهيأ له أريده، وأستتر منه بشجرة لأقتحمه أو ليدنو مني، اذ تقدّمني اليه سباع بن عبد العزى.
فلما رآه حمزة صاح به: هلمّ اليّ يا بن مقطّعة البظرو. ثم ضربه ضربة فما أخطأ رأسه..
عندئذ هززت حربتي حتى اذا رضيت منها دفعتها فوقعت في ثنّته حتى خرجت من بين رجليه..
ونهض نحوي فغلب على امره ثم مات..وأتيته فأخذت حربتي، ثم رجعت الى المعسكر فقعدت فيه،
اذ لم يكن لي فيه حاجة، فقد قتلته لأعتق
..]
ولا بأس في أن ندع وحشيا يكمل حديثه:
[ فلما قدمت مكة أعتقت، ثم أقمت بها حتى دخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فهربت
الى الطائف..فلما خرج وفد الطائف الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم تعيّت عليّ المذاهب.
وقلت : الحق بالشام أو اليمن أو سواها.. فوالله اني لفي ذلك من همي اذ قال لي رجل: ويحك..!
ان رسول اله، والله لا يقتل أحد من الناس يدخل دينه.. فخرجت حتى قدمت على رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم المدينة فلم يرني الا قائما أمامه أشهد شهادة الحق. فلما رآني قال:
أوحشيّ أنت..؟ قلت: نعم يا رسول الله.. قال: فحدّثني كيف قتلت حمزة، فحدّثته.. فلما فرغت من حديثي
قال: ويحك.. غيّب عني وجهك.. فكنت أتنكّب طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان، لئلا يراني
حتى قبضه الله اليه.. فلما خرج المسلمون الى مسيلمة الكذاب صاحب اليمامة خرجت معهم، وأخذت حربتي
التي قتلت بها حمزة.. فلما التقى الانس رأيت مسيلمة الكذاب قائما، في يده السيف، فتهيأت له، وهززت
حربتي، حتى اذا رضيته منها دفعتها عليه فوقعت فيه..فان كنت قد قتلت بحربتي هذه خير الناس وهو حمزة..
فاني لأرجو أن يغفر الله لي اذ قتلت بها شرّ الناس مسيلمة
]..
هكذا سقط أسد الله ورسوله، شهيدا مجيدا..!!
وكما كانت حياته مدوّية، كانت موتته مدوّية كذلك..
فلم يكتف أعداؤه بمقتله.. وكيف يكتفون أو يقتنعون، وهم الذين جنّدوا كل أموال قريش وكل رجالها في هذه
المعركة التي لم يريدوا بها سوى الرسول وعمّه حمزة..
لقد أمرت هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان.. أمرت وحشيا أن يأتيها بكبد حمزة.. واستجاب الحبشي لهذه
الرغبة المسعورة.. وعندما عاد بها الى هند كان يناولها الكبد بيمناه، ويتلقى منها قرطها وقلائدها بيسراه،
مكافأة له على انجاز مهمته..ومضغت هند بنت عتبة الذي صرعه المسلمون ببدر، وزوجة أبي سفيان قائد
جيوش الشرك الوثنية،مضغت كبد حمزة، راجية أن تشفي تلك الحماقة حقدها وغلها. ولكن الكبد استعصت
على أنيابها، وأعجزتها أن تسيغها، فأخرجتها من فمها، ثم علت صخرة مرتفعة، وراحت تصرخ قائلة:

نحن جزيناكم بيوم بدر
والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر
ولا أخي وعمّه وبكري
شفيت نفسي وقضيت نذري
أزاح وحشي غليل صدري


وانتهت المعركة، وامتطى المشركون ابلهم، وساقوا خيلهم قافلين الى مكة..
ونزل الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه الى أرض المعركة لينظر شهداءها..
وهناك في بطن الوادي. وا هو يتفحص وجوه أصحابه الذين باعوا لله أنفسهم، وقدّموها قرابين مبرورة لربهم
الكبير. وقف فجأة.. ونظر. فوجم.. وضغط على أسنانه.. وأسبل جفنيه..
فما كان يتصوّر قط أن يهبط الخلق العربي على هذه الوحشية البشعة فيمثل بجثمان ميت على الصورة التي
رأى فيها جثمان عمه الشهيد حمزة بن عبد المطلب أسد الله وسيّد الشهداء..
وفتح الرسول عينيه التي تألق بريقهما كومض القدر وقال وعيناه على جثمان عمّه:
" لن اصاب بمصلك أبدا.. وما وقفت موقفا قط أغيظ اليّ من موقفي هذا..".
ثم التفت الى أصحابه وقال:
" لولا أن تحزن صفيّة _أخت حمزة_ ويكون سنّه من بعدي، لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل
الطير.. ولئن أظهرني الله على قريش في موطن من المواطن، لأمثلن بثلاثين رجلا منهم
.."
فصاح أصحاب الرسول:
" والله لئن ظفرنا بهم يوما من الدهر، لنمثلن بهم، مثلة لم يمثلها أحد من العرب..!!"
ولكن الله الذي أكرم حمزة بالشهادة، يكرّمه مرة أخرى بأن يجعل من مصرعه فرصة لدرس عظيم يحمي
العدالة الى الأبد، ويجعل الرحمة حتى في العقوبة والقصاص واجبا وفرضا..
وهكذا لم يكد الرسول صلى الله عليه وسلم يفرغ من القاء وعيده السالف حتى جاءه الوحي وهو في مكانه
لم يبرحه بهذه الآية الكريمة:
( ادع الى ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ،
وهو أعلم بالمهتدين، وان عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتم لهو خير للصابرين،واصبر وما صبرك
الا بالله، ولا تحزن عليهم، ولا تك في ضيق مما يمكرون.ان الله مع الذين اتقوا، والذين هم محسنون
..)
وكان نزول هذه الآيات، في هذا الموظن، خير تكريم لحمزة الذي وقع أجره على الله..
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه أعظم الحب، فهو كما ذكرنا من قبل لم يكن عمّه الحبيب فحسب..
بل كان اخاه من الرضاعة..وتربه في الطفولة..وصديق العمر كله..
وفي لحظات الوداع هذه، لم يجد الرسول صلى الله عليه وسلم تحية يودّعه بها خيرا من أن يصلي عليه بعدد
الشهداء المعركة جميعا..وهكذا حمل جثمان حمزة الى مكان الصلاة على أرض المعركة التي شهدت بلاءه،
واحتضنت دماءه، فصلى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ثم جيء يشهيد آخر، فصلى عليه
الرسول.. ثم رفع وترك حمزة مكانه، وجيء بشهيد ثاث فوضع الى جوار حمزة وصلى عليهما الرسول..
وهكذا جيء بالشهداء.. شهيد بعد شهيد.. والرسول عليه الصلاة والسلام يصلي على كل واحد منهم
وعلى حمزة معه حتى صلى على عمّه يومئذ سبعين صلاة.
وينصرف الرسول من المعركة الي بيته، فيسمع في طريقه نساء بني عبد الأشهل يبكين شهداءهن،
فيقول عليه الصلاة والسلام من فرط حنانه وحبه: " لكنّ حمزة لا بواكي له"..!!
ويسمعها سعد بن معاذ فيظن أن الرسول عليه الصلاة والسلام يطيب نفسا اذا بكت النساء عمه، فيسرع
الى نساء بني عبد الأشهل ويأمرهن أن يبكين حمزة فيفعلن… ولا يكاد الرسول يسمع بكاءهن حتى يخرج
اليهن، ويقول : " ما الى هذا قصدت، ارجعن يرحمكن الله، فلا بكاء بعد اليوم"
ولقد ذهب أصحاب رسول الله يتبارون في رثاء حمزة وتمجيد مناقبه العظيمة.
فقال حسان بن ثابت:

دع عنك دارا قد عفا رسمها
وابك على حمزة ذي النائل
اللابس الخيل اذا أحجمت
كالليث في غابته الباسل
أبيض في الذروة من بني هاشم
لم يمر دون الحق بالباطل
مال شهيدا بين أسيافكم
شلت يدا وحشي من قاتل


وقال عبد الله بن رواحة:

بكت عيني وحق لها بكاها
وما يغني البكاء ولا العويل
على أسد الاله غداة قالوا:
أحمزة ذاكم الرجل القتيل
أصيب المسلمون به جميعا
هناك وقد أصيب به الرسول
أبا يعلى، لك الأركان هدّت
وأنت الماجد البرّ الوصول


وقالت صفية بنت عبد المطلب عمة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخت حمزة:

دعاه اله الحق ذو العرش دعوة
الى جنة يحيا بها وسرور
فذاك ما كنا نرجي ونرتجي
لحمزة يوم الحشر خير مصير
فوالله ما أنساك ما هبّت الصبا
بكاءا وحزنا محضري وميسري
على أسد الله الذي كان مدرها
يذود عن الاسلام كل كفور
أقول وقد أعلى النعي عشيرتي
جزى الله خيرا من أخ ونصير

على أن خير رثاء عطّر ذكراه كانت كلمات رسول الله له حين وقف على جثمانه ساعة رآه بين شهداء المعركة
وقال: " رحمة الله عليك، فانك كنت وصولا للرحم فعولا للخيرات".
لقد كان مصاب النبي صلى الله عليه وسلم في عمه العظيم حمزة فادحا. وكان العزاء فيه مهمة صعبة..
بيد أن الأقدر طكانت تدّخر لرسول الله أجمل عزاء.
ففي طريقه من أحد الى داره مرّ عليه الصلاة والسلام بسيّدة من بني دينار استشهد في المعركة أبوها
وزوجها، وأخوها..وحين أبصرت المسلمين عائدين من الغزو، سارعت نحوهم تسألهم عن أنباء المعركة..
فنعوا اليها الزوج..والأب ..والأخ..
واذا بها تسألهم في لهفة: " وماذا فعل رسول الله".
قالوا: " خيرا.. هو بحمد الله كما تحبين".
قالت:" أرونيه، حتىأنظر اليه".
ولبثوا بجوارها حتى اقترب الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما رأته أقبلت نحوه تقول:
" كل مصيبة بعدك، أمرها يهون".
أجل.. لقد كان هذا أجمل عزاء وأبقاه.. ولعل الرسول صلى الله عليه وسلم قد ابتسم لهذا المشهد الفذّ
الفريد، فليس في دنيا البذل، والولاء، والفداء لهذا نظير.
سيدة ضعيفة، مسكينة، تفقد في ساعة واحدة أباها وزوجها وأخاها.. ثم يكون ردّها على الناعي لحظة
سمعها الخبر الذي يهدّ الجبال: " وماذا فعل رسول الله".
لقد كان مشهد أجاد القدر رسمه وتوقيته ليجعل منه للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عزاء أي عزاء..
في أسد الله، وسيّد الشهداء..!!







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:27 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


مصعب بن عمير - أول سفراء الاسلام

هذا رجل من أصحاب محمد ما أجمل أن نبدأ به الحديث..غرّة فتيان قريش، وأوفاهم جمالا، وشبابا..
يصف المؤرخون والرواة شبابه فيقولون:" كان أعطر أهل مكة"..ولد في النعمة، وغذيّ بها، وشبّ تحت خمائلها.
ولعله لم يكن بين فتيان مكة من ظفر بتدليل أبويه بمثل ما ظفر به "مصعب بن عمير"..
ذلك الفتر الريّان، المدلل المنعّم، حديث حسان مكة، ولؤلؤة ندواتها ومجالسها، أيمكن أن يتحوّل الى أسطورة
من أساطير الايمان والفداء..؟
بالله ما أروعه من نبأ.. نبأ "مصعب بن عمير"، أو "مصعب الخير" كما كان لقبه بين المسلمين.
انه واحد من أولئك الذين صاغهم الاسلام وربّاهم "محمد" عليه الصلاة والسلام..
ولكن أي واحد كان..؟ان قصة حياته لشرف لبني الانسان جميعا..لقد سمع الفتى ذات يوم، ما بدأ أهل مكة
يسمعونه من محمد الأمين صلى الله عليه وسلم "محمد" الذي يقول أن الله أرسله بشيرا ونذيرا.
وداعيا الى عبادة الله الواحد الأحد.
وحين كانت مكة تمسي وتصبح ولا همّ لها، ولا حديث يشغلها الا الرسول عليه الصلاة والسلام ودينه،
كان فتى قريش المدلل أكثر الناس استماعا لهذا الحديث.
ذلك أنه كان على الرغم من حداثة سنه، زينة المجالس والندوات، تحرص كل ندوة أن يكون مصعب بين
شهودها، ذلك أن أناقة مظهره ورجاحة عقله كانتا من خصال ..
"ابن عمير التي تفتح له القلوب والأبواب ولقد سمع فيما سمع أن الرسول ومن آمن معه، يجتمعون بعيدا
عن فضول قريش وأذاها.
. هناك على الصفا في درا "الأرقم بن أبي الأرقم".
فلم يطل به التردد، ولا التلبث والانتظار، بل صحب نفسه ذات مساء الى دار الأرقم تسبقه أشواقه ورؤاه.
هناك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يلتقي بأصحابه فيتلو عليهم القرآن، ويصلي معهم لله العليّ القدير.
ولم يكد مصعب يأخذ مكانه، وتنساب الآيات من قلب الرسول متألفة على شفتيه..
ثم آخذة طريقها الى الأسماع والأفئدة، حتى كان فؤاد ابن عمير في تلك الأمسية هو الفؤاد الموعود..!
ولقد كادت الغبطة تخلعه من مكانه، وكأنه من الفرحة الغامرة يطير.
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بسط يمينه الحانية حتى لامست الصدر المتوهج، والفؤاد المتوثب،
فكانت السكينة العميقة عمق المحيط.. وفي لمح البصر كان الفتى الذي آمن وأسلم يبدو ومعه من الحكمة
ما بفوق ضعف سنّه وعمره، ومعه من التصميم ما يغيّر سير الزمان..!!!
كانت أم مصعب "خنّاس بنت مالك" تتمتع بقوة فذة في شخصيتها، وكانت تهاب الى حد الرهبة..
ولم يكن مصعب حين أسلم ليحاذر أو يخاف على ظهر الأرض قوة سوى امه.
فلو أن مكة بل أصنامها وأشرافها وصحرائها، استحالت هولا يقارعه ويصارعه، لاستخف به مصعب الى حين
أما خصومة أمه، فهذا هو الهول الذي لا يطاق..!
ولقد فكر سريعا، وقرر أن يكتم اسلامه حتى يقضي الله أمرا.
وظل يتردد على دار الأرقم، ويجلس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو قرير العين بايمانه، وبتفاديه
غضب أمه التي لا تعلم خبر اسلامه خبرا..
ولكن مكة في تلك الأيام بالذات، لا يخفى فيها سر، فعيون قريش وآذانها على كل طريق، ووراء كل بصمة
قدم فوق رمالها الناعمة اللاهبة، الواشية..
ولقد أبصر به "عثمان بن طلحة" وهو يدخل خفية الى دار الأرقم.. ثم رآه مرة أخرى وهو سصلي كصلاة محمد
صلى الله عليه وسلم، فسابق ريح الصحراء وزوابعها شاخصا الى أم مصعب حيث ألقى عليها النبأ ..
الذي طار بصوابها ووقف مصعب أمام أمه، وعشيرته، وأشراف مكة مجتمعين حوله يتلو عليهم في يقين الحق
وثباته،القرآن الذي يغسل به الرسول قلوبهم، ويملؤها به حكمة وشرفا، وعدلا وتقى.
وهمّت أمه أن تسكته بلطمة قاسية، ولكن اليد التي امتدت كالسهم، ما لبثت أم استرخت وتنحّت أمام النور
الذي زاد وسامة وجهه وبهاءه جلالا يفرض الاحترام، وهدوءا يفرض الاقناع.
ولكن، اذا كانت أمه تحت ضغط أمومتها ستعفيه من الضرب والأذى، فان في مقدرتها أ،
تثأر للآلهة التي هجرهابأسلوب آخر..
وهكذا مضت به الى ركن قصي من أركان دارها، وحبسته فيه، وأحكمت عليه اغلاقه، وظل رهين محبسه ذاك،
حتى خرج بعض المؤمنين مهاجرين الى أرض الحبشة، فاحتال لنفسه حين سمع النبأ، وغافل أمه وحراسه،
ومضى الى الحبشة مهاجرا أوّابا.
ولسوف يمكث بالحبشة مع اخوانه المهاجرين، ثم يعود معهم الى مكة، ثم يهاجر الى الحبشة للمرة الثانية
مع الأصحاب الذين يأمرهم الرسول بالهجرة فيطيعون.
ولكن سواء كان مصعب بالحبشة أم في مكة، فان تجربة ايمانه تمارس تفوّقها في كل مكان وزمان، ولقد فرغ
من اعداة صياغة حياته على النسق الجديد الذي أعطاهم محمد نموذجه المختار، واطمأن مصعب الى أن
حياته قد صارت جديرة بأن تقدّم قربانا لبارئها الأعلى، وخالقها العظيم.
خرج يوما على بعض المسلمين وهم جلوس حول رسول الله، فما ان بصروا به حتى حنوا رؤوسهم وغضوا
أبصارهم وذرفت بعض عيونهم دمعا شجيّا..ذلك أنهم رأوه.. يرتدي جلبابا مرقعا باليا، وعاودتهم صورته الأولى
قبل اسلامه، حين كانت ثيابه كزهور الحديقة النضرة، وألقا وعطرا..
وتملى رسول الله مشهده بنظرات حكيمة، شاكرة محبة، وتألقت على شفتيه ابتسامته الجليلة، وقال:
" لقد رأيت مصعبا هذا، وما بمكة فتى أنعم عند أبويه منه، ثم ترك ذلك كله حبا لله ورسوله".!!
لقد منعته أمه حين يئست من ردّته كل ما كانت تفيض عليه من نعمة.. وأبت أن يأكل طعامها انسان هجر
الآلهة وحاقت به لعنتها، حتى ولو يكون هذا الانسان ابنها..!!
ولقد كان آخر عهدها به حين حاولت حبسه مرّة أخرى بعد رجوعه من الحبشة. فآلى على نفسه لئن هي
فعلت ليقتلن كل من تستعين به على حبسه..
وانها لتعلم صدق عزمه اذا همّ وعزم، فودعته باكية، وودعها باكيا..
وكشفت لحظة الوداع عن اصرار عجيب على الكفر من جانب الأم واصرار أكبر على الايمان من جانب الابن..
فحين قالت له وهي تخرجهمن بيتها: اذهب لشأنك، لم أعد لك أمّا. اقترب منها وقال:
"يا أمّه اني لك ناصح، وعليك شفوق، فاشهدي بأنه لا اله الا الله، وأن محمدا عبده ورسوله"...
أجابته غاضبة مهتاجة:" قسما بالثواقب، لا أدخل في دينك، فيزرى برأيي، ويضعف غقلي".
وخرج مصعب من العنمة الوارفة التي كان يعيش فيها مؤثرا الشظف والفاقة.. وأصبح الفتى المتأنق المعطّر،
لا يرى الا مرتديا أخشن الثياب، يأكل يوما، ويجوع أياماو ولكن روحه المتأنقة بسمو العقيدة، والمتألقة بنور الله،
كانت قد جعلت منه انسانا آخر يملأ الأعين جلال والأنفس روعة.
وآنئذ، اختاره الرسول لأعظم مهمة في حينها: أن يكون سفيره الى المدينة، يفقّه الأنصار الذين آمنوا وبايعوا
الرسول عند العقبة، ويدخل غيرهم في دين الله، ويعدّ المدينة ليوم الهجرة العظيم.
كان في أصحاب رسول الله يومئذ من هم أكبر منه سنّا وأكثر جاها، وأقرب من الرسول قرابة.. ولكن الرسول
اختار مصعب الخير، وهو يعلم أنه يكل اليه بأخطر قضايا الساعة، ويلقي بين يديه مصير الاسلام في المدينة
التي ستكون دار الهجرة، ومنطلق الدعوة والدعاة، والمبشرين والغزاة، بعد حين من الزمان قريب.
وحمل مصعب الأمانة مستعينا بما أنعم الله عليه من رجاحة العقل وكريم الخلق، ولقد غزا أفئدة المدينة
وأهلها بزهده وترفعه واخلاصه، فدخلوا في دين الله أفواجا.
لقد جاءها يوم بعثه الرسول اليها وليس فيها سوى اثني عشر مسلما هم الذين بايعوا النبي من قبل بيعة
العقبة، ولكنه ام يكد يتم بينهم بضعة أشهر حتى استجابوا لله وللرسول..!!
وفي موسم الحج التالي لبيعة العقبة، كان مسلمو المدينة يرسلون الى مكة للقاء الرسول وفدا يمثلهم
وينوب عنهم.. وكان عدد أعضائه سبعين مؤمنا ومؤمنة.. جاءوا تحت قيادة معلمهم ومبعوث نبيهم اليهم
"مصعب ابن عمير".
لقد أثبت "مصعب" بكياسته وحسن بلائه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف كيف يختار.
فلقد فهم مصعب رسالته تماما ووقف عند حدودها.ز عرف أنه داعية الى الله تعالى، ومبشر بدينه الذي
يدعوا الناس الى الهدى، والى صراط مستقيم. وأنه كرسوله الذي آمن به، ليس عليه الا البلاغ..
هناك نهض في ضيافة "أسعد بم زرارة" يفشيان معا القبائل والبويت والمجالس، تاليا على الناس ما كان معه
من كتاب ربه، هاتفا بينهم في رفق عظيم بكلمة الله (انما الله اله واحد).
ولقد تعرّض لبعض المواقف التي كان يمكن أن تودي به وبمن معه، لولا فطنة عقله، وعظمة روحه.
ذات يوم فاجأه وهو يعظ الانس "أسيد بن خضير" سيد بني عبد الأشهل بالمدينة، فاجأه شاهرا حربتهو يتوهج
غضبا وحنقا على هذا الذي جاء يفتن قومه عن دينهم.. ويدعوهم لهجر آلهتهم، ويحدثهم عن اله واحد لم
يعرفوه من قبل، ولم يألفوه من قبل..!
ان آلهتهم معهم رابضة في مجاثمهاو اذا حتاجها أحد عرف مكانها وولى وجهه ساعيا اليها، فتكشف ضرّه
وتلبي دعاءه... هكذا يتصورون ويتوهمون..
أما اله محمد الذي يدعوهم اليه باسمه هذا السفير الوافد اليهم، فما أحد يعرف مكانه،..
ولا أحد يستطيع أن يراه..!!
وما ان رأى المسلمون الذين كانوا يجالسون مصعبا مقدم أسيد ابن حضير متوشحا غضبه المتلظي،
وثورته المتحفزة، حتى وجلوا.. ولكن مصعب الخير ظل ثابتا وديعا، متهللا.
وقف اسيد أمامه مهتاجا، وقال يخاطبه هو وأسعد بن زرارة:
"ما جاء بكما الى حيّنا، تسهفان ضعفاءنا..؟ اعتزلانا، اذا كنتما لا تريدان الخروج من الحياة"..
وفي مثل هدوء البحر وقوته..وفي مثل تهلل ضوء الفجر ووداعته.. انفرجت أسارير مصعب الخير وتحرّك
بالحديث الطيب لسانه فقال:
"أولا تجلس فتستمع..؟! فان رضيت أمرنا قبلته.. وان كرهته كففنا عنك ما تكره".
الله أكبر. ما أروعها من بداية سيسعد بها الختام..
كان أسيد رجلا أريبا عاقلا.. وها هو ذا يرى مصعبا يحتكم معه الى ضميره، فيدعوه أن يسمع لا غير..
فان اقتنع، تركه لاقتناعهو وان لم يقتنع ترك مصعب حيّهم وعشيرتهم، وتحول الى حي آخر وعشيرة أخرى
غير ضارّ ولا مضارّ ،هنالك أجابه أسيد قائلا: أنصفت.. وألقى حربته الى الأرض وجلس يصغي..
ولم يكد مصعب يقرأ القرآن، ويفسر الدعوة التي جاء بها محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام، حتى أخذت
أسارير أسيد تبرق وتشرق.. وتتغير مع مواقع الكلم، وتكتسي بجماله..!!
ولم يكد مصعب يفرغ من حديثه حتى هتف به أسيد بن حضير وبمن معه قائلا:
"ما أحسن هذا القول وأصدقه.. كيف يصنع من يريد أن يدخل في هذا الدين".
وأجابوه بتهليلة رجّت الأرض رجّا، ثم قال له مصعب:
"يطهر ثوبه وبدنه، ويشهد أن لا اله الا الله".
فعاب أسيد عنهم غير قليل ثم عاد يقطر الماء الطهور من شعر رأسه، ووقف يعلن أن لا اله الا الله، وأن
محمدا رسول الله..
وسرى الخبر كالضوء.. وجاء سعد بن معاذ فأصغى لمصعب واقتنع، وأسلم ثم تلاه سعد بن عبادة، وتمت
باسلامهم النعمة، وأقبل أهل المدينة بعضهم على بعض يتساءلون: اذا كان أسيد بن حضير، وسعد ابن معاذ،
وسعد بن عبادة قد أسلموا، ففيم تخلفنا..؟
هيا الى مصعب، فلنؤمن معه، فانهم يتحدثون أن الحق يخرج من بين ثناياه..!!
لقد نجح أول سفراء الرسول صلى الله عليه وسلم نجاحا منقطع النظير.. نجاهحا هو له أهل، وبه جدير.
وتمضي الأيام والأعوام، ويهاجر الرسول وصحبه الى المدينة، وتتلمظ قريش بأحقادها.. وتعدّ عدّة باطلها،
لتواصل مطاردتها الظالمة لعباد الله الصالحين.. وتقوم غزوة بدر، قيتلقون فيها درسا يفقدهم بقية صوابهم
ويسعون الى الثأر،و تجيء غزوة أحد.. ويعبئ المسلمون أنفسهم، ويقف الرسول صلى الله عليه وسلم
وسط صفوفهم يتفرّس الوجوه المؤمنة ليختار من بينها من يحمل الراية ويدعو مصعب الخير، فيتقدم ويحمل
اللواء وتشب المعركة الرهيبة، ويحتدم القتال، ويخالف الرماة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام، ويغادرون
موقعهم في أعلى الجبل بعد أن رأوا المشركين ينسحبون منهزمين ..
لكن عملهم هذا، سرعان ما يحوّل نصر المسلمين الى هزيمة.. ويفاجأ المسلمون بفرسان قريش تغشاهم
من أعلى الجبل، وتعمل فيهم على حين غرّة، السيوف الظامئة المجنونة،حين رأوا الفوضى والذعر في
صفوف المسلمين، ركزا على رسول الله صلى الله عليه وسلم لينالوه..وأدرك مصعب بن عمير الخطر الغادر،
فرفع اللواء عاليا، وأطلق تكبيرة كالزئير،
ومضى يجول ويتواثب.. وكل همه أن يلفت نظر الأعداء اليه ويشغلهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم
بنفسه، وجرّد من ذاته جيشا بأسره.. أجل، ذهب مصعب يقاتل وحده كأنه جيش لجب غزير..
يد تحمل الراية في تقديس..
ويد تضرب بالسيف في عنفزان..

ولكن الأعداء يتكاثرون عليه، يريدون أن يعبروا فوق جثته الى حيث يلقون الرسول..
لندع شاهد عيان يصف لنا مشهد الخاتم في حياة مصعب العظيم..!!
يقول ابن سعد: أخبرنا ابراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه قال:
[حمل مصعب بن عمير اللواء يوم أحد، فلما جال المسلمون ثبت به مصعب، فأقبل ابن قميئة وهو فارس،
فضربه على يده اليمنى فقطعها، ومصعب يقول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..
وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه، فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمّه بعضديه الى صدره
وهو يقول: وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل..ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح،
ووقع مصعب، وسقط اللواء
].
وقع مصعب.. وسقط اللواء..!!
وقع حلية الشهادة، وكوكب الشهداء..!!
وقع بعد أن خاض في استبسال عظيم معركة الفداء والايمان..
كان يظن أنه اذا سقط، فسيصبح طريق القتلة الى رسول الله صلى الله عليه وسلم خاليا من المدافعين
والحماة..ولكنه كان يعزي نفسه في رسول الله عليه الصلاة والسلام من فرط حبه له وخوفه عليه حين
مضى يقول مع كل ضربة سيف تقتلع منه ذراعا: (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل)
هذه الآية التي سينزل الوحي فيما بعد يرددها، ويكملها، ويجعلها، قرآنا يتلى..
وبعد انتهاء المعركة المريرة، وجد جثمان الشهيد الرشيد راقدا، وقد أخفى وجهه في تراب الأرض المضمخ
بدمائه الزكية.. لكأنما خاف أن يبصر وهو جثة هامدة رسول الله يصيبه السوء، فأخفى وجهه حتى لا يرى
هذا الذي يحاذره ويخشاه..!!
أو لكأنه خجلان اذ سقط شهيدا قبلأن يطمئن على نجاة رسول الله، وقبل أن يؤدي الى النهاية واجب
حمايته والدفاع عنه..!!
لك الله يا مصعب.. يا من ذكرك عطر الحياة..!!
وجاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها..
وعند جثمان مصعب، سالت دموع وفيّة غزيرة..
يقوا خبّاب بن الأرت:
[هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل اله، نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله..
فمنا من مضى، ولم يأكل من أجره في دنياه شيئا، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد.. فلم يوجد له شيء
يكفن فيه الا نمرة.. فكنا اذا وضعناها على رأسه تعرّت رجلاه، واذا وضعناها على رجليه برزت رأسه،

فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" اجعلوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من نبات الاذخر"..]..
وعلى الرغم من الألم الحزين العميق الذي سببه رزء الرسول صلى الله عليه وسلم في عمه حمزة،
وتمثيل المشركين يجثمانه تمثيلا أفاض دموع الرسول عليه السلام، وأوجع فؤاده..
وعلى الرغم م امتاتء أرض المعركة بجثث أصحابه وأصدقائه الذين كان كل واحد منهم يمثل لديه عالما
من الصدق والطهر والنور..على الرغم من كل هذا، فقد وقف على جثمان أول سفرائه، يودعه وينعاه..
أجل.. وقف الرسول صلى الله عليه وسلم عند مصعب بن عمير..
وقال وعيناه تلفانه بضيائهما وحنانهما ووفائهما: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه)
ثم ألقى في أسى نظرة على بردته التي مفن بها وقاللقد رأيتك بمكة، وما بها أرق حلة، ولا أحسن لمّة منك.
"ثم هأنتذا شعث الرأس في بردة"..؟!
وهتف الرسول عليه الصلاة والسلام وقد وسعت نظراته الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب
وقال: "ان رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة".
ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال:
"أيها الناس زوروهم،وأتوهم، وسلموا عليهم، فوالذي نفسي بيده، لا يسلم عليهم مسلم الى يوم القيامة،
الا ردوا عليه السلام
"..


السلام عليك يا مصعب..
السلام عليكم يا معشر الشهداء..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:28 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 

سعد بن معاذ - هنيئا لك يا أبا عمرو

في العام الواحد والثلاثين من عمره، أسلم ، وفي السابع والثلاثين مات شهيدا..
وبين يوم اسلامه، ويوم وفاته، قضى سعد بن معاذ رضي الله عنه أياما شاهقة في خدمة الله ورسوله.
انظروا..أترون هذا الرجل الوسيم، الجليل، الفارع الطول، المشرق الوجه، الجسيم، الجزل.؟
انه هو.. يقطع الأرض وثبا وركضا الى دار أسعد بن زرارة بيرى هذا الرجل الوافد من مكة مصعب بن عمير الذي
بعث به محمدا عليه الصلاة والسلام الى المدينة يبشّر فيها بالتوحيد والاسلام..
أجل.. هو ذاهب الى هناك ليدفع بهذا الغريب خارج حدود المدينة، حاملا معه دينه.. وتاركا للمدينة دينها.
ولكنه لا يكاد يقترب من مجلس مصعب في دار ابن خالته أسيد بن زرارة، حتى ينتعش فؤاده بنسمات حلوة
هبّت عليه هبوب العافية.
ولا يكاد يبلغ الجالسين، ويأخذ مكانه بينهم، ملقيا سمعه لكلمات مصعب حتى تكون هداية الله قد أضاءت نفسه
وروحه..وفي احدى مفاجآت القدر الباهرة المذهلة، يلقي زعيم الأنصار حبته بعيدا، ويبسط يمينه مبايعا
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وباسلام سعد بن معاذ تشرق في المدينة شمس جديدة، ستدور في فلكها قلوب كثيرة تسلم مع حمد لله
رب العالمين.
أسلم سعد.. وحمل تبعات اسلامه في بطولة وعظمة..
وعندما هاجر رسول الله وصحبه الى المدينة كانت دور بني عبد الأشهل قبيلة سعد مفتحة الأبواب للمهاجرين،
وكانت أموالهم كلها تحت تصرّفهم في غير منّ، ولا أذى.. ولا حساب..!!
وتجيء غزوة بدر.. ويجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه من المهاجرين والأنصار، ليشاورهم في الأمر.
وييمّم وجهه الكريم شطر الأنصار ويقول: " أشيروا عليّ أيها الناس.."
ونهض سعد بن معاذ قائما كالعلم.. يقول: " يا رسول الله" .
" لقد آمنا بك، وصدّقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا.
فامض يا رسول الله لما أردت، فنحن معك،
ووالذي بعثك بالحق، لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، وما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن
تلقى بنا عدونا غدا.. انا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء.. ولعلّ الله يريك ما تقرّ به عينك..
فسر بنا على بركة الله
"..
أهلت كلمات سعد كالبشريات، وتألق وجه الرسول رضا وسعادة وغبطة، فقال للمسلمين:
" سيروا وأبشروا، فان الله وعدني احدى الطائفتين.. والله لكأني أنظر الى مصرع القوم"..
وفي غزوة أحد، وعندما تشتت المسلمون تحت وقع الباغتة الداهمة التي فاجأهم بها جيش المشركين، لم
تكن العين لتخطئ مكان سعد بن معاذ.
لقد سمّر قدميه في الأرض بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذود عنه ويدافع في استبسال هو له أهل
وبه جدير ، وجاءت غزوة الخندق، لتتجلى رجولة سعد وبطولته تجليا باهرا ومجيدا..
وغزوة الخندق هذه، آية بينة على المكايدة المريرة الغادرة التي كان المسلمون يطاردون بها في غير هوادة،
من خصوم لا يعرفون في خصومتهم عدلا ولا ذمّة.
فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يحيون بالمدينة في سلام يعبدون ربهم، ويتواصون بطاعته،
ويرجون أن تكف قريش عن اغارتها وحروبها، اذا فريق من زعماء اليهود يخرجون خلسة الى مكة محرّضين
قريشا على رسول الله، وباذلين لها الوعود والعهود أن يقفوا بجانب القرشيين اذا هم خرجوا لقتال المسلمين.
واتفقوا مع المشركين فعلا، ووضعوا معا خطة القتال والغزو..
وفي طريقهم وهم راجعون الى المدينة حرّضوا قبيلة من أكبر قبائل العرب، هي قبيلة غطفان واتفقوا مع
زعمائها على الانضمام لجيش قريش،وضعت خطة الحرب، ووظعت أدوارها.. فقريش وغطفان يهاجمان المدينة
بجيش عرمرم كبير ، واليهود يقومون بدور تخريبي داخل المدينة وحولها في الوقت الذي يباغتها فيه الجيش
المهاجم ، ولما علم النبي عليه الصلاة والسلام بالمؤامرة الغادرة راح يعدّ لها العدّة.. فأمر بحفر خندق حول
المدينة ليعوق زحف المهاجمين ، وأرسل سعد بن معاذ وسعد بن عبادة الى كعب بن أسد زعيم يهود بني
قريظة، ليتبيّنا حقيقة موقف هؤلاء من الحرب المرتقبة، وكان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يهود
بني قريظة عهود ومواثيق.
فلما التقى مبعوثا الرسول بزعيم بني قريظة فوجئا يقول لكم: " ليس بيننا وبين محمد عهد ولا عقد".
عز على الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتعرض أهل المدينة لهذا الغزو المدمدم والحصار المنهك، ففكر
في أن يعزل غطفان عن قريش، فينقض الجيش المهاجم بنصف عدده، ونصف قوته، وراح بالفعل يفاوض
زعماء غطفان على أن ينفضوا أيديهم عن هذه الحرب، ولهم لقاء ذلك ثلث ثمار المدينة، ورضي قادة غطفان،
ولم يبق الا أن يسجل الاتفاق في وثيقة ممهورة.
وعند هذا المدى من المحاولة، وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم اذ لم ير من حقه أن ينفرد بالأمر، فدعا
اليه أصحابه رضي الله عنهم ليشاورهم ،واهتم عليه الصلاة والسلام اهتماما خاصا برأي سعد بن معاذ،
وسعد بن عبادة.. فهما زعيما المدينة، وهما بهذا أصحاب حق أول في مناقشة هذا الأمر، واختيار موقف
تجاهه ، قصّ رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما حديث التفاوض الذي جرى بينه وبين زعماء غطفان..
وأنبأهما أنه انما لجأ الى هذه المحاولة، رغبة منه في أن يبعد عن المدينة وأهلها هذا الهجوم الخطير،
والحصار الرهيب..
وتقدم السعدان الى رسول الله بهذا السؤال: " يا رسول الله.. أهذا رأي تختاره، أم وحي أمرك الله به
قال الرسول: " بل أمر أختاره لكم..
والله ما أصنع ذلك الا لأنني رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة، وكالبوكم من كل جانب، فأردت أن أكسر
عنكم شوكتهم الى أمر ما
".. وأحسّ سعد بن معاذ أن أقدارهم كرجال ومؤمنين تواجه امتحانا، أي امتحان.
هنالك قال: " يا رسول الله..
قد كنا وهؤلاء على الشرك وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا من مدينتنا تمرة،
الا قرى، أي كرما وضيفة، أ، بيعا، أفحين أكرمنا الله بالاسلام، وهدانا له، وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا..؟
والله ما لنا بهذا من حاجة ، ووالله لا نعطيهم الا السيف.. حتى يحكم الله بيننا وبينهم
".
وعلى الفور عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رأيه، وأنبأ زعماء غطفان أن أصحابه رفضوا مشروع
المفاوضة، وأنه أقرّ رأيهم والتزم به ، وبعد أيام شهدت المدينة حصارا رهيبا ، والحق أنه حصار اختارته هي
لنفسها أكثر مما كان مفروضا عليها، وذلك بسبب الخندق الذي حفر حولها ليكون جنّة لها ووقاية.
ولبس المسلمون لباس الحرب.
وخرج سعد بن معاذ حاملا سيفه ورمحه وهو ينشد ويقول:
لبث قليلا يشهد الهيجا الجمل ما أجمل الموت اذا حان الأجل
وفي احدى الجولات تلقت ذراع سعد سهما وبيلا، قذفه به أحد المشركين.
وتفجّر الدم من وريده وأسعف سريعا اسعافا مؤقتا يرقأ به دمه، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يحمل
الى المسجد، وأن تنصب له به خيمة حتى يكون على قرب منه دائما أثناء تمريضه.
وحمل المسلمون فتاهم العظيم الى مكانه في مسجد الرسول..
ورفع سعد بصره الى السماء وقال:
" اللهم ان كنت أبقيت من حرب قريش شيئا فأبقني لها... فانه لا قوم أحب اليّ أن أجاهدهم من قوم آذوا
رسولك، وكذبوه، وأخرجوه..وان كنت قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فاجعل ما أصابني اليوم طريقا للشهادة..
ولا تمتني حتى تقرّ عيني من بني قريظة
".. لك الله يا سعد بن معاذ..!
فمن ذا الذي يستطيع أن يقول مثل هذا القول، في مثل هذا الموقف سواك..؟
ولقد استجاب الله دعاءه.. فكانت اصابته هذه طريقه الى الشهادة، اذ لقي ربه بعد شهر، متأثرا بجراحه..
ولكنه لم يمت حتى شفي صدرا من بني قريظة ، ذلك أنه بعد أن يئست قريش من اقتحام المدينة، ودبّ
في صفوف جيشها الهلع، حمل الجميع متاعهم وسلاحهم، وعادوا مخذولين الى مكة.
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ترك بني قريظة، يفرضون على المدينة غدرهم كما شاؤوا،
أمر لم يعد من حقه أن يتسامح تجاهه.هنالك أمر أصحابه بالسير الى بني قريظة.
وهناك حاصروهم خمسة وعشرين يوما ، ولما رأى هؤلاء ألا منجى لهم من المسلمين، استسلموا،
وتقدموا الى رسول الله صلى الله عليه وسلم برجاء أجابهم اليه، وهو أن يحكم فيهم سعد بن معاذ..
وكان سعد حليفهم في الجاهلية ، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه من جاؤوا بسعد
بن معاذ من مخيمه الذي كان يمرّض فيه بالمسجد..
جاء محمولا على دابة، وقد نال منه الاعياء والمرض..
وقال له الرسول:" يا سعد احكم في بني قريظة".
وراح سعد يستعيد محاولات الغدر التي كان آخرها غزوة الخندق والتي كادت لبمدينة تهلك فيها بأهلها.
وقال سعد: " اني أرى أن يقتل مقاتلوهم ، وتسبى ذراريهم ، وتقسّم أموالهم.."
وهكذا لم يمت سعد حتى شفي صدره من بني قريظة ، كان جرح سعد يزداد خطرا كل يوم، بل كل
ساعة ، وذات يوم ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيادته، فألفاه يعيش في لحظات الوداع فأخذ
عليه الصلاة والسلام رأسه ووضعه في حجره، وابتهل الى الله قائلا:
" اللهم ان سعدا قد جاهد في سبيلك، وصدّق رسولك وقضى الذي عليه، فتقبّل روحه بخير ما تقبّلت به روحا".
وهطلت كلمات النبي صلى الله عليه وسلم على الروح المودّعة بردا وسلاما..
فحاول في جهد، وفتح عينيه راجيا أن يكون وجه رسول الله آخر ما تبصرانه في الحياة وقال:
" السلام عليك يا رسول الله ،أما اني لأشهد أنك رسول الله ".
وتملى وجه النبي وجه سعد آن ذاك وقال: " هنيئا لك يا أبا عمرو".
يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: " كنت ممن حفروا لسعد قبره ،وكنا كلما حفرنا طبقة من تراب،
شممنا ريح المسك.. حتى انتهينا الى اللحد
" ، وكان مصاب المسلمين في سعد عظيما، ولكن عزاءهم
كان جليلا، حين سمعوا رسولهم الكريم يقول: " لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ".





| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 11:30 AM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


العباس بن عبد المطلب - ساقي الحرمين

في عام الرمادة، وحيث أصاب العباد والبلاد قحط وبيل، خرج أمير المؤمنين عمر والمسلمون معه الى الفضاء
الرحب يصلون صلاة الاستسقاء، ويضرعون الى الله الرحيم أن يرسل اليهم الغيث والمطر.
ووقف عمر وقد أمسك يمين العباس بيمينه، ورفعها صوب السماء وقال:
" اللهم انا كنا نسقى بنبيك وهو بيننا..اللهم وانا اليوم نستسقي بعمّ نبيّك فاسقنا "..
ولم يغادر المسلميون مكانهم حتى حاءهم الغيث، وهطل المطر، يزفّ البشرى، ويمنح الريّ، ويخصب الأرض.
وأقبل الأصحاب على العباس يعانقونه، ويقبّلونه، ويتبركون به وهم يقولون:
" هنئا لك..ساقي الحرمين"..
فمن كان ساقي الحرمين هذا..؟
ومن ذا الذي توسل به به عمر الى الله.. ومعر من نعرف تقى وسبقا ومكانة عند الله ورسوله ولدى
المؤمنين..؟
انه العباس عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم.. كان الرسول يجلّه بقدر ما كان يحبه، وكان يمتدحه ويطري
سجاياه قائلا: " هذه بقيّة آبائي".
هذا العباس بن عبد المطلب أجود قريش كفا وأوصلها ..!
وكما كان حمزة عمّ الرسول وتربه، كذلك كان العباس رضي الله عنه فلم يكن يفصل بينهما في سنوات العمر
سوى سنتين أو ثلاث، تزيد في عمر العباس عن عمر الروسل.
وهكذا كان محمد، والعباس عمه، طفلين من سن واحدة، وشابين من جيل واحد.
فلم تكن القرابةالقريبة وحدها، آصرة ما بينهما من ودّ، بل كانت كذلك زمالة السنّ،وصداقة العمر.
وشيء آخر نضعه معايير النبي في المكان الأول دوما.. ذلك هو خلق العباس وسجاياه.
فلقد كان العباس جوّادا، مفرط الجود، حتى كأنه للمكلرم عمّها أو خالها،وكان وصولا للرحم والأهل، لا يضنّ
عليهما بجهد ولا بجاه، ولا بمال ، وكان الى هذه وتلك،..
فطنا الى حدّ الدهاء، وبفطنته هذه التي تعززها مكانته الرفيعة في قريش، استطاع أن يدرأ عن الرسول
عليه الصلاة والسلام حين يجهر بدعوته الكثير من الأذى والسوء.
كان حمزة كما رأينا في حديثنا عنه من قبل يعالج بغي قريش، وصلف أبي جها بسيفه الماحق.
أما العباس فكان يعالجها بفطنة ودهاء أدّيا للاسلام من لنفع مثلما أدّت السيوف المدافعة عن حقه وحماه.
فالعباس لم يعلن اسلامه الا عام فتح مكة، مما جعل بعض المؤرخين يعدونه مع الذين تأخر اسلامه..
بيد أن روايات أخرى من التاريخ تنبئ بأنه كان من المسلمين المبكّرين، غير أنه كان يكتم اسلامه..
يقول أبو رافع خادم الرسول صلى الله عليه وسلم:"
كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب، وكان الاسلام قد دخلنا أهل البيت، فأسلم العباس، وأسلمت أم
الفضل، وأسلمت... وكان العباس يكتم اسلامه
".
هذه رواية أبو رافع يتحدث بها عن حال العباس واسلامه قبل غزوة بدر..كان العباس اذن مسلما..
وكان مقامه بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحبه خطة أدت غايتها على خير نسق..
ولم تكن قريش تخفي شكوكها في نوايا العباسو ولكنها أيضا لم تكن تجد سبيلا لمحادّته، لا سيما وهو في
ظاهر أمره على ما يرضون من منهج ودين، حتى اذا جاءت غزوة بدر رأتها قريش فرصة تبلو بها سريرة
العباس وحقيقته.
والعباس أدهى من أن يغفل عن اتجاهات ذلك المكر السيء الذي تعالج به قريش حسراتها، وتنسج به
مؤامراتها ، ولئن كان قد نجح في ابلاغ النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أنباء قريش وتحرّكاتها، فان قريشا
ستنجح في دفعه الى معركة لا يؤمن بها ولا يريدها..
بيد أنه نجاح موقوت لن يلبث حتى ينقلب على القرشيين خسارا وبوارا.
ويلتقي الجمعان في غزوة بدر..وتصطك السيوف في عنفوان رهيب، مقررة مصير كل جمع، وكل فريق.
وينادي الرسول في أصحابه قائلا:
" ان رجالا من بني هاشم، ومن غير بني هاشم، قد أخرجوا كرها، لا حاجة لهم بقتالنا.. فمن لقي منكم
أحدهم فلا يقتله ، ومن لقي البختريّ بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله.
ومن لقي العباس بن عبد المطلب فلا يقتله، فانه انما أخرج مستكرها
"..
لم يكن الرسول بأمره هذا يخصّ عمّه العباس بميّزة، فما تلك مناسبة المزايا، ولا هذا وقتها..
وليس محمد عليه الصلاة والسلام من يرى رؤوس أصحابه تتهاوى في معرة الحق، ثم يشفع والقتال دائر
لعمه، لو كان يعلم أن عمه من المشركين..أجل..
ان الرسول الذي نهى عن أن يستغفر لعمه أبي طالب على كثرة ما أسدى أبو طالب له وللاسلام من أياد
وتضحيات ،ليس هو منطقا وبداهة من يجيء في غزوة بدر ليقول لمن يقتلون آباءهم واخوانهم من المشركين:
استثنوا عمي ولا تقتلوه..!!
أما اذا كان الرسول يعلم حقيقة عمه، ويعلم أنه يطوي على الاسلام صدره، كما يعلم أكثر من غيره، الخدمات
غير المنظورة التي أدّاها للاسلام.. كما يعلم أخيرا أنه خرج مكرها ومحرجا فآنئذ يصير من واجبه أن ينقذ من
هذا شأنه، وأن يعصم من القتل دمه ما استطاع لهذا سبيلا.
واذا كان أبو البختري بن حارث وهذا شأنه، قد ظفر بشفاعة الرسول لدمه حتى لا يهدر، ولحياته كي لا تزهق.
أفلا يكون جديرا بهذه الشفاعة، مسلم يكتم اسلامه... ورجل له في نصرة الاسلام مواقف مشهودة، وأخرى
طوي عليها ستر الخفاء..؟؟
بلى..ولقد كان العباس ذلك المسلم، وذلك النصير.ولنعد الى الوراء قليلا لنرى.
في بيعة العقبة الثانية عندما قدم مكة في موسم الحاج وفد الأنصار، ثلاثة وسبعون رجلا وسيدتان، ليعطوا الله
ورسوله بيعتهم، وليتفقوا مع النبي عليه الصلاة والسلام على الهجرة الى المدينة، أنهى الرسول الى عمه
العباس نبأ هذا الوفد، وهذه البيعة.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يثق بعمه في رأيه كله.
ولما جاء موعد اللقاء الذي انعقد سرا وخفية، خرج الرسول وعمه العباس الى حيث الأنصار ينتظرون.
وأراد العباس ان يعجم عود القوم ويتوثق للنبي منهم..
ولندع واحدا من أعضاء الوفد يروي لنا النبأ، كما سمع ورأى.. ذلكم هو كعب بن مالك رضي الله عنه:
".. وجلسنا في الشعب ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاءنا ومعه العباس بن عبد المطلب..
وتكلم العباس فقال: يا معشر الخزرج، ان محمدا منا حيث قد علمتم، وقد منعناه من قومنا فهو في عز من
قومه ومنعة في بلده، وانه أبى الا النحياز اليكم واللحوق بكم..
فان كنتم ترون أنكم وافون له بما دعوتموه اليه، ومانعوه ممن خالفه، فأنتم وما تحملتم من ذلك،وان كنتم
ترون أنكم مسلموه خاذلوه بعد خروجه اليكم، فمن الآن فدعوه
".
كان العباس يلقي بكلماته الحازمة هذه، وعيناه تحدقان كعيني الصقر في وجوه النصار، يتتبع وقع الكلام وردود
فعله العاجلة ،ولم يكتف العباس بهذا، فذكاؤه العظيم ذكاء عملي يتقصّى الحقيقة في مجالها المادي، ويواجه
كل أبعادها مواجهة الحاسب الخبير..
هناك استأنف حديثه مع الأصار بسؤال ذكي ألقاه، ذلك هو: " صفوا لي الحرب، كيف تقاتلون عدوّكم".
ان العباس بفطنته وتجربته مع قريش يدرك أن الحرب لا محالة قادمة بين الاسلام والشرك، فقريش لن تتنازل
عن دينها ومجدها وعنادها.
والاسلام ما دام حقا لن يتنازل للباطل عن حقوقه المشروعة..
فهل الأنصار، أهل المدينة صامدون للحرب حين تقوم..؟
وهل هم من الناحية الفنية، أكفاء لقريش، يجيدون فنّ الكرّ والفرّ والقتال..؟
من اجل هذا ألقى سؤاله السالف: " صفوا لي الحرب، كيف تقاتلون عدوّكم".
كان الأنصار الذين يصغون للعباس رجالا كالأطواد ،ولم يكد العباس يفرغ من حديثه، لا سيما ذلك السؤال
المثير الحافز حتى شرع الأنصار يتكلمون.
وبدأ عبدالله بن عمرو بن حرام مجيبا على السؤال:"
نحن، والله، أهل الحرب.. غذينا بها،ومرّنا عليها، وورثناها عن آبائنا كابرا فكابر..نرمي بالنبل حتى تفنى..
ثم نطاعن بالرماح حتى تنكسر..ثم نمشي بالسيوف، فنضارب بها حتى يموت الأعجل منا أو من عدونا
".
وأجاب العباس متهللا: " أنتم أصحاب حرب اذن، فهل فيكم دروع".
قالوا: " نعم.. لدينا دروع شاملة".
ثم دار حديث رائع وعظيم بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين الأنصار.. حديث سنعرض له ان
شاء الله فيما بعد.
هذا موقف العباس في بيعة العقبة..وسواء عليه أكان يومئذ اعتنق الاسلام سرا، أم كان لا يزال يفكّر، فان
موقفه العظيم هذا يحدد مكانه بين قوى الظلام الغارب، والشروق المقبل،ويصوّر أبعاد رجولته ورسوخه.
ويوم يجيء حنين ليؤكد فداءية هذا الهادئ السمت، اللين الجانب، حينما تدعو الحاجة اليها، ويهيب المواقف بها،
بينما هي في غير ذلك الظرف الملحّ، مستكنّة تحت الأضلاع، متوارية عن الأضواء.
في السنة الثامنة للهجرة، وبعد ان فتح الله مكة لرسوله ولدينه عز بعض القبائل السائدة في الجزيرة العربية
أن يحقق الدين الجديد كل هذا النصر بهذه السرعة ،فاجتمعت قبائل هوزان وثقيف ونصر وجشم وآخرون.
وققروا شنّ حرب حاسمة ضدّ الرسول والمسلمين ،ان كلمة قبائل لا ينبغي أن تخدعنا عن طبيعة تلك الحروب
التي كان يخوضها الرسول طوال حياته. فنظن انها كانت مجرّد مناوشات جبلية صغيرة، فليس هناك حروب أشدّ
ضراوة من حروب تلك القبائل في معاقلها.
وادراك هذه الحقيقة لا يعطينا تقديرا سديدا للجهد الخارق الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه فحسب، بل يعطينا تقديرا صحيحا وأمينا لقيمة النصر العظيم الذي أحرزه الاسلام والمؤمنون،
ورؤية واضحة لتوفيق الله الماثل في هذا النجاح وذلك الانتصار..احتشدت تلك القبائل في صفوف لجبة
من المقاتلين الأشدّاء..وخرج اليهم المسلمون في اثني عشر ألفا..اثنا عشر ألفا..؟
وممن..؟ من الذين فتحوا مكة بالأمس القريب، وشيعوا الشرك والأصنام الى هاويتها الأخيرة والسحيقة،
وارتفعت راياتهم تملأ الأفق دون مشاغب عليها أو مزاحم لها.
هذا شيء يبعث الزهو..والمسلمون في آخر المطاف بشر، ومن ثم، فقد ضعفوا امام الزهو الذي ابتعثته
كثرتهم ونظامهم، وانتصارهم بمكة، وقالوا:" لن نغلب اليوم عن قلة".
ولما كانت السماء تعدّهم لغاية أجلّ من الحرب وأسمى، فان ركونهم الى قوتهم العسكرية، وزهزهم
بانتصارهم الحربي، عمل غير صالح ينبغي أن يبرؤا منه سريعا، ولو بصدمة شافية.
وكانت الصدمة الشافية هزيمة كبرى مباغتة في أول القتال، حتى اذا ضرعوا الى الله، وبرؤا من حولهم الى
حوله، ومن قوتهم الى قوته، انقلبت الهزيمة نصرا، ونزل القرآن الكريم يقول للمسلمين:
(.. ويوم حنين اذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئا، وضاقت الأرض بما رحبت، ثم وليتم مدبرين.
ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين، وأنزل جنودا لم تروها، وعذب الذين كفروا، وذلك جزاء
الكافرين
) كان صوت العباس يومئذ وثباته من ألمع مظاهر السكينة والاستبسال.
فبينما كان المسلمون مجتمعين في أحد أودية تهامة ينتظرون مجيء عدوّهم، كان المشركون قد سبقوهم
الى الوادي وكمنوا لهم في شعابه وأحنائه، شاحذين أسلحتهم، ممسكين زمام المبادرة بأيديهم.
وعلى حين غفلة، انقضّوا على المسلمين في مفاجأة مذهلة، جعلتهم يهرعون بعيدا، لا يلوي أحد على أحد.
ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدثه الهجوم المفاجئ الخاطف على المسلمين، فعلا صهوة بغلته
البيضاء، وصاح: " الى أين أيها الناس..؟ هلموا اليّ..أنا النبي لا كذب..انا ابن عبد المطلب"..
لم يكن حول النبي ساعتئذ سوى أبي بكر، وعمر، وعلي بن أبي طالب، والعباس بن عبد المطلب، وولده
الفضل بن العباس، وجعفر بن الحارث، وربيعة بن الحارث، وأسامة بن زيد، وأيمن بن عبيد، وقلة أخرى من
الأصحاب ، وكان هناك سيدة أخذت مكانا عاليا بين الرجال والأبطال.
تلك هي أم سليم بنت ملحان.. رأت ذهول المسلمين وارتباكهم، فركبت جمل زوجها أبي طلحة
رضي الله عنهما، وهرولت بها نحو الرسول ،ولما تحرك جنينها في بطنها، وكانت حاملا، خلعت بردتها وشدّت
بها على بطنها في حزام وثيق، ولما انتهت الى النبي صلى الله عليه وسلم شاهرة خنجرا في يمينها
ابتسم لها الرسول وقال: " أم سليم "
قالت: " نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله.. اقتل هؤلاء الذين ينهزمون عنك، كما تقتل الذين يقاتلونك، فانهم
لذلك أهل
"..
وازدادت البسمة ألقا على وجه الرسول الواشق بوعد ربه وقال لها:" ان الله قد كفى وأحسن يا أم سليم".
هناك ورسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف، كان العباس الى جواره، بل كان بين قدميه بخطام
بغلته يتحدى الموت والخطر ، وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يصرخ في الناس، وكان العباس جسيما
جهوري الصوت، فراح ينادي: " يا معشر الأنصار..يا أصحاب البيعة"..وكانما كان صوته داعي القدر ونذيره..
فما كاد يقرع أسماع المرتاعين من هول المفاجأة، المشتتين في جنبات الوادي، حتى أجابوا في صوت
واحد: " لبّيك.. لبّيك"..
وانقلبوا راجعين كالاعصار، حتى ان أحدهم ليحرن بعيره أو فرسه، فيقتحم عنها ويترجل، حاملا درعه وسيفه
وقوسه، ميممّا صوب موت العباس ،ودارت المعركة من جديد.. ضارية، عاتية.
وصاح رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الآن حمي الوطيس"..وحمي الوطيس حقا..
وتدحرج قتلى هوزان وثقيف، وغلبت خيل الله خيل اللات، وأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب العباس عمه حبا كبيرا، حتى انه لم ينم يوم انتهت غزوة بدر، وقضى
عمه ليله في الأسر ، ولم يخف النبي عليه السلام عاطفته هذه، فحين سئل عن سبب أرقه، وقد نصره الله
نصرا مؤزرا أجاب: " سمعت أنين العباس في وثاقه"..
وسمع بعض المسلمين كلمات الرسول، فأسرع الى مكان الأسرى، وحلّ وثاق العباس، وعاد فأخبر الرسول
قائلا: " يا رسول الله..اني أرخيت من وثاق العباس شيئا"..ولكن لماذا وثاق العباس وحده..؟
هنالك قال الرسول لصاحبه: " اذهب، فافعل ذلك بالأسرى جميعا".
أجل فحب النبي صلى الله عليه وسلم لعمه لا يعني أن يميزه عن الناس الذين تجمعهم معه ظروف مماثلة.
وعندما تقرر أخذ الفدية من الأسرى، قال الرسول لعمه :" يا عباس..افد نفسك، وابن اخيك عقيل بن أبي
طالب، ونوفل بن الحارث، وحليفك عتبة بن عمرو وأخا بني الحارث بن فهر، فانك ذومال
"..
وأردا العباس أن يغادر أسره با فدية، قائلا: " يا رسول الله، اني كنت مسلما، ولكن القوم استكرهوني"..
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أصرّ على الفدية، ونزل لقرآن الكريم في هذه المناسبة يقول:
" يا ايها النبي قل لمن في أيديكم من الأسرى ان يعلم الله في قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر
لكم، والله غفور رحيم
".
وهكذا فدى العباس نفسه ومن معه، وقفل راجعا الى مكة.. ولم تخدعه قريش بعد ذلك عن عقله وهداه،
فبعد حين جمع ماله وحمل متاعه، وأدرك الرسول بخيبر، ليأخذ مكانه في موكب الاسلام، وقافلة المؤمنين
وصار موضع حب المسلمين واجلالهم العظيم، لا سيما وهم يرون تكريم الرسول له وحبه اياه وقوله عنه:
" انما العباس صنو أبي.. فمن آذى العباس فقد آذاني".
وأنجب العباس ذريّة مباركة ، وكان حبر الأمة عبدالله بن عباس واحدا من هؤلاء الأبناء المباركين.
وفي يوم الجمعة لأربع عشرة سنة خلت من رجب سنة اثنتين وثلاثين سمع اهل العوالي بالمدينة مناديا
ينادي: " رحم الله من شهد العباس بن عبد المطلب".
فأدركوا أن العباس قد مات.. وخرج الناس لتشييعه في أعداد هائلة لم تعهد المدينة مثلها..
وصلى عليه خليفة المسلمين يومئذ عثمان رضي الله عنه.
وتحت ثرى البقيع هدأ جثمان أبي الفضل واستراح.. ونام قرير العين، بين الأبرار الذين صدقوا ما عاهدوا
الله عليه!!





الساعة الآن 10:22 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
This Forum used Arshfny Mod by islam servant