منتديات الأماكن

منتديات الأماكن (https://www.al-amakn.com/vb//index.php)
-   ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ (https://www.al-amakn.com/vb//forumdisplay.php?f=6)
-   -   سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ ) (https://www.al-amakn.com/vb//showthread.php?t=85442)

| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 01:35 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



خبيب بن عديّ - بطل.. فوق الصليب

والآن..
افسحوا الطريق لهذا البطل يا رجال..وتعالوا من كل صوب ومن كل مكان..
تعالوا، خفاقا وثقالا..تعاولوا مسرعين، وخاشعين..وأقبلوا، لتلقنوا في الفداء درسا ليس له نظير..
تقولون: أوكل هذا الذي قصصت علينا من قبل لم تكن دروسا في الفداء ليس لها نظير..؟
أجل كانت دروسا..وكانت في روعتها تجلّ عن المثيل وعن النظير..
ولكنكم الآن أمام أستاذ جديد في فن التضحية..أستاذ لوفاتكم مشهده، فقد فاتكم خير كثير، جدّ كثير..
الينا يا أصحاب العقائد في كل أمة وبلد..
الينا يا عشاق السموّ من كل عصر وأمد..

وأنتم أيضا يا من أثقلكم الغرور، وظننتم بالأديان والايمان ظنّ السّوء.. تعالوا بغروركم..!
تعالوا وانظروا أية عزة، وأية منعة، وأي ثبات، وأيّ مضاء.. وأي فداء، وأي ولاء..
وبكلمة واحدة، أية عظمة خارقة وباهرة يفيئها الايمان بالحق على ذويه المخلصين..!
أترون هذا الجثمان المصلوب..؟؟
انه موضوع درسنا اليوم، يا كلّ بني الانسان...!
هذا الجثمان المصلوب أمامكم هو الموضوع، وهو الدرس، وهو الاستاذ..
اسمه خبيب بن عديّ.
احفظوا هذا الاسم الجليل جيّدا.
واحفظوه وانشدوه، فانه شرف لكل انسان.. من كل دين، ومن كل مذهب، ومن كل جنس، وفي كل زمان.
انه من أوس المدينة وأنصارها.
تردد على رسول الله صلى الله عليه وسلم مذ هاجر اليههم، وآمن بالله رب العالمين.
كان عذب الروح، شفاف النفس، وثيق الايمان، ريّان الضمير.
كان كما وصفه حسّان بن ثابت: صقرا توسّط في الأنصار منصبه ..سمح الشجيّة محضا غير مؤتشب
ولما رفعت غزوة بدر أعلامها، كان هناك جنديا باسلا، ومقاتلا مقداما.
وكان من بين المشركين الذين وقعوا في طريقه ابّان المعركة فصرعهم بسيفه الحارث بن عمرو بن نوفل.
وبعد انتهاء المعركة، وعودة البقايا المهزومة من قريش الى مكة عرف بنو الحارث مصرع أبيهم، وحفظوا
جيدا اسم المسلم الذي صرعه في المعركة: خبيب بن عديّ..!!
وعاد المسلمون من بدر الى المدينة، يثابرون على بناء مجتمعهم الجديد ،وكان خبيب عابدا، وناسكا،
يحمل بين جبينه طبيعة الناسكين، وشوق العابدين ،هناك أقبل على العبادة بروح عاشق.. يقوم الليل،
ويصوم الناهر، ويقدّس لله رب العالمين..
وذات يوم أراد الرسول صلوات الله وسلامه عليه أن يبلو سرائر قريش، ويتبيّن ما ترامى اليه من تحرّكاتها،
واستعدادها لغزو جديد.. فاهتار من أصحابه عشرة رجال.. من بينهم خبيب وجعل أميرهم عاصم بن ثابت.
وانطلق الركب الى غايته حتى اذا بلغوا مكانا بين عسفان ومكة، نمي خبرهم الى حيّ من هذيل يقال لهم
بنو حيّان فسارعوا اليهم بمائة رجل من أمهر رماتهم، وراحوا يتعقبونهم، ويقتفون آثارهم..
وكادوا يزيغون عنهم، لولا أن أبصر أحدهم بعض نوى التمر ساقطا على الرمال.. فتناول بعض هذا النوى
وتأمله بما كان للعرب من فراسة عجيبة، ثم صاح في الذين معه:" انه نوى يثرب، فلنتبعه حتى يدلنا عليهم"..
وساروا مع النوى المبثوث على الأرض، حتى أبصروا على البعد ضالتهم التي ينشدون..
وأحس عاصم أمير العشرة أنهم يطاردون، فدعا أصحابه الى صعود قمة عالية على رأس جبل..
واقترب الرماة المائة، وأحاطوا بهم عند سفح الجبلو وأحكموا حولهم الحصار..
ودعوهم لتسليم أنفسهم بعد أن أعطوهم موثقا ألا ينالهم منهم سوء.
والتفت العشرة الى أميرهم عاصم بن ثابت الأنصاري رضي الله عنهم أجمعين.
وانتظروا بما يأمر..
فاذا هو يقول:" أما أنا، فوالله لا أنزل في ذمّة مشرك..اللهم أخبر عنا نبيك"..
وشرع الرماة المائة يرمونهم بالنبال.. فأصيب أميرهم عاصم واستشهد، وأصيب معه سبعة واستشهدوا..
ونادوا الباقين، أنّ لهم العهد والميثاق اذا هم نزلوا.
فنزل الثلاثة: خباب بن عديّ وصاحباه..
واقترب الرماة من خبيب وصاحبه زيد بن الدّثنّة فأطلقوا قسيّهم، وبرطوهما بها..
ورأى زميلهم الثالث بداية الغدر، فقرر أن يموت حيث مات عاصم واخوانه..
واستشهد حيث أراد..
وهكذا قضى ثمانية من أعظم المؤمنين ايمانا، وأبرّهم عهدا، وأوفاهم لله ولرسوله ذمّة..!!
وحاول خبيب وزيد أن يخلصا من وثاقهما، ولكنه كان شديد الاحكام.
وقادهما الرماة البغاة الى مكة، حيث باعوهما لمشركيها..ودوّى في الآذان اسم خبيب..
وتذكّر بنوالحارث بن عامر قتيل بدر، تذكّروا ذلك الاسم جيّدا، وحرّك في صدورهم الأحقاد.
وسارعوا الى شرائه، ونافسهم على ذلك بغية الانتقام منه أكثر أهل مكة ممن فقدوا في معركة
بدر آباءهم وزعماءهم.
وأخيرا تواصوا عليه جميعا وأخذوا يعدّون لمصير يشفي أحقادهم، ليس منه وحده، بل ومن جميع المسلمين.
وضع قوم أخرون أيديهم على صاحب خبيب زيد بن الدّثنّة وراحوا يصلونه هو الآخر عذابا..
أسلم خبيب قلبه، وأمره،ومصيره لله رب العالمين.
وأقبل على نسكه ثابت النفس، رابط الجأش، معه من سكينة الله التي افاءها عليه ما يذيب الصخر،
ويلاشي الهول..كان الله معه.. وكان هو مع الله..كانت يد الله عليه، يكاد يجد برد أناملها في صدره..!
دخلت عليه يوما احدى بنات الحارث الذي كان أسيرا في داره، فغادرت مكانه مسرعة الى الناس تناديهم
لكييب صروا عجبا..
" والله لقد رأيته يحمل قطفا كبيرا من عنب يأكل منه..وانه لموثق في الحديد.. وما بمكة كلها ثمرة عنب
واحدة.. ما أظنه الا رزقا رزقه الله خبيبا
".
أجل آتاه الله عبده الصالح، كما آتى من قبل مريم بنت عمران، يوم كانت:
( كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا..قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق
من يشاء بغير حساب
)..
وحمل المشركون الى خبيب نبأ مصرع زميله وأخيه زيد رضي الله عنه.
ظانين أنهم بهذا يسحقون أعصابه، ويذيقونه ضعف الممات وما كانوا يعلمون أن الله الرحيم قد استضافه،
وأنزل عليه سكينته ورحمته.
وراحوا يساومونه على ايمانه، ويلوحون له بالنجاة اذا ما هو كفر لمحمد، ومن قبل بربه الذي آمن به..
لكنهم كانوا كمن يحاول اقتناص الشمس برمية نبل..!!
أجل، كان ايما خبيب كالشمس قوة، وبعدا، ونارا ونورا..
كان يضيء كل من التمس منه الضوء، ويدفئ كل من التمس منه الدفء، أم الذي يقترب منه ويتحدّاه فانه
يحرقه ويسحقه ،واذا يئسوا مما يرجون، قادوا البطل الى مصيره، وخرجوا به الى مكان يسمى التنعيم
حيث يكون هناك مصرعه،وما ان بلغوه حتى استأذنهم خبيب في أن يصلي ركعتين، وأذنوا له ظانين أنه قد
يجري مع نفسه حديثا ينتهي باستسلامه واعلان الكفران بالله وبرسوله وبدينه..
وصلى خبيب ركعتين في خشوع وسلام واخبات...
وتدفقت في روحه حلاوة الايمان، فودّ لو يظل يصلي، ويصلي ويصلي..
ولكنه التفت صوب قاتليه وقال لهم: " والله لاتحسبوا أن بي جزعا من الموت، لازددت صلاة".
ثم شهر ذراعه نحو السماء وقال: " اللهم احصهم عددا.. واقتلهم بددا"..
ثم تصفح وجوههم في عزم وراح ينشد:
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان في الله مصرعي، وذلك في ذات الاله وان يشأ يبارك
على أوصال شلو ممزّع ،ولعله لأول مرة في تاريخ العرب يصلبون رجلا ثم يقتلونه فوق الصليب..
ولقد أعدّوا من جذوع النخل صليبا كبيرا أثبتوافوقه خبيبا.. وشدّوا فوق أطرافه وثاقه.. واحتشد المشركون
في شماتة ظاهرة.. ووقف الرماة يشحذون رماحهم.
وجرت هذه الوحشية كلها في بطء مقصود امام البطل المصلوب..!!
لم يغمض عينيه، ولم تزايل السكينة العجيبة المضيئة وجهه.
وبدأت الرماح تنوشه، والسيوف تنهش لحمه.
وهنا اقترب منه أحد زعماء قريش وقال له: " أتحب أن محمدا مكانك، وأنت سليم معافى في أهلك".
وهنا لا غير انتفض خبيب كالاعصار وصاح، في قاتليه:
" والله ما أحبّ أني في اهلي وولدي، معي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة".
نفس الكلمات العظيمة التي قالها صاحبه زيد وهم يهمّون بقتله..!
نفس الكلمات الباهرة الصادعة التي قالها زيد بالأمس.. ويقولها خبيب اليوم.. مما جعل أبا سفيان، وكان لم
يسلم بعد، يضرب كفا بكف ويقول مشدوها:" والله ما رأيت أحدا يحب أحدا كما يحب أصحاب محمد محمدا".
كانت كلمات خبيب هذه ايذانا للرماح وللسيوف بأن تبلغ من جسد البطل غايتها، فتناوشه في جنون ووحشية.
وقريبا من المشهد كانت تحومطيور وصقور. كأنها تنتظر فراغ الجزارين وانصرافهم حتى تقترب هي فتنال من
الجثمان وجبة شهيّة..
ولكنها سرعان ما تنادت وتجمّعت، وتدانت مناقيرها كأنها تتهامس وتتبادل الحديث والنجوى.
وفجأة طارت تشق الفضاء، وتمضي بعيدا.. بعيدا..
لكأنها شمّت بحاستها وبغريزتها عبير رجل صالح أوّاب يفوح من الجثمان المصلوب، فخدلت أن تقترب منه
أو تناله بسوء..!!
مضت جماعة الطير الى رحاب الفضاء متعففة منصفة.
وعادت جماعة المشركين الى أوكارها الحاقدة في مكة باغية عادية..
وبقي الجثمان الشهيد تحرسه فرقة من القرشيين حملة الرماح والسويف..!!
كان خبيب عندما رفعوه الى جذوع النخل التي صنعوا منها صليبا، قد يمّم وجهه شطر السماء وابتهل الى
ربه العظيم قائلا: " اللهم انا قد بلّغنا رسالة رسولك فبلّغه الغداة ما يصنع بنا".
واستجاب الله دعاءه.. فبينما الرسول في المدينة اذ غمره احساس وثيق بأن أصحابه في محنة..
وتراءى له جثمان أحدهم معلقا..
ومن فوره دعا المقداد بن عمرو، والزبير بن العوّام..

فركبا فرسيهما، ومضيا يقطعان الأرض وثبا.
وجمعهما الله بالمكان المنشود، وأنزلا جثمان صاحبهما خبيب، حيث كانت بقعة طاهرة من الأرض في انتظاره
لتضمّه تحت ثراها الرطيب.
ولا يعرف أحد حتى اليوم أين قبر خبيب.
ولعل ذلك أحرى به وأجدر، حتى يظل مكانه في ذاكرة التاريخ، وفي ضمير الحياة، بطلا.. فوق الصليب.






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 01:39 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


زيد بن الخطاب - صقر يوم اليمامة

جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوما، وحوله جماعة من المسلمين وبينما الحديث يجري، أطرق الرسول
لحظات، ثم وجّه الحديث لمن حوله قائلا: " ان فيكم لرجلا ضرسه في النار أعظم من جبل أحد".
وظل الخوف بل لرعب من الفتنة في الدين، يراود ويلحّ على جميع الذين شهدوا هذا المجلس مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم... كل منهم يحاذر ويخشى أن يكون هو الذي يتربّص به سوء المنقلب وسوء الختام..
ولكن جميع الذين وجّه اليهم الحديث يومئذ ختم لهم بخير، وقضوا نحبهم شهداء في سبيل الله.
وما بقي منهم حيّا سوى أبي هريرة والرّجّال لن عنفوة.
ولقد ظلّ أبو هريرة ترتعد فرائصه خوفا من أن تصيبه تلك النبوءة. ولم يرقأ له جفن، وما هدأ له بال حتى دفع
القدر الستار عن صاحب الحظ التعس. فارتدّ الرّجّال عن الاسلام ولحق بمسيلمة الكذاب، وشهد له بالنبوّة.
هنالك استبان الذي تنبأ له الرسول صلى الله عليه وسلم بسوء المنقلب وسوء المصير..
والرّجّال بن عنفوة هذا، ذهب ذات يوم الى الرسول مبايعا ومسلما، ولما تلقّى منه الاسلام عاد الى قومه..
ولم يرجع الى المدينة الا اثر وفاة الرسول واختيار الصدّيق خليفة على المسملين ،ونقل الى أبي بكر أخبار
أهل اليمامة والتفافهم حول مسيلمة ..
واقترح على الدّيق أن يكون مبعوثه اليهم يثبّتهم على الاسلام، فأذن له الخليفة..
وتوجّه الرّجّال الى أهل اليمامة.. ولما رأى كثرتهم الهائلة ظنّ أنهم الغالبون، فحدّثته نفسه الغتدرة أن يحتجز
له من اليوم مكانا في دولة الكذّاب التي ظنّها مقبلة وآتية، فترك الاسلام..
وانضمّ لصفوف مسيلمة الذي سخا عليه بالوعود.
وكان خطر الرّجّال على الاسلام أشدّ من خطر مسيلمة ذاته.
ذلك، لأنه استغلّ اسلامه السابق، والفترة التي عاشها بالمدينة أيام الرسول، وحفظه لآيات كثيرة من القرآن،
وسفارته لأبي بكر خليفة المسلمين..
استغلّ ذلك كله استغلالا خبيثا في دعم سلطان مسيلمة وتوكيد نبوّته الكاذبة.
لقد سار بين الناس يقول لهم: انه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" انه أشرك مسيلمة بن حبيب في الأمر"..
وما دام الرسول صلى الله عليه وسلم قد مات، فأحق الناس بحمل راية النبوّة والوحي بعده، هو مسيلمة.
ولقد زادت أعين الملتفين حول مسيلمة زيادة طافحة بسبب أكاذيب الرّجّال هذا. وبسبب استغلاله الماكر
لعلاقاته السابقة بالاسلام وبالرسول.
وكانت أنباء الرّجّال تبلغ المدينة، فيتحرّق المسلمون غيظا من هذا المرتدّ الخطر الذي يضلّ الناس ضلالا بعيدا،
والذي يوسّع بضلاله دائرة الحرب التي سيضطر المسلمون أن يخوضوها.
وكان أكثر المسلمين تغيّظا، وتحرّقا للقاء الرّجّال صحابي جليل تتألق ذكراه في كتب السيرة والتاريخ تحت
هذا الاسم الحبيب زيد بن الخطّاب..!!
زيد بن الخطّاب..؟
لا بد أنكم عرفتموه..
انه أخو عمر بن الخطّاب..
أجل أخوه الأكبر، والأسبق..
جاء الحياة قبل عمر، فكان أكبر منه سنا..
وسبقه الى الاسلام.. كما سبقه الى الشهادة في سبيل الله..
وكان زيد بطلا باهر البطولة.. وكان العمل الصامت. الممعن في الصمت جوهر بطولته.
وكان ايمانه بالله وبرسوله وبدينه ايمانا وثيقا، ولم يتخلّف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مشهد
ولا في غزاة..وفي كل مشهد لم يكن يبحث عن النصر، بقدر ما يبحث عن الشهادة..!
يوم أحد، حين حمي القتال بين المسلمين والمشركين والمؤمنين. راح زيد بن الخطاب يضرب ويضرب..
وأبصره أخوه عمر بن الخطّاب، وقد سقط درعه عنه، وأصبح أدنى منالا للأعداء، فصاح به عمر.
" خذ درعي يا زيد فقاتل بها".
فأجابه زيد:
" اني أريد من الشهادة ما تريد يا عمر".
وظل يقاتل بغير درع في فدائية باهرة، واستبسال عظيم.
قلنا انه رضي الله عنه، كان يتحرّق شوقا للقاء الرّجّال متمنيّا أن يكون الاجهاز على حياته الخبيثة من حظه
وحده.. فالرّجّال في رأي زيد، لم يكن مرتدّا فحسب.. بل كان كذّابا منافقا، وصوليا.
لم يرتدّ عن اقتناع.. بل عن وصولية حقيرة، ونفاق يغيض هزيل.
وزيد في بغضه النفاق والكذب، كأخيه عمر تماما..!
كلاهما لا يثير اشمئزازه، ولا يستجسش بغضاءه، مثل النفاق الذي تزجيه النفعيّة الهابطة، والأغراض الدنيئة.
ومن أجل تلك الأغراض المنحطّة، لعب الرّجّال دوره الآثم، فأربى عدد الملتفين حول مسيلمة ارباء فاحشا،
وهو بهذا يقدّم بيديه الى الموت والهلاك أعدادا كثيرة ستلاقي حتفها في معارك الردّة..
أضلّها أولا، وأهلكها أخيرا.. وفي سبيل ماذا..؟ في سبيل أطماع لئيمة زيّنتها له نفسه، وزخرفها له هواه،
ولقد أعدّ زيد نفسه ليختم حياته المؤمنة بمحق هذه الفتنة، لا في شخص مسيلمة بل في شخص من هو
أكبر من خطرا، وأشدّ جرما الرّجّال بن عنفوة.
وبدأ يوم اليمامة مكهرّا شاحبا.
وجمع خالد بن الوليد جيش الاسلام، ووزعه على مواقعه ودفع لواء الجيش الى من..؟؟
الى زيد بن الخطّاب.
وقاتل بنو حنيفة أتباع مسيلمة قتالا مستميتا ضاريا..
ومالت المعركة في بدايتها على المسلمين، وسقط منهم شهداء كثيرون.
ورأى زيد مشاعر الفزع تراود بعض أفئدة المسلمين، فعلا ربوة هناك، وصاح في اخوانه:
" أيها الناس.. عضوا على أضراسكم، واضربوا في عدوّكم، وامضوا قدما.. والله لا أتكلم حتى يهزمهم الله،
أو ألقاه سبحانه فأكلمه بحجتي
".
ونزل من فوق الربوة، عاضّا على أضراسه، زامّا شفتيه لا يحرّك لسانه بهمس.
وتركّز مصير المعركة لديه في مصير الرّجّال، فراح يخترق الخضمّ المقتتل كالسهم، باحثا عن الرّجّال حتى
أبصره..وهناك راح يأتيه من يمين، ومن شمال، وكلما ابتلع طوفان المعركة غريمه وأخفاه، غاص زيد وراءه
حتى يدفع الموج الى السطح من جديد، فيقترب منه زيد ويبسط اليه سيفه، ولكن الموج البشري المحتدم
يبتلع الرّجّال مرّة أخرى، فيتبعه زيد ويغوص وراءه كي لا يفلت..
وأخيرا يمسك بخناقه، ويطوح بسيفه رأسه المملوء غرورا، وكذبا، وخسّة..
وبسقوط الأكذوبة، أخذ عالمها كله يتساقط، فدبّ الرعب في نفس مسيلمة في روع المحكم بن الطفيل ثم
في جيش مسيلمة الذي طار مقتل الرّجّال فيه كالنار في يوم عاصف..
لقد كان مسيلمة يعدهم بالنصر المحتوم، وبأنه هو والرّجّال بن عنفوة، والمحكم بن طفيل سيقومون غداة
النصر بنشر دينهم وبناء دولتهم..!!
وها هو ذا الرّجّال قد سقط صريعا.. اذن فنبوّة مسيلمة كلها كاذبة..
وغدا سيقط المحكم، وبعد غد مسيلمة..!!
هكذا احدثت ضربة زيد بن الخطاب كل هذا المدار في صفوف مسيلمة..
أما المسلمون، فما كاد الخبر يذيع بينهم حتى تشامخت عزماتهم كالجبال، ونهض جريحهم من جديد، حاملا
سيفه، وغير عابئ بجراحه..
حتى الذين كانوا على شفا الموت، لا يصلهم بالحياة سوى بقية وهنانة من رمق غارب، مسّ النبأ أسماعهم
كالحلم الجميل، فودّوا لو أنّ بهم قوّة يعودون بها الى الحياة ليقاتلو، وليشهدوا النصر في روعة ختامه..
ولكن أنّى لهم هذا، وقد تفتحل أبواب الجنّة لاستقبالهم وانهم الآن ليسمعون أسماءهم..
وهم ينادون للمثول.
رفع زيد بن الخطاب ذراعيه الى السماء مبتهلا لربّه، شاكرا نعمته..
ثم عاد الى سيفه والى صمته، فلقد أقسم بالله من لحظات ألا يتكلم حتى يتم النصر أو ينال الشهادة..
ولقد أخذت المعركة تمضي لالح المسلمين.. وراح نصرهم المحتوم يقترب ويسرع..
هنالك وقد رأى زيد رياح النر مقبلة، لم يعرف لحياته ختاما أروع من هذا الختام، فتمنّى لو يرزقه الله الشهادة
في يوم اليمامة هذا..
وهبّت رياح الجنة فملأت نفسه شوقا، ومآقيه دموعا،وعزمه اصرارا..
وراح يضرب ضرب الباحث عن مصيره العظيم..
وسقط البطل شهيدا..
بل قولوا: صعد شهيدا..
صعد عظيما، ممجّدا، سعيدا..
وعاد جيش الاسلام الى المدينة ظافرا..
وبينما كان عمر، يستقبل مع الخليفة أبي بكرو أولئك العائدين الظافرين، راح يرمق بعينين مشتاقين
أخاه العائد..وكان زيد طويل بائن الطول، ومن ثمّ كان تعرّف العين عليه أمرا ميسورا..
ولكن قبل أن يجهد بصره، اقترب اليه من المسلمين العائدين من عزّاه في زيد..
وقال عمر: " رحم الله زيدا..سبقني الى الحسنيين..أسلم قبلي..واستشهد قبلي".
وعلى كثرة الانتصارات التي راح الاسلام يظفر بها وينعم، فان زيدا لم يغب عن خاطر أخيه الفاروق لحظة.
ودائما كان يقول:" ما هبّت الصبا، الا وجدت منها ريح زيد".

أجل..
ان الصبا لتحمل ريح زيد، وعبير شمائله المتفوقة..
ولكن، اذا اذن أمير المؤمنين، أضفت لعبارته الجليلة هذه، كلمات تكتمل معها جوانب الاطار.
تلك هي:
" .. وما هبّت رياح النصر على الاسلام منذ يوم اليمامة الا وجد الاسلام فيها ريح زيد.. وبلاء زيد..
وبطولة زيد.. وعظمة زيد
" .
بورك آل الخطّاب تحت راية رسول الله صلى الله عليهوسلم..
بوركوا يوم أسلموا.. وبوركوا أيام جاهدوا، واستشهدوا.. وبوركوا يوم يبعثون.






| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 01:40 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


قيس بن سعد بن عبادة - أدهى العرب، لولا الاسلام

كان الأنصار يعاملونه على حداثة سنه كزعيم..
وكانوا يقولون:" لو استطعنا أن نشتري لقيس لحية بأموالنا لفعلنا"..
ذلك أنه كان أجرد، ولم يكن ينقصه من صفات الزعامة في عرف قومه سوى اللحية التي كان الرجال يتوّجون
بها وجوههم.
فمن هذا الفتى الذي ودّ قومه لو يتنازلون عن أموالهم لقاء لحية تكسو وجهه، وتكمل الشكل الخارجي..
لعظمته الحقيقية، وزعامته المتفوقة..؟؟
انه قيس بن سعد بن عبادة.
من أجود بيوت لعرب وأعرقها.. البيت الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام:
" ان الجود شيمة أهل هذا البيت"..
وانه الداهية الذي يتفجر حيلة، ومهارة، وذكاء، والذي قال عن نفسه وهو صادق:
" لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب".
ذلك أنه حادّ الذكاء، واسع الحيلة، متوقّد الذهن.
ولقد كان مكانه يوم صفين مع علي ضدّ معاوية.. وكان يجلس مع نفسه فيرسم الخدعة التي يمكن أن
يؤدي بمعاوية وبمن معه في يوم أو ببعض يوم، بيد أنه يتفحص خدعته هذه التي تفتق عنها ذكاؤه ..
فيجدها من المكر السيء الخطر..
ثم يذكر قول الله سبحانه : (
ولا يحيق المكر السوء الا بأهله
).
فيهبّ من فوره مستنكرا، ومستغفرا، ولسان حاله يقول:
" والله لئن قدّر لمعاوية أن يغلبنا، فلن يغلبنا بذكائه، بل بورعنا وتقوانا".
ان هذا الأنصاري الخزرجي من بيت زعامة عظيم، ورث المكارم كابرا عن كابر.. فهو ابن سعد بن عبادة،
زعيم الخزرج الذي سيكون لنا معه فيما بعد لقاء..
وحين أسلم سعد أخذ بيد ابنه قيس وقدّمه الى الرسول قائلا: " هذا خادمك يا رسول الله"..
ورأى لرسول في قيس كل سمات التفوّق وأمائر الصلاح..
فأدناه منه وقرّبه اليه وظل قيس صاحب هذه المكانة دائما..

يقول أنس صاحب رسول الله: " كان قيس بن سعد من النبي، بمكان صاحب الشرطة من الأمير".
وحين كان قيس، قبل الاسلام يعامل الناس بذكائه كانوا لا يحتملون منه ومضة ذهن، ولم يكن في المدينة
وما حولها الا من يحسب لدهائه ألف حساب.. فلما أسلم، علّمه الاسلام أن يعامل الناس باخلاصه،
لا بدهائه، ولقد كان ابنا بارّا للاسلام، ومن ثمّ نحّى دهاءه جانبا، ولم يعد ينسج به مناوراته القاضية..
وصار كلما واجه موقعا صعبا، يأخذه الحنين الى دهائه المقيد،..
فيقول عبارته المأثورة: " لولا الاسلام، لمكرت مكرا لا تطيقه العرب".
ولم يكن بين خصاله ما يفوق ذكائه سوى جوده.. ولم يكن الجود خلقا طارئا على قيس، فهو من بيت
عريق في الجود والسخاء، كان لأسرة قيس، على عادة أثرياء وكرام العرب يومئذ، مناد يقف فوق
مرتفع لهم وينادي الضيفان الى طعامهم نهارا...
أو يوقد النار لتهدي الغريب الساري ليلا.. وكان الناس يومئذ يقولون:
" من أحبّ الشحم، واللحم، فليأت أطم دليم بن حارثة".
ودليم بن حارثة، هو الجد الثاني لقيس..
ففي هذا البيت العريق أرضع قيس الجود والسماح..
تحّث يوما أبا بكر وعمر حول جود قيس وسخائه وقالا: " لو تركنا هذا الفتى لسخائه، لأهلك مال أبيه".
وعلم سعد بن عبادة بمقالتهما عن ابنه قيس، فصاح قائلا:
" من يعذرني من أبي قحافة، وابن الخطّاب.. يبخلان عليّ ابني".
وأقرض أحد اخوانه المعسرين يوما قرضا كبيرا..
وفي الموعد المضروب للوفاء ذهب الرجل يردّ الى قيس قرضه فأبى أن يقبله وقال:
" انا لا نعود في شيء أعطيناه".
وللفطرة الانسانية نهج لا يتخلف، وسنّة لا تتبدّل.. فحيث يوجد الجود توجد الشجاعة..
أجل ان الجود الحقيقي والشجاعة الحقيقية توأمان، لا يتخلف أحدهما عن الاخر أبدا..
واذا وجدت جودا ولم تجد شجاعة فاعلم أن هذا الذي تراه ليس جودا..
وانما هو مظهر فارغ وكاذب من مظاهر الزهو الأدّعاء... واذا وجدت شجاعة لا يصاحبها جود، فاعلم
أنها ليست شجاعة، انما هي نزوة من نزوات التهوّر والطيش..
ولما كان قيس بن سعد يمسك أعنة الجود بيمينه فقد كان يمسك بذات اليمين أعنّة الشجاعة والاقدام.
لكأنه المعنيّ بقول الشاعر:
اذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين ،تألقت شجاعته في جميع المشاهد التي صاحب فيها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حيّ..
وواصلت تألقها، في المشاهد التي خاضها بعد أن ذهب الرسول الى الرفيق الأعلى..
والشجاعة التي تعتمد على الصدق بدل الدهاء.. وتتوسل بالوضوح والماوجهة، لا بالمناورة والمراوغة،
تحمّل صاحبها من المصاعب والمشاق من يؤوده ويضنيه..
ومنذ ألقى قيس وراء ظهره، قدرته الخارقة على الدهاء والمناورة، وحمل هذا الطراز من الشجاعة
المسفرة الواضحة، وهو قرير العين بما تسببه له من متاعب وما تجلبه من تبعات...
ان الشجاعة الحقة تنقذف من اقتناع صاحبها وحده..
هذا الاقتناع الذي لا تكوّنه شهوة أو نزوة، انما يكوّنه الصدق مع النفس، والاخلاص للحق..
وهكذا حين نشب الخلاف بين عليّ ومعاوية، نرى قيسا يخلوبنفسه، ويبحث عن الحق من خلال اقتناعه،
حتى اذا ما رآه مع عليّ ينهض الى جواره شامخا، قويا مستبسلا..
وفي معارك صفّين، والجمل، ونهروان، كان قيس أحد أبطالها المستبسلين..
كان يحمل لواء الأنصار وهو يصيح:
هذا اللواء الذي كنا نخفّ به..
مع النبي وجبريل لنا مدد..
ما ضرّ من كانت الأنصار عيبته..
ألا يكون له من غيرهم أحد..
ولقد ولاه الامام عليّ حكم مصر..


وكانت عين معاوية على مصر دائما... كان ينظر اليها كأثمن درّة في تاجه المنتظر.
من أجل ذلك لم يكد يرى قيسا يتولى امارتها حتى جنّ جنونه وخشي أن يحول قيس بينه وبين مصر الى
الأبد، حتى لو انتصر هو على الامام عليّ انتصارا حاسما..
وهكذا راح بكل وسائله الماكرة، وحيله التي لا تحجم عن أمر، يدسّ عند علي ضدّ قيس، حتى استدعاه
الامام منمصر..
وهنا وجد قيس فرصة سعيدة ليستكمل ذكاءه استعمالا مشروعا، فلقد أدرك بفطنته أن معاوية لعب ضدّه
هذه اللعبة بعد أن فشل في استمالته الى جانبه، لكي يوغر صدره ضدّ الامام علي،
ولكي يضائل من ولائه له.. واذن فخير رد على دهاء معاوية هو المزيد من الولاء لعليّ وللحق الذي يمثله
عليّ، والذي هو في نفس الوقت مناط الاقتناع الرشيد والأكيد لقيس بن سعد بن عبادة..
وهكذا لم يحس لحظة أن عليّا عزله عن مصر.. فما الولاية، وما الامارة، وما المناصب كلها عند قيس
الا أدوات يخدم بها عقيدته ودينه..
ولئن كانت امارته على مصر وسيلة لخدمة الحق، فان موقفه بجوار عليّ فوق أرض المعركة وسيلة
أخرى لا تقل أهميّة ولا روعة..
وتبلغ شجاعة قيس ذروة صدقها ونهاها، بعد استشهاد عليّ وبيعة الحسن..
لقد اقتنع قيس بأن الحسن رضي الله عنه، هو الوارث الشرعي للامامة فبايعه ووقف الى جانبه غير ملق
الى الأخطار وبالا.. وحين يضطرّهم معاوية لامشاق السيوف، ينهض قيس فيقود خمسة آلاف من الذين
حلقوا رؤوسهم حدادا على الامام علي..ويؤثر الحسن أن يضمّد جراح المسلمين التي طال شحوبها، ويضع
حدّا للقتال المفني المبيد فيفاوض معاوية ثم يبايعه..
هنا يدير قيس خواطره على المسألة من جديد، فيرى أنه مهما يكن في موقف الحسن من الصواب، فان لجنود
قيس في ذمّته حق الشورى في اختيار المصير، وهكذا يجمعهم ويخطب فيهم قائلا:
" ان شئتم جالدت بكم حتى يموت الأعجل منا، وان شئتم أخذت لكم أمانا ".
واختار جنوده الأمر الثاني، فأخذ لهم الامام من معاوية الذي ملأ الحبور نفسه حين رأى مقاديره تريحه من
أقوى خصومه شكيمة وأخطرهم عاقبة...وفي المدينة المنوّرة، عام تسع وخمسين، مات الداهية الذي
روّض الاسلام دهاءه..
مات الرجل الذي كان يقول:
لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
" المكر والخديعة في النار، لكنت من أمكر هذه الأمة"..

أجل..
ومات تاركا وراءه عبير رجل أمين على كل ما للاسلام عنده من ذمّة، وعهد وميثاق.








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 01:40 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



جعفر بن أبي طالب - أشبهت خلقي، وخلقي

انظروا جلال شبابه..
انظروا نضارة اهابه..
انظروا أناته وحلمه، حدبه، وبرّه، تواضعه وتقاه..
انظروا شجاعته التي لا تعرف الخوف.. وجوده الذي لايخاف الفقر..
انظروا طهره وعفته..
انظروا صدقه وأمانته...
انظروا فيه كل رائعة من روائع الحسن، والفضيلة، والعظمة، ثم لا تعجبوا، فأنتم أمام أشبه الناس بالرسول
خلقا، وخلقا..

أنتم أمام من كنّاه الرسول بـ أبي المساكين..
أنت تجاه من لقبه الرسول بـ ذي الجناحين..

أنتم تلقاء طائر الجنة الغريد، جعفر بن أبي طالب.. عظيم من عظماء الرعيل الأول الذين أسهموا أعظم اسهام
في صوغ ضمير الحياة..!!
أقبل على الرسول صلى الله عليه وسلم مسلما، آخذا مكانه العالي بين المؤمنين المبكرين..
وأسلمت معه في نفس اليوم زوجته أسماء بنت عميس..
وحملا نصيبهما من الأذى ومن الاضطهاد في شجاعة وغبطة..

فلما اختار الرسول لأصحابه الهجرة الى الحبشة، خرج جعفر وزوجه حيث لبيا بها سنين عددا، رزقا خلالها ..
بأولادهما الثلاثة محمد، وعبد الله، وعوف.
وفي الحبشة كان جعفر بن أبي طالب المتحدث اللبق، الموفق باسم الاسلام ورسوله..
ذلك أن الله أنعم عليه فيما أنعم، بذكاء القلب، واشراق العقل، وفطنة النفس، وفصاحة اللسان..
ولئن كان يوم مؤتة الذي سيقاتل فيه فيما بعد حتى يستشهد.. أروع أيامه وأمجاده وأخلدها..
فان يوم المحاورة التي أجراها أمام النجاشي بالحيشة، لن يقلّ روعة ولا بهاء، ولا مجدا..
لقد كان يوما فذّا، ومشهدا عجبا...
وذلك أن قريشا لم يهدئ من ثورتها، ولم يذهب من غيظها، ولم يطامن كم أحقادها، هجرة المسلمين الى
الحبشة، بل خشيت أن يقوى هناك بأسهم، ويتكاثر طمعهم.. وحتى اذا لم تواتهم فرصة التكاثر والقوّة،
فقد عز على كبريائها أن ينجو هؤلاء من نقمتها، ويفلتوا من قبضتها.. يظلوا هناك في مهاجرهم أملا رحبا
تهتز له نفس الرسول، وينشرح له صدر الاسلام..
هنالك قرر ساداتها ارسال مبعوثين الى النجاشي يحملان هدايا قريش النفيسة، ويحملان رجاءهما في أن
يخرج هؤلاء الذين جاؤوا اليها لائذين ومستجيرين.
وكان هذان المبعوثان: عبدالله بن أبي ربيعة، وعمرو بن العاص، وكانا لم يسلما بعد...
كان النجاشي الذي كان يجلس أيامئذ على عرش الحبشة، رجلا يحمل ايمانا مستنيرا..
وكان في قرارة نفسه يعتنق مسيحية صافية واعية، بعيدة عن الانحراف، نائية عن التعصب والانغلاق..
وكان ذكره يسبقه.. وسيرته العادلة، تنشر غبيرها في كل مكان تبلغه..
من أجل هذا، اختار الرسول صلى الله عليه وسلم بلاده دار هجرة لأصحابه..

ومن أجل هذا، خافت قريش ألا تبلغ لديه ما تريد فحمّلت مبعوثيها هدايا ضخمة للأساقفة، وكبار رجال الكنيسة
هناك، وأوصى زعماء قريش مبعوثيهاألا يقابلا النجاشي حتى يعطيا الهدايا للبطارقة أولا، وحتى يقنعاهم
بوجهة نظرهما، ليكونوا لهم عونا عند النجاشي.
وحطّ الرسولان رحالهما بالحبشة، وقابلا بها الزعماء الروحانيين كافة، ونثرا بين أيديهم الهدايا التي حملاها اليهم
ثم أرسلا للنجاشي هداياه..ومضيا يوغران صدور القسس والأساقفة ضد المسلمين المهاجرين، ويستنجدان
بهم لحمل النجاشي، ويواجهان بين يديه خصوم قريش الذين تلاحقهم بكيدها وأذاها.
وفي وقار مهيب، وتواضع جليل، جلس النجاشي على كرسيه العالي، تحفّ به الأساقفة ورجال الحاشية،
وجلس أمامه في البهو الفسيح، المسلمون المهاجرون، تغشاهم سكينة الله، وتظلهم رحمته..
ووقف مبعوثا قريش يكرران الاتهام الذي سبق أن ردّداه أمام النجاشي حين أذن لهم بمقابلة خاصة قبل هذ
الاجتماع الحاشد الكبير:
" أيها الملك.. انه قد ضوى لك الى بلدك غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينك، بل جاؤوا
بدين ابتدعوه، لا نعرفه نحن ولا أنت، وقد بعثنا اليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم، أعمامهم، وعشائرهم،
لتردّهم اليهم
".
وولّى النجاشي وجهه شطر المسلمين، ملقيا عليهم سؤاله:
" ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم، واستغنيتم به عن ديننا".
ونهض جعفر قائما.. ليؤدي المهمة التي كان المسلمون المهاجرون قد اختاروه لها ابّان تشاورهم، وقبل
مجيئهم الى هذا الاجتماع..
نهض جعفر في تؤدة وجلال، وألقى نظرات محبّة على الملك الذي أحسن جوارهم وقال:
" يا أيها الملك..كنا قوما أهل جاهلية: نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء
الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، حتى بعث الله الينا رسولا منا، نعرف نسبه وصدقه، وأمانته، وعفافه،
فدعانا الى الله لنوحّده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من الحجارة والأوثان..
وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكفّ عن المحارم والدماء ونهانا عن
الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات.. فصدّقناه وآمنّا به، واتبعناه على ما جاءه من
ربه، فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا، وحرّمنا ما حرّم علينا، وأحللنا ما أحلّ لنا، فغدا علينا قومنا،
فعذبونا وفتنونا عن ديننا، ليردّونا الى عبادة الأوثان، والى ما كنّا عليه من الخبائث..
فلما قهرونا، وظلمونا، وضيّقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا الى بلادك ورغبنا في جوارك، ورجونا
ألا نظلم عندك
".
ألقى جعفر بهذه الكلمات المسفرة كضوء الفجر، فملأت نفس النجاشي احساسا وروعة..
والتفت الى جعفر وساله: " هل معك مما أنزل على رسولكم شيء".
قال جعفر: نعم..
قال النجاشي: فاقرأه علي..
ومضى حعفر يتلو لآيات من سورة مريم، في أداء عذب، وخشوع فبكى النجاشي، وبكى معه أساقفته
جميعا..ولما كفكف دموعه الهاطلة الغزيرة..
التفت الى مبعوثي قريش، وقال:
" ان هذا، والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة..انطلقا فلا والله، لا أسلمهم اليكما".
انفضّ الجميع، وقد نصر الله عباده وآرهم، في حين رزئ مندوبا قريش بهزيمة منكرة..
لكن عمرو بن العاص كان داهية واسع الحيلة، لا يتجرّع الهزيمة، ولا يذعن لليأس ،وهكذا لم يكد يعود مع
صاحبه الى نزلهما، حتى ذهب يفكّر ويدبّر..
وقال لزميله: " والله لأرجعنّ للنجاشي غدا، ولآتينّه عنهم بما يستأصل خضراءهم".
وأجابه صاحبه: " لا تفعل، فان لهم أرحاما، وان كانوا قد خالفونا".
قال عمرو: " والله لأخبرنّه أنهم يزعمون أن عيسى بن مريم عبد، كبقية العباد".
هذه اذن هي المكيدة الجديدة الجديدة التي دبّرها مبعوث قريش للمسلمين كي يلجئهم الى الزاوية الحادة،
ويضعهم بين شقّي الرحى، فان هم قالوا عيسى عبد من عباد الله، حرّكوا ضدهم أضان الملك والأساقفة..
وان هم نفوا عنه البشرية خرجوا عن دينهم...!!
وفي الغداة أغذا السير الى مقابلة الملك، وقال له عمرو:
" أيها الملك: انهم ليقولون في عيسى قولا عظيما".
واضطرب الأساقفة..واهتاجتهم هذه العبارة القصيرة..
ونادوا بدعوة المسلمين لسؤالهم عن موقف دينهم من المسيح..
وعلم المسلمون بالمؤامرة الجديدة، فجلسوا يتشاورون..

ثم تفقوا على أن يقولوا الحق الذي سمعون من نبيهم عليه الصلاة والسلام، لايحيدون عنه قيد شعرة، وليكن
ما يكن..!!
وانعقد الاجتماع من جديد، وبدأ النجاشي الحديث سائلا جعفر: "ماذا تقولون في عيسى".
ونهض جعفر مرة أخرى كالمنار المضيء وقال:
" نقول فيه ما جاءنا به نبينا صلى الله عليه وسلم: هو عبدالله ورسوله، وكلمته ألقاها الى مريم وروح منه".
فهتف النجاشي نصدّقا ومعلنا أن هذا هو ما قاله المسيح عن نفسه..
لكنّ صفوف الأساقفة ضجّت بما يسبه النكير..
ومضى النجاشي المستنير المؤمن يتابع حديثه قائلا للمسلمين:
" اذهبوا فأنتم آمنون بأرضي، ومن سبّكم أو آذاكم، فعليه غرم ما يفعل".
ثم التفت صوب حاشيته، وقال وسبّابته تشير الى مبعوثي قريش:
" ردّوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لي بها...
فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين ردّ عليّ ملكي، فآخذ الرشوة فيه
".
وخرج مبعوثا قريش مخذولين، حيث وليّا وجهيهما من فورهما شطر مكة عائين اليها...
وخرج المسلمون بزعامة جعفر ليستأنفوا حياتهم الآمنة في الحبشة، لابثين فيها كما قالوا:
" بخير دار.. مع خير جار.." حتى يأذن الله لهم بالعودة الى رسولهم واخوانهم وديارهم.
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفل مع المسلمين بفتح خيبر حين طلع عليهم قادما من الحبشة
جعفر بن أبي طالب ومعه من كانوا لا يزالون في الحبشة من المهاجرين..
وأفعم قلب الرسول عليه الصلاة والسلام بمقدمة غبطة، وسعادة وبشرا..
وعانقه النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول:" لا أدري بأيهما أنا أسرّ بفتح خيبر.. أم بقدوم جعفر..".
وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبه الى مكة، حيث اعتمروا عمرة القضاء، وعادوا الى المدينة،
وقد اكتلأت نفس جعفر روعة بما سمع من انباء اخوانه المؤمنين الذين خاضوا مع النبي صلى الله عليه وسلم
غزوة بدر، وأحد.. وغيرهما من المشاهد والمغازي.. وفاضت عيناه بالدمع على الذين صدقوا ما عاهدوا الله
عليه، وقضوا نحبهم شهداء أبرار..
وطار فؤداه شوقا الى الجنة، وأخذ يتحيّن فرصة الشهادة ويترقب لحظتها المجيدة..!!
وكانت غزوة مؤتة التي أسلفنا الحديث عنها، تتحرّك راياتها في الأفق متأهبة للزحف، وللمسير..
ورأى جعفر في هذه الغزوة فرصة العمر، فامّا أن يحقق فيها نصرا كبيرا لدين الله، واما أن يظفر باستشهاد
عظيم في سبيل الله..
وتقدّم من رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجوه أن يجعل له في هذه الغزوة مكانا..
كان جعفر يعلم علم اليقين أنها ليست نزهة.. بل ولا حربا صغيرة، انما هي حرب لم يخض الاسلام منها
من قبل.. حرب مع جيوش امبراطورية عريضة باذخة، تملك من العتاد والأعداد، والخبرة والأموال ما لا قبل
للعرب ولا للمسلمين به، ومع هذا طار شوقا اليها، وكان ثالث ثلاثة جعلهم رسول الله قواد الجيش وأمراءه..
وخرج الجيش وخرج جعفر معه..
والتقى الجمعان في يوم رهيب..

وبينما كان من حق جعفر أن تأخذ الرهبة عنده عندما بصر جيش الروم ينتظم مائتي ألف مقاتل، فانه على
العكس، أخذته نشوة عارمة اذا احسّ في أنفه المؤمن العزيز، واعتداد البطل المقتدر أنه سيقاتل أكفاء له
وأندادا..وما كادت الراية توشك على السقوط من يمين زيد بن حارثة، حتى تلقاها جعفر باليمين ومضى
يقاتل بها في اقدام خارق.. اقدام رجل لا يبحث عن النصر، بل عن الشهادة...
وتكاثر عليه وحوله مقاتلي الروم، و{اى فرسه تعوق حركته فاقتحم عنها فنزل.. وراح يصوب سيفه ويسدده
الى نحور أعدائه كنقمة القدر.. ولمح واحدا من األأعداء يقترب من فرسه ليعلو ظهرها، فعز عليه أن يمتطي
صهوتها هذا الرجس، فبسط نحوها سيفه، وعقرها..!!
وانطلق وسط الصفوف المتكالبة عليه يدمدم كالاعثار، وصوته يتعالى بهذا الزجر المتوهج:

يا حبّذا الجنة واقترابها طيّبة، وبارد شرابها
والروم روم، قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
عليّ اذا لاقيتها ضرابها


وأدرك مقاتلو الروم مقدرة هذا الرجل الذي يقاتل، وكانه جيش لجب..
وأحاطوا به في اصرار مجنون على قتله.. وحوصر بهم حصارا لا منفذ فيه لنجاة..
وضربوا بالسيوف يمينه، وقبل أن تسقط الراية منها على الأرض تلقاها بشماله.. وضربوها هي الأخرى،
فاحتضن الراية بعضديه..في هذه اللحظة تركّزت كل مسؤوليته في ألا يدع راية رسول الله..
صلى الله عليه وسلم تلامس التراب وهو حيّ..
وحين تكّومت جثته الطاهرة، كانت سارية الراية مغروسة بين عضدي جثمانه، ونادت خفقاتها عبدالله بن رواحة
فشق الصفوف كالسهم نحوها، واخذها في قوة، ومضى بها الى مصير عظيم..!!
وهكذا صنع جعفر لنفسه موتة من أعظم موتات البشر..
وهكذا لقي الكبير المتعال، مضمّخا بفدائيته، مدثرا ببطولاته..
وأنبأ العليم الخبير رسوله بمصير المعركة، وبمصير جعفر، فاستودعه الله، وبكى..
وقام الى بيت ابن عمّه، ودعا بأطفاله وبنيه، فشمّمهم، وقبّلهم، وذرفت عيناه..

ثم عاد الى مجلسه، وأصحابه حافون به. ووقف شاعرالاسلام حسّان بن ثابت يرثي جعفر ورفاقه:

غداة مضوا بالمؤمنين يقودهم
الى الموت ميمون النقيبة أزهر
أغرّ كضوء البدر من آل هاشم
أبيّ اذا سيم الظلامة مجسر
فطاعن حتى مال غير موسد
لمعترك فيه القنا يتكسّر
فصار مع المستشهدين ثوابه
جنان، ومتلف الحدائق أخضر
وكنّا نرى في جعفر من محمد
وفاء وأمرا حازما حين يأمر
فما زال في الاسلام من آل هاشم
دعائم عز لا يزلن ومفخر


وينهض بعد حسّان، كعب بن مالك، فيرسل شعره الجزل :

وجدا على النفر الذين تتابعوا
يوما بمؤتة، أسندوا لم ينقلوا
صلى الاله عليهم من فتية
وسقى عظامهم الغمام المسبل
صبروا بمؤتة للاله نفوسهم
حذر الردى، ومخافة أن ينكلوا
اذ يهتدون بجعفر ولواؤه
قدّام أولهم، فنعم الأول
حتى تفرّجت الصفوف وجعفر
حيث التقى وعث الصفوف مجدّل
فتغير القمر المنير لفقده
والشمس قد كسفت، وكادت تأفل


وذهب المساكين جميعهم يبكون أباهم، فقد كان جعفر رضي الله عنه أبا المساكين..
يقول أبو هريرة: " كان خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب".

أجل..
كان أجود الناس بماله وهو حيّ.. فلما جاء أجله أبى الا أن يكون من أجود الشهداء وأكثرهم بذلا لروحه
وحيته..
يقول عبدالله بن عمر:
" كنت مع جعفر في غزوة مؤتة، فالتمسناه، فوجدناه وبه بضع وتسعون ما بين رمية وطعنة".
بضع وتسعون طعنة سيف ورمية رمح..ومع هذا، فهل نال القتلة من روحه ومن مصيره منالا..

أبدا..
وما كانت سيوفهم ورماحهم سوى جسر عبر عليه الشهيد المجيد الى جوار الله الأعلى الرحيم، حيث
نزل في رحابه مكانا عليّا..
انه هنالك في جنان الخلد، يحمل أوسمة المعركة على كل مكان من جسد أنهكته السيوف والرماح..
وان شئتم، فاسمعوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لقد رأيته في الجنّة.. له جناحان مضرّجان بالدماء.. مصبوغ القوادم".









| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 01:41 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 




معاذ بن جبل - أعلمهم بالحلال والحرام

عندما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يبابع الأنصار بيعة العقبة الثانية. كان يجلس بين السبعين الذين يتكوّن
منهم وفدهم، شاب مشرق الوجه، رائع النظرة، برّاق الثنايا.. يبهر الأبصار بهوئه وسمته. فاذا تحدّث ازدادت
الأبصار انبهارا..ذلك كان معاذ بن جبل رضي الله عنه..هو اذن رجل من الأنصار، بايع يوم العقبة الثانية،
فصار من السابقين الأولين..ورجل له مثل اسبقيته، ومثل ايمانه ويقينه، لا يتخلف عن رسول الله في مشهد
ولا في غزاة.
وهكذا صنع معاذ..على أن آلق مزاياه، وأعظم خصائصه، كان فقهه..

بلغ من الفقه والعلم المدى الذي جعله أهلا لقول الرسول عنه:" أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل".
وكان شبيه عمر بن الخطاب في استنارة عقله، وشجاعة ذكائه.
سألأه الرسول حين وجهه الى اليمن:" بما تقضي يا معاذ؟"
فأجابه قائلا: " بكتاب الله"..
قال الرسول: " فان لم تجد في كتاب الله"..؟
"أقضي بسنة رسوله"..
قال الرسول: " فان لم تجد في سنة رسوله"..؟
قال معاذ:" أجتهد رأيي، ولا آلوا"..
فتهلل وجه الرسول وقال:" الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يرضي رسول الله".
فولاء معاذ لكتاب الله، ولسنة رسوله لا يحجب عقله عن متابعة رؤاه، ولا يحجب عن عقله تلك الحقائق الهائلة
المتسرّة، التي تنتظر من يكتشفها ويواجهها.
ولعل هذه القدرة على الاجتهاد، والشجاعة في استعمال الذكاء والعقل، هما اللتان مكنتا معاذا من ثرائه
الفقهي الذي فاق به أقرانه واخوانه، صار كما وصفه الرسول عليه الصلاة والسلام ..
" أعلم الناس بالحلال والحرام".
وان الروايات التاريخية لتصوره العقل المضيء الحازم الذي يحسن الفصل في الأمور..
فهذا عائذ الله بن عبدالله يحدثنا انه دخل المسجد يوما مع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في أول
خلافة عمر..قال:
" فجلست مجلسا فيه بضع وثلاثون، كلهم يذكرون حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي الحلقة
شاب شديد الأدمة، حلو المنطق، وضيء، وهو أشبّ القوم سنا، فاذا اشتبه عليهم من الحديث شيء ردّوه
اليه فأفتاهم، ولا يحدثهم الا حين يسألونه، ولما قضي مجلسهم دنوت منه وسالته: من أنت يا عبد الله؟
قال: أنا معاذ بن جبل".
وهذا أبو مسلم الخولاني يقول:
" دخلت مسجد حمص فاذا جماعة من الكهول يتوسطهم شاب برّاق الثنايا، صامت لا يتكلم.ز فاذا امترى القوم
في شيء توجهوا اليه يسألونه.. فقلت لجليس لي: من هذا..؟ قال: معاذ بن جبل.. فوقع في نفسي حبه".
وهذا شهر بن حوشب يقول:
" كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل، نظروا اليه هيبة له".
ولقد كان أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه يستثيره كثيرا..
وكان يقول في بض المواطن التي يستعين بها برأي معاذ وفقهه:" لولا معاذ بن جبل لهلك عكر".
ويبدو أن معاذ كان يمتلك عقلا أحسن تدريبه، ومنطقا آسرا مقنعا، ينساب في هدوء واحاطة..
فحيثما نلتقي به من خلال الروايات التاريخية عنه، نجده كما أسلفنا واسط العقد..
فهو دائما جالس والناس حوله.. وهو صموت، لا يتحدث الا على شوق الجالسين الى حديثه..
واذا اختلف الجالسون في أمر، أعادوه الى معاذ لبفصل فيه..
فاذا تكلم، كان كما وصفه أحد معاصريه:" كأنما يخرج من فمه نور ولؤلؤ".
ولقد بلغ كل هذه المنزلة في علمه، وفي اجلال المسلمين له، أيام الرسول وبعد مماته، وهو شاب..
فلقد مات معاذ في خلافة عمر ولم يجاوز من العمر ثلاثا وثلاثين سنة.
وكان معاذ سمح اليد، والنفس، والخلق..فلا يسأل عن شيء الا أعطاه جزلان مغتبطا..ولقد ذهب جوده
وسخاؤه بكل ماله..ومات الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعاذ باليمن منذ وجهه النبي اليها يعلم المسلمين
ويفقههم في الدين..وفي خلافة أبي بكر رجع معاذ من اليمن، وكان عمر قد علم أن معاذا أثرى..
فاقترح على الخليفة أبي بكر أن يشاطره ثروته وماله..!
ولم ينتظر عمر، بل نهض مسرعا الى دار معاذ وألقى عليه مقالته..
كان معاذ ظاهر الكف، طاهر الذمة، ولئن كان قد أثري، فانه لم يكتسب اثما، ولم يقترف شبهة، ومن ثم فقد
رفض عرض عمر، وناقشه رأيه..وتركه عمر وانصرف..
وفي الغداة، كان معاذ يطوي الأرض حثيثا شطر دار عمر..ولا يكاد يلقاه..
حتى يعنقه ودموعه تسبق كلماته وتقول:
" لقد رأيت الليلة في منامي أني أخوض حومة ماء، أخشى على نفسي الغرق.. حتى جئت وخلصتني
يا عمر"..
وذهبا معا الى أبي بكر.. وطلب اليه معاذ أن يشاطره ماله، فقال أبو بكر:" لا آخذ منك شيئا"..
فنظر عمر الى معاذ وقال:" الآن حلّ وطاب"..
ما كان أبو بكر الورع ليترك لمعاذ درهما واحدا، لو علم أنه أخذه بغير حق..
وما كان عمر متجنيا على معاذ بتهمة أو ظن..
وانما هو عصر المثل كان يزخر بقوم يتسابقون الى ذرى الكمال الميسور، فمنهم الطائر المحلق، ومنهم
المهرول، ومنهم المقتصد.. ولكنهم جميعا في قافلة الخير سائرون.
ويهاجر معاذ الى الشام، حيث يعيش بين أهلها والوافدين عليها معلما وفقيها، فاذا مات أميرها أبو عبيدة
الذي كان الصديق الحميم لمعاذ، استخلفه أمير المؤمنين عمر على الشام، ولا يمضي عليه في الامارة
سوى بضعة أشهر حتى يلقى ربه مخبتا منيبا..
وكان عمر رضي الله عنه يقول:
" لو استخلفت معاذ بن جبل، فسألني ربي: لماذا استخلفته؟
لقلت: سمعن نبيك يقول
:
ان العلماء اذا حضروا ربهم عز وجل ، كان معاذ بين أيديهم"..
والاستخلاف الذي يعنيه عمر هنا، هو الاستخلاف على المسلمين جميعا، لا على بلد أو ولاية..
فلقد سئل عمر قبل موته: لو عهدت الينا..؟ أي اختر خليفتك بنفسك وبايعناك عليه..
لإاجاب قائلا:
" لو كان معاذ بن جبل حيا، ووليته ثم قدمت على ربي عز وجل، فسألني: من ولّيت على أمة محمد،
لقلت: ولّيت عليهم معاذ بن جبل، بعد أن سمعت النبي يقول: معاذ بن جبل امام العلماء يوم القيامة".
قال الرسول صلى الله عليه وسلم يوما:
" يا معاذ.. والله اني لأحبك فلا تنس أن تقول في عقب كل صلاة:
اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
أجل اللهم أعنّي.. فقد كان الرسول دائب الالحاح بهذا المعنى العظيم الذي يدرك الناس به أنه لا حول
لهم ولا قوة، ولا سند ولا عون الا بالله، ومن الله العلي العظيم..
ولقد حذق معاذ لدرس وأجاد تطبيقه..لقيه الرسول ذات صباح فسأله:"كيف أصبحت يامعاذ"..؟
قال:" أصبحت مؤمنا حقا يا رسول الله".
قال النبي: "ان لكل حق حقيقة، فما حقيقة ايمانك"..؟؟
قال معاذ: " ما أصبحت قط، الا ظننت أني لا أمسي.. ولا أمسيت مساء الا ظننت أني لا أصبح..
ولا خطوت خطوة الا ظننت أني لا أتبعها غيرها..وكأني أنظر الى كل امة جاثية تدعى الى كتابها..
وكأني أرى أهل الجنة في الجنة ينعمون..وأهل النار في النار يعذبون.."
فقال له الرسول:" عرفت فالزم".
أجل لقد أسلم معاذ كل نفسه وكل مصيره لله، فلم يعد يبصر شيئا سواه..
ولقد أجاد ابن مسعود وصفه حين قال:
"ان معاذا كان أمّة، قانتا لله حنيفا، ولقد كنا نشبّه معاذا بابراهيم عليه السلام"..
وكان معاذ دائب الدعوة الى العلم، والى ذكر الله..
وكان يدعو الناس الى التماس العلم الصحيح النافع ويقول:
" احذروا زيغ الحكيم.. وارفوا الحق بالحق، فان الحق نورا".
وكان يرى العبادة قصدا، وعدلا..
قال له يوما أحد المسلمين: علمني.
قال معاذ: وهل أنت مطيعي اذا علمتك..؟
قال الرجل: اني على طاعتك لحريص..
فقال له معاذ:" صم وافطر..وصلّ ونم..واكتسب ولا تأثم.ولا تموتنّ الا مسلما..واياك ودعوة المظلوم".
وكان يرى العلم معرفة، وعملا فيقول:" تعلموا ما شئتم أن تتعلموا، فلن ينفعكم الله بالعلم جتى تعملوا".
وكان يرى الايمان بالله وذكره، استحضارا دائما لعظمته، ومراجعة دائمة لسلوك النفس.
يقول الأسود بن هلال:" كنا نمشي مع معاذ، فقال لنا: اجلسوا بنا نؤمن ساعة".
ولعل سبب صمته الكثير كان راجعا الى عملية التأمل والتفكر التي لا تهدأ ولا تكف داخل نفسه.. هذا الذي
كان كما قال للرسول: لا يخطو خطوة، ويظن أنه سيتبعها بأخرى.. وذلك من فرط استغراقه في ذكره ربه،
واستغراقه في محاسبته نفسه.
وحان أجل معاذ، ودعي للقاء الله...
وفي سكرات الموت تنطلق عن اللاشعور حقيقة كل حي، وتجري على لسانه ،ان استكاع الحديث، كلمات
تلخص أمره وحياته..وفي تلك اللحظات قال معاذ كلمات عظيمة تكشف عن مؤمن عظيم.
فقد كان يحدق في السماء ويقول مناجيا ربه الرحيم:
" الهم اني كنت أخافك، لكنني اليوم أرجوك، اللهم انك تعلم أني لم أكن أحبّ الدنيا لجري الأنهار، ولا لغرس
الأشجار.. ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات، ونيل المزيد من العلم والايمان والطاعة".
وبسط يمينه كأنه يصافح الموت، وراح في غيبوبته يقول:" مرحبا بالموت..حبيب جاء على فاقه".
وسافر معاذ الى الله...









| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 01:42 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



عبد الله بن عمر - المثابر، الأوّاب

تحدّث وهو على قمة عمره الطويل فقال:"لقد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم..فما نكثت ولا بدّلت الى
يومي هذا..وما بايعت صاحب فتنة..ولا أيقظت مؤمنا من مرقده
"..
وفي هذه الكلمات تلخيص لحياة الرجل الصالح الذي عاش فوق الثمانين، والذي بدأت علاقته بالاسلام والرسول،
وهو في الثالثة عشر من العمر، حين صحب أباه في غزوة بدر، راجيا أن يكون له بين المجاهدين مكان، لولا أن
ردّه الرسول عليه السلام لصغر سنه..
من ذلك اليوم.. بل وقبل ذلك اليوم حين صحب أباه في هجرته الى المدينة.. بدأت صلة الغلام ذي الرجولة
المبكرة بالرسول عليه السلام والاسلام..
ومن ذلك اليوم الى اليوم الذي يلقى فيه ربه، بالغا من العمر خمسة وثمانين عاما، سنجد فيه حيثما نلقاه،
المثابر الأوّاب الذي لا ينحرف عن نهجه قيد أشعرة، ولا يند عن بيعة بايعها، ولا يخيس بعهد أعطاه..
وان المزايا التي تأخذ الأبصار الى عبدالل بن عمر لكثيرة.
فعلمه وتواضعه، واستقامة ضميره ونهجه، وجوده، وورعه، ومثابرته، على العبادة وصدق استمساكه بالقدوة..
كل هذه الفضائل والخصال، صاغ ابن عمر عمره منها، وشخصيته الفذة، وحياته الطاهرة الصادقة..
لقد تعلم من أبيه عمر بن الخطاب خيرا كثيرا.. وتعلم مع أبيه من رسول الله الخير كله والعظمة كلها..
لقد أحسن كأبيه الايمان بالله ورسوله.. ومن ثم، كانت متابعته خطى الرسول أمرا يبهر الألباب..
فهو ينظر، ماذا كان الرسول يفعل في كل أمر، فيحاكيه في دقة واخبات..
هنا مثلا، كان الرسول عليه الصلاة والسلام يصلي.. فيصلي ابن عمر في ذات المكان..
وهنا كان الرسول عليه الصلاة والسلام يدعو قائما، فيدعو ابن عمر قائما...
وهنا كان الرسول يدعو جالسا، فيدعو عبدالله جالسا..
وهنا وعلى هذا الطريق نزل الرسول يوما من فوق ظهر ناقته، وصلى ركعتين، فصنع ابن عمر ذلك اذا جمعه
السفر بنفس البقعة والمكان..

بل انه ليذكر أن ناقة الرسول دارت به دورتين في هذا المكان بمكة، قبل أن ينزل الرسول من فوق ظهرها،
ويصلي ركعتين، وقد تكون الناقة فعلت ذلك تلقائيا لتهيئ لنفسها مناخها.
لكن عبدالل بن عمر لا يكاد يبلغ ها المكان يوما حتى يدور بناقته، ثم ينيخها، ثم يصلي ركعتين لله.. تماما كما
رأى المشهد من قبل مع رسول الله..
ولقد أثار فرط اتباعه هذا، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها فقالت:
"ما كان أحد يتبع آثار النبي صلى الله عليه وسلم في منازله، كما كان يتبعه ابن عمر".
ولقد قضى عمره الطويل المبارك على هذا الولاء الوثيق، حتى لقد حاء على المسلمين زمان كان صالحهم
يدعو ويقول:
"اللهم أبق عبدالله بن عمر ما أبقيتني، كي أقتدي به، فاني لا أعلم أحد على الأمر الأول غيره".
وبقوة هذا التحري لشديد الويق لخطى لبرسول وسنته، كان ابن عمر يتهيّب الحديث عن رسول الله ولا يروي
عنه عليه السلام حديثا الا اذا كان ذاكرا كل حروفه، حرفا.. حرفا.
وقد قال معاصروه..
"لم يكن من أصحاب رسول الله أحد أشد حذرا من ألا يزيد في حديث رسول الله أو ينقص منه، من عبدالله
بن عمر
".
وكذلك كان شديد الحذر والتحوّط في الفتيا..
جاءه يوما رجل يستفتيه، فلماألقى على ابن عمر سؤاله أجابه قائلا:" لا علم لي بما تسأل عنه"
وذهب الرجل في سبيله، ولا يكاد يبتعد عن ابن عمر خطوات حتى يفرك ابن عمر كفه جذلان فرحا ..
ويقول لنفسه:"سئل ابن عمر عما لا يعلم، فقال لا أعلم".
كان يخاف أن يجتهد في فتياه، فيخطئ في اجتهاده، وعلى الرغم من أنه يحيا وفق تعاليم الدين العظيم،
للمخطئ أجر وللمصيب أجرين، فان ورعه أن يسلبه ورعه كان يسلبه الجسارة على الفتيا.
وكذلك كان ينأى به عن مناصب القضاة..
لقد كانت وظيفة القضاء من أرقع مناصب الدولة والمجتمهع، وكانت تضمن لشاغرها ثراء، وجاها، ومجدا..
ولكن ما حاجة ابن عمر الورع للثراء، وللجاه، وللمجد..؟!
دعاه يوما الخليفة عثمان رضي الله عنهما، وطلب اليه أن يشغل منصب القضاة، فاعتذر.. وألح عليه عثمان،
فثابر على اعتذاره..
وسأله عثمان: أتعصيني؟؟
فأجاب ابن عمر: " كلا.. ولكن بلغني أن القضاة ثلاثة..قاض يقضي بجهل، فهو في النار..
وقاض يقضي بهوى، فهو في النار..وقاض يجتهد ويصيب، فهو كفاف، لا وزر، ولا أجر..
واني لسائلك بالله أن تعفيني
"..
وأعفاه عثمان، بعد أن أخذ عليه العهد ألا يخبر أحدا بهذا.
ذلك أن عثمان يعلم مكانة ابن عمر في أفئدة الناس، وانه ليخشى اذا عرف الأتقياء الصالحون عزوفه عن
القضاء أن يتابعوا وينهجوا نهجه، وعندئذ لا يجد الخليفة تقيا يعمل قاضيا..
وقد يبدو هذا الموقف لعبد الله بن عمر سمة من سمات السلبية.
بيد أنه ليس كذلك، فعبد الله بن عمر لم يمتنع عن القضاء وليس هناك من يصلح له سواه.. بل هناك كثيرون
من أصحاب رسول الله الورعين الصالحين، وكان بعضهم يشتغل بالقضاء والفتية بالفعل..
ولم يكن في تخلي ابن عمر عنه تعطيل لوظيفة القضاء، ولا القاء بها بين أيدي الذين لا يصلحون لها..
ومن ثمّ قد آثر البقاء مع نفسه، ينمّيها ويزكيها بالمزيد من الطاعة، والمزيد من العبادة.
كما أنه في ذلك الحين من حياة الاسلام، كانت الدنيا قد فتحت على المسلمين وفاضت الأموال، وكثرت
المناصب والامارات.
وشرع اغراء المال والمناصب يقترب من بعض القلوب المؤمنة، مما جعل بعض أصحاب الرسول، ومنهم ابن
عمر، يرفعون راية المقاومة لهذا الاغراء باتخذهم من أنفسهم قدوة ومثلا في الزهد والورع والعزوف عن
المانصب الكبيرة، وقهر فتنتها واغرائها.
لقد كان ابن عمر،أخا الليل، يقومه مصليا.. وصديق السحر يقطعه مستغفرا وباكيا..ولقد رأى في شبابه رؤيا،
فسرها الرسول تفسيرا جعل قيام الليل منتهى آمال عبدالله، ومناط غبطته وحبوره..
ولنصغ اليه يحدثنا عن نبأ رؤياه:
"رأيت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كأن بيدي قطعة استبرق، وكأنني لا أريد مكانا في الجنة
الا طارت بي اليه..ورأيت كأن اثنين أتياني، وأرادا أن يذهبا بي الى النار، فتلقاهما ملك
فقال:
لا ترع، فخليّا عني..فقصت حفصة - أختي- على النبي صلى الله عليه وسلم رؤياي، فقال رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم: نعم الرجل عبدالله، لو كان يصلي من الليل فيكثر"..
ومن ذلك اليوم والى أن لقي ربه، لم يدع قيام الليل في حله، ولا في ترحاله..
فكان يصلي ويتلو القرآن، ويذكر ربه كثيرا.. وكان كأبيه، تهطل دموعه حين يسمع آيات النذير في القرآن.
يقول عبيد بن عمير: قرأت يوما على عبدالله بن عمر هذه الآية:
(فكيف اذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا.يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول
لو تسوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا
)..
فجعل ابن عمر يبكي حتى نديت لحيته من دموعه.
وجلس يوما بين اخوانه فقرا:
(ويل للمطففين، الذين اذا اكتالوا على الناس يستوفون، واذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون، ألا يظن أولئك
أنهم ميعوثون، ليوم عظيم، يوم يقوم الناس لرب العالمين
).
ثم مضى يردد الآية: (..يوم يقوم الناس لرب العالمين).
ودموعه تسيل كالمطر. حتى وقع من كثرة وجده وبكائه..!!
ولقد كان جوده، وزهده، وورعه، تعمل معا في فن عظيم، لتشكل أروع فضائل هذا الانسان العظيم..
فهو يعطي الكثير لأنه جواد..ويعطي الحلال الطيب لأنه ورع..
ولا يبالي أن يتركه الجود فقيرا، لأنه زاهد..!!
وكان ابن عمر رضي الله عنه، من ذوي الدخول الرغيدة الحسنة، اذ كان تاجرا أمينا ناجحا شطر حياته، وكان
راتبه من بيت المال وفيرا.. ولكنه لم يدخر هذا العطاء لنفسه قط، انما كان يرسله غدقا على الفقراء،
والمساكين والسائلبن..يحدثنا أيوب بن وائل الراسبي عن أحد مكرماته، فيخبرنا أن ابن عمر جاءه يوما بأربعة
آلافدرهم وقطيفة..وفي اليوم التالي، رآه أيوب بن وائل في السوق يشتري لراحلته علفا نسيئة – أي دينا- ..
فذهب ابن وائل الى أهل بيته وسالهم أليس قد أتى لأبي عبد الرحمن – يعني ابن عمر – بالأمس أربعة آلاف،وقطيفة..؟
قالوا: بلى..
قال: فاني قد رأيته اليوم بالسوق يشتر علفا لراحلته ولا يجد معه ثمنه..
قالوا: انه لم يبت بالأمس حتى فرقها جميعها، ثم أخذ القطيفة وألقاها على ظهره، خرج.. ثم عاد وليست
معه، فسألناه عنهتا. فقال: انه وهبها لفقير..!!
فخرج ابن وائل يضرب كفا بكف. حتى أتى السوق فتوقل مكانا عاليا، وصاح في الناس:
" يا معشر التجار..ما تصنعون بالدنيا، وهذا بن عمر تأتيه الف درهم فيوزعها، ثم يصلح فيستدين علفا لراحلته".
ألا ان من كان محمد أستاذه، وعمر أباه، لعظيم، كفء لكل عظيم..!!
ان وجود عبد الله بن عمر، وزهزد وورعه، هذه الخصال الثلاثة، كانت تحكي لدى عبد الله صدق القدوة..
وصدق البنوّة..فما كان لمن يمعن في التأسي برسول الله، حتى انه ليقف بناقته حيث رأى الرسول
صلى الله عليه وسلم يوقف ناقته. ويقول" لعل خفا يقع على خف".!
والذي يذهب برأيه في برأبيه وتوقيره والاعجاب به الى المدى الذي كانت شخصية عمر تفرضه على الأعداء،
فضلا عن الأقرباء. فضلا عن الأبناء..
أقول ما ينبغي لمن ينتمي لهذا الرسول، ولهذا الوالد أن يصبح للمال عبدا..
ولقد كانت الأموال تاتيه وافرة كثيرة.. ولكنها تمر به مرورا.. وتعبر داره عبورا..

ولم يكن جوده سبيلا الى الزهو، والا الى حسن الأحدوثة.
ومن ثم. فقد كان يخص به المحتاجين والفقراء.. وقلما كان يأكل الطعام وحده.. فلا بد أن يكون معه أيتام،
أو فقراء.. وطالما كان يعاتب بعض أبنائه، حين يولمون للأغنياء، ولا يأتون معهم بالفقراء، ويقول لهم:
"تدعون الشباع. وتدعون الجياع".
وعرف الفقراء عطفه، وذاقوا حلاوة بره وحنانه، فكانوا يجلسون في طريقه، كي يصحبهم الى داره حين يراهم.
وكانوا يحفون به كما تحف أفواج النحل بالأزاهير ترتشف منها الرحيق..!
لقد كان المال بين يديه خادما لا سيدا،،
وكان وسيلة لضروات العيش لا للترف..

ولم يكن ماله وحده، بل كان للفقراء فيه حق معلوم، بل حق متكافئ لا يتميز فيه بنصيب..
ولقد أعانه على هذا الجود الواسع زهده.. فما كان ابن عمر يتهالك على الدنيا، ولا يسعى اليها، بل ولا رجو
منها الا كا يستر الجسد من لباس، ويقيم الأود من الطعام..
أهداه أحد اخوانه القادمين من خراسان حلة ناعمة أنيقة، وقال له:
لقد جئتك بهذا الثوب من خراسان، وانه لتقر عيناي، اذ أراك تنزع عنك ثيابك الخشنة هذه، وترتدي هذا الثوب
الجميل..قال له ابن عمر: أرنيه اذن..
ثم لمسه وقال: أحرير هذا
قال صاحبه: لا .. انه قطن.
وتملاه عبد الله قليلا، ثم دفعه بيمينه وهويقول:"لا.اني أخاف على نفسي.. أخاف ان يجعلني مختالا فخورا..
والله لا يحب كل مختال فخور
".
وأهداه يوما صديقا وعاء مملوءا..
وسأله ابن عمر: ما هذا؟
قال: هذا دواء عظيم جئتك به من العراق.
قال ابن عمر: وماذا يطبب هذا الدواء..؟؟
قال: يهضم الطعام..
فالتسم ابن عمر وقال لصاحبه:" يهضم الطعام..؟ اني لم أشبع من طعام قط منذ أربعين عاما".
ان هذا الذي لم يشبع من الطعام منذ أربعين عاما، لم يكنيترك الشبع خصاصة، بلزهدا وورعا، ومحاولة
للتاسي برسوله وأبيه..
كان يخاف أن يقال له يوم القيامة: (أذهبتم طيّباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها)..
وكان يدرك انه في الدنيا ضيف أو عابر شبيل..
ولقد تحدث عن نفسه قائلا:
"ما وضعت لبنة على لبنة، ولا غرست نخلة منذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم"..
ويقول ميمون بن مهران:
" دخلت على ابن عمر، فقوّمت كل شيء في بيته من فراش، ولحاف وبساط. ومن كل شيء فيه، فما
وجدته تساوي مئة ردهم
".
لم يكن ذلك عن فقر..قد كان ابن عمر ثريا..
ولا كان ذلك عن بخل فقد كان جوّدا سخيا..

زامكا كان عن زهد في الدنيا، وازدراء للترف، والتزام لمنهجه في الصدق والورع..
ولقد عمّر ابن عمر طويلا، وعاش في العصر الأموي الذي فاضت فيها لأموال وانتشرت الضياع، وغطى
البذخ أكث الدور.. بل قل أكثر القصور..
ومع هذا، بقي ذلك الطود الجليل شامخا ثابتا، لا يبرح نهجه ولا يتخلى عن ورعه وزهده.
واذا ذكّر بحظوظ الدنيا ومتاعها التي يهرب منها قال:
"لقد اجتمعت وأصحابي على أمر، واني أخاف ان خالفتهم ألا ألأحق بهم"..
ثم يعلم الآخرين أنه لم يترك دنياهم عجزا، فيرفع يده الى السماء ويقول:
"اللهم انك تعلم أنه لولا مخافتك لزاحمنا قومنا قريشا في هذه الدنيا".

أجل..
لولا مخافة ربه لزاحم في الدنيا، ولكان من الظافرين..
بل انه لم يكن بحاجة الى أن يزاحم، فقد كانت الدنيا تسعى اليه وتطارده بطيباتها ومغرياتها..
وهل هناك كمنصب الخلافة اغراء..؟
لقد عرض على ابن عمر مرات وهو يعرض عنه.. وهدد بالقتل ان لم يقبل.
فازداد له رفضا، وعنه اعراضا..
يقول الحسن رضي الله عنه:
" لما قتل عثمان بن عفان، قالوا لعبد الله بن عمر: انك سيّد الناس، وابن سيد الناس، فاخرج نبايع لك الناس.
قال: ان والله لئن استطعت، لا يهراق بسببي محجمة من دم..
قالوا: لتخرجن، أ، لنقتلنكك على فراشك.. فأعاد عليهم قوله الأول..
فأطمعوه.. وخوّفوه.. فما استقبلوا منه شيئا
".
وفيما بعد.. وبينما الزمان يمر، والفتن تكثر، كان ابن عمر دوما هو الأمل، فيلح الناس عليه، كي يقبل منصب
الخلافة، ويجيئوا له بالبيعة، ولكنه كان دائما يأبى..ولقد يشكل هذا الرفض مأخذا يوجه الى ابن عمر..
بيد أن كان له منطقه وحجته.فبعد مقتل عثمان رضي الله عنه، ساءت الأمور وتفاقمت على نحو ينذر بالسوء
والخطر..وابن عمر وان يك زاهدا في جاه الخلافة، فانه يتقبل مسؤلياتها ويحمل أخطارها، ولكن شريطة أن
يختاره جميع المسلمين طائين، مختارين، أما أن يحمل واحد لا غير على بيعته بالسيف، فهذا ما يرفضه،
ويرفض الخلافة معه..وآنئذ، لم يكن ذلك ممكنا.. فعلى الرغم من فضله، واجماع المسلمين على حبه
وتوقيره، فان اتساع الأمصار، وتنائبها، والخلافات التي احتدمت بين المسلمين، وجعلتهم شيعا تتنابذ بالحرب،
وتتنادى للسيف، لم يجعل الجو مهيأ لهذا الاجماع الذي يشترطه عبدالله بن عمر..
لقيه رجل يوما فقال له: ما أحد شر لأمة محمد منك..!
قال ابن عمر: ولم..؟ فوالله ما سفكت دماءهم، ولا فرقت جماعتهم، ولا شققت عصاهم..
قال الرجل: انك لو شئت ما اختلف فيك اثنان..
قال ابن عمر: ما أحب أنها أتتني، ورجل يقول: لا، وآخر يقول: نعم.
وحتى بعد أن سارت الأحداث شوطا طويلا، واستقر الأمر لمعاوية.. ثم لابنه يزيد من بعده.ز ثم ترك معاوية
الثاني ابن يزيد الخلافة زاهدا فيها بعد أيام من توليها..
حتى في ذلك اليوم، وابن عمر شيخ مسن كبير، كان لا يزال أمل الناس، وأمل الخلافة..
فقد ذهب اليه مروان قال له: هلم يدك نبايع لك، فانك سيد العرب وابن سيدها..
قال له ابن عمر: كيف نصنع بأهل المشرق..؟
قال مروان: نضربهم حتى يبايعوا..
قال ابن عمر:"والله ما أحب أنها تكون لي سبعين عاما، ويقتل بسببي رجل واحد".
فانصرف عنه مروان وهو ينشد:
اني أرى فتنة تغلي مراجلها والملك بعد أبي ليلى لمن غلبا
يعني بأبي ليلى، معاوية بن يزيد...
هذا الرفض لاستعمال القوة والسيف، هو الذي جعل ابن عمر يتخذ من الفتنة المسلحة بين أنصار علي
وأنصار معاوية، موقف العزلة والحياد جاعلا شعاره ونهجه هذه الكلمات:
"من قال حي على الصلاة أجبته..ومن قال حي على الفلاح أجبته..
ومن قال حي على قتل أخيك المسلم واخذ ماله قلت: لا
".
ولكنه في عزلته تلك وفي حياده، لا يماليء باطلا..
فلطالما جابه معاوية وهو في أوج سلطانه يتحديات أوجعته وأربكته..
حتى توعده بالقتل، وهو القائل:" لو كان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت".
وذات يوم، وقف الحجاج خطيبا، فقال:" ان ابن الزبير حرّف كتاب الله"!
فصاح ابن عمر في وجهه:" كذبت، كذبت، كذبت".
وسقط في يد الحجاج، وصعقته المفاجأة، وهو الذي يرهبه كل شيء، فمضى يتوعد ابن عمر بشرّ جزاء..
ولوذح ابن عمر بذراعه في وجه الحجاج، وأجابه الناس منبهرون:
" ان تفعل ما تتوعد به فلا عجب، فانك سفيه متسلط".
ولكنه برغم قوته وجرأته ظل الى آخر أيامه، حريصا على ألا يكون له في الفتنة المسلحة دور ونصيب، رافضا
أن ينحاز لأي فريق...
يقول أبو العالية البراء: " كنت أمشي يوما خلف ابن عمر، وهو لا يشعر بي، فسمعته".
يقول لنفسه:
" واضعين سيوفهم على عواتقهم، يقتل بعضهم بعضا يقولون: يا عبد الله بن عمر، أعط يدك".
وكان ينفجر أسى وألما، حين يرى دماء المسلمين تسيل بأيديهم..!!
ولو استطاع أن يمنع القتال، ويصون الدم لفعل، ولكن الأحداث كانت أقوى منه فاعتزلها.
ولقد كان قلبه مع علي رضي الله عنه، بل وكان معه يقينه فيما يبدو..
حتى لقد روي عنه أنه قال في أخريات أيامه:
" ما أجدني آسى على شيء فاتني من الدنيا الا أني لم أقاتل مع عليّ، الفئة الباغية".
على أنه حين رفض أن يقاتل مع الامام علي الذي كان الحق له، وكان الحق معه، فانه لم يفعل ذلك هربا،
والا التماسا للنجاة.. بل رفضا للخلاف كله، والفتنة كلها، وتجنبا لقتال لا يدو بين مسلم ومشرك، بل بين
مسلمين يأكل بعضهم بعضا..ولقد أوضح ذلك تماما حين سأله نافع قال:" يا أبا عبد الرحمن، أنت ابن عم..
وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت وأنت، فما يمنعك من هذا الأمر_ يعني نصرة علي_؟؟
فأجابه قائلا:
" يمنعني أن الله تعالى حرّم عليّ دم المسلم، لقد قال عز وجل:
(قاتلوهم حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين ..)
ولقد فعلنا وقاتلنا المشركين حتى كان الدين لله،اما اليوم. فيم نقاتل..؟؟
لقد قاتلت الأوثان تملأ الحرم.. من الركن الى الباب، حتى نضاها الله من أرض العرب..
أفأقاتل اليوم من يقول لا اله الا الله
".
هكذا كان منطقه، وكانت حجته، وكان اقتناعه..
فهو اذن لم يتجنب القتال ولم يشترك فيه، لاهروبا، أ، سلبية، بل رفضا لاقرار حرب أهلية بين الأمة المؤمنة،
واستنكافا على أن يشهر مسلم في وجه مسلم سيفا..
ولقد عاش عبد الله بن عمر طويلا.. وعاصر الأيام التي فتحت أبواب الدنيا على المسلمين، وفاضت الأموال،
وكثرت المناصب، واستشرت المطامح والرغبات..
لكن قدرته النفسية الهائلة، غيّرت كيمياء الومن..فجعلت عصر الطموح والمال والفتن.. جعلت هذا العصر
بالنسبة اليه، أيام زهد، وورع ويلام، عاشها المثابر الأواب بكل يقينه، ونسكه وترفعه.. ولم يغلب قط على
طبيعته الفاضلة التي صاغها وصقلها الاسلام في أيامه الأولى العظيمة الشاهقة..
لقد تغيّرت طبيعة الحياة، مع بدء العصر الأموي، ولم يكن ثمّة مفر من ذلك التغيير.. وأصبح العصر يومئذ، عصر
توسع في كل شيء.. توسع لم تستجب اليه مطامح الدولة فحسب، بل ومطامح الجماعة والأفراد أيضا.
ووسط لجج الاغراء، وجيشان العصر المفتون بمزايا التوسع، وبمغانمه، ومباهجه، كان ابن عمر يعيش مع
فضائله، في شغل عن ذلك كله بمواصلة تقدمه الروحي العظيم.
ولقد أحرز من أغراض حياته الجليلة ما كان يرجو حتى لقد وصفه معاصروعه فقالوا:
( مات ابن عمر وهو مثل عمر في الفضل)
بل لقد كان يطيب لهم حين يبهرهم ألق فضائله، أن يقارنوا بينه وبين والده العظيم عمر.. فيقولون:
( كان عمر في زمان له فيه نظراء، وكان ابن عمر في زمان ليس فيه نظير)..!!
وهي مبالغة يغفرها استحقاق ابن عمر لها، أما عمر فلا يقارن بمثله أحد..
وهيهات أن يكون له في كل عصور الزمان نظير..
وفي العام الثاث والسبعين للهجرة.. مالت الشمس للمغيب، ورفعت احدى سفن الأبدية مراسيها، مبحرة
الى العالم الآخر والرفيق الأعلى، حاملة جثمان آخر ممثل لعصر الوحي _في مكة والمدينة_
عبد الله بن عمر بن الخطاب. كان آخر الصحابة رحيلا عن الدنيا كلها أنس بن مالك رضي الله عنه، توفي
بالبصرة، عام واحد وتسعين، وقيل عام ثلاث وتسعين.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 01:43 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



سلمان الفارسي - الباحث عن الحقيقة

من بلاد فارس، يجيء البطل هذه المرة..
ومن بلاد فارس، عانق الاسلام مؤمنون كثيرون فيما بعد، فجعل منهم أفذادا لا يلحقون في الايمان، وفي
العلم.. في الدين، وفي الدنيا..وانها لاحدى روائع الاسلام وعظمائه، ألا يدخل بلدا من بلاد الله اا ويثير في
اعجاز باهر، كل نبوغها ويحرّ: كل طاقاتها، ويحرج خبء العبقرية المستكنّة في أهلها وذويها..
فاذا الفلاسفة المسلمون.. والأطباء المسلمون.. والفقهاء المسلمون.. والفلكيون المسلمون..
والمخترعون المسلمون.. وعلماء الرياضة المسلمون
..
واذا بهم يبزغون من كل أفق، ويطلعون من كل بلد، حتى تزدحم عصور الاسلام الأولى بعبقريات هائلة في
كل مجالات العقل، والارادة، والضمير.. أوطانهم شتى، ودينهم واحد..!!
ولقد تنبأ الرسول عليه السلام بهذا المد المبارك لدينه.. لا، بل وعد به وعد صدق من ربه الكبير العليم..
ولقد زوي له الزمان والمكان ذات يوم ورأى رأي العين راية الاسلام تخفق فوق مدائن الأرض، وقصور أربابها..
وكان سلمان الفارسي شاهدا.. وكان له بما حدث علاقة وثقى.
كان ذلك يوم الخندق. في السنة الخامسة للهجرة. اذ خرج نفر من زعماء اليهود قاصدين مكة، مؤلبين ..
المشركين ومحزّبين الأحزاب على رسول الله والمسلمين، متعاهدين معهم على أن يعاونوهم في حرب
حاسمة تستأصل شأفة هذا الدين الجديد.
ووضعت خطة الحرب الغادرة، على أن يهجم جيش قريش وغطفان "المدينة" من خارجها، بينما يهاجم بنو قريظة
من الداخل، ومن وراء صفوف المسلمين، الذين سيقعون آنئذ بين شقّى رحى تطحنهم، وتجعلهم ذكرى..!
وفوجىء الرسول والمسلمون يوما بجيش لجب يقترب من المدينة في عدة متفوقة وعتاد مدمدم.
وسقط في أيدي المسلمين، وكاد صوابهم يطير من هول المباغتة.
وصوّر القرآن الموقف، فقال الله تعالى:
( اذ جاءوكم من فوقكم ومن أسفل منكم واذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا).
أربعة وعشرون ألف مقاتل تحت قيادة أبي سفيان وعيينة بن حصن يقتربون من المدينة ليطوقوها وليبطشوا
بطشتهم الحاسمة كي ينتهوا من محمد ودينه، وأصحابه..
وهذا الجيش لا يمثل قريشا وحدها.. بل ومعها كل القبائل والمصالح التي رأت في الاسلام خطرا عليها.
انها محاولة أخيرة وحاسمة يقوم بها جميع أعداء الرسول: أفرادا، وجماعات، وقبائل، ومصالح..
ورأى المسلمون أنفسهم في موقف عصيب..
وجمع الرسول أصحابه ليشاورهم في الأمر..

وطبعا، أجمعوا على الدفاع والقتال.. ولكن كيف الدفاع؟؟
هنالك تقدم الرجل الطويل الساقين، الغزير الشعر، الذي كان الرسول يحمل له حبا عظيما، واحتراما كبيرا.
تقدّم سلمان الفارسي وألأقى من فوق هضبة عالية، نظرة فاحصة على المدينة، فألفاها محصنة بالجبال
والصخور المحيطة بها، بيد أن هناك فجوة واسعة، ومهيأة، يستطيع الجيش أن يقتحم منها الحمى في يسر.
وكان سلمان قد خبر في بلاد فارس الكثير من وسائل الحرب وخدع القتال، فتقدم للرسول..
صلى الله عليه وسلم بمقترحه الذي لم تعهده العرب من قبل في حروبها.. وكان عبارة عن حفر خندق
يغطي جميع المنطقة المكشوفة حول المدينة.
والله يعلم ، ماذا كان المصير الذي كان ينتظر المسلمين في تلك الغزوة لو لم يحفروا الخندق الذي لم تكد
قريش تراه حتى دوختها المفاجأة، وظلت قواتها جاثمة في خيامها شهرا وهي عاجزة عن اقتحام المدينة،
حتى أرسل الله تعالى عليها ذات ليلة ريح صرصر عاتية اقتلعت خيامها، وبدّدت شملها..
ونادى أبو سفيان في جنوده آمرا بالرحيل الى حيث جاءوا.. فلولا يائسة منهوكة..!!
خلال حفر الخندق كان سلمان يأخذ مكانه مع المسلمين وهم يحفرون ويدأبون..
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يحمل معوله ويضرب معهم.
وفي الرقعة التي يعمل فيها سلمان مع فريقه وصحبه، اعترضت معولهم صخور عاتية..
كان سلمان قوي البنية شديد الأسر، وكانت ضربة واحدة من ساعده الوثيق تفلق الصخر وتنشره شظايا،
ولكنه وقف أمام هذه الصخرة عاجزا.. وتواصى عليها بمن معه جميعا فزادتهم رهقا..!!
وذهب سلمان الى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في أن يغيّروا مجرى الحفر تفاديا لتلك الصخرة
العنيدة المتحدية.
وعاد الرسول عليه الصلاة والسلام مع سلمان يعاين بنفسه المكان والصخرة..
وحين رآها دعا بمعول، وطلب من أصحابه أن يبتعدوا قليلاعن مرمى الشظايا..

وسمّى بالله، ورفع كلتا يديه الشريفتين القابضتين على المعول في عزم وقوة، وهوى به على الصخرة، فاذا
بها تنثلم، ويخرج من ثنايا صدعها الكبير وهجا عاليا مضيئا.
ويقول سلمان لقد رأيته يضيء ما بين لا بتيها، أي يضيء جوانب المدينة..
وهتف رسول الله صلى الله عليه وسلم مكبرا:
"الله أكبر..أعطيت مفاتيح فارس، ولقد أضاء لي منها قصور الحيرة، ومدائن كسرى، وان أمتي ظاهرة عليها"..
ثم رفع المعول، وهوت ضربته الثانية، فتكررت لظاهرة، وبرقت الصخرة المتصدعة بوهج مضيء مرتفع،،
وهلل الرسول عليه السلام مكبرا:
"الله أكبر.. أعطيت مفاتيح الروم، ولقد أضار لي منها قصورها الحمراء، وان أمتيظاهرة عليها".
ثم ضري ضربته الثالثة فألقت الصخرة سلامها واستسلامها، وأضاء برقها الشديد الباهر، وهلل الرسول
وهلل المسلمون معه.. وأنبأهم أنه يبصر الآن قصور سورية وصنعاء وسواها من مدائن الأرض التي ستخفق
فوقها راية الله يوما، وصاح المسلمون في ايمان عظيم:هذا ما وعدنا الله ورسوله..وصدق الله ورسوله..
كان سلمان صاحب المشورة بحفر الخندق..
وكان صاحب الصخرة التي تفجرت منها بعض أسرار الغيب والمصير، حين استعان عليها برسول الله ..
صلى الله عيه وسلم، وكان قائما الى جوار الرسول يرى الضوء، ويسمع البشرى.. ولقد عاش حتى رأى
البشرى حقيقة يعيشها، وواقعا يحياه، فرأى مداءن الفرس والروم..
رأى قصور صنعاء وسوريا ومصر والعراق..

رأى جنبات الأرض كلها تهتز بالدوي المبارك الذي ينطلق من ربا المآذن العالية في كل مكان مشعا أنوار
الهدى والخير..وها هو ذا، جالس هناك تحت ظل الشجرة الوارفة الملتفة أما داره "بالمدائن"
يحدث جلساءه عن مغامرته العظمى في سبيل الحقيقة، ويقص عليهم كيف غادر دين قومه الفرس الى
المسيحية، ثم الى الاسلام..
كيف غادر ثراء أبيه الباذخ، ورمى نفسه في أحضان الفاقة، بحثا عن خلاص عقله وروحه..
كيف بيع في سوق الرقيق، وهو في طريق بحثه عن الحقيقة..؟؟
كيف التقى بالرسول عليه الصلاة والسلام.. وكيف آمن به..؟؟
تعالوا نقترب من مجلسه الجليل، ونصغ الى النبأ الباهر الذي يرويه..
كنت رجلا من أهل أصبهان، من قرية يقال لها "جي"..
وكان أبي دهقان أرضه.
وكنت من أحب عباد الله اليه..
وقد اجتهدت في المجوسية، حتى كنت قاطن النار التي نوقدها، ولا نتركها نخبو..
وكان لأبي ضيعة، أرسلني اليها يوما، فخرجت، فمررت بكنيسة للنصارى، فسمهتهم يصلون، فدخلت
عليهم أنظر ما يصنعون، فأعجبني ما رأيت من صلاتهم، وقلت لنفسي هذا خير من ديننا الذي نحن عليه،
فما برحتهم حتى غابت الشمس، ولا ذهبت الى ضيعة أبي، ولا رجعت اليه حتى بعث في أثري...
وسألت النصارى حين أعجبني أمرهم و صلاتهم عن أصل دينهم، فقالوا في الشام..
وقلت لأبي حين عدت اليه: اني مررت على قوم يصلون في كنيسة لهم فأعجبتني صلاتهم، ورأيت أن دينهم
خير من ديننا..فحازرني وحاورته.. ثم جعل في رجلي حديدا وحبسني..
وأرسلت الى النصارى أخبرهم أني دخلت في دينهم وسألتهم اذا قدم عليهم ركب من الشام، أن يخبروني
قبل عودتهم اليها لأرحل الى الشام معهم، وقد فعلوا، فحطمت الحديد وخرجت، وانطلقت معهم الى الشام..
وهناك سألت عن عالمهم، فقيل لي هو الأسقف، صاحب الكنيسة، فأتيته وأخبرته خبري، فأقمت معه أخدم،
وأصلي وأتعلم..وكان هذا الأسقف رجل سوء في دينه، اذ كان يجمع الصدقات من الانس ليوزعها، ثم يكتنزها
لنفسه..ثم مات..
وجاءوا بآخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا على دينهم خيرا منه، ولا أعظم منه رغبة في الآخرة، وزهدا في
الدنيا ودأبا على العبادة..وأحببته حبا ما علمت أني أحببت أحدا مثله قبله.. فلما حضر قدره قلت له:
انه قد حضرك من أمر الله تعالى ما ترى، فبم تأمرني والى من توصي بي؟؟
قال: أي بني، ما أعرف أحدا من الناس على مثل ما أنا عليه الا رجلا بالموصل..
فلما توفي، أتيت صاحب الموصل، فأخبرته الخبر، وأقمت معه ما شاء الله أن أقيم، ثم حضرته الوفاة، سألته
فأمرني أن ألحق برجل في عمورية في بلاد الروم، فرحلت اليه، وأقمت معه، واصطنعت لمعاشي بقرات
وغنمات..ثم حضرته الوفاة، فقلت له:
الى من توصي بي؟ فقال لي: يا بني ما أعرف أحدا على مثل ما كنا عليه، آمرك أن تأتيه، ولكنه قد أظلك
زمان نبي يبعث بدين ابراهيم حنيفا.. يهاجر الى أرض ذات نخل بين جرّتين، فان استطعت أن تخلص اليه
فافعل..وان له آيات لا تخفى، فهو لا يأكل الصدقة.. ويقبل الهدية. وان بين كتفيه خاتم النبوة، اذا رأيته عرفته.
ومر بي ركب ذات يوم، فسألتهم عن بلادهم، فعلمت أنهم من جزيرة العرب. فقلت لهم:
أعطيكم بقراتي هذه وغنمي على أن تحملوني معكم الى أرضكم؟.. قالوا: نعم.
واصطحبوني معهم حتى قدموا بي وادي القرى، وهناك ظلموني، وباعوني الى رجل من يهود..
وبصرت بنخل كثير، فطمعت أن تكون هذه البلدة التي وصفت لي، والتي ستكون مهاجر النبي المنتظر..
ولكنها لم تكنها..وأقمت عند الرجل الذي اشتراني، حتى قدم عليه يوما رجل من يهود بني قريظة، فابتاعني
منه، ثم خرج بي حتى قدمت المدينة!! فوالله ما هو الا ان رأيتها حتى أيقنت أنها البلد التي وصفت لي..
وأقمت معه أعمل له في نخله في بني قريظة حتى بعث الله رسوله وحتى قدم المدينة ونزل بقباء في بني
عمرو بن عوف..واني لفي رأس نخلة يوما، وصاحبي جالس تحتها اذ أقبل رجل من يهود، من بني عمه،
فقال يخاطبه: قاتل الله بني قيلة اهنم ليتقاصفون على رجل بقباء، قادم من مكة يزعم أنه نبي..
فوالله ما أن قالها حتى أخذتني العرواء، فرجفت النخلة حتى كدت أسقط فوق صاحبي!! ثم نزلت سريعا،
أقول: ماذا تقول.؟ ما الخبر..؟
فرفع سيدي يده ولكزني لكزة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا..؟
أقبل على عملك..
فأقبلت على عملي..

ولما أمسيت جمعت ما كان عندي ثم خرجت حتى جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء..
فدخلت عليه ومعه نفر من أصحابه، فقلت له:
انكم أهل حاجة وغربة، وقد كان عندي طعام نذرته للصدقة، فلما ذكر لي مكانكم رأيتم أحق الناس به
فجئتكم به..ثم وضعته، فقال الرسول لأصحابه: كلوا باسم الله.. وأمسك هو فلم يبسط اليه يدا..
فقلت في نفسي: هذه والله واحدة .. انه لا يأكل الصدقة..!!
ثم رجعت وعدت الى الرسول عليه السلام في الغداة، أحمل طعاما، وقلت له عليه السلام:
اني رأيتك لا تأكل الصدقة.. وقد كان عندي شيء أحب أن أكرمك به هدية، ووضعته بين يديه،
فقال لأصحابه: كلوا باسم الله..وأكل معهم..
قلت لنفسي: هذه والله الثانية.. انه يأكل الهدية..!!
ثم رجعت فمكثت ما شاء الله، ثم أتيته، فوجدته في البقيع قد تبع جنازة، وحوله أصحابه وعليه شملتلن مؤتزرا
بواحدة، مرتديا الأخرى، فسلمت عليه، ثم عدلت لأنظر أعلى ظهره، فعرف أني أريد ذلك، فألقى بردته عن
كاهله، فاذا العلامة بين كتفيه.. خاتم النبوة، كما وصفه لي صاحبي..
فأكببت عليه أقبله وأبكي.. ثم دعاني عليه الصلاة والسلام فجلست بين يديه، وحدثته حديثي كما أحدثكم
الآن..ثم أسلمت.. وحال الرق بيني وبين شهود بدر وأحد..
وفي ذات يوم قال الرسول عليه الصلاة والسلام:" كاتب سيدك حتى يعتقك"، فكاتبته، وأمر الرسولأصحابه
كي يعونوني. وحرر الله رقبتي، وعشت حرا مسلما، وشهدت مع رسول الله غزوة الخندق، والمشاهد كلها.
هذه القصة مذكورة في الطبقات الكبرى لابن سعد .
بهذه الكلمات الوضاء العذاب.. تحدث سلمان الفارسي عن مغامرته الزكية النبيلة العظيمة في سبيل بحثه
عن الحقيقة الدينية التي تصله بالله، وترسم له دوره في الحياة..
فأي انسان شامخ كان هذا الانسان..؟
أي تفوق عظيم أحرزته روحه الطلعة، وفرضته ارادته الغلابة على المصاعب فقهرتها، وعلى المستحيل
فجعلته ذلولا..؟
أي تبتل للحقيقة.. وأي ولاء لها هذا الذي أخرج صاحبه طائعا مختارا من ضياع أبيه وثرائه ونعمائه الى
المجهول بكل أعبائه، ومشاقه، ينتقل من أرض الى أرض.. ومن بلد الى بلد.. ناصبا، كادحا عابدا..
تفحص بصيرته الناقدة الناس، والمذاهب والحياة.. ويظل في اصراره العظيم وراء الحق، وتضحياته النبيلة
من أجل الهدى حتى يباع رقيقا.. ثم يثيبه الله ثوابه الأوفى، فيجمعه بالحق، ويلاقيه برسوله، ثم يعطيه
من طول العمر ما يشهد معه بكلتا عينيه رايات الله تخفق في كل مكان من الأرض، وعباده المسلمون
يملؤن أركانها وأنحاءها هدى وعمرانا وعدلا..؟!!
ماذا نتوقع أن يكون اسلام رجل هذه همته، وهذا صدقه؟
لقد كان اسلام الأبرار المتقين.. وقد كان في زهده، وفطنته، وورعه أشبه الناس بعمر بن الخطاب.
أقام أياما مع أبي الدرداء في دار واحدة.. وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقوم الليل ويصوم النهار..
وكان سلمان يأخذ عليه مبالغته في العبادة على هذا النحو.
وذات يوم حاول سلمان أن يثني عزمه على الصوم، وكان نافلة..
فقال له أبو الدرداء معاتبا: أتمنعني أن أصوم لربي، وأصلي له..؟ّ
فأجابه سلمان قائلا:ان لعينك عليك حقا، وان لأهلك عليك حقا، صم وافطر، وصل ونم..
فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فقال:" لقد أشبع سلمان علما ".
وكان الرسول عليه السلام يرى فطنته وعلمه كثيرا، كما كان يطري خلقه ودينه..
ويوم الخندق، وقف الأنصار يقولون: سلمان منا.. وقف المهاجرون يقولون بل سلمان منا..
وناداهم الرسول قائلا:" سلمان منا آل البيت".
وانه بهذا الشرف لجدير..
وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يلقبه بلقمان الحكيم سئل عنه بعد موته فقال:
[ذاك امرؤ منا والينا أهل البيت.. من لكم بمثل لقمان الحكيم..؟
أوتي العلم الأول، والعلم الآخر، وقرأ الكتاب الأول والكتاب الآخر، وكان بحرا لا ينزف
].
ولقد بلغ في نفوس أصحاب الرسول عليه السلام جميعا المنزلة الرفيعة والمكان الأسمى.
ففي خلافة عمر جاء المدينة زائرا، فصنع عمر ما لا نعرف أنه صنعه مع أحد غيره أبدا..
اذ جمع أصحابه وقال لهم:"هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان".!!
وخرج بهم لاستقباله عند مشارف المدينة.
لقد عاش سلمان مع الرسول منذ التقى به وآمن معه مسلما حرّا، ومجاهدا وعابدا.
وعاش مع خليفته أبي بكر، ثم أمير المؤمنين عمر، ثم الخليفة عثمان حيث لقي ربه أثناء خلافته.
وفي معظم هذه السنوات، كانت رايات الاسلام تملأ الأفق، وكانت الكنوز والأموال تحمل الى المدينة فيئا
وجزية، فتورّع الانس في صورة أعطيت منتظمة، ومرتبات ثابتة.
وكثرت مسؤوليات الحكم على كافة مستوياتها، فكثرت الأعمال والمناصب تبعا لها..
فأين كان سلمان في هذا الخضم..؟ وأين نجده في أيام الرخاء والثراء والنعمة تلك..؟
افتحوا ابصاركم جيدا..أترون هذا الشيخ المهيب الجالس هناك في الظل يضفر الخوص ويجدله ويصنع منه
أوعية ومكاتل..؟
انه سلمان..انظروه جيدا..انظروه جيدا في ثوبه القصير الذي انحسر من قصره الشديد الى ركبته..
انه هو، في جلال مشيبه، وبساطة اهابه.
لقد كان عطاؤه وفيرا.. كان بين أربعة وستة آلاف في العام، بيد أنه كان يوزعه جميعا، ويرفض أن يناله منه
درهم واحد، ويقول: "أشتري خوصا بدرهم، فأعمله، ثم أبيعه بثلاثة دراهم، فأعيد درهما فيه، وأنفق درهما
على عيالي، وأتصدّق بالثالث.. ولو أن عمر بن الخطاب نهاني عن ذلك ما انتهيت
"!
ثم ماذا يا أتباع محمد..؟
ثم ماذا يا شرف الانسانية في كل عصورها وواطنها..؟؟
لقد كان بعضنا يظن حين يسمع عن تقشف بعض الصحابة وورعهم، مثل أبي بكر الصديق وعمر وأبي ذر
واخوانهم، أن مرجع ذلك كله طبيعة الحياة في الجزيرة العربية حيث يجد العربي متاع نفسه في البساطة..
فها نحن أمام رجل من فارس.. بلاد البذخ والترف والمدنية، ولم يكن من الفقراء بل من صفوة الناس. ما باله
يرفض هذا المال والثروة والنعيم، ويصر أن يكتفي في يومه بدرهم يكسبه من عمل يده..؟
ما باله يرفض اامارة ويهرب منها ويقول:"ان استطعت أن تأكل التراب ولا تكونن أميرا على اثنين؛ فافعل..".
ما باله يهرب من الامارة والمنصب، الا أن تكون امارة على سريّة ذاهبة الى الجهاد.. والا أن تكون في ظروف
لا يصلح لها سواه، فيكره عليها اكراها، ويمضي اليها باكيا وجلا..؟
ثم ما باله حين يلي على الامارة المفروضة عليه فرضا يأبى أنيأخذ عطاءها الحلال..؟؟
روى هشام عن حسان عن الحسن:" كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان على ثلاثين ألفا من الناس يخطب
في عباءة يفترش نصفها، ويلبس نصفها.
."
"وكان اذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من عمل يديه..".
ما باله يصنع كل هذا الصنيع، ويزهد كل ذلك الزهد، وه الفارسي، ابن النعمة، وربيب الحضارة..؟
لنستمع الجواب منه. وهو على فراش الموت. تتهيأ روحه العظيمة للقاء ربها العلي الرحيم.
دخل عليه سعد بن أبي وقاص يعوده فبكى سلمان..
قال له سعد:" ما يبكيك يا أبا عبد الله..؟ لقد توفي رسول الله وهو عنك راض".
فأجابه سلمان:
" والله ما أبكي جزعا من الموت، ولاحرصا على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد الينا عهدا،
فقال: ليكن حظ أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وهأنذا حولي هذه الأساود
"!!
يعني بالأساود الأشياء الكثيرة!
قال سعد فنظرت، فلم أرى حوله الا جفنة ومطهرة، فقلت له: يا أبا عبدالله اعهد الينا بعهد نأخذه عنك،
فقال:" يا سعد: اذكر عند الله همّتك اذا هممت..وعند حكمتك اذا حكمت..وعند يدك اذا قسمت.."
هذا هو اذن الذي ملأ نفسه غنى، بقدر ما ملأها عزوفا عن الدنيا بأموالها، ومناصبها وجاهها..
عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليه والى أصحابه جميعا: ألا يدعو الدنيا تتملكهم، وألا يأخذ أحدهم
منها الا مثل زاد الركب..
ولقد حفظ سلمان العهد ومع هذا فقد هطلت دموعه حين رأى روحه تتهيأ للرحيل، مخافة أن يكون قد جاوز
المدى..ليس حوله الا جفنة يأكل فيها، ومطهرة يشرب منها ويتوضأ ومع هذا يحسب نفسه مترفا..
ألم أقل لكم انه أشبه الناس بعمر..؟
وفي الأيام التي كان فيها أميرا على المدائن، لم يتغير من حاله شيء. فقد رفض أن يناله من مكافأة الامارة
درهم.. وظل يأكل من عمل الخوص.. ولباسه ليس الا عباءة تنافس ثوبه القديم في تواضعها..
وذات يوم وهو سائر على الطريق لقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل تين وتمر..
كان الحمل يؤد الشامي ويتعبه، فلم يكد يبصر أمامه رجلا يبدو أنه من عامة الناس وفقرائهم، حتى بدا له أن
يضع الحمل على كاهله، حتى اذا أبلغه وجهته أعطاه شيئا نظير حمله..
وأشار للرجل فأقبل عليه، وقال له الشامي: احمل عني هذا.. فحمله ومضيا معا.
واذ هما على الطريق بلغا جماعة من الانس، فسلم عليهم، فأجابوا واقفين: وعلى الأمير السلام..
وعلى الأمير السلام..؟
أي أمير يعنون..؟!!
هكذا سأل الشامي نفسه..
ولقد زادت دهشته حين رأى بعض هؤلاء يسارع صوب سلمان ليحمل عنه قائلين:
عنك أيها الأمير..!!
فعلم الشامي أنه أمير المدائن سلمان الفارسي، فسقط في يده، وهربت كلمات الاعتذار والأسف من بين
شفتيه، واقترب ينتزع الحمل..
ولكن سلمان هز رأسه رافضا وهو يقول:" لا، حتى أبلغك منزلك"..!!
سئل يوما: ما الذي يبغض الامارة الى نفسك.؟
فأجاب: " حلاوة رضاعها، ومرارة فطامها"..
ويدخل عليه صاحبه يوما بيته، فاذا هو يعجن، فيسأله:أين الخادم..؟
فيجيبه قائلا:" لقد بعثناها في حاجة، فكرهنا أن نجمع عليها عملين.."
وحين نقول بيته فلنذكر تماما، ماذا كان ذاك البيت..؟ فحين همّ سلمان ببناء هذا الذي يسمّى مع التجوّز بيتا،
سأل البنّاء: كيف ستبنيه..؟
وكان البنّاء حصيفا ذكيا، يعرف زهد سلمان وورعه.. فأجابه قائلا:" لا تخف.. انها بناية تستظل بها من الحر،
وتسكن فيها من البرد، اذا وقفت فيها أصابت رأسك، واذا اضطجعت فيها أصابت رجلك
"..!
فقال له سلمان: "نعم هكذا فاصنع".
لم يكن هناك من طيبات الحياة الدنيا شيء ما يركن اليه سلمان لحظة، أو تتعلق به نفسه اثارة، الا شيئا كان
يحرص عليه أبلغ الحرص، ولقد ائتمن عليه زوجته، وطلب اليها أن تخفيه في مكان بعيد وأمين.
وفي مرض موته وفي صبيحة اليوم الذي قبض فيه، ناداها: "هلمي خبيّك التي استخبأتك"..!!
فجاءت بها، واذا هي صرة مسك، كان قد أصابها يوم فتح "جلولاء" فاحتفظ بها لتكون عطره يوم مماته.
ثم دعا بقدح ماء نثر المسك فيه، ثم ماثه بيده، وقال لزوجته:
"انضجيه حولي.. فانه يحصرني الآن خلق من خلق الله، لا يأكلون الطعام، وانما يحبون الطيب".
فلما فعلت قال لها:" اجفئي علي الباب وانزلي".. ففعلت ما أمرها به..
وبعد حين صعدت اليه، فاذا روحه المباركة قد فارقت جسده ودنياه.
قد لحقت بالملأ الأعلى، وصعدت على أجنحة الشوق اليه، اذ كانت على موعد هناك مع الرسول محمد،
وصاحبيه أبي بكر وعمر.. ومع ثلة مجيدة من الشهداء والأبرار.
لطالما برّح الشوق الظامئ بسلمان..
وآن اليوم أن يرتوي، وينهل..








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 01:44 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



الطفيل بن عمرو الدوسي - الفطرة الراشدة

في أرض دوس نشأ بين أسرة شريفة كريمة..وأوتي موهبة الشعر، فطار بين القبائل صيته ونبوغه..
وفي مواسم عكاظ حيث يأتي الشعراء العرب من كل فج ويحتشدون ويتباهون بشعرائهم، كان الطفيل يأخذ
مكانه في المقدمة..كما كان يتردد على مكة كثيرا في غير مواسم عكاظ..
وذات مرة كان يزورها، وقد شرع الرسول يجهر بدعوته..وخشيت قريش أن يلقاه الطفيل ويسلم، ثم يضع
موهبته الشعرية في خدمة الاسلام، فتكون الطامة على قريش وأصنامها..
من أجل ذلك أحاطوا به.. وهيئوا له من الضيافة كل أسباب الترف والبهجة والنعيم، ثم راحوا يحذرونه لقاء
رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقولون له:
" ان له قولا كالسحر، يفرّق بين الرجل وابيه.. والرجل وأخيه.. والرجل وزوجته.. ونا نخشى عليك وعلى قومك
منه، فلا تكلمه ولا تسمع منه حديثا
".
ولنصغ للطفيل ذاته يروي لنا بقية النبأ فيقول:
" فوالله ما زالوا بي حتى عزمت ألا أسمع منه شيئا ولا ألقاه".
وحين غدوت الى الكعبة حشوت أذنيّ كرسفا كي لا أسمع شيئا من قوله اذا هو تحدث..
وهناك وجدته قائما يصلي عند الكعبة، فقمت قريبا منه، فأبي الله الا أن يسمعني بعض ما يقرأ، فسمعت
كلاما حسنا..
وقلت لنفسي: واثكل أمي.. والله اني لرجل لبيب شاعر، لا يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن
أسمع من الرجل ما يقول، فان كان الذي يأتي به حسن قبلته، وان كان قبيحارفضته.
ومكثت حتى انصرف الى بيته، فاتبعته حتى دخل بيته، فدخلت وراءه، وقلت له: يا محمد، ان قومك قد حدثوني
عنك كذا وكذا.. فوالله ما برحوا يخوّفوني أمرك حتى سددت أذنيّ بكرسف لئلا أسمع قولك..
ولكن الله شاء أن أسمع، فسمعت قولا حسنا، فاعرض عليّ أمرك..
فعرض الرسول عليّ الاسلام، وتلا عليّ من القرآن..

فأسلمت، وشهدت شهادة الحق، وقلت: يا رسول الله: اني امرؤ مطاع في قومي واني راجع اليهم، وداعيهم
الى الاسلام، فادع الله أن يجعل لي آية تكون عونا لي فيما أدعهوهم اليه،..
فقال عليه السلام: "اللهم اجعل له آية"..
لقد أثنى الله تعالى في كتابه على " الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه"..
وها نحن أولاء نلتقي بواحد من هؤلاء..
انه صورة صادقة من صور الفطرة الرشيدة..

فما كاد سمعه يلتقط بعض آيات الرشد والخير التي أنزلها الله على فؤاد رسوله، حتى تفتح كل سمعه، وكل
قلبه. وحتى بسط يمينه مبايعا.. ليس ذلك فحسب.. بل حمّل نفسه من فوره مسؤولية دعوة قومه وأهله
الى هذا الدين الحق، والصراط المستقيم..!
من أجل هذا، نراه لا يكاد يبلغ بلده وداره في أرض دوس حتى يواجه أباه بالذي من قلبه من عقيدة واصرار،
ويدعو أباه الى الاسلام بعد أن حدّثه عن الرسول الذي يدعو الى الله..
حدثه عن عظمته.. وعن طهره وأمانته.. عن اخلاصه واخباته لله رب العالمين..
وأسلم أبوه في الحال..
ثم انتقل الى أمه، فأسلمت
ثم الى زوجه، فأسلمت..

ولما اطمأن الى أن الاسلام قد غمر بيته، انتقل الى عشيرته، والى أهل دوس جميعا.. فلم يسلم منهم
أحد سوى أبي هريرة رضي الله عنه..
ولقد راحوا يخذلونه، وينأون عنه، حتى نفذ صبره معهم وعليهم. فركب راحلته، وقطع الفيافي عائدا الى
رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو اليه ويتزوّد منه بتعاليمه..
وحين نزل مكة، سارع الى دار الرسول تحدوه أشواقه..

وقال للنبي: " يا رسول الله..انه ق غلبني على دوس الزنى، والربا، فادع الله أن يهلك دوسا".
وكانت مفاجأة أذهلت الطفيل حين رأى الرسول يرفع كفيه الى السماء وهو يقول:
" اللهم اهد دوسا وأت بهم مسلمين".
ثم التفت الى الطفيل وقال له:" ارجع الى قومك فادعهم وارفق بهم".
ملأ هذا المشهد نفس الطفيل روعة، وملأ روحه سلاما، وحمد اله أبلغ الحمد أن جعل هذا الرسول الانسان
الرحيم معلمه وأستاذه. وأن جعل الاسلام دينه وملاذه.
ونهض عائدا الى أرضه وقومه وهناك راح يدعوهم الى الاسلام في أناة ورفق، كما أوصاه الرسول عليه السلام.
وخلال الفترة التي قضاها بين قومه، كان الرسول قد هاجر الى المدينة وكانت قد وقعت غزوة بدر، أحد والخندق.
وبينما رسول الله في خيبر بعد أن فتحها الله على المسلمين اذا موكب حافل ينتظم ثمانين اسرة من دوس
أقبلوا على الرسول مهللين مكبّرين ..
وبينما جلسوا يبايعون تباعا..

ولما فرغوا من مشهدهم الحافل، وبيعتهم المباركة جلس الطفيل بن عمرو مع نفسه يسترجع ذكرياته ويتأمل
خطاه على الطريق..!!
تذكر يوم قدوم الرسول يسأله أن يرفع كفيه الى السماء ويقول:
اللهم اهلك دوسا، فاذا هو يبتهل بدعاء آخر أثار يومئذ عجبه..
ذلك هو:" اللهم اهد دوسا وأت بهم مسلمين".
ولقد هدى الله دوسا..
وجاء بهم مسلمين..

وها هم أولاء.. ثمانون بيتا، وعائلة منهم، يشكلون أكثرية أهلها، يأخذون مكانهم في الصفوف الطاهرة خلف
رسول الله الأمين.
ويواصل الطفيل عمله مع الجماعة المؤمنة..
ويوم فتح مكة، كان يدخلها مع عشرة آلاف مسلم لا يثنون أعطافهم زهوا وصلفا، بل يحنون جباههم في
خشوع واذلال، شكرا لله الذي أثابهم فتحا قريبا، ونصرا مبينا..
ورأى الطفيل رسول الله وهو يهدم أصنام الكعبة، ويطهرها بيده من ذلك الرجس الذي طال مداه..
وتذكر الدوسي من فوره صنما كان لعمرو بن حممة. طالما كان عمرو هذا يصطحبه اليه حين ينزل ضيافته،
فيتخشّع بين يديه، ويتضرّع اليه..!!
الآن حانت الفرصة ليمحو الطفيل عن نفسه اثم تلك الأيام.. هنالك تقدم من الرسول عليه الصلاة والسلام
يستأذنه في أن يذهب ليحرق صنم عمرو بن حممة وكان هذا الصنم يدعى، ذا الكفين، ..
وأذن له النبي عليه السلام..ويذهب الطفيل ويوقد عليه النار..
وكلما خبت زادها ضراما وهو ينشد ويقول:
يا ذا الكفين لست من عبّادكا
ميلادنا أقدم من ميلادكا!!
اني حشوت النار في فؤادكا
وهكذا عاش مع النبي يصلي وراءه، ويتعلم منه، ويغزو معه.
وينتقل الرسول الى الرفيق الأعلى، فيرى الطفيل أن مسؤوليته كمسلم لم تنته بموت الرسول، بل انها
لتكاد تبدأ..وهكذا لم تكد حروب الردة تنشب حتى كان الطفيل يشمّر لها عن ساعد وساق، وحتى كان
يخوض غمراتها وأهوالها في حنان مشتاق الى الشهادة..
اشترك في حروب الردة حربا.. حربا..
"وفي موقعة اليمامة خرج مع المسلمين مصطحبا معه ابنه عمرو بن الطفيل".
ومع بدء المعركة راح يوضي ابنه أن يقاتل جيش مسيلمة الكذاب قتال من يريد الموت والشهادة..
وأنبأه أنه يحس أنه سيموت في هذه المعركة..وهكذا حمل سيفه وخاض القتال في تفان مجيد..

لم يكن يدافع بسيفه عن حياته.
بل كان يدافع بحياته عن سيفه.

حتى اذا مات وسقط جسده، بقي السيف سليما مرهفا لتضرب به يد أخرى لم يسقط صاحبها بعد..!!
وفي تلك الموقعة استشهد الطفيل الدوسي رضي الله عنه..
وهو جسده تحت وقع الطعان، وهو يلوّح لابنه الذي لم يكن يراه وسط الزحام..!!
يلوّح له وكأنه يهيب به ليتبعه ويلحق به..
ولقد لحق به فعلا.. ولكن بعد حين..

ففي موقعة اليرموك بالشام خرج عمرو بن الطفيل مجاهدا وقضى نحبه شهيدا..
وكان وهو يجود بأنفاسه، يبسط ذراعه اليمنى ويفتح كفه، كما لو كان سيصافح بها أحدا.. ومن يدري..؟؟
لعله ساعتئذ كان يصافح روح أبيه..!!








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:26 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



عباد بن بشر - معه من الله نور

عندما نزل مصعب بن عمير المدينة موفدا من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليعلم الأنصار الذين
بايعوا الرسول على الاسلام، وليقيم بهم الصلاة، كان عباد بن بشر رضي الله عنه واحدا من الأبرار الذين
فتح الله قلوبهم للخير، فأقبل على مجلس مصعب وأصغى اليه ثم بسط يمينه يبايعه على الاسلام، ومن
يومئذ أخذ مكانه بين الأنصار الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه..
وانتقل النبي الى المدينة مهاجرا، بعد أن سبقه اليها المؤمنون بمكة.
وبدأت الغزوات التي اصطدمت فيها قوى الخير والنور مع قوى الظلام والشر.
وفي تلك المغازي كان عباد بن بشر في الصفوف الأولى يجاهد في سبيل الله متفانيا بشكل يبهر الألباب.
ولعل هذه الواقعة التي نرويها الآن تكشف عن شيء من بطولة هذا المؤمن العظيم..
بعد أن فرغ رسول الله والمسلمين من غزوة ذات الرقاع نزلوا مكانا يبيتون فيه، واختار الرسول للحراسة نفرا
من الصحابة يتناوبونها وكان منهم عمار بن ياسر وعباد بن بشر في نوبة واحدة.
ورأى عباد صاحبه عمار مجهدا، فطلب منه أن ينام أول الليل على أن يقوم هو بالحراسة حتى يأخذ صاحبه
من الراحة حظا يمكنه من استئناف الحراسة بعد أن يصحو.
ورأى عباد أن المكان من حوله آمن، فلم لا يملأ وقته اذن بالصلاة، فيذهب بمثوبتها مع مثوبة الحراسة..؟!
وقام يصلي..
واذ هو قائم يقرأ بعد فاتحة الكتاب سور من القرآن، احترم عضده سهم فنزعه واستمر في صلاته..!
ثم رماه المهاجم في ظلام الليل بسهم ثان نزعه وأنهى تلاوته..
ثم ركع، وسجد.. وكانت قواه قد بددها الاعياء والألم، فمدّ يمينه وهو ساجد الى صاحبه النائم جواره، وظل
يهزه حتى استيقظ..
ثم قام من سجوده وتلا التشهد.. وأتم صلاته.
وصحا عمار على كلماته المتهدجة المتعبة تقول له:" قم للحراسة مكاني فقد أصبت".
ووثب عمار محدثا ضجة وهرولة أخافت المتسللين، ففرّوا ثم التفت الى عباد وقال له:
" سبحان الله..هلا أيقظتني أوّل ما رميت
فأجابه عباد:
" كنت أتلو في صلاتي آيات من القرآن ملأت نفسي روعة فلم أحب أن أقطعها.
ووالله، لولا أن أضيع ثغرا أمرني الرسول بحفظه، لآثرت الموت على أن أقطع تلك الآيات التي كنت أتلوها
".
كان عباد شديد الولاء والحب لله، ولرسوله ولدينه..
وكان هذا الولاء يستغرق حياته كلها وحسه كله.
ومنذ سمع النبي عليه الصلاة والسلام يقول مخاطبا الأنصار الذين هو منهم:
" يا معشر الأنصار..أنتم الشعار، والناس الدثار..فلا أوتيّن من قبلكم".
نقول منذ سمع عباد هذه الكلمات من رسوله، ومعلمه، وهاديه الى الله، وهو يبذل روحه وماله وحياته
في سبيل الله وفي سبيل رسوله..في مواطن التضحية والموت، يجيء دوما أولا..
وفي مواطن الغنيمة والأخذ، يبحث عنه أصحابه في جهد ومشقة حتى يجدوه..!
وهو دائما: عابد، تستغرقه العبادة..بطل، تستغرقه البطولة..جواد، يستغرقه الجود..
مؤمن قوي نذر حياته لقضية الايمان..!!
وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:
ثلاثة من الأنصار لم يجاوزهم في الفضل أحد
:
" سعد بن معاذ..وأسيد بن خضير..وعبّاد بن بشر"..
وعرف المسلمون الأوائل عبادا بأنه الرجل الذي معه نور من الله..فقد كانت بصيرته المجلوّة المضاءة
تهتدي الى مواطن الخير واليقين في غير بحث أو عناء..بل ذهب ايمان اخوانه بنوره الى الحد الذي
أسبغوا عليه في صورة الحس والمادة، فأجمعوا على ان عبادا كان اذا مشى في الظلام انبعثت منه
أطياف نور وضوء، تضيء له الطريق..
وفي حروب الردة، بعد وفاة الرسول عليه السلام، حمل عباد مسؤولياته في استبسال منقطع النظير..
وفي موقعة اليمامة التي واجه المسلمون فيها جيشا من أقسى وأمهر الجيوش تحت قيادة مسيلمة
الكذاب أحسّ عبّاد بالخطر الذي يتهدد الاسلام..
وكانت تضحيته وعنفوانه يتشكلان وفق المهام التي يلقيها عليه ايمانه، ويرتفعان الى مستوى احساسه
بالخطر ارتفاعا يجعل منه فدائيا لا يحرص على غير الموت والشهادة..
وقبل أن تبدأ معركة اليمامة بيوم، رأى في منامه رؤيا لم تلبث أن فسرت مع شمس النهار، وفوق أرض
المعركة الهائلة الضارية التي خاضها المسلمون..
ولندع صحابيا جليلا هو أبو سعيد الخدري رضي الله عنه يقص علينا الرؤيا التي رآها عبّاد وتفسيره لها،
ثم موقفه الباهر في القتال الذي انتهى باستشهاده..
يقول أبو سعيد:
" قال لي عباد بن بشر يا أبا سعيد رأيت الليلة، كأن السماء قد فرجت لي، ثم أطبقت عليّ".
واني لأراها ان شاء الله الشهادة..فقلت له: خيرا والله رأيت..
واني لأنظر اليه يوم اليمامة، وانه ليصيح بالأنصار:احطموا جفون السيوف، وتميزوا من الناس..
فسارع اليه أربعمائة رجل، كلهم من الأنصار، حتى انتهوا الى باب الحديقة، فقاتلوا أشد القتال..
واستشهد عباد بن بشر رحمه الله..
ورأيت في وجهه ضربا كثيرا، وما عرفته الا بعلامة كانت في جسده..
هكذا ارتفع عباد الى مستوى واجباته كؤمن من الأنصار، بايع رسول الله على الحياة لله، والموت في سبيله.
وعندما رأى المعركة الضارية تتجه في بدايتها لصالح الأعداء، تذكر كلمات رسول الله لقومه الأنصار:
" أنتم الشعار..فلا أوتيّن من قبلكم".
وملأ الصوت روعه وضميره..حتى لكأن الرسول عليه الصلاة والسلام قائم الآن يردده كلماته هذه..
وأحس عباد أن مسؤولية المعركة كلها انما تقع على كاهل الأنصار وحدهم.. أو على كاهلهم قبل سواهم..
هنالك اعتلى ربوة وراح يصيح:" يا معشر الأنصار..احطموا جفون السيوف..وتميزوا من الناس"..
وحين لبّى نداءه أربعمائة منهم قادهم هو وأبو دجانة والبراء ابن مالك الى حديقة الموت حيث كان جيش
مسيلمة يتحصّن.. وقاتل البطل القتال اللائق به كرجل.. وكمؤمن.. وكأنصاري..
وفي ذلك اليوم المجيد استشهد عباد..لقد صدقت رؤياه التي رآها في منامه بالأمس..ألم يكن قد رأى
السماء تفتح، حتى اذا دخل من تلك الفرجة المفتوحة، عادت السماء فطويت عليه، وأغلقت؟
وفسرّها هو بأن روحه ستصعد في المعركة المنتظرة الى بارئها وخالقها..؟؟
لقد صدقت الرؤيا، وصدق تعبيره لها..ولقد تفتحت أبواب السماء لتستقبل في حبور، روح عبّاد بن بشر.
الرجل الذي كان معه من الله نور..!








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:26 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


سلمة بن الأكوع - بطل المشاة

أراد ابنه أيّاس أن يلخص فضائله في عبارة واحدة.
فقال: " ماكذب أبي قط".
وحسب انسان أن يحرز هذه الفضيلة، ليأخذ مكانه العالي بين الأبرار والصالحين..ولقد أحرزها سلمة بن الأكوع
وهو جدير بها..كان سلمة من رماة العرب المعدودين، وكان كذلك من المبرزين في الشجاعة والكرم وفعل
الخيرات..وحين أسلم نفسه للاسلام، أسلمها صادقا منيبا، فصاغها الاسلام على نسقه العظيم.
وسلمة بن الأكوع من أصحاب بيعة الرضوان.
حين خرج الرسول وأصحابه عام ست من الهجرة، قاصدين زيارة البيت الحرام، وتصدّت لهم قلريش تمنعهم.
أرسل النبي اليهم عثمان بن عفان ليخبرهم أن النبي جاء زائرا لا مقاتلا..
وفي انتظار عودة عثمان، سرت اشاعة بأن قريشا قد قتلته،وجلس الرسول في ظل الشجرة يتلقى بيهة أصحابه
واحدا واحدا على الموت..
يقول سلمة:
" بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت تحت الشجرة،. ثم تنحيّت، فلما خف الناس قال يا سلمة مالك
لا تبايع..
؟
قلت: قد بايعت ي رسول الله، قال: وأبضا.. فبايعته".
ولقد وفى بالبعة خير وفاء..بل وفى بها قبل أن يعطيها، منذ شهد أن لا اله الا الله، وأن محمدا رسول الله..
يقول:" غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع زيد بن حارثة تسع غزوات".
كان سلمة من أمهر الذين يقاتلون مشاة، ويرمون بالنبال والرماح،
وكانت طريقته تشبه طريقة بعض حروب العصابات الكبيرة التي تتبع اليوم.. فكان اذا هاجمه عدوه تقهقر دونه،
فاذا أدبر العدو أو وقف يستريح هاجمه في غير هوادة..
وبهذه الطريقة استطاع أن يطارد وحده، القوة التي أغارت على مشارف المدينة بقيادة عيينة بن حصن الفزاري
في الغزوة المعروفة بغزو ذي قرد..خرج في أثرهم وحده، وظل يقاتلهم ويراوغهم، ويبعدهم عن المدينة حتى
أدركه الرسول في قوة وافرة من أصحابه..
وفي هذا اليوم قال الرسول لأصحابه: " خير رجّالتنا ، أي مشاتنا، سلمة بن الأكوع".
ولم يعرف سلمة الأسى والجزع الا عند مصرع أخيه عامر بن الأكوع في حرب خيبر..
وكان عامر يرتجز أمام جيش المسلمين هاتفا:
لا همّ لولا أنت ما اهتدينا
ولا تصدّقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا
وثبت الأقدام ان لاقينا


في تلك المعركة ذهب عامر يضرب بسيفه أحد المشركين فانثنى السيف في يده وأصابت ذوّابته منه مقتلا..
فقال بعض المسلمين:" مسكين عامر حرم الشهادة".
عندئذ لا غير جزع سلمة جزعا شديدا، حين ظنّ كما ظن غيره أن أخاه وقد قتل نفسه خطأ قد حرم أجر الجهاد،
وثواب الشهادة..لكن الرسول الرحيم سرعان ما وضع الأمرو في نصابها حين ذهب اليه سلمة..
وقال له:أصحيح يا رسول الله أن عامرا حبط عمله..؟
فأجابه الرسول عليه السلام: " انه قتل مجاهدا وأن له لأجرين وانه الآن ليسبح في أنهار الجنة".
وكان سلمة على جوده المفيض أكثر ما يكون جوادا اذا سئل بوجه الله..فلو أن انسانا سأله بوجه الله أن يمنحه
حياته، لما تردد في بذلها..ولقد عرف الناس منه ذلك، فكان أحدهم اذا أراد أن يظفر منه بشيء ..
قال له " من لم يعط بوجه الله، فبم يعطي".
ويوم قتل عثمان، رضي الله عنه، أدرك المجاهد الشجاع أن أبواب الفتنة قد فتحت على المسلمين.
وما كان له وهو الذي قضى عمره يقاتل بين اخوانه أن يتحول الى مقاتل ضد اخوانه..
أجل ان الرجل الذي حيّا الرسول مهارته في قتال المشركين، ليس من حقه أن يقاتل بهذه المهارة مسلما.
ومن ثمّ، فقد حمل متاعه وغادر المدينة الى الربدة.. نفس المكان الذي اختاره أبو ذر من قبل مهاجرا له
ومصيرا..وفي الرّبدة عاش سلمة بقية حياته، حتى كان يوم عام أربعة وسبعين من الهجرة، فأخذه السوق الى
المدينة فسافر اليها زائرا، وقضى بها يوما، وثانيا..
وفي اليوم الثالث مات.. وهكذا ناداه ثراها الحبيب الرطيب ليضمّه تحت جوانحه ويؤويه مع من آوى قبله من
الرفاق المباركين، والشهداء الصالحين.









| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:27 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



الأرقم بن أبي الأرقم

صاحب دار الدعوة ..إنه الصحابي الجليل الأرقم بن أبي الأرقم القرشي المخزومي -رضي الله عنه- وكنيته
أبو عبد الله، أحد السابقين إلى الإسلام، قيل إنه سابع من أسلم، وقيل بل عاشر من أسلم. وفي الدار
التي كان يمتلكها الأرقم على جبل الصفا، كان النبي يجتمع بأصحابه بعيدًا عن أعين المشركين؛
ليعلمهم القرآن وشرائع الإسلام، وفي هذه الدار أسلم كبار الصحابة وأوائل المسلمين، وهاجر الأرقم إلى
المدينة، وفيها آخى رسول الله بينه وبين زيد بن سهل -رضي الله عنهما-.
وشهد الأرقم بن أبي الأرقم بدرًا وأحدًا والغزوات كلها، ولم يتخلف عن الجهاد، وأعطاه رسول الله (دارًا بالمدينة).
وروى أن الأرقم -رضي الله عنه- تجهز يومًا، وأراد الخروج إلى بيت المقدس، فلما فرغ من التجهيز والإعداد،
جاء إلى النبي ( يودعهفقال له النبي: (ما يخرجك يا أبا عبد الله، أحاجة أم تجارة ؟)
فقال له الأرقم: يا رسول الله! بأبي أنت وأمى، أني أريد الصلاة في بيت المقدس، فقال له الرسول :
(صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام) فجلس الأرقم، وعاد إلى داره
مطيعًا للنبي ( ومنفذًا لأوامره
). [الحاكم].
وظل الأرقم يجاهد في سبيل الله، لا يبخل بماله ولا نفسه ولا وقته في سبيل نصرة الإسلام والمسلمين
حتى جاءه مرض الموت، ولما أحس -رضي الله عنه- بقرب أجله في عهد معاوية بن أبي سفيان ..
-رضي الله عنه- أوصى بأن يصلي عليه سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- ثم مات الأرقم وكان سعد غائبًا
عن المدينة آنذاك، فأراد مروان بن الحكم أمير المدينة أن يصلي عليه فرفض عبيد الله بن الأرقم، فقال مروان:
أيحبس صاحب رسول الله ( لرجل غائب؟) ورفض ابنه عبيد الله بن الأرقم أن يصلي عليه أحد غير سعد بن أبي
وقاص، وتبعه بنو مخزوم على ذلك، حتى جاء سعد، وصلى عليه، ودفن بالعقيق سنة (55هـ).








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:27 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


النعمان بن مقرن

شهيد نهاوند.. إنه الصحابي الجليل النعمان بن مقرن -رضي الله عنه- الذي قدم على النبي ..
صلى الله عليه وسلم في المدينة مع أربعمائة من قومه مُزَيْنَة ، فاهتزت المدينة فرحًا بهم، واستبشر بهم
المسلمون، وقد هداه الله للإسلام، وهدى معه أهله وإخوته السبعة.
وقد اشتهر بنو مقرن بحب الله ورسوله ( والإنفاق في سبيل الله عز وجل، والتضحية من أجل دين الله سبحانه
وفيهم نزل قول الحق تبارك وتعالى: {ومن الأعراب من يؤمن بالله واليوم الآخر ويتخذ ما ينفق قربات عند الله
وصلوات الرسول إلا إنها قربة لهم سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم
} [التوبة: 99].
ومنذ أن أسلم النعمان بن مقرن وهو يرفع لواء قومه مجاهدًا بهم في سبيل الله شرقًا وغربًا، فنجده في فتح
مكة، وفي الجهاد ضد هوازن والطائف وثقيف، ومحاربة المرتدين ومدِّعي النبوة في عهد الصديق ..
-رضي الله عنه-، ثم يرفع لواء قومه في موقعة القادسية والتي شهدت أروع بطولاته وتضحياته. خاض النعمان
بقومه كل هذه الحروب محتسبًا أجره عند الله، وطمعًا في مرضاته، متمنيًا أن ينعم الله عليه بالشهادة في
سبيله..وكان النعمان لين الجانب، زاهدًا في الدنيا ومفاتنها، لا يرضى حياة الرفاهية والإمارة، بل يفضل حياة
العمل والجهاد، فحين عرض عليه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الإمارة على قبيلته، رفض ذلك
واعتذر لأمير المؤمنين، ويواصل النعمان رحلة جهاده في سبيل إعلاء كلمة الحق، فكان على رأس الجيش الذي
نجح في فتح البصرة ثم الكوفة، وقضى بذلك على وجود الفرس في بلاد العرب.
وجمع يزدجر كسرى فارس آنذاك جيشًا عظيمًا عدده أكثر من مائتي ألف فارس، وجعل من نهاوند قلعة يوجِّه ..
منها سهامه إلى الإسلام، وأصر على محاربة المسلمين والقضاء عليهم، وأحس أمير المؤمنين ..
عمر بن الخطاب بخطورة الأمر، فحشد جيوشه الإسلامية، وأراد أن يقود الجيش بنفسه..
إلا أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أشار عليه بأن وجوده في المدينة خير للمسلمين من خروجه، حتى
يرعى شئون الأمة الإسلامية التي امتدت أطرافها شرقًا وغربًا، واقتنع الفاروق عمر برأى علي،
وقال لمن حوله: أشيروا عليَّ برجل أوليه قائدًا في هذه الحرب، وليكن عراقيًّا، وله خبرة بطرقها ومسالكها.
فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، أنت أعلم لجندك وقد وفدوا عليك. فقال عمر: والله لأولين أمرهم رجلاً يكون
أول الأسنة إذا لقيها غدًا. فقالوا: ومن يكون؟ قال عمر: النعمان بن مقرن المزني.
قالوا: هو لها يا أمير المؤمنين.
فأمر عمر -رضي الله عنه- النعمان بن مقرن أن يتجه بالجيش إلى نهاوند، ثم أرسل إليه عمر جيشًا آخر بقيادة
حذيفة بن اليمان ليكون مددًا وعونًا له، فأصبح عدد الجيش الإسلامي ثلاثين ألف فارس، والتقى بجيش الفرس
في حرب شديدة، ظلت يومين لم يستطع أحد أن يحقق النصر على الآخر، وفي اليوم الثالث نجح المسلمون
في أن يبعدوا الفرس عن مواقعهم ويدخلوهم خنادقهم وحصونهم ويحاصرونهم فيها.
وطال حصار المسلمين للفرس، ففكر النعمان وجنده في حيلة يخرجون بها الفرس من حصونهم، فأشار طليحة
بن خويلد الأسدي -رضي الله عنه- بأن يوهم بعض المسلمين الفرس أنهم قد انهزموا، وينسحبوا من الميدان،
فينجذب نحوهم الفرس، ويتركوا مواقعهم، ثم ينقض عليهم الجيش الإسلامي كله مرة واحدة، فيهزموهم
بإذن الله.. ونفذ هذه الخطة الحربية القعقاع بن عمرو -رضي الله عنه- مع بعض جنود المسلمين، ونجحت الحيلة،
وظن الفرس أن في جيش المسلمين ضعفًا، فخرجوا وراءهم ليقضوا عليهم،..
فانقض عليهم المسلمون، واندفع النعمان بن مقرن في صفوف الفرس، يقاتل قتالاً شديدًا؛
طامعًا في النصر للمسلمين وفي الشهادة لنفسه،
ودعا الله قائلاً: اللهم إني أسألك أن تقرِّ عيني بفتح يكون فيه عز الإسلام، واقبضني إليك شهيدًا.
ونال النعمان أمنيته، فسقط شهيدًا في أرض المعركة، وقبل أن تقع الراية من يده أسرع إليه أخوه نعيم وأخذ
الراية منه ليواصل المسلمون جهادهم، ويكتم نعيم خبر استشهاد القائد، ويقوم حذيفة بن اليمان الذي أوصى
النعمان له بقيادة الجيش من بعده، فيواصل المسيرة حتى تنتهي المعركة بنصر كبير،
أعز الله به الإسلام والمسلمين، وفي جو الفرحة تساءل المسلمون عن قائدهم؟
فأجابهم نعيم قائلاً:
هذا أميركم، قد أقر الله عينه بالفتح وختم له بالشهادة.
ووصل الخبر إلى المدينة، فصعد عمر المنبر ينعي للمسلمين ذلك البطل الشهيد، ويقول وعيناه تذرفان
بالدموع
: إنا لله وإنا إليه راجعون، فيبكي المسلمون بالمدينة، ويرتفع صوت عبد الله بن مسعود بالبكاء
وهو يقول: إن للإيمان بيوتًا وإن بيت ابن مقرن من بيوت الإيمان.
وهكذا يسجل التاريخ يومًا من أعظم أيام الإسلام، يوم نهاوند سنة (21هـ)، ذلك اليوم الذي استشهد فيه
أمير نهاوند، وقائد المسلمين فيها النعمان بن مقرن.
وفي نهاوند، دفن النعمان يوم الجمعة في سهل ممتد تكسوه الأشجار العالية، ودفن معه مَنْ استشهد في
ذلك اليوم الخالد.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:28 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



أبو حذيفة بن عتبة

الشهيد ذو الابتسامة.. إنه الصحابي الجليل أبو حذيفة بن عتبة -رضي الله عنه-، ابن عتبة بن ربيعة شيخ
قريش، وأخته هند بنت عتبة زوجة أبي سفيان، كان من السابقين إلى الإسلام، فقد أسلم قبل دخول
المسلمين دار الأرقم بن أبي الأرقم، وهاجر مع امرأته سهلة بنت سهيل بن عمرو إلى أرض الحبشة،
وولدت له هناك ابنه محمد بن أبي حذيفة، ثم قدم على الرسول ..
( في مكة، فأقام بها حتى هاجر إلى المدينة، وشهد المشاهد والغزوات كلها مع النبي ).
وفي غزوة بدر، كان أبو حذيفة يقاتل في صفوف المسلمين، بينما أبوه عتبة وأخوه الوليد وعمه شيبة يقفون
في صفوف المشركين، فطلب أبو حذيفة من أبيه الكافر عتبة بن شيبة أن يبارزه، فقالت أخته: هند بنت عتبة
شعرًا، جعلته يصرف النظر عن مبارزة أبيه، وبعد انتهاء غزوة بدر، أمر النبي ( بسحب القتلى المشركين؛
لتطرح جثثهم في البئر، ثم وقف على حافة البئر
)، وخاطب المشركين، وقال:
(يا أهل القليب، هل وجدتم ما وعد ربكم حقًّا فإني قد وجدت ما وعدني ربى حقًّا؟)
فقالوا: يا رسول الله، تكلم قومًا موتي؟ قال:
(والذي نفسي بيده، ما أنتم بأسمع لما أقول منهم، ولكنهم لا يستطيعون الجواب).
ورأى أبو حذيفة أباه يسحب ليرمي في البئر، فتغير لونه، وأصابه الحزن، وعرف النبي ذلك في وجهه،
فقال له: (كأنك كاره لما رأيت) فقال: يا رسول الله، إن أبي كان رجلاً سيدًا، فرجوت أن يهديه ربه إلى الإسلام،
( فلما وقع الموقع الذي وقع أحزنني ذلك، فدعا رسول الله له بخير ). [ابن جرير].
وكان أبو حذيفة يتمنى أن يستشهد في سبيل الله، فظل يجاهد حتى توفي الرسول صلى الله عليه وسلم
وفي عهد الخليفة أبي بكر -رضي الله عنه-، كان أبو حذيفة في أول صفوف الجيش الإسلامي المتجه إلى
اليمامة لقتال مسيلمة الكذاب، وتحقق لأبي حذيفة ما كان يتمناه من الشهادة في سبيل الله فوقع شهيدًا،
وعلى وجهه ابتسامة لما رأى من منزلته عند ربه.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:28 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


كعب بن مالك

التائب الصادق..إنه الصحابي الجليل كعب بن مالك -رضي الله عنه-، صاحب التوبة الصادقة، وكان كعب قد أسلم
حين سمع بالإسلام، فأتى مكة، وبايع النبي ( في بيعة العقبة الثانية ) فلما هاجر الرسول وأصحابه آخى النبي
بينه وبين طلحة بن عبيد الله.
وكان كعب شاعرًا مجيدًا، وخاصة في مجال المغازي والحروب الإسلامية، وكان واحدًا من شعراء الرسول ..
( الثلاثة الذين يردون عنه الأذى بقصائدهم )، وهم: كعب بن مالك، وحسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة، فكان
كعب يخوفهم بالحرب، وكان حسان يهجوهم بالأنساب، وكان عبد الله يعيرهم بالكفر.
وقد جاء كعب إلى النبي ( فقال: يا رسول الله، ماذا ترى في الشعر؟ فقال رسول الله:
(المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه
)، [ابن عبد البر].
وكان لكعب مواقف مشهودة في غزوة أحد، حين دعاه النبي .. ( وألبسه ملابسه التي يلبسها في الحرب )
ولبس النبي ..( ملابس كعب الحربية )، يقول كعب: لما انكشفنا يوم أحد كنت أول من عرف رسول الله
( وبشرت به المؤمنين حيًّا سويًّا، وأنا في الشِّعْب، وقد جرح سبعة عشر جرحًا. [ابن هشام]، وكان المشركون
يوجهون إليه السهام ظنًّا منهم أنه رسول الله
).
وكان كعب قد تخلف عن غزوة تبوك التي سمي جيشها بجيش العسرة، والسبب في هذه التسمية أن
المسلمين مروا بصعوبات كثيرة في تمويل الجيش؛ حيث إن العدد كان كبيرًا، وعدتهم كانت ضئيلة، وقد
تخلف المنافقون عن هذه الغزوة بدون أعذار.
ولما عاد المسلمون إلى المدينة دخل الرسول ( إلى المسجد أولا، وصلَّى فيه ركعتين، فدخل عليه المنافقون
الذين تخلفوا عن الجهاد
) مع النبي (، وبدءوا يكذبون على الرسول ، ويتعللون بأعذار واهية) .
ولكن كعبًا لم يكذب على النبي صلى الله عليه وسلم وأقر بذنبه وتقصيره في حق الله وتكاسله عن الجهاد،
وفعل مثله هلال بن أمية ومرارة بن الربيع، وكانا قد تخلفا أيضًا.
وبعدما سمع النبي كلام كعب، أمر المسلمين أن يقاطعوه وصاحبيه الذين تخلفوا عن غزوة تبوك بدون عذر،
فلم يكلمهم أحد من المسلمين، ولم يتعاملوا معهم.
فجلس الاثنان كل منهما في بيته يبكيان، أما كعب فلم يحبس نفسه مثلهما، بل كان يخرج للصلاة، وكان إذا سار
في السوق أو غيره لا يتحدث معه أحد، وكان لكعب ابن عم يحبه حبًّا شديدًا هو الصحابي الجليل أبو قتادة
-رضي الله عنه-، ولما اشتد الأمر بكعب، ذهب إلى ابن عمه أبي قتادة في بستانه وألقى عليه السلام، ولكن
أبا قتادة لم يرد عليه، فقال له كعب: يا أبا قتادة، أنشدك بالله، هل تعلمني أحب الله ورسوله ؟
فلم يرد عليه أبو قتادة، فكرر كعب السؤال، فقال أبو قتادة: الله ورسوله أعلم، ففاضت عينا كعب بالدموع
وتركه..وذات يوم، ذهب كعب إلى السوق، فإذا برجل نصراني من الشام يسأل عنه، وعندما قابله أعطاه
النصراني رسالة من ملك غسان، فقرأها كعب ووجد فيها: أما بعد، فإنه قد بلغني أن صاحبك محمدًا جفاك،
(هجرك وتركك) ولم يجعلك الله بدار مذلة أو هوان، فالحق بنا نواسك.
وبعد أن قرأ كعب الرسالة قال في نفسه: والله إن هذه أيضا من الفتنة والابتلاء، ثم ألقى بالرسالة في النار.
ومضى على كعب وصاحبيه أربعون يومًا، وهم على تلك الحالة من الندم والبكاء والمقاطعة الكاملة من كل
المسلمين، وبعدها أمرهم النبي ( أن يهجروا زوجاتهم، وظلوا على هذه الحالة عشرة أيام).
وبعد خمسين يومًا جاء الفرج، ونزلت التوبة من الله على هؤلاء المؤمنين الصادقين الذين لم يكذبوا على
رسول الله ، فبعد أن صلى كعب صلاة الفجر، جلس بمفرده، فسمع صوتًا ينادى من بعيد: يا كعب، أبشر
يا كعب، فلما سمعها كعب خرَّ ساجدًا لله -عز وجل-، وعلم أن الله قد تاب عليه، وبلغ من شدة فرحته أنه
خلع ثوبه وألبسه للرجل الذي بشره، ثم انطلق مسرعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم..
( في المسجد، فاستقبله الصحابة وهم سعداء، وقام طلحة بن عبيد الله من بين الحاضرين جميعًا وأسرع
ليهنئ كعبًا، فلم ينسها له كعب أبدًا، وتبسم له الرسول وقال له:
(أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك
) [البخاري]، وأنزل الله فيه وفي صاحبيه قرآنًا،
قال تعالى: { وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم
وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن الله هو التواب
} [التوبة: 118].
وكان كعب -رضي الله عنه- يقول: والله، ما مر عليَّ يوم كان خيرًا ولا أحب إليَّ من ذلك اليوم الذي بشرت فيه
بتوبة الله تعالى عليَّ وعلى صاحبيّ، ثم قال للرسول : ( إن من توبتي أن أتصدق بمالي كله لله ولرسوله
فقال له النبي : (أمسك عليك بعض مالك، فهو خير لك) [البخاري]، فقال كعب: يا رسول الله، إن الله تعالى
أنجاني بالصدق، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقًا ما بقيت، فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين ابتلاه الله في
صدق الحديث أحسن مما ابتلاني.
وكان كعب يقول بعد ذلك: ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله ..
( إلى يومي هذا شيئًا من الكذب، وإني لأرجو أن يحفظني الله تعالى بقية عمري).
وكان كعب -رضي الله عنه- يقول: والله ما أنعم الله عليَّ من نعمة قط بعد إذ هداني الله للإسلام أعظم في
نفسي من صدقي أمام رسول الله ( أن لا أكون كذبته، فأهلك كما هلك الذين كذبوا فقد قال الله تعالى:
{سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنه إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاءً بما كانوا
يكسبون. يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين
} [التوبة: 95-96].
وهكذا كان صدق كعب سببًا في نجاته، وقبول توبة الله عليه، بينما أهلك الله المنافقين الذين كذبوا على
رسول الله (، واعتذروا بالباطل، فجعلهم الله من أهل النار).
وظل كعب يجاهد في سبيل الله، ولا يتخلف عن حرب أبدًا، فحارب المرتدين في عهد أبي بكر الصديق
-رضي الله عنه-، وشارك في الفتوحات الإسلامية على عهد الفاروق عمر، وكذلك في خلافة كل من عثمان
وعليّ وأول خلافة معاوية -رضي الله عنهم-، وظل على صدق إيمانه وقوة عقيدته.
وتوفي -رضي الله عنه- بالشام في خلافة معاوية سنة (50هـ) وقيل سنة
(53 هـ)، وعمره آنذاك (77) سنة ويقال: إن الله سبحانه قد ابتلاه بفقد بصره قبل وفاته، فصبر لذلك حتى ينعم
بما عند الله من الجنة.
وقد روى كعب بن مالك ثلاثين حديثًا من أحاديث رسول الله، وروى عنه جماعة من الصحابة والتابعين رضوان
الله عليهم أجمعين.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:29 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


محمد بن مسلمة

الهارب من الفتن .. إنه أبو عبد الله محمد بن مسلمة الأنصاري، أحد فضلاء الصحابة، شهد بدرًا وما بعدها
من الغزوات، ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة، وكان أسمر شديد السمرة، طويلاً، أصلع الرأس ضخم
الجسم، استخلفه النبي ( على المدينة في بعض غزواته، وأمَّره على نحو (51) سرية، وكان يرسله ليأتي
بالصدقات من الإمارات الإسلامية.
وآخى الرسول ( بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح، وأسلم على يد مصعب بن عمير حينما كان في المدينة،
وكان أحد الذين قتلوا كعب بن الأشرف الشاعر اليهودي الذي كان يؤذي النبي
)..
( وظل يجاهد في سبيل الله بعد وفاة النبي )
مع أبي بكر وعمر، وعثمان -رضي الله عنهم-.
وكان عمر -رضي الله عنه- يعتمد عليه في الأمور الصعبة، فقد بعثه إلى سعد بن أبي وقاص
-رضي الله عنه- حين بنى لنفسه قصرًا بالكوفة، واحتجب عن الرعية، وأمره أن يحرق باب القصر، فذهب
إلى هناك، وفعل ما أمره به أمير المؤمنين.
وكان -رضي الله عنه- شجاعًا في الحق، فقد روى أنه لما تولى عمر بن الخطاب الخلافة سأل قائلاً:
كيف تراني يا فلان؟ فقال له: أراك والله كما أحب، وكما يحب من يحب لك الخير، أراك قويًّا على جمع المال،
عفيفًا عنه، عدلاً في قسمه، ولو مِلْتَ عدلناك كما يعدل السهم في الثقاب، فقال عمر متعجبًا من شجاعته،
ومسرورًا بما قال: الحمد لله الذي جعلني في قوم إذا مِلْتُ عدلوني.
وعندما قامت الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان، أخذ محمد بن مسلمة سيفه، وذهب إلى صخرة قوية، وأخذ
يضرب السيف على الصخرة حتى كسَّر السيف، واتخذ لنفسه سيفًا من خشب، وذهب إلى الربذة وبنى
لنفسه بيتًا صغيرًا جلس فيه، فقال له أصحابه: لماذا فعلت ذلك يا محمد؟ فأجابهم قائلا: أعطاني رسول الله
سيفًا، وقال لي: (يا محمد بن مسلمة، جاهد بهذا السيف في سبيل الله، حتى إذا رأيت أمتي يضرب
بعضهم بعضًا، فائت به أُحَدًا
) ،( أي: جبل أحد) فاضرب به حتى ينكسر، ثم اجلس في بيتك حتى تأتيك يد
خاطئة أو منية قاضية (يعنى الموت) ،( وقد فعلت ما أمرني به رسول الله ). [أحمد].
ومات -رضي الله عنه- سنة (43 هـ)، وعمره (77) سنة، وترك من الولد عشرة ذكور وست بنات، وقد روى
بعض الأحاديث عن رسول الله .







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:29 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


الحسين بن علي

سيد شباب أهل الجنة..إنه الحسين بن علي -رضي الله عنه-، الحفيد الثاني لرسول الله من ابنته فاطمة
الزهراء -رضي الله عنها-، زوج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، وقد وُلد الحسين -رضي الله عنه- يوم
الخامس من شعبان سنة أربعة من الهجرة، وعند ولادته أخذه النبي وحمله بين ذراعيه ولثم فاه بقبلة حانية
طاهرة، وسماه حسينًا، وقال: (حسين مني وأنا من حسين، أَحَبَ اللهُ من أحب حسينًا) [الترمذي وأحمد].
وكان النبي يحب الحسين حبًّا شديدًا، فنشأ الحسين في حجر النبي حتى بلغ السابعة من عمره لا يفارقه،
ولا يبعد عنه، ويناديه يا أبت، وكان الحسين أشبه الناس برسول الله، ولذا أحبه الصحابة وعظمه الخلفاء منذ
صغره..وذات يوم دخل الحسين -رضي الله عنه- المسجد، فقال جابر ابن عبد الله -رضي الله عنه-:
(من أحب أن ينظر إلى سيد شباب أهل الجنة فلينظر إلى هذا)، سمعته من رسول الله ( [أبو يعلي].
وكان الحسين -رضي الله عنه- عابدًا يكثر الصوم والصلاة والحج والصدقة، وكان يحسن المعاملة مع مواليه
وخدمه، فيروى أنه دخلت عليه جارية وبيدها باقة من الريحان فحيته بها، فقال لها الحسين:
أنت حرَّة لوجه الله -تعالى-، فقيل له: جارية تحييك بطاقة (باقة) ريحان فتعتقها؟
فقال الحسين: هكذا أدبنا الله، فقال تعالى: {وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها} [النساء: 86]،
وكان أحسن منها عتقها..وأحب الحسين -رضي الله عنه- العلم حتى صار بحرًا في علوم القرآن وحديث
رسول الله والفقه، فكان يلقي دروسًا في مسجد رسول الله ،وكان الصحابة والتابعون يحرصون على حضور
حلقته واستماع العلم منه، وفي هذا يقول معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-: إذا دخلت مسجد..
رسول الله فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رءوسهم الطير فتلك حلقة أبي عبد الله الحسين.
وقد عُرف -رضي الله عنه- بشجاعته وجهاده العظيم في سبيل الله لنصْرة الدين، فاشترك في فتح شمال
إفريقية في خلافة عثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وساهم في فتح طبرستان، وساند الحسين أباه الإمام
عليَّا في حروبه بالجمل وصفين والخوارج.
ولما توفي الإمام على وقف الحسين مع أخيه الحسن يناصره ويؤازره، فلما تنازل الحسن -رضي الله عنه-
عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان؛ حقنًا لدماء المسلمين، وجمعًا لكلمتهم، قال الحسين لأخيه الحسن
في أدب ووقار: أنت أكبر وَلَدِ عليّ، وأمرنا لأمرك تبع، فافعل ما بدا لك.
وعكف الحسين بعد ذلك على طلب العلم والعبادة، حتى مات معاوية بعد أن أخذ البيعة لابنه يزيد مخالفًا
بذلك إحدى شروط الصلح، وهو أن يُترك الأمر من بعده شورى بين المسلمين، عندها لم يسكت الحسين،
وبايعه كثير من المسلمين، وطلبوا منه أن يكون خليفتهم، وأرسل إليه أهل الكوفة يبايعونه، ويحثونه على
أن يأتي إليهم، فخرج الحسين مع أهله وبعض مناصريه متوجهًا نحو الكوفة، وحاول ابن عباس وأبو سعيد
الخدري وابن عمر -رضي الله عنهم- منعه عن الخروج من مكة لكنه -رضي الله عنه- عزم على الخروج.
وفي الطريق، قابل الفرزدق الشاعر المعروف فسأله: كيف تركت الناس في الكوفة؟ فأجابه الفرزدق:
تركتهم قلوبهم معك وسيوفهم عليك. فقال الحسين: لله الأمر من قبل ومن بعد، ثم أكمل سيره حتى وصل
إلى مكان يسمى (كربلاء) على مقربة من نهر الفرات؛ حيث دارت المعركة، وراح ضحيتها الحسين شهيدًا
مع كثير مـن أهله وصحبه، وكان ذلك سنة (61 هـ).
وقد حفظ الله نسل النبي ( في الحسن والحسين، فكل من ينتسب إلى النبي ..
يرجع نسبه إلى الحسن أو الحسين -رضي الله عنهما
-).







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:33 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



الحسن بن علي

التقي الطيب .. إنه الحسن بن علي -رضي الله عنه-، سيد شباب أهل الجنة، وحفيد رسول الله ..
أمه السيدة فاطمة الزهراء بنت رسول الله ،وأبوه ابن عم رسول الله ( علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-).
ولد في النصف الثاني من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، فلما علم رسول الله بمولده ذهب إلى بيت
علي، فقال: (أروني ابني، ما سميتموه؟) فقال علي -رضي الله عنه-: حرب. فقال النبي : (بل هو حسن)
[أحمد والطبراني].
وفي اليوم السابع من مولده، أقام النبي عقيقة له، وذبح كبشًا، وحلق رأس الحسن، وأمر أن يتصدق بزنة
شعره فضة. [أبوداود وابن حبان].
وكان جده يحبه كثيرًا، ويقول عنه وعن أخيه الحسين: (هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما، فأحبهما
وأحب من يحبهما) [الترمذي]، وقال: (هذا ملك لم ينزل إلى الأرض قط قبل هذه الليلة استأذن ربه أن يسلم
عليَّ، ويبشرني بأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة، وأن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة).
[الترمذي].
وأخذه رسول الله يومًا إلى المسجد، فصعد به المنبر وأجلسه إلى جواره، وقال لأصحابه:
( ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) [البخاري].
كان -رضي الله عنه- أشبه الناس برسول الله وذات يوم رآه أبو بكر الصديق وهو طفل يلعب فحمله...
وقال له مداعبًا: بأبي شبيه النبي ليس شبيهٌ بعلي فتبسم والده الإمام علي من قول الصديق. [البخاري].
وكان النبي ( إذا سجد يقفز الحسن والحسين على ظهره، فلا يقوم النبي من سجوده حتى يتركاه، وكان
لا ينهرهما ولا يغضب منهما).
وذات يوم، رأى أحد الصحابة رسول الله يحمل الحسن على ظهره، فقال: نعم المركب ركبت يا غلام.
فقال رسول الله : (ونعم الراكب هو) [الترمذي].
ونشأ الحسن -رضي الله عنه- متصفًا بصفات رسول الله( فكان عابدًا حليمًا، ورعًا، فاضلا، وكان ذا هيبة
ووقار، فسمّي التقي، والطيب، والذكي، والولي).
سأل رجل الحسن ذات يوم: أتخاف من عذاب الله وعندك أسباب النجاة؟
ابن رسول الله وشفاعته ( لك، ورحمة الله التي وسعت كل شيء) ؟
فقال الحسن -رضي الله عنه-: أما إني ابن رسول الله : فالله تعالى يقول:
{إذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون} [المؤمنون: 101].
وأما عن الشفاعة؛ فالله سبحانه وتعالى يقول: { من ذا
الذي يشفع عنده إلا بإذنه} [البقرة: 255]. وإما الرحمة التي وسعت كل شيء، فالله يقول:
{فسأكتبها للذين يتقون}_[الأعراف: 156]، فكيف الأمان بعد ذلك؟!
وكان -رضي الله عنه- جوادًا كريمًا، شجاعًا بطلاً، وقد شارك في فتح شمال أفريقيا وطبرستان، والدفاع عن
عثمان بن عفان يوم قتل، ووقف مع أبيه في موقعة الجمل وصفين وحروبه ضد الخوارج.
وكان -رضي الله عنه- حريصًا على المسلمين وعدم تفرقهم، فتنازل عن الخلافة لما علم أن ذلك سيؤدي
إلى قيام حرب بين المسلمين، فلما تنازل عن الخلافة؛ أصلح الله بذلك بين الفئتين كما أخبر بذلك رسول الله
حين قال: (ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) [البخاري].
وسمي العام الذي تنازل فيه الحسن عن الخلافة لمعاوية -رضي الله عنه- بعام الجماعة،
وكان ذلك سنة (40هـ)..وكان إذا تردد في أمرين لا يدرى أيهما أقرب إلى الحسن؛ نظر إلى أيهما أقرب من .
هواه فخالفه واتقاه..وكان -رضي الله عنه- فصيحًا..
له كثير من الأقوال المأثورة التي تحمل معاني الحكمة منها:
- إن المؤمن من تصغر الدنيا في عينه، ويخرج على سلطان بطنه وفرجه وجهله، لا يسخط ولا يشكو، إذا
جالس العلماء كان أحرص الناس على أن يسمع منهم على أن يتكلم، لا يشارك في ادعاء، ولا يدخل في
مراء (جدل).
- لا أدب لمن لا عقل له، ولا سؤددا (لا سيادة) لمن لا همة له، ولا حياء لمن لا دين له.
- هلاك الناس في ثلاث: الكبر، والحرص، والحسد؛ فالكبر هلاك الدين وبه لعن إبليس. والحرص عدو النفس،
وبه أخرج آدم من الجنة، والحسد رائد السوء، وبه قتل قابيل هابيل.
وفي ربيع الأول سنة (50 هـ) توفي الحسن -رضي الله عنه- ودفن بالبقيع، وقد روى -رضي الله عنه- كثيرًا
من الأحاديث عن جده.









| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:33 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



حسان بن ثابت

شاعر الرسول..إنه الصحابي الجليل حسان بن ثابت بن المنذر الأنصاري -رضي الله عنه-، وكان يكنى ..
أبا عبد الرحمن، وأبا الوليد، وأبا الحسام، ويقال له: شاعر رسول الله ( وهو أحد فحول الشعراء، وكان شعره
في الجاهلية من أجود الشعر، قال عنه أبو عبيدة: فُضِّل حسان على الشعراء بثلاث: كان شاعر الأنصار في
الجاهلية، وشاعر النبي) في أيام النبوة، وشاعر اليمن كلها في الإسلام.
وكان ( يضع له منبرًا في المسجد وهو ينشد الشعرويقول: (إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما ينافح (يدافع)
عن رسول الله [أحمد والترمذي]، وقال له النبي : (اهج -يعنى المشركين- وجبريل معك) [البخاري]،
وقال له : ( اهج قريشًا، فإنه أشد عليهم من رشق النبل) [مسلم].
وعندما استأذن حسان النبي في هجاء قريش، قال له: ( فكيف بنسبي؟) فقال: والله لأسلنَّك (أنزعك)
منهم كما تُسلُّ الشعرة من العجين. [البخاري]، فقال له: (إيت أبا بكر، فإنه أعلم بأنساب القوم منك
فكان حسان يذهب إلى أبي بكر ليعرف منه أنسابهم. فلما سمعت قريش هجاء حسان لهم، قالوا:
إن هذا الشعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة (أي: أبا بكر). وقد هجا حسان أبا سفيان، قائلاً:
هَجَوْتَ مُحَمّدًا فَأَجَبْتُ عَنْهُ وَعَنْدَ اللَّهِ في ذَاكَ الجــَزَاءُ
هَجَوْتَ مُطَهرًا بـــرَّا حَنِيفًا أمين الله شِيمتُه الوفــاءُ
فإنَّ أبي وَوَالِدَتِي وَعِرضي لِعِرْضِ مُحَمّدٍ مِنْكُم وِقَاءُ
وقد أعطاه النبي ( جارية اسمها سيرين، وهى التي أرسلها المقوقس حاكم مصر هدية له مع أختها مارية،
فتزوجها حسان، وأنجبت له عبد الرحمن).
وقال حسان في وصف النبي:
مَتَى يَبْدُ في الدَّاجِي البَهيمِ جَبِينـُه يَلُحْ مثلَ مِصْبَاحِ الدُّجى المتوقدّ
فَمَنْ كَانَ أوْ مَنْ قَدْ يَكُونُ كأَحْمَدٍ نِظَام لحقِّ أوْ نِكَال لِملْحِــدِ
ومرَّ به عمر وهو ينشد الشعر في المسجد، فقال: أتنشد مثل هذا الشعر في مسجد رسول الله
فقال حسان: لقد كنت أنشد وفيه من هو خير منك (أي: النبي) فسكت عمر. [متفق عليه].
وقيل لحسان: ضعف شعرك في الإسلام يا أبا الحسام. فقال: إن الإسلام يمنع من الكذب، وإن الشعر يزينه
الكذب، والشعر الجيد يقوم على المبالغة في الوصف، والتزيين بغير الحق، وذلك كله كذب.
وتوفي حسان في خلافة عليّ، وعمره مائة وعشرون عامًا، ستون منها في الجاهلية، وستون في الإسلام.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:34 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


أبو طلحة الأنصاري

صاحب المال الرابح .. إنه أبو طلحة زيد بن سهل الخزرجي الأنصاري -رضي الله عنه-، أحد النقباء الاثني عشر
الذين حضروا بيعة العقبة، وكان أبو طلحة يعبد شجرة قبل أن يسلم، فأراد أن يتزوج أم سليم -رضي الله عنها-،
وكانت مسلمة، فقالت له: ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد نبت من الأرض؟ قال: بلى، قالت:
أفلا تستحي أن تعبد شجرة؟ إن أسلمت فإني لا أريد منك صداقًا (مهرًا) غيره. قال: حتى أنظر في أمري،
فذهب، ثم جاء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله،
فقالت لولدها أنس
: يا أنس زَوِّج أبا طلحة،فزوجه.
وحضر أبو طلحة مع الرسول كل الغزوات، وكان ( في غزوة أحد ) إذا رمى أبو طلحة سهمًا يرفع بصره ينظر إلى
أين يقع السهم، وكان يدفع صدر الرسول بيده لخوفه عليه، ويقول: يا رسول الله هكذا لا يصيبك سهم. [أحمد].
وكان يقول له: نفسي لنفسك الفداء، ووجهي لوجهك الوقاء.
وفي غزوة حنين قتل أبو طلحة عشرين رجلاً وأخذ أسلابهم. [أبوداود والدارمي والحاكم].
وكان أبو طلحة أكثر الأنصار مالاً، وكان أحب أمواله إليه (بيرحاء) وهى أرض بها نخيل، وكانت أمام المسجد، فكان
النبي ( يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب )، فلما نزل قوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}
[آل عمران: 92]، ذهب إلى النبي وقال له: إن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها
عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت، فقال : (بخٍ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت فيها،
وإني أرى أن تجعلها في الأقربين
)، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه [متفق عليه].
وكان أبو طلحة كثير الصيام، وكان حريصًا على الجهاد رغم كبر سنه؛ لقوله تعالى: {انفروا خفافًا وثقالا
فكان يقول لأبنائه: لا أرى ربنا إلا يستنفرنا شبابا وشيوخًا، يا بني جهزوني، فإني خارج معكم إلى الغزو،
فيقول أبناؤه: يرحمك الله يا أبانا، قد غزوت مع الرسول ( حتى مات)، وغزوت مع أبي بكر حتى مات، وغزوت
مع عمر حتى مات، فدعنا نغزو عنك، ولكنه صمم على رأيه، ولبس ثياب الحرب، وخرج معهم، ومات أثناء
غزوة في البحر، ولم يجد الصحابة جزيرة قريبة ليدفنوه فيها إلا بعد سبعة أيام، ولم تتغير رائحة جسده.
[ابن سعد]. وكان موته -رضي الله عنه- سنة (20 هـ).







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:35 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


أبو سفيان بن حرب

صاحب البيت الأموي .. إنه أبو سفيان صخر بن حرب -رضي الله عنه-، والد أم حبيبة زوجة النبي ووالد أمير
المؤمنين معاوية -رضي الله عنه-، وواحد من أشراف العرب وسادتهم وحكمائهم، وكان يكبر النبي بعشر
سنين، أسلم يوم الفتح، وشهد مع النبي ( غزوة حنين )، وأعطاه من غنائمها مائة بعير وأربعين أوقية،
فقال للرسول : ( والله إنك لكريم، فداك أبي وأمي، والله لقد حاربتك فنعم المحارب كنت، ولقد سالمتك فنعم
المسالم أنت، جزاك الله خيرًا
).
وروى ابن عباس قصة إسلامه؛ فقال: لما أتى به العباسُ يوم الفتح إلى رسول الله وطلب منه أن يأمنه،
قال له الرسول : (ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله
فقال بأبي أنت وأمي، ما أوصلك وأحلمك وأكرمك، والله لقد ظننت أنه لو كان مع الله إله غيره لقد أغنى عني
شيئًا بعد، فقال: (ويحك يا أبا سفيان، ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله)، فقال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك
وأكرمك وأوصلك، أما هذه والله فإن في النفس منها حتى الآن شيئًا.
فقال له العباس: ويحك، أسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قبل أن تضرب عنقك، فشهد
وأسلم، فقال العباس: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر والذكر، فأكرمه الرسول بكرامة عظيمة،
وقال: (من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن دخل الكعبة فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق
بابه على نفسه فهو آمن
) [ابن إسحاق].
وفي يوم الطائف أصيبت عينه، فأتى النبي ( وقال: هذه عيني أصيبت في سبيل الله، فقال له النبي:
(إن شئت دعوت فردت عليك، وإن شئت فالجنة
)، فقال أبو سفيان: الجنة. [ابن عبد البر].
وقاتل أبو سفيان يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد، وسمعه أحد الصحابة وهو يقول: يا نصر الله اقترب، ثم وقف
خطيبًا في الناس ويقول: أيها الناس الله الله إنكم ذادة (سادة) العرب وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم وأنصار
الشرك، اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك.
وكان أبو سفيان صادقًا حتى مع خصومه، فلم تمنعه خصومته للنبي قبل إسلامه من قول الصدق أمام هرقل
وهو يسأله عن محمد ومات -رضي الله عنه- في خلافة عثمان بن عفان.








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:35 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



أنس بن النضر

الشهيد الصادق .. إنه الصحابي الجليل أنس بن النضر -رضي الله عنه-، عم أنس بن مالك خادم رسول الله
وعلى اسمه يسمَّى، وينسب إلى بني النجَّار في المدينة.
وقد أحب أنس رسوله وظل مدافعًا عنه حتى آخر قطرة دم في جسده، ولم يعلم بخروج النبي لقتال
المشركين يوم بدر، فحزن حزنًا شديدًا، ونذر نفسه للشهادة في سبيل الله ليعوض ما فاته من يوم بدر.
وذهب إلى الرسول ( نادمًا أن فاتته غزوة بدر )، فقال للنبي : يا رسول الله، غبت عن قتال بدر، غبت عن أول
قتال قاتلتَ المشركين، لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين اللهُ ما أصنع، فلما كان يوم أحد، خرج أنس
بن النضر مع المسلمين، وهو يتمنى أن يلقى الله شهيدًا في هذه الغزوة.
وبدأت المعركة وكان النصر حليف المسلمين إلى أن خالف الرماة أمر رسول الله وتحول النصر إلى هزيمة،
وفر عدد كبير من المسلمين، ولم يثبت مع النبي سوى نفر قليل، فلما رأى أنس بن النضر-رضي الله عنه-
ذلك المشهد تذكَّر على الفور وعده لله تعالى، وقوله للرسول :
( لئن أشهدني الله قتال المشركين ليرين الله ما أصنع ).
فانطلق يشق صفوف المشركين قائلاً: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء (يعنى أصحابه) وأبرأ إليك مما
صنع هؤلاء (يعنى المشركين)، ثم تقدم شاهرًا سيفه، فاستقبله سعد بن معاذ -رضي الله عنه- فقال:
يا سعد بن معاذ، الجنة ورب النضر، إني أجد ريحها من دون أحد. وأخذ يقاتل ويضرب بسيفه يمينًا وشمالاً،
حتى سقط شهيدًا على أرض المعركة، وبعد انتهاء القتال حكى سعد بن معاذ-رضي الله عنه- للنبي
ما صنعه أنس بن النضر، وقال: فما استطعت يا رسول الله ما صنع.
وقام الرسول وأصحابه ليتفقدوا شهداء أحد، ويتعرفوا عليهم، فوجدوا أنس بن النضر وبه بضعة وثمانون
جرحًا ما بين ضربة بسيف وطعنة برمح ورمية بسهم، وقد مثل به المشركون فلم يعرفه أحد إلا أخته الربيع
بنت النضر بعلامة في أصابعه [البخاري].
وروى أن هذه الآية الكريمة {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم
من ينتظر وما بدلوا تبديلا
} [الأحزاب: 23] نزلت في أنس بين النضر ومن معه من الصحابة رضوان الله عليهم.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:36 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


أبو دجانة الأنصاري

صاحب العمامة الحمراء..إنه الصحابي الجليل أبو دجانة الأنصاري، واسمه سِمَاك بن أوس بن خرشة، أسلم
وآمن بالله ورسوله وقد آخى الرسول بينه وبين عتبة بن غزوان، وكان شديد الحب لله ولرسوله كثير العبادة،
اشترك في غزوة بدر وحضر المعارك مع رسول الله وأبلى فيها بلاء حسنًا.
وقف يوم أحد إلى جانب فرسان المسلمين، يستمع إلى رسول الله ( وهو يعرض عليهم سيفه، قائلا:
(من يأخذ مني هذا؟) فبسطوا أيديهم، كل إنسان منهم يقول: أنا ..أنا، فقال رسول الله (فمن يأخذه بحقه؟
فأحجم القوم، فقال أبو دجانة: أنا آخذه بحقه، فأخذه أبو دجانة، ففلق به هام المشركين (أي شق رءوسهم)
[مسلم]..وأخذ أبو دجانة عصابته الحمراء وتعصب بها، فقال الأنصار من قومه: أخرج أبو دجانة عصابة الموت،
ثم نزل ساحة المعركة، وهو ينشد:
أَنَا الذي عَاهَدَنِي خَلِيــلِي وَنَحْنُ بِالسَّفْحِ لَدَى النَّخِيــلِ
أَنْ لا أُقِيمَ الدَّهرَ في الكبُولِ أَضــْرِبُ بِسَيْفِ اللَّهِ وَالرَّسُولِ

وأخذ يقتل المشركين، ويفلق رءوسهم بسيف الرسول حتى بدأ النصر يلوح للمسلمين،
فلما ترك الرماة أماكنهم، وانشغلوا بجمع الغنائم، عاود المشركون هجومهم مرة أخرى،
ففر كثير من المسلمين، وثبت بعضهم يقاتل حول رسول الله منهم أبو دجانة الذي كان يدفع السهام
عن رسول الله بعدما رأى كتائب المشركين تريد الوصول إليه، فتصدى لهم بكل ما أوتى من قوة؛
أملا في الحصول على الشهادة.
ومات الرسول وهو راض عنه، فواصل جهاده مع خليفته أبي بكر الصديق، وشارك في حروب الردة، وكان في
مقدمة جيش المسلمين الذاهب إلى اليمامة لمحاربة مدعى النبوة مسيلمة الكذاب وقومه بني حنيفة،
وقاتل قتال الأسد حتى انكشف المرتدون، وفروا إلى حديقة مسيلمة، واختفوا خلف أسوارها وحصونها
المنيعة، فألقى المسلمون بأنفسهم داخل الحديقة وفي مقدمتهم أبو دجانة، ففتح الحصن، وحمى القتال،
فكسرت قدمه، ولكنه لم يهتم، وواصل جهاده حتى امتلأ جسده بالجراح، فسقط شهيدًا على أرض المعركة،
وانتصر المسلمون، وفرحوا بنصر الله، وشكروا لأبي دجانة صنيعه من تضحية وجهاد لإعلاء كلمة الله.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:37 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



أبو محجن الثقفي

رجل من المسلمين كان قد ابتلي في الجاهلية بشرب الخمر ..وقد تعلقت بها نفسه .. وهام بها قلبه .. حتى
كان يوصي ولده ويقول :
إذا متّ فادفنّي إلى جنب كرمة *** تروي عظامي بعد موتي عروقها
ولا تدفنني في الفلاة فــإنني *** أخاف إذا ما متّ أن لا أذوقها
وتروى بخمر الحص لحدي فإنني أسيرٌ لها من بعد ما قد أسوقها

فلما أسلم .. بقيت نفسه تغلبه عليها .. فيعاقب عليها ويعود .. ثم يعاقب ويعود ..فلما تداعى المسلمون..
للخروج لقتال الفرس في معركة القادسية .. خرج معهم أبو محجن .. وحمل زاده ومتاعه ..فلما وصلوا ..
القادسية .. طلب رستم مقابلة سعد بن أبي وقاص قائد المسلمين ..وبدأت المراسلات بين الجيشين ..
عندها وسوس الشيطان لأبي محجن رضي الله عنه فاختبأ في مكان بعيد وشرب خمراً ..فلما علم به سعد
رضي الله عنه غضب عليه .. وقيد يديه ورجليه .. وحبسه في خيمة ..وبدء القتال ..
وتنازل الأبطال .. وقعقعت السيوف .. وتتابعت الـحُتوف ..ورميت الرماح .. وارتفع الصياح ..
وغبرت خيل الرحمن .. وعلت أصوات الفرسان .. وفتحت أبواب الجنان ..وطارت أرواح الشهداء .. واشتاق الأولياء ..
وأبو محجن يئن بقيد ** فلمَ القيدُ أيّهذا الأسير
أيها الفارس العنيد ترجّل** فخيولي حبيسة لا تغير
يا أبا محجن كفاك قعوداً ** أنت بالحرب والسلاح خبير
فاعصب الرأس عزة تتلظى ** هُتك العرضُ والجناح كسير
أَزِفت ساعة القصاص وإلا ** فاجرع الموتَ ثم بئس المصير

أخذ أبو محجن .. يتململ في قيوده .. وتتحرك أشواقه إلى الشهادة .. فيثب ليبذل الروح .. فإذا القيد في رجله :
فأخذ يتحسّر على حاله ويقول :
كفى حزناً أن تدحم الخيل بالقنى *** وأتـرك مشدوداً علي وثاقيا
إذا قمت عناني الحديد وغلقت *** مصاريع من دوني تصم المناديا
وقد كنـت ذا مال كثيرو إخوة *** وقـد تركوني مفرداً لا أخاليا
فللــه عهد لا أحيف بعهده *** لإن فُـرّجت ألا أزور الحوانيا

ثم أخذ ينادي ويصيح بأعلى صوته ..فأجابته امرأة سعد : ما تريد ؟
فقال : فكي القيد من رجلي وأعطيني البلقاء فرس سعد .. فأقاتل فإن رزقني الله الشهادة فهو ما أريد وإن بقيت
فلك عليّ عهد الله وميثاقه أن أرجع حتى تضعي القيد في قدمي ..وأخذ يرجوها ويناشدها .. حتى فكت قيده
وأعطته البلقاء .. فلبس درعه .. وغطى وجهه بالمغفر .. ثم قفز كالأسد على ظهر الفرس .. وألقى نفسه بين
الكفار يدافع عن هذا الدين ويحامي ..علق نفسه بالآخرة ولم يفلح إبليس في تثبيطه عن خدمة هذا الدين ..
حمل على القوم يلعب بين الصفين برمحه وسلاحه .. وكان يقصف الناس قصفاً ..وتعجب الناس منه وهم
لا يعرفونه ..
فقال بعضهم : لعله مدد من عمر ..
وقال بعضهم : لعله ملك من الملائكة ..
ومضى أبو محجن يضرب ويقاتل .. ويبذل روحه ويناضل ..
فـأقـدم فـإما مُنْية أو مَـنيَّـة *** تريحك من عيش به لست راضيا
فما ثَـمَّ إلا الوصلُ أو كلفٌ بهم *** وحسبك فوزاً ذاك إن كنت واعيا

مضى أبو محجن ..
أما سعد بن أبي وقاص فقد كانت به قروح في فخذيه فلم ينزل ساحة القتال .. لكنه كان يرقب القتال من بعيد ..
فلما رأى أبا محجن عجب من قوة قتاله .. وأخذ يتبعه بصره ويقول :
الضرب ضرب أبي محجن .. والكر .. كر البلقاء .. وأبو محجن في القيد .. والبلقاء في الحبس ..
فلما انتهى القتال عاد أبو محجن إلى سجنه .. ووضع رجله في القيد ..ونزل سعد فوجد فرسه يعرق .. فعلم
أنها شهدت القتال ..فدخل على أبي محجن .. فإذا جراحه تسل دماً .. وعيناه تفيض دمعاً ..
وهو يقول .. يا سعد .. والله لا شربت الخمر أبداً .. فلله درّ أبي محجن .. نعم وقع في معصية .. ولكنه يفعل
طاعات تغوص معصيته في بحرها ..
ومن ذا الذي ترجى سجاياه كلها * كفى المرء نبلا أن تعد معايبه









| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:39 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 





القعقاع بن عمرو التميمي

هو القعقاع بن عمرو التميمي..
وقد ظهرت ملامح شخصيته رضي الله عنه بوضوح شديد في الفتوحات فقد كان رضي الله عنه شجاعاً مقداماً
ثابتاً في أرض المعارك وبجوار شجاعته وشدة باسه على أعداء الله كان من شديد الذكاء وذا عبقرية عسكرية
في ادارة المعارك ويظهر ذلك في موقعة القادسية .

بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
للقعقاع مواقف مع الرسول صلى الله عليه وسلم وكان صلى الله عليه وسلم يخاطب من أمامه بما يحب أو مما
يؤثر في نفسه ولما كان حديثه مع القعقاع وهو رجل يحب الجهاد يكلمه النبي صلى الله عليه وسلم عن الإعداد
للجهاد فيقول سيف عن عمرو بن تمام عن أبيه عن القعقاع بن عمرو قال:
قال لي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- :
ما أعددت للجهاد؟ قلت: طاعة الله ورسوله والخيل قال: تلك الغاية .

آثره في الأخرين ( دعوته ـ تعليمه):
لقد كان للقعقاع أثرأ كبيرأ في نفوس الأخرين ففي اليوم الثاني من معركة القادسية أصبح القوم وفي أثناء ذلك
طلعت نواصي الخيل قادمة من الشام ..
وكان في مقدمتها هاشم بن عتبة بن أبي وقاص والقعقاع بن عمرو التميمي، وقسم القعقاع جيشه إلى أعشار
وهم ألف فارس ، وانطلق أول عشرة ومعهم القعقاع ، فلما وصلوا تبعتهم العشرة الثانية ،
وهكذا حتى تكامل وصولهم في المساء ، فألقى بهذا الرعب في قلوب الفرس ..
فقد ظنوا أن مائة ألف قد وصلوا من الشام ، فهبطت هممهم ، ونازل القعقاع( بهمن جاذويه ) أول وصوله فقتله ، ،
ولم يقاتل الفرس بالفيلة في هذا اليوم لأن توابيتها قد تكسرت بالأمس فاشتغلوا هذا اليوم بإصلاحها ، وألبس
بعض المسلمين إبلهم فهي مجللة مبرقعة ، وأمرهم القعقاع أن يحملوا على خيل الفرس
يتشبهون بها بالفيلة ، ففعلوا بهم هذا اليوم ، وبات القعقاع لاينام ، فجعل يسرب أصحابه إلى المكان
الذي فارقهم فيه بالأمس ، ..
وقال : إذا طلعت الشمس فأقبلوا مائة مائة ، ففعلوا ذلك في الصباح ، فزاد ذلك في هبوط معنويات الفرس.
وابتدأ القتال في الصباح في هذا اليوم الثالث وسمي يوم عمواس ..
والفرس قد أصلحوا التوابيت ، فأقبلت الفيلة يحميها الرجالة فنفرت الخيل ..
ورأ ى سعد الفيلة عادت لفعلها يوم أرماث فقال لعاصم بن عمرو والقعقاع :
اكفياني الفيل الأبيض ، وقال لحمال والربيل : اكفياني الفيل الأجرب ،فأخذ الأولان رمحين وتقدما نحو الفيل
الأبيض فوضعا رمحيهما في عيني الفيل الأبيض ، فنفض رأسه وطرح ساسته ، ودلى مشفره فضربه القعقاع
فوقع لجنبه ، وفي هذه الليلة حمل القعقاع وأخوه عاصم والجيش على الفرس بعد صلاة العشاء ، فكان القتال
حتى الصباح ، فلم ينم الناس تلك الليلة ، وكان القعقاع محور المعركة.
فلما جاءت الظهيرة وأرسل الله ريحاً هوت بسرير رستم ، وعلاه الغبار، ووصل القعقاع إلى السرير فلم يجد
رستم الذي هرب.
ما قيل عنه:
ـ لصوت القعقاع في الجيش خيرٌ من ألف رجل " ..أبو بكر"..
ـ كتب عمر بن الخطاب الي سعد : ( أي فارس أيام القادسية كان أفرس ؟ وأي رجل كان أرجل ؟
وأي راكب كان أثبت ؟)
فكتب إليه
: ( لم أر فارساً مثل القعقاع بن عمرو ! حمل في يوم ثلاثين حملة ، ويقتل في كل حملة كمِيّاً )..
بعض كلماته:
شهد القعقاع -رضي الله عنه اليرموك ، فقد كان على كُرْدوسٍ من كراديس أهل العراق يوم اليرموك ، وكان
للقعقاع في كل موقعة شعر فقد قال يوم اليرموك :
ألَمْ تَرَنَا على اليرموك فُزنا .. كما فُزنـا بأيـام العـراق
فتحنا قبلها بُصـرى وكانتْ .. محرّمة الجناب لدَى البُعـاق
وعذراءُ المدائـن قد فتحنـا .. ومَرْجَ الصُّفَّرين على العِتَـاقِ
فضضنا جمعَهم لمّا استحالوا .. على الواقوص بالبتـر الرّقاقِ
قتلنا الروم حتـى ما تُساوي .. على اليرموك ثفْروق الوِراقِ

الوفاة:
توفي بالكوفة.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:39 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 





ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

مقدمة
ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن وأبو عبد الله أصح وهو ثوبان بن
بجدد من أهل السراة والسراة موضع بين مكة واليمن وقيل إنه من حمير وقيل إنه حكمي من حكم بن سعد
العشيرة أصابه سباء فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه وقال له: " إن شئت أن تلحق بمن أنت
منهم وإن شئت أن تكون منا أهل البيت " فثبت على ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل معه سفرا
وحضرا إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إلى الشام فنزل الرملة ثم انتقل إلى حمص فابتنى
بها دارا...
قال ابن سعد في الطبقات:
وكان ثوبان رجلا من أهل اليمن ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأعتقه وله نسب في اليمن.

مواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن ثوبان قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع:
"أصلح هذا اللحم" قال فأصلحته فلم يزل يأكل منه حتى بلغ المدينة..

أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
كان ثوبان رضي الله عنه من أكثر الناس تأثرا بالنبي صلى الله عليه وسلم حيث أنه رضي الله عنه حظِي بخدمة
النبي صلى الله عليه وسلم فكان قريبًا منه، وعظيم النفع بصحبته..

الرسول يعلمه التعفف:
روى أبو داود بسنده عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من يتكفل لي أن لا يسأل الناس وأتكفل له بالجنة؟" فقال ثوبان: أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئاً.

أهم ملامح شخصيته:

استغناؤه عن الناس:
كان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد ناولنيه، حتى ينزل فيتناوله.

حرصه على تعليم الغير حتى في مرضه:
لما بعث الأمير أن يزوره وكان مريضاً ولما أراد الأمير الخروج أخذ ثوبان بردائه وقال له " أجلس حتى أحدثك"
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ليدخلن الجنة من أمتي سبعون ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب مع كل ألف سبعون ألفاً".

بعض الأحاديث التي نقلها عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
روى مسلم بسنده عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال لقيت ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقلت أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة أو قال قلت بأحب الأعمال إلى الله فسكت ثم سألته فسكت
ثم سألته الثالثة فقال سألت عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليك بكثرة السجود لله فإنك ...
لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط عنك بها خطيئة قال معدان ثم لقيت أبا الدرداء فسألته فقال
لي مثل ما قال لي ثوبان.
وروى مسلم أيضًا بسنده أن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثه قال كنت قائما عند رسول الله
صلى الله عليه وسلم فجاء حبر من أحبار اليهود فقال السلام عليك يا محمد فدفعته دفعة كاد يصرع منها فقال
لم تدفعني فقلت ألا تقول يا رسول الله فقال اليهودي إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي فقال اليهودي جئت أسألك فقال له رسول الله
صلى الله عليه وسلم أينفعك شيء إن حدثتك قال أسمع بأذني فنكت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود
معه فقال سل فقال اليهودي أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات ..
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم في الظلمة دون الجسر ..
قال فمن أول الناس إجازة قال فقراء المهاجرين ..
قال اليهودي : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة..
قال : زيادة كبد النون..
قال : فما غذاؤهم على إثرها ..
قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها ..
قال : فما شرابهم عليه ..
قال : من عين فيها تسمى سلسبيلا ..
قال : صدقت
..
قال: وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي أو رجل أو رجلان قال: ينفعك إن حدثتك
قال : أسمع بأذني قال جئت أسألك عن الولد قال ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر فإذا اجتمعا فعلا مني
الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله وإذا علا مني المرأة مني الرجل آنثا بإذن الله ..
قال : اليهودي لقد صدقت..
وإنك لنبي ثم انصرف فذهب فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه
وما لي علم بشيء منه حتى أتاني الله به.
وعنه رضي الله عنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا
وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام ..
قال الوليد فقلت للأوزاعي كيف الاستغفار ..قال: تقول أستغفر الله أستغفر الله.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها" .
فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ قال:
"بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم
المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن" .
فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: "حب الدنيا وكراهية الموت".

أثره في الآخرين:
قال ابن عبد البر:
كان ثوبان ممن حفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأدى ما وعى وروى عنه جماعة من التابعين منهم
جبير بن نفير الحضرمي وأبو إدريس الخولاني وأبو سلام الحبشي وأبو أسماء الرحبي ومعدان بن أبي طلحة
وراشد بن سعد وعبد الله بن أبي الجعد وغيرهم...وكان رضي الله عنه وأرضاه ممن شهدوا فتح مصر.

وفاته:
خرج إلى الشام ونزل الرملة ثم انتقل إلى حمص وتوفى بها سنة أربع وخمسين.








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:40 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


جليبيب

جليبيب غير منسوب، ولكن ذكر أبو الفرج ابن الجوزى في كتابه صفة الصفوة عن ابن سعد قوله: سمعت من
يذكر أن جليبيبا كان رجلا من بنى ثعلبة، حليفا في الأنصار.

زواجه:
كان جليبيب امرأ يدخل على النساء يمر بهن ويلاعبهن فقلت لامرأتي: لا يدخلن اليوم عليكن جليبيبًا، فإنه إن
دخل عليكن لأفعلن ولأفعلن قالت:
وكانت الأنصار إذا كان لأحدهم أيم لم يزوجها حتى يعلم هل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا،
فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار زوجني ابنتك قال:
نعم وكرامة يا رسول الله ونعمة عين، فقال صلى الله عليه وسلم :
إني لست أريدها لنفسي قال: فلمن يا رسول الله؟ قال صلى الله عليه وسلم: لجليبيب فقال:
يا رسول الله أشاور أمها فأتى أمها فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك؟
فقالت: نعم ونعمة عين فقال: إنه ليس يخطبها لنفسه إنما يخطبها لجليبيب فقالت: أجليبيب إنيه أجليبيب إنيه؟
(تعجب وإستنكار) ألا لعمر الله لا نزوجه، فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فيخبره بما قالت أمها، قالت الجارية: من خطبني إليكم؟
فأخبرتها أمها قالت: أتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟
ادفعوني إليه فإنه لن يضيعني فانطلق أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال: شأنك بها فزوجها جليبيبا.
فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اصبب عليها الخير صبّا، ولا تجعل عيشها كدّا، ثم قُتل عنها
جليبيب، فلم يكن في الأنصار أيمٌ أنفق منها.

وفاته:
ذلك أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض غزواته ففقده وأمر به يطلب فوجده قد قتل سبعة
من المشركين ثم قتل وهم حوله مصرّعين فدعا له وقال: هذا منّي وأنا منه ودفنه ولم يصلّ عليه.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:41 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


حاطب بن أبي بلتعة

مقدمة
هو حاطب بن أبي بلتعة واسم أبي بلتعة عمرو بن عمير بن سلمة من بني خالفة بطن من لخم، وهو حليف
بني أسد بن عبد العزى يقال أنه حالف الزبير، وقيل: كان مولى عبيد الله بن حمير فكاتبه فأدَّى...
وقد ولد رضي الله عنه قبل الهجرة بخمس وثلاثين سنة.

حاله في الجاهلية:
قال المرزباني في معجم الشعراء: كان أحد فرسان قريش في الجاهلية وشعرائها.
إسلامه:
كان إسلامه رضي الله عنه قديماً ولعل صلته بالزبير بن العوام الذي أسلم قديماً جعلت حاطباً يقتفي أثره...

من ملامح شخصيته:
حبه للجهاد في سبيل الله:
شهد حاطب رضي الله عنه بدراً وأحد والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من
الرماة الموصوفين...

حكمته وعلمه:
عن حاطب بن أبي بلتعة قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية فجئته
بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلني في منزله وأقمت عنده ليالي ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته
فقال إني سأكلمك بكلام أحب أن تفهمه مني قال قلت هلم قال أخبرني عن صاحبك أليس هو نبيا قلت بلى
هو رسول الله قال فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلدته إلى غيرها ..
فقلت له فعيسى ابن مريم أتشهد أنه رسول الله فما له حيث أخذه قومه فأرادوا صلبه ألا يكون دعا عليهم بأن
يهلكهم الله حتى رفعه الله إليه في سماء الدنيا قال أحسنت أنت حكيم جاء من عند حكيم جاء من عند حكيم
هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد وأرسل معك من يبلغك إلى مأمنك قال فأهدى لرسول الله ..
صلى الله عليه وسلم وأخرى وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهم بن حذيفة العدوي وأخرى
وهبها لحسان بن ثابت الأنصاري وأرسل يثياب مع طرف من طرفهم.

بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
روى البخاري بسنده عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا
والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا
تعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب ..
فقالت ما معي من كتاب فقلنا لتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله..
صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من
معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن
أتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم لقد صدقكم قال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق قال إنه قد شهد بدرا
وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.
وروى مسلم بسنده عن جابر رضي الله عنه أن عبدا لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا
فقال يا رسول الله ليدخلن حاطب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"كذبت لا يدخلها فإنه شهد بدرا والحديبية"
وعن أنس بن مالك أنه سمع حاطب بن أبي بلتعة يقول: إنه طلع على النبي صلى الله عليه وسلم في أحد
وهو يشتد وفي يد علي بن أبي طالب الترس فيه ماء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل وجهه من ذلك
الماء فقال له حاطب من فعل بك هذا قال عتبة بن أبي وقاص هشم وجهي ودق رباعيتي بحجر رماني قلت
إني سمعت صائحا يصيح على الجبل قتل محمد فأتيت وكان قد ذهب روحي قلت أين توجه عتبة فأشار إلى
حيث توجه فمضيت حتى ظفرت به فضربته بالسيف فطرحت رأسه فهبطت فأخذت رأسه وسلبه وفرسه وجئت
بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم ذلك إلي ودعا لي فقال: رضي الله عنك رضي الله عنك.
وروى مسلم بسنده عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
"ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا
منها إلا أخلف الله له خيرا منها
" ..
قالت: فلما مات أبو سلمة قلت أي المسلمين خير من أبي سلمة أول بيت هاجر إلى رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت:
أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له فقلت: إن لي بنتا وأنا غيور، فقال:
"أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها وأدعو الله أن يذهب بالغيرة"

بعض مواقفه مع الصحابة:
عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: أصاب غلمان لحاطب بن أبي بلتعة بالعالية ناقة لرجل من مزينة ..
فانتحروها واعترفوا بها فأرسل إليه عمر فذكر ذلك له وقال هؤلاء أعبدك قد سرقوا وانتحروا ناقة رجل من مزينة
واعترفوا بها فأمر كثير بن الصلت أن يقطع أيديهم ثم أرسل بعد ما ذهب فدعاه..
وقال لولا أني أظن أنكم تجيعونهم حتى إن أحدهم أتى ما حرم الله عز وجل لقطعت أيديهم ولكن والله لئن
تركتهم لأغرمنك فيهم غرامة توجعك فقال للمزني كم ثمنها قال كنت أمنعها من أربعمائة قال فأعطه ثمانمائة.

أثره في الآخرين:
قال حاطب للمقوقس.. لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إليه: إنه كان قبلك رجل يزعم أنه الرب الأعلى فأخذه
الله نكال الأخرة والأولى فانتقم الله به ثم انتقم منه فاعتبر بغيرك ولا يعتبر بك قال هات قلت إن لك دينا لن تدعه
إلا لما هو خير منه وهو الإسلام الكافي بعد ما سواه إن هذا النبي دعا الناس ..
إلى الله فكان اشدهم عليه قريش وأعداهم له اليهود وأقربهم منه النصارى ولعمري ما بشارة موسى
بعيسى إلا كبشارة عيسى بمحمد وما دعاؤنا إياك إلى القرآن إلا كدعائك أهل التوراة إلى الإنجيل..
وكل من أدرك نبيا فهو من أمته فالحق عليهم أن يطيعوه فأنت ممن أدركت هذا النبي ولسنا ننهاك عن دين
المسيح ولكنا نأمرك به ثم ناوله كتاب رسول الله..
صلى الله عليه وسلم فلما قرأه قال خيرا قد نظرت في هذا فوجدته لا يأمر بمزهود فيه ولا ينهى عن مرغوب
فيه ولم أجده بالساحر الضال ولا الكاهن الكاذب ووجدت معه آلة النبوة ثم جعل الكتاب في حق من عاج وختم
عليه ودفعه إلى خازنه وكتب جوابه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد علمت أن نبيا قد بقي وقد أكرمت
رسولك وأهدي للنبي صلى الله عليه وسلم جاريتين وبغلة تسمى الدلدل فقبل النبي صلى الله عليه وسلم
هديته واصطفى الجارية الواحدة واسمها مارية القبطية لنفسه فولدت منه إبراهيم...
وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى عظيم الأسكندرية بمصر أيضًا، فأكرمه...
وبعثه أبو بكر الصديق أيضا إلى المقوقس بمصر فصالحهم...
فكان رضي الله عنه مبعوث الدولة الإسلامية الدائم إلى مصر...


بعض الأحاديث التي رواها عن النبي صلى الله عليه وسلم:
روى حاطب بن أبي بلتعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من رآني بعد موتي فكأنما رآني في حياتي
ومن مات في أحد الحرمين بعث في الآمنين يوم القيامة
"
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: لا أعلم له غير هذا الحديث.

وفاته:
مات رضي الله عنه سنة 30 هـ بالمدينة، وهو ابن 65 سنة، وصلى عليه عثمان رضي الله عنه.








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:41 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


ربعي بن عامر

هو ربعي بن عامر بن خالد بن عمرو.. قال الطبري كان عمر أمد به المثنى بن حارثة وكان من أشراف العرب.

أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
كان لتربية الرسول أثرا في نفس ربعي جعلته يقف أمام الفرس قائلا لهم..
إن الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى
عدل الإسلام.

ملامح شخصيته:
فطنته وذكاؤه ومعرفته بأحوال عدوه:
كان سيدنا ربعي بن عامر من الفطناء العارفين بأحوال عدوهم، ومن ذلك لما أراد سيدنا سعد بن أبي وقاص أن
يرسل إلى الفرس المغيرة بن شعبة وبسر بن أبي رهم وعرفجة بن هرثمة وحذيفة بن محصن وربعي بن عامر
وقرفة بن زاهر التيمي ثم الواثلي ومذعور بن عدي العجلي والمضارب بن يزيد العجلي ومعبد بن مرة العجلي
وكان من دهاة العرب فقال إني مرسلكم إلى هؤلاء القوم فما عندكم قالوا جميعا نتبع ما تأمرنا به وننتهي إليه
فإذا جاء أمر لم يكن منك فيه شيء نظرنا أمثل ما ينبغي وأنفعه للناس فكلمناهم به ..
فقال سعد هذا فعل الحزمة اذهبوا فتهيؤوا فقال ربعي بن عامر إن الأعاجم لهم آراء وآداب ومتى نأتهم جميعا
يروا أنا قد احتفلنا بهم فلا تزدهم على رجل فمالؤوه جميعا على ذلك.

هوان الدنيا في نفسه وعزته بدينه:
خرج ربعي ليدخل على رستم في معسكره فأظهروا الزبرج وبسطوا البسط والنمارق ولم يتركوا شيئا ووضع
لرستم سرير الذهب وألبس زينته من الأنماط والوسائد المنسوجة بالذهب وأقبل ربعي يسير على فرس له
زباء قصيرة معه سيف له مشوف وغمده لفافة ثوب خلق ورمحه معلوب بقد معه حجفة من جلود البقر على
وجهها أديم أحمر مثل الرغيف ومعه قوسه ونبله فلما غشي الملك وانتهى إليه وإلى أدنى البسط قيل له
انزل فحملها على البساط فلما استوت عليه نزل عنها وربطها بوسادتين فشقهما ..
ثم أدخل الحبل فيهما فلم يستطيعوا أن ينهوه وإنما أروه التهاون وعرف ما أرادوا فأراد استحراجهم وعليه درع
له كأنها أضاة ويلمقه عباءة بعيره قد جابها وتدرعها وشدها على وسطه بسلب وقد شد رأسه بمعجرته وكان
أكثر العرب شعرة ومعجرته نسعة بعيره ولرأسه أربع ضفائر قد قمن قياما كأنهن قرون الوعلة فقالوا ضع سلاحك ..
فقال إني لم آتكم فأضع سلاحي بأمركم أنتم دعوتموني فإن أبيتم أن آتيكم كما أريد رجعت فأخبروا رستم
فقال ائذنوا له هل هو إلا رجل واحد فأقبل يتوكأ على رمحه وزجه نصل يقارب الخطو ويزج النمارق والبسط فما
ترك لهم نمرقة ولا بساطا إلا أفسده وتركه منهتكا مخرقا فلما دنا من رستم تعلق به الحرس ..
وجلس على الأرض وركز رمحه بالبسط فقالوا ما حملك على هذا قال إنا لا نستحب القعود على زينتكم هذه.

أثره في الآخرين دعوته وتعليمه:
ولما سأله رستم عن سبب مجيء المسلمين إلى الفرس فقال لهم الله ابتعثنا والله جاء بنا لنخرج من شاء من
عبادة العباد إلى عبادة الله ومن ضيق الدنيا إلى سعتها ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام فأرسلنا بدينه إلى
خلقه لندعوهم إليه فمن قبل منا ذلك قبلنا ذلك منه ورجعنا عنه وتركناه وأرضه يليها دوننا ومن أبى قاتلناه أبدا
حتى نفضي إلى موعود الله قال وما موعود الله قال الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقي ..
فقال رستم: قد سمعت مقالتكم فهل لكم أن تؤخروا هذا الأمر حتى ننظر فيه وتنظروا قال نعم كم أحب إليكم
أيوما أو يومين قال لا بل حتى نكاتب أهل رأينا ورؤساء قومنا وأراد مقاربته ومدافعته..
فقال إن مما سن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمل به أئمتنا ألا نمكن الأعداء من آذاننا ولا نؤجلهم
عند اللقاء أكثر من ثلاث فنحن مترددون عنكم ثلاثا فانظر في أمرك وأمرهم واختر واحدة من ثلاث بعد الأجل
اختر الإسلام وندعك وأرضك أو الجزاء فنقبل ونكف عنك وإن كنت عن نصرنا غنيا تركناك منه وإن كنت إليه..
محتاجا منعناك أو المنابذة في اليوم الرابع ولسنا نبدؤك فيما بيننا وبين اليوم الرابع إلا أن تبدأنا أنا كفيل لك بذلك
على أصحابي وعلى جميع من ترى..
قال أسيدهم أنت قال لا ولكن المسلمين كالجسد بعضهم من بعض يجير أدناهم على أعلاهم فخلص رستم
برؤساء أهل فارس فقال ما ترون هل رأيتم كلاما قط أوضح ولا أعز من كلام هذا الرجل قالوا معاذ الله لك أن تميل
إلى شيء من هذا وتدع دينك لهذا الكلب أما ترى إلى ثيابه..
فقال ويحكم لا تنظروا إلى الثياب ولكن انظروا إلى الرأي والكلام والسيرة إن العرب تستخف باللباس والمأكل
ويصونون الأحساب ليسوا مثلكم في اللباس ولا يرون فيه ما ترون وأقبلوا إليه يتناولون سلاحه ويزهدونه فيه
فقال لهم هل لكم إلى أن تروني فأريكم فأخرج سيفه من خرقه كأنه شعلة نار فقال القوم اغمده فغمده ثم
رمى ترسا ورموا حجفته فخرق ترسهم وسلمت حجفته فقال:
يا أهل فارس إنك عظمتم الطعام واللباس والشراب وإنا صغرناهن ثم رجع إلى أن ينظروا إلى الأجل.

من كلماته:
وقف ربعي بن عامر ليحرض الناس على القتال فقال: إن الله هداكم للإسلام وجمعكم به وأراكم الزيادة وفي
الصبر الراحة فعودوا أنفسكم الصبر تعتادوه ولا تعودوها الجزع فتعتادوه، وولاه الأحنف لما فتح خراسان على طخارستان.
ولم يذكر شيء عن وفاته.








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:42 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


سمرة بن جندب

سمرة بن جندب بن هلال بن حريج بن مرة بن حزن بن عمرو يكنى أبا سليمان ..قدمت به أمه بعد موت أبيه
فتزوجها رجل من الأنصار.
ولم يدرك الجاهلية ولاقى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بعد طفل.

من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض غلمان الأنصار فمر به غلام فأجازه في البعث وعرض عليه سمرة
فرده فقال : لقد أجزت هذا ورددتني ولو صارعته لصرعته قال فدونكه فصارِعْهُ، فصَرَعَهُ سمرةَ فأجازَه.
وهذا يدل علي حرص الفتيان من الصحابة علي أن ينالوا شرف الجهاد في سبيل الله.

أهم ملامح شخصيته:
خلال عذبة، وشمائل كريمة تمتع بها الصحابي الجليل منها الشجاعة وعدم التسامح مع المخطئين وقد ظهر
هذا في تعامله مع الخوارج.
ولما مرض سمرة بن جندب مرضه الذي مات فيه أصابه برد شديد فأوقدت له نار فجعل كانونا بين يديه وكانونا
خلفه وكانونا عن يمينه وكانونا عن يساره قال فجعل لا ينتفع بذلك ويقول كيف أصنع بما في جوفي فلم يزل
كذلك حتى مات.
إنه لموقف رائع من الصحابي الجليل في يوم وفاته، وهو موقف ما أحرانا في هذه الأيام أن نتعلم من موقف
سمرة رضي الله عنه وأن نخاف من الله ونعمل ليوم تشخص فيه الأبصار.

بعض ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عن سمرة بن جندب: أن امرأة ماتت في بطن فصلى عليها النبي صلى الله عليه وسلم فقام وسطها.
أي وقف في الصلاة عليها محاذيا الوسط.
وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى أرض مقدسة فانطلقنا حتى أتينا على نهر من دم فيه رجل قائم
وعلى وسط النهر رجل بين يديه حجارة فأقبل الرجل الذي في النهر فإذا أراد الرجل أن يخرج رمى الرجل بحجر
في فيه فرده حيث كان فجعل كلما جاء ليخرج رمى في فيه بحجر فيرجع
..كما كان فقلت ما هذا؟.
فقال: الذي رأيته في النهر آكل الربا.
وعنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا أتاني الليلة آتيان فابتعثاني فانتهيا بي إلى
مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن ما أنت راء وشطر كأقبح ما أنت راء
قالا لهم اذهبوا فقعوا في ذلك النهر فوقعوا فيه ثم رجعوا إلينا قد ذهب ذلك السوء عنهم فصاروا في أحسن
صورة قالا لي هذه جنة عدن وهذا منزلك قالا أما القوم الذين كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح
فإنهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم.
وعنه رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضب الله ولا بالنار".

وفاته:
مات سمرة قبل سنة ستين قال ابن عبد البر سقط في قدر مملوء ماء حارا فكان ذلك تصديقا لقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم له ولأبي هريرة ولأبي محذورة آخركم موتا في النار قيل مات سنة ثمان ..
وقيل سنة تسع وخمسين وقيل في أول سنة ستين.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:42 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


شرحبيل بن حسنة

شرحبيل بن حسنة وهي أمه، وهي عدوية وهو ابن عبد الله بن المطاع بن عمرو من كندة ..حليف لبني زهرة
ويكنى أبا عبد الله، وقد أسلم شرحبيل قديما بمكة وهو من مهاجرة الحبشة في الهجرة الثانية.
وكان رضي الله عنه يتميز بالشجاعة والإقدام يشهد له بذلك جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع
الخلفاء الراشدين من بعده، ويكفى أن يذكر التاريخ عنه أنه فاتح الأردن وأنه كان لجهاده في أرض الشام أثر كبير
في اندحار الروم ونشر الإسلام في تلك الربوع..
وكان صريحا لا يخشى في الحق أحدا، فقد خطب عمرو بن العاص لما انتشر مرض الطاعون بالشام فقال:
إن هذا الطاعون رجس فتفرقوا في هذه الشعاب وفى هذه الأودية، فبلغ ذلك شرحبيل فغضب وجاء وهو يجر
ثوبه معلقا نعله بيده .. وقال لعمرو بن العاص: إن الطاعون وقع فقال عمرو بن العاص: إنه رجس فتفرقوا عنه،
وقال شرحبيل بن حسنة:
إني قد صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمرو أضل من جمل أهله وربما قال شعبة أضل من بعير أهله
وإنه قال: إنها رحمة ربكم، ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم، فاجتمعوا ولا تفرقوا عنه، قال:
فبلغ ذلك عمرو بن العاص فقال: صدق.
وكان شرحبيل رضي الله عنه يجيد القراءة والكتابة، فقد كان من كتاب الوحي.

من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
حدث موقف يدل علي حبه للنبي صلي الله عليه وسلم، وأنه يفضله علي نفسه فعن الشفاء ابنة عبد الله قالت:
جئت يوما حتى دخلت على النبي صلى الله عليه و سلم فسألته و شكوت إليه فجعل يعتذر إلي و جعلت ألومه
قالت: ثم حانت الصلاة الأولى فدخلت بيت ابنتي و هي عند شرحبيل بن حسنة فوجدت زوجها في البيت فجعلت ألومه
و قلت: حضرت الصلاة و أنت هاهنا فقال:

يا عمه لا تلومني كان لي ثوبان استعار أحدهما النبي صلى الله عليه و سلم ..
فقلت: بأبي و أمي أنا ألومه و هذا شأنه فقال شرحبيل: إنما كان أحدهما درعا فرقعناه..
وكان شرحبيل رضي الله عنه هو الذي أخذ أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان من الحبشة بعد أن تزوجها
رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد زوجها إياه عثمان بن عفان وهي بنت عمته أمها ابنة أبي العاص زوجها
إياه النجاشي وجهزها إليه وأصدقها أربعمائة دينار وأولم عليها عثمان بن عفان لحما وثريدا وبعث إليها..
رسول الله صلى الله عليه وسلم شرحبيل بن حسنة فجاء بها.

من مواقفه مع الصحابة:
إن أبا بكر رضي الله عنه لما حدث نفسه أن يغزو الروم لم يطلع عليه أحد إذ جاءه شرحبيل بن حسنة فجلس
إليه فقال: يا خليفة رسول الله تحدثك نفسك أنك تبعث إلى الشام جند؟ فقال: نعم قد حدثت نفسي بذلك
وما أطلعت عليه أحدا وما سألتني عنه إلا لشيء قال:
أجل يا خليفة رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم كأنك تمشي في الناس فوق حرشفة...
( الحرشفة: الأرض الغليظة ) من الجبل ثم أقبلت تمشي حتى صعدت قنة ..
( قنة: القن بالضم الجبل الصغير".من القنان العالية فأشرفت على الناس ومعك أصحابك ثم إنك هبطت من
تلك القنان إلى أرض سهلة دمثة ( دمثة: دمث المكان وغيره كفرح سهل ولان والدماثة سهولة الخلق).
فيها الزرع والقرى والحصون فقلت للمسلمين شنوا الغارة على أعداء الله وأنا ضامن لكم بالفتح والغنيمة
فشد المسلمون وأنا فيهم معي راية فتوجهت بها إلى أهل قرية فسألوني الأمان فأمنتهم ثم جئت فأجدك
قد جئت إلى حصن عظيم ففتح الله لك وألقوا إليك السلم ووضع الله لك مجلسا فجلست عليه ثم قيل لك
يفتح الله عليك وتنصر فاشكر ربك واعمل بطاعته ثم قر: { إذا جاء نصر الله والفتح }
إلى آخرها ثم انتبهت فقال له أبو بكر: نامت عيناك خيرا رأيت وخيرا يكون إن شاء الله.
ثم قال: بشرت بالفتح ونعيت إلي نفسي ثم دمعت عينا أبي بكر ثم قال: أما الحرشفة التي رأيتنا نمشي عليها
حتى صعدنا إلى القنة العالية فأشرفنا على الناس فإنا نكابد من أمر هذا الجند والعدو مشقة ويكابدونه ثم نعلو
بعد ويعلو أمرنا وأما نزولنا من القنة العالية إلى الأرض السهلة الدمثة والزرع والعيون والقرى والحصون فإنا ننزل
إلى أمر أسهل مما كنا فيه من الخصب والمعاش وأما قولي للمسلمين: شنوا الغارة على أعداء الله فإني ضامن
لكم الفتح والغنيمة فإن ذلك دنو المسلمين إلى بلاد المشركين وترغيبي إياهم على الجهاد والأجر والغنيمة
التي تقسم لهم وقبولهم وأما الراية التي كانت معك..
فتوجهت بها إلى قرية من قراهم ودخلتها واستأمنوا فأمنتهم فإنك تكون أحد أمراء المسلمين ويفتح الله على
يديك وأما الحصن الذي فتح الله لي فهو ذلك الوجه الذي يفتح الله لي وأما العرش الذي رأيتني عليه جالسا
فإن الله يرفعني ويضع المشركين قال الله تعالى ليوسف: { ورفع أبويه على العرش }
وأما الذي أمرني بطاعة الله وقرأ علي السورة فإنه نعى إلي نفسي وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم
نعى الله إليه نفسه حين نزلت هذه السورة.

ومن مواقفه مع التابعين :
أن شرحبيل بن حسنة أغار على ساسمة مصبحا فقال لمن معه من المسلمين: صلوا على الظهر.
فمر بالأشتر يصلي على الأرض. فقال: مخالف خالف الله به. ومضى شرحبيل ومن معه فاستحوذ على
ساسمة فخربها فهي خراب إلى اليوم.

وفاته:
وقد اختلف في وفاته رضي الله عنه فقيل مات يوم اليرموك.
ويقال: طعن - أي مات بالطاعون - هو وأبو عبيدة في يوم واحد ومات في طاعون عمواس وهو ابن سبع وستين
وحديثه في الطاعون ومنازعته لعمرو بن العاص في ذلك مشهورة.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:43 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



ضرار بن الأزور

ضرار بن الأزور واسم الأزور مالك بن أوس بن خزيمة بن ربيعة بن مالك.
قال البغوي سكن الكوفة.
ويقال أنه كان له ألف بعير برعاتها فترك جميع ذلك (لله ).

من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
لما قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له ألف بعير برعاتها فأخبره بما خلف وقال:
يا رسول الله قد قلت شعر. فقال: هيه فقال:
خلعت القداح وعزف القي... ن والخمر أشربها والثمالا
وكري المحبر في غمرة... وجهدي على المسلمين القتالا
وقالت جميلة: شتتن... وطرحت أهلك شتى شمالا
فيا رب لا أغبنن صفقتي... فقد بعت أهلي ومالي بدالا

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما غبنت صفقتك يا ضرار".
فهكذا كان يصنع صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم بأموالهم كانوا ينفقونها في سبيل الله، يبيعون الدنيا
ويشترون الآخرة، يبيعون الفاني ويشترون الباقي.
وقال ضرار أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقحة فأمرني أن أحلبها فجهدت حلبها فقال دع داعي اللبن.

بعض المواقف مع الصحابة رضي الله عنهم:
وأبلي في موقعة اليرموك أحسن البلاء لأنه يدرك قيمة الشهداء عند الله عز وجل فعن عكرمة بن أبي جهل أنه
نادي يوم اليرموك: قاتلت رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل موطن وأفر منكم اليوم. ثم نادى: من يبايعني
على الموت فبايعه عمه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربعمائة من وجوه المسلمين وفرسانهم فقاتلوا
قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعا جراحة وقتلوا إلا ضرار بن الأزور.
وبعث خالد ضرارا في سرية فأغاروا على حي من بني أسد فأخذوا امرأة جميلة فسأل ضرار أصحابه أن يهبوها
له ففعلوا فوطئها ثم ندم فذكر ذلك لخالد فقال قد طيبتها لك فقال لا حتى تكتب إلى عمر فكتب أرضخه بالحجارة
فجاء الكتاب وقد مات فقال خالد ما كان الله ليخزي ضرارا ويقال إنه الذي قتل مالك بن نويرة بأمر خالد بن الوليد
ويقال إنه ممن شرب الخمر مع أبي جندب فكتب فيهم أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر ..
فكتب إليه ادعهم فسائلهم فإن قالوا إنها حلال فاقتلهم وإن زعموا أنها حرام فاجلدهم ففعل.

وفاته:
اختلف في وفاة ضرار بن الأزور رضي الله عنه، فقال ابن عبد البر: قُتل ضرار بن الأزور يوم أجنادين في خلافة
أبي بكر وقال غيره: توفي ضرار بن الأزور في خلافة عمر بالكوفة.
وذكر الواقدي قال: قاتل ضرار بن الأزور يوم اليمامة قتالا شديدا حتى قطعت ساقاه جميعا فجعل يحبو على
ركبتيه ويقاتل وتطؤه الخيل حتى غلبه الموت.
وقد قيل: مكث ضرار باليمامة مجروحا ثم مات قبل أن يرتحل خالد بيوم. قال: وهذا أثبت عندي من غيره.
وذكر ابن الأثير أنه شهد موقعة اليرموك سنة ثلاث عشرة من الهجرة.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:44 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



عبد الرحمن بن خالد بن الوليد

هو عبد الرحمن بن خالد بن الوليد بن المغيرة القرشي المخزومي..
وأمه أسماء بنت أسد بن مدرك الخثعمي ويكنى أبا محمد.
أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ورآه، وشهد اليرموك مع أبيه، وسكن حمص. وكان أحد الأبطال كأبيه، وكان معه
لواء معاوية يوم صفين. وكان يستعمله معاوية على غزو الروم. وكان شريفاً شجاعاً ممدوحاً.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
ـ يروي ابن وهب من طريق عبيد بن يعلى، عن أبي أيوب قال :غزونا مع عبد الرحمن بن خالد، فأتي بأربعة أعلاج
من العدو، فأمر بهم، فقتلوا صبرا بالنبل، فبلغ ذلك أبا أيوب فقال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-
ينهى عن قتل الصبر، ولو كانت دجاجة ما صبرتها فبلغ ذلك عبد الرحمن، فأعتق أربع رقاب.
وعن عوانة بن الحكم أن معاوية استعمل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد على الصائفة ثم قال له ما تصنع بعهدي
قال أتخذه إماما لا أعصيه وقال اردد على عهدي علي بسفيان بن عوف فكتب له ثم قال له ما تصنع بعهدي قال
أتخذه إماما أمام الحرم فإن خالف خالفت قال سر على بركة الله فسار فهلك بأرض الروم.

بعض المواقف من حياته مع التابعين:
لما ولي العباس بن الوليد حمص قال لأشراف أهل حمص : يا أهل حمص ما لكم لا تذكرون أميرا من أمرائكم مثل
ما تذكرون عبد الرحمن بن خالد فقال بعضهم : كان يدني شريفنا ويغفر ذنبنا ويجلس في أفنيتنا ويمشي في
أسواقنا ويعود مرضانا ويشهد جنائزنا وينصف مظلومنا.

بعض الأحاديث التي روها عن الرسول صلى الله عليه وسلم:
روي عن عبد الرحمن بن خالد بن الوليد أنه كان يحتجم في هامته وبين كتفيه فقالوا أيها الأمير لم تحتجم هذه
الحجامة؟ فقال: إن رسول الله كان يحتجمها ويقول :من أهراق من هذه الدماء فلا يضره أن لا يتداوى بشيء.

الوفاة:
قال خليفة، وأبو عبيد، ويعقوب بن سفيان وغيرهم :مات سنة ست وأربعين، زاد أبو سليمان بن زبر، قتله ابن
أثال النصراني بالسم بحمص.
وذكر ابن الأثير في كتابه الكامل في التاريخ عن سبب موته فقال:
قد عظم شأنه عند أهل الشام ومالوا إليه لما عندهم من آثار أبيه ولغنائه في بلاد الروم ولشدة بأسه، فخافه
معاوية وخشي على نفسه منه وأمر ابن أثال النصراني أن يحتال في قتله وضمن له أن يضع عنه خراجه ...
ما عاش وأن يوليه جباية خراج حمص.
فلما قدم عبد الرحمن من الروم دس إليه ابن أثال شربةً مسمومة مع بعض مماليكه، فشربها، فمات بحمص،
فوفى له معاوية بما ضمن له.
وقدم خالد بن عبد الرحمن بن خالد المدينة فجلس يوماً إلى عروة بن الزبير، فقال له عروة ما فعل ابن أثال؟
فقام من عنده وسار إلى حمص فقتل ابن أثال، فحمل إلى معاوية، فحبسه أياماً ثم غرمه ديته، ورجع خالد
إلى المدينة فأتى عروة، فقال عروة: ما فعل ابن أثال؟ فقال: قد كفيتك ابن أثال، ولكن ما فعل ابن جرموز؟
يعني قاتل الزبير، فسكت عروة.








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:44 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 




عدي بن حاتم الطائي

هو عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج الطائي. أبو وهب وأبو طريف. أمير صحابي من الأجواد
العقلاء..كان خطيبا حاضر البديهة وكان رئيس طي في الجاهلية والإسلام. قام في حروب الردة بأعمال ..
كبيرة وكان سرياً شريفاً تفي قومه خطيباً حاضر الجواب فاضلاً كريماً.

حاله في الجاهلية:
قال ابن إسحاق: وأما عدي بن حاتم فكان يقول، فيما بلغني:
ما رجل من العرب كان أشد كراهة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع به مني أما أنا فكنت امرأ شريفا
وكنت نصرانيا، وكنت أسير في قومي بالمرباع وكنت في نفسي على دين وكنت ملكا في قومي لما كان يصنع
بي فلما سمعت برسول الله صلى الله عليه وسلم كرهته فقلت لغلام كان لي عربي وكان راعيا لإبلي:
لا أبا لك، أعدد لي من إبلي أجمالا ذللا سمانا فاحتبسها قريبا مني، فإذا سمعت بجيش لمحمد قد وطئ هذه
البلاد فآذني ففعل ثم أنه أتاني ذات غداة فقال:
يا عدي ما كنت صانعا إذا غشيتك خيل محمد فاصنعه الآن فإني قد رأيت رايات فسألت عنها فقالوا:
هذه جيوش محمد. قال: قلت: فقرب إلى أجمالي فقربها فاحتملت بأهلي وولدي ثم قلت:
ألحق بأهل ديني من النصارى بالشام. فسلكت الجوشية وخلفت بنتا لحاتم في الحاضر فلما قدمت الشام
أقمت بها وتخالفني خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فتصيب ابنة حاتم فيمن أصابت..
فقدم بها على رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبايا من طيء وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم
هربي إلى الشام. قال: فجعلت ابنة حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا تحبس بها فمر بها رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقامت إليه، وكانت امرأة جزلة فقالت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي
من الله عليك. قال: "ومن وافدك؟" قالت: عدي بن حاتم قال:
"الفار من الله ورسوله؟" قالت: ثم مضى وتركني حتى إذا كان الغد مر بي فقلت له مثل ذلك، وقال لي مثل ما
قال بالأمس. قالت: حتى إذا كان بعد الغد مر بي وقد يئست فأشار إلي رجل خلفه أن قومي فكلميه. قالت:
فقمت إليه فقلت: يا رسول الله هلك الوالد وغاب الوافد فامنن علي من الله عليك. فقال صلى الله عليه وسلم:
"قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدي من قومك من يكون لك ثقة حتى يبلغك إلى بلادك ثم آذنيني".
فسألت عن الرجل الذي أشار إلي أن كلميه فقيل لي: علي بن أبي طالب قالت: فأقمت حتى قدم ركب من
بلي أو قضاعة. قالت: وإنما أريد أن آتي أخي بالشام فجئت فقلت:
يا رسول الله قد قدم رهط من قومي لي فيهم ثقة وبلاغ. قالت:
فكساني وحملني وأعطاني نفقة فخرجت معهم حتى قدمت الشام. قال عدي: فوالله إني لقاعد في أهلي
إذ نظرت إلى ظعينة تصوب إلى قومنا. قال: فقلت: ابنة حاتم؟ قال: فإذا هي هي فلما وقفت علي انسحلت
تقول: القاطع الظالم احتملت بأهلك وولدك وتركت بقية والدك عورتك؟
قال: قلت: أي أخية لا تقولي إلا خيرا فوالله مالي من عذر لقد صنعت ما ذكرت. قال:
ثم نزلت فأقامت عندي، فقلت لها وكانت امرأة حازمة: ماذا ترين في أمر هذا الرجل؟
قالت: أرى والله أن تلحق به سريعا فإن يكن الرجل نبيا فللسابق إليه فضله وإن يكن ملكا فلن تزل في عز ..
اليمن وأنت أنت. قال: قلت: والله إن هذا الرأي.
قال: فخرجت حتى أقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة فدخلت عليه وهو في مسجده ..
فسلمت عليه فقال: "من الرجل؟"
فقلت: عدي بن حاتم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وانطلق بي إلى بيته فوالله إنه لعامد بي إليه
إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته فوقف لها طويلا تكلمه في حاجتها قال:
قلت في نفسي: والله ما هذا بملك.
قال: ثم مضى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا دخل بيته تناول وسادة من أدم محشوة ليفا
فقذفها إلي فقال: "اجلس على هذه". قال: قلت: بل أنت فاجلس عليها". قال: "بل أنت".
فجلست وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأرض. قال: قلت في نفسي: والله ما هذا بأمر ملك.
ثم قال: "إيه يا عدي بن حاتم ألم تك ركوسيا؟" قال: قلت: بلى. قال: "أو لم تكن تسير في قومك بالمرباع؟"
قال: قلت: بلى. قال: "فإن ذلك لم يكن يحل لك في دينك".
قال: قلت: أجل والله. قال: وعرفت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل.
ثم قال: "لعلك يا عدي إنما يمنعك من دخول في هذا الدين ما ترى من حاجتهم فوالله ليوشكن المال أن يفيض
فيهم حتى لا يوجد من يأخذه ولعلك إنما يمنعك من دخول فيه ما ترى من كثرة عدوهم وقلة عددهم فوالله
ليوشكن أن تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف ولعلك إنما يمنعك
من دخول فيه أنك ترى أن الملك والسلطان في غيرهم..
وأيم الله ليوشكن أن تسمع بالقصور البيض من أرض بابل قد فتحت عليهم".
قال فأسلمت. قال: فكان عدي يقول: مضت اثنتان وبقيت الثالثة والله لتكونن؛ وقد رأيت القصور البيض من أرض
بابل قد فتحت ورأيت المرأة تخرج من القادسية على بعيرها لا تخاف حتى تحج هذا البيت وأيم الله لتكونن ..
الثالثة؛ ليفيض المال حتى لا يوجد من يأخذه.
هكذا أورد رحمه الله هذا السياق بلا إسناد وله شواهد من وجوه أخر..

إسلامه:
لما وقعت أخت عُدي في الأسر، فمنّ عليها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأتت أخاها في بلاد الشام
فكلمته في المجيء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء وأسلم..
قال عُدي: بُعِثَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين بُعث فكرهته أشدّ ما كرهت شيئاً قط، فانطلقتُ حتى
إذا كنت في أقصى الأرض ممّا يلي الروم، فكرهتُ مكاني ذلك مثلما كرهته أو أشدّ، فقلتُ:
( لو أتيتُ هذا الرجل، فإن كان كاذباً لم يخفَ عليّ، وإن كان صادقاً اتبعته ) .
فأقبلتُ فلمّا قدمتُ المدينة استشرفني الناس وقالو: (عُدي بن حاتم! عُدي بن حاتم )
فأتيته فقال لي: ( يا عديّ بن حاتم أسلمْ تسلمْ )
فقلتُ : (إنّ لي دين!)
قال: (أنا أعلم بدينك منك )
قلتُ: (أنت أعلم بديني مني؟!)
قال: ( نعم ) مرّتين أو ثلاثاً
قال: (ألست ترأس قومك؟)
قلتُ: ( بلى )
قال: (ألستَ رُكوسيّاً -فرقة مترددة بين النصارى والصابئين- ألستَ تأكل المرباع؟)
قلتُ: ( بلى )
قال: فإن ذلك لا يحلّ في دينَك!.. فنضنضتُ لذلك..
ثم قال: (ياعديّ أسلمْ تسلمْ )
قلتُ : ( قد أرى ) ..قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إنّه ما يمنعك أن تسلم إلا غضاضةً تراها ممّن
حولي، وأنت ترى الناس علينا إلْباً واحد؟)
قال: ( هل أتيتَ الحيرة؟)
فقلتُ: ( لم آتِها وقد علمتُ مكانها )
قال: ( يُوشك الظعينة أن ترحل من الحيرة بغير جوار، أو حتى تطوف بالبيت، ولتفتحنّ علينا كنوز كسرى بن هرمز )
قلتُ: (قلتَ كسرى بن هرمز!!)
قال: ( كسرى بن هرمز ) مرتين أو ثلاثة ( وليفيضنّ المالُ حتى يهمَّ الرجل مِنْ يقبلُ صدقتَهُ )
قال عدي: فرأيتُ اثنتين: الظعينة -المرأة- في الهودج تأتي حاجةً لا تحتاج إلى جوار، وقد كنتُ في أول خيل
أغارت على كنوز كسرى بن هرمز، وأحلف بالله لتجيئنّ الثالثة، إنّه قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم..

أهم ملامح شخصيته:
جوده وكرمه أخرج أحمد، عن تميم بن طرفة، قال: سأل رجلٌ عديَّ بن أبي حاتم مائة درهم، فقال: تسألني مائة
درهم، وأنا ابن حاتم، والله لا أعطيك. وسنده صحيح..
وقال الشعبي: أرسل الأشعث بن قيس إلى عدي بن حاتم يستعير منه قدور حاتم فملأها وحملها الرجال إليه
فأرسل إليه الأشعث: إنما أردناها فارغة!
فأرسل إليه عدي: إنا لا نعيرها فارغة.
قال ابن عيينة: حدثت عن الشعبي، عن عدي، قال: ما دخل وقت الصلاة حتى أشتاق إليه.

بعض المواقف من حياته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ولما أسلم عدي بن حاتم سنة سبع أكرمه النبي صلى الله عليه وسلم وألقى له وسادة وقال: " إذا أتاكم كريم
قوم فأكرموه". وعن عدي بن حاتم قال: ما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قط إلا وسع لي أو تحرك ..
لي وقد دخلت عليه يوما في بيته وقد امتلأ من أصحابه فوسع لي حتى جلست إلى جنبه.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
روى قيس بن أبي حازم، أن عدي بن حاتم جاء إلى عمر، فقال: أما تعرفني؟ قال: أعرفك، أقمت إذ كفروا، ووفيت
اذ غدروا، وأقبلت إذ أدبرو.
ـ أرسل خالد بن الوليد عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم الأنصاري طليعةً وكان ذلك في حروب الردة، فلقيهما حبال
أخو طليحة فقتلاه، فبلغ خبره طليحة فخرج هو وأخو سلمة، فقتل طليحة عكاشة وقتل أخوه ثابتاً ورجعا.
وأقبل خالد بالناس فرأوا عكاشة وثابتاً قتيلين، فجزع لذلك المسلمون، وانصرف بهم خالد نحو طيء ..
فقالت له طيء: نحن نكفيك قيساً، فإن بني أسد حلفاؤنا. فقال: قاتلوا أي الطائفتين شئتم.
فقال عدي بن حاتم: لو نزل هذا على الذين هم أسرتي فالأدنى لجاهدتهم عليه، والله لا أمتنع عن جهاد بني
أسد لحلفهم. فقال له خالد: إن جهاد الفريقين جهادٌ، لا تخالف رأي أصحابك وامض بهم إلى القوم الذين هم
لقتالهم أنشط.

بعض الأحاديث التي نقلها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
ـ روى الشعبي عن عدي بن حاتم قال:
سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال إذا أرسلت كلبك المعلم فقتل فكل وإذا أكل فلا تأكل فإنما أمسكه
على نفسه قلت أرسل كلبي فأجد معه كلبا آخر قال فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على كلب آخر..
ـ وعن محل بن خليفة الطائي قال سمعت عدي بن حاتم رضي الله عنه يقول
كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة والآخر يشكو قطع السبيل..
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما قطع السبيل فإنه لا يأتي عليك إلا قليل حتى تخرج العير إلى مكة
بغير خفير وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه ثم ليقفن أحدكم بين
يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له ألم أوتك مالا فليقولن بلى ثم ليقولن ألم أرسل
إليك رسولا فليقولن بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار فليتقين أحدكم
النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة..
ـ وأخبر حصين بن عبد الرحمن عن الشعبي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قال لما نزلت ..
(حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتهما تحت
وسادتي فجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي فغدوت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت له ذلك
فقال إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار..

وفاته:
ـ قال ابن الكلبي: مات عدي سنة سبع وستين، وله مائة وعشرون سنة.





| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:45 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 




عكاشة بن محصن


مقدمة
هو عكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كثير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة الأسدي حليف
لبني أمية ..يكنى أبا محصن، حليف بني عبد شمس... وهو أخو أم قيس بنت محصن.

حاله في الجاهلية:
لم يرد شيء عن حاله في الجاهلية. ولعل ذلك لأنه كان صغير السن لم يدرك في الجاهلية زمنا طويل، حيث أنه
كان يبلغ من العمر أربعا وأربعين سنة عندما توفي النبي صلى الله عليه وسلم..
فيكون أصغر من الرسول صلى الله عليه وسلم بتسع عشرة سنة، مما يدل على أنه كان يبلغ من العمر عند
بعثة النبي صلى الله عليه وسلم واحدًا وعشرين سنة فقط..
وهو يعد من السابقين الأولين دعا له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة في حديث "سبقك بها عكاشة"
وهو أيضا بدري أحدي..

سبقه إلى الإسلام:
هذه بعض النصوص التي تشير إلى فضله وسبقه ؛ قال ابن إسحاق: شهد بدرا من بني أسد بن خزيمة اثنا
عشر رجلا عبد الله بن جحش وعكاشة بن محصن وأخوه أبو سنان بن محصن وشجاع بن وهب وأخوه عقبة
بن وهب ويزيد بن قيس وسنان بن أبي سنان ومحرز بن نضلة وربيعة بن أكثم ومن حلفائهم كثير بن عمرو
وأخواه مالك بن عمرو ومدلج بن عمرو.
قال ابن عبد البر في الاستيعاب: شهد بدرا هو وأخوه وأبوه وعمه عكاشة بن محصن وشهدوا سائر المشاهد
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أيضًا: كان من فضلاء الصحابة شهد بدرا وأبلى فيها بلاء حسنا...
وقال ابن الأثير في أسد الغابة:
من سادات الصحابة وفضلائهم. هاجر إلى المدينة وشهد بدرا وأبلى فيها بلاء حسنا.
وقال ابن سعد في الطبقات: شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أهم ملامح شخصيته:
الشجاعة والإقدام ؛
ومن مواقفه في حروب المرتدين:
لما ولى طليحة هاربا تبعه عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم وكان طليحة قد أعطى الله عهدًا:
أن لا يسأله أحد النزول إلا فعل فلما أدبر ناداه عكاشة بن محصن: يا طليحة! فعطف عليه فقتل عكاشة،
ثم أدركه ثابت فقتله أيضا طليحة، ثم لحق المسلمون أصحاب طليحة فقتلوا وأسروا...

حرصه على الجهاد وعدم تخلفه عن أيٍٍّ من المشاهد:
شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

المسارعة إلى الخيرات وتحيُّن الفرص:
كما في الحديث الصحيح وفي آخره " سبقك بها عكاشة ".

القيادة:
حيث أمّره الرسول صلى الله عليه وسلم على أكثر من سرية، وولاّه بعض ولاياته.
سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر، وسرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب أرض عذرة وبلي..
وعن كثير بن الصلت قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وعماله على بلاد حضرموت زياد بن لبيد البياضي
على حضرموت وعكاشة بن محصن على السكاسك والسكون والمهاجر على كندة وكان بالمدينة لم يكن خرج
حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعثه أبو بكر بعد إلى قتال من باليمن..

الذكاء والفطنة:
ويتضح ذالك من هذا الموقف: سرية عبد الله بن جحش الأسدي إلى نخلة في رجب على رأس سبعة عشر
شهرا من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في اثني عشر رجلا من المهاجرين كل اثنين يتعقبان
بعيرا إلى بطن نخلة وهو بستان بن عامر الذي قرب مكة وأمره أن يرصد بها عير قريش فوردت عليه..
فلما رآهم القوم هابوهم وقد نزلوا قريبا منهم فأشرف لهم عكاشة بن محصن وكان قد حلق رأسه فلما رأوه
أمنوا وقالوا عمار لا بأس عليكم منهم. وتشاور القوم فيهم وذلك في آخر يوم من رجب فقال القوم:
والله لئن تركتم القوم هذه الليلة ليدخلن الحرم فليمتنعن منكم به ولئن قتلتموهم لتقتلنهم في الشهر الحرام
فتردد القوم وهابوا الإقدام عليهم ثم شجعوا أنفسهم عليهم وأجمعوا على قتل من قدروا عليه منهم وأخذ
ما معهم. فرمى واقد بن عبد الله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله واستأسر عثمان بن عبد الله
والحكم بن كيسان وأفلت لقوم نوفل بن عبد الله فأعجزهم.
وأقبل عبد الله ابن جحش وأصحابه بالعير وبالأسيرين حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة..

بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
وانكسر سيفه فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجونا أو عودا فصار بيده سيفا يومئذ..
وفي البخاري حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمَا قَالَ لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ فَذَكَرْتُهُ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَقَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ عَبَّاسٍ..
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ
لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا أُمَّتِي هَذِهِ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ قِيلَ انْظُرْ إِلَى
الْأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلَأُ الْأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلَأَ الْأُفُقَ قِيلَ
هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلَاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ" ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ
الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلَادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَبَلَغَ النَّبِيَّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَقَالَ :"هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ وَلَا يَتَطَيَّرُونَ وَلَا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"
فَقَالَ عُكَاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ أَمِنْهُمْ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ "نَعَمْ" فَقَامَ آخَرُ فَقَالَ أَمِنْهُمْ أَنَا قَالَ "سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ"
{ البخاري_ كتاب الطب _ باب من اكتوى أو كوى غيره وفضل من لم يكتو_ حديث رقم5270}
وفي النسائي: عَنْ أُمِّ قَيْسٍ قَالَتْ تُوُفِّيَ ابْنِي فَجَزِعْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لِلَّذِي يَغْسِلُهُ لَا تَغْسِلْ ابْنِي بِالْمَاءِ الْبَارِدِ
فَتَقْتُلَهُ فَانْطَلَقَ عُكَّاشَةُ بْنُ مِحْصَنٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِهَا فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ
مَا قَالَتْ طَالَ عُمْرُهَا فَلَا نَعْلَمُ امْرَأَةً عَمِرَتْ مَا عَمِرَتْ..
{ النسائي _ كتاب الجنائز _ باب غسل الميت بالحميم حديث رقم 1859}وانكسر في يده سيف فأعطاه
رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجونا - أو: عودا - فعاد في يده سيفا يومئذ شديد المتن أبيض الحديدة
فقاتل به حتى فتح الله عز وجل على رسوله صلى الله عليه وسلم ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع
رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قتل في الردة وهو عنده وكان ذلك السيف يسمى العون.
وعن أبي معشر عن زيد بن أسلم ويزيد بن رومان وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة وغيرهم أن عكاشة بن
محصن أنقطع سيفه في يوم بدر فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جذلا من شجرة فعاد في يده سيفا
صارما صافي الحديدة شديد المتن..
وكان - رضي الله عنه - ممن ولاّهم النبي صلى الله عليه وسلم: قال: أبو جعفر كتب إلي السري عن شعيب
عن سيف عن سهل بن يوسف عن الصلت عن كثير بن الصلت قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم..
وعماله على بلاد حضرموت زياد بن لبيد البياضي على حضرموت وعكاشة بن محصن على السكاسك
والسكون والمهاجر على كندة وكان بالمدينة لم يكن خرج حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فبعثه أبو بكر بعد إلى قتال من باليمن.

السرايا التي شارك فيها:
(سرية عبد الله بن جحش الأسدي ) وقد سبق ذكرها
(سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الغمر) غمر مرزوق وهو ماء لبني أسد على ليلتين من فيد طريق
الأول إلى المدينة وكانت في شهر ربيع الأول سنة ست من مهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا :
وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم عكاشة بن محصن إلى الغمر في أربعين رجلا ..
فخرج سريعا يغذ السير ونذر به القوم فهربوا فنزلوا علياء بلادهم ووجدوا دارهم خلوفا فبعث شجاع بن وهب
طليعة فرأى أثر النعم فتحملوا فأصابوا ربيئة لهم..
فأمنوه فدلهم على نعم لبني عم له فأغاروا عليها فاستاقوا مائتي بعير فأرسلوا الرجل وحدروا النعم إلى
المدينة وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلقوا كيدا..

سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب أرض عذرة وبلي:
ثم سرية عكاشة بن محصن الأسدي إلى الجناب أرض عذرة وبلي في شهر ربيع الآخر سنة تسع من مهاجر
رسول الله صلى الله عليه وسلم..

بعض المواقف من حياته مع الصحابة رضي الله عنهم:
ما كان منه في حروب الردة، وحسن بلائه في قتال المرتدين حتى قضى شهيدًا رضي الله عنه، وقد ذُكر ذلك
في أكثر من موضع...

أثره في الآخرين:
روى عنه أبو هريرة وابن عباس، وروت عنه أخته أم قيس بنت محصن..

بعض كلماته:
قال عكاشة بن محصن: انقطع سيفي يوم بدر فأعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا فإذا هو سيف
أبيض طويل. فقاتلت به.

الوفاة:
قال ابن حجر في الإصابة: واتفق أهل المغازي على أن ثابت بن أقرم قتل في عهد أبي بكر قتله طليحة
بن خويلد الأسدي وقال عمر لطليحة بعد أن أسلم كيف أحبك وقد قتلت الصالحين عكاشة بن محصن وثابت
بن أقرم فقال طليحة أكرمهما الله بيدي ولم يهني بأيديهما...
عن أم قيس بنت محصن قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعكاشة بن أربع وأربعين سنة وقتل
بعد ذلك بسنة ببزاخة في خلافة أبي بكر الصديق سنة اثنتي عشرة وكان عكاشة من أجمل الرجال.








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:46 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


عقيل بن أبي طالب الهاشمي

مقدمة
هو عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم
بن عبد مناف بن قصي وكان أسن بني أبي طالب بعد طالب ولا بقية له وأمه أيضا فاطمة بنت أسد بن هاشم
وكان أسن من عقيل بعشر سنين وكان عقيل أسن من جعفر بعشر سنين وكان جعفر أسن من علي بعشر
سنين فعلي كان أصغرهم سنا وأولهم إسلام.
وكان أكبر من علي بعشرين سنة وعاش بعده مدة وكان علاَّمة بالنسب وأيام العرب..

حاله في الجاهلية:
عن ابن عباس قال: كان في قريش أربعة يتحاكم إليهم ويوقف عند قولهم يعني في علم النسب:
عقيل بن أبي طالب ومخرمة بن نوفل الزهري وأبو جهم بن حذيفة العدوي وحويطب بن عبد العزى العامري.
"قال: حدثنا عبيد بن أوس مقرن من بني ظفر قال لما كان يوم بدر أسرت العباس بن عبد المطلب وعقيل بن
أبي طالب وحليفا للعباس فهريا فقرنت العباس وعقيلا فلما نظر إليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
سماني مقرنا وقال "أعانك عليهما ملك كريم
".
قالوا "وكان عقيل بن أبي طالب فيمن أخرج من بني هاشم كرها مع المشركين إلى بدر فشهدها وأسر يومئذ
وكان لا مال له ففداه العباس بن عبد المطلب
."

أولاده وأزواجه:
وكان لعقيل بن أبي طالب من الولد يزيد وبه كان يكنى وسعيد وأمهما أم سعيد بنت عمرو بن يزيد بن مدلج من
بني عامر بن صعصعة وجعفر الأكبر وأبو سعيد الأحول وهو اسمه وأمهما أم البنين بنت الثغر وهو عمرو بن
الهصار بن كعب بن عامر بن عب بن أبي بكر وهو عبيد بن كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة وأم الثغر أسماء
بنت سفيان أخت الضحاك بن سفيان بن عوف بن كعب بن أبي بكر بن كلاب صاحب رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم ومسلم بن عقيل وهو الذي بعثه الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام
من مكة يبايع له الناس فنزل بالكوفة على هانئ بن عروة المرادي فأخذ عبيد الله بن زياد مسلم بن عقيل
وهانئ بن عروة فقتلهما جميعا وصلبهما فلذلك قول الشاعر...
فإن كنت لا تدرين ما الموت فانظري... إلى هانئ في السوق وابن عقيل
ترى جسدا قد غير الموت لونه... ونضح دم قد سأل كل مسيل
وعبد الله بن عقيل وعبد الرحمن وعبد الله الأصغر وأمهم خليلة أم ولد وعلي لا بقية له وأمه أم ولد وجعفر
الأصغر وحمزة وعثمان لأمهات أولاد ومحمد ورملة وأمهما أم ولد وأم هانئ وأسماء وفاطمة وأم القاسم
وزينب وأم النعمان لأمهات أولاد شتى.

عمره عند الإسلام:
كان _ رضي الله عنه _ يبلغ من العمر عندما أسلم اثنين وخمسين سنة، حيث أنه ولد قبل الهجرة_ كما سبق
أن أشرتُ_ بأربع وأربعين سنة، وأسلم سنة ثمان من الهجرة.

قصة إسلامه ومن الذي دعاه إلى الإسلام:
وعن ابن عباس: في قول الله عز وجل: " يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى إن يعلم الله في قلوبكم
خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم
" .
نزلت في الأسارى يوم بدر ومنهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب..
وقال عقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: من قتلت من أشرافهن أثخن فيهم! فقال: قتل أبو جهل فقال:
" الآن صفا لك الوادي "
وقال له عقيل: إنه لم يبق من أهل بيتك أحد إلا وقد أسلم قال: " فقل لهم فليلحقوا بي فلما أتاهم عقيل بهذه
المقالة خرجوا.
"...وذكر أن العباس ونوفلا وعقيلا رجعوا إلى مكة أمروا بذلك ليقيموا ما كانوا يقيمون من أمر
السقاية والرفادة يعني والرياسة وذلك بعد موت أبي لهب وكانت السقاية والرفادة والرياسة في الجاهلية في
بني هاشم ثم هاجروا بعد إلى المدينة فقدموها بأهاليهم وأولادهم.
وكان عقيل فيمن أخرج من بني هاشم كرها مع المشركين إلى بدر فشهدها وأسر يومئذ وكان لا مال له
ففداه العباس بن عبد المطلب ورجع عقيل إلى مكة فلم يزل بها ..
حتى خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا في أول سنة ثمان وعقيل بن أبي طالب ممن أسلم
وحسن إسلامه أسلم عام الحديبية.. وكان إسلامه قبل يوم مؤتة فيما ذكر بعض أهل العلم..

هجرته:
هاجر في أول سنة ثمان ثم عرض له مرض بعد شهوده غزوة مؤتة فلم نسمع له بذكر في الفتح ولا ما بعدها.

أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته:
عن أبي إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعقيل بن أبي طالب "يا أبا يزيد إني أحبك حبين حبا
لقرابتك وحبا لما كنت أعلم من حب عمي إياك
"
وعن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أعطي لكل نبي سبعة رفقاء نجباء وأعطيت
أنا أربعة عشر
" فذكر منهم عقيلا.

أهم ملامح شخصيته:
الثبات:
عن حسين بن علي قال كان ممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين العباس وعلي وأبو سفيان
بن الحارث وعقيل بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب والزبير بن العوام وأسامة بن زيد.
الورع والزهد:
عن زيد بن أسلم أن عقيل بن أبي طالب دخل على امرأته فاطمة بنت عتبة بن ربيعة وسيفه متلطخ بالدماء
فقالت: قد عرفت أنك قاتلت فما أصبت من غنائم المشركين؟
فقال: دونك هذه الإبرة فخيطي بها ثيابك ودفعها إليها فسمع منادي النبي صلى الله عليه وسلم يقول:
من أصاب شيئا فليرده وإن كان إبرة فرجع عقيل إلى امرأته فقال: ما أرى إبرتك إلا قد ذهبت عنك فأخذ عقيل
الإبرة فألقاها في الغنائم.
وكان مما يميزه أيضاً القوة البدنية..
عمّر عقيل طويلاً، وكان قوي الجسم شديد البنية، شوهد مرّة، وهو شيخ كبير يحمل دلو ماء كبيراً.

قرآن نزل في شأنه:
وعن ابن عباس: في قول الله عز وجل: " يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من الأسارى إن يعلم الله في قلوبكم
خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم والله غفور رحيم
" .
نزلت في الأسارى يوم بدر ومنهم العباس بن عبد المطلب ونوفل بن الحارث وعقيل بن أبي طالب.

بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
روى أن رسول الله أتى بسبعين أسيرا فيهم العباس وعقيل بن أبي طالب فاستشار فيهم فقال أبو بكر قومك
وأهلك استبقهم لعل الله يتوب عليهم وخذ منهم فدية تقوى أصحابك وقال عمر اضرب أعناقهم فإنهم أئمة
الكفر والله أغناك عن الفداء مكن عليا من عقيل وحمزة من العباس ..
ومكني من فلان نسيب له فلنضرب أعناقهم فقال إن الله ليلين قلوب رجال حتى تكون ألين من اللين وإن الله
ليشدد قلوب رجال حتى تكون أشد من الحجارة وإن مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم قال فمن تبعني فإنه مني
ومن عصاني فإنك غفور رحيم ومثلك يا عمر مثل نوح قال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديار فخير أصحابه
فأخذوا الفداء فنزلت فدخل عمر رضي الله عنه على رسول الله فإذا هو وأبو بكر يبكيان فقال يا رسول الله ..
أخبرني فإن وجدت بكاء بكيت وإلا تباكيت فقال أبكي على أصحابك في أخذهم الفداء ولقد عرض على عذابهم
أدنى من هذه الشجرة لشجرة قريبة منه.
وعن جابر بن عبد الله قال: بارز عقيل بن أبي طالب رجلا يوم مؤتة فقتله فنفله رسول الله صلى الله عليه وسلم
خاتمه وسلبه رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وهو حسن الحديث وفيه ضعف وبقية
رجاله ثقات.
عن حسين بن علي قال كان ممن ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين العباس وعلي وأبو سفيان
بن الحارث وعقيل بن أبي طالب وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب والزبير بن العوام وأسامة بن زيد..
عن ابن عقيل عن أبيه عن جده عقيل بن أبي طالب قال نازعت عليا وجعفر بن أبي طالب في شئ فقلت والله
ما أنتما بأحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مني إن قرابتنا لواحدة وإن أبانا لواحد وإنا أمنا لواحدة
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أحب أسامة بن زيد قلت إني ليس عن أسامة أسألك إنما أسألك عن
نفسي فقال يا عقيل "والله إني لأحبك لخصلتين لقرابتك ولحب أبي طالب إياك وكان أحبهم إلى أبي طالب وأما
أنت يا جعفر فإن خلقك يشبه خلقي وأنت يا علي فأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير إنه لا نبي بعدي
".

بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
قال حميد بن هلال: أتى عقيل عليا فقال: يا أمير المؤمنين إني محتاج وإني فقير فأعطني قال: اصبر حتى
يخرج عطائي مع المسلمين فأعطيك معهم فألح عليه فقال لرجل: خذ بيده فانطلق به إلى حوانيت أهل
السوق فقل: دق هذه الأقفال وخذ ما في هذه الحوانيت.
قال: يريد علي أن يتخذني سارقا فرجع إليه فقال: يا أمير المؤمنين: أردت أن تتخذني سارق! قال: أنت والله
أردت أن تتخذني سارقا أن آخذ أموال الناس فأعطيكها دونهم قال: لآتين معاوية قال ؛ أنت وذاك فأتى معاوية
فسأله فأعطاه مئة ألف ثم قال: اصعد المنبر فاذكر ما أولاك علي من نفسه وما أوليتك من نفسي.
قال: فصعد فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني أخبركم أني أردت عليا على دينه فاختار دينه وإني
أردت معاوية على دينه فاختارني على دينه. فقال معاوية: هذا الذي تزعم قريش أنه أحمق وأنها أعقل منه!
وقيل: إن عقيلا لما أتى معاوية قال له: كيف أنت أبا يزيد؟ كيف تركت عليا وأصحابه؟ قال: كأنهم أصحاب..
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر إلا أني لم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم وكأنك وأصحابك
أبو سفيان يوم أحد إلا أني لم أر أبا سفيان معكم فكره معاوية أن يراجعه فيأتي بأشد مما جاء به.
فلما كان الغد قعد معاوية على سريره وأمر بكرسي يوضع إلى جنب السرير ..
ثم أذن للناس فدخلوا وأجلس الضحاك بن قيس معه ثم أذن لعقيل فدخل عليه فقال:
يا معاوية من هذا معك؟ قال:
هذا الضحاك بن قيس. فقال: الحمد لله الذي رفع الخسيسة وتمم النقيصة هذا الذي كان أبوه يخصي بهمنا
بالأبطح لقد كان بخصائها رفيق. فقال الضحاك: إني لعالم بمحاسن قريش وإن عقيلا لعالم بمساوئه.
ثم قال: ومن هذا الشيخ؟ فقال: أبو موسى الأشعري قال: ابن المراقة لقد كانت أمه طيبة المرق..
فقال له معاوية: أبا يزيد: على رسلك فقد علمنا مقصدك ومرادك. فأمر له بخمسين ألف درهم وقال له:
كيف رأيتني من أخيك؟ قال: أخي خير لنفسه منك وأنت خير لي منك لنفسك فأخذها ورجع إلى أخيه ..
فقال: اخترت الدنيا على الآخرة.
وقيل: إن عقيلا لما أتى عليا ومنعه قال له: أكتب لك إلى مالي بالينبع فتعطى؟ فقال عقيل:
لأذهبن إلى رجل يعطيني. فأتى معاوية فقال: مرحبا بأبي يزيد هذا أخو علي وعمه أبو لهب.
فقال له عقيل: هذا معاوية وعمته حمالة الحطب...
و أخرج ابن عساكر عن المقدام قال: استب عقيل بن أبي طالب و أبو بكر قال: و كان أبو بكر نسابا غير
أنه تحرج من قرابته من النبي صلى الله عليه و سلم فأعرض عنه و شكا إلى النبي صلى الله عليه و سلم
فقام رسول الله صلى الله عليه و سلم في الناس فقال: ألا تدعون لي صاحبي؟ ما شأنكم و شأنه؟
فو الله ما منكم رجل إلا على باب بيته ظلمة إلا باب أبي بكر فإن على بابه النور فو الله لقد قلتم:
كذبت و قال أبو بكر: صدقت و أمسكتم الأموال و جاد لي بماله و خذلتموني وواساني و اتبعني..
شهد عبد الله بن عباس مع علي رضي الله عنهما الجمل وصفين والنهروان وشهد معه الحسن والحسين
ومحمد بنوه وعبد الله وقثم ابنا العباس ومحمد وعبد الله وعون بنو جعفر بن أبي طالب. والمغيرة بن نوفل
بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب وعبد الله بن ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب.

بعض المواقف من حياته مع التابعين:
كان عالماً بالأنساب، ومن أنسب قريش وأعلمهم بأيامها، وكانت له سجادة تطرح له في المسجد النبوي
يصلي عليها، ثم يجتمع إليه الناس يسألونه في علم النسب وأيام العرب، وكان أسرع الناس جواباً، ..
وأحضرهم مراجعة في القول، وأبلغهم في ذلك، وكان مبغّضاً في قريش لأنه يعد مساويهم، فقالوا فيه
بالباطل، واختلقوا عليه أحاديث مزوّرة، وكان مما أعانهم على ذلك مغاضبته لأخيه الإمام علي وخروجه إلى
معاوية بن أبي سفيان في الشام، ويروى أن معاوية قال يوماً في حضرته: هذا لولا علمه بأني خير له من
أخيه لما أقام عندنا وتركه، فقال عقيل:
أخي خير لي في ديني، وأنت خير لي في دنياي، وقد آثرت دنياي وأسأل الله تعالى خاتمة الخير.

أثره في الآخرين:
أبو مرة مولى عقيل بن أبي طالب قال محمد بن عمر إنما هو مولى أم هانئ بنت أبي طالب ولكنه كان يلزم
عقيلا فنسب إلى ولايته وكان شيخا قديما قد روى عن عثمان بن عفان وأبي هريرة وأبي واقد الليثي وكان
ثقة قليل الحديث..
روى عنه: ابنه محمد وحفيده عبد الله بن محمد وموسى بن طلحة والحسن البصري وعطاء بن أبي رباح وأبو
صالح السمان.
ورد له ذكر في كتب الحديث مثل كتب البخاري والنسائي وابن ماجه، حيث روى عدة أحاديث عن الرسول ..
صلى الله عليه وسلم، وروى عنه ابنه محمد وحفيده عبد الله بن محمد، والحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم.

بعض الأحاديث التي نقلها عن النبي صلى الله عليه وسلم:
عن عقيل بن أبي طالب قال: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالو: يا أبا طالب إن ابن أخيك يأتينا في أفنيتنا وفي
نادينا فيسمعنا ما يؤذينا به فإن رأيت أن تكفه عنا فافعل. فقال لي: يا عقيل التمس لي ابن عمك فأخرجته من
كبس - بيت صغير - من أكباس أبي طالب فأقبل يمشي معي يطلب الفيء يمشي فيه فلا يقدر عليه حتى
انتهى إلى أبي طالب فقال له أبو طالب: يا ابن أخي والله ما علمت إن كنت لي لمطاعا وقد جاء قومك يزعمون
أنك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم تسمعهم ما يؤذيهم فإن رأيت أن تكف عنهم.
فحلق ببصره إلى السماء فقال: صلى الله عليه وسلم: والله ما أنا بأقدر أن أدع ما بعثت به من أن يشعل أحدكم
من هذه الشمس شعلة من نار.
فقال أبو طالب: والله ما كذب ابن أخي قط ارجعوا راشدين
وعن الحسن عن عقيل بن أبي طالب أنه تزوج فقيل له بالرفاء والبنين قال لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال :
رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخير والبركة بارك الله لك وبارك عليك.
عن عقيل بن مسلم عن عقيل بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعمر بن الخطاب إن غضبك
عز ورضاك حكم.
عن عقيل بن أبي طالب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعلي: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى
إلا أنه لا نبي بعدي
"
روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا في الوضوء بالمد والطهور بالصاع..
وأخرج أبو نعيم في الدلائل عن عقيل بن أبي طالب أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أتاه الستة النفر من
الأنصار جلس إليهم عند جمرة العقبة فدعاهم إلى الله وإلى عبادته والمؤازرة على دينه فسألوه أن يعرض
عليهم ما أوحي إليه فقرأ من سورة إبراهيم { وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام }
إلى آخر السورة فرق القوم واخبتوا حين سمعوا منه ما سمعوا وأجابوه.
ومن مسند عقيل بن أبي طالب عن أبي إسحاق السبيعي عن الشعبي وعن عبد الملك بن عمير عن عبد الله
بن عمر عن عقيل بن أبي طالب ومحمد بن عبد الله بن أخي الزهري عن الزهري أن العباس ابن عبد المطلب
مر بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يكلم النقباء ويكلمونه فعرف صوت صلى الله عليه وسلم..
فنزل وعقل راحلته ثم قال: لهم يا معشر الأوس والخزرج هذا ابن أخي ..
وهو أحب الناس إلي فإن كنتم صدقتموه وآمنتم به وأردتم إخراجه معكم فإني أريد أن آخذ عليكم موثقا تطمئن
به نفسي ولا تخذلوه ولا تغروه فإن جيرانكم اليهود وهم لكم (في المنتخب - له)
عدو ولا آمن مكرهم عليه فقال: أسعد بن زرارة وشق عليه قول العباس حين اتهم عليه أسعد وأصحابه
يا رسول الله ايذن لي ( كذا وفي المنتخب لن. )
فلنجبه غير مخشنين (اخشن صدره تخشين: أوغره أي أهماه من الغيظ - انتهى. مختار.)
لصدرك ولا متعرضين لشيء مما تكره إلا تصديقا لإجابتنا إياك وإيمانا بك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أجيبوه غير متهمين فقال أسعد بن زرارة ..
وأقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن لكل دعوة سبيلا إن لين وإن شدة وقد دعوتنا
اليوم إلى دعوة متجهمة (ن - متهجمة.) للناس متوعرة عليهم دعوتنا إلى ترك ديننا واتباعك إلى دينك وتلك
مرتبة (ن - رتبة) صعبة فأجبناك إلى ذلك ودعوتنا إلى قطع ما بيننا وبين الناس من الجوار والأرحام والقريب
والبعيد وتلك رتبة صعبة فأجبناك إلى ذلك ودعوتنا ونحن جماعة في عز ( في المنتخب دار عز. )
ومنعة لا يطمع فينا أحد أن يرأس علينا رجل من غيرنا قد أفرده قومه وأسلمه أعمامه وتلك رتبة صعبة فأجبناك
إلى ذلك وكل هؤلاء الرتب مكروهة عند الناس إلا من عزم الله على رشده والتمس الخير في عواقبها وقد
أجبناك إلى ذلك بألسنتنا وصدورنا إيمانا بما جئت به وتصديقا بمعرفة ثبتت في قلوبنا نبايعك على ذلك ونبايع
الله ربنا وربك يد الله فوق أيدينا ودماؤنا دون دمك وأيدينا دون يدك نمنعك مما نمنع منه أنفسنا وأبناءنا ونساءنا
فإن نف بذلك فبالله نفي ونحن به أسعد وإن نغدر فبالله نغدر ونحن به أشقى هذا الصدق منا ..
يا رسول الله والله المستعان ثم أقبل على العباس بن عبد المطلب بوجهه وأما أنت أيها المعترض لنا
القول دون النبي صلى الله عليه وسلم فالله أعلم بما أردت بذلك ذكرت أنه ابن أخيك وأنه أحب الناس إليك فنحن
قد قطعنا.. القريب والبعيد وذا الرحم ونشهد أنه رسول الله أرسله من عنده ليس بكذاب وإن ما جاء به لا يشبه
كلام البشر وأما ما ذكرت أنك لا تطمئن إلينا في أمره حتى تأخذ مواثيقنا فهذه خصلة لا نردها على أحد
لرسول الله صلى الله عليه وسلم فخذ ما شئت ثم التفت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله خذ لنفسك ..ما شئت واشترط لربك ما شئت ..
فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا ولنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأبناءكم
ونساءكم..وقالوا.. فذلك لك يا رسول الله(أبو نعيم )

موقف الوفاة:
ومات عقيل بن أبي طالب بعدما عمي في خلافة معاوية بن أبي سفيان وله عقب اليوم وله دار بالبقيع ربة
يعني كثيرة الأهل والجماعة واسعة..
حدثني إبراهيم بن موسى أنا هشام أن ابن جريج أخبرهم قال أخبرني عبد الله بن عبد الله بن يار قال كنت
عند عبد الله بن عمر بالمدينة فجاءه عباس بن سهل الأنصاري فقال إن عقيل بن أبي طالب وضع بباب المسجد
فصلى عليه وابن الزبير حينئذ بمكة.
متى توفي؟
توفي عقيل في خلافة معاوية سنة 49 من الهجرة، ودفن في المدينة في بقيع الغرقد وقبره معروف
رحمه الله ورضي عنه.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:47 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 





عكرمة بن أبي جهل

مقدمة..
( كان يضع المصحف على وجهه ويقول: كتاب ربي كتاب ربي )
(يا رسول الله، والله لا أترك مقاما قمته لأصد عن سبيل الله إلا قمت مثله في سبيله، ولا أترك نفقة أنفقتها
لأصد عن سبيل الله؛ إلا أنفقت مثلها في سبيل الله )
(من يبايعني على الموت؟!)
ترى من هذا العظيم الذي تنطلق من قلبه هذا المعاني فتغير وجه الحياة؟! إنها معاني الإيمان الصادق،
والإحساس العميق بحلاوة طالما افتقدها، ولذة قلما أحسها في عمره السابق قبل أن ينطق بشهادة الحق،
أمام رسول الصدق؛ محمد صلى الله عليه وسلم.
إنه عكرمة.....نعم...(عكرمة بن أبي جهل بن هشام بن المغيرة واسم أبي جهل عمرو وكنيته أبو الحكم
وإنما رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون كنوه أبا جهل فبقي عليه ونسي اسمه وكنيته
)
(1)... ولا تذهب بذهنك بعيدا تفكر في مواقف أبيه وشدة عداوته للرسول والمسلمين، فقد كان هو أيضا
مع أبيه في كل ذلك؛ ولكنها رحمة الله ينزلها على من يشاء من خلقه، فتكون للولد دون أبيه وللأخ دون أخيه.
ولنقترب قليلا منه، وعمره تسع وأربعون سنة يسير مع أبيه، أين يقصدان؟!
إنهما ومعهما جموع قريش يقصدون يثرب مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليستأصلوا شأفة هذا
الدين ويقضوا على أهله، ويقاتل عكرمة دفاعا عن الباطل قتالا مريرا، ولكنه ما يلبث أن يعود؛ تاركا أباه جثة
هامدة وسط من قتل من صناديد الكفر يومئذ - يوم بدر -.
ويتكرر المشهد مرة أخرى ونراه عائدا إلى المدينة مرة أخرى يوم أحد، فلئن كان يوم بدر يقاتل مع أهله..
وعشيرته بدافع الحمية؛ فهو اليوم يقاتل مستهدفا الثأر لأبيه، ونراه أشد بأسا، وأكثر حمية، وأسرع اندفاعا،
وإن كان بالأمس جنديا فهو اليوم قائد... ولنقترب أكثر من مشهد الحرب الضروس الدائرة بين أنصار الحق ..
وجيش الباطل؛( قال محمد بن عمر الواقدي حدثني عبد الله بن عمار الخطمي قال أقبل ثابت بن الدحداحة
يوم أحد والمسلمون أوزاع قد سقط في أيديهم فجعل يصيح يا معشر الأنصار إلي إلي أنا ثابت بن الدحداحة
إن كان محمد قتل فإن الله حي لا يموت..
فقاتلوا عن دينكم فإن الله مظهركم وناصركم فنهض إليه نفر من الأنصار فجعل يحمل بمن معه من المسلمين
وقد وقفت له كتيبة خشناء فيها رؤساؤهم خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وضرار ..
بن الخطاب فجعلوا يناوشونهم وحمل عليه خالد بن الوليد بالرمح فطعنه فأنفذه فوقع ميتا وقتل من كان معه
من الأنصار فيقال إن هؤلاء آخر من قتل من المسلمين يومئذ )
(2).. وقتل عكرمة في هذه الغزوة عبدالله بن جبير رضي الله عنه.
وتمر السنون ويخرج عكرمة بن أبي جهل في خمسمائة إلى الحديبية
( فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
خالد بن الوليد على جند فهزمهم حتى أدخلهم حيطان مكة ثم عاد )
(3)..موكب النور يقترب من عكرمة..
نحن الآن في السنة الثامنة من الهجرة والجموع الكبيرة تتجه لفتح أعظم البلدان ( مكة ) ويقترب موكب النور
من المدينة العظيمة ( أم القرى ) وتلتقي الوجوه المضيئة وجوه المؤمنين العائدين؛
تلتقي مع من آذاها، وعذبها وأخرجها من الديار، ويعفو رسول الله، ويؤمّن الناس جميعا..
(إلا أربعة أنفس منها عكرمة بن أبي جهل، ويأمر بقتلهم وإن وجدو متعلقين بأستار الكعبة...)
(4) .. فهرب عكرمة ولحق باليمن..
(5)..أما آن للشيخ أن يبلغ رشده، إن له من العمر خمسًا وخمسين سنة؛ لعله بحاجة إلى موقف عملي يجلي
عن قلبه غشاوة الكفر، وصدأ الجاهلية..
وهاهو يهرب ويبتعد ( فركب البحر فأصابتهم عاصف فقال أصحاب السفينة لأهل السفينة: أخلصوا فإن آلهتكم
لا تغني عنكم شيئا ها هنا. فقال عكرمة: إن لم ينجني في البحر إلا خلاص ما ينجيني في البر غيره اللهم
لك علي عهد إن أنت عافيتني مما أنا فيه أن آتي محمدا حتى أضع يدي في يده فلأجدنه عفوا كريما.
قال: فجاء فأسلم ).
(6).. ونزل القرآن بشأنه "وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم
مقتصد وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور" { لقمان الآية /32}،{وإذا غشيهم موج كالظلل } ..
قال مقاتل: كالجبال وقال الكلبي: كالسحاب والظل: جمع الظلة شبه بها الموج في كثرتها وارتفاعها وجعل
الموج وهو واحد كالظل وهي جمع لأن الموج يأتي منه شيء بعد شيء ..
{ دعوا الله مخلصين له الدين فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد }
أي: عدل موف في البر بما عاهد الله عليه في البحر من التوحيد له يعني: ثبت على إيمانه؛ نزلت في عكرمة
بن أبي جهل هرب عام الفتح إلى البحر فجاءهم ريح عاصف فقال عكرمة:
لئن أنجاني الله من هذا لأرجعن إلى محمد صلى الله عليه وسلم ولأضعن يدي في يده فسكنت الريح فرجع
عكرمة إلى مكة فأسلم وحسن إسلام..
(7)..وتبدأ بشريات إسلامه تزف على الوجود ألحانها، وتهدي إلى الدنيا أعذب ألوانها، ويرى النبي ..
صلى الله عليه وسلم في المنام كأن أبا جهل أتاه فبايعه ..
عجبا أبو جهل الذي مات على الكفر يبايع رسول الله..
(فلما أسلم خالد بن الوليد رحمه الله قيل صدق الله رؤياك يا رسول الله هذا كان لإسلام خالد قال ليكونن غيره
حتى أسلم عكرمة بن أبي جهل كان ذلك تصديق رؤياه)..
(8) ..وتسلم زوجته أم حكيم وهي بنت عمه الحارث بن هشام..
وتستأمن له من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمنه، وتسير إليه الزوجة الحريصة على نجاته من النار
وهو باليمن بأمان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقدم معها..
وقبل أن يصل يمهد النبي صلى الله عليه وسلم الأجواء لاستقباله؛
وهو الذي أمر بقتله قبل أيام، ذلك أن الإسلام يجب ما قبله، ولنصغي بقوبنا إلى هذا المشهد النوراني
العظيم يدنو عكرمة- بما له من ماض مؤلم - من رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب القلب الحنون
والعاطفة المتقدة بالإيمان فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
عكرمة وثب إليه وما على النبي صلى الله عليه وسلم رداء فرحا بعكرمة ثم جلس رسول الله..
صلى الله عليه وسلم فوقف بين يديه ومعه زوجته منتقبة فقال يا محمد إن هذه أخبرتني أنك أمنتني ..
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :صدقت فأنت آمن قال عكرمة فإلى ما تدعو يا محمد قال أدعوك إلى
أنت تشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتفعل وتفعل ...حتى عد خصال
الإسلام فقال عكرمة:
والله ما دعوت إلا إلى الحق وأمر حسن جميل قد كنت والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه وأنت أصدقنا
حديثا وأبرنا برا .. ثم قال عكرمة ..
فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فسر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم
ثم قال :يا رسول الله علمني خير شئ أقوله فقال تقول أشهد أن إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
(9)..ومنذ إسلامه - رضي الله عنه - حاول أن يعوض ما فاته من الخير ..
وهاهو يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليثلج صدورنا بكلمات يكتبها له التاريخ بماء من ذهب..
عن أبي إسحاق قال لما أسلم عكرمة بن أبي جهل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
( يا رسول الله والله لا أترك مقاما قمته لأصد به عن سبيل الله إلا قمت مثله في سبيله ولا أترك نفقة أنفقتها لأصد
بها عن سبيل الله إلا أنفقت مثلها في سبيل الله...)
(10) ..وكان رضي الله عنه دائم الشكر لله على نعمة الإسلام مستشعرا عظمتها وقيمتها وكان..
(إذا اجتهد في اليمين قال لا والذي نجاني يوم بدر) ..
(11) ..وكان يضع المصحف على وجهه ويقول( كتاب ربي كتاب ربي)..
(12)... ولم يكن صاحبنا ليحرم نفسه من أن يحمل قبسا من مشكاة النبوة ينير به طريق السالكين، ويهدي
به الحيارى والتائهين فهذه بعض أحاديث نال شرف نقلها عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم:
روى الترمذي بسنده قال: حدثنا عبد بن حميد وغير واحد قالوا حدثنا موسى بن مسعود أبو حذيفة عن سفيان
عن أبي إسحق عن مصعب بن سعد عن عكرمة بن أبي جهل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
جئته مرحبا بالراكب المهاجر وفي الباب عن بريدة وابن عباس وأبي جحيفة قال أبو عيسى :
هذا حديث ليس إسناده بصحيح لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه من حديث موسى بن مسعود عن سفيان
وموسى بن مسعود ضعيف في الحديث وروى هذا الحديث عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحق
مرسلا ولم يذكر فيه عن مصعب بن سعد وهذا أصح قال سمعت محمد بن بشار يقول:
موسى بن مسعود ضعيف في الحديث قال محمد بن بشار وكتبت كثيرا عن موسى بن مسعود ثم تركته.
( 13)..وروى الإمام أحمد بسنده قال: حدثنا حجاج حدثني شعبة عن قتادة عن عكرمة أنه قال لما نزلت هذه
الآية إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ..
ثم يقول قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيئا مريئا لك يا رسول الله فما لنا فنزلت هذه الآية
ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم و قال شعبة كان
قتادة يذكر هذا الحديث في قصصه عن أنس بن مالك قال نزلت هذه الآية..
لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحديبية إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك
وما تأخر ثم يقول قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هنيئا لك هذا الحديث قال فظننت أنه كله عن
أنس فأتيت الكوفة فحدثت عن قتادة عن أنس ثم رجعت فلقيت قتادة بواسط فإذا هو يقول أوله عن أنس وآخره
عن عكرمة قال فأتيتهم بالكوفة فأخبرتهم بذلك..
( 14)..وروى النسائي بسنده قال: أخبرنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة أن
عكرمة بن أبي جهل كان يضع المصحف على وجهه ويقول كتاب ربي كتاب ربي..
(15).. وظهرت ملامح بطولته وسماته القياديه في حروب الردة فقد كان ذا أثر عظيم فيها..
(استعمله أبو بكر رضي الله عنه على جيش وسيره إلى أهل عمان وكانوا ارتدوا فظهر عليهم.
ثم وجهه أبو بكر أيضا إلى اليمن فلما فرغ من قتال أهل الردة سار إلى الشام مجاهدا أيام أبي بكر
مع جيوش المسلمين فلما عسكروا بالجرف على ميلين من المدينة خرج أبو بكر
يطوف في معسكرهم فبصر بخباء عظيم حوله ثمانية أفراس ورماح وعدة ظاهرة
فانتهى إليه فإذا بخباء عكرمة فسلم عليه أبو بكر وجزاه خيرا وعرض
عليه المعونة فقال: لا حاجة لي فيها معي ألفا دينار. فدعا له بخير فسار إلى الشام واستشهد...)
(16)..وكان أبو صفرة من أزد دباء ودباء فيما بين عمان والبحرين وقد كانوا أسلموا وقدم وفدهم على رسول الله
صلى الله عليه وسلم مقرين بالإسلام فبعث عليهم مصدقا منهم يقال له حذيفة بن اليمان الأزدي من أهل دباء
وكتب له فرائض الصدقات فكان يأخذ صدقات أموالهم ويردها على فقرائهم ..
فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدوا ومنعوا الصدقة فكتب حذيفة إلى أبي بكر بذلك فوجه أبو بكر
عكرمة بن أبي جهل إليهم فالتقوا فأقتتلوا ثم رزق الله عكرمة عليهم الظفر فهزمهم الله وأكثر فيهم القتل..
(17)..ومن مواقفه في حرب الردة يتضح لنا أنه كان أحد قادة هذه الحرب ضد المرتدين حتى أنه ينسب إليه
فيقال: فلان قاتل مع عكرمة في حروب الردة كما في هذه النصوص: شحريب رجل من بني نجراة له إدراك وكان
مع عكرمة بن أبي جهل في قتال أهل الردة باليمن..
(18)..وعمرو بن جندب بن عمرو العنبري ذكره سيف في الفتوح وقال أرسله أبو عبيدة الى فحل وذكره الطبري
في تاريخه فقال كان مع عكرمة بن أبي جهل إذ توجه الى ناحية اليمن لقتال أهل الردة صدر خلافة أبي بكر..
(19)..وكان غرفة له صحبة وقاتل مع عكرمة بن أبي جهل في الردة..

أهم ملامح هذه الشخصية:
نحن أمام أحد العظماء إن عشنا مع مواقف جاهليته، أو تعايشنا مع مشاهد إسلامه؛ بيد أن الإسلام يملأ
النفس البشرية بجوانب من العظمة لا يراها الجاهليون بأبصارهم القاصرة، ويراها المؤمنون ببصائرهم النيرة،

ومن ملامح هذه العظمة:
الحب العميق للقرآن: كان عكرمة بن أبي جهل يأخذ المصحف فيضعه على وجهه ويقول كلام ربي كلام ربي.

الإيثار في أشد المواقف:
وروى حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وعياش بن أبي ربيعة جرحوا يوم اليرموك
فلما أثبتوا دعا الحارث بن هشام بماء ليشربه؛ فنظر إليه عكرمة فقال: ادفعه إلى عكرمة فلما أخذه عكرمة
نظر إليه عياش فقال: ادفعه إلى عياش فما وصل إلى عياش حتى مات ولا وصل إلى واحد منهم حتى ماتوا .

الجانب القيادي:
حيث كان- رضي الله عنه - قائدا في جاهليته وعندما أسلم ظل محتفظا بهذه السمة.

الأثر النبوي في هذه الشخصية:
أثر النبي صلى الله عليه وسلم في عكرمة يمتد بطول حياة عكرمة ونلحظ تقارب السن بين الرسول ..
صلى الله عليه وسلم وعكرمة رضي الله عنه فهو أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس سنين،
وعاش معه بمكة قبل الإسلام زمنا ورأى أخلاقه وصدقه وأمانته وحسن تعامله وها هو يقول ذلك بنفسه عندما
أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليعرف الإسلام عن قرب؛..
فقال عكرمة والله ما دعوت إلا إلى الحق وأمر حسن جميل قد كنت والله فينا قبل أن تدعو إلى ما دعوت إليه
وأنت أصدقنا حديثا وأبرنا برا.... فهذا يدل على تأثره بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته.
وأثر النبي - صلى الله عليه وسلم - واضح في عكرمة عندما كان يدلل على صدقه وإيمانه ولما دنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم من مكة قال لأصحابه:
" يأتيكم عكرمة بن أبي جهل مؤمنا مهاجرا فلا تسبوا أباه فإن سب الميت يؤذي الحي ولا يبلغ الميت"..
وحسن استقبال النبي له قائلا: " مرحبا بالراكب المهاجر " ..له أثر عظيم في نفس عكرمة - رضي الله عنه -.
وأن يثب النبي صلى الله عليه وسلم إليه دون رداء مستقبلا له؛ فرحا بقدومه..
ولعل الحبيب صلى الله عليه وسلم عانقه فأزال ما على قلبه من ركام الجاهلية ولا شك أن لهذه المواقف
العظيم وغيرها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الأثر في نفس هذا الصحابي العظيم.

المشهد الأخير:
ما كانت حياة كحياة هذا الفارس المغوار أن تختم بغير هذا المشهد العظيم، تأتي معركة اليرموك،وانظر إليه
وهو الذي كان يصطحبه أبوه يوم بدر ليقاتل المسلمين؛ هاهو اليوم يصطحب ابنه عمر لقتال الروم وعندما
وصل إلى أرض المعركة (نزل فترجل فقاتل قتالا شديدا فقتل رحمة الله عليه فوجد به بضع وسبعون من بين
طعنة وضربة ورمية ).
وتعالوا بنا نرى المشهد من ناحية أخرى: روى حبيب بن أبي ثابت أن الحارث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل
وعياش بن أبي ربيعة جرحوا يوم اليرموك فلما أثبتوا دعا الحارث بن هشام بماء ليشربه؛ فنظر إليه عكرمة
فقال: ادفعه إلى عكرمة فلما أخذه عكرمة نظر إليه عياش فقال: ادفعه إلى عياش فما وصل إلى عياش حتى
مات ولا وصل إلى واحد منهم حتى ماتوا.
ويأبى القدر إلا أن يظل صاحبنا مصطحبا ابنه؛ ولكن في هذه المرة إلى الفردوس الأعلى...فهنيئا لهما.







| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:47 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 



مجزأة بن ثور

هو مجزأة بن ثور بن كعب بن سدوس السدوسي..

بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
أصدر الخليفة عمر بن الخطاب أمره إلى جيش المسلمين بقيادة أبي موسى الأشعري، بالتوجه إلى الأهواز
لتتبع الهرمزان والقضاء عليه، وتحرير مدينة (تُسْتر) الفارسية.
وقد جاء في الأمر الذي وجهه الخليفة لأبي موسى الأشعري أن يصحب معه الفارس الباسل مجزأة بن ثور
السدوسي.
صدع أبو موسى بالأمر، فجهز جيشه، وانطلق إلى مدينة تستر، التي انحاز إليها الهرمزان، حيث كانت هذه
المدينة أكثر مدن فارس جمالاً، وأبهاها طبيعة، وأقواها تحصُّن.
عسكرت جيوش المسلمين حول خندق تستر، وظلت ثمانية عشر شهراً لا تستطيع اجتيازه، وخاضت مع
جيوش الفرس خلال تلك المدة ثمانين معركة.
وقد أظهر مجزأة بن ثور في هذه الحروب شجاعة نادرة، أذهلت العقول، قد تمكَّن من قتل مائة فارس مبارزة،
فأصبح اسمه يثير الرعب في نفوس الفرس، ويبعث النخوة والعزة في صدور المسلمين.
ثم انتقل المسلمون بعد هذا الصبر الطويل من حال سيئة إلى أخرى أشد سوءاً ؛ فقد أخذ الفرس يمطرونهم
من أعالي الأبراج بسهامهم الصائبة، وجعلوا يدلُّون من فوق الأسوار سلاسل من الحديد..
في نهاية كل سلسلة كلاليب متوهجة من شدة ما حميت بالنار، فإذا أراد أحد جنود المسلمين تسلق السور
أو الاقتراب منه أنشبوها فيه، فيحترق جسده ويتساقط لحمه..
وبينما كان أبو موسى الأشعري يتأمل سور تستر العظيم يائساً من اقتحامه، سقط أمامه سهم، قُذف نحوه
من فوق السور، فنظر فيه فإذا فيه رسالة تقول:
" لقد وثقت بكم معشر المسلمين، وإني أستأمنكم على نفسي ومالي، ولكم عليَّ أن أدلَّكم على منفذ
تنفذون منه إلى المدينة
"..
فكتب أبو موسى أماناً لصاحب السهم وقذفه إليه، تسلل صاحب السهم إلى المسلمين في الليل،..
وقال لأبي موسى:" لقد آثرتُ عدلكم على ظلم الهرمزان ـ فقد عدا علينا وقتل ونهب، وعزمت أن أساعدكم
في الوصول إلى داخل المدينة، فأعطني إنساناً قوياً عاقل، يتقن السباحة حتى أرشده إلى الطريق
".
ـ فقال مجزاة: " اجعلني ذلك الرجل أيها الأمير ". فقبل أبو موسى.
مضى مجزأة بن ثور تحت جنح الظلام مع ذلك الرجل الفارسي، فأدخله في نفق تحت الأرض يصل بين النهر
والمدينة.. عاد مجزأة بن ثور بعد أن تعرف على الطريق، وكان أبو موسى قد أعدَّ ثلاثمائة فارس من أشجع
جنود المسلمين، وأقدرهم على السباحة، وجعل التكبير علامة على دعوة جند المسلمين لاقتحام المدينة،
ومضى بهم تحت جنح الظلام..
ظل مجزأة بن ثور وجنده البواسل وقتاً طويلاً يصارعون عقبات الطريق..ولما بلغوا المنفذ المؤدي إلى المدينة،
وجد مجزأة أن الطريق لم يُبق له من أصحابه سوى ثمانين رجل..
وما إن وصلوا أرض المدينة حتى جردوا سيوفهم، وانقضوا على حماة الحصن فأغمدوها في صدورهم، ثم
فتحموا الأبواب وهم يكبرون، وتدفق المسلمون على المدينة عند الفجر، ودارت بينهم وبين أعداء الله معركة
حامية الوطيس، قلما شهد تاريخ الحروب مثله..وفيما كانت المعركة قائمة أبصر مجزأة بن ثور الهرمزان في
ساحتها فقصده ؛ وتبارزا مجزأة والهرمزان بسيفهم، فضرب كل منهما صاحبه ضربة قاضية، فارتد سيف مجزأة
وأصاب سيف الهرمزان، فخرَّ البطل الباسل صريعاً على أرض المعركة وعينه قريرة بما حقق الله على يديه...
وواصل جند المسلمين القتال حتى كتب الله لهم النصر، ووقع الهرمزان أسير، وانطلق المسلمون إلى المدينة
يحملون بشائر النصر للفاروق عمر، ويعزونه باستشهاد الصحابي الفارس مجزأة بن ثور السدوسي.

وفاته:
كانت وفاة مجزأة في معركة تستر سنة 20 هـ.








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:48 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


نعيم بن مسعود

هو نعيم بن مسعود بن عامر يكنى أبا سلمة الأشجعى..
وكان صاحب صبوة، وخدين متعةن كان ينشدهما أكثر ما ينشدهما عند يهود يثرب فكان كلما تاقت نفسه لقينة
أو هفا بسمعة لوتر شد رحاله من منازل قومة في نجد ويمم وجهه شطر المدينة حيث يبذل المال ليهودها
بسخا ليبذلوا له المتعة بسخاء.
ولما أكرم الله الإنسانية بإرسال رسوله صلى الله عليه وسلم بدين الحق والهدى كان نعيم بن مسعود مرخيا
للنفس عنانها فأعرض عن الدين الجديد إعراضا شديدا خوفا من أن يحول دونه ودون متعه ولذاته.

قصة إسلامه:
خرجت غطفان من نجد بعدتها وعديدها بقيادة عيينة بن حصن الغطفانى وكان في طليعة رجال غطفان نعيم
بن مسعود.. وفى أرض المعركة تسلل نعيم بن مسعود من معسكر قومة تحت جنح الظلام ومضى يحث
الخطى إلى رسول الله فلما رآه الرسول ماثلا أمامه قال:
نعيم بن مسعود، قال: نعم قال: ما الذي جاء بك قال: جئت لأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبد الله ورسوله،
وأن ما جئت به الحق.
وكان نعيم رضي الله عنه يتميز بصفات جليلة قلما تتوفر في رجال غير صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم
ومن هذه الصفات الفطنة والذكاء، وقد استطاع أن يوقع الخلاف بين الحيين قريظة وغطفان في وقعة الخندق،
فخالف بعضهم بعضا، ورحل الأحزاب عن المدينة.
وكانت تربية الرسول صلى الله عليه وسلم سببا في تحويل حياة نعيم بن مسعود من حياة المجون والعبث
والخلاعة إلى حياة الجد والعمل لدرجة أن يصبح هو حامل لواء غطفان يوم فتح مكة، ومعروف أنه لا يأخذ الراية
إلا من يأخذها بحقها، ويكون على أتم الاستعداد أن يضحى بحياته من أجلها.

من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
عندما أراد أبو سفيان بن حرب أن ينصرف يوم أحد نادى بيننا وبينكم بدر الصفراء رأس الحول نلتقي بها فنقتتل
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر بن الخطاب ..
قل نعم إن شاء الله فافترق الناس على ذلك ثم رجعت قريش فخبروا من قبلهم بالموعد وتهيؤوا للخروج فلما
دنا الموعد كره أبو سفيان الخروج وقدم نعيم بن مسعود الأشجعي مكة فقال له أبو سفيان إني قد واعدت
محمدا وأصحابه أن نلتقي ببدر وقد جاء ذلك الوقت وهذا عام جدب وإنما يصلحنا عام خصب غيداق وأكره أن يخرج
محمد ولا أخرج فيجتريء علينا فنجعل لك عشرين فريضة يضمنها لك سهيل بن عمرو على أن تقدم المدينة..
فتخذل أصحاب محمد قال نعم ففعلوا وحملوه على بعير فأسرع السير فقدم المدينة فأخبرهم..
بجمع أبي سفيان لهم وما معه من العدة والسلاح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي نفسي بيده
لأخرجن وإن لم يخرج معي أحد فنصر الله المسلمين وأذهب عنهم الرعب واستخلف رسول الله..
صلى الله عليه وسلم على المدينة عبد الله بن رواحة وحمل لواءه علي بن أبي طالب وسار في المسلمين
وهم ألف وخمسمائة وكانت الخيل عشرة أفراس وخرجوا ببضائع له.

موقفه المشهود في غزوة الأحزاب:
ومن مواقفه مع الرسول بعد إسلامه كان له موقف مشرف سوف يظل التاريخ يذكره لهذا الصحابي الجليل في
غزوة الأحزاب، وكان هذا الموقف أحد أسباب النصر علي قريش وحلفائها فنعيم بن مسعود الغطفاني أتى
رسول الله فأسلم. وقال: إن قومي لم يعلموا بإسلامي فمرني بما شئت يا رسول الله. قال إنما أنت فينا رجل
واحد فاخذل عنا ما استطعت فإن الحرب خدعة
فأتى قريظة - وكان نديما لهم في الجاهلية - فقال لهم: قد عرفتم ودي إياكم. قالوا صدقت. قال: إن قريشا
وغطفان ليسوا كأنتم البلد بلدكم به أموالكم وأولادكم ونساؤكم لا تقدرون على أن تتحولوا منه إلى غيره وإن
قريشا وغطفان قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره ..
فليسوا كأنتم فإن رأوا نهزة أصابوها وإن كان غير ذلك لحقوا ببلادهم وخلوا بينكم وبين الرجل ببلدكم فلا طاقة
لكم به إن خلا بكم فلا تقاتلوا مع القوم حتى تأخذوا منهم رهنا من أشرافهم يكونون بأيديكم ثقة لكم على أن
يقاتلوا معكم محمدا حتى تناجزوه فقالو: لقد أشرت بالرأي.
ثم خرج حتى أتى قريشا فقال لأبي سفيان ومن معه: قد عرفتم ودي لكم وفراقي محمدا وإنه قد بلغني أمر
قد رأيت علي حقا أن أبلغكموه نصحا لكم فاكتموه علي. قالو: نفعل. قال: تعلموا أن معشر يهود قد ندموا على
ما صنعوا فيما بينهم وبين محمد: وأرسلوا إليه أنا قد ندمنا على ما فعلنا فهل يرضيك أن نأخذ لك من القبيلتين
قريش وغطفان رجلا من أشرافهم فنعطيكهم فتضرب أعناقهم ثم نكون معك على من بقي منهم ..
حتى تستأصلهم. فأرسل إليهم: نعم. فإن بعثت إليكم يهود يلتمسون رهنا منكم من رجالكم فلا تفعلوا.
ثم خرج فأتى غطفان فقال: يا معشر غطفان أنتم أصلي وعشيرتي وأحب الناس إلي ولا أراكم تتهموني.
قالو: صدقت ما أنت عندنا بمتهم قال: فاكتموا عني.
قالو: نفعل. ثم قال لهم مثل ما قال لقريش وحذرهم ما حذرهم.
فلما كانت ليلة السبت من شوال وكان من صنع الله لرسوله أنه أرسل أبو سفيان ورؤوس غطفان..
إلى بني قريظة عكرمة بن أبي جهل في نفر من قريش وغطفان فقالو: إنا لسنا بدار مقام قد هلك الخف
والحافر فاغدوا للقتال حتى نناجز محمد.
فأرسلوا إليهم أن اليوم يوم السبت وهو يوم لا نعمل فيه شيئا وقد كان بعضنا أحدث فيه حدثا فأصابه ما لم يخف
عليكم ولسنا مع ذلك بالذين نقاتل معكم محمدا حتى تعطونا رهنا من رجالكم..
يكونون بأيدينا ثقة لنا حتى نناجز محمدا فإنا نخشى إن ضرستكم الحرب أن تنشمروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل
في بلادنا ولا طاقة لنا بذلك.
فلما رجعت إليهم الرسل بما قالت بنو قريظة قالت قريش وغطفان: والله لقد حدثكم نعمي بن مسعود بحق.
فأرسلوا إلى بني قريظة: إنا والله ما ندفع إليكم رجلا من رجالنا فإن كنتم تريدون القتال فاخرجوا فقاتلوا.
فقالت بنو قريظة حين انتهت إليهم الرسل بهذا: إن الذي ذكر لكم نعيم لحق ما يريد القوم إلا أن يقاتلوا فإن رأوا
فرصة انتهزوه. وإن كان غير ذلك انشمروا إلى بلادهم. فأرسلوا إلى قريش وغطفان: إنا والله لا نقاتل معكم
حتى تعطونا رهن. فأبوا عليهم. وخذل الله بينهم.
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه وصفهم صفوفا يوم حنين ..
ووضع الرايات والألوية في أهلها فسمى حامليها وقال وكان في أشجع رايتان واحدة مع نعيم بن مسعود والأخرى
مع معقل بن سنان.
وروي نعيم بن مسعود عن رسول الله صلي الله عليه وسلم..
قال نعيم بن مسعود قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم
يزعم أنه نبي
".

الوفاة:
سكن نعيم بن مسعود المدينة ومات في خلافة عثمان وروى عنه ابنه سلمة ابن نعيم.
وقيل: بل قتل ابن مسعود في الجمل الأول قبل قدوم علي مع مجاشع بن مسعود السلمي وحكيم
بن جبلة.








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:49 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


نعيم النحام

هو نعيم بن عبد الله بن أسيد القرشى العدوى المعروف بالناحم.
وإنما سمي النحام لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دخلت الجنة فسمعت نحمة من نعيم فسمي
النحام..وأسلم نعيم قبل هجرة الحبشة وكان يكتم إسلامه وأقام بمكة وقدم مهاجرا سنة ست ومعه أربعون
من أهله فاعتنقه النبي صلى الله عليه وسلم وقبله.
وكان نعيم النحام قديم الإسلام يقال: إنه أسلم بعد عشرة أنفس قبل إسلام عمر بن الخطاب وكان يكتم
إسلامه..

أهم ملامح شخصيته:
الجود والكرم فقد منعه قومه لشرفه فيهم من الهجرة لأنه كان ينفق على أرامل بني عدي وأيتامهم ويمونهم
فقالو: أقم عندنا على أي دين شئت وأقم في ربعك واكفنا ما أنت كاف من أمر أراملنا فوالله لا يتعرض لك أحد
إلا ذهبت أنفسنا جميعا دونك.

من مواقفه مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم له حين قدم عليه: " قومك يا نعيم كانوا خيرا لك من قومي لي ".
قال: بل قومك خير يا رسول الله..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " قومي أخرجوني وأقرك قومك ".
وكانت زينب بنت قسامة تحت أسامة بن زيد فطلقها أسامة وهو ابن أربع عشرة سنة فجعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول من أدله على الوضيئة الغنين ( القليلة الأكل ) وأنا صهره وجعل رسول الله
صلى الله عليه وسلم ينظر إلى نعيم فقال نعيم كأنك تريدني قال أجل فتزوجها نعيم فولدت له إبراهيم
بن نعيم..وهذا يدل علي شدة حب نعيم لرسول الله صلي الله عليه وسلم، فعندما رأي أن النبي ..
صلي الله عليه وسلم ينظر إليه وفطن أن الرسول إنما يريده أن يتزوجه، فقام علي الفور وتقدم إليها
وتزوجها بعد انقضاء عدتها.

من مواقفه مع الصحابة رضي الله عنهم:
له موقف سوف يظل التاريخ يذكره عندما كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يريد أن يتوجه لقتل النبي ..
صلي الله عليه وسلم ولأن عمر في ذلك الوقت لا يزال مشركًا.
فأبلغه نعيم بن عبد الله أن أخته فاطمة بنت الخطاب وكانت عند سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل كانت
قد أسلمت، وأسلم زوجها سعيد بن زيد معها, وهم يستخفون بإسلامهم من عمر, وكان نعيم بن عبد الله
النحام رجلا من قومه من بني عدي بن كعب قد اسلم, وكان أيضا يستخفي بإسلامه فرقا من قومه, وكان
خباب بن الأرت يختلف إلى فاطمة بنت الخطاب يقرئها القرآن فخرج عمر يوما متوشحا سيفه يريد رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم ورهطا من أصحابه فذكر له أنهم قد اجتمعوا في بيت عند الصفا..
وهم قريب من أربعين من رجال ونساء ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه حمزة بن عبد المطلب وعلي
بن أبي طالب وأبو بكر الصديق بن أبي قحافة في رجال من المسلمين ممن كان أقام مع رسول الله..
صلى الله عليه وسلم بمكة ولم يخرج فيمن خرج الى أرض الحبشة فلقيه نعيم بن عبد الله فقال له:
أين تريد قال: أريد محمدا هذا الصابىء الذي قد فرق أمر قريش وسفه أحلامها وعاب دينها وسب آلهتها فأقتله،
فقال له نعيم: والله لقد غرتك نفسك من نفسك يا عمر اترى بني عبد مناف تاركيك تمشي على الأرض وقد
قتلت محمدا أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم، قال: وأي أهل بيتي؟!!
قال ختنك وابن عمك سعيد بن زيد وأختك فاطمة بنت الخطاب فقد أسلما وتابعا محمدًا صلى الله عليه وسلم
على دينه فعليك بهما، فرجع عمر عامدا لختنه وأخته.
إنه موقف رائع لنعيم بن عبد الله ؛ فقد صرف عمر عن التوجه لإيذاء رسول الله صلي الله عليه وسلم
وكان هذا التوجه سببا في إسلام عمر( رضي الله عنه) .

الوفاة:
اختلفت الآراء في تحديد مكان وزمان وفاة نعيم بن عبد الله النحام.
قال ابن حجر إن نعيما استشهد بأجنادين في خلافة عمر وقال بعض أهل النسب أنه قتل يوم مؤتة في
حياة النبي وكذا قال ابن الكلبي.
وقال ابن سعد إن نعيما قد هاجر أيام الحديبية فشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم ما بعد ذلك من
المشاهد وقتل يوم اليرموك شهيدا في رجب سنة خمس عشرة.








| ▐الخلــود ▐| 11-10-2012 03:49 PM

رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )
 


قتادة بن النعمان بن زيد الأوسي البدري

هو قتادة بن النعمان بن زيد الأنصاري الأوسي ثم الظفري يكنى أبا عمرو وقيل: أبو عمر، وقيل: أبو عبد الله.
وهو أخو أبي سعيد الخدري لأمه..وهو الظفري الأنصاري وظفر هو كعب بن الخزرج..
ولد قبل الهجرة باثنين وأربعين سنة، حيث أنه توفي سنة ثلاث وعشرين من الهجرة وهو ..
ابن خمس وستين سنة، ومعنى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعثَ وعُمر قتادة تسع وعشرين سنة.
عمره عند الإسلام:
لم يعرف تحديدا عمره عندما أسلم، والواضح أنه أسلم مبكر، فقد شهد بدر، وغيرها من المشاهد ..
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أهم ملامح شخصيته:
الثبات
: { دفاعه المستميت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد }
الفروسية: وكان الرماة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم المذكور منهم:
سعد بن أبي وقاص..وقتادة بن النعمان..
السبق: كان رضي الله عنه دائما من السباقين إلى الخيرات، فهو أحد السبعين المؤسسين للدولة الإسلامية
في مهده، ومن ثم يطلق عليه "عقبي" أي ممن شهد العقبة. و شهد قتادة بن النعمان العقبة مع السبعين
من الأنصار..المستدرك جزء 3 - صفحة 334 وكانت أمه أنيسة بنت قيس النجارية - رضي الله عنها- ممن بايعن
رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من أصحاب الليل:
روى الإمام أحمد بسنده عن أبي سعيد الخدري قال بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله قل هو الله أحد فذكر
ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي عليه السلام " والذي نفسي بيده لتعدل نصف القرآن أو ثلثه ".

بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم:
عن الهيثم بن عدي عن أبيه قال أصيبت عين قتادة بن النعمان يوم أحد فأتى النبي صلى الله عليه وسلم ..
وهي في يده فقال ما هذا يا قتادة قال هذا ما ترى يا رسول الله قال إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت
رددتها ودعوت الله لك فلم تفتقد منها شيئا فقال والله يا رسول الله إن الجنة لجزاء جزيل وعطاء جليل ولكني
رجل مبتلى بحب النساء وأخاف أن يقلن أعور فلا يردنني ولكن تردها لي وتسأل الله لي الجنة فقال :
أفعل يا قتادة ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فأعادها إلى موضعها فكانت أحسن عينيه إلى
أن مات ودعا الله له بالجنة..
ودخل ابنه على عمر بن عبد العزيز، فقال له عمر: من أنت يا فتى؟ فقال:
أنا ابن الذي سالت على الخد عينه * فردت بكف المصطفى أحسن الرد
فعادت كما كانت لأحسن حالها * فياحسن ما عين ويا طيب ما يد

فقال عمر: بمثل هذا فليتوسل إلينا المتوسلون ..ثم قال:
تلك المكارم لا قعبان من لبن * شيبا بماء فعادا بعد أبوالا
وأعطى - أي رسول الله صلى الله عليه وسلم - قتادة بن النعمان وصلى معه العشاء الأخيرة في ليلة مظلمة
مطيرة عرجونا فقال انطلق فإنه سيضىء لك من بين يديك عشرا ومن خلفك عشرا فإذا دخلت بيتك فسترى
سوادا فاضربه حتى يخرج فإنه الشيطان فانطلق فأضاء له العرجون حتى دخل بيته ووجد السواد فضربه حتى
خرج..وفي مسند الإمام أحمد عن محمد بن إبراهيم أن قتادة بن النعمان الظفري وقع بقريش فكأنه نال منهم
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" يا قتادة لا تسبن قريشا فلعلك أن ترى منهم رجالا تزدري عملك مع أعمالهم وفعلك مع أفعالهم وتغبطهم
إذا رأيتهم لولا أن تطغى قريش لأخبرتهم بالذي لهم عند الله عز وجل
" .
عن قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال:
كان أهل بيت منا يقال لهم بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر وكان بشير رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ينحله لبعض العرب ثم يقول:
قال فلان كذا وكذاو وقال فلان كذا وكذا فإذا سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك الشعر
قالو: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الرجل الخبيث أو كما قال الرجل وقالوا ابن الأبيرق:
قالها قالو: وكانوا أهل بيت حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان الناس إنما طعامهم بالمدينة التمر
والشعير وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك ابتاع الرجل منها فخص بها نفسه
وأما العيال فإنما طعامهم التمر والشعير فقدمت ضافطة - والضافِطةُ والضَّفّاطةُ العِير تحملُ المَتاع -
من الشام فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح ودرع
وسيف فعدي عليه من تحت البيت فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح فلما أصبح أتاني عمي رفاعة ..
فقال: يا ابن أخي إنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا قال:
فتحسسنا في الدار وسألنا فقيل لن: قد رأينا بني أبيرق
استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم قال:
وكان بنو أبيرق قالوا ـ ونحن نسأل في الدار: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلا منا له صلاح
وإسلام فلما سمع لبيد اخترط سيفه
..وقال: أنا أسرق؟!
والله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة ..قالو:
إليك عنا أيها الرجل فما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها فقال لي عمي:
يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له قال قتادة:
فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بن زيد
فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا فأما الطعام فلا حاجة لنا فيه فقال:
النبي صلى الله عليه وسلم: سآمر في ذلك فلما سمع بذلك بنو أبيرق أتوا رجلا منهم يقال له أسير ..
بن عمرو فكلموه في ذلك فاجتمع في ذلك أناس من أهل الدار فقالو: يارسول الله إن قتادة بن النعمان
وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة:
فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فكلمته فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم
بالسرقة على غير بينة ولا ثبت قال: فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟
فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: الله المستعان فلم نلبث أن نزل القرآن ..
{ إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما }
يعني بني أبيرق { واستغفر الله } أي مما قلت لقتادة { إن الله كان غفورا رحيما }
وشهد قتادة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها وكانت معه يوم الفتح راية بني ظفر.

بعض المواقف من حياته مع الصحابة:
كرم وورع:
عن عمر بن قتادة بن النعمان قال: لما احمر الرطب انطلق قتادة فصنع لحائطه مفتاحا - وكان له قبل ذلك
مفتاح - فجاء به إلى أخيه المهاجري فقال له: إن الرطب مفتاح وهذا المفتاح لك ومعي مفتاح.
قال: وكان قتادة إذا خرج اتبعته بنية له فإذا فتح الباب لاذت منه حتى تدخل فتجمع فإذا رآها نهاها نهيا كأنها
ليست منه ثم انطلق إلى المهاجري فقال له: إن بنية لي ربما دخلت فجمعت أتحلل لنا ذلك؟
قال المهاجري: نعم..
أثره في الآخرين:
هو من الدعاة إلى الله تعالى فهو " أول من دخل المدينة بسورة من القرآن وهي سورة مريم ".
وممن روى عنه - رضي الله عنه -:
1- جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام وهو من الصحابة.
2- سعد بن مالك بن سنان وهو من الصحابة.
3- عبد الرحمن بن أبي سعيد وهو من الطبقة الوسطى من التابعين.
4- عمر بن قتادة بن النعمان ( ابنه ) وهو من الطبقة الوسطى من التابعين.
5- محمود بن لبيد بن عقبة وهو من الصحابة - رضي الله عنهم جميع.


بعض الأحاديث التي نقلها عن المصطفى صلى الله عليه وسلم:
روى الترمذي بسنده عن قتادة بن النعمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
" إذا أحب الله عبدا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء".
وروى ابن ماجة بسنده عن عن أبي سعيد الخدري عن قتادة بن النعمان قال سمعت رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم يقول من صام يوم عرفة غفر له سنة أمامه وسنة بعده.

الوفاة:
مات قتادة بن النعمان سنة ثلاث وعشرين وهو يومئذ بن خمس وستين سنة وصلى عليه عمر بن الخطاب
رحمه الله بالمدينة ونزل في قبره أخوه لأمه أبو سعيد الخدري ومحمد بن مسلمة والحارث بن خزمة، ودفن
بالمدينة
حيث توفي رضي الله عنه.








الساعة الآن 10:14 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
This Forum used Arshfny Mod by islam servant