منتديات الأماكن

منتديات الأماكن (https://www.al-amakn.com/vb//index.php)
-   ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ (https://www.al-amakn.com/vb//forumdisplay.php?f=6)
-   -   صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله (https://www.al-amakn.com/vb//showthread.php?t=65653)

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 03:56 AM

صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صفحة الشيخ ... عبد الرحمن بن عبدالله السحيم عضو مركز الدعوة والارشاد بالرياض ... أخوتي في الله اتماماً للفائدة سيتم هنا وضع الصفحة الكاملة والتامة للشيخ حفظه الله لتعم الفائدة على الجميع ونتعلم ونستفاد من الكثير من صفحة الشيخ حفظه الله ( بحوث .. مقالات وعظية وعقائدية وتربوية وعلمية ومتنوعة .. قضاية الامة .. الصفحة النسائية .. تصحيح مفاهيم .. موضوعات اسرية .. فتاوي شرعية .. تراجم وسير .. دروس علمية .. محاضرات مفرغة .. قصص هادفة) صفحة مباركة قيمة لكل من يبحث عن الفائدة .. نسأل الله ان يرزقنا وأياكم العلم النافع . اللهم آمين

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 04:21 AM

رد: صفحة الشخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم)حفظه الله
 
( فهرس الصفحة )


1- انه الله
2- محمد رسول الله
3- بحوث علمية
4- المقالات العقدية
5- مقالات وعظية
6- مقالات تربوية
7- مقالات متنوعة
8- قضايا الأمة
9- الصفحة النسائية
10- موضوعات اسرية
11- تصحيح مفاهيم
12- تراجم وسير
13- دروس علمية
14- فتاوي شرعية
15- محاضرات مفرغة
16- قصص هادفة

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 04:36 AM

رد: صفحة الشخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم)حفظه الله
 
( أنه الله )


الحميد
........
ياودود
........
سبحان من وسع سمعه الأصوات
............................................
تعرف على الملك
......................

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــ


الحــمـيـد

هو المحمود الممدوح بكل لسان
وهو المحمود على كل حال ، إذ لا يُحمد على مكروه سواه
وهو الذي يَحمَد ويُحمد
وهو أهل الحمد والثناء
ولذا فإن ربك يُحب المدح ، ويُحب أن يُثنى عليه
قال عليه الصلاة والسلام : ولا شخص أحب إليه المدحة من الله ، من أجل ذلك وعد الله الجنة . متفق عليه .
وفي رواية : ولا أحد أحب إليه المدحة من الله ، فلذلك مدح نفسه .

ربنا المحمود ، ولذا حمِد نفسه بنفسه ، فقال : ( الْحَمْـدُ لِلّهِ ) وصُدّرت بها بعض سور الكتاب العزيز .

والمحمود هو مستحق مطلق الحمد والشكر
قال سبحانه : ( وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ )

والحميد يُحب أن يُحمد بأنواع المحامد القولية والفعلية ، ولذا لما قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ ) ختم الآية بقوله ( وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ) .

وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال : ( وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا )
وأُمِـر نوح أن يقول : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )

وبالحمد للحميد لهج الأنبياء
فهذا أبو الأنبياء يقول : ( الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء )
وهذا الابن وأبيه ( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ )

بل لهَجَت به الملائكة الكرام
( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )

ومن أجل ذلك يلهج أهل الجنة بالحمد للحميد
( وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ )
( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ )
( وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ )

فربنا جل جلاله يُحب أن يُحمد فهو الحميد

مــواطــن الحـمـــد
من مواطن الحمد :
في الصلاة
..
في الحديث القدسي " فإذا قال العبد : ( الحمد لله رب العالمين ) قال الله تعالى : حمدني عبدي . رواه مسلم .

وفي الصلاة .
إذا رفع المصلي رأسه من الركوع
كان النبي صلى الله عليه وسلم يوما يُصلي إذ جاء رجل قد حَـفَزه النَّـفس ، فصلّى وراء النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة قال : سمع الله لمن حمده . قال الرجل : ربنا ولك الحمد حمداً طيبا مباركا فيه ، فلما انصرف قال : من المتكلم ؟ قال : أنا . قال : رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول . رواه البخاري .

وابتدرها بضعة وثلاثون ملكا بعـدد حروفها !

بل إن الصلاة - وإن كانت كلها حمد وشكر – إلا أنها تُفتتح بالحمد وتُختتم به
كيف ذلك ؟

تأمل قول المصلي في أشهر صيغ الاستفتاح :
" سبحانك اللهم وبحمدك ، تبارك اسمك وتعالى جدك ، ولا إله غيرك "
ثم يختم صلاته بقوله في الصلاة الإبراهيمية :
" إنك حميـــد مجيــد "

فيفتتح صلاته بحمد ربه وتمجيده ، ويختتم صلاته بمثل ذلك .

ومن مواطن الحَــمــد :
إذا قام إلى صلاة التهجد حـمِــد الله

قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد قال : اللهم لك الحمد ؛ أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت قـيّـم السماوات والأرض ومن فيهن .. الحديث . متفق عليه .

وفي افتتاح الخُـطب
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح خُطبه بالحمـد

ومِن مواطن الحمد
عند الفراغ من الطعام والشراب

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل أو شرب قال : الحمد لله الذي أطعم وسقى وسوّغه وجعل له مخرجا . رواه أبو داود .

وكان إذا رفع مائدته قال : الحمد لله كثيرا طيبا مباركا غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا . رواه البخاري .

وعند النوم ، وعند القيام من النوم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا آوى إلى فراشه قال : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا ، فَـكَـمْ ممن لا كافي له ولا مؤوي . رواه مسلم .

وكان صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع يده اليمنى تحت خده اليمنى ثم يقول : اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت . فإذا استيقظ من الليل قال : الحمد لله الذي أحياني بعد ما أماتني وإليه النشور . رواه الإمام أحمد .

وعند مسلم : كان إذا أخذ مضجعه قال : اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت ، وإذا استيقظ قال : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور .

وعند لبس الثوب الجديد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أكل طعاما ثم قال : الحمد لله الذي أطعمني هذا الطعام ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ، غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ومن لبس ثوبا فقال : الحمد لله الذي كساني هذا الثوب ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة ، غُفِر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر . رواه أبو داود ، وهو في صحيح الجامع .

وعند ركوب الدابة أو السيارة
عن علي بن ربيعة قال : شهدت علياً رضي الله عنه أُتي بدابة ليركبها ، فلما وضع رجله في الركاب قال : بسم الله ثلاثا ، فلما استوى على ظهرها قال : الحمد لله ، ثم قال : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ، ثم قال : الحمد لله ثلاثا ، والله أكبر ثلاثا . سبحانك إني قد ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم ضحك . قلت : من أي شيء ضحكت يا أمير المؤمنين ؟ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت ، ثم ضحك فقلت : من أي شيء ضحكت يا رسول الله ؟ قال : إن ربك ليعجب من عبده إذا قال : رب اغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب غيرك . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .

ومن مواطن الحمد :
وإذا رأى ما يُسرّ به
وإذا رأى ما يكره
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى ما يُحب قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وإذا رأى ما يكره قال الحمد لله على كل حال . رواه ابن ماجه .

ولفظ الحمد شكر وحمـد
قال عليه الصلاة والسلام : ما أنعم الله على عبد نعمة فقال : الحمد لله ؛ إلا كان الذي أعطاه أفضل مما أخذ . رواه ابن ماجه .

وعند رؤية أهل البلاء
" من رأى مبتلى فقال : الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به ، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا ، لم يصبه ذلك البلاء " رواه الترمذي .

وعند هداية ضـال
كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقعد عند رأسه فقال له : أسلم . فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له : أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم ثم مات . فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار . رواه البخاري .

ومن أعظم مواطن الحمد
الحمد عند المصيبة
قال عليه الصلاة والسلام : إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم . فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم . فيقول : ماذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع . فيقول الله : ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسمُّوه بيت الحمد . رواه الإمام أحمد والترمذي .

وأعظم مواطن الحمد ما يكون في المقام المحمود
وأعظم مواطن الحمد يوم العرض الأكبر حينما يقوم نبينا صلى الله عليه وسلم فينطرح بين يدي مولاه ، ويقوم في المقام المحمود فيحمده بمحامد كثيرة .
قال عليه الصلاة والسلام : فأقوم بين يديه فأحمده بمحامد لا أقدر عليه الآن ، يُلهمنيه الله ، ثم أخرّ له ساجدا ، فيقال لي : يا محمد ارفع رأسك ، وقل يُسمع لك ، وسل تعطه ، واشفع تشفع . متفق عليه .

وإذا دخل آخر أهل الجنة الجنة تدخل على الرجل زوجتاه من الحور العين فتقولان : الحمد لله الذي أحياك لنا وأحيانا لك . رواه مسلم .

فاحرص – رحمك الله – على حمد مولاك فرب حَمْدٍ على شربة أو أكلة يكتب الله لك بها الرضا إلى يوم تلقاه

قال عليه الصلاة والسلام : إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ، أو يشرب الشربة فيحمده عليها . رواه مسلم .

هذا ما تيسرت كتابته حول اسم الحميد ، ومواطن الحمد .
وفق الله الجميع لما يُحب ويرضى


~ آلغربآء ~ 19-12-2009 04:38 AM

رد: صفحة الشخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم)حفظه الله
 
يا ودود

قال ابن الأثير – رحمه الله – :
في أسماء الله تعالى (( الوَدُود )) وهو فْعُول بِمَعْنى مَفْعُول من الوُّدِّ ؛ المحبَّة . يُقال : وَدَدْتُ الرَّجل أوَدُّهُ وُداَ إذا أحْبَبْتَه . فالله تعالى مودود أي مَحْبُوب في قُلُوب أوْلِيَائه ، أوهو فَعُول بِمَعنى فَاعِل ، أي أنه يُحِب عِبَاده الصَّالِحين ، بمعنى أنه يَرْضَى عنهم . انتهى

وفي لسان العرب : الوَدُودُ فـي أَسماء الله عز وجل الـمـحبُّ لعباده ، من قولك : وَدِدْت الرجل أَوَدّه ودّاً و وِداداً و وَداداً .

قال ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى : ( الودود ) : الحبيب المجيد الكريم . علّـقـه البخاري .

فالله يُـحِـبّ ويُـحَـبّ

يُحِبّ المؤمنين به من عباده
ويُحِبّ الذين يُقاتِلون في سبيله
ويُحِبّ المتقين
ويُحِبّ فعل الخيرات
ويُحِبّ أن تؤتى رُخصه
ويُحِبّ أن تؤتى عزائمه

ويُـحَـبّ ولا غرابة في ذلك
فهو المُحسن بل هو الإلـه الذي تألهه القلوب وتُحبّـه
ولا عجب أن يُـحَـبّ من أوصل إلينا الإحسان
ولا عجب أن يُـحَـبّ من يتودّد إلى عباده

قال ابن القيم :
ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبّد لـه ، ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه ، إنما العجب من مالك يتحبّب إلى مملوكـه بصنوف إنعامـه ويتودد إليه بأنواع إحسانه ، مع غناه عنه !
كفى بك عِـزّاً أنك له عبد *** وكفى بك فخراً أنه لك رب

وقال – رحمه الله – :
ليس العجيب من قوله : ( يُحِبُّونَه ) إنما العجب من قوله : ( يُحِبُّهُم ) ليس العجب من فقير مسكين يحب محسنا إليه ! إنما العجب من محسن يحب فقيرا مسكينا . انتهى .

قال بعض العارفين :
ليس الشأن أن تُـحِـبّ ، ولكن الشأن أن تُـحَـبّ

ليس المهم أن تُحِبّ الله لأنه يُحَب لعميم إحسانه وعظيم كرمه وجوده
ولكن المهم والأهـمّ أن يُحِبّـك الله
المهم أن يُحِبّـك ملِك الملوك سبحانه
المهم أن يُحِبّـك من بيده ملكوت السماوات والأرض
المهم أن يُحِبّـك من بيده الملك كلّـه
المهم أن يُحِبّـك من يوصل إليك النفع ويدفع عنك الضّـرّ

توددوا إلى الودود يودّكـم ويُحبّـكم

الودود تودّه القلوب وتُحبّـه
الودود أنزل رحمة واحدة من عنده يتوادّ بها الخلق فيما بينهم

وهذا الاسم له سـرّ عجيب لما فيه من التودد إلى الودود سبحانه

جاء في كرامات أبي معلق – رضي الله عنه – أنه عرض له لص فقال : ذرني أصلي أربع ركعات !
قال اللص : صـلّ ما بدا لك .
فتوضأ ثم صلى أربع ركعات وكان من دعائه في آخر سجدة أنه قال :
يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما تريد ، أسألك بعزك الذي لا يرام ، والملك الذي لا يضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شر هذا اللص . يا مغيث أغثني - ثلاث مرات - دعا بها ثلاث مرات فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه ، فلما أبصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله ، ثم أقبل إليه فقال : قُـم . قال : من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله تعالى بك اليوم ؟ قال : أنا ملك من أهل السماء الرابعة دعوت الله بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة ، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجيجا ، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل : دعاء مكروب ، فسألت الله عز وجل أن يوليني قتله . قال أنس : فاعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروبا كان أو غير مكروب . رواها الإمام الالكائي في كرامات الأولياء وأوردها ابن حجر في الإصابة .

والمودة أحد كان رُكني الحياة الزوجية قال سبحانه : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ )

وقد أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بتزوّج الودود ، وهي المواتية المواسية
المُحِـبّـة لبعلها المتـودِّدَة لـه .

فـ
يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعال لما تريد
نسألك بعزك الذي لا يرام ، والملك الذي لا يضام ، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك
أن ترحمنا رحمتك
وأن تنصر دينك وكتابك وسنة نبيّـك
وأن تُفرّج هـمّ المهمومين من المسلمين
وأن تفك أسـر المأسورين من المؤمنين

آميـــــــــــــــــن يا رب العالمين

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 04:41 AM

رد: صفحة الشخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم)حفظه الله
 
سبحـان مَـنْ وسِـع سمعـه الأصـوات

سبحان ربي

سبحانه هو السميع الذي وسِـع سمعـه الأصوات
وسِـع سمعه الأصوات
فلا تختلط عليه الأصوات ، ولا تختلف عليه اللغـات
لا يسبق لديه صوت صوتـا
ولا تتداخل عنده الأصوات
بل يسمعها جميعا

فـيسمع داعياً ، ويُجيب سائلاً ، ويُغيث ملهوفاً ، ويُفرّج عن مكروب
بل يسمع دبيب النمل على الصفا
يسمع الجهر كما يسمع الهمس
يسمع السر وأخفى

قالت عائشة رضي الله عنها :
الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات ، لقد جاءت المجادلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تكلمه وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول فأنزل الله عز وجل ( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها ) إلى آخر الآية . رواه البخاري .

فربنا سميع بصير
وأهل السنة يُثبتون السمع والبصر لله ، ولكنه ليس كسمع المخلوقات ولا كبصرها
قال سبحانه : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )

ولا يقولون ما يقوله المُبطِلون : سميع بلا سمع ، بصير بلا بصر .

بل يُثبتون له السمع اسماً وصفة

فسبحان ربي السميع العليم

فيا سامع الصوت
ويا سابق الفوت
يا سامعاً لكل شكوى
يا سامع الدعاء
استجب دعواتنا
واغفر زلاّتنا
وتجاوز عنا بمنِّـك وكرمك
يا رب .


~ آلغربآء ~ 19-12-2009 04:43 AM

رد: صفحة الشخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم)حفظه الله
 
تـعـرّف على الـمَـلِـك

هو الـمَـلِـك الذي لا يُـرد أمـره

هو الـمَـلِـك الذي ينفذ حكمـه

هو الـمَـلِـك الذي يجب أن تتذلل له

بل تسجد بين يديه لتسألـه حاجتك

مِن صفات كماله :
" أنه يجود ويعطي ويمنح ، ويعيذ وينصر ويغيث ، فكما يحب أن يلوذ به اللائذون يحب أن يعوذ به العائذون ، وكمال الملوك أن يَلوذ بهم أولياؤهم ، ويعوذوا بهم "

له الملك وحده دونما سواه
( لَهُ الْمُلْكُ )
هو ملك الملوك

( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ )

" وملك الملوك يحب أن يلوذ به مماليكه وأن يعوذوا به ، كما أمر رسوله أن يستعيذ به من الشيطان الرجيم في غير موضع من كتابه "

هو مـالك الـمُلك
( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )

قال عليه الصلاة والسلام : إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك ، لا مالك إلا الله . رواه البخاري ومسلم .
لا مالك على الحقيقة إلا الله .
هو مالك يوم الدين
وفي ذلك اليوم يتجلّى المُلك يوم لا مالك إلا الله ، فيُنادي ربنا سبحانه وتعالى :
أنا الملك
ولذا يقرأ المُصلي : ( مالك يوم الدين ) أو ( ملِك يوم الدين )

تعرّف على ملك الملوك في حال رخائك يتعرّف عليك ويعرفك في الشدة

قال محمود الوراق :
شاد الملوك قصورهم وتحصنوا = من كل طالب حاجة أو راغب
فارغب إلى ملك الملوك ولا تكن = يا ذا الضراعة طالبا من طالب
لا ينفع ولا يضر
ولا يُجيب المضطر
إلا ملك الملوك سبحانه .
( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) ؟
لا أحد إلا الله جل جلاله .

ولا يكشف البلوى
ولا يدفـع الضـرّ
إلا رب العزة سبحانه
( قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ )

اللجوء إليه وحده في الملمّات
لأن غيره لا ينفع ولا يضر
( وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ )
أما لمــاذا ؟
فيأتيك الجواب مباشرة :
( وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ )

من ذا الذي أمّله فانقطعت آماله ؟
من ذا الذي رجاه فخيّب رجاءه ؟
من ذا الذي سأله فَـردّه ؟
من ذا الذي لجأ إليه فطرده ؟
من ذا الذي انطرح بين يديه فما رحِمه ؟

إذاً :
إليك وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم :
احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده أمامك ، تعرف إليه في الرخاء يعرفك في الشدة ، وإذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله . رواه الإمام أحمد .
ومِن التّعرّف عليه جل جلاله في حال الرخاء كثرة الدعاء .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكُرب ، فليكثر الدعاء في الرخاء . رواه الترمذي .

وما أحوجنا إلى هذا التعرّف والتضرّع حتى لا نكون كمن وصفهم الله عز وجل بقوله :
( فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) .


~ آلغربآء ~ 19-12-2009 10:55 AM

رد: صفحة الشخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم)حفظه الله
 
( محمد رسول الله )


تـبًّا له ثم تَبّ

حريص عليكم ...

من هو الكريم إذا عُـدّ الكرماء ؟؟؟

يهود يشهدون بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم
ماذا يُـحـب الحبيب ؟

والله لا أُكلّمك أبداً

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

تـبًّا له ثم تَبّ
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم

لما بَعَثَ الله نبيّه صلى الله عليه وسلم إلى الناس .. وكانت بعثه إلى الناس كافة ..
حَرِص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إنقاذ البشرية من التِّيه والضلال الذي ترسف فيه ..
كما حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إنقاذ البشرية من النار ..
تمثّل ذلك الحرص في دعوة الناس ليلا ونهاراً .. سِرًّا وجهاراً ..
وتمثّل ذلك الحرص في دعوة كل الناس ..
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهود والنصارى ..
وأرسل الرُّسُل والْكُتُب إلى الرؤساء والزعماء ..
تمثّل ذلك الحرص أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على طفل يهودي يُصارِع المرض .. يوشك على مفارقة الحياة ..
يَهتم به عليه الصلاة والسلام .. يَعتني به .. يَعرض عليه الإسلام : أسْلِم .. فَيَلْتَفِتْ الصبي إلى والده .. كأنه يستأذنه .. ولما كان والده يعرف حقيقة ذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال : أطِع أبا القاسم .. فيتشهّد الطفل ويشهد شهادة الحق .. ثم يموت !
فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فرحا مُستبشراً وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار . كما في صحيح البخاري .

وكما حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على دعوة الأباعِد فقد حرص الأقارب .. فدعا قومه ورهطه .. فصاح بهم يوماً على الصفا وهو بمكة ، فجعل يُنادي :
يا بني فهر.. يا بني عَدي - لبطون قريش - حتى اجتمعوا ، فجعل الرَّجُل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو ، فجاء أبو لهب وقريش ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تُريد أن تغير عليكم ، أكنتم مُصَدِّقي ؟
قالوا : نعم ، ما جَرّبنا عليك إلا صدقا .
قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد .
فقال أبو لهب : تَـبًّا لك سائر اليوم . ألهذا جمعتنا ؟ فَنَزَلت : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1) مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ) . رواه البخاري ومسلم .
أبو لهب هو عبد العُزّى .. تَبّ وخسِر ، فما عَـزّ !

فـ (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ) " الأول دعاء عليه ، والثاني خبر عنه " كما قال ابن كثير .
فقوله تعالى : (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) أي خَسِر وخاب ، وضل عمله وسعيه . (وَتَبَّ) أي وقد تَبّ : تحقق خسارته وهلاكه . قاله ابن كثير .
" وكان كثير الأذية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والـبُغْضَة له ، والازدراء به ، والتنقّص له ولدينه " ..

فما زاد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا عِزّة ورِفعة ..
وما زاد ( عبد العزى ) إلا ذلاًّ ومهانة .. فلا يُذكر إلا ويُذكر ذمّــه !

زاد جهل أبي جهل .. وتباب أبي لهب ..
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتضوّع طِيباً .. كَعُودٍ زاده الإحراق طِيباً

أبو لهب .. ظنّ أنّ ماله ينفعه ، أو يُغني عنه شيئا .. فقال الله : (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ)

ولم يقتصر الشقاء على أبي لهب بل تعدّاه إلى زوجِه ..
قال ابن كثير : وكانت زوجته من سادات نساء قريش وهي أم جميل ، واسمها أروى بنت حرب بن أمية وهي أخت أبي سفيان ، وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده ، فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم ، ولهذا قال تعالى : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ ) يعني تحمل الحطب فتُلْقِي على زوجها ليزداد على ما هو فيه ، وهي مهيأة لذلك مُسْتَعِدّة له . اهـ .

قالت أسماء بنت أبي بكر : لما نزلت (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) اقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ولها وَلْوَلَة ، وفي يدها فِهْر وهي تقول : (مُذَمَّماً أبَيْنَا ، ودِينه قَلينا ، وأمْره عصينا)
ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ومعه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله قد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنها لن تراني ، وقرأ قرآنا اعْتَصَمَ به ، كما قال تعالى (وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآَنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآَخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا)، فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ، ولم تَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : يا أبا بكر إني أُخْبِرتُ أن صاحبك هجاني ! قال : لا ، ورب هذا البيت ما هجاكِ ! فَوَلَّتْ وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها ! رواه أبو يعلى ، وابن أبي حاتم في تفسيره ، والحاكم في المستدرك ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

وقد صَرَف الله عن نبيِّه صلى الله عليه وسلم سبّ حمالة الحطب !
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا تعجبون كيف يَصرف الله عَنِّي شتم قريش ولعنهم ؟ يشتمون مُذَمَّما ، ويلعنون مُذَمَّما ، وأنا محمد . رواه البخاري .

حمّالة الحطب أنفقت مالها للصَّد عن دين الله ، فكان عليها حسرة وندامة !
وقال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة في عنقها فاخرة ، فقالت : لأُنْفِقَنّها في عداوة محمد صلى الله عليه وسلم .
قال ابن كثير : فأعقبها الله منها حَبْلاً في جيدها من مَسَدِ النار .

صَبَر رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك .. فكانت النُّصْرَة له ، والرِّفعة له ، والعِزّة له ..
وكانت الذلّ والصَّغار على من خالَف أمره ..

عداوة أبي لهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ظَهَر فيها آية من آيات النبوة ، وعلامة من علامات صِدق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ..
قال ابن كثير : قال العلماء : وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة ، فإنه منذ نَزَلَ قوله تعالى : (سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (3) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (4) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) فأخْبَرَ عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يُقيّض لهما أن يُؤمنا ، ولا واحد منهما ، لا باطنا ولا ظاهرا ، لا مُسِرَّا ولا مُعْلِناً ؛ فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة . اهـ .

عداوة أبي لهب لرسول الله صلى الله عليه وسلم .. وحملته المسعورة ضدّ دِين الإسلام .. لم تَثنِ عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
بل كانت عداوته سبباً لِنشر دِين الله !
كانت عداوة أبي لهب سبباً للسؤال عن حَالِ رسول الله صلى الله عليه وسلم .. وعن دعوته .. وعن لفتْ الأنظار إليه !

قال طارق بن عبد الله المحاربي : إني بِسُوقِ ذي المجاز إذْ أنا بإنسان يقول : يأيها الناس قولوا : لا إله إلا الله ؛ تفلحوا . وإذا رجل خلفه يرميه قد أدْمَى ساقيه وعرقوبيه ، ويقول : يأيها الناس إنه كذاب فلا تُصَدِّقوه . فقلت : من هذا ؟ فقالوا : محمد زَعَم أنه نبي ، وهذا عمه أبو لهب يَزعم أنه كذاب !

ظنَ أبو لهب .. فَخَابَ ظنّـه !
ظنّ أنه يحجب الشمس بالْمُنْخُل ( الغربال ) .. فَخَابَ ظنّـه !
ظنّ أن ماله يُغني عنه .. فَخَابَ ظنّـه !
ظنّ أنه يَصدّ عن دِين الله .. فَخَابَ ظنّـه !
ظنّ أنه سوف يثني عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أو يُفرِّق الناس عنه .. فَخَابَ ظنّـه !

ولئن مات ( أبو لهب ) وهَلَك .. فإن لكل وارث !
وما تناقلته بعض الصحف والمواقع .. وما أثير على المنابِر .. من أخْبَارِ وَرَثَة ( أبي لهب ) الذين حاولوا اقتفاء أثَرَه ! والسير بسيرته المذمومة ! والاستهزاء بِسيِّد ولد آدم صلى الله عليه وسلم ..
فَخَابَ ظنّ الوَرَثَة كما خَابَ ظنّ المورِّث !
خابوا وخسروا ..
ولئن ساء كل مسلم ما نُشِر في بعض صُحُف الدانمارك .. فإن من عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله لم يَخْلُق شَرًّا مَحْضاً !
فـ ( لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) .

فقد كان تضمّن ذلك السوء خيراً ، منه :

= ظهر وانكشف وجه الحقيقة عن وجه الحضارة الغربية .. (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) .

= ظهر لكل ذي بَصَر عداوة النصارى .. وأنّ من يطلب رضاهم مُتطلِّب في الماء جذوة نار !
وقول الله أصدق وابلغ (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) ..

= تجلّى نفاق بعض الصُّحُف والكُتَّاب .. الذين التَزموا الصمت تجاه هذا الْخَطْب الْجلل !
فماذا عساهم يقولون ؟
ماذا عسى أُغَيْلِمة الصحافة وسفهاء قومي يقولون ؟
أليسوا الذين كانوا يُلمِّعُون الغَرْب والغُراب ! تحت شِعار ( الآخر ) سَتْراً للكافر !
إلا أن الحقيقة التي تجلّتْ .. كشَفَتْ عن وجوه من الحقائق !
وصَمَتْ من كانوا يُنادون باحترام ( الآخر ) !
ومن كانوا يَودّون لو صَمَتَ دُعاة الإسلام ..
أليسوا هم من يُنادي بـ ( حُريّة الفِكر ) فإذا هم يُنادون بـ ( حُريّة الكُفْر ) !
إذا تكلّم ( صادق ) نَصَبُوا له العِداء ..
وإن تَبجّح ( كافر ) سَكَتُوا وكأن الأمر لا يَعنيهم .. وهو لا يعنيهم .. لأن انتسابهم إلى الإسلام ( دعوى ) من غير بيِّنَة !
هاهو ( الآخر ) بزعمكم يتطاول على دين الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فبماذا أجبتم ؟

= تَهَافُتْ دعاوى ( قبول الآخر ) الذي لم ولن يَقبلكم ! حتى " يجتمع الماء والنار ، والضَّب والحوت " !
شأنكم في ذلك شأن ذلك ( الْمُتَفَرْنِس ) الذي أمضى عمره في التذلّل للغرب .. ولو كان على حساب دِين ومبدأ .. فإذا الغرب يَرفضه ويَلفظه .. بل وينبذه نَبْذ الحذاء المرقّع !
وها هو يقول عن نفسه : " وأصبح (محمد أركون) أصولياً متطرفاً !! أنا الذي انْخَرَطْتُ منذ ثلاثين سنة في أكبر مشروع لنقد العقل الإسلامي ! أصْبَحْتُ خارج دائرة العلمانية والحداثة "
ويقول أيضا : " والمثقف الموصوف بالْمُسْلِم يُشار إليه دائماً بضمير الغائب : فهو الأجنبي المزعج ! الذي لا يمكن تمثّله ، أو هضمه في المجتمعات الأوروبية ، لأنه يَسْتَعْصِي على كل تحديث أو حداثة ! " .
وقد أخبر الله عن ذلك الرفض ، وعن تلك العداوة المتأصِّلة بقوله : (هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) .

= وفي هذا الْحَدَث تميّز الطيب من الخبيث .. والصادق من الكاذب .. (مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) .
إذا اشتبكت دموع في خُدود = تَبَيَّنَ من بَكى ممن تباكى

تبيَّن الْمُحبّ الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الدَّعِيّ الْمُدَّعِي !

= وفي الغرب ( مُنصِفُون ) .. فقد تُثيرهم تلك الحملات الشعواء على طلب الحقائق .. فيهدي الله بِتلك الصحيفة رجالاً ونساء كانوا في ( عَمَاء ) !
ومن سُـنّة الله " إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر " كما في الصحيحين .

وفي شِعْر أبي تمام :

وإذا أراد الله نَشْـر فَضَيلـة = طُويت أتَـاحَ لها لسـان حسود
لولا اشتعال النار فيما جَاوَرَتْ = ما كان يُعْرَف طِيب عَرف العُود

= أن الصِّدام المباشِر ، والمساس الواضِح أبلغ وأيقَظ للقلوب .. وهذا يُبيِّن مدى خطورة الغزو الفكري ، وأنه أخطر من الغزو العسكري – وإن كان مُدمِّراً – .
ذلك أن اليهود والنصارى يقولون في الله قولاً عظيماً .. ومع ذلك وُجِد من يُحبّهم أو يتعاطَف معهم .. إلا أن هذا الذي صَدَر من نصارى ( الدانمارك ) أيقظ في الأمة قلوباً غافلة ، أو مُستَغفَلة ! ..
فالنصارى قالت قولاً عظيماً في الله من قَبْل ومن بعد .. قالوا في الله قولاً عظيماً (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا) .
وما قالته النصارى في حقّ الله أعظم وأكبر ..
وقد أخبر الله وخبره الحقّ ، وقال وقوله الصِّدْق (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ) .

وإن تلك الحملات الشعواء على الإسلام وأهله .. لم تُغيِّر قناعات الشعوب ..
يقول مُحدِّثي : سَافَرْتُ إلى بلد أفريقي في رِحلة عمل .. فاقتضى الأمر أن أتعامل مع (أفريقي نصراني) .. فلما انتهى تعاملنا معه .. سألناه عن أفضل مدينة سياحية في بلدهم .. فأرشدنا إليها .. فسألناه عن طبيعتها وأمْنِها .. فأخبرنا أن غالبية سُكانِها من المسلِمين ..
يقول صاحبي :
فسألته : كيف تكون الأكثر أمْناً وغالبية سُكانها من المسلمين ؟ .. مع ما نسمع في وسائل الإعلام عن المسلمين ؟!
فقال النصراني : هذه جعجعة إعلامية !
نحن نعرف المسلمين .. فَدِينُهم يأمرهم بذلك !
يقول : فتعجّبت من شهادة النصراني وهو في بلده ..

إن ما يُقال أو يُثار ضد الإسلام أو ضدّ نبيِّه صلى الله عليه وسلم يسوء كل مسلم ..
إلا أنّ هذا الشرّ لا يَخلو من خير ..
هُم يُريدون أمراً .. والله يُريد أمراً .. (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ)

دبّروا .. ومكروا .. وقلّبوا الأمور .. فأبْطَل الله سعيهم .. ووردّ كيدهم في نحورهم .. وحاق بهم مكرهم ..
وهذه سُـنَّـة الله في نصر أوليائه ، وخُذلان أعدائه ..
لقد سَعى المنافقون بكل حيلة .. فَصَرّفوا الأمور ، وأرادوها ظهرا لبطن ، وبَطْناً لِظَهْر وطلبوا بكل حيلة إفساد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ..
فَنَصَرَ الله نبيّه .. وأظْهَر دينه ..
قال تعالى : (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ)
(وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ) أي دَبَّرُوها من كل وجه ، فأبْطَل الله سعيهم . كما قال ابن جُزيّ .
قال ابن كثير : يقول تعالى مُحَرِّضاً لِنبيه عليه السلام على المنافقين (لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الأُمُورَ ) ، أي لقد أعْمَلُوا فكرهم ، وأجالوا آراءهم في كيدك وكيد أصحابك ، وخُذلان دِينك وإخماده مدة طويلة ؛ وذلك أول مَقْدَم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة رَمَتْه العرب عن قوس واحدة ، وحاربته يهود المدينة ومنافقوها ، فلما نصره الله يوم بدر ، وأعلى كلمته ، قال عبد الله بن أبي وأصحابه: هذا أمْرٌ قد تَوَجَّه ! فَدَخَلُوا في الإسلام ظاهرا ، ثم كلما أعَزّ الله الإسلام وأهله غاظهم ذلك وساءهم ، ولهذا قال تعالى : (حَتَّى جَاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ) . اهـ .

وقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم على نُصْرَة هذا الدِّين ..
فقال عليه الصلاة والسلام : ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ، ولا يترك الله بيت مَدَرٍ ولا وَبَر إلا أدخله الله هذا الدين ، بِعِزّ عزيز ، أو بِذُلّ ذليل ، عِزًّا يعز الله به الإسلام ، وذلا يذل الله به الكفر . رواه الإمام أحمد .


والله ليكونن هذا وإن رَغِمَتْ أنوف !
والله ليُتمَّنّ الله نوره ولو كَرِه الكافرون ..

مِن دعاء عمر رضي الله عنه في القنوت :
اللهم العن كفرة أهل الكتاب الذين يُكذبون رسلك ، ويقاتلون أولياءك ، اللهم خالف بين كلمتهم ، وزلزل أقدامهم ، وأنزل بهم بأسك الذي لا تردّه عن القوم المجرمين . رواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي .

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 10:58 AM

رد: صفحة الشخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم)حفظه الله
 
حريص عليكم ...

وصفه
ربُّـه
بذلك
فقال : (
لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )
هذا من أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن .
(
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ ) يشق عليه ما يشقّ عليكم ، وما يُسبب لكم العَـنت ، وهو الحرج والمشقـّـة .
(
حَرِيصٌ عَلَيْكُم )
وسبب ذلك الحرص رحمته بالمؤمنين ورأفته بهم .

وقد جاء في وصفه صلى الله عليه وسلم :
(
مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ )

ولعلي أستعرض شيئا من حرصه عليه الصلاة والسلام على أمته .

فمن صور حرصه صلى الله عليه وسلم :

حرصه صلى الله عليه وسلم على أمته يوم القيامة :
قال عليه الصلاة والسلام : إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض – ثم ذكر مجيئهم إلى الأنبياء – فقال :
فيأتونني فأقول أنا لها ، فأستأذن على ربي فيؤذن لي ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا ، فيقال : يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك وسل تعط واشفع تشفع فأقول : يا رب أمتي أمتي ... الحديث . رواه البخاري ومسلم .

ودعوى الأنبياء يومئذٍ : اللهم سلـّـم سلـّـم .

قال أبو عبدالرحمن السلمي – في قوله تعالى (
لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )
قال – رحمه الله – :
انظر هل وصف الله عز وجل أحدا من عباده بهذا الوصف من الشفقة والرحمة التي وصف بها حبيبه صلى الله عليه وسلم ؟ ألا تراه في القيامة إذا اشتغل الناس بأنفسهم كيف يدع نفسه ويقول : أمتي أمتي . يرجع إلى الشفقة عليهم . اهـ .

حرصه على هداية أمته :
قال عليه الصلاة والسلام لما تلا قول الله عز وجل في إبراهيم (
رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) وقول عيسى عليه السلام ( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله عز وجل : يا جبريل اذهب إلى محمد - وربك أعلم - فسله ما يبكيك ، فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم ، فسأله ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم ، فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك . رواه مسلم .

حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية الناس أجمع :
كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه ، فقال له : أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له : أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار . رواه البخاري .
مع أنه غلام يهودي ، ولم يعد خادما للنبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه الحرص على هداية الخلق .

حرصه صلى الله عليه وسلم على عدم المشقـّة عليهم في التكاليف :
في الصلاة :
لما فـُرضت الصلاة على أمته خمسين صلاة ، استشار موسى عليه الصلاة والسلام ، فقال موسى : ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف فإن أمتك لا يطيقون ذلك ، فإني قد بلوت بني إسرائيل وخبرتهم .
فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يُراجع ربّه حتى خفف الله عن هذه الأمة فصارت خمس صلوات .
ولما أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال : إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي . رواه مسلم

ولما صلى في رمضان ، وصلى رجال بصلاته ، ترك القيام في الليلة الثالثة أو الرابعة ، فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف علي مكانكم لكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها . متفق عليه .

في الحج :
لما قال عليه الصلاة والسلام : أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ، فقال رجل : أكل عام يا رسول الله ؟ فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو قلت نعم لوجبت ، ولما استطعتم ثم قال : ذروني ما تركتكم ، فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه . رواه مسلم .

في السنن :
لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة .
وفي رواية : لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة . رواه البخاري ومسلم .

شفقته بنساء أمته :
قال عليه الصلاة والسلام : إني لأقوم إلى الصلاة وأنا أريد أن أطول فيها فأسمع بكاء الصبي ، فأتجوّز في صلاتي كراهية أن أشق على أمـِّـه . رواه البخاري .

حرصه على مراعاة نفسيات أصحابه :
قال عليه الصلاة والسلام : لولا أن أشق على المؤمنين ما قعدت خلف سرية تغزو في سبيل الله ، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ولا يجدون سعة فيتبعوني ، ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي . رواه البخاري ومسلم .

حرصه صلى الله عليه وسلم على شباب أمته :
حدّث مالك بن الحويرث رضي الله عنه فقال : أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون ، فأقمنا عنده عشرين ليلة ، - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رقيقا - فظن أنا قد اشتقنا أهلنا ، فسألنا عن من تركنا من أهلنا ، فأخبرناه ، فقال : ارجعوا إلى أهليكم ، فأقيموا فيهم ، وعلموهم ، ومروهم . متفق عليه .

فاللهم صلِّ وسلّم وزد وأنعم على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم .
اللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبيّـاً عن أمته .
اللهم احشرنا في زمرته ، وأوردنا حوضه ، واسقنا من يده الشريفة .


~ آلغربآء ~ 19-12-2009 10:59 AM

رد: صفحة الشخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم)حفظه الله
 
من هو الكريم إذا عُـدّ الكرماء ؟؟

إذا أراد بعض الناس أن يضرب مثلا للكرم فإنه يذكر حاتم الطائي .
فيقول بعضهم : كرم حاتمي !!
أو أكرم من حاتم !!

وفي الشجاعة يُضرب المثل بعنتر أو بغيره من شُجعان العرب .

وفي الحِلم يُضرب المثل بالأحنف أو بخاله قيس بن عاصم .

وهكذا ...

ولكن دعونا نرى :
من هو الكريم ؟
ومن هو الشجاع ؟
ومن هو الحليم ؟

إن هذه الصفات وغيرها من كريم الخصال وحميد السجايا قد جمعها الله – عز وجل – لصفوة خلقه
جمعها الله لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

فلقد وُصِف – عليه الصلاة والسلام – بأنه يُعطي عطاء من لا يخشى الفقر

قال أنس – رضي الله عنه – :
ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام شيئا إلا أعطاه . قال : وجاءه رجل فأعطاه غنماً بين جبلين ، فرجع إلى قومه ، فقال : يا قوم أسلموا ، فإن محمدا يُعطي عطاء لا يخشى الفاقة . رواه مسلم .

وأعطى صفوان بن أمية يوم حُنين مائة من النعم ، ثم مائة ، ثم مائة . رواه مسلم .

فمن أعطى مثل هذا العطاء ؟؟
ومن يستطيع مثل ذلك العطاء والسخاء والجود والكرم ؟؟؟
بل مَن يُدانيه ؟؟؟

إن من يملك القناطير المقنطرة من الذهب والفضة لا يُمكن أن يُعطي مثل ذلك العطاء .

ولو أعطى مثل ذلك العطاء ، فلديه الكثير
أما رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيُعطي العطاء الجزيل ، وربما بات طاوياً جائعاً .

فهذا الذي أخذ بمعاقد الكرم فانفرد به ، وحاز قصب السبق فيه بل في كل خلق فاضل كريم
فلا أحد يقترب منه أو يُدانيه في ذلك كله .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الرِّيحِ المرسَلَة ، وكان أجود ما يكون في رمضان . كما في الصحيحين من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – .

وقَدِمَ عليه سبعون ألف درهم ، فقام يَقْسمُها فما ردَّ سائلاً حتى فرغ منها صلى الله عليه وسلم . رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم .

وأخبر جبير بن مطعم أنه كان يسير هو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه الناس مَـقْـفَـلَـهُ من حنين ، فَـعَـلِـقـه الناس يسألونه حتى اضطروه إلى سمُرة ، فخطفت رداءه ، فوقف النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أعطوني ردائي . لو كان لي عدد هذه العِـضَـاه نَـعَـماً لقسمته بينكم ، ثم لا تجدوني بخيلا ، ولا كذوبا ، ولا جبانا . رواه البخاري .


ورسول الله صلى الله عليه وسلم الشُّجاع الذي يتقدّم الشجعان إذا احمرّت الحَدَق ، وادلهمّت الخطوب

أنت الشّجاع إذا الأبطال ذاهلة **** والهُنْدُوانيُّ في الأعنـاق والُّلمَـمِ

قال البراء رضي الله عنه : كنا والله إذا احمر البأس نتقي به ، وإن الشجاع مـنـّا للذي يحاذي به ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم
وقال عليّ رضي الله عنه : كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه . رواه أحمد وغيره .
أما البراء رضي الله عنه فهو الملقّب بالمَهْلَكَة ، وأما عليٌّ رضي الله عنه فشجاعتُه أشهرُ من أن تُذْكَر .

ومع ذلك يتّقون برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم
ومع ذلك كان الشجاع منهم الذي يُحاذي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم

قال رجل للبراء بن عازب – رضي الله عنهما – : أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين ؟ قال : لكن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يَـفِـر . متفق عليه .
وقال – رضي الله عنه – : كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس ، وأشجع الناس ، وأجود الناس ، ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق ناس قبل الصوت ، فتلقاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم راجعا ، وقد سبقهم إلى الصوت ، وهو على فرس لأبي طلحة ، وهو يقول : لم تراعوا . لم تراعوا . قال : وجدناه بحراً ، أو إنه لبحر . ( يعني الفرس ) متفق عليه .

كان صلى الله عليه وسلم حليم على مَنْ سَفِـه عليه ، أتتـه قريش بعد طول عناء وأذى ، فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .

شَـدّ أعربيٌّ بُردَه حتى أثّـر في عاتقـه ، ثم أغلظ له القول بأن قال له : يا محمد مـُرْ لي من مال الله الذي عندك ! فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ثم أمـر له بعطاء . متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه .

هو مَنْ جمع خصال الخير وكريم الشمائل ، وَصَفَه ربّـه بأنـه ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) .
قال الحسن البصري في قوله عز وجل ( فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم ) قال : هذا خُلُقُ محمد صلى الله عليه وسلم نَعَتَـه الله عز وجل .

كان علي رضي الله عنه إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان أجودَ الناس كـفّـاً ، وأشرَحهم صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وألْيَنهم عريكة ، وأكرمهم عِشرة ، من رآه بديهةً هابَـه ، ومن خالطه معرفـةً أحبَّـه ، يقول ناعِتـُه : لم أرَ قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم . رواه الترمذي وابن أبي شيبة والبيهقي في شُعب الإيمان .

تلك قَطْرِةٌ من بحرِ صفاتِه ، وإشارةٌ لمن ألقى السَّمْعَ ، وتذكِرةٌ للمُـحِبّ .
فهذه أخلاقه فأين المحبـُّـون ؟
هذه من أخلاقه عليه الصلاة والسلام فأين المقتدون ؟
فهل أبقى لحاتم طي مِن كرم ؟
وهل أبقى لعنتر من شجاعة ؟
وهل أبقى لقيس مِن حِلـم ؟

صلى الله عليه وعلى آله وسلم .

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 11:00 AM

رد: صفحة الشخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم)حفظه الله
 
يهود يشهدون بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم

شهِدت اليهود بصدق نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
قال الله عز وجل : ( وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ )

عن أنس رضي الله عنه قال : كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له : أسلم . فنظر إلى أبيه وهو عنده ، فقال له : أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ، فأسْلَمَ ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار . رواه البخاري .

فهذا اليهودي أمـر ابنه أن يُطيع أبا القاسم ، مما يدلّ على أنه يعلم في قرارة نفسه بصدق نبوة النبي صلى الله عليه وسلم .

وحدّث سلمة بن سلامة بن وقش - وكان من أصحاب بدر - قال : كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل قال : فخرج علينا يوما من بيته قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بيسير فوقف على مجلس عبد الأشهل . قال سلمة : وأنا يومئذ أحدث من فيه سِناً على بردة مضطجعا فيها بفناء أهلي فذكر البعث والقيامة والحساب والميزان والجنة والنار ، فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان لا يرون أن بعثاً كائن بعد الموت ، فقالوا له : ويحك يا فلان ترى هذا كائناً أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار ، يُجزون فيها بأعمالهم ؟ قال : نعم ، والذي يحلف به لودّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدنيا يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطبق به عليه ، وأن ينجو من تلك النار غدا . قالوا له : ويحك وما آية ذلك ؟ قال : نبي يُبعث من نحو هذه البلاد ن وأشار بيده نحو مكة واليمن . قالوا : ومتى تراه ؟ قال : فنظر إلـيّ وأنا من أحدثهم سناً ، فقال : إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه . قال سلمة : فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم وهو حي بين أظهرنا ، فآمنا به وكفر به بغياً وحسداً ، فقلنا : ويلك يا فلان ! ألست بالذي قلت لنا فيه ما قلت ؟ قال : بلى ، وليس به !

وحدّثت صفية – رضي الله عنها – فقالت : كنت أحبّ ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر ، لم ألقهما قط مع ولدٍ لهما إلا أخذاني دونه . قالت : فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل قباء في بني عمرو بن عوف غدا عليه أبي حُيي بن أخطب وعمي أبو ياسر بن أخطب مغلسين ، فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس ، فأتيا كالَّيْن كسلانين ساقطين يمشيان الهوينا . قالت : فهششت إليهما كما كنت أصنع ، فوالله ما التفت إليّ واحد منهما مع ما بهما من الغمّ . قالت : وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي حُيي بن أخطب : أهـو هـو ؟ قال : نعم والله ! قال : أتعرفه وتثبته ؟ قال : نعم . قال : فما في نفسك منه ؟ قال : عداوته والله ! رواه ابن إسحاق في السيرة فيما ذكره ابن هشام .

ها هم اليهود يشهدون بنبوة سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام ، ومع ذلك جحدوا بها .
( فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ ) .

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : لو آمن بي عشرة من اليهود ، لآمن بي اليهود . رواه البخاري ومسلم .

وفي رواية لمسلم : لو تابعني عشرة من اليهود ، لم يبق على ظهرها يهودي إلا أسلم .

اللهم صل وسلم وزد وبارك على عبدك محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .


~ آلغربآء ~ 19-12-2009 11:02 AM

رد: صفحة الشخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم)حفظه الله
 
أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم

ما تمنى رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من الدنيا ، وإنما تمنى ما له علاقة بمنازل الآخرة ، بل برفيع المنازل ، وعالي الدرجات .
فقال عليه الصلاة والسلام : والذي نفس محمد بيده لولا أن يشق على المسلمين ما قعدت خلاف سرية تغزو في سبيل الله أبدا ، ولكن لا أجد سعة فأحملهم ، ولا يجدون سعة ، ويشق عليهم أن يتخلفوا عني ، والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل . رواه البخاري ومسلم .

هذه كانت أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وإذا كانت النفوس كبار = تعبت في مرادها الأجسامُ
أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أشجع الشجعان حتى إنه ليحتمي به صناديد الأبطال عند اشتداد النِّـزال
قال البراء رضي الله عنه : كنا والله إذا احمر البأس نتقي به ، وإن الشجاع مـنـّا للذي يحاذي به ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم
وقال عليّ رضي الله عنه : كنا إذا احمرّ البأس ، ولقي القوم القوم ، اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه . رواه الإمام أحمد وغيره .

من هنا كانت أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم عالية ، كانت منزلة رفيعة ، ألا وهي الشهادة في سبيل الله .
وليست مرة بل مرّات

تأمل :
" والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل ، ثم أغزو فأقتل ، ثم أغزو فأقتل "
وفي رواية للبخاري :
والذي نفسي بيده وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ثم أحيا .

وما ذلك إلا لكرامة الشهيد والشهادة على الله .
ولذا لما قُتِل من قُتِل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يوم أُحد ولقوا ربهم تبارك وتعالى ، فسألهم : ماذا يُريدون ما اختاروا غير العودة للدنيا من أجل أن يُقتلوا في سبيل الله مرة ثانية .
لما قُتل عبد الله بن عمرو بن حرام يوم أحد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جابر ألا أخبرك ما قال الله عز وجل لأبيك ؟ قلت : بلى . قال : ما كلم الله أحداً إلا من وراء حجاب ، وكلّم أباك كفاحا ، فقال : يا عبدي تمنّ عليّ أعطك . قال : يا رب تحييني فأقتل فيك ثانية ! قال : إنه سبق مني أنهم إليها لا يرجعون . قال : يا رب فأبلغ من ورائي ، فأنزل الله عز وجل هذه الآية ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه .
وقال عليه الصلاة والسلام : لما أصيب إخوانكم بأُحد جعل الله عز وجل أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا لئلا يزهدوا في الجهاد ، ولا ينكلوا عن الحرب . فقال الله عز وجل : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات على رسوله ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) . رواه الإمام أحمد وأبو داود .

فأي كرامة يُكرم الله عز وجل بها الشهيد الذي قُتِل في سيل الله لإعلاء كلمة الله ؟
قال عليه الصلاة والسلام :
للشهيد عند الله عز وجل سبع خصال :
يُغفر له في أول دفعة من دمه .
ويرى مقعده من الجنة .
ويُحلى حلة الإيمان .
ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين .
ويُجار من عذاب القبر ، ويأمن من الفزع الأكبر .
ويوضع على رأسه تاج الوقار ، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها .
ويشفع في سبعين إنساناً من أقاربه . رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه ، وهو في صحيح الجامع.

فأي كرامة فوق هذه الكرامة ؟
وأي فضل فوق هذا الفضل سوى رؤية وجه الرب سبحانه وتعالى ؟

ولما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة . رواه النسائي .

تلك كانت أمنية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو عليه الصلاة والسلام لا يتمنى إلا ما كان يُقرّبه إلى الله عز وجل .

فهل نتمنى ما تمناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

أما إنها لو كانت أمنية صادقة لكفى .

قال صلى الله عليه وسلم : من مات ولم يغز ، ولم يحدث به نفسه ، مات على شعبة من نفاق . رواه مسلم .

وقال عليه الصلاة والسلام : من سأل الله الشهادة بصدق بلّغه الله منازل الشهداء ، وإن مات على فراشه . رواه مسلم .

وأختم بوصية الصِّدِّيق رضي الله عنه : احرص على الموت توهب لك الحياة .
وإن تعجب فاعجب لمن قال تلك الكلمة ؟
لقد قالها أبو بكر رضي الله عنه لسيف الله المسلول رضي الله عنه .

وبقول الخنساء :

نهين النفوس وهَوْن النفوس = يوم الكريهة أوقى لها
وما أروع قول الحصين المرّي :
تأخرت أستبقي الحياة فلم أجد = لنفسي حياة مثل أن أتقدما

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 11:03 AM

رد: صفحة الشخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم)حفظه الله
 
ماذا يُـحـب الحبيب ؟

أكمل خلق الله هو سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام .
فماذا كان صلى الله عليه وسلم يُحب ؟
لنحاول التعرّف على بعض ما يُحب لنحبّ ما أحب صلى الله عليه وسلم .
قال أنس رضي الله عنه : إن خياطا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعه قال أنس : فذهبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك الطعام ، فقرّب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خبزاً ومرقا فيه دباء وقديد ، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتتبع الدباء من حوالي القصعة . قال : فلم أزل أحب الدباء من يومئذ . رواه البخاري ومسلم .

ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً أحب الطِّيب والجنس اللطيف
قال عليه الصلاة والسلام : حُبب إليّ من الدنيا النساء والطيب ، وجُعلت قرة عيني في الصلاة . رواه الإمام أحمد والنسائي .
وحُبه صلى الله عليه وسلم للطيب معروف حتى إنه لا يردّ الطيب .
وكان لا يرد الطيب ، كما قاله أنس ، والحديث في صحيح البخاري .
وكان يتطيّب لإحرامه ، وإذا حلّ من إحرامه ، كما حكته عنه عائشة رضي الله عنها ، والحديث في الصحيحين .
قالت عائشة رضي الله عنها : كنت أطيب النبي صلى الله عليه وسلم عند إحرامه بأطيب ما أجد . رواه البخاري .

ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طيباً أحب الطيّبات والطيبين .
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة فقيل : من الرجال ؟ فقال : أبوها . قيل : ثم من ؟ قال : عمر بن الخطاب ، فعدّ رجالا .

فما كره الطيب أو النساء إلا منكوس الفطرة !
وما على العنبر الفوّاح من حرج = أن مات من شمِّـه الزبّال والجُعلُ !!

وأحب صلى الله عليه وسلم الصلاة ، حتى إنه ليجد فيها راحة نفسه ، وقرّة عينه .
فقد كان عليه الصلاة والسلام يقول لبلال : يا بلال أرحنا بالصلاة . رواه الإمام أحمد وأبو داود .

بل إن الكفار علموا بهذا الشعور فقالوا يوم قابلوا جيش النبي صلى الله عليه وسلم : إنه ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولاد . رواه مسلم .
وشُرعت يومها صلاة الخوف .

فهذا الشعور بمحبة الصلاة علِم به حتى الكفار !
ومن أحب شيئا أكثر من ذِكره ، وعُرِف به .

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الحلواء والعسل . رواه البخاري ومسلم .

وكان صلى الله عليه وسلم يحب الزبد والتمر . رواه أبو داود .

وما هذه إلا أمثلة لا يُراد بها الحصر .

ولكن السؤال الذي يطرح نفسه :
هل نجد الشعور الذي وجده أنس بن مالك رضي الله عنه الذي أحب ما أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم تبعاً لمحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

اللهم صلّ وسلم وزد وبارك على عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه .


~ آلغربآء ~ 19-12-2009 11:06 AM

رد: صفحة الشخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم)حفظه الله
 
والله لا أُكلّمك أبداً

تحدثت في مقال سابق بعنوان :

عـقـول للبيع أو للتأجير ... لعـدم التّفـرّغ !!

واليوم سوف أتحدّث عن نوعية أخرى من عقول بعض بني آدم
وذلك أن من الناس من يَزِن الأمور بعقله ، سواء فيما للعقل فيه مجال للنظر أو ليس له فيه مجال

في يوم من الأيام سُئلت عن حُـكم إسبال الثياب للرجال ، فبيّنت الحكم .
وذكرت أن الإسبال على نوعين :
إن كان مُجرّد إسبال فهو كبيرة من كبائر الذنوب ، وقد تُوعّد المسبل بوعيد شديد كما في صحيح مسلم .
وإن كان للخيلاء فإنه بالإضافة إلى كونه كبيرة من كبائر الذنوب ، فإن الله لا ينظر إلى صاحبه يوم القيامة .
وذكرت الأدلة ، وكلام بعض أهل العلم في التفريق بينهما وفق قواعد أصول الفقه .

وهو هنا :
http://www.almeshkat.net/index.php?pg=fatawa&ref=411

وكان السائل سأل لحاجة في نفسه ! وظن أنني أوافقه فيما يذهب إليه !
فلما رآني خالفته تغيّر وجهه
ثم بلغني فيما بعد أنه قال لبعض جلسائه : إيش هذا ؟! يُعذبني الله على خِـرقة ؟!

فهذا منطق أعوج !
وهذا قياس بالعقل السقيم وليس السليم !

يا هذا !
هل يُعذّب الله المشرك لأجل أنه طاف حول شجرة أو حول حجر ؟!
هل يُعذّب الله من ذبح دجاجة لغير الله بقصد التقرّب ؟!
وهل ... وهل .. ؟

وعلى هذا قِـس .

ما هكذا تُورد الإبل

وما هكذا تُورد النصوص

إن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم لم يكونوا يغضبون ذلك الغضب الشديد إلا عندما تُعارَض السنة بأقوال الرجال أو بالآراء
وإن كانت تلك الأقوال من أقوال كبار الصحابة رضي الله عنهم

وما ذلك إلا لتعظيمهم لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم ولسنّته عليه الصلاة والسلام

فقد رأى عبد الله بن المغفل رجلا من أصحابه يخذف ، فقال له : لا تخذف ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره أو قال : ينهى عن الخذف ، فإنه لا يُصطاد به الصيد ، ولا يُنكأ به العدو ، ولكنه يكسر السن ، ويفقأ العين ، ثم رآه بعد ذلك يخذف ، فقال له : أخبرك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكره أو ينهى عن الخذف ، ثم أراك تخذف ، لا أكلمك كلمة كذا وكذا . رواه البخاري ومسلم .

وفي رواية لمسلم : أن قريبا لعبد الله بن مغفل خذف ، فنهاه ، وقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الخذف ، وقال : إنها لا تصيد صيدا ، ولا تنكأ عدوا ، ولكنها تكسر السن ، وتفقأ العين . قال : فعاد ، فقال : أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه ، ثم تخذف ، لا أكلمك أبدا .

نعم . لا يرضون بمعارضة قول سيّدهم وقدوتهم ، بل ويشتدّون على المخالِف

فهذا عمران بن حصين كان في رهط وفيهم بشير بن كعب فحدّث عمران يومئذ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الحياء خير كله . قال : أو قال : الحياء كله خير ، فقال بشير بن كعب : إنا لنجد في بعض الكتب أو الحكمة أن منه سكينة ووقارا لله ، ومنه ضعف ! فغضب عمران حتى احمرّتا عيناه ، وقال : ألا أراني أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتُعارض فيه . فأعاد عمران الحديث ، فأعاد بشير ، فغضب عمران قال أبو السوار العدوي : فما زلنا نقول فيه : إنه منا يا أبا نجيد ، إنه لا بأس به . رواه البخاري ومسلم .

ولما قال عبد الله بن عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها . قال : فقال بلال بن عبد الله : والله لنمنعهن .
قال الراوي : فأقبل عليه عبد الله فسبّه سبّـاً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط ، وقال : أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول : والله لنمنعهن . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية : فضرب في صدره ، وقال : أحدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقول : لا !

وبلغوا من الامتثال أجمله وأحسنه واكمله
روى البخاري عن نافع عن ابن عمر قال : كانت امرأة لعمر تشهد صلاة الصبح والعشاء في الجماعة في المسجد ، فقيل لها : لم تخرجين وقد تعلمين أن عمر يكره ذلك ويغار ؟

قالت : وما يمنعه أن ينهاني ؟

قال : يمنعه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تمنعوا إماء الله مساجد الله .

وروي أن عمر رضي الله عنه جَلَدَ رجلين سبّحـا بعد العصر . أي صليا .

ورأى سعيد بن المسيب رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يُكثر فيها الركوع والسجود ، فنهاه ، فقال : يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة ؟!
قال : لا ، ولكن يعذبك على خلاف السنة . رواه البيهقي في الكبرى .

وبلغ من شدّة تمسُّك سلف الأمة بسُنّةِ نبيِّها مبلغاً استفاضت معه أقوالُهم .

واتّفقت كلمة العلماء أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة المتبوعة على ردِّ قولِهم إذا خالف الحديث .

قال الإمام أبو حنيفة : إذا صحّ الحديث فهو مذهبي .
وقال أيضا : لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذناه .
وقال أيضا : إذا قلت قولاً يُخالف كتاب الله تعالى وخبرِ الرسول صلى الله عليه وسلم فاتركوا قولي

وقال الإمام مالك : إنما أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي فكلّ ما وافق الكتاب والسنة فخذوه ، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه .
وقال أيضا : ليس أحدٌ بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم .

وأما الإمام الشافعي فقال : أجمع المسلمون على أن من استبان له سُنةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحِلّ له أن يدعها لقول أحد .
وقال أيضا : إذا وجدتم في كتابي خلاف سُنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلت .

وقال الإمام أحمد : من ردّ حديثَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفا هلَكَة .
وقال أيضا : لا تقلد في دينك أحداً من هؤلاء ، ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابهِ فخُذ به .

قال الحميدي : روى الشافعي يوماً حديثاً ، فقلت : أتأخذ به ؟
فقال : رأيتني خرجت من كنيسة ، أو عليَّ زُنّار حتى إذا سمعتُ عن رسول صلى الله عليه وسلم حديثاً لا أقول به ؟!

وهذا كله يدلّ على تعظيمهم لأقوال نبيِّهم صلى الله عليه وسلم .
ويدلّ على تأدّبهم مع إمامهم عليه الصلاة والسلام
وعلى شدّة محبته صلى الله عليه وسلم

إن محبة النبي صلى الله عليه وسلم لا تنبت إلا على ساق المتابعة والاقتداء

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في قوله تعالى :
( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )
: هذه الآية الكريمة حاكمة على كل من ادّعى محبة الله وليس هو على الطريقة المحمدية فإنه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتى يتبع الشرع المحمدي والدين النبوي في جميع أقواله وأفعاله ، كما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : مَنْ عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد . ولهذا قال : ( إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ )
أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبتكم إياه وهو محبته إياكم وهو أعظم من الأول ، كما قال بعض العلماء الحكماء : ليس الشأن أن تُحِبّ إنما الشأن أن تُحَبّ . وقال الحسن البصري وغيره من السلف : زعم قوم أنهم يحبون الله فابتلاهم الله بهذه الآية ، فقال : ( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ ) اهـ .

وقال الإمام الطحاوي :
ولا تثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام .
قال ابن أبي العز : أي لا يثبت إسلام من لم يسلم لنصوص الوحيين وينقاد إليها ولا يعترض عليها ولا يعارضها برأيه ومعقوله وقياسه . روى البخاري عن الإمام محمد بن شهاب الزهري رحمه الله أنه قال : من الله الرسالة ، ومن الرسول البلاغ ، وعلينا التسليم . وهذا كلام جامع نافع . اهـ .

فمن أحبّ سيد ولد آدم فليُعظّم أقواله وسُننه أكثر من تعظيمه لقول مَن سواه من البشر .
أما دعوى محبته مع مُخالفته أو مع تقديم قول غيره على قوله فهذه دعاوى و " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه " كما في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام .

وليدع : ( ما اقتنعت – ما يُعقل – ما يدخل مزاجي ! ) ليدع هذه الكلمات وأمثالها عند الكوكب ، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما لمن سأله عن استلام الحجر ، فقال ابن عمر : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويُقبِّله . فقال : أرأيت إن زُحمت ؟ أرأيت إن غُلبت ؟
فقال ابن عمر : اجعل أرأيت باليمن ! رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلمه ويُقبِّله . رواه البخاري .

وقال لمن سأله عن قيام الليل : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صلاة الليل مثنى مثنى والوتر ركعة . فقال السائل : أرأيت إن غلبتني عيني ؟ أرأيت إن نمت ؟ قال : اجعل أرأيت عند ذلك النجم . رواه ابن ماجه .

هكذا فلتُعظّم السنة

وليُربّى عليها الأولاد والأتباع .

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 06:09 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
( بحوث علمية )

الجواب المفصّل عن شبهات في التوسل
حُـكم الدفّ للرجال والنساء في غير الأعراس
شبهات مُثارة حول قضايا متعلقة بالمرأة
الإجابات الْجَلِـيَّـة عن الشُّـبُهات الرافضية
حتى لا تبوء بها
العقـوبات المـالـيَّـة
لقاء حول الخُلع وأحكامه
بحث حول تصحيح وتضعيف ابن الصلاح
شُبهات حول حديث : " لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة " وردّها
الجمع بين الصلاتين للمسافر وجمع المقيم
الصلاة في أوقات النهي
من أحكام الجهاد في الإسلام

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 06:13 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
الجواب المفصّل عن شبهات في التوسل

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن والاه .

أما بعد :
فهذه أسئلة وردتني من أحد إخواننا من خلال الشبكة ( الإنترنت ) ، وقد أُورِدتْ عليه شُبُهات في التوسّل ، وطلب مِني الإجابة عنها .
حيث يقول الأخ الفاضل نبيل :

السلام عليكم ورحمة الله وبركاتـه
شيخنا الكريـم عبد الرحمن حفظكم الله تعالى ..
هذه بعض الشبهات يطرحها أعداء الدين من يستغيثون بالقبور أو يتوسلون بالنبي صلى الله عليه وسلم..
فنرجو أن نرى إجابة شافيـة لدحر الباطل .. وقد أرسلت لكم في البريد غير عن هذا، وفقكم الله تعالـى..
يقول هذا الرجـل/
و هذي الأدلة من أمهات كتب أهل السنة و الجماعة ، والقوانين تمشي على الجميع ما دام الموضوع ليس من تأليفي الشخصي ، و ما يحق لأحد أن يمسح ردودي إذا كانت منقولة من القرآن الكريم و سنة الرسول ص ، أقصد الصحاح و كتب السنن .
--------

* أحاديث تثبت أن التوسل برسول الله ص يجوز حتى و هو في قبره ، و أن التوسل و طلب الغوث منه حيا و ميتا ليس شرك ، لكن يتعمدون أن ما يذكرونها ....

[ أوْرَدَ شُبهات كثيرة أُورِدَتْ عليه ، فَجَعَلْتُ كل شُبهة في فقرة مُستَقِلّة ، ثم أجبتُ عنها بما يسّر الله تعالى في خمس وعشرين فقرة ، ونَقَلتُ القول كما هو من غير زيادة ولا نُقصان ] ..


الجواب :

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
وبارك الله فيك وحفظك .

هذه شُبُهات أوْهَى من بيت العنكبوت !
وهي لا تَخرج عن أربعة أمور :
الأول : إما استدلال بدليل لا يُسلَّم لِصاحبه باستدلاله فيه ، إذ ليس فيه ما يخدم مقصده
الثاني :
أن يكون الدليل ضعيفاً لا تقوم به حجّة .
الثالث :
أن يكون فِعل عالم ، وأفعال العلماء يُستَدلّ لها ولا يُستدلّ بها ، كما بينه ابن القيم رحمه الله . فليس فِعل أحد من الناس حُجّة على الْخَلْق إلا فعل محمد صلى الله عليه وسلم ، ثم أفعال الصحابة على خِلاف بين أهل العلم ، والصحيح حُجّية قول الصحابي ما لم يُخالِف أو يُخالَف .
الرابع :
تحريف في النصوص لهوى في النفس ! وثَنْي أعناق النصوص والزيادة فيها ، أو النقص منها لتخدم أغراض قائليها !

وقبل التفصيل أُشير إلى ما جاء في المقال ، حيث زَعَم القائل أن :

[ بعض الناس لا يظهرون حبا للنبي ، إنما يظهرون بغضا له والعياذ بالله . كالذين يزعمون أن النبي محمد ميتة ، أو أنه لا ينفع، أو أن التبرك به وبآثاره شرك ، أو أن زيارة قبره شرك أو أن التوسل به شرك والعياذ بالله ، أو الذين يحرمون مدحه عليه السلام والاحتفال بمولده وغير ذلك، كله يظهر بغضا للنبي ولا يظهر حبا له صلى الله عليه وسلم ولا اتباعا له]

فالدعاوى أسهل وأيسر ما يكون !
والدعوى لا بُـدّ لها من بَيِّنَة !
فالذين يَدّعون محبته صلى الله عليه وسلم هم أكثر الناس بُعدا عن هديه وعن سُنّته صلى الله عليه وسلم ..
ففي هذا المقال أورِدت أحاديث ضعيفة ، وبعضهم يُورِد أحاديث مكذوبة ! بِدعوى محبته صلى الله عليه وسلم ! وسوف يتبيّن هذا من خلال مناقشة هذه الشُّبُهات ..
فأين هي دعوى المحبة ؟!
ولدى أصحاب دعوى المحبة من المخالفات لِهَدْيه ولِسُنّته صلى الله عليه وسلم ما يَضيق الوقت عن تِعدادها ، من رقص وطَرَب وشرب للخمور واختلاط ، وغير ذلك مما لا يَخفى على عاقل يَعرف حقائق عن احتفالات بعض مشايخ الطُّرُق الصوفية !
ثم إنهم مِن أكثر الناس صدودا عن السنة ، فهم يَهجرون العمل بالسُّنة طيلة العام ثم يُحيونها ليلة في العام !
فهم كالأوربي الذي هَجَر أمه عاماً كاملاً ثم زَعَم أنه يبرّها بزيارة لها في عيد الأم !
فأين القوم والمحبة الصادقة ؟
وسبق أن كتبت مقالاً بعنوان :
هـل نحتفـل بالمولـد النبوي ... ؟؟؟
وهو هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/100.htm

وذكرتُ فيه طرفا من أحوال الصحابة في صِدق المحبة له صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك لم يُنقَل عنهم ما يَفعله أهل الأهواء والبدع .

ثم إن دعاوى المحبة والتي يُحاول أولئك إثباتها عَبْر الاحتفال بمولده فيها إزراء بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، مع ما فيها من مخالفة هَدْيِه وأمْرِه صلى الله عليه وسلم .
فالاحتفال بالمولد النبوي لم يَكن في القرون الفاضلة ! وحسبُك بِعمل لم يَكن في القرون الفاضلة ، ولم يَكن عليه خيار الناس – أن يُرَدّ على صاحبه !

وأما قوله : (كالذين يزعمون أن النبي محمد ميتة) فهذا ظُلم عظيم ، وكذب مُبين ! فلم يَقُل بهذا مسلم قطّ ، أي لا أحد يعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم مَيْتَة .
أما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد مات فهذا حق ، ومن أنكره فقد كُفُر بالقرآن ، فإن الله يقول في مُحكم كِتابه مُخاطشبا نبيّه صلى الله عليه وسلم : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) ، وقال : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) .
وقالت عائشة رضي الله عنها : أقبل أبو بكر رضي الله عنه على فرسه من مسكنه بالسنح حتى نزل فدخل المسجد ، فلم يُكَلّم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مُسَجّى بْبُرْد حَبرة ، فكشف عن وجهه ، ثم أكَبّ عليه فَقَبّلَه ، ثم بكى ، فقال : بأبي أنت يا نبي الله ! لا يجمع الله عليك موتتين ، أما الموتَة التي كُتِبَتْ عليك فَقَد مُتَّها . رواه البخاري .
وقالت أيضا عن خطبة أبي بكر رضي الله عنه : فَحَمِدَ الله أبو بكر وأثنى عليه ، وقال : ألا من كان يعبد محمداً صلى الله عليه وسلم فإن محمداً قَدْ مَات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقال : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) ، وقال (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) ، فَنَشَجَ الناس يَبْكُون . رواه البخاري .
فهل كان أبو بكر رضي الله عنه مُبغِضاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أخبر أنه ميّت ؟!
والأحاديث في هذا كثيرة .

وإليك الجواب بالتفصيل عما استُدلّ به :

1 – قول القائل :
[وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ما نصه: " وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمّان عن مالك الدار قال أصاب الناس قحط (أي مجاعة) في زمن عمر (أي في خلافته) فجاء رجل (من الصحابة) إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسقِ لأمتك فإنهم قد هلكوا، (معناه اطلب من الله المطر لأمتك) ]

الجواب :
أولاً : هذا النصّ أُدْخِل فيه ما ليس منه ، لِيَخْدِم الغَرَض الذي سِيق لأجله !
ثانياً : النصّ كما هو في فتح الباري :
[ وروى بن أبي شيبة بإسناد صحيح من رواية أبي صالح السمان عن مالك الداري - وكان خازن عمر - قال : أصاب الناس قحط في زمن عمر فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله اسْتَسْقِ لامتك فإنهم قد هلكوا . فأُتي الرجل في المنام فقيل له : ائت عمر .. الحديث . وقد روى سيف في الفتوح أن الذي رأى المنام المذكور هو بلال بن الحارث المزني أحد الصحابة ] .
فقوله في النصّ السابق [فجاء رجل (من الصحابة)] يُوهَم أنه من رواية ابن أبي شيبة التي صحَّح إسنادها الحافظ ابن حجر رحمه الله ، وليس كذلك ، بل هي من رواية سيف بن عمر ، وروايته لا يُعوّل عليها عند أهل العلم !
فلا يثبت أن الذي جاء هو رجل من الصحابة ، فلِم أُقْحِم في النصّ أن الرجل من الصحابة ؟!
ولماذا حُذِفتْ بقية كلام الحافظ ؟
ربما لأنها تُسقط الاستدلال !
كما أنه زيد في النص ما ليس منه ، وهو قوله : [إيتِ عمر فاقرئه مني السلام وأخبره أنهم يُسقون]
وهذا القدر ليس في فتح الباري .. وإن كان في رواية ابن أبي شيبة .
وهذا تُبيّنه وتُوضِّحه رواية بن أبي خيثمة – وفيها - : ائت عمر فقل له : إنكم مُسْتَسْقُون فعليك الكَّفّين . قال : فبكى عمر وقال : يا رب ما آلوا إلا ما عجزت عنه . ذَكَرها ابن حجر في كتاب " الإصابة " .
فقوله : " إنكم مُسْتَسْقُون " يُوضِّح المقصود ، وهو ما دَلَّتْ عليه رواية البخاري ، وأوصاه بالدعاء ورفع الأكَفّ .

ثم إن هذا ليس فيه مُستمسَك لأهل التوسّل الممنوع [ التوسّل بالأموات ] !
كيف ؟
الجواب :

أولاً : أنه رؤيا منام ، ورؤيا المنام ليس فيها دليل ، ولا يُعوّل عليها ولا يَجوز العمل بمقتضاها ، وإلا لزِم منه تغيير الدِّين ، والاستدراك على شريعة خاتم المرسلين صلى الله عليه وسلم ، كما بيّنه أوضح بيان الإمام الشاطبي في كتابه " الاعتصام " .
ثم إن الرؤى يُستبشر بها ولا يُعوّل عليها ، لقوله عليه الصلاة والسلام : لـم يَبْقَ من النبوة إلا المبشِّرات . قالوا : وما المبشِّرات ؟ قال : الرؤيا الصالحة . رواه البخاري .
فهي مُبشرِّة بنصّ قوله صلى الله عليه وسلم ، أي أنه يُستبشر بها ، ولا يُعوّل عليها من ناحية العمل .

ثانياً : لو صحّ الاستدلال بها لم يكن فيها مُستمسَك ، لأن الرجل لم يَكتَفِ بإتيان قبره صلى الله عليه وسلم وسؤاله ، بل أُتِي الرّجل في المنام – أتاه آتٍ – فأرشده أن يأتي إلى عمر رضي الله عنه

ثالثاً : أصحاب هذا الْمَسْلَك والاستدلال يبترون النصوص لِيَتِمّ لهم ما أرادوا .
وإلا فلِم لم يُعرِّجوا على آخر القصة ، وأن الرجل قيل له في المنام : ائت عمر .
وأنه أتى إلى عمر رضي الله عنه ، وفَعَل عمر ما فَعَل ، وهو ما رواه البخاري عن أنس أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قَحِطُوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب ، فقال : اللهم إنا كُنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بِعَمِّ نبينا فاسقنا . قال : فَيُسْقَون .
وهذا لا يُنكَر .
بل فيه دليل على من أجاز التوسّل بالأموات ، وفيه إسقاط لِشُبْهَتِه ، ودحض لِباطِله .
إذ لو كان من الْمُستَقِرّ عند الصحابة إتيان قبره صلى الله عليه وسلم والتوسّل به لما لجأ عمر رضي الله عنه ومن معه من الصحابة إلى العباس عمّ النبي صلى الله عليه وسلم .
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الأنبياء ، وأفضل من عمّه بلا ريب ، فلو كان الصحابة رضي الله عنهم يَرون جواز التوسّل بالأموات لأتوا إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وسألوه السُّقيا والشفاء !
وهذا لم يَكن منهم رضي الله عنهم .
وتقديم عمر رضي الله عنه للعباس رضي الله عنه ليس من باب التوسّل بالأموات ، بل هو من باب طلب الدعاء من الحيّ الذي يُرجَى صلاحه ، وهذا لا خلاف فيه .
والعباس رضي الله عنه حيّ وهو رجل صالح بالإضافة إلى قُربه من النبي صلى الله عليه وسلم .
ولو كان يجوز التوسّل بالنبي صلى الله عليه وسلم لما تَرَكَ الصحابة رضي الله عنهم سؤاله صلى الله عليه وسلم وهم أقرب الناس إليه – في المدينة – وأحب الناس إليه ، وهو أحب الناس إليهم ، ولما قدّموا العباس رضي الله عنه يَدعو لهم .
ولم يكن التوسّل بشخص العباس فحسب بل بِصلاحه ودعائه ، فقد روى عبد الرزاق في المصنّف عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر استسقى بالمصلى ، فقال للعباس : قُم فاسْتَسْقِ ، فقام العباس فقال : اللهم إن عندك سحابا وإن عندك ماء ، فانشر السحاب ، ثم أنزل فيه الماء ، ثم انزله علينا ، فاشْدُد به الأصل ، وأطَلْ به الزرع ، وأدِرّ به الضرع ... الحديث .
وكان من دعاء العباس يومئذ : اللهم إنه لا ينزل بلاء إلا بذنب ، ولا يكشف إلا بتوبة ، وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك ، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ، ونواصينا إليك بالتوبة ، فاسقنا الغيث .
فَدَلّ هذا على أن التوسّل إنما كان بِدعاء العباس رضي الله عنه ، ولو كان بشخص العباس فَحَسْب لاكتفى عمر رضي الله عنه بالدعاء بشخص العباس أو بمن هو أولى منه ، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفرق بين طلب الدعاء من الحيّ ، وبين طلبه من الميّت .
فالأول مسموح ، والثاني ممنوع .

2 – الاستدلال بقوله تعالى : (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) ليس مَحلّ استدلال بجواز التوسّل أو الاستغاثة بالأموات ، بل فيه الاستغاثة بالحيّ القادر فيما يَقدر عليه .
وهذا محلّ اتّفاق .
ولو كانت الاستغاثة بِنوحٍ عليه الصلاة والسلام في زمان موسى عليه الصلاة والسلام لربما استدلّ به المخالِف !
ولو كان يجوز ذلك في شريعة من قبلنا لم يَكن ليُستَدلّ به في شريعتنا ، إلا أن تأتي شريعتنا بإقراره ، ولذلك لا يجوز الاستدلال بِفعل يوسف عليه الصلاة والسلام مع أبويه بجواز السجود لغير الله ، لأن شريعتنا جاءت بمنعه .

وهذا من الأدلة التي يضعونها في غير مواضعها ! فإن استغاثة الرّجل بموسى عليه الصلاة والسلام فيما كان موسى يقدر عليه في حال حياته عليه الصلاة والسلام .

3 – ومثل الاستدلال السابق ما يُستَدلّ به في الشفاعة يوم القيامة ، فقد جاء في السؤال قول صاحب الشُّبْهَة :
[ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بعض أحوال يوم القيامة : إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم ثم بموسى ثم بمحمد فيشفع ليقضى بين الخلق. رواه البخاري في كتاب الزكاة ]

وهذا ليس في حال الوفاة بل هو فيما يكون بعد البِعْث ، أي أن هذا يكون يوم القيامة ، والناس أحياء حياة لا موت بعدها .
فلا يستقيم الاستدلال بهذا الدليل ، لأننا نُثبت الشفاعة لنبينا صلى الله عليه وسلم ، وهي الشافعة العُظمى في الموقف العصيب ، وهذا يكون يوم القيامة .

والشفاعة أنواع ، وسبق ذِكرها هنا :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?threadid=16044

وهل نحن نُنكِر الشفاعة حتى يُستَدلّ علينا بمثل هذا ؟!
هذا والذي قبله يُنكَر بهما على من يُنكِر ذلك .

4 – الاستدلال بحياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم ، حيث يقول صاحب الشُّبْهَة :
[ روى الإمام مسلم في صحيحه كتاب الفضائل، باب من فضائل موسى عليه السلام قال: حدثنا هدّابُ بنُ خالد وشيبانُ بنُ فَرّوخٍ قالا: حدّثنا حماد بنُ سَلَمةَ عن ثابتٍ البُناني وسُليمان التميمي عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتيتُ (وفي رواية هدّابٍ: مررتُ) على موسى ليلةَ أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يُصلي في قبره" ]
أقول :
وأصْرح منه قوله صلى الله عليه وسلم : الأنبياء أحياء في قبورهم يُصَلّون .
قال الهيثمي : رواه أبو يعلى والبزار ، ورجال أبي يعلى ثقات . اهـ .
وقال الألباني : صحيح .
وقال الشيخ رحمه الله مُعلِّقا على هذا الحديث : اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي حياة برزخية ، ليست من حياة الدنيا في شيء ، ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها ؛ ومحاولة تكيفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا . هذا هو الموقف الذي يجب أن يَتّخذه المؤمن في هذا الصَّدَد : الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيِسَة والآراء ، كما يَفعل أهل البِدع الذين وصَل الأمر ببعضهم إلى ادِّعاء أن حياته صلى الله عليه وسلم في قبره حياة حقيقية ! قال : يأكل ويشرب ويجامع نساءه ! ، وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى . ويشهد للحديث رؤيته صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء لموسى قائما في قبره يُصلي . اهـ .

فإذا أثبتنا حياة الأنبياء في قبورهم ، وأنها ليست من جنس حياة الأحياء في هذه الدنيا ، فليس لأحد أن يتوسّل بهم ، ولا أن يَدعوهم .
لأن إخباره صلى الله عليه وسلم عن حياته في قبره أو عن حياة الأنبياء ليس فيه إذن ولا أمر بالتوسّل به صلى الله عليه وسلم ولا بِغيره من الأنبياء .

5 – الاستدلال بأن صلاة من صلى على النبي صلى الله عليه وسلم معروضة عليه .
حيث جاء في الشُّبْهَة : [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى علي من بعيد أُعلمته". قال الحافظ في الفتح وسنده جيد .اهـ ]
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري عن حياة الأنبياء :
وإذا ثبت أنهم أحياء من حيث النّقل فإنه يقويه من حيث النظر كون الشهداء أحياء بنص القرآن والأنبياء أفضل من الشهداء ، ومِن شواهد الحديث ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه ، وقال فيه : وصَلُّوا عليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم . سنده صحيح ، وأخرجه أبو الشيخ في كتاب الثواب بسند جيد بلفظ : من صلى على عند قبري سمعته ، ومن صلى عليّ نائيا بُلِّغته . وعند أبي داود والنسائي وصححه بن خزيمة وغيره عن أوس بن أوس رفعه في فضل يوم الجمعة : فأكْثِرُوا عليّ من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة عليّ . قالوا : يا رسول الله وكيف تُعْرَض صلاتنا عليك وقد أَرِمْت ؟ قال : إن الله حَرّم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء . اهـ
فصلاة من صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم تَبْلُغه وإن كان بعيدا فإن صلاته تُعرَض على النبي صلى الله عليه وسلم .
ولا إشكال في ذلك ، وكيفية ذلك لا تُعلَم ، لأن هذا من ألأمور الغيبية التي لا عَهْد للإنسان بها ، ولا بِكيفيتها .
وإثبات حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره لا يُسوِّغ دعاءه ، ولا يُجيز التوسّل به صلى الله عليه وسلم ، إذ لو كان ذلك جائزاً لَدَلّ أمته عليه .
فإن كان دَلّ أمته عليه ، فأين هو الدليل ؟!
وإن لم يكن فهو من قبيل الممنوع ، إلا حَسب زعم الصوفية أن الأولياء فوق درجة الأنبياء ! فيجوز حينئذ عندهم أن يفعل الوليّ ما لم يأذن به النبي ! وهذا هو الكفر بِعينه !
وهذا لَعمر الحقّ هو التنقّص للنبي صلى الله عليه وسلم من أقوام زعموا محبته ! والإزراء به عليه الصلاة والسلام .
يقول قائل الصوفية :
مقام النبوة في برزخ *** فُويق الرسول ودون الولي !

وأمرٌ آخر أشار إليه الحافظ ابن حجر ، وهو أن الله أثبَت حياة الشهداء ، فمن ذلك قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) .
وممن قُتِل في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حمزة رضي الله عنه ، وهو عمّ النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أسد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك لا يَسُوغ أن يُدعى ، ولا أن يُتبرّك به ، وإن كان حيًّـا حياة برزخية .
ولو جاز أن يُتبرّك به ، أو يُدْعَى أو يُستشفَع به لَدَلّ النبي صلى الله عليه وسلم أمّته عليه ، فلما لم يَدُلّ أمته عليه عُلِم أنه غير مشروع .
ومن قال بجواز التوسّل بالأموات ، أو التبرّك بهم ، فإنه يستدرك على النبي صلى الله عليه وسلم ، بل ويتّهمه بالتقصير في البلاغ .

6 – الاستدلال بمشروعية زيارة القبور على شدّ الرِّحال ، والاستدلال بآية النساء :
حيث جاء في السؤال قول صاحب الشُّبْهَة :
[وقال الإمام أحمد بن زيني دحلان في كتابه الدرر السُّنية في الرد على الوهابية : اعلم رحمك الله أن زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم مشروعة مطلوبة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أما الكتاب فقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً}
دلت الآية على حث الأمة على المجيء إليه صلى الله عليه وسلم والاستغفار عنده واستغفاره لهم وهذا لا ينقطع بموته.اهـ]

أولاً : أحمد دحلان هذا لا يَرقى لمراتب العلماء فضلا عن أن يُوصَف بالإمامة !
ثانياً : زيارة القبور لا يُجادَل فيها ولا يُمارَى ، وهي مشروعة ، وليس المقصود منها التبرّك بالأموات ، ولا التوسّلأ بهم ، بل مقصودها الأعظم نَفْع الزائر نفسه ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإن في زيارتها تَذْكِرة . رواه أبو داود وغيره ، وأصله في صحيح مسلم .

ثالثاً : ما يتعلّق بِشَدّ الرِّحال إنما يكون لِمسجده صلى الله عليه وسلم ابتداء ثم يُزار قبره ، امتثالاً لأمره صلى الله عليه وسلم حيث قال : لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومسجد الأقصى . رواه البخاري ومسلم .
رابعاً : الاستدلال بالآية لا يُسلَّم ، وذلك من خمسة أوجه ، سبق بسطها وبيانها هنا :
مسألة في قوله تعالى(وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)
ولم يثبت أن أحداً من أهل العلم استدلّ بها على ما زعمه "دحلان " ، ولا فَعَله أحد من الصحابة رضي الله عنهم .

وأما حديث : " حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم ، ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم فما رأيت من خير حمدت الله عليه ، وما رأيت من شر استغفرت الله لكم " . فهو حديث ضعيف لا تقوم به حجّة ، كما بينه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة .
وقد ورد مختصرا بلفظ : تُعْرَض عليّ أعمالكم كل خميس . وهو حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما قول [رواه البزار ورجاله رجال الصحيح كما قال الحافظ الهيثمي في مجمعه]
فهذا تدليس على القرّاء ! وإيهام تصحيح الحديث !
وقول الحافظ الهيثمي لا يُعتبر تصحيحاً للحديث ، فإن قوله : رجاله رجال الصحيح . لا يقتضي صِحّة إسناد الحديث ، بل ولا يقتضى اتِّصال إسناده ، بل الوصف لِرجال الإسناد دون الإسناد نفسه ، وهذا يَعلمه من له أدنى معرفة بمصطلح الحديث وطُرُق الأئمة في كُتبهم .
فقول الحافظ الهيثمي مثلا : رجاله ثقات ، أو رجاله رجال الصحيح ، ونحوها ، لا يُقتضي صِحّة الحديث ، بل الوصف مُتعلّق بِرجال الإسناد ، دون تصحيح الإسناد ، ودون تصحيح مَتْن الحديث .
والحدث ضعيف كما علمت .

فانظر إلى فِقه القوم ودعاوى المحبة ، حيث يستدلّون بالضعيف والموضوع المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! زعما منهم أنهم ينصرون سُنّته ، وأنهم يُحبّونه .
وهذا مثل استدلال من يستدلّ بحديث : إذا سألتم الله فاسألوه بِجاهِي ، فإن جاهي عند الله عريض . وهو حديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تجوز روايته ، ولا يَحِلّ تناقله إلا على سبيل التحذير منه .
وسبق بيان ذلك هنا :

ما صحة حديث : أن آدم عليه السلام قد توسل برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
http://www.almeshkat.net/index.php?pg=fatawa&ref=832

ما حُكم التوسّل بِجاه النبي صلى الله عليه وسلّم ، أو بِحَـقِّه ؟
http://www.almeshkat.net/index.php?pg=fatawa&ref=833

7 – الاستدلال بالحديث الضعيف مرة أخرى ، في التوسّل والسؤال بِحق السائلين ! حيث جاء في الشُّبْهَة :
[قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من قال إذا خرج إلى المسجد: اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا ، فاني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة ، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، فأسألك أن تنقذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، أقبل الله عليه بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك . رواه ابن ماجة وأحمد والطبراني والبيهقي]
فهذا ليس فيه مُا يَتمسّك به دُعاة دُعاء الأموات ! من وجهين :
الأول : ضَعف الحديث ، كما بيّنه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة .
الثاني : أن هذا الحديث لو صحّ لم يَجُز أن يُتعدّى إلى كل توسّل ممنوع ، بل يُقتصر على ما وَرَدَ فيه ، هذا مِن جِهة ، ومن جهة أخرى فإن الداعي يدعو ربه ، وبما أوجَب رب العزّة على نفسه ، لا يَدعو الأموات من دون الله ، فتأمّل !
فإن الداعي يقول : " أسألك بِحقّ السائلين عليك " فلو صحّ الحديث لم يَكن فيه دعاء أموات ، بل فيه دعاء الله بما أوجَب على نفسه .
هذا لو صحّ ، كيف والحديث ضعيف ؟!

8 – قول القائل :
[ألف علماء الإسلام الكتب في الاستشفاع والتوسل نذكر منها:
1 - كتاب الوفاء في فضائل المصطفى لابن الجوزي ، أفرد بابا حول التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وبابا للإستشفاء بقبره الشريف.
2 - شفاء السقام لتقي الدين السبكي حيث تعرض لمسألة التوسل بشكل تحليلي معتبر.
3 - مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام لمحمد بن نعمان المالكي وغيرهم كثير]

وهذا مردود من وجوه :
الأول : أن كلام العالم يُستدَلّ له ، ولا يُستَدلّ به ، فليست العصمة لأحد بعد الأنبياء ، وكلّ يُؤخَذ من قوله ويُترَك إلا محمد صلى الله عليه وسلم .
ثانياً : أن ابن الجوزي رحمه الله ليس ممن تُؤخَذ عنه العقيدة ، فقد وقع في التأويل المذموم ، ويُقال مثله عن السُّبْكي .
وقديما قيل : اعرف الحقّ تَعرِف أهله .
وهؤلاء يُريدون قلب القاعدة !
فهم لا يَعرفون الحقّ إلا إذا جاء عن فلان أو فلان !
ثالثاً : أن كتاب " مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام " مما تستدلّ به الرافضة والصوفية ! وقد رأيت بعض مواقع الرافضة تُشيد بهذا الكتاب !
وحسبك أن الكتاب خَدَم أعداء الإسلام ، ولم يَخدم أهل الإسلام !

وليست العبرة بالتأليف بِقدر ما تكون العِبرة بمحتوى الكتاب ومضمونه ، فإن قُطْب الصوفية ! ابن عربي ألّف كتابا في الشِّرْك والْكُفْر ! وقد قال عنه الإمام الذهبي : ومن أردأ تواليفه كتاب (الفصوص) فإن كان لا كـُـفْــر فيه فما في الدنيا كفــر!!! نسأل الله العفو والنجاة . فواغوثاه بالله ، وقد عَظَّمَه جماعة وتكلّفوا لما صَدَرَ منه ببعيد الاحتمالات . اهـ .

9 – الاستدلال مرة ثالثة بالحديث الضعيف ! وفي غير ما دلّ عليه ! يقول صاحب الشُّبْهَة :
[أخرج البزار من حديث عبد الله بن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله ملائكة سياحين في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر فإذا أصاب أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد أعينوا عباد الله]
فالحديث أولاً ضعيف ، لا تقوم به حُجّة ، ولا يُعوّل عليه ، كما بيّنه الشيخ الألباني في تخريج " الكلِم الطيب " وفي " السلسلة الضعيفة " .
وقول الحافظ الهيثمي : رواه الطبراني ورجاله ثقات . لا يُعتَبر تصحيحاً له . فتوثيق الرِّجال لا يَلزم منه صِحّة الإسناد ، وصِحّة الإسناد لا يَلزم منها صِحّة الحديث . وهذا مبني على قواعد وأصول بيّنها العلماء في مصطلح الحديث .
ومثله حديث : إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلاة ، فليناد : يا عباد الله احبِسُوا عليّ ، يا عباد الله احبِسُوا عليّ ، فإن لله عز وجل في الأرض حاضرا سيحبسه عليكم . فهو ضعيف أيضا .
ومثله أيضا حديث : " إذا أضلّ أحدكم شيئًا أو أراد عونًا وهو بأرضٍ ليس فيها أنيس فليقل يا عباد الله أعينوني" وفي رواية " أغيثوني " ، " فإن لله عبادًا لا ترونهم " . فهو ضعيف أيضا .

ولو صحّ الحديث فليس فيه مُسْتَمسَك لمن يستدلّ به على التوسّل بالأموات ، فإن الاستغاثة بالحي فيما يَقدِر عليه لا تُنكَر ، وقد مضى هذا في آية القصص (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) .
فالشخص يُنادي حيًّـا قادراً ، ولا يُنادي ميّتا . فغاية ما في هذا الحديث – لو صَحّ – أن يكون الإنسان يستعين بِـ " حَيّ قادر " على أمر يستطيعه .
وهذا كأن ترى إنسان قادم من بعيد وأنت تريد ردّ الدابة فتُنادِيه وتصيح به : رُدّ الدابة .

10 – تحريف الكلم عن مواضِعه ! والزيادة في النصوص لتخدم أهواءهم ! يقول صاحب الشُّبْهَة:
[روى البخاري في الأدب المفرد ما نصه : حدثنا أبو نعيم قال حدثنا سفيان عن أبي اسحق عن عبد الرحمن بن سعد قال : " خدرت رجل ابن عمر فقال له رجل : اذكر أحب الناس إليك فقال : يا محمد "ا.هـ . وقد ذكر البخاري هذا الحديث تحت عنوان: "باب ما يقول الرجل إذا خدرت رجله]
أولاً : الحديث ضعيف ، ففي إسناده أبو إسحاق السبيعي ، وهو قد اختلط وتغيّر بأخرة ، وهو مُدلّس أيضا . فالحديث ضعيف كما بيّنه الشيخ الألباني في تخريج " الكلِم الطيب " وفي "ضعيف الأدب المفرَد " .
ثانياً : ليس في الحديث عند البخاري في الأدب المفرد حرف النداء ( يا ) بل ( محمد ) بدون يا النداء .
ثالثاً : لو صحّ الأثر ليس فيه مُستمسك على الاستغاثة بالأموات ولا بالتوسّل بهم ، بل غاية ما فيه ذِكْر اسم من تُحبّ .
ولم يَقُل ابن عمر – ولا غيره من الصحابة – بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد أغثني ، ولا يا محمد اشفِ مريضي ، أو اقضِ حاجاتي ، ولا حتى في هذا الحديث لم يَقُل : يا محمد أزِل الْخَدَر عن رِجْلِي !
فابن عمر رضي الله عنهما لم يَدعُ النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يسأله الشفاء ، كما يفعله بعض الجهال .
ووَرَد هذا الأثر عن ابن عباس ، وذَكَره شيخ الإسلام ابن تيمية في " الْكَلِم الطيب " وحَكم عليه الألباني بالضعف الشديد .

11 – الاستدلال بما في كُتب التواريخ دون النظر إلى مناهج مؤلِّفيها ، ودون النظر في أسانيدها
حيث جاء في السؤال :
[في كتاب البداية والنهاية لابن كثير الذي تحبه الوهابية في المجلد الذي فيه الجزء السابع والثامن ص 104-105 يذكر فيه عن بلال ابن الحارث المزني الصحابي الذي قصد قبر النبي وطلب منه ما لم تجري به العادة وتوسل به، وفيه يقول: "إن أهله طلبوا منه أن يذبح لهم شاة فقال ليس فيهِنَّ شيء فألحوا عليه فذبح الشاة فإذا عظمها حُمُرٌ فقال: "يا محمداه"]

أولاً : من يُسمّيه الكاتب ( الوهابية ) هم أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله ، وهم يُحبّون كُتُب السلف ، بل وكُتُب الْخَلَف ، ويأخذون منها ما هو نافع ، وما وافَق الحق أخذوا به

ثانياً : قال ابن كثير في البداية والنهاية :
ثم روى سيف عن مبشر بن الفضيل عن جبير بن صخر عن عاصم بن عمر بن الخطاب أن رجلا من مزينة عام الرمادة سأله أهله أن يذبح لهم شاة فقال : ليس فيهن شيء ، فألَحُّوا عليه فذبح شاة فإذا عظامها حمر فقال يا محمداه ... . اهـ .
وهذا أولاً سياق تاريخي ، وكُتُب التواريخ يَتسمّح فيها العلماء ما لا يتسمّحون في غيرها .
هذا من جهة
ومن جهة ثانية أن العلماء كانوا يَرون إبراز وإظهار الإسناد إبراء للعُهدة ، فابن كثير أحال في هذه القصة على رواية راوٍ أخباري ضعيف ، وهو سيف بن عمر . فأقواله غير معتبرة في الحديث فضلا عن أن تكون مُعتبرة في العقائد !
قال عنه الإمام الذهبي : ضَعَّفَه ابن معين وغيره .
وقال عنه ابن حجر في التقريب : سيف بن عمر التميمي ، صاحب كتاب الرِّدّة ، ويُقال : الضبي ، ويُقال غير ذلك ، الكوفي ، ضعيف الحديث ، عمدة في التاريخ ، أفحش ابن حبان القول فيه . اهـ .
فهو في الحديث ضعيف ، فلا يُستدَلّ بما رواه في الأحاديث فضلا عن أن يُستَدَلّ بما رواه في العقائد .
أما في التاريخ فأمرها يسير ، إذ لا يُبنى عليها أحكام ، ولا يُعوّل على ما في كُتُب التواريخ والسِّيَر غالباً ، ولذا قال الإمام أحمد : ثلاثة كتب ليس لها أصل : المغازي والملاحم والتفاسير .
قال الخطيب في جامِعِه : وهذا محمول على كتب مخصوصة في هذه المعاني الثلاثة غير معتمد عليها لعدم عدالة ناقليها وزيادات القصاص فيها ، فأما كتب الملاحم فجميعها بهذه الصفة ، وليس يصح في ذِكر الملاحم المرتقبة والفتن المنتظرة غير أحاديث يسيرة ، وأما كتب التفاسير فمن أشهرها كتابا الكلبي ومقاتل بن سليمان ، وقد قال الإمام أحمد في تفسير الكلبي : من أوله إلى آخره كذب . قيل له : فَيَحِلّ النظر فيه ؟ قال : لا . وقال أيضا : كتاب مُقَاتِل قريب منه . انتهى ... وأما المغازي فمن أشهرها كتب محمد بن إسحاق ، وكان يأخذ عن أهل الكتاب .
وقال الشافعي : كُتُب الواقدي كذب ، وليس في المغازي أصحّ من مغازي موسى بن عقبة . انتهى .
وكذا ما يُذْكَر من القبور بجبل لبنان في البقاع أنه قبر نوح عليه الصلاة والسلام لا أصل له ، وإنما حدث في أثناء المائة السابعة ! وكذلك القبر المشهور الذي يُنْسَب لأُبَيّ بن كعب رضي الله عنه بالجانب الشرقي من دمشق ، مع اتّفاق العلماء على أنه لم يَدخلها ، فضلا عن دفنه فيها ! وإنما مات في المدينة . وكذلك المشهد المنسوب لعبد الله بن سلام رضي الله عنه في قرية " سقبا " من الغوطة لا أصل له هنا ، وإنما مَدْفَنه بالمدينة كما ذكره العلماء المعتبرون ، منهم النووي . وكذلك المكان المنسوب لابن عمر من الجبل الذي بالمعلاة مقبرة مكة لا يصح أصلا ، وإن اتّفَقُوا على أنه تُوفّي بمكة . والمكان المنسوب لعقبة بن عامر رضي الله عنه من قرافة مصر ، بل منام رآه بعضهم بعد أزمنة متطاولة ! والمكان المنسوب لأبي هريرة رضي الله عنه بعسقلان ، إنما هو قبر حيدرة بن خيشنة على ما جَزَم به بعض الحفاظ الشاميين ، ولكن جزم ابن حبان وتبعه الحافظ ابن حجر بالأول . وكذلك المكان المشهور بالمشهد الحسيني من القاهرة فليس الحسين مَدفوناً فيه بالاتفاق ، وإنما فيه رأسه كما ذكر بعض المصريين . قال الحافظ ابن حجر : ونفاه بعضهم ، ومنهم ابن تيمية فإنه بالغ في إنكار ذلك وأطال ، كما نقله عنه السخاوي .
وقال الإمام محمد بن الجزري : لا يصح تعيين قبر نبي غير نبينا عليه الصلاة والسلام ، نعم قبر إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام في تلك القرية لا بخصوص تلك البقعة . انتهى . اهـ . نَقَله العجلوني في كشف الخفاء .

فالعقائد بل والأحكام لا تُؤخَذ من كُتُب التواريخ ابتداءً ، وإنما يُستأنس بما فيها .
وأصحاب تلك الْكُتُب لهم مناهِج وطُرُق في الرواية ، فيَروون في تلك الكُتُب ما لا يَروونه في كُتبهم الأخرى .
فابن جرير الطبري – مثلاً – لم يُعوّل على رواية " أبي مِخنف " في التفسير ، بل ولم يَلتفت إليها في كُتُبه في العقيدة ، ككتاب " صَرِيح السُّنة " .
ولكنه روى عنه في التاريخ ، في كتاب " تاريخ الأمم والملوك " ، لأن له مَنْهَجاً في التفسير وفي العقيدة غير منهجه في التاريخ .
فمن أراد الاستدلال من كُتُب أهل العلم فلا بُدّ أن يكون عالما بمناهج أهل العلم ، وإلا زَلّ فَضَلّ وأضَلّ ، وربما نَسَب إلى العالِم ما لم يَقُلْه ، وما لم يَقُل بِه .

ثم لو صَحّتْ نِسبة ذلك القول إلى الصحابي ، فليس فيه ما يُستَنَد إليه !
فقول : " يا محمداه " ليس فيه نداء استغاثة ، ولا توسّل به صلى الله عليه وسلم ، بل غاية ما فيه أن يكون كما في التشهّد " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين " ، فهو من باب استحضار الْمُخَاطَب ، لا من باب دعائه .
ويَدلّ على هذا قوله عليه الصلاة والسلام لأصحابه : إن الله هو السلام ، فإذا صلى أحدكم فلْيَقُل : التحيات لله والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ؛ فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض . رواه البخاري ومسلم .
أي أصابه ذلك السلام ، ولم يَقُل : إنكم تَدعون كل عبد صالح ، ولا أنه يسمعكم كل عبد صالح
وهذا كما يُسلّم على الأحياء يُسلّم على الأموات .
ولا يُنكَر أن يأتي آتٍ ويُسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى صاحبيه ، بل على عامة أموات المسلمين ، فالسلام مشروع من الأحياء للأحياء ، ومن الأحياء للأموات ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : لا تَقُل عليك السلام ، فإن عليك السلام تحية الموتى . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
فقول : " يا محمداه " من باب استحضار الْمُخاطَب ، وليس من باب الدعاء في شيء ، كما يقول القائل : وا مُعتَصِماه ، وهو لا يَدعو " المعتَصِم " ولا يُريد منه نُصرَة ! وكما يقول القائل : أين أنت يا صلاح الدّين ؟ فهو لا يَدعو " صلاح الدّين " ويَعلم عِلم يَقين أن صلاح الدين لا يَرجِع إلى الدنيا ، ولا يَملك لِنفسه ولا لغيره ضَرًّا ولا نفعاً ولا موتا ولا حياة ولا نشوراً .
وإنما هو يستحضر شَخص ذلك الْمُخاطَب ، وهذا أسلوب معروف عند أهل العربية .

12 – الاستدلال بحديث ربيعة بن كعب رضي الله عنه ، حيث قال :
[روى مسلم في صحيحه أن ربيعة بن كعب الأسلمي الذي خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له رسول الله من باب حُبّ المكافأة:"سلني"، فطلب من رسول الله أن يكون رفيقه في الجنة، فقال له: أسألك مرافقتك في الجنة، فلم يُنكر عليه رسول الله بل قال له من باب التواضع:" أو غير ذلك" ، فقال الصحابي : هو ذاك ، فقال له : " فأعني على نفسك بكثرة السجود " ]

وهذا حق ّلا مِرية فيه ، ولكن لا بُد لكل استدلال من أمرين :
الأول : صِحّة الدليل .
والثاني : صِحّة الاستدلال .

فالدليل صحيح لا إشكال فيه ، ولا غُبار عليه ، وإنما الاستدلال هنا لا يُسلّم لِمن استَدَلّ به .
فسؤال النبي صلى الله عليه وسلم في حياته أمراً مُمكِناً لا يُنكَر ، فهل أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم ضَمَانة إلى الجنة ؟
وهل قال له النبي صلى الله عليه وسلم : أدْخَلْتُك الجنة ؟
الجواب : لا ، فلا صُكوك غفران في الإسلام ، وإنما هذا في النصرانية وفي دِين الرافضة !
وإنما أحَالَه عليه الصلاة والسلام على عَمَلٍ يُدخِله الجنة ، وهو " كثرة السجود " .
ولذلك بوّب عليه الإمام النووي في شرح مسلم بـ " باب فضل السجود والحث عليه " .
ومع ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم مُؤيّد بالوحي ، فإذا أخبر أن شخصا بِعينه في الجنة ، فإنما يكون ذلك بما أوحاه الله إليه .
ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال لأقرب الناس إليه : يا أم الزبير بن العوام عمة رسول الله ، يا فاطمة بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئا ، سَلاني من مالي ما شئتما . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : لما أنزلت هذه الآية : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا ، فاجْتَمَعُوا ، فَعَمّ وخَصّ ، فقال : يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار ، فإني لا أملك لكم من الله شيئا ، غير أن لكم رَحِمًا سَأبُلّها ببلالها .
قال الإمام النووي : ومعنى الحديث سَأصِلُها ، شُبِّهَتْ قطيعة الرحم بالحرارة ووصلها بإطفاء الحرارة ببرودة ، ومِنه : " بُلّوا أرحامكم " أي صِلُوها . اهـ .
وفي حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم : ولكن لهم رَحِم أبُلّها ببلالها . يعني أصِلُها بِصِلَتِها . رواه البخاري .
فهذا إعلان منه صلى الله عليه وسلم لأقرب الناس إليه - فضلا عن غيرهم - أنه لا يَملِك لهم شيئاً ، إلا ما يكون من صِلَة الرّحِم ، وما كان يستطيع أن يُعطيهم من مالِه ، فقال لعمّته وابنتِه : " سَلاني من مالي ما شئتما " رواه البخاري ومسلم .
وقال لِقَرَابته : " فإني لا أملك لكم من الله شيئا ، غير أن لكم رَحِمًا سَأبُلّها ببلالها " .

13 – الاستدلال بما جاء عن موسى عليه الصلاة والسلام ، حيث قال :
[وكذلك سيدنا موسى عليه السلام سألته عجوز من بني إسرائيل أن تكون معه في الجنة ، ولم يُنكر عليها ذلك ، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها أي طلبها.. رواه ابن حبان والحاكم والهيثمي وصححوه .. ولفظ الحديث أنه قال: "دلوني على قبر يوسف ، قالت : حتى تعطيني حكمي ، قال: ما حكمك ؟، قالت : أن أكون معك في الجنة ، فَكَرِه أن يعطيها ذلك ، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها ". فماذا يقولون بعد هذا ؟؟]

أولاً : قال ابن كثير عن هذا الحديث : وهذا حديث غريب جدا ، والأقرب أنه موقوف . اهـ .

ثانياً : لم يُصحِّحه الإمام الهيثمي ، كما يُوهِمه قوله أعلاه ، بالإضافة إلى خطأ منهجي يَدلّ على ضعف علم من استدلّ به ! وهو قوله : " رواه ابن حبان والحاكم والهيثمي " فالهيثمي لا يُقال في حقِّه : رواه الهيثمي ؛ لأنه لا يَروي الحديث بإسناده ، بل يُورِده مُختَصَراً .
ومع ذلك فلم يُصحِّح الهيثمي الحديث ، بل قال فيه : ورجال أبي يعلى رجال الصحيح . اهـ .
وهذا لا يُعتَبَر تصحيحاً عند الْمُحدِّثِين ، فالْحُكم على الرِّجال ليس حُكما على الإسناد ، والْحُكم على الإسناد لا يَعني تصحيح الحديث ، فقد يكون متن الحديث مُنْكَراً ، وقد يكون مُعللاً ، وقد يكون شاذًّ ، كما هو معلوم عند أهل هذا الفنّ .
ومع ذلك فالهيثمي مُتَعّقّب في كثير من أحكامه ، ومنها هذا ، فهذا الحديث على شرط مسلم وحده ، فإن " يونس " لم يُخرِّج له البخاري في صحيحه . كما بيّنه الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " .

ثالثاً : إحقاقاً للحقّ – وحتى لا يُقال تغافل عمّن صحّح الحديث - فالحديث صحّحه الشيخ الألباني في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " .

رابعاً : فِقه الحديث :
1 - ليس فيه ما يَدلّ على دعاء الأموات ، فإن تلك المرأة سألت موسى عليه الصلاة والسلام أن تكون معه في الجنة ، فأمره الله أن يُعطيها سؤلها ، وهو أن تكون معه في الجنة ، وموسى عليه الصلاة والسلام مُؤيّد بالوحي ، فلا يُقاس غير الأنبياء على الأنبياء ، وهي لم تَطلب ذلك من يوسف عليه الصلاة والسلام وهو في قَبره مع معرفتها بِقَبْرِه ، بل طلبت ذلك من نبيّ حيّ يُوحى إليه ، وقد أوحى الله إليه أن يُعطي تلك المرأة ما سألتْ .
هذا من ناحية .
2 - ومن ناحية أخرى فإن النبي صلى الله عليه وسلم ساق تلك القصة شحذاً للهِمم ، ويُؤيِّد هذا ما جاء في أول الحديث .
قال أبي موسى رضي الله عنه : أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم أعرابياً فأكرمه ، فقال له : ائتنا . فأتاه ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : سَلْ حاجتك . قال : ناقة نركبها ، وأعْنُز يحلبها أهلي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل ؟ قالوا : يا رسول الله ، وما عجوز بني إسرائيل ؟ قال : إن موسى عليه السلام لما سار ببني إسرائيل من مصر ضَلُّوا الطريق ، فقال : ما هذا ؟ فقال علماؤهم : إن يوسف عليه السلام لما حضره الموت أخذ علينا مَوثِقاً من الله أن لا نَخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا . قال : فمن يعلم موضع قبره ؟ قال : عجوز من بني إسرائيل ، فَبَعَثَ إليها ، فأتته ، فقال : دُليني على قبر يوسف . قالت : حتى تعطيني حُكمي . قال : وما حكمك ؟ قالت : أكون معك في الجنة . فَكَرِه أن يُعْطِيها ذلك ، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها ، فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ماء ، فقالت : أنضبوا هذا الماء فأنْضَبوه ، فقالت : احتفروا ، فاحتفروا ، فاسْتَخْرَجُوا عظام يوسف ، فلما أقَلّوها إلى الأرض وإذا الطريق مثل ضوء النهار .
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم كَرِه سؤال الأعرابي واقتصاره على متاع دنيوي زائل ، فأراد تعليق هِمم الناس بالنعيم المقيم ، فَضَرَب مثالا بتلك العجوز التي لم تسأل موسى عليه الصلاة والسلام شيئا من متاع الدنيا ، وإنما سألته أن تَكون معه في الجنة .
3 - ثم إن في هذه القصة ما يَرُدّ على من يَدعو الأموات ، أو يتوسّل بالأنبياء ، فإن تلك العجوز ، بل بني إسرائيل لم يتوسّلوا بنبي الله يوسف عليه الصلاة والسلام ، ولا تبرّكوا به ، ولا ذُكِر أن تلك العجوز كانت تأتي مكانه – وهي تَعْلَمه – لتسأل حوائجها !
فَدَلّ هذا على منع التوسّل بالأموات ، ولو كان ذلك جائزاً لكان موسى عليه الصلاة والسلام قد دَلّ الناس عليه ، خاصة مع كثرة أنبياء بني إسرائيل ، وإخراجهم لِجَدَث يوسف عليه الصلاة والسلام .

14 – الاستدلال بِفعل عائشة في وضع قطعة من قميصه عليه الصلاة والسلام معها في قبرها ، حيث قال حيث قال صاحب الشُّبْهَة : [روى الإمام مرتضى الزبيدي في شرح الاحياء ( 10/ 333 ) عن الشعبي قال حضرت عائشة رضي الله عنها فقالت : إني قد أحدثت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثا ولا أدري ما حالي عنده فلا تدفنوني معه ، فاني أكره أن أجاور رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أدري ما حالي عنده ثم دعت بخرقة من قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : ضعوا هذه على صدري وادفنوها معي لعلي أنجو بها من عذاب القبر]

ولا يُنكَر التبرّك به عليه الصلاة والسلام في حياته ، والتبرّك بآثاره بعد وفاته ، وهذا ثابت عن غير واحد من الصحابة .
أما في حال حياته صلى الله عليه وسلم فالأحاديث والآثار الواردة في ذلك كثيرة جداً ، منها التبرّك بِشَعْرِه صلى الله عليه وسلم وآثاره ، من فَضْلَة وضوء ، ومِن فَضْلَة سؤر ، ومن تبرّك بريقه صلى الله عليه وسلم في تحنيك المواليد ، إلى غير ذلك ، مما هو معلوم مُتّفق عليه بين الجميع
وأما تبرّك الصحابة بآثاره بعد موته صلى الله عليه وسلم ، أو طَلَب البركة في آثاره صلى الله عليه وسلم لتكون مع أحدهم في قبره ، فكثير أيضا ، ومن ذلك :
ما رواه البخاري من حديث سهل بن سعد قال : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِبُرْدَة ، فقالت : يا رسول الله أكسوك هذه ، فأَخَذَها النبي صلى الله عليه وسلم مُحْتاجًا إليها فلبسها ، فرآها عليه رجل من الصحابة ، فقال : يا رسول الله ما أحسن هذه فاكْسُنِيها ، فقال : نعم ، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامَـهُ أصحابه ، قالوا : ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم أخذها مُحتاجًا إليها ثم سألته إياها ، وقد عَرَفْتَ أنه لا يُسْأل شيئا فيمنعه ، فقال : رَجَوتُ بَركَتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لَعَلِّي أُكَفَّن فيها .

وروى البخاري من طريق ثمامة عن أنس أن أم سليم كانت تبسط للنبي صلى الله عليه وسلم نِطْعًا فيقيل عندها على ذلك النطع . قال : فإذا نام النبي صلى الله عليه وسلم أخَذَتْ مِن عَرَقِه وشَعْرِه فجمعته في قارورة ، ثم جمعته في سُكّ . قال : فلما حضر أنس بن مالك الوفاة أوصى إليّ أن يُجِعَل في حَنوطه من ذلك السُّك . قال : فَجُعِل في حَنوطه . ورواه مسلم مُختَصراً .

قال ابن حجر في فتح الباري : قوله : " أخَذَتْ مِن عَرَقِه وشَعْرِه فجعلته في قارورة " في رواية مسلم : " في قوارير " ولم يَذكر الشعر ، وفي ذكر الشعر غرابة في هذه القصة ، وقد حمله بعضهم على ما ينتثر من شَعْرِه عند التَّرَجّل ، ثم رأيت في رواية محمد بن سعد ما يزيل اللبس ، فإنه أخرج بسند صحيح عن ثابت عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم لما حَلَق شَعْرَه بِمِنى أخذ أبو طلحة شعره فأتى به أم سليم ، فجعلته في سُكّها . قالت أم سليم : وكان يجيء فَيَقِيل عندي على نَطع ، فَجَعَلْتُ أسْلُت العرق .. الحديث . فيُسْتَفاد من هذه الرواية أنها لما أخذت العرق وقت قيلولته أضافته إلى الشعر الذي عندها ، لا أنها أخذت من شَعْرِه لما نام . ويستفاد منها أيضا أن القصة المذكورة كانت بعد حجة الوداع ، لأنه صلى الله عليه وسلم إنما حَلَق رأسه بِمِنى فيها . اهـ .

هذا على سبيل المثال لا الْحَصْر ، والآثار كثيرة في الباب .
ولا يُمكن التبرّك بما يُنسَب إليه صلى الله عليه وسلم من أثر من شَعر أو غيره في زماننا هذا ، لِعدَم اليقين بأن هذه من شَعره ، أو تلك من ثوبه وقميصِه صلى الله عليه وسلم .
ولأن من وجد شيئا من آثاره عليه الصلاة والسلام لا يُؤثِر بها غيرَه ، ولذا قال ابن عباس رضي الله عنهما للنبي صلى الله عليه وسلم : ما كنت لأوثِر بنصيبي منك أحداً يا رسول الله . رواه البخاري ومسلم .
هذا من جهة .
ومِن جِهة أخرى من يستطيع أن يَجزم في الأزمنة المتأخِّرة أن ما وُجِد ونُسِب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه من آثاره عليه الصلاة والسلام فِعلاً ؟
ونُدرة آثاره عليه الصلاة والسلام كانت في القرون الفاضلة ، ويَدلّ عليه ما رواه البخاري عن ابن سيرين قال : قلت لَعَبِيدة : عندنا من شعر النبي صلى الله عليه وسلم أصبناه من قِبَلِ أنس ، أو مِن قِبَلِ أهل أنس . فقال : لأن تكون عندي شَعْرَة منه أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها .
وهذا في زمن التابعين ، وهم أقرب الناس إلى الصحابة .

وفي زمان الخليفة المهدي جاءه رجل وفي يده نعل ملفوف في منديل ، فقال :
يا أمير المؤمنين ، هذه نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أهديتها لك !
فقال : هاتها .
فدفعها الرجل إليه ، فقبّـل باطنها وظاهرها ، ووضعها على عينيه ، وأمَرَ للرجل بعشرة آلاف درهم ، فلما أخذها وانصرف ، قال المهدي لجلسائه :أترون أني لم أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَرها فضلا علن أن يكون لبسها ؟! ولو كذّبناه لقال للناس : أتيت أمير المؤمنين بنعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فردّها عليّ ، وكان من يُصدّقه أكثر ممن يدفع خبره ، إذ كان من شأن العامة ميلها إلى أشكالها ! والنصرة للضعيف على القوي وإن كان ظالما ! فاشترينا لسانه وقبلنا هديته وصدّقناه !ورأينا الذي فعلناه أنجح وأرجح .

فيُقال لمن زَعم أن ذلك الثر من آثاره صلى الله عليه وسلم : أثبِتْ العرش ثم انقُش !
أثبت أولاً أن ذلك الأثر من آثاره صلى الله عليه وسلم ونحن نوافقك على التبرّك به .

15 – قال في الشُّبْهَة : [روى الحافظ الخطيب البغدادي في تاريخه بإسناده إلى علي بن ميمون قال : سمعت الشافعي يقول: إني لأتبرك بأبي حنيفة وأجيء إلى قبره في كل يوم ، يعني زائرا ، فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين وجئت إلى قبره وسألت الله تعالى الحاجة عنده ، فما تبعد عني حتى تقضى . اهـ . تاريخ بغداد -(1/123) ]

أولاً : يُقال مثل ما قيل عن كتاب " البداية والنهاية " ، فكُتُب التواريخ لأصحابها مناهج في إيراد الروايات ، ولا يتم الاستدلال إلا بمعرفة مناهج أصحابها .

ثانياً : في إسناد هذه القصة من لا يُعرَف ، فالذي يظهر عدم ثبوت ذلك عن الإمام الشافعي .

ثالثاً : غاية ما في هذه القصة أنها فِعل عالم ، وأفعال العَالِم وأقواله تُعْرَض على الكتاب والسُّنَّة ، وتُوزَن بهما .
وكلام العالِم يُسَتَدَلّ له ، ولا يُستَدَلّ به .
وكلام العالِم يُحَتَجّ له ، ولا يُحتَجّ به .
وإلا لزِم ادِّعاء العصمة للعالم والإمام ، كما تفعل الرافضة !

ثم إن الصحابة والتابِعين أفضل ممن جاء بعدهم ، ولم يأتِ أحد منهم إلى قبر أفضل الْخَلْق صلى الله عليه وسلم يَتَبرّك به ، أو يسأل الله الحاجة عنده ، أو يَدعو عند قبره صلى الله عليه وسلم ، ولم يثبت عن أهل القرون الفاضلة من ذلك شيء .

16 – الاستدلال بِفعل الإمام مالك رحمه الله .
حيث قال صاحب الشُّبْهَة : [ قال الإمامِ مالكٍ للخليفةِ المنصورِ لما حَجَّ فزارَ قبرَ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وسألَ مالكًا قائلاً: "يا أبا عبدِ الله أستقبلُ القِبلَةَ وأدعو أم أستقبلُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : وَلِمَ تَصرِفُ وجهَكَ عنه وهو وَسيلَتُكَ ووسيلةُ أبيكَ آدم عليه السلام إلى الله تعالى؟ بل استقبِلهُ واستشفع بهِ فيشفّعهُ الله" ذكرهُ القاضي عياضٌ في كتابِ الشّفا]

أولاً : هذه الرواية لم تثبت ولم تَصِحّ عن الإمام مالك رحمه الله ، فإن الذي رواها هو محمد بن حُميد ، وهو ضعيف .
ولو صَحّت القصّة لم تَكن تَخفى على علماء المالكية ، خاصة وأن منهم مُفسِّرين ، كابن عطية والقرطبي وابن جُزيّ وغيرهم ، ومع ذلك لم يُشيروا إلى هذه الحكاية في تفاسيرهم .

ثانياً : يُقال في هذا ما قيل في سابقِه ، من أن فِعل العَالِم وقوله يُحتَجّ له ، ولا يُحتَجّ به ، هذا لو صحّت القِصّة .
وقد اشتهر عن الإمام مالك رحمه الله أنه كان يقول : كل أحد يُؤخذ من قَولِه ويُرَدّ عليه إلا صاحب هذا القبر صلى الله عليه وسلم .
وجاء هذا المعنى عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وعن مُجاهد رحمه الله ، كما تقدّم .

ثالثاً : الإمام مالك رحمه الله من اشد الناس في ردّ البِدَع وذمّها ، وكان يَنهى ويَزجُر عن إحداث أمر لم يَكن عليه عَمَل السَّلَف ، فقد أمر بِسَجن أحد العلماء – ولم يَعرِفه – لما ألْقَى ثوبه بين يديه حال الصلاة !

رابعاً : هذا يُخالِف ما اشتُهر عن الإمام مالك رحمه الله مِن نَهيِه عن استقبال القبور عند الدعاء ، ففي المبسوط : قال مالك : لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن لِيُسَلِّم ويمضي .
ونص أحمد أنه يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره لئلا يستدبره ، وذلك بعد تحيته والسلام عليه ؛ فظاهر هذا أنه يقف للدعاء بعد السلام . وذكر أصحاب مالك أنه يدعو مستقبلا القبلة يوليه ظهره ، وبالجملة فقد اتفق الأئمة على أنه إذا دَعَـا لا يَستقبل القبر . نَقَله الشيخ سليمان بن عبد الله في شرح كتاب التوحيد .

خامساً : وهو يُخالِف نَهْيَه صلى الله عليه وسلم عن اتِّخاذ قبره عيداً ومسجداً .
روى ابن أبي شيبة من طريق علي بن عمر عن أبيه عن علي بن حسين أنه رأى رجلا يجيء إلى فُرْجَة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو ، فَدَعَاه ، فقال : ألا أُحَدِّثُك بحديث سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا تتخذوا قبري عيدا ، ولا بيوتكم قبورا ، وصَلُّوا عَليّ فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم .

فهذا ما فهمه أئمة آل البيت رضي الله عنهم مع قُربِهم منه عليه الصلاة والسلام .
فهل يَزعُم زاعِم أن أئمة آل البيت كانوا لا يُحبّون رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
سبحانك هذا بهتان عظيم .

قال ابن القيم رحمه الله : وهذا أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنهما نَهَى ذلك الرجل أن يَتَحَرّى الدعاء عند قبره ، واستدل بالحديث وهو الذي رواه وسَمِعَه من أبيه الحسين عن جده علي رضي الله عنه - وهو أعلم بمعناه من هؤلاء الضُّلاّل - وكذلك ابن عمه الحسن بن الحسن - شيخ أهل بيته - كَرِهّ أن يَقْصد الرجل القبر إذا لم يكن يريد المسجد ، ورأى أن ذلك من اتخاذه عيدا .
قال شيخنا [ يعني ابن تيمية ] : فانظر هذه السنة كيف مَخْرَجها من أهل المدينة ، وأهل البيت الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قُرْب النسب وقُرْب الدار ؛ لأنهم إلى ذلك أحوج من غيرهم ، فكانوا له أضبط . اهـ .

17 – الاستدلال بالحديث الموضوع المكذوب بِدعوى محبته صلى الله عليه وسلم ! حيث يقول صاحب الشُّبْهَة :
[في الحديثِ الذي رواه السيوطي وغيره أن آدمَ عليه السلامُ لما أكلَ من الشجرةِ قالَ: "يا رب أسألُكَ بحقِّ محمدٍ إلا ما غفرتَ لي". قال: "وكيف عرفتَ محمداً ولم أخلقْهُ". قالَ : "رفعتُ رأسي إلى قوائِمِ العرشِ فوجَدْتُ مكتوباً : لا إله إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ فعَرَفتُ أَنَّكَ لم تُضِفْ إلى اسمِك إلا أحبَّ الخلقِ إليكَ". بهذا الحديثِ يُسْتَدَلُّ على التوسلِ ومشروعِيَّتِهِ]

أولاً : الحديث موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما بيّنه الشيخ الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة .
وقد صَحَّح الحاكم هذا الحديث فتعقّبه الإمام الذهبي ، بقوله :
قال : صحيح . قُلتُ : بل موضوع ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم المذكور في إسناده واهٍ .
قال الحاكم : وهو أول حديث ذكرته له في هذا الكتاب . قلتُ [ أي الذهبي ] : وفيه عبد الله بن مسلم الفهري ، ولا أدري من هو . اهـ .
وفي تخريج وتحقيق " مختصر استدراك الحافظ الذهبي على مستدرك أبي عبد الله الحاكم " لابن الملقِّن ما نصّه :
الْحُكم على الحديث :
قلتُ : مما تقدّم يتبيّن أن عبد الرحمن بن زيد ضعيف ، وأما عبد الله بن مسلم ، فالظاهر أنه ابن رشيد مُتّهم بِوضع الحديث ، فعليه يكون الحديث بهذا الإسناد موضوعاً ... ورواية الحاكم لهذا الحديث مما أُنْكِر عليه ، فإنه نفسه قد قال في كتاب " الْمَدْخَل " : عبد الرحمن بن زيد بن أسلم رُوى عن أبيه أحاديث موضوعة لا يَخْفَى على من تأمّلها من أهل الصَّنْعَة أن الْحَمْل فيها عليه . اهـ .

وقد ضعّفه غير واحد من أهل العلم .
ففي تاريخ مدينة دمشق لحافظ ابن عساكر : قال البيهقي : تَفَرَّد به عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من هذا الوجه ، وهو ضعيف . والله أعلم . اهـ .
وقال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط والصغير ، وفيه من لم أعرفهم . اهـ .

فانظر إلى من يدّعي محبة النبي صلى الله عليه وسلم كيف يُشارِك في الكذب عليه ، وذلك بِنَشْر الحديث الموضوع المكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ونشر الحديث الموضوع ذَنْب وخطيئة تجب التوبة منها .
قال الإمام الذهبي في ترجمة " أبي نُعيم " : وما أبو نعيم بِمُتَّهَم بل هو صدوق عالم بهذا الفن . ما أعلم له ذنبا - والله يعفو عنه - أعظم من روايته للأحاديث الموضوعة في تواليفه ، ثم يَسْكُت عن توهيتها . اهـ .
فَقَبّح الله من يستدلّ بالحديث الموضوع على بِدعة مُحدَثَة ، يَزعم بها نُصرة النبي صلى الله عليه وسلم ومحبته !
فبَطَل قوله : [بهذا الحديثِ يُسْتَدَلُّ على التوسلِ ومشروعِيَّتِهِ] بل لا يجوز نشر هذا الحديث ولا ذِكره إلا على سبيل التحذير ، فكيف يُسَتَدلّ به ؟؟!

وسبق الجواب عن سؤال :
ما صحة حديث : أن آدم عليه السلام قد توسل برسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
http://www.almeshkat.net/index.php?pg=fatawa&ref=832

18 – الاستدلال بِحديث الأعمى ، حيث يقول صاحب الشُّبْهَة : [روى الطبراني في المعجم الكبير والصغير أن الرسول علم رجل أعمى أن يتوسل به علمه أن يقول: "اللهم إني أسألك وأتوجه بنبيك محمد نبي الرحمة .. يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي في حاجتي لتقضي لي". قال الطبراني والحديث صحيح]

الحديث صحيح ، والاستدلال به بهذه الطريقة غير صحيح .
لا يصح في التوسّل به صلى الله عليه وسلم إلا حديث الأعمى .
وحديث الأعمى رواه الترمذي وابن ماجه النسائي في الكبرى عن عثمان بن حنيف أن رجلا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ادعُ الله أن يعافيني . قال : إن شئتَ دعوت ، وإن شئتَ صبرت فهو خير لك . قال : فادْعُه . قال : فأمره أن يتوضأ فيحسن وضوءه ويدعو بهذا الدعاء : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي ، اللهم فَشَفِّعْه فِيَّ .
وفي رواية :
فقال : يا رسول الله ادع الله أن يكشف لي عن بصري . قال : أو أدَعُك ؟ قال : يا رسول إنه شقّ علي ذهاب بصري . قال : فانطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل : اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيي محمد نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك أن يكشف لي عن بصري شفعه فيّ وشفعني في نفسي ، فَرَجَع وقد كَشَفَ له عن بصره .
وهذا ليس فيه دليل ولا مستمسك لمن يتوسّل بجاه النبي صلى الله عليه وسلم
بل فيه شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الرجل ، فقد سأل الله عز وجل أن يُشفّع النبي صلى الله عليه وسلم فيه ، وذلك في حال حياته دون مماته .
والذي دلّ على هذا أن من الصحابة من عَمِي وأُصِيب في بصره ، ولم يأتِ إلى قبره صلى الله عليه وسلم بعد وفاته عليه الصلاة والسلام فيدعو بهذا الدعاء .
فابن عباس رضي الله عنهما من علماء هذه الأمة ، وهو ابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقد أُصيب ببصره وعَمِي في آخر عمره ، ولم يأتِ إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم يستشفع به ، ولم يصحّ عن واحد من أصحابه أنه فَعَل ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم .

قال ابن عبد البر في ترجمة ابن عباس هو القائل ما روي عنه من وجوه :
إن يأخذ الله من عينيّ نورهما *** ففي لساني وقلبي منهما نور

فبَطَل بذلك قول السُّبكي الآتي بعد ذلك .
19 – قول السُّبْكي ، حيث أوْرَدَ صاحب الشُّبْهَة عن السبكي قوله :
[ويحسن التوسل والاستعانة والتشفع بالنبي إلى ربه ، ولم ينكر ذلك أحد من السلف حتى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك وعدل عن الصراط المستقيم وابتدع ما لم يفعله عالم قبله وصار بين أهل الإسلام مُثلة ]
أقول :
بل لا يُعرَف ذلك عن السَّلَف ، أي الاستشفاع به صلى الله عليه وسلم ، ولا التوسّل بشخصه عليه الصلاة والسلام ، ولا بِجاهه صلى الله عليه وسلم .
فالصحابة رضي الله عنهم منهم من أصابه المرض ، ومنهم من عَمِي ، بل وقع بينهم الْخِلاف ، ومنهم من شكَا غربته وكُربته ،ولكنه لم يشكُها إلا إلى الله ، امتثالاً لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله . رواه الإمام أحمد والترمذي .

فالْمُحَدَّث الْمُلْهَم عمر رضي الله عنه شكا حاله عند الكبر ، وإنما شكاه إلى الله لا إلى أحد مِن خلْقِه .
روى الإمام مالك في الموطأ وعبد الرزاق في المصنّف والحاكم في المستدرك من طريق سعيد بن المسيب قال : لما صَدَر عمر بن الخطاب عن مِنى في آخر حجّة حجها أناخ بالبطحاء ثم كوّم كومة ببطحاء ثم طَرَح عليها صنفة ردائه ثم استلقى ومَدّ يديه إلى السماء فقال : اللهم كبر سني ، وضَعُفَتْ قوتي ، وانتشرت رعيتي ، فاقبضني إليك غير مُضَيّع ولا مُفَرِّط .

واشتهر عن عليّ رضي الله عنه قوله : أشكو إلى الله عجري وبُجَري .قال الأصمعي : يعني همومي وأحزاني .

وهذا هو دِين الأنبياء ، فإبراهيم عليه الصلاة والسلام حينما أُلْقِي في النار لم يَزِد على قول : حسبنا الله ونعم الوكيل .
قال ابن عباس : (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقى في النار ، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا : (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) . رواه البخاري .
ويعقوب عليه الصلاة والسلام إنما شَكا حُزنه وبثّ شكواه إلى مولاه ، فقال : (إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ) .
وهذا هو دِين النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن الله تبارك وتعالى قال : (وَلَوْ أَنَّهُمْ رَضُوا مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ سَيُؤْتِينَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَرَسُولُهُ إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاغِبُونَ) .
فَنَسَب الإيتاء والإعطاء إلى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أما الكفاية – وهي الْحَسْب – فنسبها إلى الله وحده (وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ) .
ومثله ما جاء في أجوبة أسئلة الناس ، فإن الله وَكَل الجواب فيها إلى رسوله صلى الله عليه وسلم
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ ... ) الآية .
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ ... ) الآية .
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ ... ) الآية .
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ ... ) الآية .
(وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ ... ) الآية .
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ ... ) الآية .
وهكذا في سائر أسئلة الناس يأتي الجواب من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم آمراً إياه أن يقول للناس كذا وكذا .
فـ (قُلْ) خِطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقول وأن يُبلِّغ الجواب .
إلا في مسألة واحدة ، وهي الدعاء ، فإن الله تبارك وتعالى قال : (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) فلم يأتِ بـ(قُلْ) لئلا يَتوهّم مُتوهِّم أن النبي صلى الله عليه وسلم واسطة بين الْخَلْق والْحَقّ سبحانه وتعالى في الدعاء ، وإنما أتى بصيغة التوكيد (فَإِنِّي) ثم أخبر عن نفسه أنه قريب مُجيب ، فما على الداعي إلا أن يَدعو الله (فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) .
ولأن الدعاء عبادة محضة لا يَصلُح فيها واسطة بين العبد وبين ربِّه جل جلاله ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : الدعاء هو العبادة . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه .
فشيخ الإسلام ابن تيمية لم يأتِ بِبِدْعٍ من القول ، ولم يَعدِل عن الصراط المستقيم ، بل مشى على ما كان عليه سَلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين .
فلا يَصِحّ عن واحد من الصحابة أنه أتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم يَدعوه أو يتوسّل به أو يطلب منه قضاء الحوائج ، بل لما أرادوا الاستسقاء طلبوا من العباس عمّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يَدعو لهم ، ولم يَعدِلوا عن الإتيان إليه صلى الله عليه وسلم في قبره إلا لِما تقرّر عندهم أنه لا يجوز دعاء الأموات ولا التوسّل بهم ، وقد تقدم هذا المعنى .
وعداء السُّبكي لابن تيمية يَعرفه أهل العلم ! وذلك لاختلاف المشارِب بينهما !

20 – قوله : [ثبت أن خبيبَ بن عدى الصحابي حين قُدّم للقتل نادى : يا محمّد . رواه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني]
وأين إثبات ذلك ؟
وقد تقدّم قول الإمام الذهبي في ترجمة " أبي نُعيم " : وما أبو نعيم بِمُتَّهَم بل هو صدوق عالم بهذا الفن . ما أعلم له ذنبا - والله يعفو عنه - أعظم من روايته للأحاديث الموضوعة في تواليفه ، ثم يَسْكُت عن توهيتها . اهـ .

وفي إسناد هذه القصة عند أبي نُعيم في الْحِلية " الهيثم بن عدي " نَقَل ابن عدي في الكامل عن يحيى بن معين قال : الهيثم بن عدي كوفي ليس بثقة ، كان يكذب .
ونَقَل عن البخاري قوله فيه : سكتوا عنه .
ونَقَل عن النسائي قوله : الهيثم بن عدي متروك الحديث .
فمثل هذا تكون روايته موضوعة مكذوبة .

فكيف يُقال : [ ثَبَت .. ] ؟؟ هذا إيهام للقراء ، وعدم أمانة في النقل .

فهذا يُوجِب ردّ قوله ، واطِّراح ما يقوله ، وعدم الركون إلى ما ينقله .

21 – الاستدلال بقول خالد بن الوليد رضي الله عنه ، حيث يقول صاحب الشُّبْهَة : [خالد بن الوليد رضي الله عنه كان شعار كتيبته يوم اليمامة "يا محمداه" فخالد نادى بذلك ونادى بندائه الجيش فهل يكون هذا إلا إقرارًا من هذا الجيش الكريم على تصويب ما أمر به خالد رضي الله عنه وقد كان في الجيش من الحفاظ والعلماء والبدريين وعِليَة الصحابة رواه ابن الأثير في الكامل]

أقول :
أولاً : هذا منقول من كُتُب التواريخ ، وقد سبق التنبيه على مناهج كُتُب التواريخ أكثر من مرّة
وقد رواه ابن جرير الطبري في تاريخه بإسناده من طريق شيخه محمد بن حُميد ، وهو ضعيف ، فالرواية على هذا ضعيفة ، يُستأنس بها في التواريخ ، ولا يُعتَمد عليها في العقائد .

ثانياً : لو صحّ هذا فإنه – كما تقدّم – من باب استحضار المخَاطَب فحسب .

ثالثاً : لو صحّ هذا فلا يُمكن الاستدلال به على التوسّل ، لأن خالداً رضي الله عنه لم يَقُل : يا محمد انصرني . ولم يَقُل : يا محمد أغثني ! بل غاية ما فيه أن جعلوا شعارهم " يا محمداه" ، وهو كقول : وا إسلاماه ، ونحوها ، كما تقدّم .

22 – قوله : [وتوسل عمر بن الخطاب بالعباس رضي الله عنه لما استسقى الناس وغير ذلك مما هو مشهور فلا حاجة إلى الإطالة بذكره والتوسل الذي في حديث الأعمى قد استعمله الصحابة السلف بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وفيه لفظ "يا محمَّد"، وذلك نداء عند المتوسل]

أقول : الدعاوى أسهل ما يكون !
وقد تقدّم الجواب عن فِعل عمر رضي الله عنه مع العباس رضي الله عنه ، وليس فيه توسّل بِميّت ، ولم يتوسّل عمر رضي الله عنه بالعباس بشخصه فحسب ، بل بِدعائه ، فَطَلب من العباس رضي الله عنه أن يَدعو لهم ، وهذه حُجة عليهم لا لهم .
فلو توسّل عمر بالعباس لقال : اللهم إنا نتوسّل إليك بالعباس فاسقنا ، ولم يأمره بالدعاء .
وقد ثبت أن عمر رضي الله عنه قال للعباس : قم يا عباس فادعُ . وقد تقدّم .
وحديث الأعمى تقدّم أيضا .
ولم يستعمله الصحابة كما زعم صاحب الشُّبْهَة ، بل لا يُعرف هذا عن الصحابة رضي الله عنهم
فأين هي الأسانيد الصحيحة والثابتة عن الصحابة رضي الله عنهم في أنهم استعملوا حديث الأعمى ، وأنهم توسّلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته ، أو طلبوا منه قضاء الحاجات ، أو تفريج الكُرُبات ؟
لا يثبت عن واحد من الصحابة من ذلك حرف واحد في ذلك ، ولو وَجدوا حرفا واحدا عن صحابي واحد لرفعوا الأعلام ، ونادَوا في الأنام على ذلك !

23 – التلبيس المتكرر على الناس ، حيث يقول صاحب الشُّبْهَة : [الأحاديث الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم كان من دعائه :"اللهمّ إني أسألك بحقّ السائلين عليك" وهذا توسّل لا شكّ فيهِ وكان يُعلّم هذا الدّعاء أصحابَه ويأمرهم بالإتيانِ]
تقدّم بيان ضعف الحديث ، والجواب عنه لو صحّ ، مع أنه لم يصِحّ ، بل هو حديث ضعيف .

24 – تكرار التلبيس وتصحيح ما ليس بصحيح !
حيث يقول : [وصحّ عنه أنه صلى الله عليه وسلم لما ماتت فاطمة بنت أسد أمّ عليّ رضي الله عنها ألحدها صلى الله عليه وسلم في القبر بيده الشريفة وقال:" اللهمَّ اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ووسّعْ عليها مدخلها بحقّ نبيّك والأنبياء الذين من قبلي إنك أرحم الراحمين]

فقوله : [ صَحّ عنه .. ] هذا تصحيح منه للحديث ، وهو حديث ضعيف .
قال الهيثمي في الْمَجْمَع : رواه الطبراني في الكبير والأوسط ، وفيه روح بن صلاح وثَقه ابن حبان والحاكم ، وفيه ضعف ، وبقية رجاله رجال الصحيح . اهـ .

والحديث قد ضعّفه ابن الجوزي في العلل المتناهية بقوله : تَفَرّد به " روح بن صلاح " وهو في عِداد المجهولين ، وقد ضَعَّفَه ابن عدي . اهـ .

فقوله : [ وصَحّ عنه .. ] مُخالِف للأمانة العلمية ، وتلبيس على القرّاء !

25 – قوله : [وقد ذَكَرَ الحافظُ الجزريُّ وهو شيخُ القرَّاءِ وكانَ من حفَّاظِ الحديثِ في كتابٍ له يُسمَّى الحصن الحصين وكذلكَ ذكرَ في مختصرهِ قال: "مِن مواضِعِ إجابةِ الدُّعاءِ قبورُ الصّالحينَ" ا.هـ، وهذا الحافظُ جاءَ بعد ابن تيمية بِنحوِ مائةِ سنةٍ، ولم يُنكِر عليه العلماءُ إلا أن يكونَ بعض الشَّاذّين الذين لَحِقوا نفاةَ التَّوسُّلِ من أتباعِ ابن تيمية]

سبق القول بأن كلام العالِم يُعرَ على الكتاب والسنة ، ويُوزَن بميزان الكتاب والسُّنَّة .
وأن كلام العالِم يُحتَجّ له ، ولا يُحتَجّ به .
وأن كلام العالِم يُسْتَدَلّ له ، ولا يُسْتَدَلّ به .

وهذا الاستدلال مثل الاستدلال بأفعال المشركين ! حيث كانوا يَدعون أصنامهم فربما استُجيب لهم استدراجاً ، وربما لبّس عليهم الشيطان فكلّمهم من خِلال تلك الأصنام فيزدادون غَيا إلى غيِّهم ، وضلالاً إلى ضلالهم .

وأما قوله : [ولم يُنكِر عليه العلماءُ إلا أن يكونَ بعض الشَّاذّين الذين لَحِقوا نفاةَ التَّوسُّلِ من أتباعِ ابن تيمية]
فابن تيمية رحمه الله لم يَنْكِر التوسّل جُملة وتفصيلا ! بل أنكَر التوسّل الممنوع ، وأما التوسّل المشروع فهو لا يُنكِره ، بل يُقرّه ويُثبته ويَدعو إليه .
ولو تأمّلت في أحوال أصحاب التوسّل البِدْعِيّ لرأيت أنهم لا يتوسّلون إلا التوسّل الممنوع ! فلا يَكادون يَعرفون التوسّل المشروع !
والتوسّل المشروع هو التوسّل إلى الله بأسمائه وصفاته وبمحبة نبيِّه صلى الله عليه وسلم وبالأعمال الصالحة .
وأما نفي التوسّل الممنوع والمنع منه ، فلم يَنفرد به ابن تيمية – كما يُوهمه قول القائل – ولم يَشُذّ به ، وإنما أراد هؤلاء تشويه صورة ذلك العالم الرباني الذي حارب البِدع وأهلها ! فوصَفُوه بالشذوذ لتنفير الناس منه ومن أقواله !

ونفي التوسّل الممنوع هو ما دلّ عليه الكتاب والسُّنَّة .
فَمِن الكتاب العزيز قول رب العزة سبحانه : (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً (56) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا) .
وقرأ ابن مسعود : { أولئك الذين تدعون ..}
وهذا في ذم ما كان عليه أهل الشرك من توسّل ممنوع !
قال ابن جُزيّ في تفسيره : المعنى أن أولئك الآلهة الذين تَدعون من دون الله يَبتغون القُرْبَة إلى الله ويرجونه ويخافونه ، فكيف تعبدونهم معه ؟ . اهـ .

ومن السُّنَّة قوله صلى الله عليه وسلم : إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله . رواه الإمام أحمد والترمذي .
ولم يَقُل عليه الصلاة والسلام فاسألوا الله بِجاهي ، أو تَوسّلوا بي . بل أمَر بسؤال الله مُباشَرة .

وخلاصة القول :

أنه لم يثبت خبر ولا أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه بل ولا عن أحد من التابعين في التوسّل الممنوع ، ولا في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، أو الاستغاثة به عليه الصلاة والسلام بعد وفاته .
وما صحّ من خبر فليس فيه التوسّل به صلى الله عليه وسلم ولا بِجاهِه ، ولا الاستغاثة به عليه الصلاة والسلام ، ولا طلب قضاء الحوائج ، أو كشف الكروب ، أو شفاء المرضى .

واسأل الله أن يُرينا الحق حقا ويُوفّقنا لاتِّبَاعِه ، ويُرينا الباطل باطلا ويُوفّقنا لاجتنابِه .
والله تعالى أعلم .

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 06:22 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
حُـكم الدفّ للرجال والنساء في غير الأعراس

الحمد لله الذي شرع لعباده ديناً قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين .
والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين ، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين .
أما بعد :
فقد جرى بيني وبين بعض إخواني حديث ونقاش حول مسألة ضرب الدفوف للرجال ، ثم تطرقنا لمسألة ضرب الدفوف بالنسبة للنساء .
فكان هذا البحث المختصر بعد ذلك .
فأقول وبالله التوفيق :

الأصل في ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : فصل ما بين الحلال والحرام الصوت بالدف . رواه أحمد وغيره ، وحسنه الألباني .

وقوله عليه الصلاة والسلام : أعلنوا النكاح . رواه ابن حبان وغيره ، وحسنه الألباني .
وروى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها زفّـت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : يا عائشة أما كان معكم لهو ؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو .

كما روى البخاري عن الرُّبيِّع بنت مُعوَّذ رضي الله عنه أنها قالت : دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم غداة بُني عليّ ، وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية : وفينا نبي يعلم ما في غد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقولي هكذا ، وقولي ما كنت تقولين .
وهذا إنما كان في عرس الرُّبيِّع بنت مُعوَّذ رضي الله عنها .

وكان عمر رضي الله عنه إذا استمع صوتا أنكره وسأل عنه ، فإن قيل عرس أو ختان أقـرّه . رواه معمر بن راشد في كتاب الجامع وابن أبي شيبة .
وفي رواية للبيهقي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا سمع صوتا أو دُفّـاً قال : ما هذا ؟ فإن قالوا : عرس أو ختان صمت .
ففسّرت رواية البيهقي الصوت الذي يُنكره عمر رضي الله عنه ، وأنه صوت الدفّ .

وعن عامر بن سعد قال : دخلت على ابن مسعود وقرظة بن كعب وعندهما جوارٍ تغنين فقلت : أتفعلون هذا وأنتم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : فقال : إنه رُخِّص لنا في اللهو عند العرس . رواه النسائي وابن أبي شيبة والحاكم .

وعن عمرو بن ربيعة أنه قال كنت مع ثابت بن وديعة وقرظة بن كعب في عرس فسمعت صوت غناء ، فقلت : ألا تسمعان ؟ فقال : إنه قد رخص لنا في الغناء عند العرس والبكاء على الميت من غير نياحة . رواه ابن أبي شيبة والحاكم في المستدرك .

وعن إبراهيم النخعي أنه قال كان أصحاب عبد الله – أي ابن مسعود – يستقبلون الجواري في الأزفة معهن الدف فيشقونـها . رواه ابن أبي شيبة .

قال ابن حجر في الفتح : قوله : ( باب ضرب الدف في النكاح والوليمة ) يجوز في الدف ضم الدال وفتحها ، وقوله : ( والوليمة ) معطوف على النكاح أي ضرب الدف في الوليمة ، وهو من العام بعد الخاص ويحتمل أن يريد وليمة النكاح خاصة ، وأن ضرب الدف يشرع في النكاح عند العقد وعند الدخول مثلا وعند الوليمة كذلك .

وقال ابن عبد البر في التمهيد :
قال - أي الإمام مالك - : وضرب الدفّ في العرس لا بأس به ، وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال أبو حنيفة : إذا حضر الوليمة فوجد فيها لعبا فلا بأس أن يقعد ويأكل . وقال هشام الداري عن محمد بن الحسن : إن كان الرجل ممن يُقتدى به فأحب إليّ أن يخرج . وقال الليث بن سعد : إن كان فيها الضرب بالعود واللهو فلا يشهدها . قال أبو عمر - أي ابن عبد البر - : الأصل في هذا الباب ما حدثناه سعيد بن نصر قال حدثنا قاسم بن أصبغ قال حدثنا جعفر بن محمد بن شاكر قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال خبرنا سعيد بن جمهان قال حدثنا سفينة أبو عبد الرحمن أن رجلا أضافه علي بن أبي طالب فصنع له طعاما فقالت فاطمة : لو دعونا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكل معنا ، فدعوه فجاءه فوضع يده على عضادتي الباب فرأى قراما في ناحية البيت فرجع ، فقالت : فاطمة لِعَلِيّ : الحقه ، فقال له : ما رجعك يا رسول الله ؟ فقال : إنه ليس لي أن أدخل بيتا مزوّقـا . كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كَـرِهَ دخول بيت فيه تصاوير ، ولتقدم نـهيه وقوله : لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلب أو تماثيل . وكذلك كل منكر إذا كان في البيت فلا ينبغي دخوله ، والله أعلم لرجوع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعام دُعِيَ إليه لما رأى في البيت مما ينكره وما تقدم نـهيه عنه

وقال : قال أهل اللغة : طعام الوليمة هو طعام العرس والإملاك خاصة .

فأنت ترى – حفظك الله – أن الصحابة ما فهموا الإذن في ضرب الدف في غير النكاح والختان

وقد تقدّم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخّصَ في اللهو عند العرس .
فتعبير الصحابة بـ ( رخّص ) يُشعر بأن الأمر قبل الترخيص محظور – أي محرّم – كما في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رخَّص لعبد الرحمن بن عوف والزبير في قميص من حرير من حكّةٍ كانت بـهما .
وفي رواية : أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعني القمل فأرخص لهما في الحرير .

والرُّخصة هنا إنما تكون بعد التحريم ، وليست أمراً مباحاً .
والرخصة هنا في ضرب الدفّ للنساء دون الرجال .

قال ابن حجر – رحمه الله – :
والأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء ، فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن .

وعليه فلا يجوز ضرب الدُفّ لا للرجال ولا للنساء إلا في إعلان النكاح فإنه يجوز ضربه للنساء خاصة ، بل للبُنيّات والتي عُبّر عنهن بـ " الجواري "

وضرب الدفّ رُخصـة رُخِّص بها للنساء دون الرجال .
فتعبير الصحابة بـ ( رخّص ) يُشعر بأن الأمر قبل الترخيص محظور – أي محرّم –
والرُّخصة هنا إنما تكون بعد التحريم .

قال ابن حزم : لا تكون لفظة الرخصة إلا عن شيء تقدم التحذير منه .
وقال الشاطبي : وأما الرخصة فما شرع لعذر شاق استثناء من أصل كلي يقتضي المنع مع الاقتصار على مواضع الحاجة فيه .
وقال صاحب كتاب القواعد والفوائد الأصولية : والرخصة لغة السهولة ، وشرعا : ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح . وقيل : استباحة المحظور مع قيام السبب الحاظر
وقال الآمدى : الرخصة ما شرع لعذر مع قيام السبب المحرم .
وقال القرافى : هي جواز الإقدام على الفعل مع اشتهار المانع منه شرعا ؛ والمعانى متقاربة . اهـ .
قال الشيخ حافظ حكمي :

والرخصة الإذن في أصلٍ لمعذرةٍ === وضدها عزمـة بالأصلِ تنعقـدُ
فأنت – رعاك الله – ترى أن ضرب الدفّ لم يكن من شِيَمِ الرجـال ، بل هو من شـأن الجواري !!
وإن ضرب الدفّ خاص بالعرس أو وليمة العرس أو الختان .

شُبهة وجوابها :
قد يستدل البعض بما ورد في الصحيحين من حديث عائشة قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني ، وقال : مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله عليه السلام فقال : دعهما . فلما غفل غمزتـهما فخرجتا ، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب فإما سألت صلى الله عليه وسلم ، وإما قال : تشتهين تنظرين ؟ فقلت : نعم ، فأقامني وراءه خدي على خده ، وهو يقول : دونكم يا بني أرفدة . حتى إذا مللت قال : حسبكِ ؟ قلت : نعم . قال : فاذهبي . وهذا قد بوّب عليه الإمام البخاري بـ ( باب الحراب والدرق يوم العيد ) .

فليس فيه استدلال للمخالف فقد ورد في رواية في الصحيحين عن عائشة قالت : دخل أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت الأنصار يوم بعاث . قالت :
وليستا بمغنيتين ، فقال أبو بكر : أمزامير الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا أبا بكر إن لكل قوم عيدا ، وهذا .

فقول عائشة رضي الله عنها : وليستا بمغنيتين . يدل على أن تلك الجواري اللواتي يضربن الدفوف أو يُغنين لم يكن ذلك من شأنـهن ، كما أن الغناء لم يكن حرفة لهن ، ولم يَكُنّ يُستأجرن لذلك الغرض ! أو تُنفق عليهن الأموال الطائلة .

ويدل عليه قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : و لكن نصب مغنية للنساء و الرجال هذا منكر بكل حال بخلاف من ليست صنعتها ، وكذلك أخذ العوض عليه . و الله أعلم .

وقال أيضا : وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلا رمية بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبة امرأته ، فإنـهن من الحق . والباطل من الأعمال هو ما ليس فيه منفعة ، فهذا يرخص فيه للنفوس التي لا تصبر على ما ينفع ، وهذا الحق في القدر الذي يحتاج إليه في الأوقات التي تقتضي ذلك الأعياد والأعراس وقدوم الغائب ونحو ذلك ، وهذه نفوس النساء والصبيان فهن اللواتي كن يغنين في ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه ، ويضربن بالدف ، وأما الرجال فلم يكن ذلك فيهم بل كان السلف يُسمُّون الرجل المغنى مخنثا لتشبهه بالنساء .

وقال رحمه الله : وبالجملة قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمته وعبادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدف ، كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعته واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة لا في باطن الأمر ولا في ظاهره ولا لعامي ولا لِخاصِّـيّ ، ولكن رخص النبي في أنواع من اللهو في العرس ونحوه ، كما رخص للنساء أن يضربن بالدُّف في الأعراس والأفراح ، وأما الرجال على عهده فلم يكن أحد منهم يضرب بدفٍّ ولا يصفق بكف بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال : التصفيق للنساء ، والتسبيح للرجال ، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء . ولما كان الغناء والضرب بالدُّف والكف من عمل النساء كان السلف يسمون من يفعل ذلك من الرجال مخنثا ، ويسمون الرجال المغنين مخنّـثا ، وهذا مشهور في كلامهم . ومن هذا الباب حديث عائشة رضى الله عنها لما دخل عليها أبوها رضى الله عنه في أيام العيد وعندها جاريتان من الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث فقال أبو بكر رضي الله عنه : أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله ؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معرضا بوجهه عنهما مقبلا بوجهه الكريم إلى الحائط ، فقال : دعهما يا أبا بكر ، فإن لكل قوم عيداً ، وهذا عيدنا أهل الإسلام . ففي هذا الحديث بيان أن هذا لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الاجتماع عليه ، ولهذا سمّاه الصديق مزمار الشيطان ، والنبي أقـرّ الجواري عليه معللا ذلك بأنه يوم عيد ، والصغار يُرخّص لهم في اللعب في الأعياد كما جاء في الحديث : ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة . وكان لعائشة لعب تلعب بـهن ويجئن صواحباتـها من صغار النسوة يلعبن معها ، وليس في حديث الجاريتين أن النبي صلى الله عليه وسلم استمع إلى ذلك ، والأمر والنهى إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع ، كما في الرؤية فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار . اهـ .
وقال رحمه الله : و أما غناء الرجال للرجال فلم يبلغنا أنه كان في عهد الصحابة . انتهى كلامه – رحمه الله – .

ملحوظة : قول شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : كل لهو يلهو به الرجل فهو باطل إلا رمية بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبة امرأته ، فإنـهن من الحق .
يُشعر أن الحديث في الصحيحين أو في أحدهما ، وليس كذلك ، إلا إن كان الشيخ يقصد أنه في الحديث الصحيح ، فهو كذلك .

تنبيـه :
حديث : أعلنوا النكاح ، واضربوا عليه بالغربال .
حديث ضعيف ، ضعّفه جمع من الأئمة .
قال ابن حجر – رحمه الله – :
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال : أعلنوا النكاح ، واضربوا عليه بالغربال أي الدف . رواه الترمذي وابن ماجة والبيهقي عن عائشة وفي إسناده خالد بن إلياس وهو منكر الحديث قاله أحمد ، وفي رواية الترمذي عيسى بن ميمون وهو يضعف قاله الترمذي ، وضعفه ابن الجوزي من الوجهين . نعم روى أحمد وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير : أعلنوا النكاح . انتهى .
كما ضعفه ابن الجوزي في العلل المتناهية .
وضعفه الحافظ الزيلعي في نصب الراية .

ويُغني عنه ما تقدّم .

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 06:27 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
شبهات مُثارة حول قضايا متعلقة بالمرأة
وقبل الردّ على هذه الشُّبُهات أقول مستعينا بالله :

أولاً : لا بُـدّ أن يُعلم أن دين الله واحد ثابت لا يتغيّر ، وقد تتغيّر الفتاوى الاجتهادية ( المبنية على اجتهاد ) أما ثوابت الإسلام وقواطع الأدلة فلا تتغيّر ولا تتبدّل .
فلا يصح – عقلاً ولا شرعاً – أن يأتي مأفون فيقول : الصلاة كانت تُناسب ذلك الوقت والزّمان حيث لم يكن ثمّة رياضة ونوادٍ رياضية ! أما اليوم فتوجد أندية رياضية وممارسات رياضية تُغني عن الصلاة ! وقد وُجِد من قال بهذا القول الساقط المرذول من كل وجه !
ولا يصح – عقلاً ولا شرعاً – أن يُقال : إن الحج لا يُناسب العصر لما فيه من زِحام ومشقّة !
لأن هذه ثوابت شرعية لا تتغيّر ولا تتبدّل .
كما لا يصح – عقلاً ولا شرعاً – إلغاء الحدود لأن بعض أمم الكُفر ترفض إقامة الحدود !
والذي خَلَق الْخَلْق هو الذي شرع الشرع بأوامره ونواهيه وزواجره . قال تعالى : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) .

وقد كان السلف يُشدِّدون في هذا الجانب ، فلا يجوز ردّ نصّ صحيح لمتغيّرات العصر ، ولا لِعَدَمِ قبول بعض العقول له !

قال الحميدي : ذَكر الشافعيُّ حديثا ، فقال له رجل : تأخذ به يا أبا عبد الله ؟ فقال : أفي الكنيسة أنا ؟! أو ترى على وسطي زنارا ؟! نعم أقول به ، وكلما بلغني عن النبي صلى الله عليه وسلم قُلتُ به .
وقال الربيع بن سليمان : سمعت الشافعي وسأله رجل عن مسألة ، فقال له رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة كذا وكذا ، فقال له السائل : يا أبا عبد الله تقول به ؟ قال : فرأيت الشافعي أرعد وانتفض ، وقال : يا هذا أي ارض تُقِلُّني ، وأي سماء تُظِلني إذا رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا فلم أقُل به ؟ نعم عَلَيَّ السمع والبصر .

وحدّث أبو معاوية الضرير هارون الرشيد بحديث " احتج آدم وموسى " فقال رجل شريف : فأين لقيه ؟ فغضب الرشيد وقال : النطع والسيف ! زنديق يطعن في الحديث . فما زال أبو معاوية يسكِّـنه ويقول : بادرة منه يا أمير المؤمنين . حتى سكن .

قال الإمام الذهبي بعد أن ساق قول أبي قلابة : " إذا حَدَّثْتَ الرجل بالسُّنة فقال : دعنا من هذا ، وهات كتاب الله ، فاعلم أنه ضال .
ثم علّق عليه بقوله :
قلت أنا : وإذا رأيت المتكلم المبتدع يقول : دعنا من الكتاب والأحاديث الآحاد وهات العقل ، فاعلم أنه أبو جهل !!
وإذا رأيت السالك التوحيدي يقول : دعنا مِن النقل ومِن العقل وهات الذوق والوجد فاعلم أنه إبليس قد ظهر بصورة بشر ، أو قد حَلّ فيه ! فإن جبنت منه فاهرب وإلا فاصرعه وابرك على صدره واقرأ عليه آية الكرسي واخنقه ! انتهى كلامه .

وقال أبو سليمان الداراني : إنه لتمر بقلبي النكتة من نكت القوم فلا أقبلها إلا بشاهدي عدل من الكتاب والسنة .
وقال النصر آبادي : أصل هذا المذهب ملازمة الكتاب والسنة ، وترك الأهواء والبدع ، والاقتداء بالسلف ، وترك ما أحدثه الآخرون ، والإقامة على ما سلكه الأولون .

فلا يَجوز اطِّراح الأحاديث وردّ الأدلة بهذه الصورة بِدعوى التماشي مع روح العصر – زعموا – أو مُسايرة الواقع !

ثانياً : لا بُـدّ أن يُعلَم أن الشريعة الإسلامية جاءت بتحقيق المصالح وتكميلها ، وإعدام المفاسد وتقليلها .
وأنها لا تأمر بشيء إلا ومصلحته مُتحقِّقَة أو راجحة ، ولا تنهى عن شيء إلا ومفسدته مُتحقِّقَة أو راجحة .
فليست ألأوامر والنواهي لمجرّد التكليف ، ولا لتعذيب العباد لأنفسهم ، بل هي الغاية في تحقيق المصالح ودفع المفاسد والْمَضارّ .
كما أن الشريعة الإسلامية جاءت بِحفظ الضرورات الخمس ، وهي :
الدِّين والعقل والنَّفْس والعِرض والمال .

قال الإمام الشاطبي : فقد اتفقت الأمة بل سائر الملل على أن الشريعة وُضِعتْ للمحافظة على الضروريات الخمس ، وهي : الدين والنفس والنسل والمال والعقل وعلمها عند الأمة كالضروري
وقال : فالضروريات الخمس كما تأصلت في الكتاب تَفَصَّلَتْ في السُّنة . اهـ .

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 06:32 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
الإجابات الْجَلِـيَّـة عن الشُّـبُهات الرافضية

الحمد لله فاطر السماوات والأرض بارئ الورَى ، والصلاة والسلام على من بعثه ربّـه رحمة للعالمين ، فأقام به عَلَم الهدى ، وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين ، نجوم الدُّجَى ومصابيح الهدى .
أما بعد :
فقد سألني أحد الإخوة مجموعة من الأسئلة ، أوردها طالباً الجواب عنها .
ولما رأيت الأمر أمراً مُنكَرا شددتُ ذراعي ، وجرّدت ذراعي ، واستللتُ قَلمي ، واستعنت بِربِّي وأمضيت وقتا في الذب عن خيار هذه الأمة ، وفي تجلية الحق ودَحْض الشبهة وكشف الغمّـة .
وتلك الشبهات عبارة عن عشرين سؤالاً وجّهها بِزعمه إلى الوهابية !
وهي – كما سيأتي – لازمة لأمة الإسلام جمعاء !
وسوف أصدّر كل سؤال له بـ " قال الرافضي : "

تابع البحث على ملف وورد 7.zip

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 09:32 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
والله لا يغفر الله لفلان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :
فقد كَثُر الكلام حول التكفير ، ولُـحِظ المسارعة فيه ، والْجُرأة عليه ، ولما كان هذا المهيع دحض مزلّـة ، وهالَني أنني جَلَستُ إلى شاب يدرس في المرحلة الثانوية ، زاده من العلم : قِيل وقال ! ولا يَظهر عليه أثر عِلم ولا الْتِزام سُـنّـة ؛ رأيته يخوض في مثل هذه المسائل التي لو عُرِضتْ على عُمر لَجَمع لها أهل بدر !

لما رأيت الأمر كذلك ، رأيت أن أكتب في هذه المسألة مع قِصَر الباع ، غير أني مَددتُ ذراعي إلى أُولي الأيدي والأبصار لتصحيح ما كَبَا فيه كاتبه ، أو ردّ ما ندّ عن جادة الصواب .

فأقول مُستعينا بالله :


روى الإمام مسلم عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث أن رجلا قال : والله لا يغفر الله لفلان ، وإن الله تعالى قال : من ذا الذي يتألّى عليّ أن لا أغفر لفلان ، فإني قد غفرت لفلان ، وأحبطت عملك .

ربما نتعاظم جميعا ما قاله ذلك الرجل !
ونتساءل :
من يستطيع أن يقول كما قال ذلك الرجل ؟
ومن يستطيع أن يُحجِّر واسعاً ؟
أو يحكم على مسلم بالخلود في النار ؟

أقول : مَن يحمل راية التكفير الواسعة يستطيع أن يقول ذلك ، بل لا بُـدّ أن يقول ذلك !

ومن يجرؤ على التكفير أو يتساهل في أمره فهو واقع في ذلك لا محالة !

وكيف ذلك ؟

إذا حكم على مُعيّن بأنه كافر فقد حكم بأن الله لا يغفر له ، وقد قال بلسان حاله – إن لم يكن بلسان مقاله - : والله لا يغفر الله لفلان !

وهذا أمر بالغ الخطورة

ولذا قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله :
ولا نُكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحلّه ، ولا نقول لا يضرّ مع الإيمان ذنب لمن عمله .

وشرح هذا القول ابن أبي العز بكلام نفيس في شرح الطحاوية أسوقه بطوله لنفاسته ، وشدّة الحاجة إليه في زماننا

قال رحمه الله في شرح قول الطحاوي المتقدِّم :
أراد بأهل القبلة الذين تقدّم ذكرهم في قوله : " ونُسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي معترفين ، وله بكل ما قال وأخبر مصدقين " يشير الشيخ رحمه الله بهذا الكلام إلى الرد على الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب .
واعلم - رحمك الله وإيانا - أن باب التكفير وعدم التكفير ، باب عظُمت الفتنة والمحنة فيه ، وكثُر فيه الافتراق ، وتشتتت فيه الأهواء والآراء ، وتعارضت فيه دلائلهم ، فالناس فيه في جنس تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة المخالفة للحق الذي بعث الله به رسوله في نفس الأمر ، أو المخالفة لذلك في اعتقادهم - على طرفين ووسط - من جنس الاختلاف في تكفير أهل الكبائر العملية .
فطائفة تقول : لا نكفِّر من أهل القبلة أحدا ، فتنفي التكفير نفيا عاما ، مع العلم بأن في أهل القبلة المنافقين الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع ، وفيهم من قد يُظهر بعض ذلك حيث يُمكنهم ، وهم يتظاهرون بالشهادتين ، وأيضا فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة والمحرمات الظاهرة المتواترة ونحو ذلك ، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا ، والنفاق والردّة مظنتها البدع والفجور ، كما ذكره الخلال في كتاب السنة بسنده إلى محمد بن سيرين أنه قال : إن أسرع الناس ردّة أهل الأهواء ، وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )
ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحداً بذنب ، بل يُقال لا نكفِّرهم بكل ذنب كما تفعله الخوارج ، وفرق بين النفي العام ونفي العموم ، والواجب إنما هو نفي العموم مناقضة لقول الخوارج الذين يُكفِّرون بكل ذنب ، ولهذا - والله اعلم - قيده الشيخ رحمه الله بقوله : ما لم يستحلّه . وفي قوله : " ما لم يستحلّه " إشارة الى أن مراده من هذا النفي العام لكل ذنب من الذنوب العملية لا العلمية ، وفيه إشكال ، فإن الشارع لم يَكْتَفِ من المكلف في العمليات بمجرد العمل دون العلم ، ولا في العلميات بمجرّد العلم دون العمل ، وليس العمل مقصوراً على عمل الجوارح ، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح ، وأعمال الجوارح تبع إلا أن يُضمَّن قوله " يستحله " بمعنى يعتقده أو نحو ذلك .
وقوله : ولا نقول لا يضرّ مع الإيمان ذنب لمن عمله - إلى آخر كلامه - رد على المرجئة ، فإنهم يقولون : لا يضرّ مع الإيمان ذنب ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، فهؤلاء في طرف ، والخوارج في طرف ، فإنهم يقولون : نُكفر المسلم بكل ذنب ، أو بكل ذنب كبير ، وكذلك المعتزلة الذين يقولون : يَحبط إيمانه كله بالكبيرة ، فلا يبقى معه شيء من الإيمان ، لكن الخوارج يقولون : يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر ، والمعتزلة يقولون : يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر ، وهذه المنزلة بين المنزلتين ! وبقولهم بخروجه من الإيمان أوجبوا له الخلود في النار ! وطوائف من أهل الكلام والفقه والحديث لا يقولون ذلك في الأعمال لكن في الاعتقادات البدعية ، وإن كان صاحبها متأوِّلا فيقولون : يَكفر كل من قال هذا القول ، لا يُفرّقون بين المجتهد المخطئ وغيره ، أو يقولون : يَكفر كل مبتدع ، وهؤلاء يَدخل عليهم في هذا الإثبات العام أمور عظيمة ، فإن النصوص المتواترة قد دلّت على أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، ونصوص الوعد التي يحتج بها هؤلاء تُعارض نصوص الوعيد التي يحتج بها أولئك ، والكلام في الوعيد مبسوط في موضعه ، وسيأتي بعضه عند الكلام على قول الشيخ : " وأهل الكبائر في النار لا يُخلّدون إذا ماتوا وهم موحدون "
والمقصود هنا : أن البدع هي من هذا الجنس ، فإن الرجل يكون مؤمنا باطنا وظاهرا ، لكن تأوّل تأويلا أخطأ فيه ، إما مجتهدا ، وإما مفرطا مذنبا ، فلا يقال : إن إيمانه حَبِط لمجرد ذلك ، إلا أن يدل على ذلك دليل شرعي ، بل هذا من جنس قول الخوارج والمعتزلة ، ولا نقول : لا يكفر ، بل العدل هو الوسط ، وهو أن الأقوال الباطلة المبتدعة المحرمة المتضمنة نفي ما أثبته الرسول ، أو إثبات ما نفاه ، أو الأمر بما نهى عنه ، أو النهي عما أمرَ به يُقال فيها الحق ، ويثبت لها الوعيد الذي دلّت عليه النصوص ، ويبين أنها كفر ، ويُقال : من قالها فهو كافر ، ونحو ذلك ، كما يُذكر من الوعيد في الظلم في النفس والأموال ، وكما قد قال كثير من أهل السنة المشاهير بتكفير من قال بخلق القرآن ، وأن الله لا يُرى في الآخرة ، ولا يَعلم الأشياء قبل وقوعها ، وعن أبي يوسف رحمة الله أنه قال : ناظرت أبا حنيفة رحمه الله مدة حتى اتفق رأيي ورأيه أن من قال بخلق القرآن فهو كافر .
وأما الشخص المعيّن إذا قيل : هل تشهدون أنه من أهل الوعيد وأنه كافر ؟ فهذا لا نشهد عليه إلا بأمر تجوز معه الشهادة ، فإنه من أعظم البغي أن يُشهد على معيّن أن الله لا يغفر له ولا يرحمه بل يخلده في النار ، فإن هذا حكم الكافر بعد الموت
، ولهذا ذكر أبو داود في سننه في كتاب الأدب باب النهي عن البغي ، وذكر فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين ، فكان أحدهما يُذنب ، والآخر مجتهد في العبادة ، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب ، فيقول : أقصِر ، فوجده يوما على ذنب ، فقال له : أقْصِر ، فقال : خلني وربي ، أبُعثت عليّ رقيبا ؟ فقال : والله لا يغفر الله لك ، أو لا يدخلك الله الجنة ، فَقَبَضَ أرواحهما ، فاجتمعا عند رب العالمين ، فقال لهذا المجتهد : أكنت بي عالما ؟ أو كنت على ما في يدي قادرا ؟ وقال للمذنب : اذهب فادخل الجنة برحمتي ، وقال للآخر : اذهبوا به إلى النار . قال أبو هريرة : والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبَقَتْ دنياه وآخرته ، وهو حديث حسن .
ولأن الشخص المعيّن يمكن أن يكون مجتهدا مخطئا مغفورا له ، ويمكن أن يكون ممن لم يبلغه ما وراء ذلك من النصوص ، ويمكن أن يكون له إيمان عظيم وحسنات أوجبت له رحمة الله ، كما غفر للذي قال : إذا متّ فاسحقوني ، ثم اذروني ، ثم غفر الله له لخشيته ، وكان يظن أن الله لا يقدر على جمعه وإعادته ، أو شك في ذلك ، لكن هذا التوقّف في أمر الآخرة لا يمنعنا أن نعاقبه في الدنيا لمنع بدعته ، وأن نستتيبه ، فإن تاب وإلا قتلناه .
ثم إذا كان القول في نفسه كفرا قيل : إنه كفر ، والقائل له يَكْفر بشروط وانتفاء موانع ، ولا يكون ذلك إلا إذا صار منافقا زنديقا ، فلا يتصور أن يكفر أحد من أهل القبلة المظهرين الإسلام إلا من يكون منافقا زنديقا ، وكتاب الله يبين ذلك ، فإن الله صنّف الخلق فيه ثلاثة أصناف :
صنف كفار من المشركين ومن أهل الكتاب ، وهم الذين لا يُقرّون بالشهادتين .
وصنف المؤمنون باطنا وظاهرا .
وصنف أقرّوا به ظاهرا لا باطنا .
وهذه الأقسام الثلاثة مذكورة في أول سورة البقرة ، وكل من ثبت أنه كافر في نفس الأمر ، وكان مُقرّاً بالشهادتين فإنه لا يكون إلا زنديقا ، والزنديق هو المنافق .
وهنا يظهر غلط الطرفين ، فإنه من كَفّر كل من قال القول المبتدع في الباطن ، يلزمه أن يُكفِّر أقواما ليسوا في الباطن منافقين ، بل هم في الباطن يُحبّون الله ورسوله ويؤمنون بالله ورسوله وإن كانوا مذنبين ، كما ثبت في صحيح البخاري عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه عن عمر أن رجلا كان على عهد النبي كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا ، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله قد جلده في الشَّراب ، فأُتيَ به يوماً ، فأمر به فجُلد ، فقال رجل من القوم : اللهم العنه ! ما أكثر ما يؤتى به ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تلعنوه ، فو الله ما علمت إنه يحب الله ورسوله .
وهذا أمر متيقّن به في طوائف كثيرة وأئمة في العلم والدّين ، وفيهم بعض مقالات الجهمية أو المرجئة أو القدرية أو الشيعة أو الخوارج ، ولكن الأئمة في العلم والدِّين لا يكونون قائمين بجملة تلك البدعة بل بفرع منها ، ولهذا انتحل أهل هذه الأهواء لطوائف من السلف المشاهير .
فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضا ، ومن ممادح أهل العلم أنهم يُخطِّئون ولا يُكفِّرون .
ولكن بقي هنا إشكال يَرِد على كلام الشيخ رحمه الله ، وهو أن الشارع قد سمّى بعض الذنوب كفرا ، قال الله : ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )

وقال صلى الله عليه وسلم : سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر . متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
وقال : لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض .
و " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " . متفق عليهما من حديث ابن عمرو رضي الله عنه .
وقال : أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر . متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، والتوبة معروضة بعد .
وقال صلى الله عليه وسلم : بين المسلم وبين الكفر ترك الصلاة . رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه .
وقال صلى الله عليه وسلم : من أتى كاهنا فصدّقه ، أو أتى امرأة في دبرها ، فقد كفر بما أُنزل على محمد .
وقال صلى الله عليه وسلم : من حلف بغير الله فقد كفر . رواه الحاكم بهذا اللفظ .
وقال : ثنتان في أمتي بهم كفر : الطعن في الأنساب ، والنياحة على الميت .
ونظائر ذلك كثيرة .
والجواب : أن أهل السنة متّفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يَكفر كفراً ينقل عن الملة بالكلية ، كما قالت الخوارج ، إذ لو كفر كفراً ينقل عن الملّة لكان مرتداً يُقتل على كل حال ، ولا يُقبل عفو ولي القصاص ، ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر ، وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام .
ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام ، ولا يدخل في الكفر ، ولا يستحق الخلود مع الكافرين ، كما قالت المعتزلة ، فإن قولهم باطل أيضا .
إذ قد جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى )
إلى أن قال : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ )
فلم يُخرج القاتل من الذين آمنوا ، وجعله أخاً لولي القصاص ، والمراد أخوّة الدين بلا ريب .
وقال تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) إلى أن قال : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ )
ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يُقتل بل يُقام عليه الحد ، فدلّ على أنه ليس بمرتد .
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كانت عنده لأخيه اليوم مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون درهم ولا دينار ، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فطُرحت عليه ، ثم ألقي في النار .
فثبت أن الظالم يكون له حسنات يَستوفي المظلوم منها حقه ، وكذلك ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما تعدّون المفلس فيكم ؟ قالوا : المفلس فينا من لا له درهم ولا دينار . قال : المفلس من يأتي يوم القيامة وله حسنات أمثال الجبال ، فيأتي وقد شتم هذا ، وأخذ مال هذا ، وسفك دم هذا ، وقذف هذا ، وضرب هذا ، فيَقتص هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإذا فَنِيَتْ حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ، ثم طُرح في النار . رواه مسلم .
وقد قال تعالى : ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ )
فدلّ ذلك على أنه في حال إساءته يعمل حسنات تمحو سيئاته ، وهذا مبسوط في موضعه .
والمعتزلة موافقون للخوارج هنا في حكم الآخرة ، فإنهم وافقوهم على أن مرتكب الكبيرة مخلّد في النار ، لكن قالت الخوارج : نُسميه كافرا ، وقالت المعتزلة : نُسميه فاسقا ، فالخلاف بينهم لفظي فقط .

وأهل السنة أيضا متّفقون على أنه يستحق الوعيد المرتب على ذلك الذنب ، كما وردت به النصوص ، لا كما يقوله المرجئة من أنه لا يضرّ مع الإيمان ذنب ، ولا ينفع مع الكفر طاعة .
وإذا اجتمعت نصوص الوعد التي استدلت بها المرجئة ، ونصوص الوعيد التي استدلت بها الخوارج والمعتزلة تَبيّن لك فساد القولين ، ولا فائدة في كلام هؤلاء سوى أنك تستفيد من كلام كل طائفة فساد مذهب الطائفة الأخرى .

ثم بعد هذا الاتفاق تبين أن أهل السنة اختلفوا خلافا لفظيا لا يترتب عليه فساد .
وهو : أنه هل يكون الكفر على مراتب كفراً دون كفر ؟
كما اختلفوا : هل يكون الإيمان على مراتب إيماناً دون إيمان ؟
وهذا الاختلاف نشا من اختلافهم في مسمى الإيمان هل هو قول وعمل يزيد وينقص أم لا ؟ بعد اتفاقهم على أن من سماه الله تعالى ورسوله كافراً نسميه كافرا ، إذ من الممتنع أن يُسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ، ويُسمي رسوله - من تقدّم ذكره - كافراً ، ولا نُطلق عليهما اسم الكفر .
ولكن من قال : إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، قال هو كفر عملي لا اعتقادي ، والكفر عنده على مراتب ، كفر دون كفر ، كالإيمان عنده .
ومن قال : إن الإيمان هو التصديق ، ولا يدخل العمل في مسمى الإيمان ، والكفر هو الجحود ، ولا يزيدان ولا ينقصان قال : هو كفر مجازي غير حقيقي ! إذ الكفر الحقيقي هو الذي ينقل عن الملة ، وكذلك يقول في تسمية بعض الأعمال بالإيمان كقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )
أي صلاتكم إلى بيت المقدس ، إنها سميت إيمانا مجازا لتوقف صحتها عن الإيمان ، أو لدلالتها على الإيمان ، إذ هي دالّة على كون مؤدّيها مؤمنا ، ولهذا يُحكم بإسلام الكافر إذا صلّى صلاتنا .
فليس بين فقهاء الأمة نزاع في أصحاب الذنوب ، إذا كانوا مُقرّين باطنا وظاهرا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما تواتر عنهم أنهم من أهل الوعيد ، ولكن الأقوال المنحرفة قول من يقول بتخليدهم في النار ، كالخوارج والمعتزلة .
ولكن أردأ ما في ذلك التعصب على من يضادّهم ، وإلزامه لمن يخالف قوله بما لا يلزمه ، والتشنيع عليه ، وإذا كنا مأمورين بالعدل في مجادلة الكافرين ، وأن يجادلوا بالتي هي أحسن ، فكيف لا يعدل بعضنا على بعض في مثل هذا الخلاف ؟
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) .

وهنا أمر يجب أن يُتفطن له ، وهو :
أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة .
وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة .
ويكون كفراً إما مجازيا ، وإما كفراً أصغر على القولين المذكورين .
وذلك بحسب حال الحاكم :
فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب ، وأنه مخير فيه ، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر .
وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة ، فهذا عاص ويسمى كافراً كفرا مجازيا أو كفراً أصغر .
وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه ، فهذا مخطئ له أجر على اجتهاده ، وخطؤه مغفور .
وأراد الشيخ رحمه الله بقوله : " ولا نقول لا يضرّ مع الإيمان ذنب لمن عمله " مخالفة المرجئة ، وشبهتهم كانت قد وقعت لبعض الأولين فاتفق الصحابة على قتلهم إن لم يتوبوا من ذلك ، فإن قدامة بن مظعون شرب الخمر بعد تحريمها هو وطائفة وتأوّلوا قوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ )
فلما ذَكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه اتفق هو وعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جُلدوا ، وإن اصرّوا على استحلالها قُتلوا ، وقال عمر لقدامة : أخطأتْ استك الحفرة ! أما إنك لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخمر ، وذلك أن هذه الآية نزلت بسبب أن الله سبحانه لما حرّم الخمر ، وكان تحريمها بعد وقعة أحد ، فقال بعض الصحابة : فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟ فأنزل الله هذه الآية يبين فيها أن من طعم الشيء في الحال التي لم يُحرّم فيها فلا جناح عليه إذا كان من المؤمنين المتقين المصلحين ، كما كان من أمر استقبال بيت المقدس ، ثم إن أولئك الذين فعلوا ذلك يُذمّون على أنهم أخطئوا وأيسوا من التوبة ، فكتب عمر إلى قدامة يقول له : ( حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ )
ما أدري أي ذنبيك أعظم ؛ استحلالك المحرّم أولاً ، أم يأسك من رحمة الله ثانيا ؟ وهذا الذي اتفق عليه الصحابة هو متفق عليه بين أئمة الإسلام .
انتهى كلام ابن أبي العز رحمه الله بطوله .
وبعد هذا لا يُظنّ أنني أُدافع عن أئمة الكفر
ولا أُنافح عن أهل الظلم والجور
فلكل نظام وزارة أعلام !

ولا أقصد الذين بدّلوا نعمة الله كفرا ، وبدّلوا شرعه دساتير من زبالة أفكار الغرب
ولا أعني الذين يُوالون الكفّار جملة وتفصيلا .

ولكنني أردت وضع الأمور في مواضعها ، وتبيان بعض الحق في هذه المسألة التي زلّت بها أقدام
وهي مزلق كبير ، ومنعطف خطير
وزلّة القدم في مسائل المعتقد ربما أخرجت صاحبها من دين الإسلام .

وفرق بين أن يتحدّث الشخص في مسألة يُقال له إذا جانب الصواب : أخطأت
وبين أن يتكلّم في مسألة إذا جانب الصواب فيها يُقال له : كفرت

ولكي يُعلم خطورة هذا المزلق - وهو المسارعة في تكفير المعيّن - أسوق قوله عليه الصلاة والسلام في التحذير من التكفير
قال عليه الصلاة والسلام : أيما امرئ قال لأخيه : يا كافر ؛ فقد باء بها أحدهما ، إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : إذا كفّر الرجل أخاه ، فقد باء بها أحدهما .

أُخيّ :
لن تُسأل في قبرك إلا عن هذا الرجل الذي بُعث فيكم . ما تقول فيه ؟
ويوم القيامة تُسأل في خاصة نفسك وعن من ولاّك الله عليهم

فدع عنك هذا الأمر فالسلامة لا يعدلها شيء
إن الأنبياء يأتون يوم القيامة وكل يقول : نفسي نفسي !
بل كل نبي إذا أتته الخلائق للشفاعة لهم قال : نفسي ، ثم ذكر ذنبه ، إلا عيسى لا يذكر ذنبا ، ثم يُحيل الخلائق على سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام .

هل تأملت هذا ؟!
هذا وهم أنبياء يُلقون باللائمة على أنفسهم وينظرون في ذنوب أنفسهم
فهل نظرنا في ذنوبنا وعيوبنا قبل عيوب غيرنا ؟!

وكلك عورات وللناس ألسنُ

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 09:34 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
وثمة شُبهات يستمسك بها الجُرءاء على التكفير ، منها :
1 - استدلالهم بقوله تعالى : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ )
فيستدلّون بهذه الآية على كُفر جنوده الحاكم وأتباعه بعد أن يُكفّروا الحاكم .
وهذا خطأ من وجوه :

الوجه الأول : أن كُفر فرعون كان كفراً أصلياً ، بخلاف المسلم الذي يكفر فله أحكامه في الشريعة المختلفة عن حُكم الكافر الأصلي ، وهي أحكام المرتد .

الوجه الثاني : أصعب في الحُـكم عليه .
فالكافر الأصلي يجب أن لا يختلف في كُفره اثنان
بينما المرتد اختلف في حكمه خيار هذه الأمة بعد نبيِّها عليه الصلاة والسلام .

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر بعده ، وكفر من كفر من العرب . قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : كيف تقاتل الناس ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله فقد عصم منِّي ماله ونفسه إلا بحقها وحسابه على الله ؟ فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عِقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه ، فقال عمر بن الخطاب : فو الله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق .

لو كان كفر المرتد واضحاً بيِّنا لما اختلف فيهم خيار هذه لأمة بعد نبيِّها صلى الله عليه وسلم .

أما لماذا ؟

فلأن الإسلام عنده يقين ، فلا يُخرج من هذا اليقين بشبهة أو شكّ
فاليقين لا يزول بالشكّ .

ولا أعني أيضا عدم كُفر المعيّن ، إلا أن الحُكم على مُعيّن بالكفر وأن الله لا يغفر له من الصعوبة بمكان .

2 – نظرهم إلى بعض القوانين والأنظمة المستوردة من الغرب
فأقول : ليس كل نظام يُعتبر كُفرا

فالقوانين والأنظمة المتعلقة بحياة الناس تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
قسم يوافق الشريعة ، فلا إشكال فيه .
وقسم يُخالف الشريعة ، وهذا محل النظر .
وقسم لا يُخالف ولا يُوافق ، فهذا تقوم به مصالح الناس دون الإضرار بهم ، كأنظمة المرور ونحوها .

وأما ما يُخالف الشريعة – ويضربون لذلك مثلاً بالمُحاكمات العسكرية – فأقول :
ليس كل حاكم خالف حُكما شرعيا يكون به كافراً ، وقد تقدّم تفصيل ذلك في كلام ابن أبي العز رحمه الله .

فلو علِم الحاكم حكم الله ثم عدل عنه في قضية أو في مسألة فلا يكون كافرا كفرا يُخرج عن الملّة .

أرأيت إلى القاضي الذي يعلم بحكم الله عز وجل ثم يعدل عنه في قضية أو في مسألة محاباة لشخص أو خوفا من آخر ، هل تُراه يكفر بهذا الفعل ؟

الجواب : لا

وإن كان هذا الحكم الذي حكم به ليس هو حكم الله في تلك المسألة .
وإن كان يدخل في الكفر الأصغر ، إلا أنه لا يُخرجه ذلك عن الملّة .

بل أرأيت حكم القبائل التي تتحاكم إلى شرع الله ثم تعدل عنه في قضية من القضايا إلى عاداتها وأعرافها ، هل يُحكم بكفر القبيلة بأسرِها ؟

الجواب : لا ، وإن كان يدخل في الكفر الأصغر أيضا .

بل أرأيت الرجل يتقدّم إليه الخاطب الذي لا يُرتضى دينه ولا خلقه ، بل قد يكون زانيا ، فيُزوّجه ويُعرض عن حكم الله في هذه المسالة ( الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً )
فهل يُحكم بكفره وخروجه عن ملّة الإسلام ؟

الجواب : لا ، بل يُحكم بأنه وقع في الشرك الأصغر ، والشرك الأصغر أكبر من الكبائر ، كما يُقرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

هل تستطيع أن تحكم لهؤلاء بالكفر ثم بالخلود في النار ؟!

وهذا على سبيل المثال ، وعلى هذا فـ قِس .

وخذ على سبيل المثال :
الحجاج بن يوسف الثقفي ، وما اشتُهر عنه من سفك الدماء بل سفَكَ دماء بعض الصحابة والعلماء ، كابن الزبير رضي الله عنه وسعيد بن جبير رحمه الله .

وهذه القضية قضية الدماء كان يعدل فيها عن شرع الله إلى رأيه وجبروته وبطشه .
والصحابة مُتوافرون ، ومع ذلك لم يَحكموا بكفره ، وإن سمّوه ظالما ، أو قالوا عنه : خبيثاً ، ونحو ذلك ، إلا أنهم لم يُكفِّروه .

ليُعلم أنه ليس كل من فعل الكفر يُعتبر كافرا
ولا كل من فعل بدعة يُعتبر مُبتدعاً

فمعاذ رضي الله عنه لما رأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها رأى في نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقّ أن يُعظّم فلما قدم قال : يا رسول الله رأيت النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها ، فرأيت في نفسي أنك أحق أن تعظم ، فقال : لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . رواه الإمام أحمد .
وفي رواية : فلما قدم معاذ سجد للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنكر ذلك .

ومثله قصة الرجل الإسرائيلي الذي ظنّ أن الله لا يقدر عليه
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان رجل يُسرف على نفسه ، فلما حضره الموت قال لبنيه : إذا أنا متّ فأحرقوني ، ثم اطحنوني ، ثم ذروني في الريح ، فوالله لئن قدر عليّ ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ، فلما مات فُعل به ذلك ، فأمر الله الأرض فقال : اجمعي ما فيك منه ، ففعلت ، فإذا هو قائم ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : يا رب خَشْيَتك ، فغفر له .

فهذه من أفعال الكفار واعتقاداتهم ، ولكن منع مانع من كُفرهم .

وهذا يؤكِّد هذه القاعدة : ليس كل من فعل الكفر يُعتبر كافراً .

3 - التكفير بموالاة الكفّار ، فيقولون : الحاكم الفلاني أعان الكفّار وهذا من اتِّخاذ الكفار أولياء ، والله عز وجل قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )

فهم قد غفلوا عن قوله سبحانه وتعالى : ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )

فالله عز وجل أمر بالإحسان إلى طائفة من الكفّار .

وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي بقوله : إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه . رواه البيهقي .
وقبل منه الهدية ، وذلك قبل إسلام النجاشي .

وغفلوا عن قوله تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )

فسماهم ظالمين .
قال ابن جرير رحمه الله في قوله تعالى : ( فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) يقول فالذين يفعلون ذلك منكم هم الذين خالفوا أمر الله فوضعوا الولاية في غير موضعها وعصوا الله في أمره .

كما غفلوا عن فعل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه يوم فتح مكة
فإنه بعث كتاباً لأهل مكة يُخبرهم بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فبعث النبي من أتى بالكتاب ، فقال عمر : يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فلأضرب عنقه ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما حملك على ما صنعت ؟ قال حاطب : والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم . أردت أن يكون لي عند القوم يَـدٌ يدفع الله بها عن أهلي ومالي ، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ، ولا تقولوا له إلا خيرا ، فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه ! فقال : أليس من أهل بدر ؟ فقال : لعل الله أطّلع إلى أهل بدر فقال أعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ، أو فقد غفرت لكم ، فدمعت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم . رواه البخاري ومسلم .

فأنت ترى النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعاجله بالحكم بمجرّد فعل الكفر بل سأله :

ما حملك على ما صنعت ؟

فأجاب حاطب بعذره .
فصدّقه النبي صلى الله عليه وسلم ، ودرأ عنه الكُفر .

فهل سألنا من وقعت منه الموالاة : ما حملك على ما صنعت ؟!

وهنا أسأل من يُسارع إلى التكفير :

هل فعل حاطب هذا من موالاة الكفّار أو لا ؟
وهل هو دلالة للكفار على عورات المسلمين ؟
وهل فيه إفشاء سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم للكفّـار ؟
وهل فيه مظاهرة ومعاونة لهم على المسلمين أو لا ؟

الجواب :
كل ذلك موجود في فعله ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُكفِّره بل سأله واستوضح منه الأمر ، فيدلّ هذا دلالة واضحة على أن الأمر يحتمل .
ويدلّ أيضا على أنه ليس كل من فعل الكفر يُعتبر كافراً ، وإلا لحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفره .

بل إن الله تبارك وتعالى سمّى فعل حاطب موالاة ، ومع ذلك لم يُحكم بكفره .
قال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ )

والأدلة على هذا كثيرة

ومثله الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد اتق الله !
فَرَدّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ويلك ! أوَ لستُ أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟
ثم ولّى الرجل ، فقال خالد بن الوليد : يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟
قال : لا ، لعله أن يكون يصلي .
فقال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم . رواه البخاري ومسلم .

والذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما عَدَلْتَ !

ومع ذلك لم يُحكم بكفر هؤلاء جميعاً ولو فعلوا الكفر أو تلفّظوا به .

بل يَقُوم بالشخص ما يقوم من موانع أو تأويل أو خوف ونحو ذلك .
فلا بد من انتفاء الموانع ومن قيام الحجة على الشخص بنفسه .

وهم يُكفِّرون من وقف مع الكفار أو ساعدهم ، ويعتبرون هذا من الموالاة
ثم يحكمون بِرِدَّّة مَن فعل ذلك .

ولتحرير المسألة يجب ان نقف مع تعريف أهل العلم للولاء :

قال الدكتور محمد بن سعيد القحطاني في كتاب الولاء والبراء ( 89 – 91 ) :
الولاية : هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطنا .
قال تعالى : ( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ )

فموالاة الكفار تعني التقرب إليهم وإظهار الود لهم، بالأقوال والأفعال والنوايا . اهـ .

ثم نقل عن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
أن مسمى الموالاة ( لأعداء الله ) : يقع على شعب متفاوتة منها ما يوجب الردة وذهاب الإسلام بالكلية ، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات . اهـ .

وحريّ بكل من يُسارع في التكفير أن يعضّ على هذه الكلمات بالنواجذ .

فإذا عرفنا أن : الولاية : هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطنا .

تبيّن لنا أنه ليست كل نُصرة ولا كل محبة ولا كل إكرام أو احترام أو مدح أو ثناء على الكفار أنه يكون موالاة مُخرجة من الملة ناقلة عن الدِّين .
بل قد تكون مُباحة كما لو تزوّج المسلم كتابية ( نصرانية أو يهودية ) فأحبها حب الرجل لزوجته ، لكان هذا من الحب المباح .
ولو مدح المسلم الكفّار ببعض ما فيهم من الخصال لم يكن كافراً بذلك .
وتقدّم قول النبي صلى الله عليه وسلم في النجاشي .
وفي صحيح مسلم أن المستورد القرشي قال عند عمرو بن العاص : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تقوم الساعة والرّوم أكثر الناس . فقال له عمرو : أبصر ما تقول ؟ قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا : إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك .
فهذا من مدح النصارى بما فيهم ولا يكون من الموالاة المحرّمة فضلا عن أن تكون من الموالاة المخرجة عن الإسلام .

فلا بـدّ في الولاية لكي تكون مخرجة عن الإسلام من توافر أركان التعريف :
وهي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطنا .

بل ألا ترى إلى قول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم لما اجتمعوا في بيت عتبان بن مالك رضي الله عنه ، فقال قائل منهم : أين مالك بن الدخيشن أو بن الدخشن ؟ فقال بعضهم : ذلك منافق لا يحب الله ورسوله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقل ذلك ، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله . قال : الله ورسوله أعلم . قال : فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله . رواه البخاري ومسلم .

وتقدّم فعل حاطب وأنه من جنس الموالاة ، وأن الله سماه موالاة ، ولكنها من جنس الموالاة المحرّمة لا المكفِّرة .

4 – تصريح الربا وتشريع أبواب البنوك الربوية ، وأن هذا من استحلال ما حرّم الله .

ويُردّ على هذا القول بأن فعل الإنسان للمعاصي والموبقات لا يُخرجه من الإسلام إلا باستحلالها ، وفرق بين العمل بها ، وبين استحلالها .
أليس صاحب بيت الدّعارة الذي فتح بيوت الخنا والفجور وقام عليها ودفع فيها مالَه بل وربما حرسها بـحرِّ مَالِه لا نستطيع أن نحكم بكفره ، وإن حكمنا عليه بالفسق والفجور ، وهو يفتح أبواب تلك البيوت ويحميها .
فالإذن بالربا كبيرة من كبائر الذنوب – ولا نهوّن من شأنها – ولكن فرق بين أن نقول كبيرة من كبائر الذنوب ، وبين أن نقول كفر بالله العظيم .

ولكي تتصوّر المسألة أكثر ، تصوّر قريبا لك فتح ملهى ليلي يتعاطى الناس فيه الفواحش والموبقات ؛ هل تحكم بكفره ؟

وأيهما أعظم فتح بنوك الربا وحمايتها ، أو حَمْل الناس عليها وعلى التعامل بها بالقوّة ؟

لقد كان الإمام أحمد رحمه الله يقول : من قال القرآن مخلوق فهو كافر .

ومع ذلك لم يُكفِّر المعتصم ولا كبير قُضاته ابن أبي دؤاد ، مع أنهم حملوا الناس على القول بتلك البدعة المكفِّرة ، وما سجنوا الإمام أحمد إلا ليقول بذلك القول ؟

فهذا القول كُفر ، وحماه المعتصم وتبنّـاه ، ونافح عنه كبير قُضاته ، ومع ذلك لم يُحكم بكفر المعتصم .

وهل يستطيع أحد اليوم أن يحكم بكفر المعتصم أو ابن أبي دؤاد ؟

فالمعتصم حَمَلَ الناس بقوّة السلطان على القول بتلك البدعة المكفِّرة .
ولو حَمَلَ الحاكمُ الناس على بدعة مكفِّرة لم يُحكم بكفره إذا كان عنده أصل الإسلام .
ولو حمل الناس على التعامل بالربا وألزمهم به لكان أهون مما لو فتح البنوك وحَرَسها وحماها .

والله يعلم أني أكره بيوت الربا وبنوكه كراهة شديدة ، إلا أن بيان الحق لا يعني حب الباطل .

5 – اللجوء إلى محكمة العدل الدّولية ، والانضمام إلى هيئة ألأمم وإلى مجلس الأمن ، وهم يحكمون بغير ما أنزل الله .

والجواب عن هذه الشُّبهة

أن يُقال : إنهم أُلجئوا إليها .
وهذا بخلاف من لجأ إليها ابتداء ورضي بها حَكَماً من دون الله .
ولعل قائلا يقول : وما الذي ألجأهم إليها ؟
أقول : كما تُلجئك أنظمة وقوانين البلاد الغربية على احترام أنظمتها عند دخولها بل وقبل دخولها !
وبعض من يحمل لواء التكفير أو قُل المسارعة فيه يعيش في بلاد الكفّار !
وهو مع ذلك يحترم أنظمة البلد وقوانينه .

فهل نحكم بكفره ؟

ولو أُقيمت ضدّه دعوى أو شكاه كافر إلى محاكم بلاده لاضطر إلى اللجوء إلى تلك المحاكم ، ولو لم يستجب سوف يؤخذ بقوّة القانون إلى محاكم تلك الدّول الكافرة .

فهل نحكم بكفره ؟

6 - تقسيم بعضهم الناس إلى فريقين : مؤمنين وكفّار ، والناس إما يوالون المؤمنين فهم منهم ، وإما يوالون الكفار فهم منهم .

وتقدّم التقسيم في كلام ابن أبي العز رحمه الله .

ونسي هؤلاء أن ثمة فريق ثالث ، وهم المنافقون

فـ " المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ، تعير إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة " كما في صحيح مسلم .
وفي التنزيل مِن وصف المنافقين : ( وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ )

فهذا وصف المنافقين .
فهم قد يميلون للكفار خوف زوال مُلك ، وقد يُعينونهم في ظرف مُعيّن ، وقد يخذلون المؤمنين في زمن مُعيّن ، فيكونون كما وصف الله عز وجل : ( هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ )

أي في ذلك الحال .

ومثله قوله تبارك وتعالى في وصف المنافقين : ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ )

فوصفهم بأنهم مرضى قلوب ، ولم يصفهم بالكفر بالله عز وجل .

وهذا مما يغيب عن أذهان من يُسارعون إلى التكفير .

7 – قولهم : يجب تكفير من لم يحكم بما أنزل الله ، أو من والى الكفّار فيحملون الناس على ذلك ، من باب تحقيق التوحيد بالكفر بالطاغوت استدلالا بقوله تعالى : ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا )

وهذا لا يصح استدلالهم به ، إلا بعد الرجوع لتفسير الاية للنظر في معنى الطاغوت حتى يُكفر به

قال ابن جرير رحمه الله – بعد أن ساق الأقوال في معنى الطاغوت – :
والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله فعُبد من دونه ، إما بقهر منه لمن عَبَده ، وإما بطاعة ممن عبده له إنسانا كان ذلك المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كائنا ما كان من شيء . اهـ .

وقال الحافظ ابن كثير : أي مَن خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ووحد الله فعبده وحده وشهد أن لا إله إلا هو . اهـ .

وقال ابن الجوزي رحمه الله :
والمراد بالطاغوت هاهنا خمسة أقوال . ثم ساق الأقوال كما ساقها ابن جرير رحمه الله ، وليس فيها تكفير المرتد أو البراءة مِن الحـُـكّام !

وهذا يعني أن المسلم ليس مُلزما بتكفير مسلم كائنا من كان .

أما الكفّار فهو مُلزم بالبراءة منهم .

ولأن هذا الأمر – كما تقدّم – يختلف فيه كبار رجالات الأمة ، فكيف بغيرهم ؟
فلا يُكلّف الخلق الكفر بأمر مُشكل كهذا الأمر .
فإذا كان الخلاف في شأن المرتدين وقع بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فكيف بسائر الأمة ؟

فهل تُكلّف الأمة بالكفر بأمر يقع فيه الخلاف بين خيار رجالها ؟

هذه مِن شُبهات القوم ، وهذه بعض أجوبتها .. والله الهادي إلى سواء السبيل .

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 09:37 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
الدِّين النصيحة ..
وقد رأيت أن عامة من يخوض في مسائل التكفير مِمّن لم ترسخ أقدامهم في العِلم
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : ( كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ ) قال : حلماء فقهاء .

قال الإمام البخاري رحمه الله : ويُقال الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره .
عن سعيد بن جبير رحمه الله قال : ( كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ ) قال : علماء فقهاء .

وقال سفيان بن عيينة : يُراد للعلم : الحفظ والعمل والاستماع والإنصات والنشر . اهـ .

وسؤال أُوجِّهه لكل جرئ على التكفير :

هل تعلّمت العلم حتى تُناقش في الأمور الكبار ؟
هل طلبت العلم ؟
هل جالست العلماء وثنيت ركبك عندهم ؟

إنه لا يتكلّم في أمور الطب ولا يصف الدواء إلا طبيب حاذق درس الطب ما يزيد على ست سنوات من عمره !
ولا يتكلّم في هندسة البناء إلا من أمضى قريبا من ذلك في دراسة هذا العلم

وقل مثل ذلك في سائل العلوم

بل إنك أنت لو مرض لك قريب أو مرضت أنت لما ذهبت إلى سبّاك أو نجّار ! لتبحث عنده عن الدواء !

ولو تعطّلت سيارتك لما ذهبت للمنجرة لإصلاح عطل سيارتك !

إذا ( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )

وعلوم الشريعة يجب أن لا يتكلّم فيها إلا من درسها ومارسها
وليست علوم الشرع كلأ مباحاً لكل مُتعالم !

وقد قيل : لا تكن أبا شبر !

فمن هو أبو شبر ؟!
وما خبر الأشبار ؟!

قال الشيخ بكر أبو زيد في حلية طالب العلم وهو يذكر المحاذير في طريق طالب العلم :
احذر أن تكون أبا شبر !
فقد قيل : العلم ثلاثة أشبار
من دخل في الشبر الأول تكبّر
ومن دخل في الشبر الثاني تواضع
ومن دخل في الشبر الثالث علِم أنه ما يعلم

وإني لأحسب أن أبا شبر يشتغل بالتكفير !!

وهو لا يعلم أحكام المسح على الخفّين !!

وإن مما يُلحظ من بعض الشباب المتحمّس أنه يتحدّث في مسائل لو عُرضت على عمر رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر !
يعني أن عمر رضي الله عنه لما تنزل به النازلة والمسألة الكبيرة ما كان يُفاخر بعلمه ولا يُكابر ولا يدّعي أنه أعلم أهل زمانه – ومن هو عمر ؟ -
وإنما كان يجمع لها كبار أصحابه ، حتى يجمع لها كبار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا غزوة بدر .

فما بال بعضنا يتجرّأ على مسائل كتلك المسائل ؟!

وربما يُقحم نفسه في مسائل يتورّع عن الخوض فيها بعض كبار العلماء – لا خوفا ولكن ورعا –

هل تعلم أن الإمام مالك - الذي كانت تُضرب إليه أكباد الإبل ، وتُقطع لأجله المسافات ، ويُتحمل لأجله عناء الأسفار – وهو الذي كان يُسمى إمام دار الهجرة ( يعني إمام المدينة )
وهو الذي كان كأنه السلطان في زمانه يأمر وينهى وتهابه الأمراء
بل لما رأى ما رأى من أحد العلماء - وهو لم يعرفه – أمر بسجنه فسُجن

ومع ذلك كان يُكثر أن يقول : لا أدري !

بل قيل عُرضت عليه أربعون مسألة أجاب عن ثمان مسائل ! وقال في الباقي : لا أدري !

فهل قلت في يوم من الأيام : لا أدري !

إن من أغفل وترك ( لا أدري ) أصيبت مقاتله
ومن ترك ( لا أدري ) قال على الله بغير علم
ومن تجرأ على القول على الله قال على الله بغير علم

فأقِـلّ - أُخيّ – من القول على الله

لأن من قال بكل مسألة أخطأ ولا بُـدّ
ومن تكلّم بكل ما علِم وقع في القول على الله بغير علم الذي هو قرين الشرك بالله
قال الله عز وجل : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )

ولا بد من احترام العلماء وأهل العلم الذين أمضوا أعمارهم في دراسته وممارسته ، ولو أخطأوا .

فانظر في سيئاته تجد أنها تنغمر في بحور حسناته .

وانظر إلى أثر ذلك العالم في الأمة

ثم انظر إلى أثرك وماذا قدّمت – أنت – للأمـة ؟!

قدّم عمره في مدارسة العلم وتدريسه
وقدّمنا – نحن – الكلام في عرضه !
قدّم جهده ووقته
وقدمنا له الطعن

وهل هناك أحد بعد الأنبياء يخلو من الخطأ

من ذا الذي تُرضى سجاياه كلها = كفى المرء نُبلا أن تُعدّ معايبه

والله أسأل أن اكون وُفِّقت للهدى والرشاد والصواب .

والله تعالى أعلى وأعلم .

تمت بحمد الله ..

حول قصة حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه وأنه قد ظاهر كفار مكة ، ومع ذلك لم يُكفِّره النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن بعض أهل العلم يستدلّ على أنه ليست كل نوع موالاة يُعتبر كُفراً .

وقد رد عليّ أحد الأخوة وساق كلاما لأحد طلبة العلم فقال :

وسوف أجعل كلام الشيخ
باللون الأحمر
ثم اُجيب عنه :
قال الأخ المعترض :
وقد رد على هذه الشبهة ( الاستدلال بفعل حاطب ) أحد طلبة العلم فقال :
والجواب عن هذه الشبهة ... من وجوه :
الوجه الأول : أن هذا الدليل من أصرح الأدلة على كفر المظاهر وارتداده عن دين الإسلام ، وهذا يظهر من ثلاثة أمور في هذا الحديث :
الأمر الأول : قول عمر في هذا الحديث : دعني أضرب هذا المنافق ، وفي رواية : فقد كفر ، وفي رواية : بعد أن قال الرسول صلى الله عليه وسلم أوليس قد شهد بدراً ؟. قال عمر : بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك .
فهذا يدل على أن المتقرر عند عمر رضي الله عنه والصحابة أن مظاهرة الكفار وإعانتهم كفر وردة عن الإسلام ، ولم يقل هذا الكلام إلا لما رأى أمراً ظاهره الكفر .

وللجواب عما أورده الأخ الفاضل أقول :

هل من يستدل بالكتاب والسنة يُعتبر استدلاله شُبهة ؟!
ففعل حاطب جاء ذكره في الكتاب والسنة .
وقد علمت أن قصته مخرّجة في الصحيحين وغيرها من دواوين السنة .
وأن العلماء يستدلّون بهذا الحديث على عدم تكفير مَن والى الكفار بصورة من صور الموالاة .

أما الأجوبة عما ذكره الشيخ كإجابات على شُبهة من يستدلّ بالحديث فأقول :

قوله : أما الوجه الأول من الجواب الأول من أن هذا الحديث من أصرح الأدلة على كفر من ظاهر الكفار ، وأنه ورد في رواية : فإنه قد كفر ... إلخ .

فهذا قد أجاب عنه الحافظ في الفتح فقال :
وفي حديث بن عباس قال عمر : فاخترطت سيفي ، وقلت : يا رسول الله أمكني منه فإنه قد كفر . وقد أنكر القاضي أبو بكر بن الباقلاني هذه الرواية وقال : ليست بمعروفة ، قاله في الرد على الجاحظ لأنه احتج بها على تكفير العاصي ، وليس لإنكار القاضي معنى لأنها وردت بسند صحيح وذكر البرقاني في مستخرجه أن مسلما أخرجها ، وردّه الحميدي ، والجمع بينهما أن مسلما خرّج سندها ولم يسُق لفظها ، وإذا ثبت فلعلّه أطلق الكفر وأراد به كفر النعمة ، كما أطلق النفاق وأراد به نفاق المعصية ، وفيه نظر لأنه استأذن في ضرب عنقه فأشعر بأنه
ظن أنه نافق نفاق كفر ، ولذلك أطلق أنه كفر ، ولكن مع ذلك لا يلزم منه أن يكون عمر يرى تكفير من ارتكب معصية ولو كبرت ، كما يقوله المبتدعة ، ولكنه غلب على ظنه ذلك في حق حاطب فلما بين له النبي صلى الله عليه وسلم عذر حاطب رجع . اهـ .

وقال العيني في عمدة القارئ :
إن عمر رضي الله عنه إنما قال لحاطب : إنه منافق ؛ لأنه
ظن أنه صار منافقاً بسبب كتابه إلى المشركين . اهـ .

وقوله في الوجه الثاني من الجواب الأول : إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لما فهمه عمر ، ولم ينكر عليه تكفيره إياه ، وإنما ذكر عُذر حاطب .

فيَرِد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عن عمر وعن قوله حتى سأل حاطباً .

أليس الإعراض نوع إنكار ؟
ثم إن عمر رضي الله عنه لما اعتذر حاطب قال عمر مرة ثانية : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فلأضرب عنقه ! فقال عليه الصلاة والسلام : أليس من أهل بدر ؟

أليس من أهل بدر ؟

أليس هذا من الإنكار ؟
أم أن الإنكار أن يُضرب المخالف بالعصا ؟!!

ومما يدلّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عمر سؤاله لعمر هذا السؤال ثم جواب عمر بعد ذلك بقوله – بعد أن دمعت عيناه - : الله ورسوله أعلم .

كما يَرِد عليه أيضا أن عمر رضي الله عنه عُرف عنه هذا الأمر في الشدّة على المخالف ، كما وقع ذلك منه في حق عبد الله بن أُبيّ
فقد روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما بال دعوى جاهلية ؟ قالوا : يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال : دعوها فإنها منتنة . فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال : فعلوها ! أما والله ( لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ) فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام عمر فقال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعْـه ! لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه .

فهل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عمر يعني تصحيح ما عليه ابن أُبيّ ؟!

ولما قال رجل : اعدل يا محمد فإنك لم تعدل ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويلك ومن يعدل بعدي إذا لم أعدل ، فقال عمر : دعني يا رسول الله حتى أضرب عنق هذا المنافق . رواه أبو داود ، وأصله في الصحيحين .

فلم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ثم أخبر عن ذلك الرجل أن الخوارج يخرجون مِن صُلبه !
فهل يعني هذا إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لما قاله الرجل عندما سكت عن عمر حتى ولّى الرجل وذهب ؟!

بل لم يُنكر النبي صلى الله عليه وسلم على عمر قوله هذا إنكاراً صريحـا .

فهذه الأدلة تدلّ على أن عمر رضي الله عنه عُرف عنه هذا الأمر ، وهو الشدّة مع المخالف أو مع من يظن أنه صدر منه ما يقتضي النفاق أو الكفر .
كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح .

قال الحافظ في الفتح :
إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظن أن من خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل ، لكنه لم يجزم بذلك ، فلذلك استأذن في قتله ، وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر ، وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه . اهـ .

قال الشيخ في الوجه الثالث من الجواب الأول : أن حاطباً رضي الله عنه قال : وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام .
وهذا يدل على أنه قد تقرّر لديه أيضاً أن مظاهرة الكفار (كفر وردة ورضا بالكفر) ، وإنما ذكر حقيقة فعله .

فالجواب عنه أن هذا صدر منه في مقام الاعتذار .
وقد عقد الإمام البخاري عليه باباً فقال :
باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا ، وقال عمر لحاطب بن أبي بلتعة : إنه نافق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وما يدريك لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال : قد غفرت لكم .

كما يُجاب عما قاله بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يـرَ أن ما صدر من حاطب موجبا للكفر وإلا لأمر بضرب عُنقه ! أو لأمر باستتابته على الأقل .
فهل يفعل حاطب ما تقرّر لديه أنه كفر وردّة ورضا بالكفر ، ثم يحتاج إلى من يسأله قبل المعاتبة ، أو يَستفصل منه ، أو يَلتمس له العُذر ؟!

فلو كان هذا الفعل موجباً للكفر لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم .
ولو كان هذا الفعل موجبا للكفر فهل كان هناك من داعٍ للسؤال قبل المعاتبة ؟

ثم إن هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) نزلت في حاطب رضي الله عنه كما في الصحيحين .

وقد سـمّـى الله عز وجل فعله هذا موالاة للكفار ومودّة لهم .
فهل تُكفّرون حاطباً بذلك ؟!
الجواب : لا
فالآية صريحة
والحديث واضح الدلالة

قال الشيخ في الوجه الثاني : ولم تقع منه مناصرة للكفار على المسلمين مطلقاً ... ولم يكن ذلك منه مظاهرة لهم ولا مناصرة

هذا القول بعضه يردّ على بعض !
فإنه أورد فيه آية الممتحنة ، وفيها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ )
وفيها أيضا : ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ )

كما يردّه ما قرره هو سابقا مِن
( إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لما فهمه عمر ، ولم ينكر عليه تكفيره إياه )

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وقد تحصل للرجل موادّتهم لِرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافرا ، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله فيه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت والله لا تَقتله ولا تقدر على قتله . قالت عائشة : وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية ، ولهذه
الشُّبهة سمّى عمر حاطبا منافقا ، فقال : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال : إنه شهد بدرا ، فكان عمر متأولا فى تسميته منافقا للشُّبهة التي فعلها ، وكذلك قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، إنما أنت منافق تجادل عن المنافقين ! هو من هذا الباب ، وكذلك قول من قال من الصحابة عن مالك بن الدخشم : منافق . وإن كان قال ذلك لما رأى فيه من نوع معاشرة ومودة للمنافقين . ولهذا لم يكن المتّهمون بالنفاق نوعاً واحدا بل فيهم المنافق المحض ، وفيهم من فيه إيمان ونفاق ، وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق ، وكان كثير ذنوبهم بحسب ظهور الإيمان ولما قوى الإيمان وظهر الإيمان وقوته عام تبوك صاروا يعاتبون من النفاق على ما لم يكونوا يعاتبون عليه قبل ذلك . انتهى كلامه رحمه الله .

وهذا القول الفصل من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يُسقط ما استدلّ به الشيخ أو قال به .

كما قال الشيخ في الوجه الثالث : أن رسالة حاطب رضي الله عنه لكفار مكة ليست من المظاهرة والإعانة لهم على المسلمين في شيء .

أقول : أليس مِن المُناصرة إفشاء سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتمه عن كفار مكة ؟
أليس من المناصرة تنبيه الكفار إلى قوة المسلمين ، كما جاء في الكتاب الذي أرسله حاطب ؟
أليس من أعانتهم بالرأي والمشورة أن يُقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم على غزوكم ؟
وقد تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخفى أمره وأخذ بالأنقاب وقال: اللهم خذ أبصارهم فلا يروني إلا بغتة . فلما أجمع المسير كتب حاطب بن بلتعة إلى قريش يخبرهم بذلك . كما ذكر ابن سعد في الطبقات .

كما يردّه قول الشيخ نفسه :
وهذا من أعظم الدلائل على أن من ناصر الكفار بنفسه أو بماله أو بلسانه أو برأيه ونحو ذلك فقد ارتدّ عن دين الإسلام ، والعياذ بالله .

أليس إخبار كفار مكة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قصَدَهم وأراد غزوهم ليأخذوا أهبة الاستعداد وليتهيئوا لقتاله .. أليس هذا من الإعانة لهم بالرأي والمشورة والنصيحة ؟!
الجواب في الآية ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ )

كما أقول :
لو لم يكن في رسالة حاطب نوع موالاة أو مناصرة بالرأي لماذا نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن كتاب حاطب ؟
لكان أقل شأناً من ذلك ؟

هذا من وجه
ومن وجه آخر : لماذا ينتدب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من فرسان جيشه ليُدركوا المرأة قبل أن يصل الكتاب للكفار ؟!

فقد جاء في رواية في الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام وكلنا فارس . قال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين . الحديث .

لماذا يختار النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الفرسان لهذه المهمة ؟
ثم لماذا يأمرهم بالذهاب على وجه السرعة : انطلقوا ؟

إذا كان الكتاب ليس بكبير شأن ، والفعل كذلك ، لماذا كل هذا الاهتمام به ؟

فلو كان شأن الكتاب كما صوّره الشيخ لما كان من شأنه أن ينزل خبره من السماء ثم يكون من شأنه ما يكون !

والحديث بوّب عليه الإمام البخاري : باب الجاسوس ، وقول الله تعالى : ( لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ )

كما بوّب عليه أيضا : باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره .

وهذا يدلّ على أن فعل حاطب رضي الله عنه ليس بالأمر اليسير في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين .
ولا يُعفيه من المساءلة كونه في الجيش أو كونه ناصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله .

وأما قول الشيخ : الوجه السادس : أن يقال للمستدل بهذا الحديث على عدم كفر المظاهر :
هل هذا الحديث يدل على أن جميع صور مظاهرة الكفار ومناصرتهم ليست كفراً وردة ؟
فإن قال : نعم ، فقد خرق الإجماع ، ولا سلف له ، فلا كلام معه .
وإن قال : لا .
فيقال : فما الصور التي يكفر بها المظاهر للكفار .

فالجواب عنه من وجوه :

الأول : أن الله عز وجل سمى فعل حاطب رضي الله عنه موالاة ومودّة ، ولم يُكفَّر حاطب بفعله ، بل قبِل النبي صلى الله عليه وسلم عُذره .

الثاني : أنه لا يُستدلّ بالحديث على عدم كُفر المظاهر ، بل يُستدلّ به على أنه ليست كل مظاهرة أو مناصرة أو معاونة لهم بالرأي أو بالمشورة أنها تكون كفراً وردّة .

الثالث : أن تحرير المسألة يتبيّن بحدِّها وتعريفها
وقد سبق تعريف الموالاة
بأنه : النصرة والمحبة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطنا ، فموالاة الكفار تعني التقرب إليهم وإظهار الودّ لهم بالأقوال والأفعال والنوايا . اهـ .

وتقرر أن مسمى الموالاة لأعداء الله : يقع على شعب متفاوتة منها ما يوجب الردّة وذهاب الإسلام بالكلية ، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات .

فإذا عرفنا أن :
الولاية : هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطنا .
تبيّن لنا أنه ليست كل نُصرة ولا كل محبة ولا كل إكرام أو احترام أو مدح أو ثناء على الكفار أنه يكون موالاة مُخرجة من الملة ناقلة عن الدِّين .

وسؤال الشيخ : فما الصور التي يكفر بها المظاهر للكفار ؟

الجواب عنه في تعريف الموالاة
وهي ما توافر فيها : النصرة والمحبة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطنا .

كما يَرِد عليه السؤال :
إذا كنت ترى أن الموالاة أو المناصرة توجب الكفر والردّة ، فما هي الصور التي لا توجب ذلك ، والتي تجعلنا نسأل قبل الحُـكم : ما حملك على ما صنعت ؟!

والعلماء يعدّون لبس لباس الكفّار والتّشبّه بهم صورة من صور الولاء للكفار ، إلا أنها لا تُخرج من دين الإسلام ، وهذا محلّ اتفاق ، كما بسط القول فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم ، وقال به الشيخ حمد بن عتيق في سبيل النجاة والفكاك ، وكما ذكره الدكتور القحطاني في كتاب الولاء والبراء .

فهل من تشبّه بأعداء الله في لباس أو زيّ مما هو من خصائصهم يكون موالياً كافراً بذلك ؟
الجواب : لا
إذا هذه الصورة تنقض الوجه الأخير عند الشيخ .

وأما التفريق بين الموالاة والتولّي فهي مسألة اصطلاحية ولا مشاحّة في الاصطلاح .
ولا يلزم التفريق بين النوعين .
فقد رأيت عامة من كتب في هذه المسالة لم يُفرّق بين النوعين من المتقدمين والمتأخرين .

والله تعالى أعلى وأعلم .

ثم عرضت جميع ما كتبته في هذا الموضوع (1) على فضيلة شيخنا العلامة الشيخ د . عبد الكريم الخضير - الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض – فقرأها في البلد الأمين على عجل وعقب على قولي في آخر الموضوع الأول ( ولا بد من احترام العلماء وأهل العلم الذين أمضوا أعمارهم في دراسته وممارسته ، ولو أخطأوا )

فقال حفظه الله :
يُنظر مدى الخطأ ومدى تأثيره في الأمة ، وزلّة تُتّقى فإذا كثُرت زلاّته ينبغي التحذير منه بأسلوب يُحقق المصلحة وعدم الاغترار به ولا يترتّب عليه مفسدة ، والله المستعان .

----------------------------------
(1) جميع ما كتبته عرضته عليه ما عدا قولي : ( وأما التفريق بين الموالاة والتولّي فهي مسألة اصطلاحية ولا مشاحّة في الاصطلاح .
ولا يلزم التفريق بين النوعين .
فقد رأيت عامة من كتب في هذه المسالة لم يُفرّق بين النوعين من المتقدمين والمتأخرين )

و مما ينبغي أن يُعلم أنني هنا لا أتحدث عن الكافر الأصلي إذ قد فُرغ منه .
لأن من شُبهات القوم قولهم :
( مَن لم يُكفر الكافر فهو كافر )
وهذا لا خلاف فيه بالنسبة للكافر الأصلي ، أما المرتد ومن طرأ عليه الكفر فقد علمت ما فيه من الخلاف .
ولذا جرى الخلاف بين علماء السنة في تكفير الخوارج رغم ما ورد فيهم من النصوص الصريحة الصحيحة .

ولذا يقول العلماء : لا ينبغي الخلاف في تكفير الرافضة
ووُجد من العلماء قديما وحديثا من يتوقف في تكفير الرافضة ، وإن كان لا ينبغي الخلاف في تكفيرهم !
فهل من يتوقف في تكفير أمثال هؤلاء يُعتبر كافراً ؟
الجواب : لا .


~ آلغربآء ~ 19-12-2009 09:40 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
العقـوبات المـالـيَّـة

الـمُـقدِّمَـة
الحمد لله الذي شرع لنا الدين القويم ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين .
أما بعد :
فإن شريعة الإسلام لما كانت خاتمة الشرائع اشتملت على مصالح العباد في دينهم ودنياهم ، كما تضمّنت من الآداب والأدب ما تُحْفظ به الحقوق ، وتُردع به النفوس المريضة ، وتُكفّ به النـزّعات الجامحة ، وتنتهي النفوس الضعيفة عما تَروم .
كما أن شريعة الإسلام جاءت بِحِفْظِ الكليات والضرورات الخمس .
قال الشاطبي :
الأصول الكلية التي جاءت الشريعة بِحِفْظِها خمسة : وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال ([1]) .
وقال : تكاليف الشريعة تَرجع إلى حِفظ مقاصدها في الْخَلْق ([2]) .
ومن أجل ذلك شُرِعت الحدود والعقوبات .

والعقوبات تنقسم إلى أقسام ثلاثة :
1 – عقوبات متعلقة بالبدن ، وهي العقوبات البدنية ، كالتعزير دون الحدود ([3]) .
2 – عقوبات متعلقة بالمال ، وهي العقوبات المالية ، وهي مَناط البحث .
3 – عقوبات مالية وبدنية ، كإلزام من جَامَع قبل التحلل الأول بإتمام حَجِّهِ وإعادته مِن قابِل ([4]) ، وهذا من باب العقوبات .
ولأهمية هذه المسائل فقد أحببت بحث مسألة العقوبات المالية حيث جَرى فيها الخلاف بين الفقهاء ، ولأني لم أرَ من بحثها بحثا مُستقلاً .
وعلاقة هذا البحث بآيات الأحكام أن هناك مَن تناول هذه المسالة في تفسير قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية [الأنفال: 41] ([5]) .
وهناك مَن تناوله في تفسير قوله تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل:126] .

وقد جَعَلتُ البحث في مقدمة وخاتمة ومبحثين .
فالمبحث الأول في تحرير محل النِّـزاع .
والمبحث الثاني في حُكم العقوبات المالية .
وإذا خرّجت الحديث ، فإن كان في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيتُ بِذكره لشهرتها ، مُكتفياً برقم الحديث ، وإليه الإشارة بحرف (ح) .
وإن كان الحديث في غيرهما ذكرت تصحيحه وتضعيفه مما وقفتُ عليه من كلام أهل العلم قديما وحديثاً .
وإن كان الحديث في غير الصحيحين خرّجته من مسند الإمام أحمد والسُّنن الأربع المشهورة ، ولا أخرج عنها إلا لزيادة فائدة .

وأسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأن يُلهمنا رُشدنا ، وأن يُجنِّبنا الزلل .
وهذا أوان الشروع في المقصود ، فأقول مُستعيناً بالله :

تابع البحث على ملف وورد 6.doc ـ 6.zip

-------------------------
[1] الموافقات (3/47) .
[2] الموافقات (2/8) .
[3] ستأتي الإشارة إلى الفرق .
[4] نَقَل النووي في المجموع (7/333 وما بعدها) الأقوال في هذه المسألة . ويُنظر : الاستذكار ، لابن عبد البر (4/257) .
[5] تناوله الشنقيطي في مسألة تحريق رَحْل الغالّ ، وسيأتي النقل عنه في موضعه .

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 09:46 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
أحكام الخُـلْـع
أحكام الخُـلْـع

الحمد لله الذي شرع لنا الدين القويم ( دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

أحمده سبحانه وتعالى وأستعينه وأستغفره حيث ما جعل علينا في الدِّين من حرج .

والصلاة والسلام على من بعثه ربه بالحنيفية السمحة ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة . رواه الإمام أحمد .

فديننا وسط بين إفراط اليهود وتفريط النصارى .

وهو وسط في العبادات ، ووسط في المعاملات .
يُعطي كل ذي حق حقّـه ، من غير إجحاف ولا تطفيف .

ومن هنا فإن قضايا المعاملات لم تُترك لأهواء البشر ولا لتصرّفاتهم إذ يَحْكُم ذلك النزعات الفردية ، والأهواء الشخصية ، والمصالح المشتركة لكل طائفة على حساب الأخرى .
فقد جاء الإسلام بقضايا المعاملات بين الناس أنفسهم ، كما جاء بقضايا المعاملات بين الناس وبين خالقهم .

والعلاقات الزوجية جزء من المعاملات بل من أهم المعاملات لطولها وملازمتها في الغالب ، لذا فقد جعل الإسلام فيها ومنها المخرج لكلا الطرفين نظرا لأنه قد يشوبها ما يشوبها من كدر وضيق .

ومن هنا كان اقتراح الأخت الفاضلة فدى – بارك الله فيها - في إجرءا هذا اللقاء حول هذه المسألة ، ألا وهي الخُـلْـع .

فأما تعريفه فـ :

الخُـلْـع في اللغة مأخوذ من خَلَعَ الثوب .
وهو بالضمّ (الـخُـلْـع ) اسم .
وبالفتح (الـخَـلْـع ) المصدر .
ومعناه في اللغة واسع .
وأما في اصطلاح الفقهاء فهو :
فراق الزوج زوجته بِعوض بألفاظ مخصوصة .

فائدته :
تخليص الزوجة من زوجها على وجه لا رجعة فيه إلا برضاها ، وبعقد جديد .

الأصل فيه :
قوله تعالى : ( وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ )

ومِن السُّـنّة قصة امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه وعنها
والقصة أخرجها البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟
قالت : نعم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقبل الحديقة ، وطلِّقها تطليقة .
و
في رواية له أنه عليه الصلاة والسلام قال : فَتَرُدِّينَ عَليْهِ حَديقَتَهُ ؟ فقالَتْ : نَعَمْ . فَرُدَّتْ عَليْهِ ، وأمَرَهُ ففارَقَها .

السؤال :
إذا كان الطلاق بيد الرجل .. فما الذي جعله الشرع بيد المرأة ؟
وما سبيلها إلى إنهاء العلاقة الزوجية مع زوجها إذا كرهت الحياة معه لغلظ طبعه , أو سوء خلقه , أو لتقصيره في حقوقها أو لعجزه البدني أو المالي عن الوفاء بهذه الحقوق أو لغير ذلك من الأسباب ؟؟
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً : ينبغي أن يُعلم أن الحياة الزوجية قائمة على ركنين :
المودّة والمحبة
والرحمة المتبادلة
وقد يضعف الركن الأول وعندها يجب أن يقوى الركن الثاني

أما لماذا ؟
فلأنه قد يكون هناك ما يدعو إلى بقاء هذه الحياة الزوجية بين الزوجين ، كوجود أولاد ونحو ذلك ، ولا يكون هناك بغض وكراهية ، بل تضعف المحبة والمودّة بين الزوجين .

ولذا قال عمر رضي الله عنه : ليس كل البيوت يبنى على الحب ، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام .

وقد يُحب الرجل في زوجته خلقا من الأخلاق أو صفة من الصفات فيُبقيها لأجل هذه الصفة ، ومثله الزوجة .
إلا أنه ينبغي أن لا يغيب عن أذهان كل من الزوجين رحمة كل طرف بالآخر ، وإن ضعفت المحبة والمودّة .

وأن تتذكّر المرأة فضل الصبر على الزوج ، وأنه يستحيل وجود زوج خال من العيوب .

إذا عُلم هذا فيأتي الجواب عن الشق الأول من السؤال :

وهو : ما الذي جعله الإسلام بيد المرأة ؟
عندما يكره الرجل زوجته وتقع البغضاء وربما العداوة والشحناء ، وعندما يُخفق في علاج هذه الأمراض الأُسريّة فإنه قد يلجأ إلى الطلاق ، وإن كانت الشريعة الغراء قد وضعت ضوابط وحلول قبل الإقدام على الطلاق ، كأن لا يُطلّق في حيض ولا في طهر جامع فيه ، وأن يلجأ إلى التحكيم قبل الطلاق .

وأما المرأة فإنها إذا وقع لها مثل ذلك فإنها تلجأ أولاً إلى الإصلاح ثم إلى التحاكم أيضا فإذا لم يُجد ذلك شيئا فإن لها حق المخالعة .
فتتفق مع زوجها على أحد ثلاثة أمور :
إما أن تُعيد له ما دفعه من مهر
أو أقل منه
أو أكثر

فإذا لم يقبل بذلك فإن لها حق اللجوء إلى القضاء ثم للقاضي أن يخلع الزوجة من ذمة زوجها ولو بالقوّة .

ولكن وإن قلنا بالمخالعة وأنه يجوز للزوج أن يقبل ويأخذ ما دفعته الزوجة إلا أنه ينبغي على الزوج أن لا يغيب عن ذهنه قوله تبارك وتعالى : ( وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ )

وهنا قد يرد السؤال :
لماذا جُعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة ؟
فأقول :
القاعدة أن الغُنم بالغُرم
ما معنى هذا الكلام ؟

الغُنم من الغنيمة والكسب
والغُرم هو من الغرامة والخسارة

والعرب تقول : يتولّى حارّها من تولّى قارّها !
أي من تولى بارد الشيء ويسيره يتولّى شدّته .

فالذي تولّى النفقة وأُلزِم بها هو الذي يتولّى الطلاق
ثم إنه حُمّل القوامة فيكون الطلاق بيده

ثم إن المرأة عاطفية تغلب عليها العاطفة ، وهذا مدح وليس ذمّ ، إذ خلقها الله عز وجل عاطفية لحاجة الأم والولد إلى العاطفة وإلى مزيد من الحنان .

إذا السبيل إلى إنهاء تلك الحياة الزوجية التي لم يُكتب لها الاستمرار هو الطلاق من قبل الزوج ، والخُلع من قبل المرأة .

وهذا من حكمة الشريعة الإسلامية التي هي شريعة ربانية خالية من أهواء البشر

إذ أن بعض الديانات – كالنصرانية – لا يُمكن أن يوقع الطلاق ، ولذا يلجأ بعض الأزواج إلى التخلّص من زوجته ، وهذا موجود في زماننا هذا بالأرقام والإحصائيات في أوربا وأمريكا .

كما أنهم يجعلون الطلاق بيد المرأة !
وهذا إجحاف في حق الزوج
إذ الزوجة عندهم تُطلّق ، والزوج لا يستطيع ذلك !

مع أن هذا بخلاف ما جاء في كتبهم المقدّسة وإن دخلها التحريف !

السؤال :
وما هي الأسباب الموجبة لإقرار الخلع والتي يحق للمرأة بموجبها طلب إنفاذ الخلع من زوجها ؟؟
الجواب :
أسبابه :
= كراهية المرأة لزوجها ، دون أن يكون ذلك نتيجة سوء خُلق منه ، كما قالت زوجة ثابت بن قيس رضي الله عنها وعنه .
= عضل الزوج لزوجته ، بحيث يكره الزوج زوجته ولا يُريد أن يُطلّقها فيجعلها كالمعلّقة ، فتفتدي منه نفسها بمالها ، وإن كان يحرم عليه فعل ذلك .
= سوء خُلُق الزوج مع زوجته فتُضطر الزوجة إلى المخالعة .
= إذا خافت الزوجة الإثم بترك حقِّ زوجها .
والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :
- ما هي الشروط الواجب توفرها لصحة الخلع ؟؟
الجواب :
أولاً : أن يكون هناك ما يدعو إليه ، إذ قد ورد الوعيد الشديد على من طلبت الطلاق دون سبب
قال عليه الصلاة والسلام : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . رواه الإمام أحمد وغيره ، وصححه الألباني .

ثانيا : أن يكون على عِوض ، أي على مُقابل تدفعه الزوجة
فإن لم يكن مُقابل فهو طلاق من جهة الزوج .

ومن جهة الزوج أن لا يكون نتيجة عضل ومُضارّة بالزوجة لتخالعه ، لقوله تبارك وتعالى : ( وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً )

ثم ذكّر الأزواج بما كان بينهم فقال : ( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا )

- وما هي الأسباب الموجبة لإقرار الخلع والتي يحق للمرأة بموجبها طلب إنفاذ الخلع من زوجها ؟؟

وأما الأسباب التي تدعو إلى الخُلع فقد سبقت الإشارة إليها .

ويُضاف إليها أيضا ما لو كان الزوج ضعيف الدِّين ويرتكب بعض ما حرّم الله من الكبائر ولا تستطيع الزوجة الصبر على ذلك كما أنها لا تستطيع إثبات ذلك لدى المحاكم وهو لا يُريد أن يُطلّق فإنها تُخالعه .

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 09:52 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
السؤال :
- وهل يمكن اعتبار الخلع هو الحل للخلافات الزوجية وللعديد من القضايا التي قد تستمر في المحاكم لسنوات طويلة بدون حل ؟؟
الجواب :

والخُـلع هو أحد الحلول الشرعية للمشكلات الزوجية
إذ أن بعض الأزواج يحمله سوء الخلق أو اللؤم أحيانا على مُعاشرة زوجة لا تُحبه بل تكرهه
أو لا يُريد أن يوقع الطلاق بل يُريد أن تطلب منه ذلك ليذهب بما أعطاها من مهر أو يأخذ العِوض والمقابِل على الطلاق .

ومثله التحاكم الذي شرعه الله عز وجل لعباده في حال وقوع الخلاف والشقاق بين الزوجين .

السؤال :
هل تمنع الزوجة من أن تشم رائحة الجنة إن طلبت الخلع كما في الطلاق ، حيث ان كل امرأة تطلب الطلاق من زوجها لا تشم رائحة الجنة ؟
الجواب :
سبقت الإشارة إلى حديث : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . رواه الإمام أحمد وغيره .
وهذا الحديث رواه أبو داود في كتاب الطلاق . بابٌ في الخلع .

وهذا مُقيّد بما إذا كان من غير بأس
من غير سبب
من غير وجود عُذر شرعي

أما إذا وُجد السبب من كراهية أو شقاق وخلاف مستمر أو غير ذلك مما سبقت الإشارة إليه من الأسباب فيجوز لها أن تطلب الطلاق أو أن تُخالعه .

ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على زوجة ثابت بن قيس رضي الله عنها وعنه لما قالت : يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟
قالت : نعم . رواه البخاري .
وسبقت الإشارة إليه في المقدمة .

ففي هذا الحديث أنها سألته الطلاق ؛ لأنها لم تُحبّـه
وفيه أنها ردّت عليه المهر ؛ لأنها هي التي طلبت الطلاق .

فهي لا تعيبه في خلق ولا دين ولكنها لا تُحبّه

قال ابن حجر رحمه الله :
قولها : ولكني أكره الكفر في الإسلام : أي أكره أن أقمت عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر ، وانتفى أنها أرادت أن يحملها على الكفر ويأمرها به نفاقا بقولها : لا اعتب عليه في دين ، فتعيّن الحمل على ما قلناه . انتهى .

فهي تكرهه ، ومعلوم أن الحب من الله لا يأتي بوصفه
فبعض النساء من أول أيامها ربما لا تُطيق حتى النظر إلى زوجها
والحب والمحبة من الله ، فلا تأتي بالقوّة !
قال عليه الصلاة والسلام : إن الـمِـقَـة من الله . رواه الإمام أحمد وغيره .
والمقة هي المحبة
.

السؤال :
هل للزوجة عِـدّة بعد الخلع ؟
الجواب :
أما المختلِعة فقد اختلف العلماء في عِدّتها : هل تعتد بعد الخلع بحيضة أو تعتد كعدّة المطلّقة ؟

والصحيح أنها تعتدّ بحيضة واحدة لما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدّتها حيضة .

وروى ابن أبي شيبة عن نافع عن بن عمر أن الرُّبيِّع اختلعت من زوجها فأتى عمها عثمان ، فقال : تعتد بحيضة . وكان ابن عمر يقول : تعتد ثلاث حيض حتى قال هذا عثمان ، فكان يُفتي به ويقول : خيرنا وأعلمنا .
يعني بذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه .

فإذا حاضت بعد الخُلع ثم طهرت فقد انقضت عدّتها .

والسبب في ذلك - والله أعلم -
أن العِدّة جُعلت في حال الطلاق بثلاث حيض – في غير الحامل –
حتى يحصّل التّروّي والمراجعة ، ولذلك لا يُخرج الرجل زوجته من بيته إذا طلّقها طلاقا رجعيا ولا يحل له ذلك .
قال سبحانه وتعالى : ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ )

أما لماذا ؟
فـ ( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا )

ومن الحكمة أيضا في التروّي والمراجعة ورأب الصدع أن لا يقع الطلاق في طُهر وقع فيه جماع ، ولا يوقع في حال حيض لتغيّر نفسية المرأة في ذلك الوقت .

السؤال :
هل يجوز للزوجة ان تعود إلى زوجها..بعد الخلع ،، إن ندمت ؟
وكيف يتم ذلك ؟
الجواب :

رجوع الزوجة إلى زوجها بعد المخالعة محلّ خلاف أيضا .

والصحيح – والله أعلم – أنه يجوز لها أن ترجع إليه ، ولكن بعقد جديد ومهر جديد .

فإذا ندمت الزوجة بعد وقوع الخلع ورغب بها الزوج فإنه لا بّد من عقد جديد وتسمية مهر جديد أيضا ولو كان يسيراً .

السؤال :
في كندا.. إن لم يكن هناك إمام، فهل يجوز أن يتم الخلع في المسجد مع وجود الشهود..؟
الجواب :
لا إشكال في أن يتم الخلع في المسجد ويشهد عليه الشهود لتُضبط الأمور .

لأنه لا يقع إلا في حال شقاق ونزاع فيُخشى من إنكاره .

والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :
1- معلوم ان الخلع حق من حقوق الزوجة تتنازل بموجبه عن بعض الحقوق لتكسب حريتها المتمثلة بالطلاق متى يحق لها ان تستخدم هذا الحق ؟
2- ما هي الظروف التي اذا وجدت تعطى المرأة الحق في طلب الخلع ؟
الجواب :
المعنى في السؤالين واحد :

فيحق للزوجة أن تستخدم هذا الحق ( الخُلع ) عندما يكون هناك ما يُبرر طلب الطلاق .
كأن تكون المرأة تكره زوجها كرها شديداً .
أو لا ترضى دينه ( كأن يكون يشرب الخمر أو يتعاطى المخدّرات أو يرتكب فاحشة الزنا )
أو يكون سيئ الخُلُق ، ولو كان على دين وصلاح .
أو يكون كثير الضرب لها من غير مُبرر
أو ترى المرأة أن زوجها يُبغضها ويُضيّق عليها ويؤذيها لأجل أن تطلب هي الطلاق حتى تُفاديه بمالٍ مُقابِل ذلك .

ونحو هذه الأعذار

فهذه أعذار تُجيز للمرأة أن تطلب الخُلع ، وإن كان الصبر – أحياناً – أفضل من المخالعة .

وإنما جُعل الخُلع على عِوض ومُقابل مادي حتى لا تتسرّع إليه المرأة لأدنى سبب ، بل تعلم أنها سوف تدفع ما يُقابِل ذلك .

والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :
هل يصح الخلع في أي وقت ؟
الجواب :
المسألة محلّ خلاف بناء على الاختلاف : هل الخُلع طلاق أو فسخ ؟

والذي يظهر أنه فسخ
ولا يُشترط له ما يُشترط للطلاق مِن أن يكون الطلاق في طُهر لم يقع فيه جماع ، وأن لا يكون في وقت حيض .
كما أنه لا يُشترط له – على الصحيح – عِـدّة ، كما سبق بيانه .

والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءته زوجة ثابت بن قيس رضي الله عنها وعنه تُريد مخالعة زوجها سألها إن كانت تردّ عليه المهر ، وهو الحديقة التي أهداها إياها ، فلما قالت : نعم أمره عليه الصلاة والسلام أن يُفارقها ، ولم يسألها عن حالها .

بخلاف حال ابن عمر رضي الله عنهما الذي طلّق في حال حيض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يردّ زوجته لأن هذا من الطلاق البدعيّ .

والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :

هل يجوز لبعض الأزواج المطالبة ببدل نقدي مبالغ فيه عدا عن تنازل الزوجة عن جميع حقوقها المالية ؟؟!!
الجواب :
يجوز أن يكون الخُلع على مبلغ أقلّ من المهر
ويجوز أن يكون على مبلغ أكثر ، إلا أن القاعدة : لا ضرر ولا ضرار .
فلا يضارّ الزوج بزوجته
والأغلب أن يكون على مقدار ما دفعه من مهر

إلا أنه ينبغي أن تُبنى هذه الأمور على المسامحة لسابق العِشرة بين الزوجين .

السؤال :
- وهل يُشترط في الخلع التلفظ أم أن الكتابة تكون كافية ويُعتبر الخلع صحيح ونافذ ؟؟!!
الجواب :
إذا كانت الكتابة مِن قِبَل الزوج فتعتبر كافية
وهذا من إقامة الكتابة مقام العبارة ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

السؤال :
يرى بعض المحللين والمراقبين لتطبيق قانون الخلع في بعض الدول العربية مؤخراً أن قانون الخلع لا يُنصف الزوجات لأنهن سوف يتنازلن عن كل مستحقاتهن المالية ويخسرن جميع الحقوق المستحقة لهن من مؤخر صداق وأثاث منزلي وغير ذلك . ولذلك فعند حدوث أي مشكلة فالزوجات يرفضن اللجوء إلى الخلع لأن طرق التقاضي بالطلاق تحفظ لها حقوق عديدة لا يكفلها الخلع .
فما رأي فضيلتكم في هذا الرأي ؟؟ وبماذا تردون عليهم ؟؟
الجواب :
الخُـلع ليس ورقة رابحة في يد المرأة تلوّح بها متى شاءت !
وإنما هو حل من الحلول
والحلول منها ما يمكن أن يكون أولـيّـاً ومنها ما يكون كمبضع الجرّاح .
كما تكون الحلول في علاج النشوز ( وعظ فهجر فضرب غير مبرّح )

وقد يكون العلاج مؤلما ساعة تلقي المريض له ، ولكن عاقبته سليمة
وكذلك الأمر بالنسبة للخلع
لا تُكره عليه المرأة ولكنه حق من حقوقها إذا ما كانت الأسباب الداعية إليه من قِبلها أو أرادت أن تشتري كرامتها وتحفظ نفسها من أن تُهان .
وإن كان هذا الأمر محرّم في حق الرجل
أي أن يؤذيها ويعضلها حتى تطلب منه الطلاق .
قال سبحانه وتعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )

ولكن الزوجة قد تجد نفسها مُضطرّة لمخالعة زوجها في ظروف معينة .
والعلماء يُشبّهون المخالعة بفكاك الأسير نفسه من آسره .

السؤال :
هل حكم الخلع في الإسلام مثل حكم الطلاق .. أم أن هناك فرق بينهما ؟؟ أي هل يعتبر الخلع طلقة أم لا ؟؟
الجواب :
هناك فروقات بين الخلع والطلاق سبقت الإشارة إلى بعضها
ففرق بين الخلع والطلاق من حيث العِدّة
وفي وقت إيقاع كل منهما
ولا يترتب عليه نفقة ، بخلاف الطلاق الرجعي

وأما هل يُعتبر طلاقا أو لا ؟
فتقدمت الإشارة إلى خلاف العلماء : هل هو طلاق أو فسخ ؟
والتفصيل والترجيح .. كل ذلك تقدّم .

ولا يُعتبر طلاقا على الصحيح من أقوال أهل العلم .
وإن كانت تحصل به الفُرقة بين الزوجين كما سبق بيانه .

السؤال :
هل يُشترط إثبات المخالعة رسمياً في المحاكم أم تصح بمجرد وجود شهود عليها ؟؟
الجواب :
لا يُشترط أن يكون إثبات الخلع في المحاكم ، إلا أنه أثبت وأضبط للأمور إذا ضُبِطت وقُيّدت بالمحاكم الشرعية .

السؤال :
هل يُشترط أن يكون الخلع مشروطاً بدفع النقود المتداولة بين الناس أم يجوز فيه أي منفعة تقابل بالأموال ؟؟
الجواب :
لا يُشترط في الخلع أن يكون نقدا بل إذا كان المهر عيناً أو منفعة وردّتها إليه صح أن يكون خُلعا
ومثله لو اتفقت الزوجة مع زوجها على وضع مؤخر الصّداق – مثلا – جاز
ويصح أن يكون مُقابل أن تُسقط عنه نفقتها إذا كانت حاملا ؛ لأن الحامل تجب لها النفقة ، لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ )
ويصحّ الخلع مُقابل مجهول ، كأن تُخالعه على شاة من غنمها ونحو ذلك .

السؤال :
وهل يجوز أن يكون التخلي عن الأطفال هو بدل للخلع ؟؟
الجواب :
يجوز أن يكون تخلّي الزوجة عن حضانة أطفالها مُقابل الخُلع ؛ لأن الزوجة أولى بحضانة أطفالها ما لم تتزوّج .
والله أعلم .

السؤال :
ما أوجه الشبه والاختلاف بين الخلع وبين المباراة ؟؟
الجواب :
المباراة يُملِّكون بها المرأة أمر نفسها
ولا يُشترط فيها أن تكون على عِوض

بخلاف الخُلع
فإنه لا يُجعل فيه أمر المرأة إلى نفسها بل هو فسخ كما تقدّم بيانه
ويُشترط فيه أن يكون على عِوض

السؤال :
نرجو أن تحدثنا شيخنا الكريم - بحكم موقعكم ومكانتكم الكريمة - عن مدى تطبيق هذا الحكم الشرعي ( الخلع ) في محاكم المملكة العربية السعودية .. ؟؟
الجواب :
= أما ما أعرفه عن المحاكم أنه يُطبق فيها ، وهو حُكم شرعي لا حرج فيه ولا في طلبه من قِبل المرأة

السؤال :
وهل تجد النساء هناك حرجاً في اللجوء إلى هذا المنفذ - الذي أباحه الله لها ؟؟
الجواب :
وتلجأ بعض النساء إليه في بعض الظروف
وقد يتولّى المطالبة به أحيانا وليّ المرأة إذا وكّلته على ذلك .

السؤال :
امرأة كانت ذات زوج فطلقها .. ثم تزوجت غيره فطلبت الخلع لعلةٍ شرعية ..
هل يجوز لها أن ترجع لزوجها الأول ؟؟ أم لابد أن يكون الزواج الثاني انتهى بطلاق لا بخلع .
الجواب :
شرط عودتها لزوجها السابق أن تنكح زوجا غيره بغير قصد التحليل
لقوله تبارك وتعالى : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ )
فقوله : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا ) يعني الطلقة الثالثة .

والمقصود أن تنكح زوجا غيره .
ويُشترط أن لا يكون تزوجها ليُحلِّلها لزوجها الأول
ولقوله عليه الصلاة والسلام : ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : هو المحلِّل ، لعن الله المحلِّل والمحلَّل له . رواه أبو داود .

ويُشترط في هذا النكاح أن تقع المعاشرة بين الزوجة وزوجها الثاني حتى تحلّ لزوجها الأول

فقد روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : كنت عند رفاعة فطلقني فَأَبَتّ طلاقي ، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير إنما معه مثل هدبة الثوب ! فقال : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك . وأبو بكر جالس عنده وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يُؤذن له ، فقال : يا أبا بكر ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فلا والله ما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم !

وقد أشرت فيما سبق إلى إمكان رجوع الزوجة إلى زوجها ولو بعد الخلع ، ولكن بعقد جديد ومهر جديد .

والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :
هناك من النساء . من تستخدم الخلع .. لكي تتخلص من زوجها لأسباب تافهة أو أعذار واهية لا تستدعي فسخ هذه العلاقة الزوجية .. وعندما تنصح بأن تتقي الله وتحافظ على زوجها وأسرتها تحتج بأن الشرع أعطاها هذا الحق ولها أن تستخدمه وقتما تشاء .
ونحن نعلم أنه الشرع أعطاها هذا الحق إذا كانت الحياة مع زوجها لا تطاق أو استفحل أن تعود المياه بينهما إلى مجاريها .
فما حكم فعلها ذلك .. وما هي نصيحتكم لمن تحاول أن تسلك هذا المسلك ؟؟
الجواب :
تقدّم أن الخُلع حل من الحلول للحياة التي تصل إلى طريق مسدود
وأنه ليست ورقة رابحة في يد المرأة تستعمله متى شاءت

كما سبقت الإشارة إلى أن قوله عليه الصلاة والسلام : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . رواه الإمام أحمد ، ورواه أبو داود في كتاب الطلاق . بابٌ في الخلع .
وأن هذا الوعيد يشمل الخُلع الطلاق .

وأُشير هنا إلى قوله عليه الصلاة والسلام : المختلعات هُنّ المنافقات . رواه الترمذي ، وصححه الألباني .

وهذا إذا كان الخُلع من غير سبب .

فالخُلع يُشبه الكيّ ، لا يُلجأ إليه عند الاضطرار إليه .

ومما ينبغي أن يُعلم أن الخُلع يأخذ الأحكام الخمسة ، فيكون في بعض الحالات :
حراماً
أو مكروها
أو جائزا
أو مستحبا
أو واجباً

وتفصيل الحالات في كُتب الفقه .

وهذا يعني أنه ليس تسلية ولا ألعوبة في أيدي الناس !

والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :
من خلال دراسة لقوانين الأحوال الشخصية في أثنى عشرة دولة عربية وموقفها من طلاق الخلع بحكم القضاء باعتباره من الحقوق الشرعية للمرأة، تبين الاختلاف البين حيال هذا الحق للزوجة حيث اشترطت غالبية القوانين توافر الرضا الصريح والمسبق للزوج قبل الحكم بها من القضاء في ثلاث دول عربية (الجزائر، ليبيا، ومصر) مما يؤكد أن الطبيعة القانونية لطلاق الخلع غير محددة في هذه القوانين ..
فهل يُشترط شيخنا الفاضل موافقة الزوج ورضاه قبل المباشرة بتطبيق الخلع ؟؟
الجواب :
يحتاج الكلام أحيانا إلى الدّقَّـة عند الإطلاق ، فالقول بأن دراسة القوانين في اثنتي عشرة دولة بحاجة إلى أن تكون الدراسة توافق الواقع .
هذا من ناحية
ومن ناحية أخرى فإن أكثر الدول العربية لا ترفع بحكم الله رأساً ، ولا تعبأ به أصلاً .
أما اشتراط رضا الزوج ففيه تفصيل :
إن كان ابتداء فيُشترط رضاه ، نظرا لعِظم حق الزوج .
وإن امتنع فللقاضي أن يخلع الزوجة من زوجها ولو بغير رضاه .

السؤال :
وهل يجوز لشخص أجنبي أن يتفق مع الزوج على أن يخلع الزوج زوجته بحيث يتعهد هذا الشخص بدفع بدل الخلع للزوج لتتم الفرقة بينهما ؟؟
الجواب :
يجوز لشخص أجنبي أن يتبرّع ببذل العِوض
ونص العلماء على أنه يصحّ بذل العوض ممن يصحّ تبرّعه ، وهو العاقل الرشيد .
وعلّلوا ذلك بأنه بذل مال في غير مُقابلة ولا منفعة .

ولكن ينبغي التنبه هنا إلى أنه لا يجوز لشخص أجنبي أن يتفق مع ذات زوج لا تُريده فيتّفق معها على أن تُخالِع زوجها ويدفع هو العِوض على أن تتزوّجه
لأن هذا من المواعدة في السرّ التي نهى الله عنها بقوله : (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا )

ولأن هذا من إفساد الحياة الزوجية بين الأزواج ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ليس منا من خَـبّب امرأة على زوجها . رواه الإمام أحمد وأبو داود .

السؤال :
وهل يتقيد الخلع بوقت معين أو حال معين بالنسبة للمرأة ( مثل الحيض والنفاس ) كما هو في حال الطلاق ؟؟
الجواب :
لا يتقيّد الخلع بما يتقيّد به الطلاق
وقد تقدّم الكلام حول هذه المسألة ، وأن الخُلع فسخ وليس طلاقاً ، وسبقت الإشارة إلى الخلاف في المسألة .

كما سبقت الإشارة إلى سبب ذلك .

والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :

شيخنا الفاضل ..
قبل أن ننهي لقاءنا المبارك مع فضيلتكم .. نرجو أن تتفضلوا بتوجيه كلمات ناصحة وبعض التوصيات للمرأة المسلمة تعينها على إصلاح حياتها الزوجية مما لا يضطرها إلى اللجوء إلى طلب الطلاق أو الخلع اللذان قد ينبني عليهما الكثير من المشاكل والأحقاد والظلم للأبناء كما نرى ذلك في كثير من الأسر في وقتنا الحاضر ؟؟
الجواب :
أما الوصية فهي وصية الله للأولين والآخرين ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )
ووصيته لعباده المؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

قال ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير هذه الآية : حقّ تقاته : أن يُطاع فلا يُعصى ، وأن يُذكر فلا يُنسى ، وأن يُشكر فلا يُكفر .

والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى الأزواج فقال : استوصوا بالنساء خيرا . رواه البخاري ومسلم .

وقال : لا يَفْرك مؤمن مؤمنه ؛ إن كره منها خُلًقاً رضيَ منها آخر . رواه مسلم .

ويُقال مثل ذلك في حق المرأة
وإن كان حق الزوج على زوجته أعظم
وسبقت الإشارة إلى ذلك هنا :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?s=&threadid=9787&highlight=

وهنا :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?s=&postid=96221#post96221

ثم ليُعلم أنه ليس كل البيوت يتُبنى على الحب ، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام . كما قال عمر رضي الله عنه .

فلا تتصوّر المرأة أن توجد حياة زوجية خالية مما يشوبها أو يُكدّرها ولو في وقت من الأوقات ، إذ هذه طبيعة هذه الحياة الدنيا :
طُبعت على كدر وأنت تُريدها = صفواً من الأقذاء والأكدار !

وقول الله أصدق وأبلغ : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)

ولا يتصور الزوج أيضا أن يجد زوجة خالية من العيوب

ولكن الحياة تؤخذ على التسديد والمقاربة
وتؤخذ على العفو والمسامحة

وليُعلم أيضا أن أحب شيء إلى إبليس هو الطلاق
فهو يسعى إليه جاهدا ، بل ويُرسل جنوده في ذلك ، ويؤزّهم أزّا ، ويدفعن دفعا ، لأجل التفريق بين الأزواج .
بل إن إبليس ليفرح إذا وقع الطلاق
وإذا ما توصّل جندي من جنوده إلى ذلك جعله مُقرّبا منه ، وأدناه إليه ، وضمّـه وأكرمه !

أخبر عن ذلك من لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام بقوله :
إن إبليس يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منـزلة أعظمهم فتنة ؛ يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا ، فيقول : ما صنعتَ شيئا ! قال : ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرّقت بينه وبين امرأته ! قال : فيُدنيه منه ، ويقول : نِـعْـمَ أنت ! قال الأعمش : أراه قال : فيلتزمه . رواه مسلم .

فإذا رُزقت المرأة بزوج صالح يحفظها ويرعاها فلتعلم أن هذه نعمة يجب شُكرها .

وإن طلب الطلاق من غير سبب هو كُفران لهذه النعمة

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . وقد سبقت الإشارة إليه .

وإن مِن كرام الرجال من يأبى عليه كرمه أن يعود في شيء بذله

فقد ذكر الأمير أسامة بن منقذ أن امرأة وُصِفت لعمِّه عز الدين أبي العساكر ، قال : فأرسل عمّي عجوزاً من أصحابه تُبصرها ، وعادت تصفها وجمالها وعقلها ! إما لرغبة بذلوها لها ، وإما أرَوها غيرها ، فخطبها عمّي وتزوجها . فلما دخلت عليه رأى غير ما وُصف له منها . ثم هي خرساء !
فوفّاها مهرها ، وردّها إلى قومها .
فأُسِرتْ من بيوت قومها – بعد ذلك – فقال عمّي : ما أدع امرأة تزوجتها - وانكشفت عليّ – في أسْر الإفرنج . فاشتراها بخمسمائة دينار ، وسلّمها إلى أهلها . اهـ .
هكذا تكون مكارم الأخلاق .

وهكذا يجب أن تكون العِشرة ولو بعد الفراق

وهذا من حفظ العهد .

والله تعالى أعلى وأعلم .

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 09:57 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
بحث بعنوان
هل مَنَع ابن الصّلاح من تصحيح وتضعيف الأحاديث ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :
فهذا بحث حول مسألة كثُـر الكلام حولها ، والحديث عنها ، قديماً وحديثاً ، ألا وهي : هل منع ابن الصلاح من تصحيح الحديث في العصور المتأخرة إطلاقاً ، أو منع من التصحيح إلا بِقُيود ؟
وهل خالف ابن الصلاح غيره من الأئمة ممن صححوا بعض الأحاديث ، فضعّفها أو العكس ؟
هذا ما سعيت إليه من خلال هذا البحث .
وقد تتبعت أحكام ابن الصلاح من خلال ثلاثة كُتُب :
الأول : فتاوى ابن الصلاح نفسه ، وقد جَعلتُ ما نقلته عنه في آخر البحث لبيان نتيجة البحث .
الثاني : سُبُل السلام ، للإمام الصنعاني .
الثالث : كتاب " نيل الأوطار " للإمام الشوكاني .

واستعنت بالكتابين الأخيرين لأنهما ينقلان أحكام ابن الصلاح على بعض الأحاديث ، وربما كان النقل من مصادر غير متوفِّرة في زماننا هذا .

وقد جعلت البحث من ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : في تحرير محلّ النِّـزاع .
و المبحث الثاني : في أحكام ابن الصلاح على الأحاديث من خلال ما نقله عنه الإمامان : الصنعاني والشوكاني .
وقد قسمته إلى أقسام ثلاثة :
القِسْم الأول : في موافقة ابن الصلاح لغيره من الأئمة .
و القِسْم الثاني : في مخالفة ابن الصلاح لغيره من الأئمة .
و القِسْم الثالث : فيما انفرد به ابن الصلاح من تصحيح أو تضعيف .
أما المبحث الثالث : فكان في أحكام ابن الصلاح من خلال " فتاواه " المطبوع بعنوان : فتاوى ومسائل ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والفقه . ومعه أدب المفتي والمستفتي ( ) .

وإذا خرّجت الحديث ، فإن كان في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيتُ بِذكره لشهرتها ، مُكتفياً برقم الحديث ، وإليه الإشارة بحرف (ح) رمزاً لرقم الحديث .
وإن كان الحديث في غيرهما ذكرت رقمه أيضا مما اعتُمد فيها الرقم ، ولا أذكر الجزء والصفحة إلا عند الحاجة إليه ، كأن يكون الكلام عقب الحديث ، ونحو ذلك .
وإن كان الحديث فيما أنقله من أقوال الأئمة : ابن الصلاح والصنعاني والشوكاني فإني لا أُخرِّجه ، لخروجه عن المقصود ، إلا لزيادة فائدة ، كأن يكون من أخْرَج الحديث تكلّم في الحديث تصحيحاً أو تضعيفاً ونحو ذلك مما تدعو إليه الحاجة .
في مُخالفة ابن الصلاح أو موافقته لغيره قد يتكرر الحديث ، وذلك لأنه قد يُخالِف غيره ، فأذكره في المخالَفَة ، وقد يُوافق غيره فأذكره في الموافقة .
ومثال ذلك أن يُضعِّف حديثا صححه الحاكم – مثلاً – ، ويكون النووي – مثلا – أو ابن حجر ، ضعّفوا الحديث ، ويكون ابن الصلاح ضعّف الحديث ، فأذكره في الموضعين ، مرة لأنه خالِف غيره ، ومرة لأنه وافَق غيره .

وأسأل الله لنا وله العون والتوفيق والسَّداد .


تابع البحث على ملف وورد 5.doc ـ 5.zip



~ آلغربآء ~ 19-12-2009 10:08 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
لجمع بين الصلاتين للمسافر وجمع المقيم
المقدمـة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
أما بعد :
فإن من نِعمة الله عليّ أن مِـنّ عليّ بمحبة العِلم وأهله ، فجعل نهمتي في مدارسته .
ومن تمام النعمة أن يسر لي دراسة علم الحديث ضمن برنامج الدراسات العليا ، وبالأخص دراسة أحاديث الأحكام التي لا يستغني عنها مسلم فضلا عن طالب عِلم ، ذلك أنه ما مِن مُصلٍّ ولا صائم ولا عابد لله إلا وهو مُحتاج إلى معرفة أحكام عباداته لتكون عبادته على بصيرة .
ولما كان من المقرر دراسة أحاديث الأحكام فقد كُلِّفت بدراسة بعض أحاديث الجمع بين الصلاتين في السفر ، وما يتعلق بجمع المقيم .
وقد استعنت بالله لدراسة هذه الأحاديث ، دراسة حديثية فقهية .
وقد خرّجت الأحاديث تخريجا متوسّطا مع بيان درجة الحديث من خلال أحكام العلماء المتقدّمين أو المتأخرين ، أو أجمع بين الأقوال ما أمكن .
كما ذَكَرْت بعض المباحث الفقهية المستنبطة من هذه الأحاديث قيد الدراسة .
وقسّمت البحث إلى مبحثين :
المبحث الأول : الجمع بين الصلاتين في السفر .
والمبحث الثاني : جمع المقيم .
وتحت كل مبحث مسائل .
وأتوجه بالشكر الجزيل لفضيلة أستاذنا د . عبد الله السوالمة – حفظه الله – على ما أولاه من عناية وتوجيه .
وأسأل الله أن يستعملنا في طاعته إنه ولي ذلك والقادر عليه .


كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الرياض – محرّم 1425 هـ
المبحث الأول : الجمع بين الصلاتين في السفر

أولاً : روايات الحديث
عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما ، وإذا زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب . متفق عليه .
وفي رواية لمسلم : إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما .

وفي رواية لمسلم : إذا عَجِلَ عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق .

ثانياً : تخريج الحديث :

رواه البخاري في كتاب الكسوف باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس .
وفي باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب [1] .
ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها [2] .

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر حتى ينزل للعصر ، وفي المغرب مثل ذلك ؛ إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء وإذا ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخّر المغرب حتى ينزل للعِشاء ثم جمع بينهما [3] .
قال الترمذي : والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء . رواه قرّة بن خالد وسفيان الثوري ومالك وغير واحد عن أبي الزبير المكي ، وبهذا الحديث يقول الشافعي ، وأحمد وإسحاق يقولان : لا بأس أن يجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما [4].
وفي رواية لمسلم [5] قال معاذ : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك ، فكان يجمع الصلاة ، فصلى الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا ، حتى إذا كان يوما أخّر الصلاة ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل ، ثم خرج بعد ذلك فصلى المغرب والعشاء جميعا.

وفي رواية لأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله يجمع بين الصلاتين في السفر المغرب والعشاء ، والظهر والعصر [6] .

ثالثاً : من مباحث الحديث الفقهية

المسألة الأولى :
ما حـدّ السفـر ؟

أو ما هي المسافة التي تُبيح الترخّص ؟
لم يرِد في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تحديد مسافة السفر [7] .
فالفرق بين السفر الطويل والقصير لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله بل الأحكام التي علقها الله بالسفر علقها به مطلقا [8] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد تنازع العلماء في قصر أهل مكة خلفه [9] فقيل : كان ذلك لأجل النُّسك ، فلا يَقصر المسافر سفرا قصيرا هناك ، وقيل : بل كان ذلك لأجل السفر ، وكلا القولين قاله بعض أصحاب أحمد ، والقول الثاني هو الصواب ، وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم ، ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة وكانوا محرمين ، والقصر مُعلّق بالسفر وجودا وعدما ، فلا يُصلى ركعتين إلا مسافر ، وكل مسافر يصلى ركعتين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : صلاة المسافر ركعتان ، وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة النحر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير نقص - أي غير قصر - على لسان نبيكم ، وفى الصحيح [10] عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، ثم زِيد في صلاة الحضر وأُقِرّت صلاة السفر ، وقد تنازع العلماء : هل يختص بسفر دون سفر ؟ أم يجوز في كل سفر ؟ وأظهر القولين أنه يجوز في كل سفر قصيرا كان أو طويلا ، كما قصر أهل مكة خلف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومنى ، وبين مكة وعرفة نحو بريد أربع فراسخ ، وأيضا فليس الكتاب والسنة يخصان بسفر دون سفر لا بقصر ولا بفطر ولا تيمم ، ولم يَحد النبي صلى الله عليه وسلم مسافة القصر بحد لا زماني ولا مكاني . ولا يمكن أن يُحدّ ذلك بِحَـدٍّ صحيح ، فإن الأرض لا تذرع بذرع مضبوط في عامة الأسفار ، وحركة المسافر تختلف ، والواجب أن يُطلق ما أطلقه صاحب الشرع ، ويُقيَّد ما قيّده ، فيَقْصُر المسافر الصلاة في كل سفر ، وكذلك جميع الأحكام المتعلقة بالسفر من القصر والصلاة على الراحلة والمسح على الخفين ، ومن قسم الأسفار إلى قصير وطويل ، وخَصّ بعض الأحكام بهذا ، وبعضها بهذا ، وجعلها متعلقة بالسفر الطويل ، فليس معه حجة يجب الرجوع إليها [11] .

المسألة الثانيـة :
حُكم الجمع في السفر
، وفيها خمسة أقوال :

القول الأول : جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِعُذْرِ السَّفَرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ فِي وَقْتِ الأُولَى مِنْهُمَا ، وَجَمْعَ تَأْخِيرٍ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالْجُمْهُور .
القول الثاني – وهو يُقابِل الأول – : لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة ومزدلفة ، وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه ، وأجابوا عما رُوي من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري ، وهو أنه أخّر المغرب مثلا إلى آخر وقتها ، وعجّل العشاء في أول وقتها.
القول الثالث : وبه قال الليث ، وهو المشهور عن مالك : أن الجمع يختص بمن جـدّ به السير .
القول الرابع : وبه قال عمر بن عبد العزيز والحسن والأوزاعي : أن الجمع في السفر يختص بمن له عذر .
القول الخامس : وبه قال أحمد في رواية ، واختاره ابن حزم ، وهو مروي عن مالك : أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم [12] .

وقد أُجيب عن القول الثاني – وهو منع الجمع إلا بعرفة ومزدلفة - بأجوبة ، منها :

1 – بما ثبت من الأحاديث التي جاء فيها التصريح بالجمع ، وأنه رخصة ، وقد ثبت في صحيح مسلم [13] عن يعلي بن أمية قال : قلت لعمر بن الخطاب : ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فقد أمِنَ الناس ، فقال : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : صدقة تصدّق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته .
وبين الجمع والقصر تلازم ، فإن من جاز له القصر جاز له الجمع ، ولا عكس .
2 –
بأن هذا الجمع الصوري فيه مشقّة ، والجمع المقصود منه التيسير على المسافر .
قال الخطابي : ظاهر اسم الجمع عُرفا لا يقع على مَنْ أخّر الظهر حتى صلاها في آخر وقتها ، وعجّل العصر فصّلاها في أول وقتها ؛ لأن هذا قد صلّى كل صلاة منهما في وقتها الخاص بها ، وإنما الجمع المعروف بينهما أن تكون الصلاتان معا في وقت إحداهما . ومعقول أن الجمع بين الصلاتين من الرُّخص العامة لجميع الناس عامهم وخاصّهم ، ومعرفة أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يُدركه الخاصة فضلا عن العامة ، وإذا كان كذلك كان في اعتبار الساعات على الوجه الذي ذهبوا إليه ما يُبطل أن تكون هذه الرخصة عامة ، مع ما فيه من المشقة المُرْبِية [14] على تفريق الصلاة في أوقاتها الموقّتة [15] .
وقال ابن عبد البر : ولا معنى للجمع الذي ذهب إليه أبو حنيفة ، ومن قال بقوله ؛ لأن ذلك جائز في الحضر بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في طرفي وقت الصلاة : " ما بين هذين وقت " فأجاز الصلاة في آخر الوقت ، ولو لم يَجز في السفر من سعة الوقت إلا ما جاز في الحضر بطل معنى السفر ومعنى الرخصة والتوسعة لأجله .
ومعلوم أن الجمع بين الصلاتين في السفر رخصة لمكان السفر وتوسعة في الوقت ، كما أن القصر في السفر لم يكن إلا من أجل السفر ، وما يُلقى فيه من المشقة في الأغلب ، وفي ارتقاب المسافر ومراعاته أن لا يكون نزوله إلا في الوقت الذي عدّه أبو حنيفة مشقة وضيقا لا سعة [16] .
وقال ابن قدامة : الجمع رخصة ، فلو كان على ما ذكروه لكان أشد ضيقا وأعظم حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها ؛ لأن الإتيان بكل صلاة في وقتها أوسع من مراعاة طرفي الوقتين بحيث لا يبقى من وقت الأولى إلا قدر فعلها ، ومن تدبر هذا وجده كما وصفنا ، ولو كان الجمع هكذا لجاز الجمع بين العصر والمغرب والعشاء والصبح ، ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك [17] .
وقال ابن حجر : الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين ، وهو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع ، ومما يَرُدّ الحمل على الجمع الصوري جمع التقديم [18] .

وأُجيب عن القول الثالث - أن الجمع يختص بمن جـدّ به السير - بما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر حتى ينزل للعصر ، وفي المغرب مثل ذلك ؛ إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء ، وإذا ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخّـر المغرب حتى ينـزل للعِشاء ثم جمع بينهما [19] .
قال ابن قدامة : وفي هذا الحديث أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الردّ على من قال : لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جدّ به السير ، لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه ، يخرج فيصلي الصلاتين جميعا ثم ينصرف إلى خبائه [20] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ظاهر حديث معاذ أنه كان نازلا في خيمة في السفر ، وأنه أخّر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا ، فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنـزل ، وأما السائر فلا يقال دخل وخرج بل نزل وركب [21]
وذكر ابن عبد البر حديث ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عَجِل به السير يجمع بين المغرب والعشاء .
ثم قال : ليس في حديث ابن عمر هذا ما يدل على أن المسافر لا يجوز له الجمع بين الصلاتين إلا أن يَجِـدّ به السير بدليل حديث معاذ بن جبل ؛ لأن فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في سفره إلى تبوك نازلا غير سائر .
وليس في أحد الحديثين ما يعارض الآخر ، وإنما التعارض لو كان في حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يجمع بين الصلاتين إلا أن يجدّ به السير فحينئذ كان يكون التعارض لحديث معاذ [22] .
قال العراقي : وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْجَـدِّ فِي السَّفَرِ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَعُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ [23] .
وقال الشوكاني :
في الحديث دليل على جواز جمع التأخير في السفر سواء كان السير مُجِـدّاً أم لا [24] .
وبمثل هذا أُجيب عن القول الرابع ، في أن الجمع في السفر يختص بمن له عذر .
كما أُجيب عن القول الخامس في أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم ، بأحاديث الباب التي فيها جمع التقديم والتأخير دون تفريق ، وبأن هذا القول تحكّم بلا دليل .

المسألة الثالثـة :
متى يجوز الجمـع للمسافر ؟

يجوز للمسافر الترخّص برخص السّفر إذا فارق عامِر قريته .
فعن أنس رضي الله عنه قال : صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين [25] .
وروى عبد الرزاق من طريق علي بن ربيعة الأسدي قال : خرجنا مع علي رضي الله عنه ونحن ننظر إلى الكوفة ، فصلى ركعتين ، ثم رجع فصلى ركعتين وهو ينظر إلى القرية ، فقلنا له : ألا تصلي أربعا ؟ قال : حتى ندخلها [26] .
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقصر الصلاة حين يخرج من بيوت المدينة ، ويقصر إذا رجع حتى يدخل بيوتها [27] .
قال الإمام مالك : لا يَقصر الصلاة الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية ، ولا يتم حتى يدخلها أو يقاربها [28] .
قال ابن عبد البر رحمه الله : وهو مذهب جماعة العلماء إلا من شـذّ .
وقال : فإذا تأهّب المسافر وخرج من حَضَرِه عازما على سفره فهو مسافر ، ومن كان مسافرا فله أن يُفطر ويقصر الصلاة إن شاء . اهـ [29] .
والمسافر " لا يكون ضاربا في الأرض حتى يخرج " [30] .

المسألة الرابعة :
هل يُشترط للجمع نِـيّـة عند افتتاح الأولى ؟

لا يُشترط للجمع نِيّـة عند افتتاح الأولى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : اختلفوا في الجمع والقصر هل يشترط له نية ؟ فالجمهور لا يشترطون النية كمالك وأبى حنيفة ، وهو أحد القولين في مذهب أحمد ، وهو مقتضى نصوصه ، والثاني تشترط كقول الشافعي وكثير من أصحاب أحمد كالخرقى وغيره ، والأول أظهر ، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه [31] .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي جمعا ولم يُنقل عنه أنه أمر أصحابه أو أرشدهم إلى ذلك .

المسألة الخامسة :
هل يترخّص المسافر سَفَرَ معصية برخص السفر ؟

لا تباح هذه الرخص في سفر المعصية كالإباق وقطع الطريق والتجارة في الخمر والمحرمات نص عليه أحمد ، وهذا قول الشافعي [32] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد تنازع المتأخرون فيمن سافر لزيارة قبر نبي ، أو نحو ذلك من المشاهد ، والمحققون منهم قالوا : إن هذا سفر معصية ولا يقصر الصلاة فيه ، كما لا يقصر في سفر المعصية ، كما ذكر ذلك ابن عقيل وغيره [33] .
وقالوا مثل ذلك في الأكل من الميتة عند الاضطرار ؛ لأن الله لما ذكر تحريم الميتة قال : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) قالوا : والعاصي باغ أو عادٍ ولا يُباح له ذلك [34] .
بل قالوا مثل ذلك في عموم رُخص السفر ، حتى في النافلة في السفر على الراحلة .
قال النووي :
شرط جواز التنفل في السفر ماشيا وراكبا أن لا يكون سفر معصية ، وكذا جميع رخص السفر شرطها أن لا يكون سفر معصية [35] .
وقال في موضع آخر :
مذهبنا جواز القصر في كل سفر ليس معصية سواء الواجب والطاعة والمباح كسفر التجارة ونحوها ، ولا يجوز في سفر معصية ، وبهذا قال مالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم [36] .
وقال أيضا :
ولا يجوز الجمع في سفر معصية [37] .
وقال ابن عبد البر :
قال مالك : ومن سافر في معصية لم يَجُـز له أن يقصر .
وقال الشافعي : إن سافر في معصية لم يقصر ، ولم يمسح مسح المسافر . وهو قول الطبري [38] .

وقال شيخنا الشيخ ابن عثيمين :
مسألة :
رجل سافر لأجل أن يترخّص ، فهل يترخّص ؟

الجواب :
لا ؛ لأن السفر حرام حينئذ ؛ ولأنه يُعاقب بنقيض قصده ، فكلّ من أراد التحايل على إسقاط الواجب أو فعل المحرّم عُوقب بنقيض قصده [39] .

المسألة السادسة :
الجمع بين صلاتي العَشِيّ وبين صلاتي العِشائين في وقت إحداهما للمسافر النازل .

فائدة : في حديث أبي هريرة المتفق عليه [40] : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العَشي .
قال القاضي عياض : قوله : " إحدى صلاتيّ العشيّ " يريد الظهر والعصر ، وكانوا يُصلون الظهر بعَشيّ ، والعَشيّ ما بعد زوال الشمس إلى غروبها . قال الباجي : إذا فاء الفـئ ذراعا فهو أول العشيّ [41] .
ومنه قوله سبحانه وتعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ) .
مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين أنه لا يجمع المسافر إذا كان نازلا ، وإنما يجمع إذا كان سائرا ، بل عند مالك إذا جـدّ به السير ، ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى أنه يجمع المسافر وإن كان نازلا [42] .
قال الإمام العراقي : زَادَ حَدِيثُ مُعَاذٍ عَلَى ذَلِكَ بِبَيَانِ الْجَمْعِ فِي زَمَنِ الإِقَامَةِ الَّتِي لا تَقْطَعُ اسْمَ السَّفَرِ فَوَجَبَ الأَخْذُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ [43] .
فالمسافر النازل في البلد لا تجب عليه الجماعة ، بدليل ما رواه الإمام أحمد عن موسى بن سلمة قال : كنا مع ابن عباس بمكة فقلت : إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا ، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين . قال : تلك سُـنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم [44] .
ورواه مسلم [45] عنه قال : سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام ؟ فقال : ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .
ومما استدلوا به قوله صلى الله عليه وسلم : إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً [46] .
قال ابن حجر : ففضل الجماعة حاصل للمعذور – ثم ذَكَرَ الحديث – [47] .
ولا تجب الجمعة على المسافر .
قال ابن قدامة : وأما المسافر فأكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه ، قاله مالك في أهل المدينة ، والثوري في أهل العراق ، والشافعي وإسحاق وأبو ثور ، وروي ذلك عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي [48] .
وقال أيضا : وإن أحبّ أن يجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما جاز نازلاً كان أو سائرا أو مقيما في بلدٍ إقامة لا تمنع القصر ، وهذا قول عطاء وجمهور علماء المدينة والشافعي وإسحاق وابن المنذر [49] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد دل الكتاب والسنة على أن المواقيت خمسة في حال الاختيار ، وهي ثلاثة في حال العذر ؛ ففي حال العذر إذا جمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء فإنما صلى الصلاة في وقتها ، لم يُصلِّ واحدة بعد وقتها ، ولهذا لم يَجِب عليه عند أكثر العلماء أن ينوي الجمع ، ولا ينوي القصر وهذا قول مالك وأبي حنيفة وأحمد في نصوصه المعروفة وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز [50] .

وقد دلّت هذه الأحاديث على جواز تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر للمسافر ، وعلى جواز تأخير الظهر إلى العصر .
وعلى أن السنة تقديم الصلاتين في وقت الأولى لمن أدركه وقت الأولى ؛ لأنه أبـرأ للذمة .
وعلى أن للمسافر اختيار الأرفق به ، فإذا سار قبل الزوال فله أن يؤخّر صلاة الظهر إلى وقت صلاة العصر ، فيُصليهما في وقت العصر عند نزوله ، وهذا من يُسر الشريعة .

وعلى أن عموم التقديم والتأخير يجري في العِشائين أيضا ، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين صلاة العشاء [51] .

وتقدّمت الإشارة إلى رواية مسلم لحديث أنس ، وفيها : إذا عَجِل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق .


~ آلغربآء ~ 19-12-2009 10:11 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
المسألة السابعة :
لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا بِنيّة
، فإذا أراد المسافر تأخير صلاة الظهر ليجمعها إلى العصر فلا بُـدّ من أن ينوي تأخير الظهر ، ومثله تأخير المغرب .
قال ابن قدامة : فموضع النية في وقت الأولى من أوله إلى أن يبقى منه قدر ما يصليها ؛ لأنه متى أخّرها عن ذلك بغير نية صارت قضاء لا جمعاً [52] .

المسألة الثامنة :
الجمع في وقت الأولى يجعل الوقت بعدهما للثانية
، فمن جمع الظهر والعصر في وقت الظهر ، فإن ما بعد صلاة العصر يكون وقت نهي ، ومن جمع المغرب والعشاء في وقت المغرب فله أن يُصلي الوتر

قال ابن قدامة : وإذا جمع في وقت الأولى فله أن يصلي سنة ثانية منهما ، ويوتر قبل دخول وقت الثانية ؛ لأن سنتها تابعة لها فيتبعها في فعلها ووقتها ، والوتر وقته ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح ، وقد صلى العشاء فدخل وقته [53] .
وقال أيضا : والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة ، فمن لم يُصلِّ أبيح له التنفّل وإن صلى غيره ، ومن صلى العصر فليس له التنفل ، وإن لم يصل أحد سواه ، لا نعلم في هذا خلافا عند من يمنع الصلاة بعد العصر [54] .

المبحث الثاني : جمع المقيم


فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء [55] .
وفي رواية لمسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر . قال أبو الزبير : فسألت سعيدا : لِـمَ فَعَلَ ذلك ؟ فقال : سألتُ ابن عباس كما سألتني ، فقال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته .
وفي رواية له قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر .

أولاً : من مباحث الحديث الفقهية

أولاً : حديث ابن عباس رضي الله عنهما أصل في جمع المقيم .
وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوّزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يُتخذ ذلك عادة ، وممن قال به : ابن سيرين وربيعة وأشهب وبن المنذر والقفال الكبير ، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث [56] .
ومنطوق حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير عُـذر .
ومفهومه أن الخوف والمطر والسفر أعذار تُبيح الجمع .

ثانياً : لا يصح في سبب الجمع سوى ما قاله فيه راويه : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته .
والقاعدة أن الراوي أدرى بمرويِّـه .
" وليس لأحد أن يتأوّل في الحديث ما ليس فيه " [57] .
وقال النووي: ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته ، فلم يُعلله بمرض ولا غيره [58]
وفي رواية البخاري [59] : فقال أيوب : لعله في ليلة مطيرة ؟ قال : عسى .
قال ابن حجر : واحتمال المطر قال به أيضا مالك عقب إخراجه لهذا الحديث .
ثم قال الحافظ : لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ من غير خوف ولا مطر ، فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر ، وجوّز بعض العلماء أن يكون الجمع المذكور للمرض ، وقوّاه النووي ، وفيه نظر ؛ لأنه لو كان جَمْعُه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من به نحو ذلك العذر ، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بأصحابه ، وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته . قال النووي : ومنهم من تأوّله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم مثلا فَبَانَ أن وقت العصر دخل فصلاها . قال : وهو باطل ؛ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر ، فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء [60] .

ثالثاً : حَمَل بعض العلماء الحديث على الجمع الصوري ، وهو مردود بقول راويه : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته .
قال ابن حجر : وإرادة نفى الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري ؛ لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج [61] .

رابعاً : جواز الجمع إذا وُجد العُذر المبيح له .
فالمرض عُذر ، ومتى وُجِدت المشقة جاز للمريض الجمع .
قال ابن المنذر : اختلف أهل العلم في جمع المريض بين الصلاتين في الحضر والسفر ، فأباحت طائفة للمريض أن يجمع بين الصلاتين ، وممن رخص في ذلك عطاء بن أبي رباح .
وقال مالك في المريض : إذا كان أرفق به أن يجمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر إلا أن يخاف أن يغلب على عقله فيجمع قبل ذلك بعد الزوال ، ويجمع بين المغرب والعشاء عند غيبوبة الشفق إلا أن يخاف أن يغلب على عقله فيجمع قبل ذلك ، وإنما ذلك لصاحب البطن وما أشبهه من المرضى ، أو صاحب العلة الشديدة يكون هذا أرفق به [62] .
وقال الليث : يجمع المريض والمبطون ، وقال أبو حنيفة : يجمع المريض بين الصلاتين كجمع المسافر ، وقال أحمد وإسحاق : يجمع المريض بين الصلاتين [63] .
وقال الترمذي : ورخّص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض ، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم يجمع بين الصلاتين في المطر ، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق ، ولم يَرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين [64] .
" والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه به بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة وضعف . قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : المريض يجمع بين الصلاتين ؟ فقال : إني لأرجو له ذلك إذا ضعف ، وكان لا يقدر إلا على ذلك . وكذلك يجوز الجمع للمستحاضة ولمن به سلس البول ومن في معناهما " [65] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : فالأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته ، فيُباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة ، وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى ، ويجمع من لا يُمكنه إكمال الطهارة في الوقتين إلا بِحَرج كالمستحاضة وأمثال ذلك من الصور [66]
وقال : الذي يجمع للسفر هل يباح له الجمع مطلقا أو لا يباح إلا إذا كان مسافرا ؟
فيه روايتان عن أحمد مقيما أو مسافرا ، ولهذا نص أحمد على أنه يجمع إذا كان له شغل . قال القاضى أبو يعلى : كل عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة يبيح الجمع ، ولهذا يجمع للمطر والوحل وللريح الشديدة الباردة في ظاهر مذهب الإمام أحمد ، ويجمع المريض والمستحاضة والمرضع [67] .

والمطر والبرد الشديد والريح الشديدة والوَحَل كلها أعذار مُبيحة للجمع .
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن صلاة الجمع في المطر بين العشائين ، هل يجوز من البرد الشديد ؟ أو الريح الشديدة ؟ أم لا يجوز إلا من المطر خاصة ؟
فأجاب : الحمد لله رب العالمين . يجوز الجمع بين العشائين للمطر والريح الشديدة الباردة والوحل الشديد ، وهذا أصح قولي العلماء ، وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك وغيرهما ، والله أعلم [68] .

وقال ابن الملقِّن : اختلف العلماء في جواز الجمع بعذر المطر ، فجوّزه الشافعي والجمهور في الصلوات التي يجوز الجمع فيها ، وخصّه مالك بالمغرب والعشاء فقط [69] .
ومن العلماء من قيّد المطر بالشديد الذي يبلّ الثياب وتقع المشقة بسببه .
قال ابن قدامة : والمطر المبيح للجمع هو ما يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه ، وأما الطلّ والمطر الخفيف الذي لا يَبُلّ الثياب فلا يبيح ، والثلج كالمطر في ذلك ؛ لأنه في معناه وكذلك البَرَد .
فأما الوَحْل بمجرّده ، فقال القاضي : قال أصحابنا : هو عذر ؛ لأن المشقة تلحق بذلك في النعال والثياب كما تلحق بالمطر ، وهو قول مالك .
وذكر أبو الخطاب فيه وجها ثانيا أنه لا يبيح ، وهو مذهب الشافعي وأبو ثور ؛ لأن مشقته دون مشقة المطر ، فإن المطر يبل النعال والثياب ، والوحل لا يبلها ، فلم يصح قياسه عليه ، والأول أصحّ لأن الوحل يلوث الثياب والنعال ويتعرض الإنسان للزّلق ، فيتأذى نفسه وثيابه ، وذلك أعظم من البلل ، وقد ساوى المطر في العذر في ترك الجمعة والجماعة فَدَلّ على تساويهما في المشقة المرعية في الحكم .
فأما الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة ففيها وجهان : أحدهما يبيح الجمع . قال الآمدي : وهو أصح ، وهو قول عمر بن عبد العزيز ؛ لأن ذلك عذر في الجمعة والجماعة [70] .

خامساً : هل يجمع بين الظهر والعصر لأجل هذه الأعذار ؟
ذهب بعض أهل العلم إلى منع الجمع بين الظهر والعصر في المطر
قال ابن قدامة : فأما الجمع بين الظهر والعصر فغير جائز [71] .
وهذا خلاف المقصد من الجمع ، فإنه متى ما وُجِدت المشقة جاز الجمع ، كما تقدّم .
قال الإمام الشافعي : أرأيتم إن قال لكم قائل : بل نجمع بين الظهر والعصر في المطر ، ولا نجمع بين المغرب والعشاء في المطر . هل الحجة عليه ؟ إلا أن الحديث إذا كانت فيه الحجة لم يَجز أن يؤخذ ببعضه دون بعض ، فكذلك هي على من قال : يجمع بين المغرب والعشاء ، ولا يجمع بين الظهر والعصر ، وقلما نجد لكم قولا يصح ، والله المستعان . أرأيتم إذا رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فاحتججتم على من خالفكم بهذا الحديث في الجمع بين المغرب والعشاء ، هل تَعدون أن يكون لكم بهذا حجة ؟ فإن كانت لكم به حجة فعليكم فيه حجة في ترككم الجمع بين الظهر والعصر ، وإن لم تكن لكم بهذا حجة على من خالفكم فلا تجمعوا بين ظهر ولا عصر ، ولا مغرب ولا عشاء ، لا يجوز غير هذا وأنتم خارجون من الحديث [72]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء ، وبين الظهر والعصر عند كثير من العلماء للسفر والمرض ونحو ذلك من الأعذار [73] .
وحديث الباب حجة لمن قال بالجمع في الحضر عند وجود العُذر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك توسعة لأمته ، ورَفْعُ الحرج من قواعد الشريعة .
وقال الأُبّـي : وبالجمع للمطر قال مالك والشافعي وجمهور السلف ، وأباه الحنفية وأهل الظاهر والليث إلا أن مالكاً قَصَر الجمع للمطر في المعروف عنه على المغرب والعشاء ، وعمّمه الشافعي فيهما وفي الظهر والعصر ، وهو ظاهر ما لِمالِك في الموطأ ، وألحق مالك بالمطر اجتماع الطين والظّلمة ، وجاء عنه ذِكر الطين مُفرَدا [74] .

فائدة :
في قول ابن عباس رضي الله عنهما : أراد أن لا يحرج أمته .
قال ابن سيد الناس : قد اختُلف في تقييده ، فرُوي بالياء المضمومة آخر الحروف ، وأمتَه منصوب على أنه مفعوله ، ورُوى تحرج بالتاء ثالثة الحروف مفتوحة ، وضم أمتُه على أنها فاعلة ، ومعناه إنما فعل تلك لئلا يشق عليهم ويثقل ، فقصد إلى التخفيف عنهم [75] .
وفائدة أخرى :
قوله : " صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء " فيه تقديم وتأخير .
فإن السبع هي صلاتي المغرب والعشاء .
والثَّمان هي صلاتي الظهر والعصر .
وهذا يجوز لغة ، قال الله تبارك وتعالى : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [76] .
فقدّم وأخّــر .

والله تعالى أعلى وأعلم .

الخاتمـة
الحمد لله الذي هدى ويسّر
وبعد :
فهذه جولة في بعض دواوين العِلم وبعض مصنفات أئمة الإسلام ، وما مثلي أمام هذه الكُتب إلا كما قال أبو عمرو بن العلاء : ما نحن فيمن مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال [77] .
وحسبنا أن نقتبس من نورهم ، وأن نأخذ بآثارهم ، فنعرف لهم قدرهم ، ونُنـزلهم منازلهم
فلا نُقدّس أقوالهم ، ولا نطّرحها ، بل ما وافق الكتاب والسنة أخذنا به ، وما خالفهما تركناه ، نزولا عند رغباتهم في ذلك ، وتحقيقاً لما أمروا به " إذا رأيتم كلامي يخالف كلام رسول الله فاعملوا بكلام رسول الله واضربوا بكلامي الحائط " [78] .
ومن هنا كان هذا البحث عبارة عن استنطاق كتب أئمة الإسلام .
ويسّر الله بحث مسألتين :
الأولى : الجمع بين الصلاتين للمسافر .
والثانية : جـمـع المقيم .
وقد جمعت فيه شتات مسائل متفرّقة ، ولا أزعم أني جمعت كل ما قيل في هذه المسائل .
وأسأل الله أن ينفع به كاتبه وقارئه .

والله أعلم .

كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الرياض – محرّم 1425 هـ
المراجع
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار تأليف الإمام ابن عبد البر النَّمَري . ط . دار قتيبة ودار الوعي . الأولى 1414
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام . تأليف الإمام عمر بن علي ( ابن الملقِّن ) . ط . دار العاصمة . الأولى 1417
إكمال إكمال المعلِم . تأليف الإمام محمد بن خليفة الأُبّي . ط . دار الكتب العلمية . الأولى 1415
الأم . تأليف الإمام محمد بن إدريس الشافعي . ط . دار المعرفة . الثانية 1393
الأوسط . تأليف الإمام محمد بن إبراهيم بن المنذر . ط . دار طيبة . الأولى 1985 م
تاريخ مدينة دمشق . تأليف الإمام علي بن الحسن بن هبة الله ( ابن عساكر ) . ط . دار الفكر 1995 م
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي , تأليف الإمام محمد بن عبد الرحمن المباركفوري . ط . المكتبة التجارية 1415
تفسير القرآن العظيم . تأليف الإمام إسماعيل بن كثير القرشي . ط . دار المعارف . الثانية 1408
جامع البيان عن تأويل آي القرآن . تأليف الإمام محمد بن جرير الطبري . ط . دار هجر . الأولى 1422
جامع الترمذي . تأليف الإمام محمد بن عيسى الترمذي . ط . دار الكتب العلمية .
الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأيامه . تأليف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري . ط . دار ابن كثير ودار اليمامة . الثالثة 1407
الدر المنثور في التفسير بالمأثور . تأليف الإمام جلال الدين السيوطي . ط . دار هجر . الأولى 1424
سنن ابن ماجه . تأليف : الإمام محمد بن يزيد القزويني ( ابن ماجه ) . ط . دار المعرفة . الأولى 1416
سنن أبي داود . تأليف : الإمام سليمان بن الأشعث السجستاني . ط . المكتبة العصرية .
الشرح الممتع شرح زاد المستقنع . تأليف الشيخ محمد بن صالح العثيمين . ط . مؤسسة آسام . الثانية 1414
صحيح مسلم . تأليف الإمام مسلم بن الحجاج القشيري . ط . دار الحديث . الأولى 1412
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم . تأليف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني . ط . مكتبة المعارف . الثانية 1417
طرح التثريب في شرح التقريب . تأليف الإمام العراقي وابنه . ط . مكتبة نزار الباز . الثانية 1420
فتح الباري بشرح صحيح البخاري . تأليف الحافظ أحمد بن علي العسقلاني . ط . بتحقيق الشيخ / عبد القادر شيبة الحمد
قواعد التحديث . تأليف الشيخ جمال الدين القاسمي . ط . دار النفائس . الأولى 1407
المجموع شرح المهذب . تأليف الإمام محيي الدين بن شرف النووي . ط . دار إحياء التراث العربي . الأولى 1422

----------------------
[1] ( 0 1 / 374 ) ح ( 1059 ، 1060 )
[2] ( 1 / 489 ) ح ( 704 ) ، والروايات الثانية في الموضع نفسه .
[3] رواه الإمام أحمد ( 36 / 413 ) وأبو داود ( 2 / 5 ) والترمذي ( 2 / 438 ) .
[4] جامع الترمذي ( 2 / 440 ) .
[5] ( 4 / 1784 ) .
[6] المسند ( 3 / 367 ) وقال محققوه : حديث صحيح ..
[7] وقد أطال ابن عبد البر في الاستذكار ( 6 / 81 – 91 ) في ذكر مذاهب العلماء في المسافة التي تُعتبر سفرا ، ومنشأ هذا الخلاف عدم ورود التحديد في النصوص .
[8] مجموع الفتاوى ( 24 / 34 ) باختصار .
[9] يعني خَلْف النبي صلى الله عليه وسلم .
[10] رواه البخاري ( ح 1040 ) ومسلم ( ح 685 ) .
[11] مجموع الفتاوى ( 24 / 12 ، 13 ) .
[12] يُنظر لذلك : معالم السنن للخطابي ( 1 / 227 ) طرح التثريب للعراقي ( 3 / 750 ، 751 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 3 / 242 ) .
[13] ( 1 / 478 ح 686 ) .
[14] يعني الزائدة .
[15] معالم السنن للخطابي ( 1 / 228 ، 229 ) .
[16] الاستذكار ( 6 / 20 ) .
[17] المغني ( 3 / 129 ) .
[18] فتح الباري ( 2 / 676 ) باختصار .
[19] سبق تخريجه .
[20] المغني ( 3 / 131 ) .
[21] مجموع الفتاوى ( 24 / 64 ) .
[22] الاستذكار ( 6 / 15 ) .
[23] طرح التثريب ، مرجع سابق ( 3 / 752 ) .
[24] نيل الأوطار ، مرجع سابق ( 3 / 242 ).
[25] رواه البخاري ( 1 / 369 ح 1039 ) ومسلم ( 1 / 480 ح 690 ) .
[26] المصنف ( 2 / 530 ) ، وجعله الإمام البخاري عنوان باب ( 1 / 369 ) .
[27] المرجع السابق ، الموضع نفسه .
[28] الاستذكار ( 6 / 78 ) .
[29] المرجع السابق ، وهذه الآثار وإن كانت في القصر دون الجمع إلا أنها عامة في رُخَص السّـفر .
[30] المغني ( 3 / 111 ) .
[31] مجموع الفتاوى ( 24 / 16 ) .
[32] المغني ( 3 / 115 ) .
[33] مجموع الفتاوى ( 27 / 139 ) .
[34] قال سعيد بن جبير : العادي الذي يقطع الطريق لا رخصة له . وقال مجاهد : فمن اضطر غير باغ ولا عاد قاطعا للسبيل أو مفارقا للأئمة أو خارجا في معصية الله فله الرخصة ، ومن خرج باغيا أو عاديا أو في معصية الله فلا رخصة له وإن اضطر إليه . يُنظر لذلك : جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري ( 3 / 59 ، 60 ) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 1 / 211 ) والدر المنثور للسيوطي ( 2 / 133 ) .
[35] المجموع شرح المهذّب ( 3 / 154 )
[36] المرجع السابق ( 4 / 158 ) .
[37] المرجع السابق ( 4 / 175 ) .
[38] الاستذكار ( 6 / 55 ، 56 ) .
[39] الشرح الممتع ( 4 / 515 ) .
[40] البخاري ( ح 468 ) ومسلم ( ح 573 ) .
[41] مشارق الأنوار ( 2 / 103 ) .
[42] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 24 / 22 ) .
[43] طرح التثريب ( 3/750 ) .
[44] المسند ( 3 / 357 ) وقال محققوه : إسناده حسن .
[45] ( 1 / 479 ) .
[46] رواه البخاري ( 3 / 1092 ح 2834 ) من حديث أبي موسى رضي الله عنه .
[47] فتح الباري (2/ 160) .
[48] المغني ( 3 / 216 ) وهو ما رجحه ابن قدامة .
[49] المغني ( 3 / 130 ) .
[50] مجموع الفتاوى ( 21 / 434 ) .
[51] البخاري ( ح 1041 ) ومسلم ( ح 703 ) .
[52] المغني ( 3 / 138 ) .
[53] المرجع السابق ( 3 / 140 ) وقوله : " فله أن يصلي سنة ثانية منهما " لا يُفهم منه الصلاة بعد العصر إذ هو وقت نهي ، كما أن السنة للمسافر أن لا يُصلي السنن الرواتب عدا راتبة الفجر ، لما رواه البخاري ( ح 1050 ) ومسلم ( ح 689 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر . يعني به السنة الراتبة ؛ لأن ابن عمر نفسه روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم النافلة في السفر على الراحلة ( البخاري ح 955 ) و ( مسلم ح 700 ) ويُستثنى من ذلك راتبة الفجر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركها في سفر ولا في حضر . روى البخاري ( ح 1106 ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، ثم صلى ثماني ركعات ، وركعتين جالسا ، وركعتين بين النداءين ، ولم يكن يدعهما أبدا .
[54] المغني ( 2 / 525 ) .
[55] رواه البخاري ( 3 / 201 ح 522 ) ومسلم ( 1 / 491 ح 705 ) والرواية الآتية عنده ( 1 / 490 ) .
[56] فتح الباري ( 2/24 ) .
[57] من كلام الإمام الشافعي في الأم ( 7 / 205 ) وكان قال قبله : وإنما ذهب الناس في هذا مذاهب، فمنهم من قال : جمع بالمدينة توسعة على أمته لئلا يُحرج منهم أحد إن جَمَع بحال .
[58] شرح مسلم ( 5/219 ) .
[59] تقدّم تخريجها .
[60] فتح الباري ( 2 / 30 ) .
[61] المرجع السابق ( 2 / 31 ) يعني قَصْد الجمع الصوري لا يخلو من حرج .
[62] الأوسط ( 2 / 434 ) ، والاستذكار لابن عبد البر ( 6 / 36 ، 37 ) .
[63] الاستذكار ( 6 / 37 ) .
[64] الجامع ( 1 / 357 ) .
[65] المغني ، مرجع سابق ( 3 / 136 ) .
[66] مجموع الفتاوى ( 24 / 84 ) .
[67] ( 24 / 14 ) .
[68] مجموع الفتاوى ( 24 / 29 ) .
[69] الإعلام بفوائد عمدة الأحكام ( 4 / 80 ) .
[70] المغني ( 3 / 134 ) .
[71] المرجع السابق ( 3 / 132 ) .
[72] الأم ( 7 / 205 ) .
[73] مجموع الفتاوى ( 22 / 31 ) .
[74] إكمال إكمال المعلم ( 3 / 30 ) .
[75] تحفة الأحوذي للمباركفوري ( 1/492 ، 493 ) .
[76] آل عمران ( 106 ، 107 ) .
[77] نقلا عن : موضِّح أوهام الجمع والتفريق ( 1/13 ) وتاريخ دمشق لابن عساكر ( 67 / 113 ) .
[78] سير أعلام النبلاء ( 10/35 ) وقواعد التحديث للقاسمي ( ص 52 ) وقد جمع الألباني أقوال الأئمة في ذلك في مقدمة كتابه صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ( ص 45 – 55 ) .

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 10:17 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
الصلاة في أوقات النهي

تحرير محلّ النِّـزاع :
قال ابن الملقّن : أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في أوقات النهي ، واتفقوا على جواز الفرائض المؤدّاة فيها .
واختلفوا في النوافل التي لها سبب كالعيد والجنازة وقضاء الفوائت
(1) .

وقال الشوكاني : وقد اختلف أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الفجر ، فذهب الجمهور إلى أنها مكروهة وادعى النووي الاتفاق على ذلك ، وتعقبه الحافظ بأنه قد حُكي عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا ، وأن أحاديث النهي منسوخة . قال : وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر ، وبذلك جزم ابن حزم
(2) .

وتعقب الحافظ للنووي مُتعقّب :
لأن الإمام النووي لا يرى الاعتداد بخلاف أهل الظاهر ، فإنه قال في المجموع
(3) في مناقشة مسألة أخرى : فكأنهم لم يعتدوا بخلاف داود ، وقد سبق أن الأصح أنه لا يُعتد بخلافه ، ولا خلاف غيره من أهل الظاهر لأنهم نفوا القياس ، وشرط المجتهد أن يكون عارفا بالقياس .

ثم إن هذا الاتفاق نقله غير واحد ، فقد نقله ابن عبد البر فقال : ولا خلاف بين المسلمين أن صلاة التطوع كلها غير جائز أن يُصلى شيء منها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ، وإنما اختلفوا في الصلوات المكتوبات والمفروضات على الكفاية والمسنونات
(4) .
وقال العراقي : وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ
(5) . ثم ذكَرَ قول ابن عبد البر وقول النووي .

أوقات النهي :
يُمكن تقسيم أوقات النهي عن الصلاة إلى خمسة أوقات :

1 - بعد العصر إلى أن تصفرّ الشمس .
2 – بعد الفجر إلى أن تطلع الشمس .
3 – قُبيل صلاة الظهر إلى أن تزول الشمس ( بمقدار عشر دقائق تقريباً قبل الأذان ) .
4 – من اصفرار الشمس إلى الغروب .
5 – من طلوع الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح ( بمقدار عشر دقائق تقريباً ) .
هذه الأوقات لا يجوز أن التطوّع فيها ابتداءً .

ويُمكن تقسيم هذه الأوقات الخمسة إلى أوقات موسّعة ، وهي ما بعد صلاة الفجر وما بعد صلاة العصر ، وإلى أوقات مُضيَّقة ، وهي عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند الزوال .

والذي يظهر أن ذوات الأسباب تُصلى في الأوقات الموسَّعة دون المضيَّقة .


وذلك للدليل والتعليل :

أما الدليل فهو قوله عليه الصلاة والسلام : إذا طلع حاجب الشمس فأخِّروا الصلاة حتى ترتفع ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخِّروا الصلاة حتى تغيب . رواه البخاري ومسلم .
وحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب . رواه مسلم .
وحديث عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه ، وهو في صحيح مسلم ، وستأتي الإشارة إليه .

وحديث ابن عمر مرفوعا : " لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ، فإنها تطلع بقرني شيطان "
وفي رواية : " لا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ، فإنها تطلع بين قرني شيطان " رواه البخاري ومسلم .
قال العراقي في شرح الحديث :
اقْتَصَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حَالَتَيْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا ، وَدَلَّ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ مُسْتَمِرٌّ بَعْدَ الطُّلُوعِ حَتَّى تَرْتَفِعَ ، وَأَنَّ النَّهْيَ يَتَوَجَّهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ حِينِ تَضَيُّفِ الشَّمْسِ أَيْ مَيْلِهَا ، وَهِيَ حَالَةُ صُفْرَتِهَا وَتَغَيُّرِهَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " إذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ " لَفْظُ الْبُخَارِيِّ ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ حَتَّى يَبْرُزَ ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : : ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ " وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلاةِ قَالَ صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الارْتِفَاعِ عَنْ الأُفُقِ بَلْ الارْتِفَاعُ الَّذِي يَذْهَبُ مَعَهُ صُفْرَةُ الشَّمْسِ أَوْ حُمْرَتُهَا ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لا تُنَافِي لَفْظَ الْحَدِيثِ ؛ لأَنَّ مَعْنَى ( عِنْدَ ) حَضْرَةُ الشَّيْءِ ، فَمَا قَارَبَ الطُّلُوعَ وَالْغُرُوبَ فَلَهُ حُكْمُهُ ، لَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا يُقَارِبُ الطُّلُوعَ مِمَّا بَعْدَهُ ، وَمَا يُقَارِبُ الْغُرُوبَ مِمَّا قَبْلَهُ ، وَتَمَسَّكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ : إنَّ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ بِطُلُوعِ قُرْصِ الشَّمْسِ بِتَمَامِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ؛ لأَنَّ الأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الارْتِفَاعِ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ فَيَجِبُ الأَخْذُ بِهَا . اهـ .
وروى الإمام أحمد وأبو داود من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربّع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء . وفي إسناده سماك بن حرب ، وهو صدوق .

وأما التعليل فلأن الأوقات المضيَّقة هي أوقات قصيرة يسيرة ، مع ما يقع فيها من مُشابهة المشركين .
قال الإمام الذهبي : فنفس الموافقة والمشاركة لهم
(6) في أعيادهم ومواسمهم حرام ، بدليل ما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها ، وقال : إنها تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار ، والمصلِّي لا يقصد ذلك إذ لو قصده كَفَرَ ، لكن نفس الموافقة والمشاركة لهم في ذلك حرام (7) .
قال ابن قدامة : والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة ، فمن لم يُصلِّ أبيح له التنفّل وإن صلى غيره ، ومن صلى العصر فليس له التنفل ، وإن لم يصل أحد سواه ، لا نعلم في هذا خلافا عند من يمنع الصلاة بعد العصر
(8) .
وقال أيضا : الصحيح أنه لا يُصلى على الجنازة في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر ، وكذلك لا ينبغي أن يركـع للطواف فيها ، ولا يعيد فيها جماعـة ، وإذا مُنعت هذه الصلوات المتأكدة فيها فغيرها أولى بالمنع
(9) .

هل تُصلّى ذوات الأسباب في وقت النهي ؟

ما كان من ذوات الأسباب فإنها تُصلّى في أوقات النهي على الصحيح من أقوال أهل العلم .

فالفوائت تُصلي في أوقات النهي
لقوله عليه الصلاة والسلام : من نسي صلاة أو نام عنها ، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك . رواه مسلم .
ولقوله عليه الصلاة والسلام : من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس ، فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدرك العصر . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن عبد البر : وقال مالك والثوري والشافعي والأوزاعي - وهو قول عامة العلماء - من أهل الحديث والفقه من نام عن صلاة أو نسيها أو فاتته بوجه من وجوه الفوت ثم ذكرها عند طلوع الشمس واستوائها أو غروبها أو بعد الصبح أو العصر - صلاها أبداً متى ذكرها
(10) .

كما تُصلى كل صلاة لها سبب

فـتُصلّى ركعتي الطواف في أوقات النهي لقوله عليه الصلاة والسلام : يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار (11) .

وتُصلى تحية المسجد لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين . رواه البخاري ومسلم .

وسنة الوضوء تُصلى في أوقات النهي الموسَّع

فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ بلالاً على صلاة ركعتين كلما توضأ ، فقال عليه الصلاة والسلام : يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة ؟ فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة . قال بلال: ما عملت عملا في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورا تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كََتَبَ الله لي أن أصلي . رواه البخاري ومسلم .
ولقائل أن يقول : كيف مُنعت الصلاة في الأوقات المضيّقة ، وحديث بلال هذا لم يخص وقتا دون وقت .
والجواب :
أن ما في هذا الحديث إقرار منه عليه الصلاة والسلام ، وما تقدّم من النهي عن الصلاة في الأوقات المضيّقة قول ، ودلالة القول أقوى من دلالة التقرير .
كما أن القول خاص ، وفعل بلال عام في كل وقت ، فقُدِّم الخاص على العام .
وتبقى دلالة فعل بلال على جواز صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي الموسّعة دون المضيّقة .

وتُصلى راتبة الفجر بعد الفجر

قال ابن قدامة : فأما قضاء سنة الفجر بعدها فجائز ، إلا أن أحمد اختار أن يقضيهما من الضحى ، وقال : إن صلاهما بعد الفجر أجزأ ، وأما أنا فأختار ذلك ، وقال عطاء وابن جريج والشافعي يقضيهما بعدها ، لما رُوي عن قيس بن قهد (12) قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر ، فقال : ما هاتان الركعتان يا قيس ؟ قلت يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي (13) ، وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر ، وهذه في معناها ؛ ولأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ركعتي الطواف (14) .

وتُصلّى صلاة الكسوف ، ويُسجد سجود التلاوة والشكر في هذه الأوقات ؛ لأنها من ذوات الأسباب .

إشكال وجوابه :

ثبت النهي عن الصلاة بعد العصر في غير حديث تقدّم بعضها ، وثبت ما يُعارضه ظاهرا ، وهو أنه عليه الصلاة والسلام قضى سنة الظهر بعد العصر ، فقد روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط .
وسيأتي ذِكر مزيد من الروايات :
وللعلماء مسالك في الجمع بين هذه الأحاديث :

الأول : أنه تعارض حاظر ومُبيح
والقاعدة أنه إذا تعارض حاظر ومُبيح قُـدِّم الحاظر .

والثاني :
أنه هذا الفعل خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن حجر : تمسك بهذه الروايات من أجاز التنفل بعد العصر مطلقا ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس ، وقد تقدم نقل المذاهب في ذلك ، وأجاب عنه من أطلق الكراهة بأن فعله هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة ، وأما مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فهو من خصائصه ، والدليل عليه رواية ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ، ويواصل وينهى عن الوصال . رواه أبو داود
(15) .

والثالث : أن هذا من قضاء النوافل ، ولا يكون هذا إلا لمن حافظ عليها .
وهذا الذي يظهر من النصوص الواردة في صلاته صلى الله عليه وسلم بعد العصر .
ففي الصحيحين عن كريب مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلْها عن الركعتين بعد العصر ، وقل : إنا أُخبرنا أنك تصلينهما ، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما . قال ابن عباس : وكنت أَضْرِب مع عمر بن الخطاب الناس عليها . قال كريب : فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به فقالت : سَـلْ أم سلمة . فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة فقالت أم سلمة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ثم رأيته يصليهما ؛ أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ، ثم دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما ، فأرسلت إليه الجارية فقلت : قومي بجنبه فقولي له : تقول أم سلمة يا رسول الله إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما ، فإن أشار بيده فاستأخري عنه . قال : ففعلت الجارية فأشار بيده ، فاستأخرت عنه ، فلما انصرف قال : يا بنت أبي أمية سألتِ عن الركعتين بعد العصر . إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم ، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان . متفق عليه .

وعند مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصليهما بعد العصر . فقالت : كان يصليهما قبل العصر ، ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما ، وكان إذا صلى صلاة أثبتها . قال يحيى بن أيوب : قال إسماعيل : تعني داوم عليها .

قال ابن قدامة : وأما قضاء السنن الراتبة بعد العصر ، فالصحيح جوازه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة ، وقضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها في حديث عائشة ، والاقتداء بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم متعين ؛ ولأن النهي بعد العصر خفيف لما رُوي في خلافه من الرخصة ، وما وقع من الخلاف فيه ، وقول عائشة : إنه كان ينهى عنها ، معناه - والله أعلم - نهى عنها لغير هذا السبب ، أو أنه كان يفعلها على الدوام وينهى عن ذلك ، وهذا مذهب الشافعي
(16) .

محرم 1425 هـ

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 10:20 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
من أحكام الجهاد في الإسلام
تقسيم الجهاد :
من حيث تقسيم الجهاد ، فالعلماء قسموا جهاد الكفّار إلى قسمين :
جهاد دفع ، وجهاد طلب . ويُتسامح في الأول لدفع العدو الصائل ما لا يُتسامح في الثاني .
فجهاد الدفع يتعيّن على أهل ذلك البلد الذي دهمه العدو ، ولو بغير إمام كما سيأتي .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كلهم ، وعلى غير المقصودين لإعانتهم - إلى أن قال -
كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد ، كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج . بل ذم الذين يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ( يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً) (الأحزاب: من الآية13) فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس ، وهو قتال اضطرار . وذلك قتال اختيار للزيادة في الدين وإعلائه ولإرهاب العدو كغزاة تبوك ونحوها . اهـ

وقال المرداوي في الإنصاف :
تنبيه : مفهوم قوله أو حضر العدو بلده . أنه لا يلزم البعيد ، وهو الصحيح إلا أن تدعو حاجة إلى حضوره . كعدم كفاية الحاضرين للعدو ، فيتعّين أيضا على البعيد . اهـ .
أما جهاد الطلب ، فامتثالا لقوله تعالى : ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) .
وغيرها من الآيات ، والأحاديث الدالة على وجوب الجهاد ومُضيِّه مع كل برّ وفاجر إلى يوم القيامة .

حُـكـم الجهـاد :
من حيث حُكم الجهاد ، فقد جرى فيه الخلاف ، فجمهور العلماء على أنه فرض كفاية ، وذهب بعض العلماء أنه فرض عين . منهم سعيد بن المسيب .
والصحيح أنه فرض كفاية على الأمة ، للأدلة التي سوف أذكرها فيما بعد .
ولا يعني كونه فرض كفاية التقليل من أهميته ، إذ أن الجهاد من أفضل القربات وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل ؟ فقال : رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه . متفق عليه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه .
ولما سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : نرى الجهاد أفضل العمل ، أفلا نجاهد ؟ قال : لا ، لكن أفضل الجهاد حـج مبرور . رواه البخاري ، وفي رواية لـه قال : جهادكن الحج .

ولذا قرر غير واحد من أهل العلم أن الحج في حق النساء أفضل من الجهاد ، فلا يجب الجهاد على النساء بلا نزاع . يُنظر الإنصاف ومجموع الفتاوى .
وفي المسألة خلاف .

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهاراً ، أفضل من الجهاد الذي لم تذهب فيه نفسه وماله . اهـ .

يُشير بذلك إلى حديث البخاري عنه عليه الصلاة والسلام : ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه . قالوا : ولا الجهاد ؟ قال : ولا الجهاد ؛ إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله ، فلم يرجع بشيء .
والأحاديث في فضل الجهاد كثيرة معلومة .

قال الإمام أحمد - رحمه الله - : لا أعلم شيئا من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد .
ولما ذُكِر له الجهاد جعل يبكي ويقول : ما من أعمال البر أفضل منه .

كما أنه لا يعني القول بالفرضية الكفائية أنه لا يجب على الأمة ، بل الفروض الكفائية إذا لم يَقم بها من يكفي أثم الجميع . كما هو مقرر عند أهل العلم .

قال المرداوي في الإنصاف : فرض الكفاية واجب على الجميع . نص عليه في الجهاد . وإذا قام به من يكفي ، سقط الوجوب عن الباقين ، لكن يكون سُنّة في حقهم . اهـ .

ولو قيل بفرضية الجهاد على الأعيان لتعطلت الفروض الأخرى ، ولم يكن ثمة من يقوم بها .
ولو كان الجهاد فرض عين على جميع أفراد الأمة لما مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسواق ، ولما وضع الصحابة سيوفهم عن عواتقهم ، ولما قال عمر رضي الله عنه : ألهاني الصفق في الأسواق ، ولما قال ابن عوف رضي الله عنه : دلوني على السوق ، ولما أذِن النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان في تخلّفه لتمريض زوجته ، ولما بقي في المدينة من تدعو الحاجة إلى بقائه ، ونحو ذلك .

ولما قال عليه الصلاة والسلام : لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية ، ولكن لا أجد حمولة ، ولا أجد ما أحملهم عليه ، ويشق علي أن يتخلفوا عني . متفق عليه .

وقد نص العلماء على : يُشترط لمن أراد الجهاد وجود زاد ونفقة عياله مدة غيبته
ويُنظر لذلك - على سبيل المثال - المقنع والشرح الكبير والإنصاف .

ولو كان يجب على كل أحد ما عُذِر من كان على مثل هذه الحال .
كما أنه لا يجب على النساء كما تقدّم ، ولا يجب على العبيد في أصح قولي العلماء ، ولا يجب على أولي الضرر ، ولا على أهل الأعذار .
ولو كان يجب وجوبا عينيا على كل أحد لما عُذر هؤلاء .
قال سبحانه : ( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ )
فهؤلاء الضعفاء والمرضى والفقراء الذين لا يجدون ما يُنفقون ولا يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه من الدواب قد عذرهم الله في محكم كتابه .
وقال سبحانه : ( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) .

ولو كان الجهاد فرض عين على الدوام لما كان هناك مجال مقارنة بين المجاهدين والقاعدين ، ولما وعد الله الجميع بالحسنى .
كما أن الأعمى إذا شارك في رأي أو مكيدة ، أو شارك الأعرج ونحوه ، كما شارك في القتال عمرو بن الجموح الأنصاري رضي الله عنه ، فإن ذلك عزيمة عزموا بها على أنفسهم لا أنه فرض عليهم .

وقد نص العلماء على أن الجهاد لا يتعين إلا في ثلاث حالات :
1 – إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان . لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ )
2 – إذا نزل الكفار ببلد ، تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم . لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً )
3 – إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير . لقوله صلى الله عليه وسلم : وإذا استنفرتم فانفروا . متفق عليه

ومن أحكام الجهاد :

أولاً : ضرورة وجود إمام أو أمير .
لا يقوم الجهاد إلا بإمام أو أمير ، يُرجع إليه عند الحاجة ، ويُردّ إليه عند الاختلاف .
ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيّر سرية أو بعث بعثا أو أنفذ جيشاً دون أن يؤمّر عليه أميرا ، وقد أمّـر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الصحابة على جيش مؤتة ، وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم .

قال في الشرح الكبير : وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك
– إلى أن قال –
فإن عُدِمَ الإمام لم يؤخّر الجهاد ؛ لأن مصلحته تفوت بتأخيره . اهـ .

وهذا لا يكون إلا في حالات نادرة ، أو في حالات جهاد دفع العدو الصائل .
إذ
لا يصلح الناس فوضى لا سُراة لهم ولا سُـراة إذا جهالهم سـادوا

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : الغزو غزوان : فأما من ابتغى وجه الله ، وأطاع الإمام ، وأنفق الكريمة ، وياسَرَ الشريك ، واجتنب الفساد ؛ فإن نومه ونبهه أجرٌ كله وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة ، وعصى الإمام ، وأفسد في الأرض ؛ فإنه لم يرجع بالكفاف . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم ، وهو حديث صحيح

وقال عمر رضي الله عنه : إنه لا إسلام إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بطاعة . رواه عنه الدارمي .

وقد عقد الإمام البخاري - رحمه الله - بابا ، فقال : باب الجهاد ماض مع البر والفاجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة . ثم ساق بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والمغنم .

أما لماذا الجهاد مع البر والفاجر ؟
فإنه بالنظر إلى مقاصد الشريعة ، وبالنظر إلى عواقب الأمور وما تؤول إليه عند ترك الجهاد مع الفاجر مِنْ تمكن العدو وتسلطه على رقاب المسلمين وعلى ديارهم وأموالهم ، فتحقيق هذه المصالح أعظم ، وترك الجهاد مع الفاجر يُفوّت تحقيق هذه المصالح بل وينتج عنه مفاسد لا يعلمها إلا الله .

قال الإمام أحمد : أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا عن الجهاد كما قعدتم ، من كان يغزو ؟ أليس كان قد ذهب الإسلام ؟

ثانياً : الإعداد للجهاد
لا يُمكن أن يُقاتَل العدو بغير إعداد ولا عدّة ، ولذا قال الله سبحانه وتعالى : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْل ِتُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ )
أما من قاتَل العدو بغير إعداد فإنه قد خالِف ما أُمِرَ به ، ورام النصر من غير بابه .
ولذا كانوا يُعوّدون الخيل على الكرّ والفرّ حتى في حال السِّلم حتى تألف ذلك عند القتال .
جاء في سيرة نور الدين زنكي :
أنه كان يُكثر اللعب بالكرة ، فأُنكِرَ عليه فكتب نور الدين لمن أنكر عليه :
والله ما أقصد اللعب ، وإنما نحن في ثغر ، فربما وقع الصوت فتكون الخيل قد أدمنت على الانعطاف والكر والفرّ .

ثالثاً : إخلاص النية
إخلاص النية شرط في قبول العبادات
ومن لم يُخلص في جهاده لم يكن لـه من نصيب فيه ، ولم يكن لـه إلا ما نوى إذا نوى أمراً دنيوياً ، أما إذا أظهر للناس أنه يُجاهد في سبيل الله ولم يكن كذلك فهذا أول من تسعر به النار ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء ، فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ... الحديث . رواه مسلم
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال : التقى النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون في بعض مغازيه فاقتتلوا فمال كل قوم إلى عسكرهم وفي المسلمين رجل لا يدع من المشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها فضربها بسيفه ، فقيل : يا رسول الله ما أجزأ أحد ما أجزأ فلان . فقال : إنه من أهل النار . فقالوا : أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار ؟ فقال رجل من القوم : لأتبعنه فإذا أسرع و أبطأ كنت معه حتى جرح ، فاستعجل الموت ، فوضع نصاب سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه ، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أنك رسول الله . فقال : وما ذاك فأخبره ، فقال : إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإنه من أهل النار ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .

أما إذا غزا وهو يُريد غرضا دنيوياً ، فليس له إلا ما نوى ، وإن ذهبت نفسه .
قال عليه الصلاة والسلام : من غزا ولا ينوي في غزاته إلا عقالا فله ما نوى . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .

رابعاً : وضوح الهدف ، وبيان القصد .
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه . فمن في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . متفق عليه

فيُقاتِل المسلم من أجل هدف سام ، وغاية عظيمة ، وهي إعلاء كلمة الله
والمسلم يربأ بنفسه أن يُقاتِل حمية أو عصبية أو لغرض دنيوي زائل
قال عليه الصلاة والسلام : من قُتِل تحت راية عُمِّيَّةٍ ، يدعو عصبية أو ينصر عصبية ، فَقِتْلَةٌ جاهلية . رواه مسلم .
وفي الحديث الآخر : ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية . رواه أبو داود .
فلا بُد أن يكون المسلم على بيّنة في قتاله .
وما الهدف من هذا القتال ؟
إذا كان لإقامة شرع الله فهذا هو المقصد ، أما إذا كان لتحصيل أرض أو وطن ثم تُحكم بحكم الجاهلية فبئس القصد وبئست النيّة .
إذاً لا بُـدّ من وضوح الهدف ، والقتال تحت راية واضحة وضوح الشمس .
لا أن يكون الحال كما قيل :
وهل أنا إلا من غُزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشـد

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 10:23 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
وقبل الختام أود تحرير القول في مسألة جرى فيها الخلاف ، ألا وهي :
مسألة الاستئذان
وتتضمن :
1 - استئذان الإمام
2 - استئذان الوالدين
3 - استئذان الدائن
4 - استئذان العبد
5 - استئذان المرأة

أولاً : استئذان الإمام
ذكر بعض العلماء أنه لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام .
قال ابن قدامة في المغني : مسألة ؛ قال : ( وإذا غزا الأمير بالناس لم يَجز لأحد أن يتعلف ولا يحتطب ولا يبارز علجا ولا يخرج من العسكر ولا يحدث حدثا إلا بإذنه ) يعني لا يخرج من العسكر لتعلف وهو تحصيل العلف للدواب ولا الاحتطاب ولا غيره إلا بإذن الأمير . اهـ .
كما ذكروا أيضا أن المبارزة لا تكون إلا بإذن الإمام

وليس هذا على إطلاقه .
قال في العمدة : ولا يجوز الجهاد إلا بإذن الأمير إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلَبه ، أو تعرض فرصة يخافون فوتها . اهـ .
ومعنى ( كَلَبَه ) أي شرّه وأذاه .
وهذا القول – أعني – لا يجوز الجهاد إلا بإذن الإمام ، لـه حظ من النظر في ابتداء الغزو وتسيير السرايا وبعث الجيوش ، لا أن الحكم ينسحب على الأفراد .
فلم يُنقل عن سرية أنها سارت أو جيش أن انطلق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه .
وهذا يُشبه حال الجيوش النظامية اليوم فإنه لا يمكن أن تسير إلا بأمر الحاكم ولو أن كل من أراد القتال جمع جيشا وسار بسرية لأصبح المسألة فوضى ، ولا تنضبط الأمور بذلك .

أما دفع العدو الصائل فلا يُشترط له ذلك – كما تقدّم – .
أما ما يُستدل به من مجيء ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في القصة المعروفة – وستأتي – فليس فيه دليل على عموم الاستئذان ، ثم إنه لا يقوى على تخصيص الآية في قوله سبحانه وتعالى :
( لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ) .
قال القرطبي - رحمه الله - في التفسير : أي في القعود ولا في الخروج ، بل إذا أمرت بشيء ابتدروه ، فكان الاستئذان في ذلك الوقت من علامات النفاق لغير عذر.اهـ .

وقال الشوكاني بعد أن ذكر الأوجه في الآية :
وأما على ما يقتضيه ظاهر اللفظ فالمعنى لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد بل دأبهم أن يبادروا إليه من غير توقف ولا ارتقاب منهم لوقوع الإذن منك فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف . اهـ .

ثم إن قصة الرجل الذي جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد واقعة عين لا عموم لها ، بدليل أنه لم يُحفظ عن الصحابة رضي الله عنهم الاستئذان لكل من أراد الجهاد .

وقصة الرجل الذي جاء يستأذن رواها البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد ، فقال : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد .

ومثله قصة جاهمة السلمي رضي الله عنه حيث قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة . قال : ويحك ! أحيّـة أمك ؟ قلت : نعم . قال : ارجع فبرّها ، قال : ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت : يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة . قال : ويحك ! أحيه أمك ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : فارجع إليها فبرها ثم أتيته من أمامه فقلت : يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة . قال : ويحك ! أحيه أمك ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : ويحك الزم رجلها فثم الجنة . رواه ابن ماجه ثم قال :
قال أبو عبد الله بن ماجة : هذا جاهمة بن عباس بن مرداس السلمي الذي عاتب النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين .

وهذا يدلّ على أمرين :
الأول : أن الاستئذان وقائع أعيان لا عموم لها .
والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بما يعلم أنه الأصلح لهم .
بدليل اختلاف الوصية من رجل لآخر .
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال أوصني . قال : عليك بالجهاد .
وجاءه آخر فقال أوصني . قال : لا تغضب .
وقال لثالث : عليك بالصوم فإنه لا عدل له .
وأوصى رجلاً فقال : لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله .
وهكذا . تختلف الوصية باختلاف أحوال الناس .
والذي يظهر أن هذا الرجل الذي ردّده النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان ذلك بسبب معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بحاله وأنه لا صبر له - كما أشار إليه ابن ماجه - .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : قد يكون الشخص يَصلح دينه على العمل المفضول دون الأفضل ، فيكون أفضل في حقه ، كما أن الحج في حق النساء أفضل من الجهاد . اهـ .

ثم إنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك – أي خلاف الاستئذان – .
فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة . قال : ثم مه ؟ قال : الصلاة قال : ثم مـه ؟ قال : الصلاة ثلاث مرات . قال : ثم مـه ؟ قال : الجهاد في سبيل الله . قال : فإن لي والدين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمرك بوالديك خيرا ، فقال : والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنت أعلم . رواه الإمام أحمد وابن حبان ، وإسناد ابن حبان حسن .
فقول هذا الصحابي رضي الله عنه : " فإن لي والدين " يُشعر أنه سمع بترديد النبي صلى الله عليه وسلم لمن أتاه قبله .

كما أن حمل الرجل بنفسه على العدو مُخالِف لاشتراط الاستئذان
وقد وقع هذا بمرأى ومسمع من بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُنكروه بل أقروه .

حدّث أبو عمران التجيبي قال : كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم ، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر ، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر رضي الله عنه ، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد رضي الله عنه فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس ، وقالوا : سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة ، فقام أبو أيوب رضي الله عنه فقال : يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل ، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار . لما أعز الله الإسلام ، وكثر ناصروه ، فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعز الإسلام ، وكثر ناصروه ، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يردّ علينا ما قلنا : ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو ، فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم . رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح .

ولما أغار الكفار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فصادفهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه خارجا من المدينة تبعهم وطاردهم وقاتلهم بغير إذن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم . كما في الصحيحين .

ثم إن الخلاف قد وقع بين العلماء في الغزو بإذن الإمام .
وفي الرجل يدخل دار الحرب وحده مغيرا بغير إذن الإمام .

قال أبن قدامة في المغني : إذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إذن الإمام فغنموا ؛ فعن أحمد فيه ثلاث روايات : إحداهن أن غنيمتهم كغنيمة غيرهم يخمسه الإمام ويقسم باقيه بينهم ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، منهم الشافعي . لعموم قوله سبحانه : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَه ُ) الآية ، والقياس على ما إذا دخلوا بإذن الإمام – ثم ذكر بقية الأقوال – ورجه هذا القول .

وقال في معرض سياق الأقوال : فإن الجهاد إنما يكون بإذن الإمام ، أو من طائفة لهم مَنَعَـة وقـوّة . اهـ

ونسب هذا القول الإمام النووي إلى الجمهور .
فلو كان الجهاد لا يجوز بغير إذن الإمام على إطلاقه لما جاز أن يُعطى هؤلاء نكالاً لهم .
وكذلك القول في المبارزة بغير إذن الإمام .
قال ابن المنذر : المبارزة بإذن الإمام حسن ، وليس على من بارز بغير إذن الإمام حرج ، وليس ذلك بمكروه ؛ لأني لا أعلم خبرا يمنع منه . اهـ .

الثاني : استئذان الوالدين
ثبت في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد ، فقال : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد . متفق عليه .

قال جمهور العلماء : يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما ، بشرط أن يكونا مسلمين ، لأن برّهما فرض عين عليه ، والجهاد فرض كفاية ، فإذا تعين الجهاد فلا إذْن .

قال الإمام الصنعاني :
وذهب الجماهير من العلماء إلى أنه يحرم الجهاد على الولد إذا منعه الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين ؛ لأن برّهما فرض عين والجهاد فرض كفاية ، فإذا تعين الجهاد فلا . فإن قيل : بـرّ الوالدين فرض عين أيضا ، والجهاد عند تعينه فرض عين ، فهما مستويان . ما وجه تقديم الجهاد ؟ قلت : لأن مصلحته أعمّ ، إذ هي لحفظ الدين والدفاع عن المسلمين ، فمصلحته عامة مقدمة على غيرها . اهـ .
وهذا هو القول الصواب ، جمعاً بين الأدلة ، ويُستثنى من ذلك ما إذا كان لـه أبوان شيخان كبيران وليس لهما عائل سواه ، فحينئذٍ يجوز له التخلف عن الجهاد .
وتقدمت الأدلة في استئذان الأبوين وعدمه .

قال في المغني :
وإن أذن لـه والداه في الغزو وشرطا عليه أن لا يُقاتل ، فحضر القتال تعيّن عليه وسقط شرطهما . كذلك قال الأوزاعي وابن المنذر ؛ لأنه صار واجبا عليه فلم يبق لهما في تركه طاعة .

استئذان المدين من غريمه
روى الإمام مسلم عن أبي قتادة أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال . فقام رجل فقال : يا رسول الله ! أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم قال رسول الله : كيف قلت ؟ قال : أرأيت إن قتلت في سبيل الله ، أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر . إلا الدَّين . فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك .
قال ابن قدامة في المغني :
ومن عليه دين حال أو مؤجل لم يجز لـه الخروج إلى الغزو إلا بأذن غريمه إلا أن يترك وفاء أو يقيم به كفيلا أو يوثقه برهن ، وبهذا قال الشافعي ، ورخص مالك في الغزو لمن لا يقدر على قضاء دينه ؛ لأنه لا تتوجه المطالبة به ولا حبسه من أجله فلم يمنع من الغزو كما لو لم يكن عليه دين . ولنا إن الجهاد تقصد منه الشهادة التي تفوت بها النفس فيفوت الحق بفواتها وقد جاء أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا تكفر عني خطاياي ؟ قال : نعم ، إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك . رواه مسلم . وأما إذا تعين عليه الجهاد فلا إذن لغريمه ؛ لأنه تعلق بعينه ، فكان مقدما على ما في ذمته كسائر فروض الأعيان ، ولكن يستحب له أن لا يتعرض لمظان القتل . اهـ

استئذان العبد
مما اشترط العلماء لوجوب الجهاد : الحرية
فلا يجب على العبد ، كالحج .
وهذا مما يُضعف القول بفرضية الجهاد على الأعيان .

استئذان المرأة
لا تخرج المرأة للجهاد ؛ لأن جهاد النساء جهاد لا شوكة فيه : الحج . كما تقدم .
ولأن المرأة ضعيفة ، ولا يؤمن ظفر العدو بها .
قال في الإنصاف :
ظاهر قوله : ويمنع النساء إلا طاعنة في السن ؛ لسقي الماء ، ومعالجة الجرحى . منع غير ذلك من النساء وهو صحيح ، وهو ظاهر كلام الأصحاب .
ثم قال تنبيه :
ظاهر كلام المصنف أن المنع من ذلك على سبيل التحريم ، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب . اهـ .

وإنما ذكرت هذه المسألة لأني سمعت من النساء من تقول : إنه يجوز للمرأة أن تخرج بغير إذن زوجها إذا تعيّن الجهاد .
والقاعدة الشرعية تنص على أن :
درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح .
وقد سُئل الإمام أحمد رحمه الله : فتخاف على المنتقل بعياله إلى الثغر الإثم ؟ قال : كيف لا أخاف الإثم ، وهو يعرض ذريته للمشركين .
قيل : فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها . قال : هذا للواحدة . ليس الذرية . اهـ .

أقول : وهذا محمول على الثغور المخوفة .

وختاماً أرجو أن أكون قد وُفّقت في تناول هذا الموضوع ، والإفادة فيه .

والله أعلم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

الرياض - 1422 هـ

~ آلغربآء ~ 19-12-2009 10:28 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
(المقالات العَقَدية )
لقد اقشعر جلدي بجوار بيت ربي
مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ؟

مدحنا زين وذمنا شين
أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟!
أمـرٌ تم التأكيد عليه منذ فجـر الدعوة
من فظائع الصوفية .. وأقوال علماء الإسلام فيهم
سبحـان مَـنْ وسِـع سمعـه الأصـوات
من ذا الذي لا يخاف منها ... ؟؟
هـل نحتفـل بالمولـد النبوي ... ؟؟؟
ما يُزعم أنه أصوات المعذّبين في نار جهنم
تعريف بفرقة الإسماعيلية
أين الله ؟
عبوديات خفيــّة .. !! ( فتـّش في نفسك )
علاقــة الصورة بالشـِّـرك بالله !!!

~ آلغربآء ~ 20-12-2009 03:38 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
لقد اقشعر جلدي بجوار بيت ربي

بينما كنت أطوف بالبيت العتيق والناس في هذا المشهد العجيب ، بين داعٍ وتالٍ ، ومُتضرِّع وخاشع ، قد تفاوتت أصواتهم ، بين مَن يُسمع صوته ، وبين مُخافِت، إذا بي أسمع صوتا نشازاً بين تلك الأصوات ، صوت هـزّ كياني ، وألهب مشاعري ما سَمِعت .
فماذا سمِعت ؟
بعض الطائفين ، لم يُناجِ رب العالمين ، بل دعا من دون الله آلهة أخرى ! فقال في دعائه :

يا عليّ .. يا فاطمة


فانْتَفَضْتُ وارتعَدّتُ ، واقشعر جلدي لهول ما سمِعت .

ودَمَعتْ عيني ، وناجيت من لا تخفى عليه خافية

سبحانك ما أحلمك
سبحانك ما قدروك حقّ قَدْرِك
سبحانك ما عظّموك حقّ تعظيمك

سبحانك ما عَبَدْناك حق عبادتك

سبحان الله !

كيف يبلغ الجهل بصاحبه ؟
ما تَبْلُغ الأعداء من جاهل = ما يَبْلُغ الجاهل من نفسِه

كيف تجرأ جاهل أن يدعو غير الله في حَـرم الله ؟

كيف بلغ به الجهل أن أشرك مع الله في دعائه غير الله وفي جوار بيت الله ؟


عجِبتُ مِن جُرأة العباد على الله وحِلم الله على العباد !

ما أحلم الله عنّي حيث أمهلني = وقد تماديت في ذنبي ويسترني

كيف بالَغ بعض الناس في إساءة الأدب مع الله وهم في ضيافته ؟

وفي الأثر الإلهي : إني والجن والإنس في نبإ عظيم ؛ أخلُق ويُعبد غيري ، وأرزُق ويُشكر غيري .

فسبحان الله ما أعظمه
وسُبحان الله ما أحلمه

خَلَق وعُبد غيره
رَزَق وشُكِر غيره
أنعَم ونُسبت النعمة إلى غيره

سبحانك ربنا ما عبدناك حق عبادتك
وما قدروك حق قدرك

فيا (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)

اللهم إنك حَلِمْتَ على من تجاوز حدودك
فتجاوز عنا وعاملنا بلطفك الخفيّ .

البلد الأمين
الجمعة 6/6/1425هـ

~ آلغربآء ~ 20-12-2009 03:40 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ؟

( قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ )
تأملت وأنا أقرأ هذه الآية في هذا السؤال الذي أُمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأله المعاندين الكافرين

( مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ ) ؟

مَن يحرسكم ؟
مَن يحفظكم ؟
من يرعاكم ؟

مَن يفعل بكم ذلك من دون الرحمن ؟

وتُرك الجواب للعِلم به
كما في قوله تعالى :
( وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى )
الجواب : لكان هذا القرآن .

لا أحد يملك الأمن ويهبه سوى الله عز وجل

ولا يهب الله عز وجل الأمن بمفهومه العام والشامل إلا للمؤمنين به
ولذا قال جل جلاله :

( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ )


ولما نزلت :
( الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ ) شقّ ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا : أينا لا يظلم نفسه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ليس هو كما تظنون إنما هو كما قال لقمان لابنه : ( يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) . رواه البخاري ومسلم .

وقد وعد المؤمنين بالأمان فقال :
( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )


فهذا أمن المؤمنين
الأمن النفسي
والأمن الاجتماعي

ولا يتم الأمن إلا بهذين النوعين

ومتى ما كانت أجهزة الأمن هي مصدر خوف فاعلم أن الأمن قد اختل أو اضطرب أو ضعف في أقل الأحوال

فالأمن الاجتماعي مطلب للجميع ، وقد يتحقق للمسلم والكافر
إلا أن الأمن النفسي لا يتحقق إلا للمؤمنين برب العالمين

فليس الأمن أن تأكل أو تنام وأنت قرير العين
بل أن تنام وأنت لا تخاف إلا الله عز وجل
وأن تكون مطمئن النفس هاديء البال مرتاح الضمير على يومك وغدِك
مطمئن على مستقبلك
واثق أن رزقك لك
وأنه قُسم وأنت في بطن أمك
وأن المَلَك أُمِر بكتابة أربع كلمات ( عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد ) وذلك قبل أن تُنفخ فيك الروح
وأن تعلم علم يقين أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك
وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك
وأن هذه الدنيا برمّتها لو ذهبت منك فإنك على يقين من عدالة الجزاء ، وموافاة الحساب
وأن رب العزة سبحانه سوف يضع موازين العدل والحق فيوزن فيها مثاقيل الذرّ

( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ )

كل هذا مما يتحقق به الأمن الشامل
الأمن الدنيوي بنوعيه ( النفسي والاجتماعي )
والأمن الأخروي
ولذا قال رب العزة سبحانه وتعالى :
( أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ؟

وقال رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه جل وعلا قال : وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين وأمنين ؛ إذا خافني في الدنيا أمّنته يوم القيامة ، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة . رواه ابن حبان .

وأما المؤمنون بالله جل جلاله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون

( أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ )

فلا يحزنون على هذه الدنيا ، ولا يحزنون عند مفارقتها

( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ )

قال مجاهد : ( أَلا تَخَافُوا ) مما تقدمون عليه من الموت وأمر الآخرة ( وَلا تَحْزَنُوا ) على ما خلفتم من أمر دنياكم من ولد وأهل ودَين مما استخلفكم في ذلك كله . اهـ .

ولا هم يحزنون في الآخرة بل لا يسمعون ما يُزعجهم

( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ )

لا يسمعون من التّحايا إلا ما يسرّهم

( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا )

ذلك أنهم استقاموا على الطريق المستقيم في الحياة الدنيا

( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )

تحقق لهم الأمن الأخروي الذي لا يعدله شيء
مع ما تحقق لهم من الأمن الدنيوي بقدر ما حققوا من إيمان .

فبقدر ما يُحقق الأيمان يكون الأمن في الأوطان

ولا ريب أن بلاد الكفّار اليوم تشكو من ضعف الأمن

فليس مظهر الأمن فيها أن لا تُقطع يدك لأجل ما تلبس فيها من ساعة !
ولكن الأمن بمفهومه الشامل العام لجميع مناحي الحياة

ولا زلت أذكر أحد المسلمين المغتربين في بلد أوربي وهو يقول : السير ليلة الأحد مُجازفة !
سألته : لماذا ؟
قال : كثيرون هم الذين يقودون سياراتهم وهم في حال سُكر !

ومسلم تزوّج بامرأة أوربية تستدعيه سُلطات الأمن بين حين وآخر ليُكرر له السؤال :
لماذا أسلمت زوجتك ؟!
وهل قمت بممارسة أي نوع من الضغوط عليها ؟
ويُختم السؤال في كل مرّة : لماذا لا تريد اندماج المسلمين بالنصارى ؟!!
هذا في ظل ما يعتبرونه حُريات شخصية
وحرية اختيار الدّين
تلك المبادئ التي يتشدّقون بها من غير رصيد حقيقي !!

أحدهم سأل مجموعة من الجنود الأمريكان : ما أكثر شيء لفت أنظاركم في بلادنا ؟
قالوا : الأمن !
قال : هل يوجد مثله في بلدكم ؟!
قالوا : لا !

ومِن الحق ما شهدت به الأعداء !!

إن معدلات الجريمة في بلادهم بازدياد مستمر
بل من الخطورة بمكان أن يترجّل سائق السيارة من سيارته عندما يوقفه رجال الأمن !

وسألت غير واحد ممن كان وقع فترة في شِراك المخدِّرات عما كان يجده سابقا ، فكانوا جميعا يقولون : نشعر ب الخوف !
سألت : من أي شيء ؟
قالوا : لا نعلم !
إذا لم يكن لديهم أمن نفسي ، وإن أمِنوا في أوطانهم !

فيا رب آمِنّـا في أوطاننا
ويا رب نسألك الأمن والإيمان والعفو عما سلف وكان

~ آلغربآء ~ 20-12-2009 03:46 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
مدحنا زين وذمنا شينhttp://www.saaid.net/images/s.gif

كذب الشاعر عندما قال في مخلوق :
وإن مديح الناس حق وباطل = ومدحك حق ليس فيه كِذاب
فما من مخلوق إلا وفي مدحه حق وباطل
حتى في حق سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام عندما يتجاوز المادح فيه حقه يدخل في مسالك الغلوّ
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ، فإنما أنا عبده ، فقولوا : عبد الله ورسوله . رواه البخاري .

ومعنى هذا النهي عن المبالغة في مدحه عليه الصلاة والسلام حتى تُضاف له وتُضفى عليه بعض صفات الله كما فعلت النصارى بنبيِّها

وقد وقع هذا الذي نهى عنه عليه الصلاة والسلام كما في قول المادح :

يا أكرَمَ الرُّسْلِ مالي مَنْ أَلُوذُ به = سِوَاكَ عندَ حلولِ الحادِثِ العَمِمِ
وَلَنْ يَضِيقَ رَسولَ الله جاهُكَ بي = إذا الكريمُ تَحَلَّى باسْمِ مُنْتَقِمِ
فإنَّ من جُودِكَ الدنيا وَضَرَّتها = ومن علومكَ علمَ اللوحِ والقلمِ
وهذا غلوّ وإطراء لا يرضاه صاحب الشريعة الغرّاء .
فإن الذي يُلاذ ويُعاذ به هو الله تبارك وتعالى
والدنيا والآخرة وعلم اللوح والقلم ليست من جوده عليه الصلاة والسلام

وهو عليه الصلاة والسلام لما قيل له : أنت سيدنا . قال : السيد الله تبارك وتعالى . قيل : وأفضلنا فضلا ، وأعظمنا طولا . فقال : قولوا بقولكم ، أو بعض قولكم ولا يستجرينكم الشيطان . رواه الإمام أحمد وأبو داود .

ولما قالت جارية : وفينا نبيٌّ يعلم ما في غد . قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقولي هكذا ، وقولي ما كنت تقولين . رواه البخاري .

فكل هذا نهي عن إضفاء شيء من صفات الله عز وجل على البشر .

وأما الذي مدحه ليس فيه كِذاب فهو الله تبارك وتعالى
هو الذي مدحه زين وذمّه شين

أولئك الذين نادوا النبي صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات فقالوا : يا محمد أخرج إلينا فخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : يا محمد إن مدحنا زين ، وإن شتمنا شين ، نحن أكرم العرب ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كذبتم بل مدحة الله الزين ، وشتمه الشين .

وفي رواية أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فناداه من وراء الحجرة ، فقال : يا محمد إن مدحي زين ، وإن شتمي شين . فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ويلك ذاك الله ، ويلك ذلك الله . كما في تاريخ دمشق .

ذاك هو الله الذي مدحه زين ليس فيه كِذاب
وذاك هو الله الذي ذمّه شين وعيب

وذاك هو الله الذي إن مدح سـرّ مدحه
وإن ذمّ شان المخلوق ذمّـه

فإذا أردت المدحة في الملأ الأعلى فعليك بأمور :
الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
حضور مجالس الذِّكر وحلق العلم
ذكر الله عز وجل في نفسك أو في ملأ من الناس

( فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ )

~ آلغربآء ~ 20-12-2009 03:48 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
أترون هذه طارحة ولدها في النار ؟!

قدِم على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبي فإذا امرأة من السبي تبتغى إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته ، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار ؟
قلنا : لا والله ! وهى تقدر على أن لا تطرحه .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لله أرحم بعباده من هذه بولدها . رواه البخاري ومسلم .

هكذا اغتنم النبي صلى الله عليه وسلم الموقف ليُذكّر أصحابه ويعِظهم
وليذكّرهم بسعة رحمة الله عز وجل
أن الله هو أرحم الراحمين
وأنه أرحم بعباده من الوالدة بولدها

وكان يقول لهم : إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة ، كل رحمة طباق ما بين السماء والأرض ، فجعل منها في الأرض رحمة فبها تعطف الوالدة على ولدها ، والوحش والطير بعضها على بعض ، فإذا كان يوم القيامة أكملها بهذه الرحمة . رواه البخاري ومسلم .

وفي رواية : إن الله خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة ، فأمسك عنده تسعا وتسعين رحمة ، وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة ، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة ، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار .

ولكنه مع ذلك لا يغفل عن الموازنة
فقد قال لهم : لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد ، ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته أحد .

فلا إفراط ولا تفريط

ورحمة الله عز وجل وسعت كل شيء فـ يا لحرمان المحرومين
ويا لبُعد الملعونين
ويا لشقاء المطرودين
يوم لا يسعهم واسع الرحمة
يقول رب العزة سبحانه :
( وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ )

وفي دعاء الملائكة
( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ )

فيا لحرمان المطرودين الملعونين الذين رضوا بالذل والهوان ، ورضوا بأ يُطردوا ويُبعدوا عن رحمة أرحم الراحمين

ويا لبعد القلوب القاسية
تلك القلوب التي تهزأ بالصخر قساوة

( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )

أمَـا إن من القلوب ما يفوق الصخر قساوة
ومن العيون ما يفوق الأرض الجدباء جفافا

فلا قلوبهم ترحمهم
ولا أعينهم تدمع

وقد استعاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من قلب لا يخشع

فما تُنزع الرحمة إلا من قلب شقي

قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : أتُقبِّلون صبيانكم ؟! فقالوا : نعم ، فقالوا : لكنا والله ما نُقبّل ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : وَأَمْلِك إن كان الله نزع منكم الرحمة ؟! رواه البخاري ومسلم .

ولما قدم الأقرع بن حابس فأبصر النبي صلى الله عليه وسلم يُقبّل الحسن ، فقال : إن لي عشرة من الولد ما قبّلت واحدا منهم ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنه من لا يرحم لا يرحم . رواه البخاري ومسلم .

إن الرحمة بالولد قبل غيره من أسباب رحمة الله عز وجل بالوالد
قالت عائشة رضي الله عنها : جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ، فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة منهما تمرة ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها ، فشقّت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها ، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : إن الله قد أوجب لها بها الجنة ، أو أعتقها بها من النار . رواه مسلم .

وعند البيهقي في شُعب الإيمان عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يدخل الجنة منكم إلا رحيم . قالوا : يا رسول الله كلنا رحيم . قال : ليس رحمة أحدكم نفسه وأهل بيته حتى يرحم الناس .

وتتعدى الرحمة بني الإنسان حتى يؤمر برحمة الحيوان البهيم
جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها ، أو قال : إني لأرحم الشاة إن أذبحها ، فقال : والشاة إن رحمتها رحمك الله . رواه الإمام أحمد .

ولا تجتمع الرحمة والشقاوة .
قال عليه الصلاة والسلام : لا تُنـزع الرحمة إلا من شقي . رواه الإمام أحمد والترمذي

~ آلغربآء ~ 20-12-2009 03:50 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
أمـرٌ تم التأكيد عليه منذ فجـر الدعوة

لا يؤمر بأمر
ولا يُنهى عنه
ولا تتكرر فيه الآيات
إلا لأهميتـه
فمنذ فجر الدعوة
بل منذ أول وهلة
جاء التأكيد عليه
في أول نزول الوحـي
إلى آخر أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم
والأمر يُعاد فيه ويُكرر
ويؤكـّـد عليه
ويُؤمر به ويُنهى عن ضدّه
إنه أمر عقيدة
تنطوي عليه القلوب
وتـُـعقد عليه الخناصر

إنه :
مباينة
مفاصلة
منافرة
هجـر
وقطيعـة
ونبذ ومنابذة
لمن ؟؟
لأعداء الدين

تأمل قول رب العزة جل جلاله :
( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ )
ثم تأمل معناها
وتأمل متى جاء الأمر بها

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثم فتر عني الوحي فترة ، فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قـِـبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض ، فجئثت منه [ أي خفت ] حتى هويت إلى الأرض ، فجئت أهلي فقلت : زملوني زملوني فدثّروني ، فأنزل الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) إلى قوله : ( فَاهْجُرْ ) . متفق عليه .
قال أبو سلمة – أحد رواة الحديث – : والرجز الأوثان .

فالأمر بهجر الأصنام والأوثان أمر بمنابذة أهلها .

ولذا قال الله عز وجل :
( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ )


وأمر سبحانه وتعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أن يُعلن أنه على ملة إبراهيم فقال جل شأنه :
( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

كما أمر سبحانه باقتفاء أثر نبي الله إبراهيم والاقتداء به في ذلك

فقال سبحانه وبحمده :
( اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

وأمر المؤمنين بما أمر به خاتم المرسلين ، فقال :
( فَاتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

كما أخبر سبحانه بأنه لا يرغب عن ملة إبراهيم ويبتغي غيرها في هذا الشأن إلا من جهل وبالغ في الجهل .

قال تبارك وتعالى :
( وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ )

ولا يستقيم الدين إلا بذلك
( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً )

قال ابن كثير - رحمه الله – في قول الله عز وجل عن إبراهيم عليه السلام :
( قال يا قوم إني برئ مما تشركون ) أي أنا برئ من عبادتهن وموالاتهن .

لقد كانت قضية الولاء من أسس الدعوة إلى الإسلام
فجاء التأكيد عليها مع أول تتابع الوحي

كما تم التأكيد على هذه القضية الخطيرة
في آخر أيام النبي صلى الله عليه وسلم
وبعد ظهور نور الإسلام وسطوع شمسه
وأفول الشرك
وخبوت ناره

أُكِّد عليها في يوم مشهود
في يوم الحج الأكبر
قال عز وجل :
( وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ )


فيجب أن نتبرأ ممن تبرأ منه الله ورسوله
ولو كان أقرب الأقربين

قال تبارك وتعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )

بل نفى الإيمان عمّن تولى مَنْ كفر فأحبّه لدرجة المودة
قال سبحانه :
( لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ )

بل نادى الله المؤمنين آمراً إياهم ألاّ يتخذوا عدوهم ولياً ، لأنه عدو كافر !

قال سبحانه :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ )

ومن تولّى الكفّـار كفر ، وبريء من الله ، وبرئ الله منه .
قال تبارك وتعالى :
( لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ )
قال ابن جرير الطبري رحمه الله :
وهذا نهي من الله عز وجل المؤمنين أن يتخذوا الكفار أعوانا وأنصارا وظهورا ... ومعنى ذلك لا تتخذوا أيها المؤمنون الكفار ظهراً وأنصارا توالونهم على دينهم وتظاهرونهم على المسلمين من دون المؤمنين وتدلونهم على عوراتهم ، فإنه من يفعل ذلك فليس من الله في شيء ، يعني بذلك فقد بريء من الله ، وبرئ الله منه بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر ، إلا أن تتقوا منهم تقاة إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم ، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم وتضمروا لهم العداوة ، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ، ولا تعينوهم على مسلم بفعل . انتهى .

قال ابن عباس رضي الله عنهما : التقاة التكلم باللسان وقلبه مطمئن بالإيمان .
.
والكافر هو الكافر
والذئب هو الذئب ! وإن لبس جلود الضأن !
وإن غـيّـر اسمـه
فالأسماء لا تغير المسميات

وفرق بين المحبة القلبية وحسن المعاملة ، فالأول ممنوع ، والثاني مشروع .
قال جل جلاله :
( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )
قال ابن كثير رحمه الله :
أي لا ينهاكم عن الإحسان إلى الكفرة الذين لا يقاتلونكم في الدين ولم يظاهروا أي يعاونوا على إخراجكم كالنساء والضعفة منهم ( أن تبروهم ) أي تحسنوا إليهم ( وتقسطوا إليهم ) أي تعدلوا . انتهى .

وأمة الإسلام اليوم ومنذ حُقبة ليست باليسيرة تمـرّ بمرحلة الغثائية ، وتكالب الأعداء على قصعتها .
وشباب الأمة اليوم يتيهون عُجباً بأعدائهم ، ويُقلّدونهم ويتشبّهون بهم ، وهذا مظهر من مظاهر الموالاة .
بل إن الأمة على جميع مستوياتها – إلا من رحم الله – تعيش مرحلة خنوع وخضوع للعدو الكافر ، بل تكاد تُقبّل أقدامه حيناً ، وحيناً تُطأطئ رأسها لـه !
فهي اليوم أحوج ما تكون لهذا المبدأ ليعلم أعداء الله أن الأمة عزيزة ، وأنها ما عقمت بل هي أمة ولود .
وليعلم أعداء الإسلام أن مبدأ العدواة والبغضاء قائم منذ أن نادى به الخليل عليه الصلاة والسلام .
( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ ) .

والله أسأل أن يُهيئ لأمة الإسلام من أمرها رشدا .

~ آلغربآء ~ 20-12-2009 03:52 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
من فظائع الصوفية .. وأقوال علماء الإسلام فيهم

جرى نقاش في أحد المنتديات ، فانبرى من يُدافع عن دراويش الصوفية ، وبعض رموزها ، فطُلب مني آنذاك أن أكتب بشيء من البسط حول هذا الموضوع .

فقلت :
سأبدأ برأس الهرم ! وأُس التصوّف ورأسه !
شيخ الطريقة الصوفية رجل مُلحـد . بل قال بما لم يقله إبليس .
(( ولا تعجلوا عليّ )) حتى تنتهوا من قراءة ما كتبت .
شيخ الطريقة يَصِفُهُ غير واحد من علماء الإسلام بالإلحـاد والزندقـة .
حتى من مُحبّيه ومؤيديه ، كما سيأتي .
حتى قالوا عن بعض كلامه : لا يحتمل سوى الإلحـاد !!!!!

هذا الشيخ هو ابن عربي الطائي الصوفي ، وهو الذي يُسمّونه [ الكبريت الأحمر ] يعني نادر الوجود !!
كما يُسمونه الشيخ الأكبر محيي الدين !
وكان أحد الفضلاء يُسمّيه الشيخ الأكفـر محيي الشرك !!
وفرق بينه وبين عالم أهل السنة القاضي ابن العربي المالكي .
فالأول ( ابن عربي ) صوفي ، والثاني ( ابن العربي ) سني .
ومن مشايخ الصوفية ابن الفارض والحلاج الذي قُتِل على الزندقـة .
وسيأتي شيء من أخبارهم وأقوالهم .

قال الإمام الذهبي رحمه الله عن سيد الصوفية (( الحلولي ))
أعني ابن عربي الطائي
قال عنه :
وكان ذكيا كثير العلم كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب ثم تزهد وتفرد وتعبد وتوحد وسافر وتجرد وأتهم وأنجد وعمل الخلوات ، وعلِق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة ، ومن أردإ تواليفه كتاب (( الفصوص ))فإن كان لا كــفـر فيه فما في الدنيا كفــر!!! نسأل الله العفو والنجاة . فواغوثاه بالله ، وقد عظمه جماعة وتكلفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات . انتهى .
وتـُـنظر ترجمته في سير أعلام النبلاء ( جـ 23 ص 48 )

ثم إن ابن عربي الصوفي لم يكتفِ بتأليف كتابا ينضح بالكفر والإلحـاد الصـريـح
بل لم يستحِ أن ينسب ذلك الكفر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
فقد قال في مقدمة كتابه ( فصوص الحِكم ) : أما بعد فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبيده كتاب فقال لي : هذا فصوص الحكم ! خُذه ! واخرج به إلى الناس ينتفعون به ... !!
وقديما قيل : ((( كذبٌ له قرون ))) !!!!

هاهو ابن عربي ينفض جُبّته ويقول : ما في الجـُبـّة إلا الله .
هل يحتمل سوى معتقد الحلول الذي كان يدين به ابن عربي والحلاج وغيرهم من مشايخ وأساطين الصوفية ؟؟

وهو الذي يقول : لولا سريان الحق في المخلوقات ما كان للعالم وجود !

وهو القائل في فص حكمة !! ، وهو يُخاطب الله :
فأنت عبد وأنت رب *** لمن له فيه أنت عــبد
وأنت رب وأنت عبد *** لمن له في الخطاب عهد

وهو القائل في فصوصه بأن قوم نوح ما عبدوا سوى الله في صورة الأصنام !!!

وأن بني إسرائيل لما عبدوا العجل ما عبدوا إلا الله الذي حلّ في العجل !!!
وعلى هذا فدعوات الأنبياء وبعثتهم عبث في عبث !
وفصوصه تنضح بأن الله سبحانه عين كل شئ مادي أو روحي !!!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وذكر ابن عربي أنه دخل على مريد له في الخلوة وقد جاءه الغائط فقال : ما أبصر غيره أبول عليه ّ ، فقال له شيخه : فالذي يخرج من بطنك من أين هو ؟ قال : فرّجت عنّي .
ومـرّ شيخان منهم التلمسانى والشيرازى على كلب أجرب ميت ، فقال الشيرازى للتلمسانى : هذا أيضا من ذاته ؟ ( أي من ذات الله ) فقال التلمسانى : هل ثمّ شئ خارج عنها . انتهى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - .

وقال في بيان تلبيس الجهمية :
فطوائف من الجهمية يقولون : إنه ( سبحانه ) بذاته في كل مكان ، وقد ذكر الأئمة والعلماء ذلك عن الجهمية وردوا ذلك عليهم ، وطوائف أخر يقولون : إنه موجود الذات في كل مكان وأنه على العرش كما نقله الأشعري عن زهير وأبي معاذ ، وأيضا هؤلاء الاتحادية يصرحون بذلك تصريحا لا مزيد عليه حتى يجعلونه ( سبحانه ) عين الكلب والخنزير والنجاسات لا يقولون إنه مخالط لها بل وجودها عين وجوده . وهذا من أعظـم الكفـر . انتهى كلامه - رحمه الله - .

وابن عربي هو القائل في فصوصه : فالأدنى من تخيّل فيه ( أي في كل معبود ) الألوهية ، فلولا هذا التخيل ما عُبد الحجر ولا غيره ... ) إلى آخر كلامه الذي ينضح بالكفر الصريح .
قال ابن العربي المالكي - رحمه الله - : وعلى هذا المعنى يحـوم ابن الفارض .
وابن الفارض هو صاحب القصيدة التائية الشركية

وهو القائل في قصيدة له :
ولا غرو إن صلى الأنام إليّ أن **** ثَوت بفؤادي وهي قبلة قبلتي !!!

قال القاضي ابن العربي المالكي ( القاضي العَلَم المعرفة عالم من علماء السنة ) رحمه الله :
وكذلك نقطع بتكفير كل من كَذّب ، وأنكر قاعدة من قواعد الشرع ... ثم قال :
وأجمع فقهاء بغداد أيام المقتدر من الماليكة وقاضي قضاتها أبو عمرو المالكي على قتل الحلاّج وصلبه لدعواه الإلهية ، والقول بالحلول ، وقوله : أنا مع الحق . مع تمسّكه في الظاهر بالشريعة ، ولم يقبلوا توبته . انتهى .

والحلاج شيخ الصوفية هو الذي يقول : أنا الحق ! وصاحبي وأستاذي إبليس وفرعون .
أقول : صدق في آخر كلامه ، وهو كذوب !!

وأول من قال بالفرق بين الشريعة والحقيقة هم غلاة الصوفية
وهم من فرق الباطنية الذين جعلوا للدين ظاهرا وباطنا

وممن كفّر ابن عربي بعينه شيخ الإسلام زين الدين العراقي صاحب كتاب طرح التثريب وكتاب ألفية العراقي وشرحها .

فقال لما سُئل عن قول ابن عربي الصوفي في نوح وقومه

قال العراقي - رحمه الله - : وأما قوله فهو عين ما ظهر ، وعين ما بطن ، فهو كلام مسموم ، ظاهره القول بوحدة الوجود المطلقة ، وأن جميع مخلوقاته هي عينه !

ثم قال - رحمه الله - : وقائل ذلك والمعتقد له كـــافــرٌ بإجماع العلماء . انتهى .

ولولا خشية الإصابة بالغثيان لأوردت أمثلة يشيب لها الولدان .

ووالله لولا أن علماء الإسلام نقلوا ذلك لما تحدثت به .
ولولا أنه مما استفاض واشتهر نقله في كتب السلف لما نقلته .
ولولا أن هناك من يُنافح ويدافع عن أمثال هؤلاء لما أوردت ما أوردته .
وما تركت من الأقوال والفظائع أكثر مما أوردت .
ونسأل الله السلامة والعافية .

وهؤلاء المخرّفين قـد رد عليهم علمـاء الإســلام
ومن أكثر من جرّدهم وكشف عوارهم وفضحهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله – في مجموع الفتاوى ، فلذلك يَشنّ عليه الصوفية وعشاق الخرافـة هجمات شرسـة .

دفــــــاعٌ عن ابن عــــــــربـــــي
أبعد كل هذه الفظائع التي هي قطرة مِن بحـر الصوفية وغُلاتها يأتي من يُدافع عن أمثال ابن عربي ، ويلتمس له الأعذار ، وهو لا يلتمس الأعذار لعلماء الإسلام الكبار !!!
الدكتور البوطـي وابن عـربي الصوفي
وممن التمس العذر لابن عربي الصوفي الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي ، ووالده من قبله .
فقد قال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي منافحاً عن ابن عربي :
لا يجوز تكفيره بموجب كلامه الذي فيه ((( الإلحـــاد الصـريـح ))) !!! حتى يُعلم ما في قلبه هل يعتقد ما يقول أو لا ؟ انتهى كلام الدكتور .

وقد رد على هذا الهراء الشيخ صالح الفوزان عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة
فقال :
ولو صحّ قول الدكتور هذا ما كَفَرَ أحد بأي قول أو فعل مهما بلغ من القبح والشناعة والكفر والإلحاد حتى يُشقّ عن قلبه ، ويُعلم ما فيه من اعتقاد ، وعلى هذا فَعَمل المسلمين على قتال أهل الكفرة وقتل المرتدين خطأ على لازم قول الدكتور ! لأنهم لم يعلموا ما في قلوبهم ، وهل هم يعتقدون ما يقولون وما يفعلون من الكفر أو لا ؟ انتهى كلامه حفظه الله .

قال القاضي ابن العربي المالكي - رحمه الله - :
ولا يُقبل ممن اجترأ على مثل هذه المقالات القبيحة أن يقول : أردت بكلامي هذا خلاف ظاهره ، ولا نؤول له كلامه ، ولا كـرامـة . انتهى .

أقول ليت الدكتور البوطي عامَل شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب بنفس الأسلوب والطريقة !
ولكنه الدفاع المستميت عن مشايخ الضلالة ودراويش الطرقية وملحدي الصوفية .

والدكتور البوطي يُدافع عن محمد علوي المالكي الذي صدر تكفيره من قبل جماعة من علماء المملكة ، والذي يُعدّ من غُلاة الصوفية في الوقت الحاضر .
بل قال البوطي : محمد علوي المالكي من أهل السنة والجماعة !!! ولم يقرأ الناس في تأليفه وكتاباته ولم يروا من واقع حاله إلا ما يزيدهم ثقة باستقامته وصلاح حـاله وسلامة عقيدته . انتهى كلام الدكتور .

مرة ثانية أقول :
ليت البوطي يكيل بنفس المكيال لشيخ الإسلام ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب رحمهم الله

والدكتور البوطي حاول جاهدا الدفاع عن ذلك الزنديق الملحد ابن عربي الصوفي
( وليس قول الملحد الزنديق هو من مخترعاتي بل قول عامة علماء الإسلام )
[[ ويـُنظر لذلك على سبيل المثال تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي للعلامة برهان الدين البقاعي المتوفى سنة 885 هـ رحمه الله . ومجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ]]

وقد حاول الدكتور البوطي الدفاع عن كلمة ابن عربي ( ما في الجبة إلا الله )
وعن قول الصوفية : ما عبدتك خوفا من نارك ، ولا طمعا في جنتك

وقد رد عليه العلامة الشيخ صالح الفوزان فقال :
فإن قول القائل : ( ما في الجبة إلا الله ) صــريــح في الحلول والاتحاد ، وقوله : ما عبدتك خوفا من نارك ولا طمعا في جنتك . مخالف لهدي الأنبياء جميعا حيث وصفهم الله بأنهم يدعونه رغبا ورهبا ، ومخالف لصفة المؤمنين الذين يدعون ربهم خوفا وطمعا ...

كما حاول الدكتور البوطي التماس العذر للصوفية وتبرير اصطلاحات الصوفية التي منها تفريقهم بين الشريعة والحقيقة .
وقد رد عليه الشيخ الفوزان حفظه الله فقال :
هل هناك حقيقة تخالف الشريعة ؟؟ حتى يُقال الحقيقة والشريعة ؟؟ إلا في اصطلاح الصوفية أن الشريعة للعوام والحقيقة للخواص ! وهذا إلحاد واضح ، وليت الدكتور لم يدخل هذه المجاهل المخيفة . انتهى كلام الشيخ الفوزان .

ومما نقله الشيخ الفوزان عن الدكتور البوطي – وهو من شطحاته – أن قال البوطي :
يجب التأكد من صحة النصوص الواردة والمنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قــــــرآنـــا كانت أو ســـنة ؟؟؟
فرد عليه الشيخ الفوزان بقوله : هل القرآن يحتاج إلى تأكد من صحته ؟؟ أليس هو متواتر تواترا قطعيا ؟؟ انتهى المقصود من كلام الشيخ .

ولمعرفة حقيقة دوافع الدكتور البوطي يُقرأ ما قـالـه هو
قال : إن التمذهب بالسلفية بدعــة !!!

عجيب يا دكتور اتباع السلف بدعــة
والتصوّف والدروشة طاعــة وقُـربة وسُـنة ؟؟؟؟؟

وقد قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله عن الدكتور البوطي :
هل الذي حمله على ذلك ( القول ) كراهيته للبدع فظن أن التمذهب بالسلفية بدعة فكرهه لذلك ؟
كلا ليس الحامل له كراهية البدع ؛ لأننا رأيناه يؤيد في هذا الكتاب كثيرا من البدع : يؤيد الأذكار الصوفية المبتدعة ، ويؤيد الدعاء الجماعي بعد صلاة الفريضة وهو بدعة ويؤيد السفر لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بدعة .
فاتضح لنا – والله أعلم – أن الحامل له على شن هذه الحملة هو التضايق من الآراء السلفية التي تناهض البدع والأفكار التي يعيشها كثير من العالم الإسلامي اليوم وهي لا تتلاءم مع منهج السلف . انتهى كلام الشيخ الفوزان .
[[ كل كلام الشيخ الفوزان المتقدم نقلا عن كتاب بعنوان : نظرات وتعقيبات على ما في كتاب السلفية لمحمد سعيد رمضان .. من الهفوات ]]

وقد نقل الدكتور البوطي عن أبيه أنه كان يُجلّ الشيخ ابن عربي !! ولا يذكره إلا بنعته الأكبر !! ولم يكن يسمح لأحد أن ينتقص من مكانته في مجلسه قط !!
وكذلك بقية الذين فاهوا أو نُقل عنهم بعض الشطحات ، كأبي يزيد البسطامي الذي نُقل عنه قوله : ما في الجُبّـة إلا الله ، وقوله : سبحاني ما أجل شأني ! ، وكابن الفارض في بعض ما جاء على لسانه في تائيته الكبرى ... كان رحمه الله يجلّهم إجلالاً كبيراً .
كما ذكر عن أبيه أنه ربما جنح إلى حسن الظن بالحلاّج !!
يقول الدكتور البوطي عن أبيه :
وبالجملة فقد كان رحمه الله يُجلّ هؤلاء العلماء !! ويعدهم أئمة في الإرشاد وإصلاح النفوس !! وكان يُحذرني بين الحين والآخر من الخوض في شأنهم وإساءة الظن بهم !!

هذا بعض دفاع البوطي ( الأب والابن ) عن أمثال ابن عربي وابن الفارض والحلاّج !!

وختاما أعلم أني أطلت ، ولكن بقيت نقطة أشارت إليها إحدى الأخوات التي جرى معها النقاش حول مسألة تعقيد التوحـيد .
حيث تقول : عقدتم التوحيد !!
فأقول :
ليست المسألة كما يُزعم ويُدّعى أننا عقدنا التوحيد
بل المسألة أن حال هؤلاء المتكلمين كما قال ابن القيم رحمه الله حينما قال :

ثقُـل الكتاب عليهم لما رأوا **** تقييده بشـرائع الإيمـان
واللهو خف عليهم لما رأوا **** ما فيه من طرب ومن ألحان

ومن المقصود بهذا وأمثاله إلا الصوفية وأضرابهم ؟؟؟؟
أصحاب قرع الطبول والموالد والبدع المتتالية !
وأصحاب (( هو .. هو .. هو .. )) !!
وأهل (( الله .. الله .. الله )) !!
[[ هذا يعتبرونه ذِكـر ]] !!!

بل إن الدكتور البوطي نفسه يذكر هذا عن أبيه وعن نفسه ، أنهم يقولون في صباح كل يوم مائة مرة ( الله ) !! مستدلا بقوله تعالى :( وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلا ) !
[ كما في كتاب ( هذا والدي ) للدكتور البوطي ]

أقول :
هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ؟
فأين هذا الذِّكر من سنة وسيرة من أُنزلت عليه هذه الآية ؟
وهل هم أولى بفهم هذه الآية ممن نزلت عليه ، وهو أفصح من نطق بالضاد عليه الصلاة والسلام ؟
لقد نزلت هذه الآية على نبي الله صلى الله عليه وسلم وأُِمر بذلك ، فهل ذكر الله بالاسم المفرد ( الله ) ؟؟؟

كما يذكر الدكتور البوطي عن أبيه أنه كان يدخل المكتبة التي يُزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولِد فيها ليتبرّك بتلك المكتبة !!

كما يذكر عن ابنه أنه يتوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الله لشفاء والده المريض !!

ويذكر عن والده أنه كان يحضر مجالس ( الحضرة ) ، وهي مجالس يُقال فيها الذِّكر على هيئة أناشيد ويتمايل الناس فيها !!!

أي ذِكـر هــذا ؟

وأقول :
إن كثيراً من المتكلمين وإن كان حاز الشهادات العالية إلا أنه لا يفهم معنى لا إله إلا الله
فأذكر أني سمعت دكتوراً يُشار إليه بالبنان يُفسّر معنى لا إله إلا الله بأنه لا معبود إلا الله !
ثم أخذ يشرح فهمه لها ، فقال :
يعني لا خالق ولا رازق ولا نافع ولا ضار إلا الله !

هذا كان يُقرّ به أهل الجاهلية الأولى بنصّ القرآن
قال سبحانه : ( وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )
والآيات في هذا المعنى كثيرة .

بل كان أهل الجاهلية يُقرّون بما يُخالفه الصوفية أو بعضهم من اعتقاد تدبير الأمر ، فيعتقد أهل الجاهلية أن الله هو الذي يُدبّر الأمر ، بينما يعتقد بعض الصوفية أن الأقطاب هم الذين يُدبّرون الأمر !!
قال جل جلاله : ( قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ )

ولمعرفة حقيقة هذا يُراجع كتاب ( كيف نفهم التوحيد ) للشيخ محمد أحمد با شميل .

ومن الكتب التي فضحت الصوفية وبيّنت عوارها :
كتاب برهان الدين البقاعي المتوفَّى سنة 885 هـ ، وعنوانه :
مصرع التصوّف
أو ( تنبيه الغبي إلى تكفير ابن عربي )
بتحقيق تلميذ الصوفية (سابقاً ) الشيخ عبد الرحمن الوكيل

ومن الكتاب المعاصرين الشيخ عبد الرحمن الوكيل
له أكثر من رسالة حول الصوفية
له كتيّب بعنوان ( صوفيات )
وآخر بعنوان ( هذه هي الصوفية )

والكاتب عاش ردحـاً من الزمن في خرافات ودروشة الصوفية !!

وكتاب للشيخ عبد الرحمن بن عبد الخالق بعنوان :
الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة .

وقد ضمّنه قصة توبة الشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي من الطريقة التيجانية ورجوعه إلى مذهب أهل السنة والجماعة .
كما ضمّنه قصة توبة الشيخ عبد الرحمن الوكيل ورجوعه كذلك إلى مذهب أهل السنة والجماعة .

وأعلم أن هذا القول ربما لا يروق لكثير من المنتسبين للتصوّف أو من مُحبيه
كما أنه لن يروق للمتنفّعين ، والمنتفعين بالتزهّد والدروشة !

ولكني أرجو أن أنال به رضا مولاي سبحانه وجل جلاله وتقدّست أسماؤه .

والله يتولانا بولايته ، ويرحمنا برحمته .

~ آلغربآء ~ 20-12-2009 03:55 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
من ذا الذي لا يخاف منها ... ؟؟

عندما تكشف عن سـاق ، أو تقوم على ساق

عندما تُسفر عن وجه ، وتكشر عن ناب

وعندما تُقبل فإنها تُقبل بصوت وجَلَبة

وعندما تدور رحاها ، فهي رحىً طَحون

هي بضاعة يهودية ( كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ )

من أشعل أوارها اكتوى قبل غيره بنارها !

يُقلّبونها فتنقلب عليهم ( وَقَلَّبُواْ لَكَ الأُمُورَ )

يُنفقون في سبيلها الأموال ( ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ )

إنها الحرب التي ما خاضها أحد إلا خاف من عاقبتها

ولا أشعلها أحد إلا اكتوى بنارها

ولا أوقدها أحد إلا أصابه من شرارها

فها هي أمريكا – رغم كبرها وغطرستها – خاضت حربا خاطفة وسريعة ولم تكن عادلة بكل المقاييس ضد أحدث وأصغر دويلة ، ضد أفغانستان ، ولا تزال تُعالج جراح تلك الحرب ، وتحاول جاهدة ستر سوءتها التي انشكفت من خلال تلك الحرب !
فكم خسرت فيها من مليارات الدولارات
وكم تكبدت فيها من خسائر مادية وبشرية
وكم ... وكم ...
وها هي تحاول أن تُغطي ما انكشف من سوءتها بحرب أخرى

وسوف تكتوي بنارها إن أشعلت فتيلها
ولذا تتقدّم أمريكا نحو ضرب العراق خطوة ثم تتراجع أخرى

وتُقدّم رجلاً وتؤخر الأخرى

كل ذلك خوفا من عُقبى الحرب !

وهنا يتّضح تفرّد رب العزة - جل جلاله - بالجلال والكمال والعظمة

فهو سبحانه الذي لا يخاف عاقبة الحرب

قال جل جلاله : ( فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلا يَخَافُ عُقْبَاهَا )

وأما من عداه فهو يخاف عقباها


فلا إله إلا الله الواحد الأحد

المتفرد بصفات الكمال والجلال والعظمة


~ آلغربآء ~ 20-12-2009 03:58 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
هـل نحتفـل بالمولـد النبوي ... ؟؟؟

الموضوع طويل ... ومن أراد الفائدة فليقرأ حتى النهاية

كثير ممن يحتفل بالمولد النبوي يحتفلون به بدعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وتعظيمه .
فما مدى صحّـة الدعوى ؟
روى البخاري ومسلمٌ عَنِ ابن عَبّاسٍٍ ـ رضي الله عنه ـ أَنّ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَال : لَوْ يُعْطَى النّاسُ بِدَعْوَاهُمْ , لادّعَى ناسٌ دِمَاءَ رِجَالٍٍ وَأَمْوَالهُمْ .
إن كلَّ إنسانٍٍ يستطيعُ أن يدّعي ما يريد ، وأن يقولَ ما يشاء .
غير أن الحقائقَ تكذِّبَ ذلك القولَ أو تصدِّ قُـه .
قال الحسن البصري ـ رحمه الله ـ : زعم قومٌ أنـهم يحبون اللهَ فابتلاهم الله بهذه الآية . يعني قوله تعالى ( قل إن كنتم تحبون اللهَ فاتبعوني يحببكم الله ويغفرْ لكم ذنوبكم والله غفور رحيم )
قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ : هذه الآيةُ الكريمة حاكمةٌ على كل من ادّعى محبة الله وهو على غير الطريقة المحمدية فإنه كاذبٌ في دعواه في نفس الأمر حتى يتّبع الشرعَ المحمدي والدينَ النبوي في جميع أقوالِه وأفعالِه .
أولا : يرد هذا السؤال :
هل نحن أكثر حبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة ؟

لقد سطّرَ أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم أعظمَ ملحمةٍ في الحبِّ . سطّروها بدمائهم فِداءً لرسولهم صلى الله عليه وسلم .
قدّموا بين يديه صدورهم ونحورهم .
فدَوه بكل غالٍ ونفيس .
وصَفَهُم عُروةُ بنُ مسعودٍ ـ وكان مشركا ـ حين كان يرمقُ أصحابَ النبي صلى الله عليه وسلم بعينيه ، فقال : فوالله ما تنخم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نخامـةً إلا وقعتْ في كفِّ رجلٍٍ منهم فَدَلَكَ بـها وجهَه وجلدَه ، وإذا أمرهم ابتدروا أمرَه ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وَضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتَهم عنده ، وما يُحِدُّون إليه النظرَ تعظيماً له . ولما رجع عروةُ إلى أصحابه قال : أي قوم . والله لقد وفَدْتُّ على الملوك ووفَدتُّ على قيصر وكسرى والنجاشي والله إنْ رأيتُ ملِكاً قط يعظمْه أصحابُه ما يعظمُ أصحابَ محمد صلى الله عليه وسلم محمدا . رواه البخاري .
وفي الصحيحين من حديث أنسٍ رضيَ اللهُ عنه قال : لما كان يومَ أحُدٍ انـهزمَ الناسُ عنِ النبيّ صلى الله عليه وسلم وأبو طلحةَ بينَ يدَي النبيّ صلى الله عليه وسلم مُجوّبٌ عليهِ بحجَفةٍ له ، وكان أبو طلحةَ رجلاً رامياً شديدَ النـزعِ ، كَسَرَ يومَئذ قوسَينِ أو ثلاثاً ، وكان الرجلُ يَمرُّ معه بجعْبةٍ من النّبل فيقولُ : انْثُرها لأبي طلحةَ . قال : ويُشرِفُ النبيّ صلى الله عليه وسلم ينظرُ إلى القوم ، فيقولُ أبو طلحة : بأبي أنتَ وأمي ! لا تُشرفْ يُصيبُكَ سهمٌ من سِهام القوم ، نَحرِي دُونَ نحرِك .
ويومها شُلّتْ يدُ أبي طلحة رضي الله عنه .
تساقط الصحابةُ أمامه الواحدُ تِلو الآخر فداء له صلى الله عليه وسلم ولرسالته .
فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أُفـْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ فِي سَبْعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُريْشٍ ، فَلَمّا رَهِقُوهُ قَالَ : مَنْ يَرُدّهُمْ عَنّا وَلَهُ الْجَنّةُ أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنّةِ ؟ فَتَقَدّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتّىَ قُتِلَ , ثُمّ رَهِقُوهُ أَيْضاً . فَقَالَ: مَنْ يَرُدّهُمْ عَنّا وَلَهُ الْجَنّةُ أَوْ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنّةِ ؟ فَتَقَدّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتّىَ قُتِلَ ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتّىَ قُتِلَ السّبْعَةُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبَيْهِ : مَا أَنْصَفـْـنـَا أَصْحَابَنَا . رواه مسلم .
ومع كلِّ هذا الحب وتلك التضحيات ما كانوا يَغـْـلـُون فيه صلوات الله وسلامه عليه .
فهذا أنسُ بنُ مالكٍ رضي الله عنه يقول : ما كان شخصٌ أحبُّ إليهم من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك . رواه أحمد والترمذي والبخاري في الأدبِ المفردِ بأسانيدَ صحيحة .
لقد زعمَ أقوامٌ أنـهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم مُحِبُّون ، ودعواهم في وادٍ وأعمالُهم في وادٍ آخر .
شتّان بين مشرِّقٍ ومُغرِّبِ !
إن محبَّتَه صلى الله عليه وسلم إنما تكون بإحياءِ سُنَّتِه .
تكون باقتفاءِ أَثَرِه .
تكون بطاعته فيما أمر .
وليست محبتُه بالتغنِّي بشمائله بقرعَ الدفوفِ ليلةَ مولده ، ولا بالغلو فيه ؛ فهذا معصيةٌ له عليه الصلاة والسلام ، حيث قال : لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله . رواه البخاري عن عمر رضي الله عنه .
وإن من الإطراء إضفاء بعض صفات الله عليه صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك قول القائل :
مالي من ألوذ به ســـواك *****عند حـدوث الحــادث الـعمـم
فإن من جودك الدنيا وضرتها*****ومن علومك علم اللوح والقلـــم
فهذا إطراء وغلو لا يرضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل هو عين إطراء النصارى لعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام ، فإن النصارى ادعت في عيسى الألوهية ، وأضافت إليه شيئا من صفات الله عز وجل ، وهناك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم من فعل كفعل النصارى ، بأن أدعى أن من علومه علم اللوح والقلم ، ومن جوده الدنيا والآخرة ، وأنه هو الملاذ والملجأ والمستعاذ ، وكل هذا لا يرضاه صاحب الملة الحنيفية .
جاءه رجل فكلمه فقال ما شاء الله وشئت ، فقال : ويلك اجعلتني لله عدلا ؟ قل ما شاء الله وحده .
وجاءه أعرابي فقال : يا رسول الله جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويحك أتدري ما تقول ؟ وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال : ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك .
فهذه أمثلة على إنكاره صلى الله عليه وسلم على من جعله لله ندا أو أضاف إليه شيء من صفات الله ، أو نعته ووصفه بنعوت الله وصفاته .

فمن أحدث في دين رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فإنما هو يستدرك على أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .
قال الإمام مالك – رحمه الله – : من ابتدع في الدين بدعة فرآها حسنة فقد اتـّـهم أبا القاسم صلى الله عليه وسلم ، فإن الله يقول : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا .

ألا وإن مما يُقوّي محبةَ رسولِ الهدى صلى الله عليه وسلم ويزيدها معرفة كريم خصاله ، وعظيم شمائله ، وهذا لا يَحصُل إلا بقراءة سيرته ليس في يومٍ من السَّنَةِ فحسْب ، والوقوف عن كَثَبٍ على شمائله ، فهناك كُتُبٌ خُصَّتْ بِذِكْرِ شمائلِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم وأخلاقِـه .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم حاز قَصَبَ السَّبقِ في كل خـُـلـُق فاضل ، فهو الشُّجاع إذا احمرّت الحَدَق ، وادلهمّت الخطوب
أنت الشّجاع إذا الأبطال ذاهلة **** والهُنْدُوانيُّ في الأعنـاق والُّلمَـمِ

قال البراء رضي الله عنه : كنا والله إذا احمر البأس نتقي به ، وإن الشجاع مـنـّا للذي يحاذي به ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم . رواه مسلم
وقال عليّ رضي الله عنه : كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه . رواه أحمد وغيره .
أما البراء رضي الله عنه فهو الملقّب بالمَهْلَكَة ، وأما عليٌّ رضي الله عنه فشجاعتُه أشهرُ من أن تُذْكَر .

وهو صلى الله عليه وسلم الكريم إذا عُـدَّ الكرماء ، يُعطي عطاء من لا يخشى الفقـر .
أتاه رجلٌ فسأله فأعطاه غَنَماً بين جبلين ، فأتى قومه فقال : أي قوم أسلموا ، فو الله إن محمدا ليعطي عطاء رجلٍ ما يخاف الفقر . رواه مسلم من حديث أنس رضي الله عنه .
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجودُ بالخير من الرِّيحِ المرسَلَة ، وكان أجود ما يكون في رمضان . كما في الصحيحين من حديث ابن عباس

قَدِمَ عليه سبعون ألف درهم ، فقام يَقْسمُها فما ردَّ سائلاً حتى فرغ منه صلى الله عليه وسلم . رواه أبو الشيخ في أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم .
وهو صلى الله عليه وسلم على خُلُقٍ عظيم يُوجِبُ مَحَبَّتَه ، ويَبْعَثُ على توقيره .

مَنَحتُ حُبّيَ خير الناس قاطبـــةً**** بِرَغْمِ من أنفُه لا زال في الرَّغَـمِ
يكفيك عن كل مَدْحٍ مدْحُ خالِقِـه **** واقـــرأ بربك مبدأ ســورةِ القلـم ( وإنك لعلى خُلُق عظيم )

قال أنس : كان النبي أحسنَ الناس ، وأشجعَ الناس ، وأجودَ الناس . متفق عليه .
حليم على مَنْ سَفِـه عليه ، أتتـه قريش بعد طول عناء وأذى ، فقال : اذهبوا فأنتم الطلقاء .

شَـدّ أعربيٌّ بُردَه حتى أثّـر في عاتقـه ، ثم أغلظ له القول بأن قال له : يا محمد مـُرْ لي من مال الله الذي عندك ! فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ثم أمـر له بعطاء . متفق عليه من حديث أنس رضي الله عنه .
هو مَنْ جمع خصال الخير وكريم الشمائل ، وَصَفَه ربّـه بأنـه ( بالمؤمنين رؤوف رحيم ) .
قال الحسن البصري في قوله عز وجل ( فبما رحمةٍ من الله لِنْتَ لهم ) قال : هذا خُلُقُ محمد صلى الله عليه وسلم نَعَتَـه الله عز وجل .
كان علي رضي الله عنه إذا وصف النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان أجودَ الناس كفّـاً ، وأشرَحهم صدرا ، وأصدقَ الناس لهجة ، وألْيَنَهُهم عريكة ، وأكرَمهم عِشرة ، من رآه بديهةً هابَـه ، ومن خالطه معرفـةً أحبَّـه ، يقول ناعِتـُه لم أرَ قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم . رواه الترمذي وابن أبي شيبة والبيهقي في شُعب الإيمان .
تلك قَطْرِةٌ من بحرِ صفاتِه ، وإشارةٌ لمن ألقى السَّمْعَ ، وتذكِرةٌ للمُـحِبّ .
فهذه أخلاقه فأين المحبـُّـون ؟

هذه من أخلاقه عليه الصلاة والسلام فأين المقتدون ؟

أين أدعياء محبته صلى الله عليه وسلم ؟

فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ***** إن التشبه بالكـرام فــلاح

فما أحبَّ أبا القاسم من تنكّرَ لِسُـنـَّـتِه ، أو طعَنَ في صحابته ، أو قذف زوجاتِه
وما أحبَّ أبا القاسم كلَّ المحبّة من استنَّ بغير سـُـنـّتـِه ، واقتفى غير طريقته ، واهتدى بغير هَدْيِه .
ما أحبَّ أبا القاسم كلَّ المحبّةِ من لم يـَذْكـُرْه في العام سوى يومٍ أو ليله ، ويَنسى ذِكرَه بقيّةَ سَنَتِه .
ما أحبَّ أبا القاسم كلَّ المحبّةِ من خالفَ أمرَه ، أو أحيا سُنّةَ الجاهلية .
وقد رأيت في بعض البلاد التي يحتفلون بها بـ ( المولد النبوي ) من جعلوا يوم الاحتفال مؤرّخا بالتاريخ الميلادي ، تاريخ أعداءه وأعداء دينه ملته ، تاريخ النصارى ، على ما بينهم من اختلاف في تحديد يوم الميلاد .
ولو كان الاحتفال يمثل صدق المحبة لأرّخوا بتاريخ هجرة الحبيب صلى الله عليه وسلم . ( ولكنها كما قلت دعاوى خفيفة )
وبالمناسبة فإن يوم مولده لم يثبت من الناحية التاريخية على وجه التحديد .
ثم إنه صلى الله عليه وسلم مـات في نفس الشهر الذي ولد فيه .
فهل هؤلاء يحتفلون بيوم ولادته أو بيوم موته ؟؟

ولعل أولئك الذين اتخذوا يوم ميلاده يوما يحيونه ويدعون فيه محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه ما يكونون بمن عقوا أمهاتهم ثم جعلوا لهن يوما في السنة يزورونهن ويهدون إليهن الورد والحلوى .
ولعل أولئك يصدق عليهم قول ابن القيم – رحمه الله – :
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا ***** تقييده بشرائع الإيمــــان
واللهو خفّ عليهم لما رأوا ***** ما فيه من طرب ومن ألحان

فتهربوا من الأوامر والنواهي وتمسكوا بما لا مشقة فيه ، من رقص وطرب وأكل وشرب ولهو .

فأين هم عن سمته وهديه ؟
وأين هم عن سنته وطريقته ؟
وأين هم عن امتثال أمره ؟
وأين هم عن اقتفاء أثره ؟
صلى عليك الله يا علم الهدى .

فهل يكفي من محبة النبي صلى الله عليه وسلم يوما من السنة ثم تنسى سنته طيلة العام ؟
وهل يكفي من محبته صلى الله عليه وسلم مجرد الشعارات والدعاوى ؟
لا والله حتى تسيل المهج في محبته . لا الطبول والمسيرات ، وأحيانا ( المشروبات ) .

فاتقوا الله حق تقاته ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة ربكم عليكم ، واعتصموا بكتاب الله واستمسكوا بسنة نبيّكم . عضوا عليها بالنواجذ . وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كلَّ محدثةٍ بدعة وكلَّ بدعةٍ ضلالة ، وكلَّ ضلالةٍ في النار .

رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مـنـّـة ربِّ العالمين ( لقد منّ اللهُ على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسِهم ) .
ودعوةُ أبيـه إبراهيم ( ربنا وابعث فيهم رسولاً من أنفسهم ) .
وبشارة عيسى عليه السلام ( ومبشِّراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمه أحمد ) .

إن البريّةَ يومَ مبعثِ احمـدٍ******نَــظــَــرَ الإلـه لهـا فبدّل حالهـا
بل كرّمَ الإنسانَ حين اختار *****من خيرِ البريةِ نجمها وهلالها
لبسَ المُرقّعَ وهو قائدُ أمـةٍ***** جَبَتِ الكنوزَ فكسّرتْ أغلالهـــا

ولا يفهم من هذا الكلام أن فيه تنقصا من قدر صاحب القـَـدر صلى الله عليه وسلم .
بل أنا كما قال الشاعر :

إن حلّ في القلب أعلى منك منزلة*****في الحبّ حاشا إلهي باريء النّسَمِ
فمــزّق الله شــرياني وأوردتي *****ولا مَشَت بي إلى ما أشتهي قدمي

حول مسألة الاحتفال بالمولد ردّ عليّ أحد الأخوة

~ آلغربآء ~ 20-12-2009 04:01 PM

رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
 
ما يُزعم أنه أصوات المعذّبين في نار جهنم
هذا هو الخبر : هذا ما قاله الدكتور اساكوف: انا لا آمن بأي ديانة لكن آمنت بالنار بعد هذه الحادثه, كنا نحفر في احد الأراضي للتنقيب عن شيء حتى وصلنا إلى عمق ووصلت درجة الحرارة إلى 2000 فهرنايت وسمعنا أصوات وصراخ وصوت زفير أشبه بصوت النار....

أما أنا فلا أصدّق ! لماذا ؟

لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم . قال : يأتيه ملكان فيُقعدانه ، فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، قال : فيقال له انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : فيراهما جميعا . رواه البخاري ومسلم .
زاد البخاري قال: وأما المنافق والكافر فيقال له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ فيقول : لا أدري كنت أقول ما يقول الناس ! فيُقال : لا دريت ولا تليت ، ثم يُضرب بمطرقة من حديد بين أُذنيه ، فيصيحُ صيحةً يسمعها من يليه إلا الثقلين .
يعني تسمعه الدواب ويسمعه من كان قريبا من المكان إلا الإنس والجن .

وعذاب القبر مما تُدركه المخلوقات غير الإنس والجن ، لقوله صلى الله عليه وسلم - عن الكافر أو المنافق - : ثم يُضرب بمطرقة من حديد بين أُذنيه ، فيصيحُ صيحةً يسمعها من يليه إلا الثقلين . رواه البخاري وقد تقدم .
وقال صلى الله عليه وسلم : إنهم يُعذّبون عذاباً تسمعه البهائم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ولهذا السبب يذهب الناس بدوابهم اذا مُغِلَتْ الى قبور اليهود والنصارى والمنافقين كالاسماعيلية والنصيرية وسائر القرامطة من بنى عبيد وغيرهم الذين بأرض مصر والشام وغيرهما ، فإن أهل الخيل يقصدون قبورهم لذلك كما يقصدون قبور اليهود والنصارى ، والجهال تظن أنهم من ذرية فاطمة وأنهم من أولياء الله ، وإنما هو من هذا القبيل ، فقد قيل : إن الخيل إذا سمعت عذاب القبر حصلت لها من الحرارة ما يذهب بالمغـل . انتهى كلامه – رحمه الله – .
أي يُذهب الإمساك من بطونها .

وقد حدّثني بعض المسلمين الذين يُقيمون في بلاد الكفار اليوم ، أن الكفار الذين يدفنون موتاهم بالتوابيت مدة معلومة ثم يجمعون عظامهم بعد ذلك في مكان واحد وتستخدم التوابيت في دفن آخرين ، وهم يجدون آثار أظفار وخدوش على جدران التوابيت ، ويظنّون أن سبب ذلك أن من الأموات من دُفِنَ حيّاً .

إذا عُلِمَ هذا فإن ما يتعلّق بالقبر من عرض وفتنة وسؤال وعذاب ونعيم ، هو من علم الغيب الذي لا نعلم كيفيّته ، ويجب علينا الإيمان به والتسليم فيه لله ولرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنؤمن به من غير سؤال عن كيفيّته ، وكيف يقع ؟ لأن عقولَنا قاصرة عن إدراك ذاتها فكيف تُدرك ما حُجِبَ عنها ؟

قال ابن القيم : أحاديث عذاب القبر ومساءلة منكر ونكير كثيرة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال ابن أبي العز : وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا وسؤال الملكين ، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به ، ولا نتكلم في كيفيته إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهـد له به في هـذه الدار ، والشرع لا يأتي بما تحيلة العقول ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول . اهـ .

وقد أسمع الله نبيّه وأطلعه على شيء من ذلك
فعن زيد بن ثابت قال : بينما النبي صلى الله عليه وسلم لبني النجار على بغلة له ونحن معه إذ حَادَتْ به فكادت تلقيه وإذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة ، فقال من يعرف أصحاب هذه الأقبر ؟ فقال : رجل أنا . قال : فمتى مات هؤلاء ؟ قال : ماتوا في الإشراك فقال : إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ، فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع منه ، ثم أقبل علينا بوجهه فقال : تعوذوا بالله من عذاب النار ، قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار ، فقال : تعوذوا بالله من عذاب القبر . قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر . رواه مسلم .
كما أسمعه أيضا في قصة القبرين اللذين قال فيهما : إنهما ليُعذّبان وما يُعذّبان في كبير .
فهذا مما اختص به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هذا من ناحية

ومن ناحية أخرى فإن هذا الخبر الذي يُتناقل عبر بعض المنتديات رواية عن كافر ولا تُقبل رواية الكافر إلا إذا أسلم .

وفي هذه المسألة لا تُقبل روايته حتى لو أسلم لأنها تُخالف ما ثبت في السنة .

وهذه الأمور من الأمور الغيبية التي لم يُطلع الله عليها الإنس والجن

والله أعلم .


الساعة الآن 09:23 PM.

Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.
This Forum used Arshfny Mod by islam servant