رشفات بخاريّه !
أمسَكتُ كُوبَ الشَاي الأبيَض بِيديّ المُتجّمِدَتَين,
رَافِعاً كَتفيّّ ومُنزِلاً رَأسِي قَلِيلاً. مُحاوِلاً أَن أحُكّ رَقَبتِي بِبطّانِيّتِي التِي غطّت ظَهرِي بَدأتُ أحتَسِي تِلكَ القَطَراتُ الحَمراءْ المُتنَاثِرَة بِينَ أطرافِ الكُوب, ثُم رَفعتُ عَينيّ عَن لونِ الشَايِ الرُمّانِيّ إلى البُخارْ المُنبعِث مِنهْ... أَطلتُ النَظَر لِلبُخارِِ فِي لَحظَةِ تَأمّلْ طَارَ فِيهَا عَقلِي قَلِيلا بَين الأفكارْ... مُقلّبا أفكَارِي بَين يمِينٍ وَشمِالٍ كالكِتابْ, لَمَحَت عَينِي اليُسرَى حَرَكَةً خَارِجهْ عَن العَادَة حَرَكةٍ غَيرتْ مَجرَى البُخار, كَمَا لَو أنّ أحَداً نَفَخ فِيهِ مِن الجِهةِ المُقَابِلَه لِي بِرِفق أغلَقتُ كِتابِ الأفكَار, وَمِن ثُمّ بِكلّ بَسَاطَة: شَكّلتُ دَائِرةٍ بِشفَتَاي ونَفختُ الهَواءْ وكأّنمَا أُقبّلُ أُخِي الصَغِير بَدَأ الهَواءُ يَصطدِمُ بالبُخار, الذِي كَانَ بِدَورِهِ كَأنّما يَصطَدِمُ بِشيئٍ مَخفيّ بَينَ ذرّاتِ العَدَم ! بَدأ البُخارُ يَتكَاتَفُ يَداً بِيَد ويَصطفّ جَنباً إلى جَنب... مًشَكّلاً مُنحَنيَاتٍ ومَلامِحَ غَرِِيبَه ! بَعد بِضعِ ثَوَانِي, لَاحظتُ أني لَا أستطِيع إحتِساءَ الشَاي ... لكِن فَقَط إرتِشَافَه !(*) فَالشَكلُ البُخارِي بَدأَ يَتفكّكُ وَيختَفِي مُتّجِهاً إلَى سَقفِ غُرفَتِي مَع تَوقّفِ المَؤُونَةِ ! فأسرعتُ خَائِفاً عَلى تُحفَتِي الفنّيَه مُتّجِها إلَى المَبطَخ, ثُمّ أشعَلتُ النَارَ عَلَى الإبريقِ كَي أَصنَع الشَاي ! .. مُتوّتِراً أهُزّ رِجلِي اليُمنى وألامِسُ الأرضِ بِها, ذَهبتُ لأتَفَقّد مَا إذَا كَانَ المَخلُوقُ البُخارِي ظَلّ هُنَاكَ, أم تَنفّس الصُعدَاء! .. فَلمّا فَتحتُ بَابَ غُرفتِي.. أَبهَرَنِي مَا رأَيت ! رَأَيتُ أُنثىً تَنعَكِسُ شُعَاعَاً أَ مِن فَوقِ كُوبِ الشَايّ, تَتَدلّى بَينَ أحضَانِ عَينيّ كَالحُلمِ , أرَى الجُدرانَ البَيَضَاءَ خَلفَهَا تُضِيئُ كَمَا لَو سُقِيَت مَاءً فِي وَضحِ النَهَارْ فَكَانَت هِيَ قَمرِي الحُورِيّ الذِي يَسبَحُ فِي وَاقِعِي المَرجَانِيّ ! بَدَأتُ أستَرجعُ التَحكّمَ بِعَينيّ اللتانِ إنجَذَبتَا إلَى عَينَيهَا وكَأنّهُما بَرمُودَا العِشقِ, وعَينيّ أطنَانٌ مِن الحَدِيد المُغلّفْ بالدَهشَه ! بَدَأتُ المَشَيَ نَحوَهَا بِرجليّ المُثَقَلَه بِالخوفِ, فكُلّما إقتَربتُ خُطوةً مِنهَا بَانَت مَلامِحُها وَثُقلَتْ رِجليّ.. إلى أَن لَم أستَطِع المَشِي, فَجثوتُ وَبدَأتُ الإقتِرابَ مِنهَا بِرُبكتيّ المُتؤَلّمتَين حَتَى تَشَنّجَت جَمِيع عَضلاتِي ! .. لَم يَكُن مِنّي أخِيراً إلّا أَن أحبِي كَالصَغِير بِلَهفةِ إلإكتِشَاف ! بَدأتُ بالإحسَاسِ بأيَادِي الأرضِ تَرفَعُها وتُطوّقهَا حَولَ ظَهرِي وتَحشُرُنِي نَحوَهَا وتَهِشِمُ عِظَامِي ! جَزَمتُ أنّي لَن أستَطِيعَ إكمَال الطَرِيقِ بَينَمَا شُعُورُ الإغمَاءِ سَادَ دَمِي ... رَفعتُ رَأسِي لأرَاهَا مَرّةً أخِيرةً قَبلَ أَن تُحلّقَ رُوحِي إلى عالَمِ الظَلام... بَينَمَا عَينِي تَلمحُ بَقَايَا التوهّج الذِي كَانَ حَولَ حَبِيبَتِي البُخَارِيّهـ, ضَربَتنِي الأرضُ وصَفَعتنِي بِيدهَا حَامِلةً بَين أصَابِعِ يَدِها الظَلامُ المُطلَق... ... بَعدَ لَحظاتُ مِن الصَمتِ أم سَاعَات أم دَقَائِق... لا أدرِي أَفزَعَنِي صَوتُ صَفِيرِ إبريقِ الشَايّ الفوّارُ مَاؤُهـ بِجانِبِ أُذُنِي... فَفَتحتُ عَينيّ وَإستَغرَبتُ وُجُودِي فِي المَطبَخ, ذَهبتُ رَكضاً إلَى بَابِ غُرفَتِي... أغلقتُ عَينيّ قَبلَ أَن أفتَحَ البَاب, خَائِفاً أَن تَسحَرَنِي كَمَا فَعَلت قَبلاً , دَخلتُ غُرفَتِي وَاضِعاً يَدّي عَلى عَينيّ لكِن. الهُدوءُ القاتِل, وعَدم إحساسِي بأيّةِ شَيئٍ جَعلَنِي أُسدِلُ السِتَار عَن رِموشِ عَيني.... لَم أرَى إلا كُوبَ الشَاهِي غَارقاً فِي النَومِ لَم يَحتَمِل ذلِكَ البَرْد... ... الآن, رُبّما لَم ولَن أعرِف أكَانَ ذَلِكَ حُلماً أو وَاقِعاً, لَكنّي للخَمسِ السِنين اللتِي تَلتِ الحَادِثهـ... أغرقتُ وَجهِي بِقطراتِ الماءِ اللتِي صَعدَت مَع بُخار الشَاي... الشَاي الذِي كُنتُ أضعهُ تَحتَ وَجهِي فِي كُلّ تِلكَ الليَالِي عَسَى أَن أُسحَر مَرّةٌ أُخرى ! |
رد: رشفات بخاريّه !
|
رد: رشفات بخاريّه !
بعض الارواح ما ان تنثر أحاسيسها
حتى يستكين كل شئ مبعثر و تهدأ النفس .. لتستقبل المعآني بعذوبة و انتشآء نقآء يشبه البيآض يسكن هذه الكلمآت فاضلي هنيئا لحرف ينبع من ذآكرتك دمت مبدعا جووود |
رد: رشفات بخاريّه !
صاحب الخيال
اي خيال تحمل بين خلجات نفسك جعلتنا نبحر مع البخار المتصاعد من كوب الشاي وكأنه شي ملموس ابدعت في وصفك سلمت اخي الكريم |
رد: رشفات بخاريّه !
شُكراً لكُم بِحجمِ مَابتَسَمت شِفَاهِي عَلَى كَلِمَاتِكُم...
ودّي رآيق |
رد: رشفات بخاريّه !
كان بخار رائع ومختلف كثيراً
تبخرنا وتكثفنا معه ومع ابحار فكرك الرائع يعطيك الف عافية اخي فعلاً لقلمك ابداع مختلف |
رد: رشفات بخاريّه !
شُكراً أمِيرةْ الحُرُوف عَ مُرورِك,
ودّي لكِ رآيق |
رد: رشفات بخاريّه !
سيدي / رايق
عزف قيتارتك مختلف.. وحرفك كـ النقاء هُنا..رَشفت من كأس الجَمال حد السُــكر شكرآ لاتفنى.. |
رد: رشفات بخاريّه !
شُكرا لَكِي أُنثى المُحالِ عَلى مُرورك,
ودّي لكِ رآيق |
رد: رشفات بخاريّه !
رآيق
نص جميل .. وفكر مدهش وانسكآب رآئع لآ هنت :soso: |
رد: رشفات بخاريّه !
واتمنى ان تسحر مره اخر ^ـ^ بس بالخيال كي تبعثر لناا مارأهـ سحر عينك وجماال خيالك ليله راائعه تمنيت لو آني عشتها بحق حرف يتلوه حرف خيااال في همس كلمه ..وكأن هذا البخار الذي يتصاعد من كأس الشاي .. تبخر بين حروفك ولاكن ليس بحراره الشاي إنمااا بحراره جمال صياغة خاطرتك مااجمل رايق وماأجمل خيالك والاجمل تواجدك في تراتيل الروح :< يعطيك ربي العافيه وتسلم ايدك ويسلم قلمك معاها ربي يسعدك |
رد: رشفات بخاريّه !
أشكُرُكُم عَلى مُرورِكم جَمِيعاً,
ودّي رآيق |
رد: رشفات بخاريّه !
رآيــــــق لِـ حضوركَ إيقآعٌ مختلف ،، ولِـ كلمآتكَ نمط مُميـز من الرُقـي حروفٌ شجيه بترآتيل حلمٍ من خيوط الضوء تناثرت درراُ بمشآعر صآدقه ،، كل الود لك |
الساعة الآن 06:56 AM. |
Powered by vBulletin® Version 3.8.4
Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd.