نــسبـــــه
عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أميّة القرشي ، أحد العشرة المبشرين بالجنة وأحد الستة الذي جعل عمر
الأمر شورى بينهم ، وأحد الخمسة الذين أسلموا على د أبي بكر الصديق ، توفي رسول الله..
-صلى الله عليه وسلم-وهو عنه راضٍ صلى إلى القبلتيـن وهاجر الهجرتيـن وبمقتله كانت الفتنة الأولى في
الإسلام.
أسلامــــــه
كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- غنياً شريفاً في الجاهلية ، وأسلم بعد البعثة بقليل ، فكان من السابقين
إلى الإسلام ، فهو أول من هاجر إلى الحبشة مع زوجته رقيّة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الهجرة
الأولى والثانية
وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- :
(
إنّهما لأوّل من هاجر إلى الله بعد لوطٍ ) ، (
إن عثمان لأول من هاجر إلى الله بأهله بعد لوطٍ )
وهو أوّل من شيّد المسجد ، وأوّل من خطَّ المفصَّل ، وأوّل من ختم القرآن في ركعة ، وكان أخوه من المهاجرين
عبد الرحمن بن عوف ومن الأنصار أوس بن ثابت أخا حسّان .
قال عثمان : (
ان الله عز وجل بعث محمداً بالحق ، فكنتُ ممن استجاب لله ولرسوله ، وآمن بما بُعِثَ به محمدٌ ،
ثم هاجرت الهجرتين وكنت صهْرَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبايعتُ رسول الله فوالله ما عصيتُه
ولا غَشَشْتُهُ حتى توفّاهُ الله عز وجل ).
الصــلأبـــــه
مّا أسلم عثمان -رضي الله عنه- أخذه عمّه الحكم بن أبي العاص بن أميّة فأوثقه رباطاً ، وقال :
(
أترغبُ عن ملّة آبائك إلى دين محدث ؟ والله لا أحلّك أبداً حتى تدعَ ما أنت عليه من هذا الدين )
فقال عثمان : (
والله لا أدَعُهُ أبداً ولا أفارقُهُ ) فلمّا رأى الحكم صلابتَه في دينه تركه.
ذي النوريــــــن
لقّب عثمان -رضي الله عنه- بذي النورين لتزوجه بنتيْ النبي -صلى الله عليه وسلم- رقيّة ثم أم كلثوم ، فقد
زوّجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ابنته رقيّة ، فلّما ماتت زوّجه أختها أم كلثوم فلمّا ماتت تأسّف..
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على مصاهرته فقال :
(
والذي نفسي بيده لو كان عندي ثالثة لزوّجنُكَها يا عثمان ).
سهم بـــــــدر
أثبت له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سهمَ البدريين وأجرَهم ، وكان غاب عنها لتمريضه زوجته رقيّة بنت
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- :
(
إن لك أجر رجلٍ ممن شهد بدراً وسهمه ).
الحديبـــــيه
بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عثمان بن عفان يوم الحديبية إلى أهل مكة ، لكونه أعزَّ بيتٍ بمكة ،
واتفقت بيعة الرضوان في غيبته ، فضرب الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشماله على يمينه وقال :
(
هذه يدُ عثمان ) فقال الناس : (
هنيئاً لعثمان ) .
جهاده بمالـــــه
ام عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بنفسه وماله في واجب النصرة ، كما اشترى بئر رومة بعشرين ألفاً
وتصدّق بها ، وجعل دلوه فيها لدِلاِءِ المسلمين ، كما ابتاع توسعة المسجد النبوي بخمسة وعشرين ألفاً
كان الصحابة مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزاةٍ ، فأصاب الناس جَهْدٌ حتى بدت الكآبة في وجوه
المسلمين ، والفرح في وجوه المنافقين ، فلما رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذلك قال :
(
والله لا تغيب الشمس حتى يأتيكم الله برزقٍ ) .
فعلم عثمان أنّ الله ورسوله سيصدقان ، فاشترى أربعَ عشرة راحلةً بما عليها من الطعام ، فوجّه إلى النبي
-صلى الله عليه وسلم- منها بتسعٍ ، فلما رأى ذلك النبي قال : (
ما هذا ؟)
قالوا : أُهدي إليك من عثمان - فعُرِفَ الفرحُ في وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والكآبة في وجوه
المنافقين ، فرفع النبي -صلى الله عليه وسلم- يديه حتى رُؤيَ بياضُ إبطيْه ، يدعو لعثمان دعاءً ما سُمِعَ
دعا لأحد قبله ولا بعده : (
اللهم اعط عثمان ، اللهم افعل بعثمان ).
قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها-: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليَّ فرأى لحماً فقال :
(
من بعث بهذا ؟) قلت : عثمان - فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رافعاً يديْهِ يدعو لعثمان.
جيش العسُــــــره
جهّز عثمان بن عفان -رضي الله عنه- جيش العُسْرَة بتسعمائةٍ وخمسين بعيراً وخمسين فرساً ، واستغرق
الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الدعاء له يومها ، ورفع يديه حتى أُريَ بياض إبطيه ،فقد جاء عثمان
إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بألف دينار حين جهّز جيش العسرة فنثرها في حجره ، فجعل
-صلى الله عليه وسلم- يقلبها ويقول : (
ما ضرّ عثمان ما عمل بعد اليوم ) مرتين.
الحيــــــــاء
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (
أشد أمتي حياءً عثمان )
قالت السيدة عائشة -رضي الله عنها- : استأذن أبو بكر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مضطجع
على فراش ، عليه مِرْطٌ لي ، فأذن له وهو على حاله ، فقضى الله حاجته ، ثم انصرف ثم استأذن عمر فأذن له ،
وهو على تلك الحال ، فقضى الله حاجته ، ثم انصرف ثم استأذن عثمان ، فجلس رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- وأصلح عليه ثيابه وقال : (
اجمعي عليك ثيابك ) فأذن له ، فقضى الله حاجته ثم
انصرف ، فقلت : (
يا رسول الله ، لم أركَ فزِعْتُ لأبي بكر وعمر كما فزعت لعثمان !!)
فقال : (
يا عائشة إن عثمان رجل حيي ، وإني خشيت إنْ أذنْتُ له على تلك الحال أن لا يُبَلّغ إليّ حاجته )
وفي رواية أخرى : (
ألا أستحي ممن تستحيي منه الملائكة ).
فضـــــــله
دخل رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- على ابنته وهي تغسل رأس عثمان فقال :
(
يا بنيّة أحسني إلى أبي عبد الله فإنّه أشبهُ أصحابي بي خُلُقـاً )
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(
مَنْ يُبغضُ عثمان أبغضه الله ) وقال : (
اللهم ارْضَ عن عثمان )
وقال : (
اللهم إن عثمان يترضّاك فارْضَ عنه ) اختَصّه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتابة الوحي ،
وقد نزل بسببه آيات من كتاب الله تعالى ، وأثنى عليه جميع الصحابة ، وبركاته وكراماته كثيرة ، وكان عثمان
-رضي الله عنه- شديد المتابعة للسنة ، كثير القيام بالليل.
قال عثمان -رضي الله عنه- : (
ما تغنيّتُ ولمّا تمنّيتُ ، ولا وضعتُ يدي اليمنى على فرجي منذ بايعتُ بها
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما مرّت بي جمعة إلا وإعتقُ فيها رقبة ، ولا زنيتُ في جاهلية ولا إسلام ،
ولا سرقت ).
اللهم أشهـــــــد
عن الأحنف بن قيس قال : انطلقنا حجّاجاً فمروا بالمدينة ، فدخلنا المسجد ، فإذا علي بن أبي طالب والزبير
وطلحة وسعد بن أبي وقاص - فلم يكن بأسرع من أن جاء عثمان عليه ملاءة صفراء قد منع بها رأسه فقال :
(
أها هنا علي ؟) قالوا : نعم - قال : (
أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-) قال : (
من يبتاع مِرْبدَ بني فلان غفر الله له ؟) فابتعته بعشرين ألفاً أو بخمسة
وعشرين ألفاً ، فأتيت رسـول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت : (
إني قد ابتعته )
فقال : (
اجعله في مسجدنا وأجره لك ) ؟ قالوا : نعم
قال : (
أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال :
(
من يبتاع بئر روْمة غفر الله له ) فابتعتها بكذا وكذا ، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فقلت : (
إني قد ابتعتها ) فقال : (
اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك )؟ قالوا : نعم
قال : أنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو أتعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نظر في وجوه القوم
يوم (
جيش العُسرة ) فقال : (
من يجهز هؤلاء غفر الله له ) فجهزتهم ما يفقدون خطاماً ولا عقالاً ؟
قالوا : نعم
قال : (
اللهم اشهد اللهم اشهد ) ثم انصرف.
الخلافـــــــه
كان عثمان -رضي الله عنه- ثالث الخلفاء الراشدين ، فقد بايعه المسلمون بعد مقتل عمر بن الخطاب -
رضي الله عنه- سنة 23 هـ ، فقد عيَّن عمر ستة للخلافة فجعلوا الأمر في ثلاثة ، ثم جعل الثلاثة أمرهم
إلى عبد الرجمن بن عوف بعد أن عاهد الله لهم أن لا يألوا عن أفضلهم ، ثم أخذ العهد والميثاق أن..
يسمعوا ويطيعوا لمن عيّنه وولاه ، فجمع الناس ووعظهم وذكّرَهم ثم أخذ بيد عثمان وبايعه الناس على ذلك ،
فلما تمت البيعة أخذ عثمان بن عفان حاجباً هو مولاه وكاتباً هو مروان بن الحكم.
ومن خُطبته يوم استخلافه لبعض من أنكر استخلافه أنه قال : (
أمّا بعد ، فإنَّ الله بعث محمداً بالحق فكنت
ممن استجاب لله ورسوله ، وهاجرت الهجرتين ، وبايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ،
والله ما غششْتُهُ ولا عصيتُه حتى توفاه الله ، ثم أبا بكر مثله ، ثم عمر كذلك ، ثم استُخْلفتُ ، أفليس لي من
الحق مثلُ الذي لهم ؟!)
الخيــــــــــر
انبسطت الأموال في زمنه حتى بيعت جارية بوزنها ، وفرس بمائة ألف ، ونخلة بألف درهم ، وحجّ بالناس
عشر حجج متوالية.
الفتوح الإسلامــــــيه
وفتح الله في أيام خلافة عثمان -رضي الله عنه- الإسكندرية ثم سابور ثم إفريقية ثم قبرص ، ثم إصطخر
الآخـرة وفارس الأولى ثم خـو وفارس الآخـرة ، ثم طبرستان ودُرُبجرْد وكرمان وسجستان ، ثم الأساورة في
البحر ثم ساحل الأردن .
الفتنــــــة
ويعود سبب الفتنة التي أدت إلى الخروج عليه وقتله أنه كان كَلِفاً بأقاربه وكانوا قرابة سوء ، وكان قد ولى
على أهل مصر عبدالله بن سعد بن أبي السّرح فشكوه إليه ، فولى عليهم محمد بن أبي بكر الصديق
باختيارهم له ، وكتب لهم العهد ، وخرج معهم مددٌ من المهاجرين والأنصار ينظرون فيما بينهم وبين ابن أبي
السّرح ، فلمّا كانوا على ثلاثة أيام من المدينة ..
إذ همّ بغلام عثمان على راحلته ومعه كتاب مفترى ، وعليه خاتم عثمان ، إلى ابن أبي السّرح يحرّضه
ويحثّه على قتالهم إذا قدموا عليه ، فرجعوا به إلى عثمان فحلف لهم أنّه لم يأمُره ولم يعلم من أرسله ،
وصدق -رضي الله عنه- فهو أجلّ قدراً وأنبل ذكراً وأروع وأرفع من أن يجري مثلُ ذلك على لسانه أو يده ،
وقد قيل أن مروان هو الكاتب والمرسل !
ولمّا حلف لهم عثمان -رضي الله عنه- طلبوا منه أن يسلمهم مروان فأبى عليهم ، فطلبوا منه أن يخلع
نفسه فأبى ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان قد قال له :
(
عثمان ! أنه لعلّ الله أن يُلبسَكَ قميصاً فإن أرادوك على خلعه فلا تخلعه ).
الحصـــــــار
فاجتمع نفر من أهل مصر والكوفة والبصرة وساروا إليه ، فأغلق بابه دونهم ، فحاصروه عشرين أو أربعين يوماً ،
وكان يُشرف عليهم في أثناء المدّة ، ويذكّرهم سوابقه في الإسلام ، والأحاديث النبوية المتضمّنة للثناء
عليه والشهادة له بالجنة ، فيعترفون بها ولا ينكفّون عن قتاله !! وكان يقول :
(
إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عهد إليّ عهداً فأنا صابرٌ عليه ) ، (
إنك ستبتلى بعدي فلا تقاتلن ).
وعن أبي سهلة مولى عثمان : قلت لعثمان يوماً : (
قاتل يا أمير المؤمنين )
قال : (
لا والله لا أقاتلُ ، قد وعدني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمراً فأنا صابر عليه )
واشرف عثمان على الذين حاصروه فقال : (
يا قوم ! لا تقتلوني فإني والٍ وأخٌ مسلم ، فوالله إن أردتُ إلا
الإصلاح ما استطعت ، أصبتُ أو أخطأتُ ، وإنكم إن تقتلوني لا تصلوا جميعاً أبداً ، ولا تغزوا جميعاً أبداً ولا
يقسم فيؤكم بينكم ) فلما أبَوْا قال: (
اللهم احصهم عدداً ، واقتلهم بدداً ، ولا تبق منهم أحداً )
فقتل الله منهم مَنْ قتل في الفتنة ، وبعث يزيد إلى أهل المدينة عشرين ألفاً فأباحوا المدينة ثلاثاً يصنعون
ما شاءوا لمداهنتهم.
استشهـــــاده
وكان مع عثمان -رضي الله عنه- في الدار نحو ستمائة رجل ، فطلبوا منه الخروج للقتال ، فكره وقال :
(
إنّما المراد نفسي وسأقي المسلمين بها ) فدخلوا عليه من دار أبي حَزْم الأنصاري فقتلوه ، و المصحف
بين يديه فوقع شيء من دمـه عليه ، وكان ذلك صبيحـة عيد الأضحـى سنة 35 هـ في بيته بالمدينة.
ومن حديث مسلم أبي سعيد مولى عثمان بن عفان : أن عثمان أعتق عشرين عبداً مملوكاً ، ودعا بسراويل
فشدَّ بها عليه ، ولم يلبَسْها في جاهلية ولا إسلام وقال : (
إني رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
البارحة في المنام ، ورأيت أبا بكر وعمر وأنهم قالوا لي : (
اصبر ، فإنك تفطر عندنا القابلة ) فدعا بمصحف
فنشره بين يديه ، فقُتِلَ وهو بين يديه.
كانت مدّة ولايته -رضي الله عنه وأرضاه- إحدى عشرة سنة وأحد عشر شهراً وأربعة عشر يوماً ، واستشهد
وله تسعون أو ثمان وثمانون سنة..
ودفِنَ -رضي الله عنه- بالبقيع ، وكان قتله أول فتنة انفتحت بين المسلمين فلم تنغلق إلى اليوم.
يوم الجمـــــــل
في يوم الجمل قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- :
اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان ، ولقد طاش عقلي يوم قُتِل عثمان ، وأنكرت نفسي وجاؤوني للبيعة
فقلت : ( إني لأستَحْيي من الله أن أبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
(
ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة ) وإني لأستحي من الله وعثمان على الأرض لم يدفن بعد.
فانصرفوا ، فلما دُفِنَ رجع الناس فسألوني البيعة فقلت : (
اللهم إني مشفقٌ مما أقدم عليه )
ثم جاءت عزيمة فبايعتُ فلقد قالوا : (
يا أمير المؤمنين ) فكأنما صُدِعَ قلبي وقلت :
(
اللهم خُذْ مني لعثمان حتى ترضى ).