عرض مشاركة واحدة
قديم 16-12-2009, 12:47 AM
المشاركة 8

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


خصائص العقيدة عند أهل السنة والجماعة:

أولاً: التوقيفية (الربانية)



وتعني أن أهل السنة لا يقتبسون عقيدتهم إلا من مشكاة النبوة، قرآنا وسنة، لا عقل
ولا ذوق ولا كشف، ولا يجعلون شيئا من ذلك معارضا للوحي، بل هذه إن صحت كانت
معضدة لحجة السمع، فالوحي هو الأصل المعتمد في تقرير مسائل الاعتقاد.

ثانياً: الغيبية
وتعني قيام العقيدة على التسليم بوجود الغيب، كما تعني وجوب الإيمان بكل ما ورد
في النصوص الشرعية من أمور الغيب وعدم رد شيء منها أو تأويلها.

ثالثاً: الوسطية

وهي تعني الموازنة بين الأمور المتقابلة والتوسط بين الأطراف المتباعدة على
ما تقتضيه النصوص الشرعية.

رابعاً: العقلانية

وتعني موافقة عقيدة أهل السنة والجماعة للعقل الصريح واهتمامها به، وإعلاء منزلته
ومكانته، وتوفير طاقته وتصريفها فيما يفيد.

خامساً: الفطرية

وتعني أن الإيمان فطري عند أهل السنة والجماعة، خلافا لأهل الأهواء.

سادساً: الشمولية

وهي الموسوعية في المعنى والتطبيق وهي في المعنى شمول العقيدة للتصور
الكامل للقضايا الكبرى التي ضل في تصورها كثير من الناس، وهي في التطبيق
شمولية آثار العقيدة لحياة المسلم من جهاتها المختلفة، بحيث تتكامل هذه
الآثار وتتفاعل في صياغة الحياة صياغة ربانية .



علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري - ص175




المبحث الأول: تعريف التوحيد لغة واصطلاحا

التوحيد في اللغة: مشتق من وحد الشيء إذا جعله واحداً، فهو مصدر وحد يوحد
أي: جعل الشيء واحداً.
وفي الشرع: إفراد الله - سبحانه - بما يختص به من الربوبية والألوهية والأسماء
والصفات.
القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/11
قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ليس التوحيد مجرد إقرار العبد بأنه: لا خالق
إلا الله، وأن الله رب كل شيء ومليكه، كما كان عباد الأصنام مقرين بذلك وهم
مشركون، بل التوحيد يتضمن من محبة الله، والخضوع له، والذل له، وكمال
الانقياد لطاعته، وإخلاص العبادة له، وإرادة وجهه الأعلى بجميع الأقوال والأعمال
والمنع والعطاء، والحب والبغض، ما يحول بين صاحبه وبين الأسباب الداعية إلى
المعاصي والإصرار عليها، ومن عرف هذا عرف قول النبي صلى الله عليه وسلم:
((إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله)) ...,
وما جاء من هذا الضرب من الأحاديث، التي أشكلت على كثير من الناس
حتى ظنها بعضهم منسوخة! وظنها بعضهم قيلت قبل ورود الأوامر والنواهي
واستقرار الشرع، وحملها بعضهم على نار المشركين والكفار، وأول بعضهم
الدخول بالخلود وقال: المعنى لا يدخلها خالداً، ونحو ذلك من التأويلات المستكرهة.
فإن الشارع صلوات الله وسلامه عليه لم يجعل ذلك حاصلاً بمجرد قول اللسان فقط
فإن هذا خلاف المعلوم بالاضطرار من دين الإسلام، لأن المنافقين يقولونها بألسنتهم
وهم تحت الجاحدين لها في الدرك الأسفل من النار.
بل لا بد من قول القلب، وقول اللسان.
وقول القلب: يتضمن من معرفتها والتصديق بها، ومعرفة حقيقة ما تضمنته من النفي
والإثبات، ومعرفة حقيقة الإلهية المنفية عن غير الله، المختصة به، التي يستحيل
ثبوتها لغيره، وقيام هذا المعنى بالقلب علماً ومعرفة ويقيناً وحالاً: ما يوجب تحريم
قائلها على النار.وتأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة، ويقابلها تسعة
وتسعون سجلاً، كل سجل منها مد البصر، فتثقل البطاقة وتطيش السجلات
فلا يعذب صاحبها ومعلوم أن كل موحد له مثل هذه البطاقة،... ولكن السر
الذي ثقل بطاقة ذلك الرجل هو أنه حصل له ما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات.
وتأمل أيضاً ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق
عن السير إلى القرية فجعل ينوء بصدره، ويعالج سكرات الموت، لأن ذلك كان أمراً
آخر، وإيماناً آخر ولذلك ألحق بأهل القرية الصالحة. وقريب من هذا ما قام بقلب
البغي التي رأت ذلك الكلب وقد اشتد به العطش، يأكل الثرى فقام بقلبها ذلك
الوقت مع عدم الآلة، وعدم المعين، وعدم من ترائيه بعملها ما حملها على أن
غررت بنفسها في نزول البئر وملء الماء في خفها، ولم تعبأ بتعرضها للتلف وحملها
خفها بفيها وهو ملآن حتى أمكنها الرقي من البئر، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذي
جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو
منه جزاء ولا شكوراً. فأحرقت أنوار هذا القدر من التوحيد ما تقدم منها من البغاء
فغفر لها .وقد ورد في صحيح مسلم قوله صلى الله عليه وسلم
((من قال: لا إله إلا الله وكفر بما يعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله))

الولاء والبراء في الإسلام لسعيد بن علي بن وهف القحطاني - ص46
المبحث الثاني: العلاقة بين التوحيد والعقيدة



وعلم العقيدة وعلم التوحيد مترادفان عند أهل السنة، وإنما سمي علم التوحيد
بعلم العقيدة بناء على الثمرة المرجوة منهن وهي انعقاد القلب انعقادا جازما
لا يقبل الانفكاك

المدخل لدراسة العقيدة الإسلامية على مذهب أهل السنة لإبراهيم
بن محمد البريكان - ص10


وقد يفرق بينهما اصطلاحا باعتبار أن علم التوحيد هو العلم الذي يقتدر به على
إثبات العقائد الدينية بالأدلة المرضية، وأن علم العقيدة يزيد عليه برد الشبهات
وقوادح الأدلة الخلافية، فيجتمعان في معرفة الحق بدليله، وتكون العقيدة أعم
موضوعا من التوحيد لأنها تقرر الحق بدليله وترد الشبهات وقوادح الأدلة وتناقش
الديانات والفرق، وقد جرى السلف على تسمية كتبهم في التوحيد والإيمان بكتب
العقيدة، كما فعل أبو عثمان الصابوني رحمه الله في كتابه
(عقيدة السلف أصحاب الحديث) والإمام اللالكائي رحمه الله في
(شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)

المبحث الثالث: فضل علم التوحيد



من حقق التوحيد دخل الجنة: قوله:
(باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب) أي ولا عذاب. (قلت)
تحقيقه تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصي.

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد لعبد الرحمن بن حسن آل الشيخ - ص57
ذكر المؤلف (يعني: محمد بن عبدالوهاب) فضل التوحيد، ولا يلزم من ثبوت
الفضل للشيء أن يكون غير واجب، بل الفضل من نتائجه وآثاره.
ومن ذلك صلاة الجماعة ثبت فضلها بقوله صلى الله عليه وسلم:
((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) .
ولا يلزم من ثبوت الفضل فيها أن تكون غير واجبة؛ إذ إن التوحيد أوجب الواجبات
ولا تقبل الأعمال إلا به، ولا يتقرب العبد إلى ربه إلا به، ومع ذلك؛ ففيه فضل

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/70

إذا كانت العلوم الشرعية كلها فاضلة لتعلقها بالوحي المطهر؛ فإن علم التوحيد
في الذروة من هذا الفضل العميم، حيث حاز الشرف الكامل دون غيره من العلوم
وذلك يظهر بالنظر إلى جهات ثلاث: موضوعه، ومعلومه، والحاجة إليه.
فضله من جهة موضوعه: من المتقرر أن المتعلق يشرف بشرف المتعلق
فالتوحيد يتعلق بأشرف ذات، وأكمل موصوف، بالله الحي القيوم، المتفرد بصفات
الجلال والجمال والكمال، ونعوت الكبرياء والعزة؛ لذا كان علم التوحيد أشرف
العلوم موضوعا ومعلوما، وكيف لا يكون كذلك وموضوعه رب العالمين
وصفوة خلق الله أجمعين، ومآل العباد إما إلى جحيم أو إلى نعيم، ولأجل هذا
سماه بعض السلف الفقه الأكبر.وتحقيق التوحيد هو أشرف الأعمال مطلقاً...
وسئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ فقال:
((إيمان بالله ورسوله)) .وهو موضوع دعوة رسل الله أجمعين، قال الإمام
ابن القيم رحمه الله: وجميع الرسل إنما دعوا إلى{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
[الفاتحة: 5]، فإنهم كلهم دعوا إلى توحيد الله وإخلاص عبادته من أولهم إلى
آخرهم، فقال نوح لقومه:{اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف: 59]
وكذلك قال هود وصالح وشعيب وإبراهيم، قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] .
والله سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل وأنزل الكتب لأجل إقامة التوحيد بين
العبيد، قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}
[النحل: 36]، وله خلق الجن والإنس، قال تعالى:
{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، أي: يوحدون..،
فأهم ما على العبد معرفته هو التوحيد، وذلك قبل معرفة العبادات كلها حتى الصلاة.
فضله من جهة معلومه: إن معلوم علم التوحيد هو مراد الله الشرعي، الدال عليه
وحيه وكلامه الجامع للعقائد الحقة، كالأحكام الاعتقادية المتعلقة بالإيمان
بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله، واليوم الآخر والبعث بعد الموت.
ومراد الله تعالى يجمع أموراً ثلاثة، وتترتب عليه أمور ثلاثة، فهو يجمع أن الله تعالى
أراده وأحبه فأمر به، ويترتب على كونه أمر به أن يثيب فاعله، ويعاقب تاركه
وأن ينهي عن مخالفته، لأن الأمر بالشيء نهي عن ضده، فالأمر بالتوحيد
نهي عن الشرك ولابد.قال تعالى:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}
[المائدة: 3]، قال عمر رضي الله عنه:
((قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي، وهو قائم بعرفة يوم جمعة)) .
فاجتمع لدى نزولها ثلاثة مناسبات لا تجتمع بعد ذلك أبداً:

عيد وعيد وعيد صرن مجتمعة / وجه الحبيب ويوم العيد والجمعة


فنزلت في عيد المسلمين الأسبوعي، وهو يوم الجمعة، الذي وافق عيد الحجاج
وهو يوم عرفة، وهو اليوم الذي حضره النبي صلى الله عليه وسلم مع أمته حاجاً
واجتمع بهم اجتماعه الأكبر والأخير.
ومعلوم علم التوحيد هو الأحكام الاعتقادية المكتسبة من الأدلة المرضية
من كتاب ناطق وسنة ماضية.وقطب رحى القرآن العظيم من فاتحته إلى خاتمته
في تقرير معلوم التوحيد. يقول الشيخ صديق حسن خان رحمه الله: اعلم أن
فاتحة الكتاب العزيز التي يكررها كل مسلم في كل صلاة مرات، ويفتتح بها التالي
لكتاب الله والمتعلم له، فيها الإرشاد إلى إخلاص التوحيد في ثلاثين موضعاً .
والتوحيد هو فاتحة القرآن العظيم وهو خاتمته، فهو فاتحة القرآن كما في أول
سورة الفاتحة:{الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة: 2]، وهو في خاتمة القرآن
العظيم{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] .
فالقرآن من فاتحته إلى خاتمته في تقرير التوحيد بأنواعه، أو في بيان حقوق
التوحيد ومقتضياته ومكملاته، أو في البشارة بعاقبة الموحدين في الدنيا والآخرة
أو في النذارة بعقوبة المشركين والمعاندين في الدارين، ثم إن حياة النبي ...
صلى الله عليه وسلم ودعوته في بيان القرآن بيانا عمليا تحققت فيها معاني
التوحيد، وحسمت فيه مواد الشرك على الوجه الأتم الأكمل.قال شيخ الإسلام
ابن تيمية رحمه الله: وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحقق هذا التوحيد
لأمته ويحسم عنهم مواد الشرك، إذ هذا تحقيق قولنا: لا إله إلا الله، فإن الإله
هو الذي تألهه القلوب لكمال المحبة والتعظيم، والإجلال والإكرام، والرجاء والخوف .

فضله من جهة الحاجة إليه:



وأما فضل علم التوحيد باعتبار الحاجة إليه، فيظهر ذلك بالنظر إلى جملة أمور، منها:


أن الله تعالى طلبه، وأمر به كل مكلف، وأثنى على أهله، ومدح من توسل به إليه
ووعدهم أجراً عظيماً.
قال تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ} [محمد: 19]، وقال عز من قائل:
{وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} [البينة:5].
وقال سبحانه وتعالى: {قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136].
وقال سبحانه: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى}
[الرعد: 19].
وقال عز وجل:{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} [المؤمنون: 1]، وقال تقدست أسماؤه:
{رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا
ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ
} إلى قوله: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ}
[آل عمران: 193 – 195].
وقال عز وجل: {وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 146].
ومنها أن عقيدة التوحيد هي الحق الذي أرسلت من أجله جميع الرسل.
قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ}
[النحل: 36].
وقال سبحانه:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ}
[الأنبياء: 25].وهي حق الله على عباده كما في حديث معاذ رضي الله عنه
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا)) .
وهي ملة أبينا إبراهيم عليه السلام التي أمرنا الله باتباعها، قال تعالى:
{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
[النحل: 123]، وهي أيضاً دعوته عليه السلام، قال تعالى على لسانه:
{وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} [إبراهيم: 35].
ومنها أن الله تعالى جعل الإيمان شرطا لقبول العمل الصالح وانتفاع العبد به
في الدنيا والآخرة. قال تعالى:
{فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}
[الأنبياء: 94]. وقال سبحانه: {وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا
} [الإسراء: 19].
فإذا جاء العبد بغير الإيمان فقد خسر جميع عمله الصالح، قال تعالى:
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ
مِنَ الْخَاسِرِينَ
} [الزمر: 65].
ومنها أن سعادة البشرية في الدنيا متوقفة على علم التوحيد، فحاجة العبد
إليه فوق كل حاجة، وضرورته إليه فوق كل ضرورة، فلا راحة ولا طمأنينة ولا
سعادة إلا بأن يعرف العبد ربه بأسمائه وصفاته وأفعاله من جهة صحيحة
صادقة ناصحة، وهي جهة الوحي.قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
حاجة العبد إلى الرسالة أعظم بكثير من حاجة المريض إلى الطب، فإن آخر
ما يقدر بعدم الطبيب موت الأبدان، وأما إذا لم يحصل للعبد نور الرسالة وحياتها
مات قلبه موتا لا ترجى الحياة معه أبدا، أو شقي شقاوة لا سعادة معها أبدا .
ولهذا سمى الله تعالى غير الموحد ميتا حقيقة، قال تعالى:
{فَإِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ وَمَا أَنتَ بِهَادِي
الْعُمْيِ عَن ضَلالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُون
}
[الروم: 52-53].فمقابلة الموتى بالسامعين تدل على أن الموتى هم المشركون
والكافرون، وهذا تفسير جمهور السلف .
وقيل المراد بالموتى: موتى الأبدان، فنفي السماع يعني نفي الاهتداء، فكما
قيل إن الميت يسمع ولا يمتثل، فهؤلاء الأحياء من الكفار حين يسمعون القرآن
كالموتى حقيقة حين يسمعون فلا يمتثلون ولا ينتفعون.
ومما يشهد لهذين المعنيين أن الله تعالى سمى ما أنزله على رسوله..
صلى الله عليه وسلم روحا لتوقف الحياة الحقيقية عليه، وسماه نورا لتوقف
الهداية عليه، وسماه شفاء لأنه دواء للنفوس من عللها.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: والرسالة روح العالم ونوره وحياته، فأي صلاح
للعالم إذا عدم الروح والحياة والنور، والدنيا مظلمة ملعونة إلا ما طلعت عليه
شمس الرسالة، فكذلك العبد ما لم تشرق في قلبه شمس الرسالة ويناله
من حياتها وروحها، فهو في ظلمة وهو من الأموات.
قال تعالى:
{أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ
فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا
} [الأنعام: 122]، فهذا وصف المؤمن كان ميتا
في ظلمة الجهل، فأحياه الله بروح الرسالة ونور الإيمان، وجعل له نورا يمشي
به في الناس، وأما الكافر فميت القلب في الظلمات.وسمى الله تعالى الرسالة
روحا، والروح إذا عدمت فقد فقدت الحياة، قال الله تعالى:
{وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِن
جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا
} [سورة الشورى: 52]

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري - ص124

المبحث الرابع: فوائد التوحيد



فمن فوائد التوحيد:

1- أنه أكبر دعامة للرغبة في الطاعة؛ لأن الموحد يعمل لله سبحانه وتعالى؛
وعليه، فهو يعمل سراً وعلانية، أما غير الموحد؛ كالمرائي مثلاً، فإنه يتصدق
ويصلي، ويذكر الله إذا كان عنده من يراه فقط، ولهذا قال بعض السلف: إني
لأود أن أتقرب إلى الله بطاعة لا يعلمها إلا هو.
2- أن الموحدين لهم الأمن وهم مهتدون؛ كما قال تعالى:
{الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}
[الأنعام: 82].

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/75






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..