عرض مشاركة واحدة
قديم 16-12-2009, 02:59 AM
المشاركة 45

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


المطلب الرابع: معرفة الله


اعلم أن مذهب أهل الإسلام أن معرفة الله تعالى واجبة على جميع الأنام لكن اختلفوا
في طريقها فمذهب الصوفية أن طريقها الرياضة والتخلية والتحلية وتصفية الطوية
لقبول التحلية وليستفيد الواردات وشواهد تكثيرها التي عجز العقل عن تفسيرها
وذهب جمهور المتكلمين إلى أن طريقها إنما هو النظر والاستدلال بالأدلة النقلية
من الكتاب والسنة المطابقة للأدلة العقلية وقال بعضهم يعرف بالعقل المجرد الباقي
على الفطرة الأصلية وقال بعضهم يعرف الله بالله لا بغيره وهذا أشبه بمذهب الصوفية
وعن هذا قالوا إن أحدا لا يعرف الله حق معرفته وإن كان نبيا مرسلا أو ملكا مقربا
لقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85] وكقوله سبحانه وتعالى:
{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110] وقوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103]
ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم:
((لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك))

الرد على القائلين بوحدة الوجود لعلي بن سلطان بن محمد القاري - ص17

معرفة الله قسمان:


1 – معرفة وجود ومعاني، وهذا هو المطلوب منا
2 – ومعرفة كنه وحقيقة، وهذا غير مطلوب منا لأنه مستحيل يعني: لو قال قائل:
تعرف الله مثلا: تعرف حقيقة ذاته وحقيقة صفاته؟ لكان الجواب: لا، لا نعلم ذلك
وليس مطلوب منا والوصول إلى ذلك مستحيل، فالمطلوب إذن معرفة الذات بالوجود
ومعرفة الصفات بالمعاني، أما معرفة الكنه والحقيقة فهذا مما لا يعلمه إلا الله
عز وجل، فصار قول المؤلف في معرفة الله لا بد فيه من هذا التسديد، قوله:
(أول واجب على العبيد): أول واجب على الإنسان أن يعرف الله، وقالوا: المراد أول
واجب لذاته، وأما أول واجب لغيره فهو النظر والتدبر الموصل إلى معرفة الله، فالعلماء
قالوا: أول ما يجب على الإنسان أن ينظر فإذا نظر وصل إلى غاية وهي المعرفة
فيكون النظر أول واجب لغيره، والمعرفة أول واجب لذاته، وقال بعض أهل العلم:
إن النظر لا يجب لا لغيره ولا لذاته، لأن معرفة الله عز وجل معلومة بالفطرة
والإنسان مجبول عليها ولا يجهل الله عز وجل إلا من اجتالته الشياطين ولو رجع
الإنسان إلى فطرته لعرف الله دون أن ينظر أو يفكر، قالوا: ودليل ذلك قوله :
صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة)) وقوله سبحانه في الحديث
القدسي: ((إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين)) فصار الصارف عن
مقتضى الفطرة حادث وارد على فطرة سليمة، فأول ما يولد الإنسان يولد على
الفطرة ولو ترك ونفسه في أرض برية ما عبد غير الله، ولو عاش في بيئة مسلمة
ما عبد غير الله، وحينئذ تكون عبادته لله، إذا عاش في بيئة مسلمة يكون المقوم
لها شيئين: وهما الفطرة والبيئة، لكن إذا عاش في بيئة كافرة فإنه حينئذ يحدث
عليه هذا المانع لفطرته من الاستقامة، لقوله صلى الله عليه وسلم:
((فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) ، إذن معرفة الله عز وجل لا تحتاج إلى
نظر في الأصل، ولهذا عوام المسلمين الآن هل هم فكروا ونظروا في الآيات الكونية
والآيات الشرعية حتى عرفوا الله أم عرفوه بمقتضى الفطرة؟ ولا شك أن للبيئة تأثيراً
ما نظروا بل إن بعض الناس – والعياذ بالله – إذا نظر وأمعن ودقق وتعمق وتنطع
ربما يهلك، كما قال صلى الله عليه وسلم:
((هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون)) ، فالصحيح:
إذن ما قاله المؤلف أن: أول واجب: معرفة الله، أما النظر: فلا نقول: إنه واجب
نعم لو فرض أن الإنسان احتاج إلى النظر فحينئذ يجب عليه النظر لو كان إيمانه
فيه شيء من الضعف يحتاج إلى التقوية فحينئذ لا بد أن ينظر، ولهذا قال تعالى:
{أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى
أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:185] وقال:
{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [ المؤمنون: 68] وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}
[ص: 29] فإذا وجد الإنسان في إيمانه ضعفاً حينئذٍ يجب أن ينظر، لكن لا ينظر هذا
الناظر من زاوية الجدل والمعارضات والإيرادات، لأنه إن نظر من هذه الزاوية يكون مآله
الضياع والهلاك يورد عليه الشيطان من الإيرادات ما يجعله يقف حيران، ولكن
ينظر من زاوية الوصول إلى الحقيقة، فمثلاً: نظر إلى الشمس هذا المخلوق
الكبير الوهاج لا يقول من الذي خلقه؟ خلقه الله عز وجل، فيقول: من الذي
خلق الله؟ لا، يقول خلقه الله ويسكت، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا أن
ننتهي إذا قال لنا الشيطان من خلق الله؟ لنقطع التسلسل، الحاصل:
أن النظر لا يحتاج إليه الإنسان إلا للضرورة كالدواء لضعف الإيمان وإلا فمعرفة الله
مركوزة بالفطر، وقول المؤلف: (معرفة الإله بالتسديد): أي بالصواب، لكن ما هو
الطريق إلى معرفة الله عز وجل؟ الطريق: قلنا بالفطرة قبل كل شيء، فالإنسان
مفطور على معرفة ربه تعالى وأن له خالق، وإن كان لا يهتدي إلى معرفة صفات
الخالق على التفصيل ولكن يعرف أن له خالقاً كامل من كل وجه، ومن الطرق
التي توصل إلى معرفة الله: العقل، الأمور العقلية فإن العقل يهتدي إلى معرفة
الله بالنظر إلى ذاته – هذا إذا كان القلب سليما ً من الشبهات –
فينظر إلى ما بالناس من نعمة فيستدل به على وجود المنعم، لأنه لولا وجود
المنعم ما وجدت النعم وعلى رحمته فلولاه ما وجدت ينظر إلى إمهال الله عز وجل
للعاصين فيستدل به على حلم الله
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ} [فاطر: 45]
لأن أكثر الناس على الكفر، فلو أراد الله أن يؤاخذه – أن يؤاخذهم على أعمالهم –
ما ترك على ظهرها من دابة، ننظر في السماوات والأرض فنستدل به على عظم
الله فإن عظم المخلوق يدل على عظم الخالق،، وهكذا، نعرف الله تعالى بإجابة
الدعاء، فنعرف بهذا وجود الله وقدرته ورحمته وصدقه عز وجل،
{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] أخذ الله للكافرين بالنكبات والهزائم تدل
على أن الله شديد العقاب، وأنه من المجرمين منتقم، ونصر الله لأوليائه تدل
على أن الله ينصر من شاء .

شرح العقيدة السفارينية لمحمد بن صالح بن عثيمين - ص128






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..