عرض مشاركة واحدة
قديم 19-12-2009, 10:08 PM
المشاركة 26

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
لجمع بين الصلاتين للمسافر وجمع المقيم
المقدمـة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
أما بعد :
فإن من نِعمة الله عليّ أن مِـنّ عليّ بمحبة العِلم وأهله ، فجعل نهمتي في مدارسته .
ومن تمام النعمة أن يسر لي دراسة علم الحديث ضمن برنامج الدراسات العليا ، وبالأخص دراسة أحاديث الأحكام التي لا يستغني عنها مسلم فضلا عن طالب عِلم ، ذلك أنه ما مِن مُصلٍّ ولا صائم ولا عابد لله إلا وهو مُحتاج إلى معرفة أحكام عباداته لتكون عبادته على بصيرة .
ولما كان من المقرر دراسة أحاديث الأحكام فقد كُلِّفت بدراسة بعض أحاديث الجمع بين الصلاتين في السفر ، وما يتعلق بجمع المقيم .
وقد استعنت بالله لدراسة هذه الأحاديث ، دراسة حديثية فقهية .
وقد خرّجت الأحاديث تخريجا متوسّطا مع بيان درجة الحديث من خلال أحكام العلماء المتقدّمين أو المتأخرين ، أو أجمع بين الأقوال ما أمكن .
كما ذَكَرْت بعض المباحث الفقهية المستنبطة من هذه الأحاديث قيد الدراسة .
وقسّمت البحث إلى مبحثين :
المبحث الأول : الجمع بين الصلاتين في السفر .
والمبحث الثاني : جمع المقيم .
وتحت كل مبحث مسائل .
وأتوجه بالشكر الجزيل لفضيلة أستاذنا د . عبد الله السوالمة – حفظه الله – على ما أولاه من عناية وتوجيه .
وأسأل الله أن يستعملنا في طاعته إنه ولي ذلك والقادر عليه .


كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الرياض – محرّم 1425 هـ
المبحث الأول : الجمع بين الصلاتين في السفر

أولاً : روايات الحديث
عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما ، وإذا زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب . متفق عليه .
وفي رواية لمسلم : إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما .

وفي رواية لمسلم : إذا عَجِلَ عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق .

ثانياً : تخريج الحديث :

رواه البخاري في كتاب الكسوف باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس .
وفي باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب [1] .
ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها [2] .

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر حتى ينزل للعصر ، وفي المغرب مثل ذلك ؛ إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء وإذا ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخّر المغرب حتى ينزل للعِشاء ثم جمع بينهما [3] .
قال الترمذي : والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء . رواه قرّة بن خالد وسفيان الثوري ومالك وغير واحد عن أبي الزبير المكي ، وبهذا الحديث يقول الشافعي ، وأحمد وإسحاق يقولان : لا بأس أن يجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما [4].
وفي رواية لمسلم [5] قال معاذ : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك ، فكان يجمع الصلاة ، فصلى الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا ، حتى إذا كان يوما أخّر الصلاة ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل ، ثم خرج بعد ذلك فصلى المغرب والعشاء جميعا.

وفي رواية لأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله يجمع بين الصلاتين في السفر المغرب والعشاء ، والظهر والعصر [6] .

ثالثاً : من مباحث الحديث الفقهية

المسألة الأولى :
ما حـدّ السفـر ؟

أو ما هي المسافة التي تُبيح الترخّص ؟
لم يرِد في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تحديد مسافة السفر [7] .
فالفرق بين السفر الطويل والقصير لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله بل الأحكام التي علقها الله بالسفر علقها به مطلقا [8] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد تنازع العلماء في قصر أهل مكة خلفه [9] فقيل : كان ذلك لأجل النُّسك ، فلا يَقصر المسافر سفرا قصيرا هناك ، وقيل : بل كان ذلك لأجل السفر ، وكلا القولين قاله بعض أصحاب أحمد ، والقول الثاني هو الصواب ، وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم ، ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة وكانوا محرمين ، والقصر مُعلّق بالسفر وجودا وعدما ، فلا يُصلى ركعتين إلا مسافر ، وكل مسافر يصلى ركعتين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : صلاة المسافر ركعتان ، وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة النحر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير نقص - أي غير قصر - على لسان نبيكم ، وفى الصحيح [10] عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، ثم زِيد في صلاة الحضر وأُقِرّت صلاة السفر ، وقد تنازع العلماء : هل يختص بسفر دون سفر ؟ أم يجوز في كل سفر ؟ وأظهر القولين أنه يجوز في كل سفر قصيرا كان أو طويلا ، كما قصر أهل مكة خلف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومنى ، وبين مكة وعرفة نحو بريد أربع فراسخ ، وأيضا فليس الكتاب والسنة يخصان بسفر دون سفر لا بقصر ولا بفطر ولا تيمم ، ولم يَحد النبي صلى الله عليه وسلم مسافة القصر بحد لا زماني ولا مكاني . ولا يمكن أن يُحدّ ذلك بِحَـدٍّ صحيح ، فإن الأرض لا تذرع بذرع مضبوط في عامة الأسفار ، وحركة المسافر تختلف ، والواجب أن يُطلق ما أطلقه صاحب الشرع ، ويُقيَّد ما قيّده ، فيَقْصُر المسافر الصلاة في كل سفر ، وكذلك جميع الأحكام المتعلقة بالسفر من القصر والصلاة على الراحلة والمسح على الخفين ، ومن قسم الأسفار إلى قصير وطويل ، وخَصّ بعض الأحكام بهذا ، وبعضها بهذا ، وجعلها متعلقة بالسفر الطويل ، فليس معه حجة يجب الرجوع إليها [11] .

المسألة الثانيـة :
حُكم الجمع في السفر
، وفيها خمسة أقوال :

القول الأول : جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِعُذْرِ السَّفَرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ فِي وَقْتِ الأُولَى مِنْهُمَا ، وَجَمْعَ تَأْخِيرٍ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالْجُمْهُور .
القول الثاني – وهو يُقابِل الأول – : لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة ومزدلفة ، وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه ، وأجابوا عما رُوي من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري ، وهو أنه أخّر المغرب مثلا إلى آخر وقتها ، وعجّل العشاء في أول وقتها.
القول الثالث : وبه قال الليث ، وهو المشهور عن مالك : أن الجمع يختص بمن جـدّ به السير .
القول الرابع : وبه قال عمر بن عبد العزيز والحسن والأوزاعي : أن الجمع في السفر يختص بمن له عذر .
القول الخامس : وبه قال أحمد في رواية ، واختاره ابن حزم ، وهو مروي عن مالك : أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم [12] .

وقد أُجيب عن القول الثاني – وهو منع الجمع إلا بعرفة ومزدلفة - بأجوبة ، منها :

1 – بما ثبت من الأحاديث التي جاء فيها التصريح بالجمع ، وأنه رخصة ، وقد ثبت في صحيح مسلم [13] عن يعلي بن أمية قال : قلت لعمر بن الخطاب : ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فقد أمِنَ الناس ، فقال : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : صدقة تصدّق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته .
وبين الجمع والقصر تلازم ، فإن من جاز له القصر جاز له الجمع ، ولا عكس .
2 –
بأن هذا الجمع الصوري فيه مشقّة ، والجمع المقصود منه التيسير على المسافر .
قال الخطابي : ظاهر اسم الجمع عُرفا لا يقع على مَنْ أخّر الظهر حتى صلاها في آخر وقتها ، وعجّل العصر فصّلاها في أول وقتها ؛ لأن هذا قد صلّى كل صلاة منهما في وقتها الخاص بها ، وإنما الجمع المعروف بينهما أن تكون الصلاتان معا في وقت إحداهما . ومعقول أن الجمع بين الصلاتين من الرُّخص العامة لجميع الناس عامهم وخاصّهم ، ومعرفة أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يُدركه الخاصة فضلا عن العامة ، وإذا كان كذلك كان في اعتبار الساعات على الوجه الذي ذهبوا إليه ما يُبطل أن تكون هذه الرخصة عامة ، مع ما فيه من المشقة المُرْبِية [14] على تفريق الصلاة في أوقاتها الموقّتة [15] .
وقال ابن عبد البر : ولا معنى للجمع الذي ذهب إليه أبو حنيفة ، ومن قال بقوله ؛ لأن ذلك جائز في الحضر بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في طرفي وقت الصلاة : " ما بين هذين وقت " فأجاز الصلاة في آخر الوقت ، ولو لم يَجز في السفر من سعة الوقت إلا ما جاز في الحضر بطل معنى السفر ومعنى الرخصة والتوسعة لأجله .
ومعلوم أن الجمع بين الصلاتين في السفر رخصة لمكان السفر وتوسعة في الوقت ، كما أن القصر في السفر لم يكن إلا من أجل السفر ، وما يُلقى فيه من المشقة في الأغلب ، وفي ارتقاب المسافر ومراعاته أن لا يكون نزوله إلا في الوقت الذي عدّه أبو حنيفة مشقة وضيقا لا سعة [16] .
وقال ابن قدامة : الجمع رخصة ، فلو كان على ما ذكروه لكان أشد ضيقا وأعظم حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها ؛ لأن الإتيان بكل صلاة في وقتها أوسع من مراعاة طرفي الوقتين بحيث لا يبقى من وقت الأولى إلا قدر فعلها ، ومن تدبر هذا وجده كما وصفنا ، ولو كان الجمع هكذا لجاز الجمع بين العصر والمغرب والعشاء والصبح ، ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك [17] .
وقال ابن حجر : الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين ، وهو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع ، ومما يَرُدّ الحمل على الجمع الصوري جمع التقديم [18] .

وأُجيب عن القول الثالث - أن الجمع يختص بمن جـدّ به السير - بما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر حتى ينزل للعصر ، وفي المغرب مثل ذلك ؛ إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء ، وإذا ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخّـر المغرب حتى ينـزل للعِشاء ثم جمع بينهما [19] .
قال ابن قدامة : وفي هذا الحديث أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الردّ على من قال : لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جدّ به السير ، لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه ، يخرج فيصلي الصلاتين جميعا ثم ينصرف إلى خبائه [20] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ظاهر حديث معاذ أنه كان نازلا في خيمة في السفر ، وأنه أخّر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا ، فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنـزل ، وأما السائر فلا يقال دخل وخرج بل نزل وركب [21]
وذكر ابن عبد البر حديث ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عَجِل به السير يجمع بين المغرب والعشاء .
ثم قال : ليس في حديث ابن عمر هذا ما يدل على أن المسافر لا يجوز له الجمع بين الصلاتين إلا أن يَجِـدّ به السير بدليل حديث معاذ بن جبل ؛ لأن فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في سفره إلى تبوك نازلا غير سائر .
وليس في أحد الحديثين ما يعارض الآخر ، وإنما التعارض لو كان في حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يجمع بين الصلاتين إلا أن يجدّ به السير فحينئذ كان يكون التعارض لحديث معاذ [22] .
قال العراقي : وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْجَـدِّ فِي السَّفَرِ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَعُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ [23] .
وقال الشوكاني :
في الحديث دليل على جواز جمع التأخير في السفر سواء كان السير مُجِـدّاً أم لا [24] .
وبمثل هذا أُجيب عن القول الرابع ، في أن الجمع في السفر يختص بمن له عذر .
كما أُجيب عن القول الخامس في أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم ، بأحاديث الباب التي فيها جمع التقديم والتأخير دون تفريق ، وبأن هذا القول تحكّم بلا دليل .

المسألة الثالثـة :
متى يجوز الجمـع للمسافر ؟

يجوز للمسافر الترخّص برخص السّفر إذا فارق عامِر قريته .
فعن أنس رضي الله عنه قال : صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين [25] .
وروى عبد الرزاق من طريق علي بن ربيعة الأسدي قال : خرجنا مع علي رضي الله عنه ونحن ننظر إلى الكوفة ، فصلى ركعتين ، ثم رجع فصلى ركعتين وهو ينظر إلى القرية ، فقلنا له : ألا تصلي أربعا ؟ قال : حتى ندخلها [26] .
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقصر الصلاة حين يخرج من بيوت المدينة ، ويقصر إذا رجع حتى يدخل بيوتها [27] .
قال الإمام مالك : لا يَقصر الصلاة الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية ، ولا يتم حتى يدخلها أو يقاربها [28] .
قال ابن عبد البر رحمه الله : وهو مذهب جماعة العلماء إلا من شـذّ .
وقال : فإذا تأهّب المسافر وخرج من حَضَرِه عازما على سفره فهو مسافر ، ومن كان مسافرا فله أن يُفطر ويقصر الصلاة إن شاء . اهـ [29] .
والمسافر " لا يكون ضاربا في الأرض حتى يخرج " [30] .

المسألة الرابعة :
هل يُشترط للجمع نِـيّـة عند افتتاح الأولى ؟

لا يُشترط للجمع نِيّـة عند افتتاح الأولى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : اختلفوا في الجمع والقصر هل يشترط له نية ؟ فالجمهور لا يشترطون النية كمالك وأبى حنيفة ، وهو أحد القولين في مذهب أحمد ، وهو مقتضى نصوصه ، والثاني تشترط كقول الشافعي وكثير من أصحاب أحمد كالخرقى وغيره ، والأول أظهر ، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه [31] .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي جمعا ولم يُنقل عنه أنه أمر أصحابه أو أرشدهم إلى ذلك .

المسألة الخامسة :
هل يترخّص المسافر سَفَرَ معصية برخص السفر ؟

لا تباح هذه الرخص في سفر المعصية كالإباق وقطع الطريق والتجارة في الخمر والمحرمات نص عليه أحمد ، وهذا قول الشافعي [32] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد تنازع المتأخرون فيمن سافر لزيارة قبر نبي ، أو نحو ذلك من المشاهد ، والمحققون منهم قالوا : إن هذا سفر معصية ولا يقصر الصلاة فيه ، كما لا يقصر في سفر المعصية ، كما ذكر ذلك ابن عقيل وغيره [33] .
وقالوا مثل ذلك في الأكل من الميتة عند الاضطرار ؛ لأن الله لما ذكر تحريم الميتة قال : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) قالوا : والعاصي باغ أو عادٍ ولا يُباح له ذلك [34] .
بل قالوا مثل ذلك في عموم رُخص السفر ، حتى في النافلة في السفر على الراحلة .
قال النووي :
شرط جواز التنفل في السفر ماشيا وراكبا أن لا يكون سفر معصية ، وكذا جميع رخص السفر شرطها أن لا يكون سفر معصية [35] .
وقال في موضع آخر :
مذهبنا جواز القصر في كل سفر ليس معصية سواء الواجب والطاعة والمباح كسفر التجارة ونحوها ، ولا يجوز في سفر معصية ، وبهذا قال مالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم [36] .
وقال أيضا :
ولا يجوز الجمع في سفر معصية [37] .
وقال ابن عبد البر :
قال مالك : ومن سافر في معصية لم يَجُـز له أن يقصر .
وقال الشافعي : إن سافر في معصية لم يقصر ، ولم يمسح مسح المسافر . وهو قول الطبري [38] .

وقال شيخنا الشيخ ابن عثيمين :
مسألة :
رجل سافر لأجل أن يترخّص ، فهل يترخّص ؟

الجواب :
لا ؛ لأن السفر حرام حينئذ ؛ ولأنه يُعاقب بنقيض قصده ، فكلّ من أراد التحايل على إسقاط الواجب أو فعل المحرّم عُوقب بنقيض قصده [39] .

المسألة السادسة :
الجمع بين صلاتي العَشِيّ وبين صلاتي العِشائين في وقت إحداهما للمسافر النازل .

فائدة : في حديث أبي هريرة المتفق عليه [40] : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العَشي .
قال القاضي عياض : قوله : " إحدى صلاتيّ العشيّ " يريد الظهر والعصر ، وكانوا يُصلون الظهر بعَشيّ ، والعَشيّ ما بعد زوال الشمس إلى غروبها . قال الباجي : إذا فاء الفـئ ذراعا فهو أول العشيّ [41] .
ومنه قوله سبحانه وتعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ) .
مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين أنه لا يجمع المسافر إذا كان نازلا ، وإنما يجمع إذا كان سائرا ، بل عند مالك إذا جـدّ به السير ، ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى أنه يجمع المسافر وإن كان نازلا [42] .
قال الإمام العراقي : زَادَ حَدِيثُ مُعَاذٍ عَلَى ذَلِكَ بِبَيَانِ الْجَمْعِ فِي زَمَنِ الإِقَامَةِ الَّتِي لا تَقْطَعُ اسْمَ السَّفَرِ فَوَجَبَ الأَخْذُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ [43] .
فالمسافر النازل في البلد لا تجب عليه الجماعة ، بدليل ما رواه الإمام أحمد عن موسى بن سلمة قال : كنا مع ابن عباس بمكة فقلت : إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا ، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين . قال : تلك سُـنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم [44] .
ورواه مسلم [45] عنه قال : سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام ؟ فقال : ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .
ومما استدلوا به قوله صلى الله عليه وسلم : إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً [46] .
قال ابن حجر : ففضل الجماعة حاصل للمعذور – ثم ذَكَرَ الحديث – [47] .
ولا تجب الجمعة على المسافر .
قال ابن قدامة : وأما المسافر فأكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه ، قاله مالك في أهل المدينة ، والثوري في أهل العراق ، والشافعي وإسحاق وأبو ثور ، وروي ذلك عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي [48] .
وقال أيضا : وإن أحبّ أن يجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما جاز نازلاً كان أو سائرا أو مقيما في بلدٍ إقامة لا تمنع القصر ، وهذا قول عطاء وجمهور علماء المدينة والشافعي وإسحاق وابن المنذر [49] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد دل الكتاب والسنة على أن المواقيت خمسة في حال الاختيار ، وهي ثلاثة في حال العذر ؛ ففي حال العذر إذا جمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء فإنما صلى الصلاة في وقتها ، لم يُصلِّ واحدة بعد وقتها ، ولهذا لم يَجِب عليه عند أكثر العلماء أن ينوي الجمع ، ولا ينوي القصر وهذا قول مالك وأبي حنيفة وأحمد في نصوصه المعروفة وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز [50] .

وقد دلّت هذه الأحاديث على جواز تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر للمسافر ، وعلى جواز تأخير الظهر إلى العصر .
وعلى أن السنة تقديم الصلاتين في وقت الأولى لمن أدركه وقت الأولى ؛ لأنه أبـرأ للذمة .
وعلى أن للمسافر اختيار الأرفق به ، فإذا سار قبل الزوال فله أن يؤخّر صلاة الظهر إلى وقت صلاة العصر ، فيُصليهما في وقت العصر عند نزوله ، وهذا من يُسر الشريعة .

وعلى أن عموم التقديم والتأخير يجري في العِشائين أيضا ، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين صلاة العشاء [51] .

وتقدّمت الإشارة إلى رواية مسلم لحديث أنس ، وفيها : إذا عَجِل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق .


تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة