عرض مشاركة واحدة
قديم 11-02-2010, 04:47 PM
المشاركة 98

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
المسألة الخامسة: أهل النار

******

أهل النار المخلدون فيها

******

التعريف بهم:
أهل النار الخالدون فيها الذين لا يرحلون ولا يبيدون - هم الكفرة والمشركون. قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأعراف: 36]، وقال: {لَوْ كَانَ هَؤُلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأنبياء: 99 ]، وقال: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [الزخرف: 74 ]، وقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا} [فاطر: 36 ]. وقال: {وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 39 ]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ} [البقرة:161-162]. وقال: {أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 63] وقال: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ} [التوبة: 17] ولما كانوا خالدين فيها فقد وصف الحق عذاب النار بأنه مقيم، أي لا ينقطع، كما أضافه إلى الخلد، قال تعالى: { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [النجم:37] وقال: { ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ } [يونس: 52 . وفي (صحيح البخاري) عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخل أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، ثم يقوم مؤذن بينهم: يا أهل النار لا موت، ويا أهل الجنة لا موت، خلود)) . وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلود لا موت، ولأهل النار، يا أهل النار خلود لا موت)) وهذا يقال بعد ذبح الموت كما في حديث ابن عمر عند البخاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا صار أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار، جيء بالموت حتى يجعل بين الجنة والنار، ثم يذبح، ثم ينادي منادي: يا أهل الجنة لا موت، يا أهل النار لا موت، فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم)) .]وفي (صحيح مسلم) عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يُجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة، هل تعرفون هذا ؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون:نعم هذا الموت. قال: ويقال: يا أهل النار، هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون، ويقولون: نعم، هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح. قال: ثم قال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت. قال: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [مريم: 39 ])) . وأخرج الترمذي عن أبي سعيد الخدري يرفعه قال: ((إذا كان يوم القيامة أتي بالموت كالكبش الأملح ، فيوقف بين الجنة والنار، فيذبح وهم ينظرون، فلو أن أحداً مات فرحاً لمات أهل الجنة، ولو أن أحداً مات حزناً لمات أهل النار))

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 49

النار مسكن الكفرة المشركين

******

لما كان الكفرة المشركون خالدين في النار فإن النار تعتبر بالنسبة لهم سكناً ومأوى، كما أن الجنة مسكن المؤمنين، {وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 151 ] ، {أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [يونس: 8 ] ، {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 68]. وهي مأواهم تتولى أمرهم {مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ} [الحديد: 15 ]. وهي بئس المسكن والمثوى ، {فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 206 ]، {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ} [ص:55-56 ].
الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 52

الدعاة إلى النار

******

أصحاب المبادئ الضالة، والمذاهب الباطلة المخالفون لشرع الله، الدعاة المؤمنون بباطلهم هم دعاة النار، {أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [البقرة: 221]، {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ} [القصص:41]، ومن هؤلاء الشيطان {أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [لقمان: 21]، {إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر: 6]. وهؤلاء الذين يدعون إلى النار في الدنيا يقودون أقوامهم وأتباعهم إلى النار في الآخرة ، ففرعون مثلاً: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود:98]. وكل قادة الشر الذين يدعون إلى عقائد ومبادئ مخالفة للإسلام هم دعاة إلى النار، لأن الطريق الوحيد الذي ينجي من النار ويدخل الجنة هو طريق الإيمان {وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ} [غافر: 41 ]، كانوا يدعونه إلى فرعون وكفره وشركه، وهو يدعوهم إلى الله وتوحيده والإيمان به . ولما كان الكفار دعاة إلى النار حرم الله على المؤمنين الزواج من المشركات، كما حرم على المؤمنات الزواج من المشركين {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [البقرة: 221 ].

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 52

أعظم جرائم الخالدين في النار

******

لقد أطال القرآن في تبيان جرائم الخالدين الذين استحقوا بها الخلود في النيران ، ونحن نذكر هنا أهمها:
1- الكفر والشرك فقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى أن الذين كفروا يُنادَون عندما يكونون في النار. فيقال لهم: إن مقت الله لكم أعظم من مقتكم أنفسكم بسبب كفركم بالإيمان، ثم بين أن خلودهم في النار إنما هو بسبب كفرهم وشركهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ} [غافر: 10 ]. وحدثنا الحق تبارك وتعالى أن خزنة النار يسألون الكفار عند ورودهم النار قائلين: {أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ} [غافر: 50 ]، فيكون الجواب: أنهم استحقوا النار بسبب تكذيبهم المرسلين ، وما جاؤوا به {قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ} [الملك: 9 ]. وقال في المكذبين بالكتاب: { وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلاً} [طه:99-101 ]. وقال في المكذبين بالكتاب المشركين بالله: {الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَل لَّمْ نَكُن نَّدْعُو مِن قَبْلُ شَيْئًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ ذَلِكُم بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [غافر: 70-76 ]. وقال في الكفرة المشركين المسوين آلهتم برب العالمين: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ قَالُوا وَهُمْ فِيهَا يَخْتَصِمُونَ تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 94-98 ]. وقال في حق المكذبين بيوم الدين: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا} [الفرقان:11] ،{وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ الأَغْلاَلُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدونَ} [الرعد: 5 ]. وقال: {مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا} [الإسراء: 97-98 ].

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص54

******

2- عدم القيام بالتكاليف الشرعية مع التكذيب بيوم الدين وترك الالتزام بالضوابط الشرعية
فقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى أن أهل الجنة يسألون أهل النار قائلين: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر:42 ] فيجيبون قائلين: {قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 43-47 ].

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 55

******

3- طاعة رؤساء الضلال وزعماء الكفر فيما قرروه من مبادئ الضلال وخطوات الكفر التي تصد عن دين الله ومتابعة المرسلين .
قال تعالى: في هؤلاء: {وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابًا شَدِيدًا وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ذَلِكَ جَزَاء أَعْدَاء اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيهَا دَارُ الْخُلْدِ جَزَاء بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} [فصلت: 25-28]. وعندما يحل الكفار في النار، وتقلب وجوههم فيها يتندمون لعدم طاعتهم الله ورسوله، وطاعتهم السادة الكبراء: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لاَّ يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} [الأحزاب: 64-67 ].
الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 55

******

4- النفاق: وعد الله المنافقين النار، وهو وعد قطعه على نفسه لا يخلفه
{وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [التوبة: 68 ]، وأخبرنا أن موقع المنافقين في النار هو دركاتها السفلى، وهي أشدها حراً، وأكثرها إيلاماً {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145] .

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 56

****** 5-

الكبر وهذه صفة يتصف بها عامة أهل النار،
قال تعالى: {وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا أُوْلَـَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [الأعراف: 36 ]. وقد عقد مسلم في (صحيحه) باباً عنون له بقوله: باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء وذكر فيه احتجاج الجنة والنار وما قالتا وما قال الله لهما، وساق فيه حديث أبي هريرة يرفعه إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وفيه أن النار قالت: ((يدخلني الجبارون والمتكبرون)) وفي رواية قالت: ((أوثرت بالمتكبرين والجبارين. وقال الله لها: أنت عذابي أعذب بك من أشاء)) . وفي (صحيحي البخاري ومسلم) و(سنن الترمذي) عن حارثة بن وهب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف، لو أقسم على الله لأبره، ألا أخبركم بأهل النار، كل عتل جواظ مستكبر )) ، وفي رواية لمسلم: (( كل جواظ زنيم متكبر )) ومصداق هذا في كتاب الله تبارك وتعالى: {أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر:60 ]، وقوله: {فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [الأحقاف: 20 ]، وقولـه: { فَأَمَّا مَن طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:37-39 ].

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 56

******

جملة الجرائم التي تدخل النارسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
ما عمل أهل النار، وما عمل أهل الجنة ؟ فأجاب: عمل أهل النار: الإشراك بالله تعالى، والتكذيب للرسل، والكفر، والحسد، والكذب ، والخيانة، والظلم، والفواحش، والغدر، وقطيعة الرحم، والجبن عن الجهاد، والبخل، واختلاف السر والعلانية، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والجزع عند المصائب، والفخر والبطر عند النعم، وترك فرائض الله، واعتداء حدوده، وانتهاك حرماته، وخوف المخلوق دون الخالق، والعمل رياءً وسمعة، ومخالفة الكتاب والسنة؛ أي: اعتقاداً وعملاً، وطاعة المخلوق في معصية الخالق، والتعصب للباطل، والاستهزاء بآيات الله ، وجحد الحق، والكتمان لما يجب إظهاره من علم وشهادة، والسحر، وعقوق الوالدين، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم ، والربا ، والفرار من الزحف ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات. وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم جماع الذنوب التي تدخل النار، ففي صحيح مسلم عن عياض بن حمار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة له طويلة: ((وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زَبْرَ له، الذين هم فيكم تبعاً لا يبتغون أهلا ولا مالاً ، والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دقّ إلا خانه، ورجل لا يصبح ولا يمسى إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك. وذكر البخل، والكذب ، والشنظير، الفحاش)) .

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 57

أشخاص بأعيانهم في النار

******

الكفار المشركون في النار لا شك في ذلك، وقد أخبرنا القرآن الكريم ، كما أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن أشخاصاً بأعيانهم في النار، فمن هؤلاء فرعون موسى، {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ} [هود: 98]. ومنهم: امرأة نوح وامرأة لوط ، {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10 ].ومنهم: أبو لهب وامرأته {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ} [المسد]. ومنهم: عمرو بن عامر الخزاعي، فقد رآه الرسول يجر أمعاءه في النار ، ومنهم الذي قتل عمار وسلبه، ففي (معجم الطبراني) بإسناد صحيح عن عمرو بن العاص وعن ابنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قاتل عمار وسالبه في النار)) .

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 59

كفرة الجن في النار

******

كفرة الجن يدخلون النار كما يدخلها كفرة الإنس، فالجن مكلفون كالإنس: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56 ]. وفي يوم القيامة يحشر الجن والإنس على حد سواء: {وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ} [الأنعام: 128 ]، { فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بِالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بِهَا صِلِيًّا} [مريم: 68-70 ] ثم يقال للكفرة منهم: {ادْخُلُواْ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُم مِّن الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ} [الأعراف: 38 ]، وعند ذلك يكبكبون في النار: {فَكُبْكِبُوا فِيهَا هُمْ وَالْغَاوُونَ وَجُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ} [الشعراء: 94-95 ]، وبذلك تتم كلمة الله القاضية بملء النار من كفرة الجن والإنس {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [هود:119] {وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ} [فصلت: 25 ].

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 60

الذين لا يخلدون في النار

******
التعريف بهم: الذين يدخلون النار ، ثم يخرجون منها هم أهل التوحيد الذين لم يشركوا بالله شيئاً ، ولكن لهم ذنوب كثيرة فاقت حسناتهم ، فخفت موازينهم ، فهؤلاء يدخلون النار مدداً يعلمها الله تبارك وتعالى ، ثم يخرجون بشفاعة الشافعين ، ويخرج الله برحمته أقواماً لم يعملوا خيراً قط .

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 61

الذنوب المتوعد عليها بالنار

******

سنذكر هنا بعض الذنوب التي جاءت النصوص مخبرة أنّ أهلها يعذبون بسببها في النار:
1- الفرق المخالفة للسنةروى أبو داود والدارمي وأحمد والحاكم وغيرهم عن معاوية بن أبي سفيان أنه قال: ألا إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فينا فقال: ((ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الملة ستفترق على ثلاث وسبعين، ثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، وهي الجماعة)) .
وهذا حديث صحيح. قال فيه الحاكم بعد سياقه لأسانيده: هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح الحديث. ووافقه الذهبي . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية فيه: هو حديث صحيح مشهور. وصححه الشاطبي في (الاعتصام)، وقد جمع الشيخ ناصر الدين الألباني طرقه وتكلم على أسانيده، وبين أنه حديث صحيح لا شك في صحته.
وقد ذهب صديق حسن خان إلى أن الزيادة التي في الحديث وهي: كلها هالكة إلا واحدة ومثلها: ثنتان وسبعون في النار زيادة ضعيفة . ونقل تضعيف ذلك عن شيخه الشوكاني ومن قبله عن ابن الوزير ومن قبله عن ابن حزم . وقد استحسن قول من قال: إن هذه الزيادة من دسيس الملاحدة ، فإن فيها التنفير عن الإسلام والتخويف من الدخول فيه. وقد رد الشيخ ناصر الدين الألباني على من ضعّف هذه الزيادة من وجهين:
الأول: أن النقد العلمي الحديثي قد دل على صحة هذه الزيادة، فلا عبرة بقول من ضعفها .
الثاني: أن الذين صححوها أكثر وأعلم من ابن حزم ، لا سيما وهو معروف عند أهل العلم بتشدده بالنقد، فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد عند عدم المخالفة، فكيف إذا خالف .
وأما ابن الوزير فإنه يرد الزيادة من جهة المعنى لا من جهة الإسناد، وقد تكلم على هذا صديق حسن خان في (يقظة أولي الاعتبار) مبيناً أن مقتضى الزيادة أن الذي يدخل الجنة من هذه الأمة قليل ، والنصوص الصحيحة الثابتة تدل على أن الداخلين من هذه الأمة الجنة كثير كثير، يبلغون نصف أهل الجنة .
والرد على هذا من عدة وجوه:
الأول: ليس معنى انقسام الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة أن يكون أكثر الأمة في النار، لأن أكثر الأمة عوام لم يدخلوا في تلك الفرق، والذين افترقوا وقعّدوا وأصّلوا مخالفين السنة قليل بالنسبة للذين جانبوا ذلك كله.
الثاني: ليس كل من خالف أهل السنة في مسألة من مسائل يعد من الفرق المخالفة للسنة، بل المراد بهم الذين تبنوا أصولاً تصيرهم فرقة مستقلة بنفسها، تركوا من أجلها كثيراً من نصوص الكتاب والسنة، كالخوارج والمعتزلة والرافضة. أما الذين يتبنون الكتاب والسنة ولا يحيدون عنهما، فإنهم إذا خالفوا في مسألة من المسائل لا يعدون فرقة من الفرق.
الثالث: الزيادة دلت على أن الفرق في النار، ولكنها لم توجب لهم الخلود في النار.
ومن المعلوم أن بعض أهل هذه الفرق كفرة خالدون في النار، كغلاة الباطنية الذين يُظِهرون الإيمان ويُبطنون الكفر كالإسماعيلية والدروز والنصيرية ونحوهم. ومنهم الذين خالفوا أهل السنة في مسائل كبيرة عظيمة، ولكنها لا تصل إلى الكفر، فهؤلاء ليس لهم وعد مطلق بدخول الجنة، ولكنهم تحت المشيئة إن شاء الله غفر لهم وإن شاء عذبهم، وقد تكون لهم أعمال صالحة عظيمة تنجيهم من النار، وقد ينجون من النار بشفاعة الشافعين، وقد يدخلون النار، ويمكثون فيها ما شاء الله أن يمكثوا، ثم يخرجون منها بشفاعة الشافعين ورحمة أرحم الراحمين.

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 61

2- الممتنعون من الهجرة

******

لا يجوز للمسلم أن يقيم في ديار الكفر إذا وجدت ديار الإسلام خاصة إذا كان مكثه في ديار الكفر يعرضه للفتنة، ولم يقبل الله الذين تخلفوا عن الهجرة، فقد أخبرنا الحق أن الملائكة تُبَكّت هذا الصنف من الناس حال الموت، ولا تعذرهم عندما يدعون أنهم كانوا مستضعفين في الأرض: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً} [النساء: 97-98]، فلم يعذر الله من هؤلاء إلا المستضعفين الذين لا يجدون حيلة للخروج، ولا يهتدون إلى الطريق الذي يوصلهم إلى ديار الإسلام.

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 64

******

3- الجائرون في الحكم أنزل الله الشريعة ليقوم الناس بالقسط، وأمر الله عباده بالعدل {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل: 90]، وفرض على الحكام والقضاة الحكم بالعدل وعدم الجور {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ} [النساء: 58 ]، وقد تهدد الحق الذين لا يحكمون بالحق بالنار، فقد روى بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((القضاة ثلاثة: واحد في الجنة، واثنان في النار، فأما الذي في الجنة: فرجل عرف الحق وقضى به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم، فهو في النار، ورجل قضى للناس على جهل، فهو في النار)) أخرجه أبو داود .

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 64

******

4- الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم عقد ابن الأثير في كتابه الكبير (جامع الأصول) فصلاً ساق فيه كثيراً من الأحاديث التي تحذر من الكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم، فمنها ما رواه البخاري ومسلم والترمذي عن على بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكذبوا علي، فإنه من كذب علي يلج النار)) .ومنها ما رواه البخاري عن سلمة بن الأكوع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من تقوّل عليّ ما لم أقل، فليتبوأ مقعده في النار)) . ومنها ما رواه البخاري في (صحيحه)، وأبو داود في (سننه) عن عبدالله بن الزبير عن أبيه الزبير بن العوام، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) . ومنها ما رواه البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن كذباً عليّ ليس ككذب على أحد، فمن كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار))

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 65

******

5- الكبر من الذنوب الكبار الكبر، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما أدخلته النار (وفي رواية) أذقته النار)) رواه مسلم .وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ، ونعله حسنا، قال: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر: بطر الحق، وغمط الناس)) رواه مسلم .

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 66

****** 6-

قاتل النفس بغير حق
قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93 ]. فلا يجوز في دين الله قتل النفس المسلمة إلا بإحدى ثلاث كما في الحديث الذي يرويه البخاري ومسلم عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله ، وأني رسول الله ، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس ، والثيب الزاني ، والمارق من الدين ، التارك للجماعة)) وفي (صحيح البخاري) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)) . قال ابن عمر: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله . وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين أن يقاتل بعضهم بعضاً ، وأخبر أن القاتل والمقتول في النار ، فعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا تواجه المسلمان بسيفيهما، فالقاتل والمقتول في النار قال: فقلت، أو قيل: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصاً على قتل صاحبه)) . ولذا فإن العبد الصالح أبى أن يقاتل أخاه، خشية أن يكون من أهل النار، فباء القاتل بإثمه وإثم أخيه: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ} [المائدة: 27 - 29].

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 66

******

7- أكلة الربا
من الذنوب التي توبق صاحبها الربا ، وقد قال الحق في الذين يأكلونه بعد أن بلغهم تحريم الله له: {وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275 ]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافًا مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 130-131 ] .وقد عده الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه واحداً من سبعة ذنوب توبق صاحبها، ففي (الصحيحين) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبع الموبقات قالوا: يا رسول الله وما هنّ؟ قال: الشرك بالله ، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم ، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات))

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 67

****** 8-

أكلة أموال الناس بالباطل

من الظلم العظيم الذي يستحق به صاحبه النار أكل أموال الناس بالباطل ، كما قال تعالى:: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً} [النساء: 29-30 ].
ومن أكل أموال الناس بالباطل أكل أموال اليتامى ظلماً، وقد خص الحق أموالهم بالذكر لضعفهم وسهولة أكل أموالهم، ولشناعة هذه الجريمة {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:10]

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 68

****** 9-

المصورون أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون
الذين يضاهئون خلق الله، ففي (الصحيحين) عن عبدالله بن مسعود، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أشدّ الناس عذاباً عند الله يوم القيامة المصورون)) .وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((كل مصور في النار، يجعل له بكل صورة صورها نفساً، فتعذبه في جهنم)) متفق عليه وعن عائشة أن الرسول صلى الله عليه وسلم: ((قال في النمرقة التي فيها تصاوير: إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)) متفق عليه .وعن عائشة أيضاً، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أشدّ الناس عذاباً الذين يضاهون بخلق الله)) متفق عليه . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال عزّ وجلّ: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي ، فليخلقوا ذرة ، أو ليخلقوا حبة ، أو ليخلقوا شعيرة)) متفق عليه

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 68

******

10 – الركون إلى الظالمين
من الأسباب التي تدخل النار الركون إلى الظالمين أعداء الله وموالاتهم: {وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود:113 ].

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 69

******

11 – الكاسيات العاريات والذين يجلدون ظهور الناس من الأصناف التي تصلى النار الفاسقات المتبرجات اللواتي يفتن عباد الله، ولا يستقمن على طاعة الله، فقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صنفان من أهل النار لم أرهما ، قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات، مميلات مائلات، رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا)) أخرجه مسلم ، والبيهقي ، وأحمد .
قال القرطبي في الذين معهم سياط كأذناب البقر: وهذه الصفة للسياط مشاهدة عندنا بالمغرب إلى الآن قال صديق حسن خان معقباً على قول القرطبي: بل هو مشاهد في كل مكان وزمان، ويزداد يوماً فيوماً عند الأمراء والأعيان ، فنعوذ بالله من جميع ما كرهه الله. أقول: ولا زلنا نرى هذا الصنف من الناس في كثير من الديار يجلدون أبشار الناس ، فتبّاً لهؤلاء وأمثالهم . والكاسيات العاريات كثيرات في زماننا، ولعله لم يسبق أن انتشرت فتنتهن كما انتشرت في زماننا، وهن على النعت الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم: كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت.

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 70

******

12- الذين يعذبون الحيوان روى مسلم في (صحيحه) عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عُرضَت عليّ النار، فرأيت فيها امرأة من بني إسرائيل تُعذّب في هرة لها، ربطتها فلم تُطعمها ولم تدعها تأكل من خشاش الأرض ، حتى ماتت جوعاً)) إذا كان هذا حال من يعذب هرة ، فكيف من يتفنن في تعذيب العباد ؟ فكيف إذا كان التعذيب للصالحين منهم بسبب إيمانهم وإسلامهم ؟

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 70

******


13 – عدم الإخلاص في طلب العلم ساق الحافظ المنذري كثيراً من الأحاديث التي ترهب من تعلّم العلم لغير الله ، منها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تعلم علماً مما يُبتغى به وجه الله عز وجل، لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضاً من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة)) يعنى ريحها. رواه أبو داود وابن ماجه، وابن حبان في (صحيحه)، والحاكم . وعن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا تخيروا به المجالس، من فعل ذلك فالنار النار)) رواه ابن ماجة، وابن حبان في (صحيحه)، والبيهقي

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 71

******

14- الذين يشربون في آنية الذهب والفضةروى البخاري ومسلم عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجر في بطنه نار جهنم)) . وفي رواية لمسلم: ((إن الذي يأكل ويشرب في آنية الفضة والذهب)). وعن حذيفة، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تلبسوا الحرير ولا الديباج، ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تأكلوا في صحافها، فإنها لهم في الدنيا، ولنا في الآخرة)) متفق عليه

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 73

******

15- الذي يقطع السدر الذي يظل الناس عن عبدالله بن حبيش قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار)) رواه أبو داود . وروى البيهقي بإسناد صحيح عن عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الذين يقطعون السدر يصبون في النار على رؤوسهم صباً))

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 73

******

16- جزاء الانتحارثبت في (الصحيحين) عن أبي هريرة رضي الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده، يتوجّأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن شرب سمّاً فقتل نفسه، فهو في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)) . وفي (صحيح البخاري) عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار))

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 73

******

كثرة أهل النار
النصوص الدالة على كثرة أهل النار

جاءت النصوص كثيرة وافرة دالة على كثرة من يدخل النار من بني آدم ، وقلة من يدخل الجنة منهم .
قال تعالى: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ} [يوسف: 103 ]، وقال: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ} [سبأ: 20 ]. وقال الحق تبارك وتعالى لإبليس: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص: 85 ] فكل من كفر فهو من أهل النار على كثرة من كفر من بني آدم.ويدلك على كثرة الكفرة المشركين الذين رفضوا دعوة الرسل أنّ النبي يأتي في يوم القيامة ومعه الرهط، وهم جماعة دون العشرة، والنبي ومعه الرجل والرجلان، بل إن بعض الأنبياء يأتي وحيداً لم يؤمن به أحد، ففي (صحيح مسلم) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((عرضت عليّ الأمم فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد)) وجاءت نصوص كثيرة تدل على أنه يدخل في النار من بني آدم تسعمائة وتسعة وتسعون من كل ألف ، وواحد فقط هو الذي يدخل الجنة . فقد روى البخاري في (صحيحه) عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، والخير في يديك، ثم يقول: أخرج بعث النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذاك حين يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد . فاشتد ذلك عليهم فقالوا: يا رسول الله، أينا ذلك الرجل ؟ قال: أبشروا، فإن من يأجوج ومأجوج ألفاً ومنكم رجل . ثم قال: والذي نفسي بيده، إني لأطمع أن تكونوا ثلث أهل الجنة. قال: فحمدنا الله وكبرنا. ثم قال: والذي نفسي بيده إني لأطمع أن تكونوا شطر أهل الجنة، إنّ مثلكم في الأمم كمثل الشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالرقمة في ذراع الحمار)) .وروى عمران بن حصين ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو في بعض أسفاره، وقد تفاوت بين أصحابه السير، رفع بهاتين الآيتين صوته: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج: 1-2 ]، فلما سمع أصحابه ذلك حثوا المطي ، وعرفوا أنه عند قول يقوله ، فلما دنوا حوله قال: أتدرون أي يوم ذاك ؟ قال: ذاك يوم يُنادى آدم عليه السلام، فيناديه ربه عز وجل، فيقول: يا آدم ابعث بعثاً إلى النار. فيقول: يا رب، وما بعث النار؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار وواحد في الجنة . قال: فأبلس أصحابه، حتى ما أوضحوا بضاحكة. فلما رأى ذلك قال: أبشروا واعملوا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء قط إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج ، ومن هلك من بني آدم وبني إبليس قال: فسري عنهم ، ثم قال: اعملوا وأبشروا ، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير أو الرقمة في ذراع الدابة)) رواه أحمد والترمذي والنسائي في كتاب التفسير في (سننهما)، وقال الترمذي: حسن صحيح وقد يقال كيف تجمع بين هذه الأحاديث وبين ما ثبت في (صحيح البخاري) عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أول من يدعى يوم القيامة آدم، فتراءى ذريته، فيقال: هذا أبوكم آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول: أخرج بعث جهنم من ذريتك، فيقول: يا رب، كم أخرج ؟ فيقول: أخرج من كل مائة تسعة وتسعين فقالوا: يا رسول الله، إذا أخذ منا من كل مائه تسعة وتسعون، فما يبقى منا؟ قال: إن أمتي في الأمم كالشعرة البيضاء في الثور الأسود))
والظاهر أن هذه الرواية لا تخالف الروايات الأخرى الصحيحة التي سقناها من قبل، فإن ذلك العدد باعتبار معين ، وهذا العدد باعتبار آخر . فالأحاديث التي تجعل النسبة تسعمائة وتسعة وتسعين يمكن تحمل على جميع ذرية أدم، وحديث البخاري الذي يجعلها تسعة وتسعين تحمل على جميع ذريته ما عدا يأجوج ومأجوج، ويقرب هذا الجمع كما يقول ابن حجر أن يأجوج ومأجوج ذكروا في حديث أبي سعيد دون حديث أبي هريرة ، ويمكن أن يقال: إن الأحاديث الأولى تتعلق بالخلق أجمعين ، فإذا جعلت نسبة من يدخل النار إلى من يدخل الجنة باعتبار الأمم جميعاً تكون النسبة، ويكون حديث البخاري الأخير مبيناً نسبة من يدخل النار من هذه الأمة دون سواها، قال ابن حجر: ويُقربه أي هذا القول قولهم في حديث أبى هريرة إذا أخذ منا، ثم قال: ويحتمل أن تقع القسمة مرتين مرة من جميع الأمم قبل هذه الأمة ، فيكون من كل ألف واحد إلى الجنة ، ومرة من هذه الأمة ، فيكون من كل ألف عشرة.

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 75

******

السر في كثرة أهل النارليس السبب في كثرة أهل النار هو عدم بلوغ الحق إلى البشر على اختلاف أزمانهم وأمكنتهم، فإن الله لا يؤاخذ العباد إذا لم تبلغهم دعوته، {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15 ]، ولذلك فإن الله أرسل في كل أمة نذيراً، {وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:24 ] . ولكن السبب وراء ذلك يعود إلى قلة الذين استجابوا للرسل وكثرة الذين كفروا بهم، وكثير من الذين استجابوا لم يكن إيمانهم خالصاً نقياً. وقد تعرض ابن رجب في كتابه (التخويف من النار) إلى السبب في قلة أهل الجنة ، وكثرة أهل النار فقال: فهذه الأحاديث وما في معناها تدل على أن أكثر بني آدم من أهل النار، وتدل أيضاً على أن أتباع الرسل قليل بالنسبة إلى غيرهم ، وغير أتباع الرسل كلهم في النار إلا من لم تبلغه الدعوة أو لم يتمكن من فهمها على ما جاء فيه من الاختلاف، والمنتسبون إلى أتباع الرسل كثير منهم من تمسك بدين منسوخ، وكتاب مبدل، وهم أيضاًَ من أهل النار كما قال تعالى: {وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ} [هود: 17] . وأما المنتسبون إلى الكتاب المحكم والشريعة المؤيدة والدين الحق فكثير منهم من أهل النار أيضاً، وهم المنافقون الذين هم في الدرك الأسفل من النار، وأما المنتسبون إليه ظاهراً وباطناً فكثير منهم فتن بالشبهات، وهم أهل البدع والضلال، وقد وردت الأحاديث على أن هذه الأمة ستفترق على بضع وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة، وكثير منها أيضاً فتن بالشهوات المحرمة المتوعد عليها بالنار وإن لم يقتض ذلك الخلود فيها فلم ينج من الوعيد بالنار، ولم يستحق الوعد المطلق بالجنة من هذه الأمة إلا فرقة واحدة، وهو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ظاهراً وباطناً، وسلم من فتنة الشهوات والشبهات، وهؤلاء قليل جداً لاسيما في الأزمان المتأخرة ولعل السبب الأعظم هو اتباع الشهوات ، ذلك أن حب الشهوات مغروس في أعماق النفس الإنسانية {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران: 14 ] . وكثير من الناس يريد الوصول إلى هذه الشهوات عن الطريق التي تهواها نفسه ويحبها قلبه، ولا يراعي في ذلك شرع الله المنزل، أضف إلى هذا تمسك الأبناء بميراث الآباء المناقض لشرع الله { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف: 23-24] . وإلف ما كان عليه الآباء وتقديسه داء ابتليت به الأمم ، لا يقل أثره عن الشهوات المغروسة في أعماق الإنسان ، إن لم يكن هو شهوة في ذاته . وقد روى الترمذي وأبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لما خلق الله النار، قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها ثم جاء، فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات، فقال: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فلما رجع، قال: وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها)). أخرجه الترمذي وأبو داود، وزاد النسائي: بعد قوله: ((اذهب فانظر إليها ، وإلى ما أعددت لأهلها فيها)) وفي (صحيحي البخاري ومسلم) عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره)). أخرجه البخاري ومسلم، ولمسلم ((حفت)) بدل: حجبت. قال صديق حسن خان: والمراد بالشهوات مرادات النفوس ومستلذاتها وأهويتها، وقال القرطبي: الشهوات كل ما يوافق النفس ويلائمها ، وتدعو إليه ، ويوافقها ، وأصل الحفاف الدائر بالشيء المحيط به ، الذي لا يتوصل إليه بعد أن يتخطى

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 80

******

أكثر من يدخل النار النساءأكثر من يدخل النار من عصاة الموحدين النساء، كما في (الصحيحين) عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم، إنه قال في خطبة الكسوف: ((أريت النار، فلم أر منظر كاليوم أفظع، ورأيت أكثر أهلها النساء)) . وفي (الصحيحين) من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((يا معشر النساء تصدقن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار فقلن: ولم ذلك يا رسول الله ؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير)) . وفي (الصحيحين) من حديث أسامة بن زيد: ((وقمت على باب النار فإذا عامة من دخلها النساء)). وفي (صحيح مسلم) عن عمران بن حصين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أقل ساكني الجنة النساء)) . وهذا لا ينافي أن كل واحد من أهل الجنة له أكثر من زوجة، فإن المراد بالنساء اللواتي هن أكثر أهل النار من كان منهن من ذرية آدم، أما زوجات أهل الجنة الكثيرات فهن من الحور العين. وإنما كان النساء أقل ساكني الجنة لما يغلب عليهن من الهوى والميل إلى عاجل زينة الدنيا، لنقصان عقولهن أن تنفذ بصائرها إلى الآخرة ، فيضعفهن عن عمل الآخرة والتأهب لها ، ولميلهن إلى الدنيا والتزين لها ، ومع ذلك هن أقوى أسباب الدنيا التي تصرف الرجال عن الآخرة ، لما فيهن من الهوى والميل لهن ، فأكثرهن معرضات عن الآخرة بأنفسهن صارفات عنها لغيرهن ، سريعات الانخداع لداعيهن من المعرضين عن الدين، عسيرات الاستجابة لمن يدعوهن إلى الآخرة، وأعمالها من المتقين. ومع ذلك ففيهن صالحات كثير، يقمن حدود الله، ويلتزمن شريعته ويطعن الله ورسوله، ويدخل منهن الجنة خلق كثير، وفيهن من يسبقن كثيراً من الرجال بإيمانهن وأعمالهن الصالحة.

الجنة والنار لعمر بن سليمان الأشقر - ص 83




عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..