عرض مشاركة واحدة
قديم 08-04-2007, 07:17 PM
المشاركة 7
الوسيط
عضو أمتعنا وجوده
  • غير متواجد
،
،
،
،
،

ومازال الحديث عن عظمة هذا الكتاب وقوة بلاغته وحسن بيانه يتجلى ذلك في بعض الحوارات التي جرت بين أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام وأقوامهم فمن ذلك قول نوح عليه السلام لابنه ( يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين ) والمتأمل لهذه الآية يجد أنها حتما تستلزم الدعوة إلى الإيمان بالله وتوحيده وترك الشرك وبيان بطلان منهج قومه وتأكيد أن الإيمان بالله هو طريق النجاة الوحيد والإشفاق على ابنه من الهلكة وكل ذلك لو ترك لبشر أن يختصره لكان في أسطر فانظر يا رعاك الله للفظ القرآن فيه في بعض كلمات

ومن ذلك أيضا قول يوسف عليه السلام لإخوته ( لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ) فبعد أن رموه في الجب صغيرا ثم حمل وبيع عبدا مملوكا وعاش بعيدا عن أبويه ثم فتن في قصر العزيز وراودته سيدته عن نفسه فأبى ثم أدخل السجن فلبث فيها بعض سنين كل ذلك الابتلاء والذي استمر سنين طويلة لم يجعل يوسف عليه السلام يقول في حق إخوته كلمة عتاب واحدة بل قال مباشرة لا تثريب عليكم اليوم أي لا عتب ولا لوم ولكنه أتى بلفظ أجمل منهما فقال لا تثريب يقول السدي رحمه الله اعتذروا إلى يوسف فقال : ( لا تثريب عليكم اليوم ) يقول : لا أذكر لكم ذنبكم ، وقال ابن إسحاق والثوري : ( لا تثريب عليكم اليوم ) أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم ( يغفر الله لكم ) أي : يستر الله عليكم فيما فعلتم ( وهو أرحم الراحمين )

ثم زادهم الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة ، ثم يأتي خطاب آخر في قصة يوسف عليه السلام وذلك عندما دخل عليه أبواه وإخوته وخروا له سجدا أي سجود انحناء لا وضع جبهة وكانت تلك تحيتهم في ذلك الزمان فقال عليه السلام ( يا أبت هذا تأويل رءياي من قبل قد جعلها ربي حقا وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن ( ولم يقل من الجب تلطفا مع إخوته لئلا يحرجهم ) وجاء بكم من البدو من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي ( ولم يقل نزغ الشيطان إخوتي كرما منه وفضلا ) إن ربي لطيف لما يشاء إنه هو العليم الحكيم )

ومن ذلك أيضا حديث موسى عليه السلام مع المرأتين عند ماء مدين فانظر يا رعاك الله إلى الحديث : ( ولما ورد ماء مدين وجد أمة من الناس يسقون ووجد من دونهما امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ) فانظر حفظك الله إلى ما يحمله النص من معنى في قول موسى عليه السلام ما خطبكما أليس يدل على اختصار للقول وحبا للمساعدة وتقديم يد العون بأدب جم فلم يطل الكلام معهما ولم يسألهما من أنتما ولا لماذا تجلسان هنا ولا غير ذلك وانظر كذلك إلى جوابهما عندما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير وكأنهما تقولان نحن لا نستطيع مزاحمة الرجال على الماء حياء منا وحفظا لأنفسنا وما سبب خروجنا هنا إلا لأن أبانا شيخ كبير لا يستطيع أن يسقي لنا ...

ومن ذلك قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع بلقيس وجوابها عندما سئلت ( قيل أهكذا عرشك قالت كأنه هو ) فانظر إلى قولها كأنه هو اختصار في الكلمات ودلالة قوية على المعنى الذي تريده وهو قول بعض المفسرين أنهم لما نكروا لها عرشها ليعلموا هل تهتدي إليه أم لا قالت كأنه هو أي شبهت عليهم هي أيضا كما شبهوا عليها ولو قالوا أهذا عرشك لقالت نعم ..

وفق الله الجميع لطاعته ومازال للحديث بقية ...

إن الأدب الحقيقي الذي يرفع قدر صاحبه هو أن يتأدب المرء مع مولاه جل وعلا ويتتبع رضاه ويبتعد عن ما يسخطه هنالك يكون أديبا ومؤدبا أما غير ذلك فلا وألف لا ...
الوسيط