هندسة استثمار العشر نراها ظاهرة في قدوتنا عليه الصلاة والسلام ..
كيف تهندس لاستثمار هذه العشر ؟
قدوتك محمد - صلى الله عليه وسلم -
اقرأ وتدبر في فعله وحاله - عليه الصلاة والسلام - وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ..
كان - صلى الله عليه وسلم - يجتهد فيها أكثـر ممّا يجتهد في غيرِهِا، وهذا شاملٌ للاجتهاد في جميع أنواع العبادات، من صلاة وقرآن وذكر وصدقة وغيرها ..
يجتهد أكثر .. الاجتهاد أصلاً موجود والجد والعمل, لكنها مواسم لا تتكرر ونفحات من أرحم الراحمين تحتاج المزيد ..
واجتهاده - صلى الله عليه وسلم - يشمل كل أنواع العبادات فلا تضيق السعة على أحد: اجتهاد في الصلاة، الصدقة، قراءة القرآن، الصلة، البذل .......
و أعظم اجتهاد يكون في عبادات القلب: خشية الله تعالى- صفاء القلب – مراقبة الله – تجريد الهموم إلا من هم واحد هو ( الله ) ..
وثبت عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه كان يخلط العشرين بصلاة ونوم, فإذا كان العشر شمّر وشد المئزر ..
هنا مشهد بل وهندسة رائعة لاستثمار هذه العشر، كان في العشرين .. نوم وصلاة وبينهما أعمال كثيرة,
لكن العشر تقتضي المزيد فكان هديه - عليه الصلاة والسلام - أنه يقل فيها نومه ليتفرغ للمزيد من الطاعات و القربات و أكمل تفرغ نراه في اعتكافه - عليه الصلاة والسلام -
حيث ينقطع عن المخلوقين لله تعالى حبا ومناجاة وتعبدا.
مع أن الناس كلهم يحتاجون إليه - عليه الصلاة والسلام - لكنه آثر هذه السنة التي فيها ترتقي الروح في مدارج الكمال,
وتسمو النفس؛ لأنها تفرغت من كل شغل لتسير بقلبها وبدنها إلى الله تعالى .
"
يتودد إلينا سبحانه وتعالى بهذا الفضل العظيم وهو الغني عن خلقه .. ألا يدعونا للمزيد؟!
ماذا تقول فيها ؟
سألت الزوجة المباركة الصديقة رضي الله عنها عائشة النبي صلى الله عليه وسلم وهي أحب زوجاته إليه
" يا رسول الله أرأيت إن علمت ليلة القدر أي ليلة ما أقول؟
قال : قولي : "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني"
الله أكبر .. وصف لها ما فيه سعادة الدنيا والآخرة وهل هناك أعظم من عفو الله تعالى ..
وبدأ الدعاء بالتضرع ( اللهم يعني يا الله),
ثم تضرع بأسمائه وصفاته ( إنك عفو تحب العفو) فاعف عني,
وإذا عفا الله عن العبد فقد طابت له دنياه وآخرته كما قال العلماء :
" الدنيا لا تطيب إلا بذكره والآخرة لا تطيب إلا بعفوه والجنة لا تطيب إلا برؤيته"
أكثر منها : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني
همسة ..
وكما تحب أن الله يعفو عنك فاعف عن خلقه وسامح من حولك فالله تعالى أكرم وأجود,
ومن عامل الخلق بالعفو والمسامحة كافئه الله بمثلها وأكثر ..
اعف لله ولا تنتظر جزاء من أحد فقد حفظ الله جزاء أهل العفو ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله) وهو سبحانه الكريم الواسع العظيم ..
وأحلى قرارات العشر بل كل الشهر .. هو أن تصفح وتعفو وابدأ ببيتك وأسرتك ومن حولك ،
ليالي تدعو للسلام والرحمة والمغفرة,
فلا تمنع عن نفسك الخيرات بمشاحنات وتقاطعات مع الآخرين ..
انتبه !
ممن يحاول أن يصادر عليك روعة ولذة هذه الليالي المباركات من النفس أو من خارجها,
خاصة ساعة الإفطار وآخر ساعة في الليل .. ( ساعتان تتضرع إليه سبحانه وتطلبه وتسأله وتناجيه وتشكو إليه ..
ساعتان ستجد أنوارها في نفسك وبيتك وعملك وحيثما كنت
فلا تبخل على نفسك بالدعاء ،
أكثر ثم أكثر فما عند الله لا تنقصه سؤالاتنا وهو الواسع العليم) .
سوارق الوقت: الأسواق استعدت لذلك والطرقات تزينت والمواقع الالكترونية تزاحمت ..
تنتظر هذه الفرصة وغيرها كثير من زملاء و مهاتفات وقراءات لا تناسب هذه العشر..
فاتخذ قرارك أن تغتنم هذه العشر..
لأنها درة ليالي العام ومن رُحم فيها فهو المرحوم .. نسأل الله من فضله,
ومن حُرم والعياذ بالله .. فتلك هي الخسارة ولا جابر لها إلا الله تعالى ..
تذكرتان ..
الأولى : ماذا حقق فيك الصيام ؟ صيام القلب، اللسان ، البصر..
هل مدرسة الصيام أكسبتك حرية من قيود ضعف الإرادة وقيود الشهوات ؟
راجع نفسك لتجد أثر الصيام بعد رحيل هذا الشهر بل في كل العام ..
الثانية : مع كل لحظة تمر من رمضان وكل ليلة تذهب ..
هي نداء لنا جميعا أننا راحلون مهما طال الوقت
وأن لحظات الأنس والمتعة أسرع انقضاء من غيرها ..
مرت سنون بالوصال و بالهنا ** فكأنها من قصرها أيام
هكذا تعامل مع الزمن أنه جسر لمرحلة بعد هذه المرحلة فخذ منها لما بعدها ..
آخر العشر
الساعات التي تسبق خروجها فأحسن وداعها,
وزد في مناجاتك واستغفارك ودعواتك,
لعلها ساعة رحمة وعتق تدركها فتكون كأنك ولدت للتو!
والسلف رحمهم الله كانوا يتبعون عباداتهم بالاستغفار حفظاً لنفوسهم من عجب أو فخر,
وأيضاً لأن الاستغفار يجبر النقص
ويجلو القلب ويزيل الهم ويزيد في الرزق ..
وقد ترحّل ... ما أصعب رحيله وفراقه لكنها سنة الله تأبى إلا رحيل هذا ونزول شهر آخر وهكذا...
في الختام وقد ترحّل الشهر, وانقضت أيامه وساعاته,
وأتى العيد, فافرح فرح المؤمنين الخاشعين: صلة وشكر وسرور وحسن ظن بالرب الكريم ,
أنه تقبل السعي وأقال العثرة وهو سبحانه عند ظن عبده به .
وخذ نفسك في العشر وفي العيد وقبلها وبعدها
بمنهج الاعتدال فهو أطيب عند الله وأصلح للنفس وأبرك للعمل,
بل وحتى في مشاعرك كن معتدلا فالتوسط هو رأس الأمور وخيرها (القصد القصد تبلغوا)