الموضوع
:
سلْسلة الدّار الآخرة -فضلْ الرّوح وماذا في القبورْ؟ ( 2 )
عرض مشاركة واحدة
08-02-2012, 03:05 AM
المشاركة
2
تاريخ الإنضمام :
Mar 2008
رقم العضوية :
17365
المشاركات:
53,311
رد: سلْسلة الدّار الآخرة -فضلْ الرّوح وماذا في القبورْ؟ ( 2 )
الابتلاء على قدر الإيمان
والآن سنتكلم على رقية المريض ووصية كل واحد فينا، فإذا مرضت فهذا خير لك، فربنا يبتلي المؤمن على قدر إيمانه، فلو كان إيمانك قوياً فابتلاؤك يكون شديداً، وكلما قوي الإيمان ازداد البلاء، لذا نجد أكثر الناس بلاءً هو سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وجميع الأنبياء عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام. فكل الأنبياء ابتلاؤهم قوي؛ لأنهم أقرب الناس إلى الله، وأخوف الناس من الله، وأشد الناس خشية من رب العباد سبحانه وتعالى، فتجد ابتلاءهم شديداً قوياً، والسيدة عائشة تقول: وارأساه -أي: عندي صداع- فقال رسول الله: (
وارأساه أنا أيضاً يا عائشة ، فقالت: أتمرض أنت يا رسول الله؟!) أي: كانت حديثة عهد بالزواج، فتظن أنه لا يمرض؛ لأنه رسول الله، فقالت: وأنت أيضاً تمرض؟ فقال: (إني أوعك كما يوعك رجلان من أمتي
) يعني: أنه يضاعف عليه الألم صلى الله عليه وسلم؛ من أجل أن يضاعف له الأجر. وقال الله عن نساء النبي:
يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ
[الأحزاب:32]، ثم حذرهن من الإتيان بالفاحشة:
يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ
[الأحزاب:30]؛ لأنهن زوجات رسول الله، فما بالك برسول الله صلى الله عليه وسلم، فربنا يزيد عليه الابتلاء من أجل أن يزيد له الأجر عنده عز وجل. وموت الفجأة الذي يكون بدون مرض هو أحد حالتين: راحة للمؤمن، وحسرة على الفاجر. اللهم اجعلنا من المؤمنين يا رب. فخير العباد من طال عمره وحسن عمله، وشر العباد من طال عمره وساء عمله، ولما تأتي تميز أهل الحق وأهل الباطل يوم القيامة فإنك تجد أهل الحق قلة، مثل: أبي بكر و عمر و عثمان و علي والصحابة والتابعين و أبي حنيفة و مالك والإمام الغزالي و ابن تيمية و ابن قيم الجوزية و الجنيد وطائفة من الكبار والعظماء. وتجد طائفة كثيرة من الفسقة مثل: فرعون و هامان و قارون و أمية بن خلف و أبو جهل ، فأين هؤلاء أين وأين هؤلاء، و أبو جهل كان ينظر إلى ابن مسعود ويعتبره راعي غنم، وكان يقول له: يا رويعي الغنم. وكان أمية بن خلف ينظر إلى بلال بن رباح على أنه عبد حبشي، لكن هذا العبد بالإسلام يطأ الكعبة المشرفة بكعبه الأسود ليؤذن فوقها، فالإسلام يعز أناساً ويذل آخرين. اللهم أعزنا بطاعتك ولا تذلنا بمعصيتك يا رب العالمين. لذلك قال ربنا لنا:
وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
[آل عمران:139]، ولا تظن أن أمريكا أعلى أو أن أوروبا أعلى، أنا لا أرى الأمريكان إلا حيوانات سائمة، ولا أرى الأوروبيين إلا خنازير سائمة في الأرض، فهم متقدمون ونحن مقصرون، فهنا ربنا يحاسبنا على قلة أعمالنا الدنيوية التي تعود بالفائدة على المسلمين، لكن رغم ذلك لا أرى الأمريكي غير المؤمن بالله إلا إنساناً نجساً، والأوروبي نفس القضية، فتجد أحدهم طول الأسبوع وهو يجري على الرصيف، ويجري في المواصلات، ويجري إلى العمل وهو متعب، ويرجع في الليل فينام ويصبح في اليوم الثاني يعمل مثل اليوم السابق، فتراه يسابق الزمن ويطلع فوق الجبال ويتزحلق، ويلعب الرياضة العنيفة، وحياته منتهية على هذه الصورة، وكل آماله محددة؛ لأن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر. وأما أنت فمسجون في الدنيا فتمنع نفسك من أشياء لا يحبها الله ولا رسوله، ويوم القيامة عند الله يكون الجزاء. اللهم أحسن خاتمتنا يا رب على الإسلام. فإذا مرض العبد فإنه يضاعف ثوابه، وتعال هنا نعيش مع رسول الله في اللحظات الأخيرة، ونرى الوصية التي أوصى بها، ونرى أبا بكر أيضاً، ثم نذكر الوصية التي نحب اليوم أن نتكلم فيها إن شاء الله، ونذكر بعد ذلك زيارة ملك الموت للمسلم وللمسلمة، عسى رب العباد أن يختم لنا ولكم بالإسلام.
مرض رسول الله ثم موته
لقد اشتد على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الألم في أواخر أيامه، ولم يستطع أن يخرج للصلاة بالمسلمين، حتى إنهم كانوا يسندونه فتخط قدماه على الأرض، وهذا دليل على أن رجليه تثقله ولا يقدر على رفعهما صلى الله عليه وسلم، وهذا نوع من الألم. وبعض الناس يقول لك: أنا مريض منذ خمس عشرة سنة، وأنا أقول يا رب وما زلت كما أنا، فنقول: هل أنت أشرف عند الله من رسول الله؟ ثم قال رسول الله: (
مروا أبا بكر فليصل بالناس
)، فقالت السيدة عائشة : (
إن أبا بكر رجل أسيف
)، أي: رقيق القلب، (فإن قام فلن يسمع الناس من كثرة البكاء، فقال رسول الله: مروا أبا بكر فليصل بالناس)، فالسيدة عائشة أعادت نفس الكلام، (
إن أبا بكر رجل أسيف
)، فقال رسول الله: (
مروا أبا بكر فليصل بالناس، إنكن أنتنَّ صواحب يوسف
)، فالرسول إذا أمر بأمر فإننا نقول: سمعاً وطاعةً يا رسول الله! وهذا لا يعني أن الرجل لا يأخذ بمشورة زوجته إذا كانت صائبة، فالرسول لم يأخذ بكلام السيدة عائشة ؛ لأنها لم تصب في كلامها، وأمْر الرسول غير أمرك أنت. فامرأتك لو تحب أن تناقشك فناقشها، وأنزلها منزلتها، والمرأة في كثير من أمورها تقدم العاطفة على العقل، فطبيعتها وتركيبها هكذا، فتجدها تبكي من غير حاجة أحياناً، إذاً فالحنان الذي عندها لابنها لما تقوم له في الساعة الثالثة في الليل جاء من العاطفة، وأنت يمكن تتضايق من الولد إذا بكى ثلاث دقائق فقط، وأما هي فربنا وضع فيها هذا الحنان، وسوف يجزل لها العطاء إن هي صبرت، ولذلك ذهبت إحدى النساء إلى الرسول فقالت: يا رسول الله لقد أخذ الرجال الثواب كله، يصلون معك، ويذهبون يحاربون، ويحجون معك، ونحن قاعدات في البيوت نربي العيال، وننظف البيوت، ونعمل الأكل، وتغسل اللبس، ألا لنا من خير؟ انظر المرأة الناصحة تبحث عما يقربها إلى الله. فقال لها: (
حسن تبعل إحداكن لزوجها يعدل ذلك كله
) أي: طاعتها للزوج، وأدبها مع الزوج، وانخفاض صوتها مع الزوج، ورضاها بالزوج، كل هذا يعدل الحج والجهاد والخروج مع رسول الله. قال: (
وقليل منكن من تصنعه
)، وصدق رسول الله، فطالما المرأة عرفت طريق المسجد فانتظر منها خيراً، فلو أتيت بها إلى الجامع وتسمع له كلمتين فذلك خير لها ولك. فذهب الرجل يبحث عن أبي بكر فلم يجده ووجد عمر ، فقال: يا عمر ! قال له: نعم، قال: صل بالناس، فسيدنا عمر رأى رجلاً خارجاً من غرفة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول له: صل بالناس، إذاً فالأمر هذا جاء من الداخل، فصلى بالناس صلاة المغرب وصوته عال، فقال رسول الله: (
صوت من هذا؟ فقالوا: هذا عمر يا رسول الله، قال: يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون، لا يقدم أحد على أبي بكر
). فسيدنا عمر سمع هذا الكلام بعد الصلاة فارتعب، فدخل على رسول الله وقال: هذا الرجل هو الذي قال لي، فقال الرجل: لم أجد أبا بكر، ولم أجد أولى بالصلاة بعد أبي بكر من عمر ، وهكذا ترتيبهم فـأبو بكر مكان سيدنا رسول الله يصلي بالناس، و عمر يصلي مكان أبي بكر، ويمشي هذا الترتيب حتى في العشرة المبشرين بالجنة، فـأبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، وهؤلاء هم الخلفاء الأربعة الراشدون بنص الحديث. فـأبو بكر صلى بالناس سبعة عشر فرضاً، أي: صلى بهم ثلاثة أيام وفرضين، إذا فالرسول لم يصل بالناس الأيام الثلاثة الأخيرة، وفي يوم الإثنين الثاني عشر من ربيع الأول وهو اليوم الذي ولد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلى أبو بكر بالناس صلاة الصبح، وهذا كان الفرض السابع عشر، ودخل يعود رسول الله وهو مريض صلى الله عليه وسلم، فوجد سيدنا أبو بكر الحبيب المصطفى صحته جيدة وهو قاعد، وقد كان لا يقدر على القعود، فـأبو بكر استبشر خيراً وفرح، وكان في صلاة العشاء التي قبلها قد نادى العباس و الفضل بن العباس فاستند عليهما وخرج إلى المسجد فوجد المسجد مليئاً بالناس، فمن فرحته نسي الألم صلى الله عليه وسلم وذهب يدخل في الصلاة، فصفق الناس لـأبي بكر من أجل أن ينتبه لرسول الله، وأنت عندما تقعد في الروضة الشريفة أمام قبلة سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم ستجد القبر الشريف على شمالك، وقد كان المكان هذا عند الحاجز الألمنيوم الذي وضعوه، فقبله بمتر بالضبط هذا هو المتر الذي كان يطلع منه سيدنا الحبيب على القبلة، فكان سيدنا الحبيب يخرج وهو يمشي أمام المسلمين، يعني أمام أول صف فيخرج من الغرفة ويقعد في القبلة، فلما خرج رآه الصحابة، لأنه يمشي أمامهم، وأما أبو بكر فلم يره لأنه يصلي، فسيدنا أبو بكر أول ما حس أن هناك شيئاً التفت فلمح سيدنا رسول الله، فأراد أن يتأخر، فإذا بالرسول يقدمه مرة أخرى، والرسول صلى مأموماً خلف اثنين: خلف جبريل، وخلف أبي بكر . فقد صلى خلف جبريل عندما كان يعلمه مواقيت الصلاة، فلما فرضت الصلاة كان سيدنا جبريل ينزل ساعة أذان الفجر فيصلي به ركعتين، ويقول له: هذا الصبح، وقبل شروق الشمس بلحظات يصلي به ركعتين، ويقول له: هذا وقت الصبح. وجاء في وقت الظهر فصلى به الظهر، وقال له: هذا وقت الظهر، فهذا أول الوقت وهذا آخر الوقت، ثم العصر وجميع الصلوات يصلي به، فقد كان يصلي بالرسول مرتين كل فرض حتى تعلم رسول الله الصلاة صلى الله عليه وسلم، فصلى مأموماً متعلماً خلف جبريل، وصلى مأموماً خلف أبي بكر ؛ كي تظهر مكانة أبي بكر عند رسول الله وعند الله عز وجل. رضي الله عن أبي بكر ، اللهم احشرنا في زمرة الصالحين يوم القيامة يا رب العالمين
وصية رسول الله لأبي بكر
فسيدنا أبو بكر لما دخل وجد سيدنا رسول الله صحته جيدة، وكان قاعداً يتكلم مع من حوله، فقال له: يا رسول الله أنت اليوم صحتك جيدة، أتأذن لي أن أذهب إلى أسماء بنت عميس خارج المدينة؟ قال له: تفضل يا أبا بكر ، واستأذن عمر فدخل، فقال: يا رسول الله ورائي تجارة أتأذن لي؟ قال: تفضل، ففرق رسول الله الصحابة لحكمة يعلمها الله، وذلك من أجل أن الله تعالى يخلي المكان من كل المحيطين برسول الله ليخلو المكان لملائكة الرحمن، وقال أبو بكر لرسول الله قبل أن يخرج: أتريد أن توصيني بشيء يا رسول الله؟ فقال له: (
يا أبا بكر إذا أنا مت فليغسلني رجال من أهل بيتي، ثم ادفنوني في المكان الذي مت فيه، وكفنوني في الثوب الذي ألبسه؛ فإن الحي أولى بالجديد من الميت
). فانظر إلى تواضع سيدنا رسول الله، (
الحي أولى بالجديد من الميت
)، ثم قال: (
يا أبا بكر إذا خرجت الروح فادخلوا علي زرافات ووحدانا
)، لأن الكل لا يستطيعون أن يصلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الجنازة، فادخلوا مجموعات مجموعات أو فرادى فرادى، (
ولا تطروني
) لا تمدحوني، وهذا يدل على أن حفلات التأبين حرام، والله أعلم بمن اتقاه، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهل التقوى. (
لا تطروني ولا تعظموني، ثم خلوا بين دفني وبين صلاتكم ساعة
) يعني: بعدما تصلون عليّ صلاة الجنازة اتركوني قبل الدفن قدر ساعة، والساعة هذه هي مدة من الزمن، وهي عند الصحابة قدر ذبح الجزور وتوزيع لحمها، فالسؤال الوحيد الذي سأله أبو بكر: لماذا يا رسول الله؟! فقال: (
لأن الله وعدني أن يصلي علي هو بنفسه
!). قال الله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا
[الأحزاب:56]. صلى الإله ومن يحف بعرشه والطيبون على النبي محمدِ فخرج سيدنا أبو بكر ، وخرج سيدنا عمر ، وخرج سيدنا عثمان ، ومشى سيدنا علي بعد قليل، فقال رسول الله: (
يا عائشة يا فاطمة اخرجا، فقالا: لماذا يا رسول الله؟ قال: إن ملك الموت يستأذن
)، فتخيل أنت ملك الموت يستأذن على سيدنا الحبيب وعنده فاطمة و عائشة ، ما هو شعور السيدة فاطمة والسيدة عائشة في ذلك الوقت؟!! ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (
من أصيب بمصيبة فليتعزى بمصيبته فيّ
) يعني: أننا أصبنا بمصيبة كبيرة جداً بموت الرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ترك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن والسنة، وقد تكفل الله بحفظهما، فهذا القرآن أوامره وأحكامه باقية، فهو كتاب أنزله الله على قلب رسوله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالله قد تكفل بحفظه وحفظ سنة حبيبه، فإذا تمسكنا بهما فلن نضل أبداً. اللهم اجعلنا من العاملين بهما يا رب العالمين. فخرجت السيدة عائشة والسيدة فاطمة ، ثم قال ملك الموت: يا رسول الله! والله ما استأذنت على أحد أبداً إلا أن الله أمرني أن أستأذن عليك، قال: دعني حتى أكلم جبريل، فقال جبريل: نعم يا رسول الله، فقال له: (
يا جبريل من لأمتي من بعدي؟
). فهذا أهم شيء كان يهم حبيب الله، حتى إنه قال: (
لن يحن عليكم بعدي إلا الرحماء
)، فلا أحد سيحن عليكم إلا من كان يعرف ربنا ويتخلق بأخلاق الله، اللهم اجعلنا من الرحماء. فقال الله: (
يا جبريل نبئ محمداً أننا لن نسوءه في أمته أبداً، وسوف نرضيه فيهم، فقال رسول الله: يسوؤني يا جبريل واحد منهم يعذب في النار، قال: بشر محمداً أن كل من قال: لا إله إلا الله فلن يخلد في النار
). اللهم اجعلنا من أهل لا إله إلا الله، أحينا عليها، وأمتنا عليها، وابعثنا عليها آمنين مطمئنين يا رب العالمين. وبعد لحظات نادى على فاطمة وعلى عائشة فرأى فاطمة في حالة ذهول وكرب شديد، فقالت: (
واكرباه عليك اليوم يا أبتاه! قال: يا فاطمة لا كرب على أبيك بعد اليوم
) أي: انتهى العناء والتعب، فقد قضى ثلاثاً وعشرين سنة وهو يدعو قومه، وقد وقف ذات يوم عند جبل أبي قيس وقال: (
يا معشر قريش أولو أخبرتكم أن خيلاً خلف هذا الجبل تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، فما جربنا عليك كذباً فأنت الصادق الأمين، فقال: فإني رسول الله إليكم جميعاً، والله لتموتن مثلما تنامون، ولتبعثن مثلما تستيقظون، وإن ربكم لواحد لا إله إلا الله، وأنا رسول الله إليكم
).
فكذبوه وكانوا يضعوا أمامه القاذورات وعلى عتبته، وكانوا يضعون سلا الجزور على ظهره، وكانوا يذلون أصحابه ويجرونهم على الرمضاء ويعذبونهم، ثم جعلوه يترك مكة بعد ثلاث عشرة سنة من الدعوة، فذهب إلى المدينة وأصحابه هاجروا إلى الحبشة، ثم حاربوه وقاتلوه في غزوات متواصلة لم يسترح فيها قط. قال لها: (
لا كرب على أبيك بعد اليوم، لقد خيرني جبريل بين الخلود في الدنيا وجوار الرفيق الأعلى، فاخترت جوار الرفيق الأعلى، يا فاطمة الصلاة الصلاة، فلا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى بل الرفيق الأعلى. ثم همس في أذن فاطمة كلمة فبكت، ثم همس في أذنها كلمة فابتسمت
)، فلما سئلت بعد كذا قال لها: إن ملك الموت سينزل الآن من أجل أن يقبض روحي فبكت، ثم قال لها: وأنت أول من سيلحق بي من أهلي فابتسمت، وبعد ستة أشهر كانت فاطمة مع أبيها في جنات عدن. اللهم أوصلنا بهم، واحشرنا في زمرتهم يا رب العالمين.
صبر أبي بكر بعد موت النبي
وبعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم حصلت ضجة في المدينة كلها، فانتشر الخبر انتشار النار في الهشيم، فبدأ الصحابة يتجمعون، فـعمر بن الخطاب لم يتمالك نفسه فقال: لا، لقد ذهب ليلقى ربه، كما لقي موسى ربه وسوف يعود، ومن قال: إن محمداً قد مات لأفصلن عنقه عن جسده. وكان سيدنا عثمان بن عفان مثل التائه يؤخذ من يده فيجر ويؤخذ يميناً وشمالاً، فقد حصل عنده ذهول، وقعد علي بن أبي طالب على الأرض ولم يستطع أن يقف على قدميه، فما تمالك من الصحابة إلا أبو بكر ، وقد كان حب أبي بكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم شديداً ورغم ذلك تمالك نفسه، وذلك لأن رصيد الإيمان الذي عند أبي بكر كان عظيماً، فقام وخطب الناس وقال:
أيها الناس من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِينْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ
[آل عمران:144]. قال سيدنا عمر : وكأني أسمع هذه الآية لأول مرة، فهدأ أبو بكر الصحابة، ثم دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكشف عن وجهه الشريف وقبل جبينه، وقال: طبت حياً وميتاً يا رسول الله، وانقطع لموتك ما لم ينقطع بأحد من الرسل من قبلك. يعني: أن الأنبياء والرسل كانوا إذا مات الواحد منهم كان جبريل ينزل مرة أخرى بعده إلى الأرض، وجبريل عندما دخل على سيدنا الحبيب في آخر حياته قال له: لن يسوؤك ربنا في أمتك، وبكى جبريل، فقال: لماذا تبكي يا جبريل؟! قال: هذه آخر مرة أنزل فيها إلى الأرض، على من أنزل بعدك يا رسول الله؟ فقد انقطع الوحي وتمت الرسالة، واكتمل الكتاب، وأكمل الله الدين، وأتم النعمة، وقضي الأمر. فهذا معنى: وانقطع لموتك ما لم ينقطع لموت أحد من النبيين من قبلك. وقال سيدنا علي : كنت أمشي ذات مرة بالليل في ثاني يوم انتقل فيه الرسول للرفيق الأعلى، فوجدت عمر قاعداً إلى جنب القبر الشريف ويبكي ويقول: يا رسول الله! لو آكلت كفؤاً لك ما آكلتنا، ولو جالست كفؤاً لك ما جالستنا، ولو تزوجت كفؤاً لك ما تزوجت منا، ولكن تواضعاً منك جالستنا وآكلتنا وجلست معنا، والله ما أحد أشرف على الله عز وجل منك يا رسول الله! فانظر إلى حب الصحابة للرسول كان كيف؟ وانظر أيضاً إلى هذه الدرجة العظيمة للرسول صلى الله عليه وسلم.
عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ،
وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك
الأصدقاءْ ..
وعظـَـمة ثرائك
تخلقُ
لك الْمنافقونْ
..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..
اللّهم أغفر "
لأم عبدالعزيز
" واسكنها جنات الفردوس الأعلى
واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
رد مع الإقتباس