عرض مشاركة واحدة
قديم 06-07-2012, 08:31 PM
المشاركة 220
الجفووول
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
Ehdht رد: فيض من الخاطر نبض شعر وشعور








الإنصاف عزيز.. والعدل مطلب
د. محمد بن شديد البشري


يعيش العالم اليوم وكأنه اختزل في قرية واحدة، وتعيش الحواضر اليوم وكأنها في حارة، واحدة ويعيش مجتمعنا اليوم وكأنه في بيت واحد. واقع فرضه علينا عصر التقانة والإنترنت، وألزمتنا إياه القنوات الفضائية متعددة المشارب. قرب البعيد وظهر المخفي والمستور. وأصبح الصغير يعرف الخوافي قبل الكبير.

هذا الاجتياح الفضائي، وهذا الغزو النتي يبدو أنه فاجأنا ولم يدعنا نلتقط أنفاسنا، ونراجع مناهج تفكيرنا حتى نتعاطى مع هذا القادم المرعب بروية وموضوعية.

تصورت هذا الواقع المعيش، وتذكّرت مقولة ذهبية ذكرها الإمام الذهبي مراراً في كتابه الموسوعي سير أعلام النبلاء وهي قوله: (الإنصاف عزيز)، فماذا نقول نحن هذه الأيام ونحن نرى ونقرأ ونسمع أحكاماً تكاد تكون قطعية على أناس أبرياء ذنبهم أنهم عملوا وغيرهم لم يعمل واجتهدوا وغيرهم لم يجتهد ومن لا يعمل لا يخطئ كما يُقال ومن لا يخطئ لا يصيب. أو ذنبهم أن كلامهم حرّف أو قطع كقطع آية (ويل للمصلين) أو ذنبهم أن فسّر كلامهم أو تصرّفهم حاقد أو حاسد، أو مفتون.

رأينا أناساً همهم تتبع زلاّت هذا وهنّات ذاك، وسمعنا أناساً شهوة الحديث لا تفارقهم وحب نقل الأخبار وتلقيها وتلقفها ديدنهم.

كثير من ناقلي الأخبار ومطلقي الأحكام حينما تناقشهم أو تحاورهم حجتهم داحضة، ودليلهم القاطع الذي يتمسكون به عبارة (يقولون).

يغيب منهج التثبّت أحياناً، وينسى قانون العدل مراراً، ويغيب مفهوم الإنصاف كثيراً، وما أقل المنصفين، وما أكثر مبتعي الهوى وما أكثر من تغويه بنيّات الطريق.

يقول الإمام الشعبي وكأنه يعيش عصر الساحات، ويقرأ لبعض كتّاب الأعمدة الصحفية الذين لا يروم إلا ما يرون: والله لو أصبت تسعاً وتسعين مرة وأخطأت مرة واحدة لعدوا علي خطئي.

يأتي عدم الإنصاف حينما تغيب الموضوعية وحينما يغلب الهوى وتطيش العاطفة فترى البعض ينسى أو يتناسى أن مشارب الناس شتّى ومناهج تفكيرهم متعددة، بل إن البعض يريد من الناس أن يكونوا نسخة منه، أو يعتقد أن رأيه صواب قطعي ورأي غيره خطأ محض، والأدهى والأمر أننا أحياناً نقرأ أو نسمع لأناس يحاكمون الناس ويصنفونهم حسب ما يعتقدون هم وحسب ما يرون هم. فهم كالمفتين تارة وكالحاجرين على العقول تارة أخرى.

الإنصاف عزيز، والعدل نادر إلا من رحمه ربي، ورزقه العقل والأناة، وأبعده عن الهوى، والتعصب.

العدل والإنصاف مطلوبان حتى مع الخصوم فهذا حاتم الأصم يقول ثلاث أظهر بها على خصمي أفرح إذا أصاب وأحزن إذا أخطأ وأحفظ نفسي كي لا تتجاهل عليه، فنحن أمة العدل والإنصاف، وربنا يقول في كتابه العزيز لنبيه داود: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى}.

أما ترون أننا أحياناً نحكم في اليوم عشرات المرات على أبرياء أتقياء وحجتنا واهية ومصادرنا غير موثوقة، ثم ألا ترون أننا أحياناً نكون في أحكامنا السريعة مثل أحكام جماهير الكرة لديهم القدرة على الكلام، وليس لديهم القدرة على العمل، أو حتى أن يسدوا المكان الذي سدوا.

أعتقد أننا بحاجة إلى تعويد أنفسنا على الإنصاف وتدريب أبنائنا على الموضوعية، كما أننا بحاجة ماسة إلى تضمين مناهجنا التعليمية والتربوية مضامين ومواقف تدرب على الإنصاف والعدل وتنمي مهارات التفكير التي تدعو إليهما، فنحن نعيش في عصر يغيب عن معظم أحداثه الإنصاف، ويفقد عن مجمل أحكامه اللفظية العدل والموضوعية، لأن الخبر كما يقال ببلاش.

- عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود