عرض مشاركة واحدة
قديم 22-12-2012, 12:10 AM
المشاركة 3

  • غير متواجد
رد: سلْسلة الدّار الآخرة -الجنة والنار ( 18)







مقدمة عن الجنة والنار من السنة

دخول الجنة بالمكارة ودخول النار بالشهوات
قال صلى الله عليه وسلم: (حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات).
وقال صلى الله عليه وسلم: (خلق الله الجنة وقال: يا جبريل! اطلع عليها اطلاعة، فرأى سيدنا جبريل الجنة وما فيها من نعيم فعاد منشرحاً فقال: وعزتك وجلالك ما سمع أحد عنها إلا ودخلها، ما أظن أن أحداً لن يدخلها) فهذا نعيم
ما بعده نعيم، وكلٌ سيعمل حتى يرى ذلك.
قال صلى الله عليه وسلم: (فأحاطها الله بالمكاره) فمن المكارة أن تأتي الجامع في الحر، وتقوم لصلاة الفجر، وتقوم بالليل، وتصوم بالنهار، وتتحمل الظلم والأرق، وتتحمل زوجتك سليطة اللسان، والزوجة الطيبة تتحمل زوجها، وكذلك الصبر وعدم الشتيمة، ولا ترد على السيئ بالسيئ، فكل هذه مكاره يصعب جداً تحملها.
فقال: (اذهب فانظر إليها، فعاد جبريل فقال: ما أظن أحداً سوف يدخلها) لأن فيها مكاره كثيرة، فكيف ترجع الحقوق لأهلها، وكيف يعبد الله حق عبادته، وكيف يتقى الله حق تقاته، وكيف يكون الرجل مؤمناً صادقاً، وكيف لا يحمل في
قلبه كبراً ولا حقداً على مسلم؟! فالمسألة صعبة.
قال: (ولما خلق الله النار، قال: يا جبريل! اطلع عليها اطلاعة، فعاد جبريل مرعوباً وقال: وعزتك وجلالتك ما سمع
أحد عن عذابها إلا وعمل من أجل عدم دخولها
) أي: ليس من الممكن أن يدخلها أحد.
قال صلى الله عليه وسلم: (فأحاطها الله بالشهوات) بنظرة، وكلمة، وأغنية، ورقصة، وهذه جلسة، وهذا مال جاء بطريقة غير مشروعة، وهذه ليست رشوة هذه إكرامية، وهذه تفتيح مخ، وهذه ترشيد حال، وهذه ليست خمراً
بل تنظف الكلى، سبحان الله! وكلها شهوات.
قال صلى الله عليه وسلم: (فعاد سيدنا جبريل وقال: ما أظن أن أحداً سوف ينجو منها).
فحفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات.

الحث على الإدلاج في الليل لبلوغ الجنة
النص الثاني: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إن سلعة الله غالية، إلا إن سلعة الله الجنة).
والإدلاج: السفر ليلاً، فالعرب قديماً عندما كانوا يريدون السفر لا يسافرون في عز النهار؛
لأن الشمس حارة في الصحراء، فكان الرجل يسافر بعد غياب الشمس، فيقوم بالليل قبل الصباح ويسري ليلاً،
فعندما يسمع الصوت يكون قد قطع مسافة، وناقته أو جمله أو دابته ارتاحت فأول ما يطلع الصبح والشمس
تشرق، ينصب الخيمة ويرتاح، وهذا اسمه في اللغة العربية الإدلاج.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (من خاف أدلج)، أي: اشتغل بالليل، ولم يكتب شكاوي، ولم يتسلط
على الناس، ولم يسهر أمام التلفزيون، ويسمع المذياع الساعة الواحدة والنصف تقول: الآن تبدأ السهرة،
يا سبحان الله! فمتى سننام إن شاء الله؟!
فالمصيبة أن الناس صيروا الليل نهاراً والنهار ليلاً، فبعض الناس لا يطيب لهم السمر إلا من بعد الساعة
الثانية عشرة.
قال صلى الله عليه وسلم: (ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة)
يعني: أنك إذا أردت أن تشتري الجنة، فاتعب قليلاً.

ذكر احتجاج الجنة والنار
النص الثالث: (تحاجت الجنة والنار) يعني: حدث بينهما جدال، وكل واحدة تأتي بحجة.
(قالت النار: أوثرت بالمتكبرين والجبارين، وقالت الجنة: لا يدخلني إلا الضعفاء والمساكين، فقال الله عز وجل: يا ناري! أنت عذابي أعذب بك من أشاء، وأنت يا جنتي! رحمتي ونعيمي أرحم وأنعم بك من أشاء).
فالنار تقول: سيدخلني الجبارون، قال تعالى: أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ [ق:24].
والمتكبرون هم أصحاب الكبر من سلالة فرعون، فلا يزكي أحد نفسه، فربنا يعلم المحسن من المسيء، فأنت
لا تقل عن نفسك أي شيء، نسأل الله أن يرفع الكبر عن قلوبنا.
والجبار: الذي يعطيه ماله أو جاهه سطوة يتجبر بها على الخلق، والكبر صفة من صفات الله عز وجل، بل لا يتصف
بها أحد من خلقه إلا ويجندل في نار جهنم، والعياذ بالله رب العالمين.
وقالت الجنة: (أنا لا يدخلني إلا الضعفاء والمساكين) وليس معنى هذا: أن الإسلام مع الضعف والمسكنة، فأنت
من الممكن أن تكون غنياً وذا جاه، ولكنك ضعيف في نفسك، وضعيف ذليل مع المسلم، وليس معنى الضعف هنا: الخضوع والتذلل، لكن الضعف هنا هو التواضع واللين والرضا بالقليل، والمسكين في نفسه، وليس المسكنة المتصنعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم أحيني مسكيناً، وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين).
فالمسكنة نوعان: مسكنة القلب لله، وهذا هو المقصود، ومسكنة المسكين الطبيعي الذي لا يجد ما يأكل.
ولكن إياك أن تكون مسكيناً ومتكبراً على الناس.

الأعمال بالخواتيم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إن أحدكم ليجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يرسل الملك الموكل بالأرواح فيكتب أربع كلمات:
رزقه، وعمره، وشقاوته، وسعادته، فوالذي نفسي بيده إن أحدكم ليعمل بعمل أهل
الجنة فيما يبدو للناس، حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار،
فيكون من أهلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس حتى لا يكون بينه وبينها إلا ذراع،
فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيكون من أهلها فيدخلها، فإنما الأعمال بخواتيمها
)
اللهم أحسن خاتمتنا في الأمور كلها يا رب العالمين! وهذا الحديث مهم، وأنا أريد أن تضعوا تحت كلمة
(فيما يبدو للناس) سبعمائة خط.
فبعض الناس يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس، فيكون أمام الناس على الصلاح والتقوى،
ولكن لا تخفى على الله خافية، والأعمال بخواتيمها، فلو أنت تصلي، وأنت في التشهد الأخير وتقول:
إنك حميد مجيـد ولم تكمل الكلمة فأحدثت، بحيث طلعت ريح، فالصلاة باطلة، لأن الأعمال بخواتيمها.
ولو صمت طوال اليوم وفي الساعة السابعة إلا دقيقتين أكلت، -هذا إن لم تكن ناسياً- ضاع يومك.
إذاً: الأعمال بخواتيمها.

دعاء الجنة والنار للمؤمنين
قال صلى الله عليه وسلم: (من استجار من النار سبع مرات، قالت النار: إن عبدك فلاناً استجار بك مني، اللهم أجره) فالنار تؤمن على دعائك، وبالذات بعد صلاة الصبح وبعد صلاة المغرب.
(ومن سأل الله الجنة سبع مرات، قالت الجنة: إن عبدك فلاناً سألك إياي، فأدخله إياي).
وهذا سيدنا بلال رضي الله عنه كان حفظه محدوداً، وسيدنا معاذ بن جبل كان من علماء الصحابة، وهو الذي سيحمل راية العلماء يوم القيامة.
فقال بلال : (يا رسول الله! إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ بن جبل)..
فسمى الدعاء والذكر دندنة، وليس معناه: أنك تدندن بالمجون، وإنما كانوا يدندنون بذكر الله، قال تعالى:
أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28].
ذكر في زمن الصحابة أن عبد الله بن رواحة كان يمسك ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدو للناقة ..
ويقول لها: اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا هل هذا غناء؟! ويقولون لك الآن: كان يغني.
فسبحان الله العظيم! فالصحابي الجليل بلال رضي الله عنه يقول للرسول صلى الله عليه وسلم:
(لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ بن جبل).
أي: يا رسول الله! أنت عندما تلبس تدعو دعاءً، وعندما تقف أمام المرآة تدعو دعاءً، وتسجد وتدعو دعاء، وتسلم
على مسافر فيدعو دعاءً وأنت تدعو دعاءً، فأنا لا أحسن كل هذا الكلام.
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (ماذا تقول يا بلال؟! فقال: أقول: اللهم إني أسألك رضاك والجنة، وأعوذ بك
من سخطك والنار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: حولهما ندندن
!)، أي: كل الكلام الذي نقوله حول كلامك هذا، فأنت عندما تطلب رضا الله والجنة، وتبعد عن سخطه والنار، فماذا تريد بعد ذلك؟! فعليكم بجوامع الكلم.
دخل النبي الحبيب صلى الله عليه وسلم على السيدة جويرية بنت الحارث وهي جالسة..
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الصبح ويجلس في مصلاه حتى تطلع الشمس، وبعد نصف ساعة يصلي الضحى، ويرى إن كان أحداً رأى رؤيا أو كذا، وبعد ذلك يدخل البيت، فوجد السيدة جويرية بنت الحارث عندها كوم نواة من بلح، وكانت تقول: سبحان الله، سبحان الله، وتنقل الكومة من ناحية إلى أخرى، وبعد ذلك تقول: الحمد لله، الحمد لله، وتنقل الكومة إلى الناحية الأخرى، وبعد ذلك تقول: الله أكبر، الله أكبر، وهكذا، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ماذا تصنعين يا أم المؤمنين! فقالت له: ما زلت بعدك يا رسول الله دائبة، فقال لها: لقد قلتُ كلمات تعدل ما قلتِ وأكثر: سبحان الله وبحمده، عدد خلقه، ورضاء نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته).

ذكر مناداة الجنة لأصحابها والنار لأصحابها
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اًليلة أسري بي شممت ريحاً طيبة، وسمعت صوتاً جميل، فقلت:
ما هذا الصوت يا جبريل! وما تلك الرائحة؟ فقال: هذا صوت الجنة تنادي وتقول: يا رب!
كثر حريري وذهبي وإستبرقي وسندسي وأشجاري وأطياري وأنهاري ولحمي وحوري ونوري فأرسل إلي عبادك المؤمنين)، وهكذا اشتاقت الجنة إلى أصحابها.
(فقال: اصبري يا جنة! فلك عندي كل مؤمن ومؤمنة عاش لا يشرك بي شيئاً
)، لا إله إلا الله، عليها نحيا وعليها
نموت وعليها نبعث إن شاء الله.
قال: (فردت الجنة: قد رضيت، قد أفلح المؤمنون، فيقول الله عز وجل: طوبى لك منزل الملوك)
أي: أن الشخص المسكين الضعيف الذي لم ير شيئاً من الملك في الدنيا سيكون ملكاً في الجنة.
اللهم اجعلنا من أهلها يا رب العالمين!
قال تعالى: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ [الأنبياء:105]،
فالعباد الصالحون هم الذين يرثون الأرض، اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين!
قال: (فسمع صوتاً سيئاً، وشم ريحاً خبيثة فقال: ما هذا يا جبريل؟! وما هذه الرائحة؟
قال: هذا صوت النار تنادي يا رب! كثر سلاسلي وأغلالي وغسليني وزقومي وغساقي، وكثرت ودياني
وحياتي وعقاربي فأرسل إلي أصحابي، قال: لك كل جبار وكل ظالم وظالمة وكل مشرك لا يؤمن بيوم الحساب
).

ذكر جعل الموت على هيئة كبش أقرن وذبحه ما بين الجنة والنار
قال صلى الله عليه وسلم:
(إذا استقر أهل الجنة في الجنة، وأهل النار في النار، جيء بالموت على هيئة كبش أقرن، قيل:
يا أهل الجنة!، يا أهل النار! فاطلع الفريقان، فيقال: هل تعرفون هذا؟
فيقولون: هذا هو الموت، فذبح الموت بين الجنة والنار، ثم نادى مناد من قبل العلي الأعلى:
يا أهل الجنة! خلود بلا موت، يا أهل النار! خلود بلا موت، فيزداد
أهل الجنة فرحاً ويزداد أهل النار حزناً وغماً
).
قال صلى الله عليه وسلم: (إذا فارق الخوف قلب العبد، قال الناس: بئس العبد فلان، إنا نبغضه)
عندما تجد رجلاً يبغضه الناس فاعلم أنه لا يخاف الله، وبالعكس إذا وجدت إنساناً يحبه الناس فاعلم
أنه يخاف الله عز وجل.

الترغيب في الجنة والترهيب من النار
أخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر المسلمين! ارغبوا فيما رغبكم الله فيه، واحذروا وخافوا ما خوفكم الله به من عذابه وعقابه ومن جهنم، فإنها لو كانت قطرة من الجنة في دنياكم لحلتها لكم،
ولو كانت قطرة لكم من النار في دنياكم لخبثتها وأنتنتها عليكم
).
أي: أحبوا الشيء الذي رغبكم الله فيه، وهي الجنة بالعمل، فلو أن قطرة من الجنة نزلت إلى الدنيا بمرارتها ستكون الدنيا حلوة، ولو أن قطرة من النار -والعياذ بالله- تنزل إلى الدنيا تزيدها خبثاً علينا والعياذ بالله رب العالمين.
قال رسول الله صلى الله عليه: (مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً بليل) أي: أتى في الليل وهو مسافر فأشعل النار.
(وأقبلت إليه هذه الفراش) التي تجتمع حول النور.
(والذباب الذي يغشى النار، فجعل يذبها) أي: فجعل يطردها.
(ويغلبنه) أي: لا يردن إلا أن يقعن في النار كما قال صلى الله عليه وسلم: (إلا تقحماً في النار، وأنا آخذ بحجزكم أدعوكم إلى الجنة وتغلبوني إلا تقحماً في نار جهنم).
شبه نفسه برجل أوقد ناراً فاجتمع الفراش، وأراد أن يمنعهن من النار، ويحذرهن من النار.
وهكذا هو حالنا، عندما تحذر أحداً من النار، وتقول له: لا تظلم، لا تنم، لا تسرق، سبحان الله! بدون فائدة، فتراه يريد
أن يتخطى حاجز رسول الله ويدخل النار والعياذ بالله، اللهم أبعدنا عنها يا رب العالمين! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اطلبوا الجنة جهدكم، واهربوا من النار جهدكم، فإن الجنة لا ينام طالبها، وإن النار لا ينام هاربها، وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكاره، وإن الدنيا محفوفة باللذات والشهوات، فلا تلهينكم دنياكم عن أخراكم).
فقوله: (اطلبوا الجنة جهدكم، واهربوا من النار جهدكم)
أي: اطلب الجنة بالقدر الذي تستطيعه، واعمل أي خير، وأحب المسلمين، وأحب الإسلام، وأحب رسول الإسلام، وأحب القرآن، وأحب مجالس العلم، فالمهم أن تعمل خيراً.
قال: (فإن الجنة لا ينام طالبها) وكيف ينام من يطلب الجنة؟ (والنار لا ينام هاربها) وليس من الممكن أن ينام؟!
(وإن الآخرة اليوم محفوفة بالمكارة)
أي: كل الصعوبات موجودة في طريق أهل الدين، فتجد قرارات وغير ذلك ضدهم، لكن المهرج كل شيء في صالحه.
والآخرة محفوفة بالمكاره، والدنيا كلها لذات وشهوات، قال: (فلا تلهينكم دنياكم عن أخراكم).
وقال ابن عباس : ينبغي لمن لم يحزن في الدنيا أن يخاف أن يكون من أهل النار؛ لأن أهل الجنة قالوا:
الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن، فالذي كان حزيناً في الدنيا لا يحزنه الله في الآخرة.
وينبغي لمن لم يشفق أن يخاف ألا يكون من أهل الجنة؛ لأنهم قالوا:
قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ [الطور:26]، فالإشفاق: هو المخافة من الله عز وجل عن عياض بن حمار المجاشعي عن سيدنا صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط -أي: عادل- متصدق موفق) كمدير المدرسة، أو مدير المستشفى، أو رئيس مجلس إدارة، أو وزير، أو رئيس، أو رئيس وزراء، أو محافظ، أو رئيس مجلس مدينة، أو صاحب ورشة، أو صاحب عمل،
أو مدير مكتب، فكل واحد من هؤلاء يسمى ذا سلطان، فما دام تحت يدك أناس يعملون فأنت ذو سلطان، فانتبه
أن تظلم أحداً منهم.
كذلك امرأتك وأولادك أنت السلطان عليهم، فاتق الله في سلطانك، وفي الحديث: (دينار أعطيته مسكيناً، ودينار أعطيته في رقبة، ودينار أعطيته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، قال: الدينار الذي أنفقته على أهلك
أعظم أجراً
).
والصنف الثاني من أهل الجنة: (ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم) أي: رجل رحيم بالناس رقيق
القلب، قلبه حنون ليس جامداً، تجد بعض الناس يقول: أنا من يوم أن ولدت لم أبك قط، فنقول له: نسأل الله أن
يرقق قلبك، وذهبت امرأة تشكو لـعائشة رضي الله عنها أنها لا تبكي، فقالت لها:
اذكري الموت والآخرة يرق قلبك يا أمة الله! والصنف الثالث من أهل الجنة: (وعفيف ضعيف متضعف ذو عيال)
أي: رجل لا يجد ما يأكل، كأن يكون موظفاً متعففاً دخله محدود ولديه أولاد، ولا يمد يده للناس، فهذا من أهل
الجنة إن شاء الله، اللهم اجعلنا من أهلها.
قال: (وأهل النار خمسة: الضعيف الذي لا زبر له، الذين هم فيكم تبع لا يبغون فيكم أهلاً ولا مالاً)، وهذا هو الإمعة، الذي يكون تبعاً، فأيام الملك يقول: يعيش الملك، وأيام الثورة يقول: تحيا الثورة، وأيام الاشتراكية يقول: هل يوجد أحسن من الاشتراكية؟! وعندما تكون رأسمالية يقول: هكذا أفضل فدع الناس يعيشون، وبعد ذلك يقولون: سوف
نبيع القطاع العام، فيقول: هذا أفضل حل، أنا أؤيد هذا الموضوع، فلا تدري مع من يكون، فهذا هو الإمعة، لا يهمه شيء، مات الملك، يحيا الملك.
رأى أشعب جماعة من الشعراء أخذهم الحرس إلى دار أمير المؤمنين، فقال: من المؤكد أن هناك وليمة، ولكن
هؤلاء الشعراء شتموا أمير المؤمنين في بعض قصائدهم، وذهبوا إلى أمير المؤمنين ليأخذوا جزاءهم، فلما حاكموا الشعراء وكل واحد منهم أخذ عقوبته، وصلوا إلى أشعب فقالوا له: وأنت ماذا قلت؟ فقال: أنا من الغاوين؟ فقيل:
ماذا تقصد بالغاوين؟ فقال أشعب : أليس الله يقول: وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ [الشعراء:224]، فأنا من الغاوين الذي يمشون وراء الشعراء.
فالإمعة: هو الذي ليس له مبدأ، تجده يقول: اتحاد القيم، الاتحاد الاشتراكي، منظمة الشباب، حزبي، فيا بني قل:
أنا مسلم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يكن أحدكم إمعة يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت،
بل وطنوا أنفسكم، إن أحسن الناس فأحسنوا، وإن أساءوا فتجنبوا إساءتهم
) هكذا أمرنا الحبيب صلى الله عليه وسلم.
النوع الثاني: (والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه)، أي: الخائن للأمانة، حتى إنه لا يرجع إلى بيته
إلا بشيء حرام.
النوع الثالث: (ورجل لا يصبح ولا يمسي إلا وهو يخادعك في أهلك ومالك) المخادع كالموظف الذي يشتغل مع الموظفة، فتقول في نفسها: لو كان هذا زوجاً لي مؤدباً.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليس منا من أفسد امرأة على زوجها).
فاتقوا الله يا موظفون ويا موظفات! والذي يغضبون من كلامي، ويسبون في الهاتف، فهؤلاء من الذين يعرفون
أنفسهم.. كمثل الرجل الذي قال: السارقون ليسوا أناساً جيدين، فرد عليه الرجل -ويبدو أنه كان سارقاً-:
عيب عليك يا أستاذ! أن تقول هكذا.
النوع الرابع من أهل النار والعياذ بالله: البخيل، فالبخيل يعيش في الدنيا عيشة الفقراء، ويحاسب في الآخرة حساب الأغنياء، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة بخيل).
فعندما يرى المال يقول له: كم تعبت بين أيد كثيرة، وتنقلت بين جيوب كثيرة، ادخل هنا فلن ترى النور مرة أخرى.
قال: (وذكر البخل والكذب) فالنوع الخامس: الكذاب؛ لأن المؤمن قد يكون جباناً، لكن لا يكون كذاباً، فاحذر الكذب.
قال: (والشنظير الفحاش) أي: بذيء اللسان، الذي يكون كل كلامه سيئاً بذيئاً.
فانتبه لهذا، واجعل لسانك يقطر شهداً لا يقطر مرارة.
نسأل الله سبحانه وتعالى في ختام هذه الجلسة أن يجعل هذه الجلسة في ميزان حسناتنا يوم القيامة.
اللهم ثقل بها موازيننا، واغفر لنا ذنوبنا، ويسر لنا أمورنا، اللهم فرج الكرب عن المكروبين، اللهم إنك تعلم أننا
مقهورون فانصرنا، أذلاء فأعزنا، تائهون فأرشدنا، مشتتون فاجمعنا، أصحاب شهوات فتب علينا، اللهم زحزحنا عن
النار، اللهم زحزحنا عن النار، وأدخلنا الجنة مع الأبرار، بكرمك وجودك يا عزيز يا غفار!
ارحمنا فإنك بنا راحم، لا تعذبنا فأنت علينا قادر، اختم لنا منك بخاتمة السعادة أجمعين.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.













عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..