عرض مشاركة واحدة
قديم 24-04-2013, 03:55 PM
المشاركة 3

 

  • غير متواجد
رد: علامات حسن الخاتمة






السادسة : الموت بالطاعون :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
" الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الطَّاعُونِ ، فَأَخْبَرَنِي :
" أَنَّهُ عَذَابٌ يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ ، وَأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ ، لَيْسَ مِنْ أَحَدٍ يَقَعُ الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ
فِي بَلَدِهِ صَابِراً مُحْتَسِباً ، يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُصِيبُهُ إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ ، إِلاَّ كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ الشَهِيدٍ "
[ رواه البخاري ] .
ولعل مرض السرطان اليوم يشبه الطاعون ، أجارنا الله وجميع المسلمين منه .

تعريف الطاعون :
الطَّاعُون بِوَزْنِ فَاعُول ، مِنْ الطَّعْن ، عَدَلُوا بِهِ عَنْ أَصْلِهِ وَوَضَعُوهُ دَالًّا عَلَى الْمَوْت الْعَامّ ، كَالْوَبَاءِ ، وَيُقَال :
طُعِنَ فَهُوَ مَطْعُون ، وَطَعِين إِذَا أَصَابَهُ الطَّاعُون ، وَإِذَا أَصَابَهُ الطَّعْن بِالرُّمْحِ فَهُوَ مَطْعُون ، هَذَا كَلَام الْجَوْهَرِيّ .
وَقَالَ الْخَلِيل : الطَّاعُون الْوَبَاء .
وَقَالَ صَاحِب النِّهَايَة : الطَّاعُون الْمَرَض الْعَامّ الَّذِي يَفْسُد لَهُ الْهَوَاء وَتَفْسُدُ بِهِ الْأَمْزِجَة وَالْأَبْدَان .
وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ : الطَّاعُون الْوَجَع الْغَالِب الَّذِي يُطْفِئ الرُّوح كَالذَّبْحَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعُمُومِ مُصَابه وَسُرْعَة
قَتْله .

وَقَالَ أَبُو الْوَلِيد الْبَاجِّيّ : هُوَ مَرَض يَعُمّ الْكَثِير مِنْ النَّاس فِي جِهَة مِنْ الْجِهَات بِخِلَافِ الْمُعْتَاد مِنْ أَمْرَاض
النَّاس ، وَيَكُون مَرَضهمْ وَاحِدًا بِخِلَافِ بَقِيَّة الْأَوْقَات ، فَتَكُون الْأَمْرَاض مُخْتَلِفَة
.
وَقَالَ عِيَاض : أَصْل الطَّاعُون الْقُرُوح الْخَارِجَة فِي الْجَسَد ، وَالْوَبَاء عُمُوم الْأَمْرَاض فَسُمِّيْت طَاعُونًا لِشَبَهِهَا بِهَا
فِي الْهَلَاك وَإِلَّا فَكُلّ طَاعُون وَبَاء وَلَيْسَ كُلّ وَبَاء طَاعُونًا
. وَقَالَ النَّوَوِيّ : هُوَ بَثْر وَوَرَم مُؤْلِم جِدًّا يَخْرُج مَعَ لَهَب
وَيَسْوَدّ مَا حَوَالَيْهِ أَوْ يَخْضَرّ أَوْ يَحْمَرّ حُمْرَة شَدِيدَة بَنَفْسَجِيَّة كَدِرَةِ وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَان وَقَيْء ، وَيَخْرُج غَالِبًا
فِي الْمَرَاق وَالْآبَاط ، وَقَدْ يَخْرُج فِي الْأَيْدِي وَالْأَصَابِع وَسَائِر الْجَسَد .

وَقَالَ جَمَاعَة مِنْ الْأَطِبَّاء مِنْهُمْ أَبُو عَلِيّ بْن سِينَا : الطَّاعُون مَادَّة سُمَيَّة تُحْدِث وَرَمَا قَتَّالًا يَحْدُث فِي الْمَوَاضِع
الرَّخْوَة وَالْمَغَابِن مِنْ الْبَدَن وَأَغْلَب مَا تَكُون تَحْت الْإِبْط أَوْ خَلْف الْأُذُن أَوْ عِنْد الْأَرْنَبَة .
قَالَهُ الْحَافِظ فِي الْفَتْح .
وَالْمُرَاد بِالطَّاعُونِ الْمَذْكُور فِي الْحَدِيث الَّذِي وَرَدَ فِي الْهَرَب عَنْهُ الْوَعِيد ، هُوَ الْوَبَاء ، وَكُلّ مَوْت عَامّ
[ عون المعبود 7 / 87 ] .

الهرب من الطاعون :
روى أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها "
[ رواه البخاري ومسلم ] .
والمراد بالطاعون : كل مرض عام ، أو وباء ينتشر في جهة من الأرض ، والفرار منه منهي عنه ، وفي
بعض روايات الحديث : " فلا تخرجوا منها فراراً " ، وأخرج أحمد ، والألباني في الصحيحة (1292)
عن عائشة رضي الله عنها _ بسند حسن _ مرفوعاً : " الفار من الطاعون كالفار من الزحف " ، وروى
البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ليس عبد يقع الطاعون
فيمكث في بلده صابراً يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له ، إلا كان له مثل أجر الشهيد " .
وقد التمس العلماء عللاً لهذا النهي ، ذكر جملة منها الحافظ ابن حجر في فتح الباري [10/200] ،
منها : ضياع مصلحة المريض لفقد من يتعاهده حياً وميتاً ، وإدخال الرعب في قلوب الناس خاصة من لم
يفر ، ونقل المرض إلى بقاع أخرى ، وهذا الأخير له حظ كبير من النظر ، وهو ما ذكره ابن القيم في
زاد المعاد [ 4/43 ] ، وأما الخروج من أرض الطاعون لغير الفرار ، بل لعارض كتجارة وعمل معتادين ،
فلا بأس به ، إذا كان سليماً من المرض ، وأمن أن ينقل العدوى بحمله للمرض .
وليستغل كل مسلم إقامته في بلد الوباء ، بحمل النفس على الثقة بالله ، والتوكل عليه ، والصبر على
قضائه والرضا به ، وتذكر الأجر فيه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الطاعون شهادة لكل مسلم "
[ رواه البخاري وصحيح مسلم ] .

السابعة : الموت بداء البطن :
عن جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَسَارٍ قَالَ : كَانَ سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ وَخَالِدُ بْنُ عُرْفُطَةَ قَاعِدَيْنِ ،
قال : فَذَكَرَا أَنَّ رَجُلاً مَاتَ بِالْبَطْنِ ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ أَمَا سَمِعْتَ أَوَ مَا بَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ قَتَلَهُ بَطْنُهُ ، فَلَنْ يُعَذَّبَ فِي قَبْرِهِ " ، قَالَ الآخَرُ بَلَى "
[ رواه أحمد والنسائي ، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي 4/98 ] .
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
" . . وَمَنْ مَاتَ فِي الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ . . " [ رواه مسلم ] .
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ :
الْمَطْعُونُ ، وَالْمَبْطُونُ ، وَالْغَرِقُ ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " [ متفق عليه ] .
والمقصود بالمبطون : من أصيب بإسهال ، أو انتفخ بطنه ، أو سرطان في البطن ، ومات بسببه ،
والحاصل أن كل من اشتكى بطنه ومات منه ، فهو شهيد بإذن الله تعالى .
ويمكن أن يحصِّل من مات نتيجة حوادث السيارات أجر الشهيد في حالتين :
الأولى : إذا مات بسبب نزيف في بطنه ، وهو ما يسمى " المبطون " ، سواء كان في سيارة أو كان
ماشياً أو واقفاً فدهسته سيارة على قول بعض أهل العلم في أن المبطون : هو الذي يموت بسبب
داء فيه بطنه ، أيُّ داء كان . والحالة الثانية : أن يموت بسبب التصادم _ أو الانقلاب _ سواءً مات داخل
السيارة أو خارجها ، وهذا قد يشبه صاحب الهدم " المذكور في الحديث السابق
[ فتاوى اللجنة الدائمة 8 /375 ] .


الثامنة : الموت بالغرق :

عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
" الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : الْمَطْعُونُ ، وَالْمَبْطُونُ ، وَالْغَرِقُ ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "
[ متفق عليه ] .
وكم هم الذين يموتون بالغرق ، وقد صلينا على كثير منهم في مساجدنا ، ولكن هذه قصة تدل على
حسن الخاتمة لا علاقة لها بهذه النقطة .

التاسعة : الموت بالهدم :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ ،
وَتَكْثُرَ الزَّلاَزِلُ ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ - وَهْوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ - حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ
فَيَفِيضُ" [ رواه البخاري ] .
الحديث يدل على كثرت الزلازل والبراكين والرياح والكوارث المدمرة ، التي تهدم المنازل ، وتدمر المقدرات ،
وتقصم الاقتصاد ، وبسببها ربما محيت آثار من الوجود ، مما قد يحصل معه وفيات تحت أنقاض تلك البيوت ،
وهذه هو واقع الحال اليوم ، فمن كان مسلماً ومات تحت الهدم فهو من الشهداء الذين بينهم
النبي صلى الله عليه وسلم ، ودليل ذلك :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ :
الْمَطْعُونُ ، وَالْمَبْطُونُ ، وَالْغَرِقُ ، وَصَاحِبُ الْهَدْمِ ، وَالشَّهِيدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " [ متفق عليه ] .

سؤال :
سئل أعضاء اللجنة الدائمة للإفتاء هذا السؤال :

بعض الناس يقولون : إن من يموت بسبب حادث سيارة إنه شهيد ، وله مثل أجر الشهيد ، فهل هذا
صحيح أم لا ؟ .


الجواب :

فأجابوا : " نرجو أن يكون شهيداً ؛ لأنه يشبه المسلم الذي يموت بالهدم ،
وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه شهيد ، وفضل الله واسع ، ونرجو أن يكون هذا شهيداً ،
ولكننا لا نجزم بذلك ، نسأل الله تعالى أن يُحسن خاتمتنا ، ويقينا ميتة السوء . والله تعالى أعلم "
[ فتاوى اللجنة الدائمة 8 /375 ] .

العاشرة : موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها :
لاشك أن ألم الولادة لا يشعر به إلا النساء ذوات الأبناء ، وهو ألم ربما تفقد معه المرأة حياتها ، فلا تجزع
المرأة فقد بشرها النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة ، إن هي ماتت في نفاسها بسبب ولدها ،
ودليل ذلك :
عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَادَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ _
قَالَ _ فَمَا تَحَوَّزَ _ تنحى _ لَهُ عَنْ فِرَاشِهِ فَقَالَ : " أَتَدْرُونَ مَنْ شُهَدَاءُ أُمَّتِي " ، قَالُوا : قَتْلُ الْمُسْلِمِ شَهَادَةٌ ،
قَالَ : " إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِي إِذاً لَقَلِيلٌ ، قَتْلُ الْمُسْلِمِ شَهَادَةٌ ، وَالطَّاعُونُ شَهَادَةٌ ، وَالْمَرْأَةُ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا جَمْعَاءَ "
[ رواه أحمد وصححه الألباني ] .
ومعنى جمعاء : أي شيء مجموع فيها غير منفصل عنها ، وهي الحامل أو النفساء أثناء ولادتها .
وقيل : التي يموت ولدها في بطنها ، ثم تموت بسبب ذلك .
وقيل : المرأة التي تموت وجنينها ملتصق بها ، أي باق سُره لم يقطع ، فهي شهيدة ، وكذلك الحامل التي
ماتت وفي بطنها جنين ، ودليل ذلك :
عَنْ رَاشِدِ بْنِ حُبَيْشٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
" . . . وَالنُّفَسَاءُ يَجُرُّهَا وَلَدُهَا بِسُرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ . . . " [ رواه أحمد ] .
وَعَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " . . . وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ،
إِنَّ السِّقْطَ لَيَجُرُّ أُمَّهُ بِسَرَرِهِ إِلَى الْجَنَّةِ ، إِذَا احْتَسَبَتْهُ "
[ رواه أحمد وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 7064 ] .
وهذا الحديث يختلف عن الذي قبله ، فهذا في فضل الاحتساب ، وذاك في حسن الخاتمة .‌

الحادية عشرة : الموت بالحرق :
عَنْ جَابْرِ بْنِ عَتِيكٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
" . . . الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ ،
وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ ، وَصَاحِبُ الْهَدَمِ شَهِيدٌ ، وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ ، وَصَاحِبُ الْحَرَقِ شَهِيدٌ ،
وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدَةٌ " [ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه ، وصححه الألباني
في صحيح الجامع برقم 3739 ] .

الثانية عشرة : الموت بذات الجنب :
عَنْ جَابْرِ بْنِ عَتِيكٍ ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " . . . الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
عَزَّ وَجَلَّ : الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ ، وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ ، وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ ، وَصَاحِبُ الْهَدَمِ شَهِيدٌ ، وَصَاحِبُ ذَاتِ
الْجَنْبِ شَهِيدٌ ، وَصَاحِبُ الْحَرَقِ شَهِيدٌ ، وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدَةٌ "
[ رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع
برقم 3739 ] .
وفي لفظ : " وَالْغَرِقُ وَالْحَرِقُ وَالْمَجْنُوبُ - يَعْنِى ذَاتَ الْجَنْبِ - شَهَادَةٌ " [ نفس المصدر السابق ] .
المجنوب : الذي أصيب في جنبه ومات بذلك ، وهي قرحة تظهر في الجنب .
وقيل : المجنوب الذي يشتكي جنبه مطلقاً ، وذات الجنب : هي الدبيلة والدمل الكبير ، التي تظهر في
ما بطن الجنب ، وتنفجر إلى داخل ، وقلما يسلم صاحبها ، وصارت ذات الجنب علماً لها .
ولعل المقصود بها والعلم عند الله : الزائدة الدودية ، فإنها في الجنب الأيمن للإنسان ، وإذا انفجرت
ولم يتداركها الأطباء ، مات صاحبها ، ولقد مات منها خلق كثير قبل عشرات السنين قبل تقدم الطب
الحديث ، وكانوا يسمونها بأسماء مختلفة ، كل حسب منطقته .

الثالثة عشرة : الموت دفاعاً عن المال المراد غصبه :
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ :
" مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " [ رواه البخاري ومسلم ] .
وعَنْه رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أُرِيدَ مَالُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَقُتِلَ
دُونَهُ ، فَهُوَ شَهِيدٌ " [ رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6011 ] .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ :
أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ : " فَلاَ تُعْطِهِ مَالَكَ " ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : " قَاتِلْهُ " ،
قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : " فَأَنْتَ شَهِيدٌ " ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ : " هُوَ فِي النَّارِ " [ رواه مسلم ] .

الرابعة عشرة : الموت دفاعاً عن الدِّيِن :

عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
" مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ،
وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " [ رواه النسائي وصححه الألباني ] .

الخامسة عشرة : الموت دفاعاً عن النفس :
عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
" مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ أَهْلِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ، وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ ،
وَمَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ "
[ رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وأحمد وغيرهم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6445 ] .

السادسة عشرة : الموت مرابطا في سبيل الله :
عَنْ سَلْمَانَ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، خَيْرٌ
مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ ، وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ ، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ "
[ رواه مسلم ] .
وعند الترمذي : " رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ _ وَرُبَّمَا قَالَ خَيْرٌ _ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ ، وَمَنْ مَاتَ
فِيهِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ ، وَنُمِّيَ لَهُ عَمَلُهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " [ قَالَ أَبُو عِيسَى :
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي ] .
والمقصود بالمرابطة : الحراسة على ثغور المسلمين ، من كيد الأعداء ، وكيد الأعداء اليوم كثير ، منه
التسلل بقصد الجريمة والسرقة والسطو وغير ذلك ، ومنه إدخال المخدرات ، وما يفسد البلاد والعباد .
فعلى المرابط أن يتق الله تعالى في ثغور المسلمين ، وألا يخون الأمانة ، فيشتري الدنيا ، ويبيع الآخرة ،
لأجل غرض حقير ، ثم بعده يعرض نفسه لعذاب الله .

السابعة عشرة : الموت على عمل صالح :
عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ : أَسْنَدْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إِلَى صَدْرِي فَقَالَ :
" مَنْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ صَامَ يَوْماً ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتِمَ لَهُ
بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ خُتمَ لَهُ بِهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ "
[ رواه أحمد ، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب ] .
ومن هنا قال العلماء : " من أكثر من شيء في الدنيا ، فإنه يُختمُ له به " ، أي : في الغالب ، فإن كان كثير
الطاعة لله جل جلاله ، كثير الصلاة ، كثير الصيام ، كثير القربة ؛ فإنه يأتيه الموت وهو ساجد بين يدي الله
أو راكعٌ أو صائم ، أو يأتيه وهو ذاكرٌ تال للقرآن ، أو يأتيه وهو على تسبيح أو على استغفار أو تهليلٍ
أو تحميد ، أو غير ذلك من الطاعات والقربات .
ومن أكثر من الصلة والبر والإحسان إلى الضعفة والمساكين ؛ ربما جاءه الموت وهو خارجٌ في صلةِ رحم ،
أو بر والدين ، أو طاعةٍ لله سبحانه وتعالى على حسب ما استكثر .
وأما من استكثر من الحرام والفحش ، فإن الله عز وجل يختم له بما كان له من غالب حاله ، حتى لربما
ذُكّر بلا إله إلا الله فامتنع عن قولها ، ولربما تكلم بالحرام ، ولربما تكلم بالأغاني والفُحش والدعارة وهو
في آخر لحظاته من الدنيا ، فيختم له بخاتمة السوء ، نسأل الله السلامة والعافية ! وفي حوادث الناس
وأخبارهم ما تشيب له رءوس الولدان ، مما كان من حسن الخاتمة وسوئها ، فالإنسان إذا أكثر من الخير
فإن الله يختم له بخير .

الثامنة عشرة : من قتله الإمام الجائر :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
" أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ _ وفي لفظ كلمة حق _ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ ، أَوْ أَمِيرٍ جَائِرٍ "
[ أبو داود والترمذي وابن ماجة والنسائي وأحمد ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/886 ] .
وعن جابر رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ،
ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه ، فقتله " [ رواه الحاكم وقال :
صحيح الإسناد ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 1/716 ] .
وكم عانى العلماء ودعاة الخير والصلاح من سلطة الظلم والتعسف والعدوان ، الذين لا يريدون إلا متعة
الحياة الدنيا فقط ، وللشهوات والملذات يحيون ، وعليها يموتون .

التاسعة عشرة : الموت ذاهباً لقربة وطاعة :
ينبغي للمكلف إذا أراد أن يذهب إلى المسجد للصلاة أن يستحضر النية، وهي قصد وجه الله عز وجل
بخروجه إلى المسجد، وهذه النية معتبرة للحكم بكونه في قربة وعبادة، ودليل ذلك :
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
" إِذَا تَوَضَّأَ الرَّجُلُ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ إِيَّاهَا ، لَمْ يَخْطُ خُطْوَةً إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا
دَرَجَةً ، أَوْ حَطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً " [ رواه الترمذي وقَالَ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ ] .
والشاهد من ذلك : قوله عليه الصلاة والسلام : " لا يخرجه إلا الصلاة " ؛ لأن الناس منهم من يذهب إلى
المسجد للآخرة ، ومنهم من يذهب للدنيا ، ومنهم من يذهب جامعاً بين الدنيا والآخرة ، فمن خرج وقصده
الآخرة ، كأن يخرج وقصده العبادة والتقرب لله ، وشغل الوقت في طاعة الله ، وأداء ما افترض الله عليه
فهو في قربة ، ومثاب من خروجه إلى رجوعه إلى بيته ، فلو أصابته مصيبة فمات في طريقه إلى المسجد ،
أو أصابته بلية فإن أجره على الله ، ولذلك كانوا يعتبرون من حسن الخاتمة ، موت الإنسان في خروجه
إلى الصلاة ، أو خروجه إلى المسجد ؛ لأنها طاعةٌ وقربة ، فإذا خرج يستحضر النية ، وأدلة ذلك ما يلي :
عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " ثَلاَثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ
عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : رَجُلٌ خَرَجَ غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ،
أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ ، وَرَجُلٌ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ
الْجَنَّةَ ، أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ ، وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلاَمٍ ، فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "
[ رواه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3053 ] . وعَنْهُ رضي الله عنه ،
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّراً إِلَى صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ ، فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ
الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ ، وَمَنْ خَرَجَ إِلَى تَسْبِيحِ الضُّحَى لاَ يُنْصِبُهُ إِلاَّ إِيَّاهُ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْمُعْتَمِرِ ، وَصَلاَةٌ عَلَى أَثَرِ
صَلاَةٍ لاَ لَغْوَ بَيْنَهُمَا كِتَابٌ فِي عِلِّيِّينَ " [ رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1/153 ] .
وعن أَبِى هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
" ثَلاَثَةٌ فِي ضَمَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : رَجُلٌ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَجُلٌ خَرَجَ
غَازِياً فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَجُلٌ خَرَجَ حَاجًّا "
[ رواه الحميدي وغيره وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3051 ] .

العشرون : عيادة المريض :

وهذه ليست للعائد ، وإنما للمريض ، فقد يكون هذا المريض مرض الموت ، كافراً أو فاجراً وعاصياً ،
وبعيادتك له ، وتذكيره بالله عز وجل وبدينه ، فربما تاب وأسلم ، أو أناب إلى الله وندم على فعله ، والتوبة
تجب ما قبلها ، وتمحو ما سلف من الذنوب والمعاصي .
فعيادة المريض تشمل المسلم ، والكافر :
أما بالنسبة للمسلم : فلا إشكال في ذلك ، وفي عيادتك للمسلم خيرٌ كثير ؛ فبها تقوى نفسه ويرتاح ،
خاصةً إذا كان بينك وبينه ودٌ وحب ؛ فإن المريض ربما نشط برؤية أحبابه وأصحابه أكثر من نشطه بالدواء
والعلاج ، فرؤيته لمن يحب أنسٌ له ، وبهجةٌ لنفسه وراحةٌ لها ، وطمأنينة لقلبه .
وأما بالنسبة لغير المسلم : فإنه إذا كان كافراً ، فإنك تعوده بقصد دعوته إلى الإسلام ، كما في الحديث
عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : كَانَ غُلاَمٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَمَرِضَ ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ
صلى الله عليه وسلم يَعُودُهُ ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ : " أَسْلِمْ " ، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهْوَ عِنْدَهُ ، فَقَالَ لَهُ :
أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم ، فَأَسْلَمَ ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ يَقُولُ :
" الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ " [ رواه البخاري ] ، فحمد النبي صلى الله عليه وسلم ربه أنه أنقذه
من النار بسببه .
ولَمَّا حَضَرَتْ أَبَا طَالِبٍ الْوَفَاةُ دَخَلَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ
فَقَالَ : " أَيْ عَمِّ ! قُلْ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " ، فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ
بْنُ أَبِى أُمَيَّةَ : يَا أَبَا طَالِبٍ أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَلَمْ يَزَالاَ يُكَلِّمَانِهِ حَتَّى كَانَ آخِرُ شَيْءٍ كَلَّمَهُمْ بِهِ :
عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : " لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ " ،
فَنَزَلَتْ : { مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ . . } ، وَنَزَلَتْ :
{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ . . . } [ رواه البخاري ] ، فهذا يدل على تأكد جواز ومشروعية عيادة المريض
الكافر ؛ وذلك بسبب تأليفه للإسلام .
أما المسلم فإن له حق العيادة ، سواء كان براً أو فاجراً ، صالحاً أو طالحاً ؛ وذلك لأنه حقٌ للمسلم ،
فكونه يقصر فيما بينه وبين الله ، لا يمنع من أداء حقه في الإسلام من عيادته ، ولربما عاد الصالحون
الفجار فذكروهم بما عند الله ؛ فكان سبباً في حسن الخاتمة لهم ، وتوبتهم وإنابتهم إلى الله عز وجل .

الحادية والعشرون : العمل بالخواتيم :
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم :

وكذلك قد يعمل الرجل عمل أهل النار ، وفي باطنه خصلة خفيه من خصال الخير ، فتغلب عليه تلك الخصلة
في آخر عمره ، فتوجب له حسن الخاتمة .
قال عبد العزيز بن أبي رواد : حضرت رجلاً عند الموت يلقن الشهادة : لا إله إلا الله ، فقال في آخر ما قال :
هو كافر بما تقول ، ومات على ذلك ، قال : فسألت عنه ، فإذا هو مدمن خمر ، وكان عبد العزيز يقول :
اتقوا الذنوب ، فإنها هي التي أوقعته .
قال الله عز وجل : { وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ
لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً } [ الكهف49 ] .
ومن هنا كان يشتد خوف السلف من سوء الخواتيم ، ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق ، وقد قيل :
إن قلوب الأبرار معلقة بالخواتيم ، يقولون بماذا يختم لنا ، وقلوب المقربين معلقة بالسوابق ،
يقولون ماذا سبق لنا .
قال بعض السلف : ما أبكى العيون ، ما أبكاها الكتاب السابق .
قال الله تعالى : { وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً }
[ الإسراء13 ] .
وقال حاتم الأصم : من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار فهو مغتر فلا يأمن الشقاء :
الأول : خطر يوم الميثاق ، حين قال هؤلاء في الجنة ولا أبالي ، وهؤلاء في النار ولا أبالي ، فلا يعلم في
أي الفريقين كان .
والثاني : حين خلق في ظلمات ثلاث ، فنادى الملك بالشقاوة والسعادة ولا يدري أمن الأشقياء هو أم
من السعداء .
والثالث : ذكر هول المطلع فلا يدري أيبشر برضا الله أم بسخطه .
والرابع : يوم يصدر الناس أشتاتاً ، فلا يدري أي الطريقين يسلك به [ جامع العلوم والحكم ] .
قال الله تعالى : { وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ مِن سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } [ الزمر47 ] .
عن أبي عنبة الخولاني _ سُرَيْجٌ وَلَهُ صُحْبَةٌ _ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
" إِذَا أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِعَبْدٍ خَيْراً عَسَلَهُ " ، قِيلَ : وَمَا عَسَلُهُ ؟ قَالَ : " يَفْتَحُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ عَمَلاً صَالِحاً
قَبْلَ مَوْتِهِ ، ثُمَّ يَقْبِضُهُ عَلَيْهِ " [ رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 307 ] .

الثانية والعشرون : المقتول دون مظلمته :
عَنْ سُوَيْدِ بْنِ مُقَرِّنٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
" مَنْ قُتِلَ دُونَ مَظْلَمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ " [ رواه النسائي ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 6447 ] .
ومعنى مظلمته : أي قصده قاصد بالظلم .
قال ابن جرير : " هذا أبين بيان ، وأوضح برهان ، على الإذن لمن أريد ماله ظلماً ، في قتال ظالمه ، والحث
عليه كائناً من كان ، لأن مقام الشهادة عظيم ، فقتال اللصوص والقطاع مطلوب ، فتركه من ترك النهي
عن المنكر ، ولا منكر أعظم من قتل المؤمن وأخذ ماله ظلماً " [ فيض القدير 6/253 ] .

الثالثة والعشرون : التبسم بعد الموت :
ليس هناك نص صحيح صريح ، بأن التبسم عند الموت من علامات حسن الخاتمة ، ولكن هذا يفهم من عدة
نصوص ، فإن المحتضر إن كان من أهل السعادة ، فإنه يرى ملائكة الرحمة بيض الوجوه ، معهم أكفان من
الجنة ، وحنوط من الجنة ، ثم يأتي ملك الموت فيجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس المطمئنة ،
أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان . رواه أحمد عن البراء رضي الله عنه.
فقد يبتسم المحتضر لذلك ، ومما يدل على هذا أيضاً ما رواه أحمد عن طلحة بن عبيد الله عندما زاره عمر
وهو ثقيل وفيه: إني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً ما منعني أن أسأل عنه إلا القدرة
عليه حتى مات، سمعته يقول: إني لأعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه ونفس الله عنه
كربته، قال: فقال عمر: إني لأعلم ما هي، قال: وما هي؟ قال: تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه
عند الموت: لا إله إلا الله ؟ قال طلحة: صدقت هي والله.
ومحل الشاهد من الحديث قوله : أشرق لها لونه ، ولكن هذا مع النطق بالشهادة .
واعلم أخي الكريم أن ظهور شيء من علامات حسن الخاتمة لا يلزم منه الجزم بأن صاحبها من أهل
الجنة ، ولكن يستبشر له بذلك ، كما أن عدم وقوع شيء منها للميت لا يلزم منه بأنه غير صالح ، فهذا
كله من الغيب .

الرابعة والعشرون : مرض السل :
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " السِّلُّ شهادةٌ "
[ رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 3691 ] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " القتلُ في سبيل الله شهادةٌ ، والنفساءُ شهادة ، والحرقُ
شهادةٌ ، والغرق شهادة ، والسِّل شهادة ، والبطنُ شهادةٌ "
[ رواه الطبراني وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 4439 ] .

سؤال :
لماذا سُمي الشهيد بهذه التسمية ؟
الجواب :

ذكر ابن حجر رحمه الله أسباباً عدة لهذه التسمية فقال :
اختلف في سبب تسمية الشهيد شهيداً :

1- فقال النضر بن شميل : لأنه حي فكأن أرواحهم شاهدة أي حاضرة .
2- وقال ابن الأنباري : لأن الله وملائكته يشهدون له بالجنة .
3- وقيل : لأنه يشهد عند خروج روحه ما أعد له من الكرامة .
4- وقيل : لأن عليه شاهداً بكونه شهيداً .
5- وقيل : لأنه لا يشهده عند موته إلا ملائكة الرحمة .
6- وقيل : لأنه الذي يشهد يوم القيامة بإبلاغ الرسل .
7- وقيل : لأن الملائكة تشهد له بحسن الخاتمة .
8- وقيل : لأن الأنبياء تشهد له بحسن الاتباع .
9- وقيل : لأن الله يشهد له بحسن نيته وإخلاصه .
10- وقيل : لأنه يشاهد الملائكة عند احتضاره .
11- وقيل : لأنه يشاهد الملكوت من دار الدنيا ، ودار الآخرة .
12- وقيل : لأنه مشهود له بالأمان من النار .
13- وقيل : لأن عليه علامة شاهدة بأنه قد نجا .


وبعض هذه يختص بمن قتل في سبيل الله ، وبعضها يعم غيره ، وبعضها قد ينازع فيه
[ فتح الباري 8/438 ] .

قبل الختام :
فإن حسن الخاتمة أن يوفق العبد قبل موته للبعد عمَّا يغضب ربه سبحانه ، والتوبة من الذنوب والمعاصي ،
والإقبال على الطاعات وأعمال الخير ، ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة .

تنبيه هام :
قال السبكي عندما سئل عن الشهادة وحقيقتها قال : إنها حالة شريفة تحصل للعبد عند الموت ،
لها سبب ، وشرط ، ونتيجة .
من هذه الشروط : الصبر والاحتساب ، وعدم الموانع كالغلول ، والدَّين ، وغصب حقوق الناس ، ومن
الموانع كذلك : أن يموت بسبب معصية ، كمن دخل داراً ليسرق فانهدم عليه الجدار ، فلا يقال له شهيد ،
وإن مات بالهدم ، وكذلك الميتة بالطلق ، الحامل من الزنا .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية : عن رجل ركب البحر للتجارة فغرق فهل مات شهيدًا ؟
فأجاب : نعم مات شهيدًا ، إذا لم يكن عاصيًّا بركوبه .
وقال في موضع آخر: ومن أراد سلوك طريق يستوي فيها احتمال السلامة والهلاك ، وجب عليه الكف
عن سلوكها ، فإن لم يكف فيكون أعان على نفسه فلا يكون شهيداً .
ومع ذلك قال بعض العلماء : إن من مات بهذه الميتات ، وهو موحد ، فإننا نرجو له الحصول على أجر
الشهادة ، وإن كان مفرِّطاً في بعض الواجبات ، أو مرتكباً لبعض المحرمات ، فرحمة الله واسعة ،
وفضله عظيم ، والعلم عند سبحانه ، فهو علام الغيوب ، وستار العيوب .

فائدة ذُكِرَتْ :
ذكر الحافظ أنه من خلال نظره في الأحاديث ، تَحَصَّلَ له إطلاق الشهادة على عشرين خصلة .
وذكر الحافظ السيوطي نحواً من ثلاثين .
لكن هناك روايات ضعيفة لا يُعتد بها .
قال ابن التين : هذه كلها ميتات فيها شدة ، تفضل الله بها على أمة محمد صلى الله عليه وسلم
بأن جعلها تمحيصاً لذنوبهم ، وزيادة في أجورهم ، يبلغهم بها مراتب الشهداء .
ووصف هؤلاء بالشهداء : بمعنى أنهم يعطون من جنس أجر الشهداء ، ولا تجري عليهم أحكام
الشهداء في الدنيا .

من الشهداء أيضاً :
ذكر بعض العلماء كابن حجر وغيره نوعاً من الميتات ، يكون أهلها من الشهداء ،
وممن حسنت خاتمتهم ومنهم :
من وقصه فرسه ، أو بعيره ، أو لدغته هامة ، أو مات على فراشه على أي حتف شاء الله تعالى ،
فهو شهيد .
وصحح الدارقطني من حديث ابن عمر " موت الغريب شهادة " .
وقال ذلك أيضاً في المبطون ، واللديغ ، والغريق ، والشريق ، والذي يفترسه السبع ، والخار عن دابته .
ولأبي داود من حديث أم حرام " المائد في البحر الذي يصيبه القيء له أجر شهيد " .
وفي حديث عقبة بن عامر فيمن صرعته دابته ، وهو عند الطبراني .
وعنده من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح " أن من يتردى من رءوس الجبال وتأكله السباع ،
ويغرق في البحار ، لشهيد عند الله " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " من صرع عن دابته فهو شهيد " [ رواه مسلم ] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قتلُ الصبرِ لا يمر بذنبٍ إلا محاه " [ حديث حسن رواه البزار ] .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من فصل في سبيل الله فمات ، أو قتل ، أو وقصته فرسه ،
أو بعيره ، أو لدغته هامةٌ ، أو مات على فراشه بأي حتفٍ شاء الله ، فإنه شهيد ، وإن له الجنة "
[ حديث حسن رواه أبو داود والحاكم ] .

نهاية المطاف :
هذا هو نهاية المطاف ، وثمر القطاف ، من هذه المحاضرة والتي استمرت أربعة أيام ، عشنا فيها مع آيات
من كتاب الله تعالى ، وأحاديث من سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وذكرنا فيها شيئاً من أقوال
العلماء ، وفي الختام ، الله أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب ، ونسأله حسن الخاتمة والمتاب ،
اللهم إنا نسألك حسن الخاتمة والموت على الهداية ، وحسن الرعاية والعناية ، والتوبة مما صدر في البداية
والنهاية ، وأن تحشرنا في زمرة الأنبياء وأرباب الولاية ، اللهم تقبلنا في الشهداء ، اللهم أحسن خاتمنا ،
واجعل عاقبة أمرنا إلى خير ، وتوفنا على الإيمان ، اللهم توفنا وأنت راض عنا غير غضبان ، واغفر لنا
جميع الذنوب والأخطاء والعصيان ، وأدخلنا الجنة بغير حساب ولا عذاب ، إنك على كل شيء قدير ، والحمد
لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .


كتبه
يحيى بن موسى الزهراني
إمام جامع البازعي بتبوك











إذا كان الجمال .. كل الجمال يكمن في العيون وسحرهـا ،
ماذا يفعل الجمال إذا حان وقت النوم؟