عرض مشاركة واحدة
قديم 22-05-2013, 01:12 AM
المشاركة 3

  • غير متواجد
رد: سلْسلة الدّار الآخرة - الجنة وعباد الرحمن [1] ( 29)








من صفات عباد الرحمن التوسط في النفقة
قال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67]
سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل سيدنا عمر : (يا عمر ! ما نفقتك؟)
لو سألت شخصاً سؤالاً: يا محمود! كم نفقتك؟ يا إبراهيم! كم نفقتك؟
يا أحمد! كم نفقتك؟ يقول: كل يوم ثلاثة جنيهات تقريباً..
أما سيدنا عمر فيقول: (يا رسول الله! إنما نفقتي الحسنة بين السيئتين)
يعني: إذا عمل سيئة يعمل بعدها حسنة، ثم يأتي بعدها بسيئة فيعمل بعدها حسنة:
إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [هود:114]
سيدنا عمر ناصح، هذا هو الناصح! ولذلك أبشر سوف تجد في كتاب حسناتك يوم القيامة
وستجد حسنات أنت لم تعملها، يقول ملك من قبل العلي الأعلى: يا عبد الله! هذه حسناتك،
تقول: يا رب! أنا ما عملت شيئاً، وقد تجد قدر ألف حسنة من غيبة الذين اغتابوك، وظلم الذين
ظلموك، وخيانة الذين خانوك: (لو يدري الظالم ما للمظلوم لضن عليه بظلمه)
يعني: لو يعرف الظالم ما سيأخذه المظلوم من الحسنات لبخل عليه بالظلم.
وإذا ظلمت فلا تدع على الظالم؛ لأن ظلمه أسرع إليه من دعائك عليه، وكذلك أنت عندما تدعو
عليه تمحو حسناتك بالدعاء عليه؛ لأن الله يستجيب دعاءك وينتقم منه لك فهذا مقابل الحسنات؛
لأن المظلوم يقول الله له: (وعزتي وجلالي لأنصرك ولو بعد حين)
النصر آتٍ فما دام أن الله نصره فقد أعطاه حقه: (وأثقل شيء يوضع في الميزان جرعة غيظ يتجرعها
المؤمن وهو قادر على إنفاذها
).
انظر الرسول صلى الله عليه وسلم قال (جرعة) كأنها دواء؛
لأنها صعبة ليست سهلة، جرعة غيظ يتجرعها المؤمن وهو قادر أن ينفذها، سبحان الله؛
ولذلك العفو عند المقدرة ممدوح، جاء أعرابي من اليمن، فقعد في خطبة الجمعة مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم، وكان سيدنا الحبيب أحياناً يقرأ سورة ق..
تخيل أنت عندما تسمع سورة ق من فم الحبيب كيف يكون أثرها؟!
فبعدما انتهى النبي من الصلاة وقف الأعرابي وقال:
(يا رسول الله! من سوف يحاسبنا يوم القيامة؟ قال له: الله الكريم
انظر الإجابة! لم يقل له: الله القهار، الله الجبار، الله المنتقم، مع أن هذه صفاته وأسماؤه، قال:
(الله الكريم، قال: لقد أرحتني يا رسول الله، إن الكريم إذا قدر عفا، وإذا حاسب سامح)
الكريم عندما يقدر يعفو، وعندما يحاسب يسامح، لكن انظر إلى المسرف على نفسه، الذي ليس
معه ولا حسنة، يقول: تعالوا فاسحبوه إلى النار، وهو ذاهب إلى النار سيدنا جبريل يوقفه ويقول:
(يا رب! هذا عبد من عبادك كان يداين الناس فيقول لغلمانه: أيسروا على المعسر)
يعني: فتح الله عليه بمال وغنى فجعل يداين الناس ديون، فكان إذا أتى موعد سداد الدين ..
يقول للموظفين: الذي لا يستطيع الدفع فاتركوه قليلاً..
قال تعالى: فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ [البقرة:280]،
فيقول الله: أرجعوه إلي، فيقول: عبدي! أأنت أكرم منا؟! أدخلوه إلى الجنة.
فلا أحد أكرم من الله، لا كريم إلا الله، ومن كرمه أنه قال لسيدنا إبراهيم عندما كان عنده ضيف كافر
فرفض أن يضيفه: يا إبراهيم! رفضت أن تضيفه في ملكك ساعة، وأنا أضيفه في ملكي رغم كفره
بي منذ خمسين عاماً.



من صفات عباد الرحمن أنهم لا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق
قوله: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الفرقان:68] أي: عندهم التوحيد الخالص، وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ
اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ
[الفرقان:68] قلنا: إن القتل نوعان: نوع مادي، ونوع معنوي.
والقتل العمد لا جزاء له إلا النار: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ [النساء:93] والعياذ بالله! والذي يقتل
مسلماً خطأ عليه دية، والدية مائة ألف جنيه، كشخص صدم شخصاً بسيارة فمات، يدفع لأهله مائة ألف جنيه،
فإذا لم يستطع دفع أهله معه، الذين سوف يرثون منه إلا أن يعفو أهل القتيل، فإذا لم يجد مائة ألف جنيه دية
يصوم شهرين متتابعين.
وهذا الكلام للمرأة التي أجهضت سواء بأمر زوجها أو برأيها أو برأي الطبيب الذي ليس بمسلم لمجرد أنها ..
ذهبت إليه وقالت له: عندي ثلاثة عيال، وعندي غرفة وصالة ومرتب قدر ستين جنيهاً فتأتي بالمقدمة من أجل
أن تعمل إجهاضاً، فهذا حرام، وقتل للنفس المحرمة، السادة العلماء الذين علمونا الفقه أفتوا ألا نقدم على
هذا الفعل إلا بفتوى من طبيب مسلم ماهر، يعني: يكون معروفاً ومشهوداً له بالكفاءة والأمانة، بأن يكون ..
دكتوراً ناصحاً مسلماً يتقي الله، فتعرض عليه الحالة، فإذا كان فيها ما يسبب هلاكاً على الأم، أو هلاكاً على
الجنين، أو خطراً على الاثنين فهذا لا بأس فيه بإسقاط الجنين فنعمل في ساعتها بفتوى الطبيب المسلم.
قال تعالى: وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي [الفرقان:68] فالآيات في السورة أتت أولاً بصفات الإيجاب التي هي:
وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا
وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا
[الفرقان:63-65]،
وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا [الفرقان:67].
ثم قال: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الفرقان:68]
فبدأ بأول النهي وهو: لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ [الفرقان:68]
فأهل العلم يقولون بدأت الآيات أولاً بصفات التحلي، ثم ختمت بصفات التخلي، ما معنى صفات التحلي،
وصفات التخلي؟ أي: التحلي بمكارم الأخلاق، والتخلي عن سيئ الأخلاق، والتحلي يكون بالصفات الطيبة:
الأول: (يمشون على الأرض هوناً) ..
(وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) ..
و(يبيتون لربهم سجداً وقياماً) تأتي بعدها صفات التخلي: (لا يدعون مع الله إلهاً آخر) ..
(لا يقتلون النفس) ..
(لا يزنون) إلى آخر الآيات الباقية. فالقتل نوعان: قتل مادي، وقتل معنوي، فأنت عندما تدخل الكآبة والحزن على
أخيك المسلم أو على زوجتك أو على عيالك والعياذ بالله فقد قتلتهم، ويحاسبك الله يوم القيامة على أنك قاتل؛ ولذلك الصراعات الموجودة على العمل وعلى المناصب يحصل فيها ذلك، هذا يريد أن يبقى مديراً، والثاني يريد
أن يبقى عضو مجلس الإدارة، وهكذا فيطعن هذا في هذا، وهذا ينزل على هذا، فهذا قتل معنوي، والله عز وجل
ينهانا أن نقتل أنفسنا، وقتل النفس هنا بإماتتها عن طاعة الله، وبإقبالها على معصية الله والعياذ بالله رب العالمين! قوله: وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ [الفرقان:68] ولذلك يجب على المسلم أن يدرس تاريخ الإسلام
وأن يدرس الفقه الإسلامي من أجل أن يعرف الصحيح من الخطأ.
سبعة من أهل اليمن قتلوا شخصاً في زمن سيدنا عمر ؛ فقتل سيدنا عمر السبعة، فقالوا له:
لماذا يا أمير المؤمنين تقتل سبعة بواحد؟! قال: لو اجتمع عليه أهل صنعاء لقتلت أهل صنعاء جميعاً، والقانون
الوضعي يقول لك: هذا عبارة عن محرض وهذا مساعد..
إلخ، فيكون عقابه خمس سنين، وهذا سبع سنين، وهذا عشر، وهذا سجن تأبيد، وهذا ثلاثة عشر عاماً، مع أن
الكل شاركوا في القتل والعياذ بالله رب العالمين؛
ولذلك أين يذهب الذين قتلوا علماء المسلمين من الله يوم القيامة؟!
سبحان الله، فمن قتل أهل العلم، ومن يحملون رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن قتل الضعفاء والمساكين الذين لا ناصر لهم إلا الله عز وجل، أين سيذهبون يوم القيامة؟
يقول لك: هذا مات منتحراً، وهذا مات فجأة كيف؟! أيعقل أن حافظ القرآن يموت منتحراً؟!
هذا ليس ممكناً، أكبر نعمة ينعم الله بها على العبد أن يعرفه كتابه، الذي يحفظ كتاب الله ليس من الممكن أن
يتهموه بالانتحار، ولذلك ما عذب إنسان ظالم مسلماً أو عالماً أو ملتزماً فإنه يموت فيرى العذاب أكثر.
والله الذي لا إله إلا هو لقد كان هناك رجل مدير أحد السجون، وكان يجعل المسلمين الملتزمين والعلماء في الستينات يمشون أمامه منحنين لأظهرهم وواضعين أيديهم وراءهم، مكبلة في الأغلال، وربنا رزقه بولد والله أراه
في الشارع فأرى آية الله عز وجل، وقد بلغ عمر الولد هذا ثلاثين سنة اليوم، هذا الولد عنده مرض عصبي لا يتزن
إلا إذا انحنى ووضع يديه خلفه، والجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان، مثل ما تعمل بالناس يعمل بك في أي شيء، في النظرة إلى الحرام أو إلى محارم الناس يأتي ربنا بمن ينظر إلى محارمك أنت، الإمام الشافعي رحمه
الله تعالى يقول: عفوا تعف نساؤكم في المحرم وتجنبوا ما لا يليق بمسلم من يزن في قوم بألفي درهم في
أهله يزنى بربع الدرهم من يزن يزن به ولو بجداره إن كنت يا هذا لبيباً فافهم إن الزنا دين فإن أقرضته كان القضا
من أهل بيتك فاعلم.



من صفات عباد الرحمن ترك الزنا

قال تعالى: وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ [الفرقان:68]
والعياذ بالله! فساعة ارتكاب المعصية والزنا يغادرك الإيمان، ويبتعد عنك؛
لأنه (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن
فوقت ما يزني العبد ولو كان مؤمناً ما كان ليعمل هكذا؛ ولذلك الجوارح تأتي بالمقدمات:
(إن العين لتزني وزناها النظر، وإن الأذن لتزني وزناها السمع، وإن اللسان ليزني وزناه السلام،
وإن اليد لتزني وزناها اللمس، وإن الرجل لتزني وزناها المشي إلى ما حرم الله، والفرج يصدق
ذلك أو يكذبه
)، فيا مرتكب الفاحشة إلى أين ستذهب من الله؟
مما أعجب له مسائل الاغتصاب التي انتشرت في السنوات الأخيرة في مصر، وكانت جديدة على
مجتمع المسلمين المصري؛
لأننا أولاً صعبنا أمر الحلال، فصار أمر الحرام ميسوراً. والسبب الآخر:
أنه خرجت بناتنا ونساؤنا عرايا إلى الشوارع، فكان هذا المنظر مدعاة للشباب المستهتر والمنحرف،
والرجال الفسقة أن يعتدوا عليهن، والذئب يأكل من الغنم الشاردة؛
لذلك أنا ثائر وغضبان جداً من أولياء الأمور الذين يخرجون بناتهم وأولادهم بالليل، لا ينبغي أن تخرج
حتى ولو إلى المسجد إلا أن تكون مع محرم، قلت لكم يوم الجمعة:
ذهاب البنت إلى الجامعة ليس بحرام، ولكن اذهب بها محتجبة، وعندما تطلع بالليل انتظرها على
الباب، وإلا فأنت راع ومسئول عن رعيتك، وإن حدث لابنتك سوء فأنت السبب، فهي معلقة في
رقبتك يوم القيامة، اتق الله يا عبد الله، ربنا يحفظ بناتنا ونساءنا وأهلينا وذوينا من كل سوء، ويطرد
عن هذا المجتمع كل شر وفسق وفجور، ويجعله مجتمعاً آمناً مطمئناً بكتابه سبحانه وبسنة حبيبه!
قوله: (ولا يزنون) ولذلك لما كانت الحدود تقام كانت المسألة مريحة؛
لأنه عندما يقام عليه الحد يغفر له ما قد سلف، فالمحصن يرجم، وغير المحصن يجلد مائة جلدة،
وبعدها ربنا يقول: وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ [النور:2]،
لماذا نحفر حفرة ونوقع الزاني أو الزانية فيها ثم نرجم؟
لأنه لا يضرب الله بالحجارة إلا أسوأ الناس عند الله وأعدى أعداء الله يموتون بالحجارة، وذلك مثل
أصحاب الفيل، والزاني عنده نفس القضية يرجم بكومة حجارة ويأتي إمام المنطقة أو الحاكم
فيقول: ابدءوا الرجم، فيرجمونه حتى يموت، ولو هرب الزاني من ميدان الرجم لا يعاد إلى
الميدان مرة أخرى، لأن الأمر انتهى: (ادرءوا الحدود بالشبهات
ولذلك سيدنا خالد لما جيء بـالغامدية مع ماعز ليرجما وضعوهما في الحفرة وبقوا يرمونهما
بالحجارة، فطارت قطرة دم من الغامدية إلى فم سيدنا خالد فتأفف، فقال: (يا خالد !
لقد تابت توبة لو وزعت على أهل المدينة لوسعتهم
والرواية الثانية:
(لو وزعت على أهل الأرض لوسعتهم والرواية الثالثة: (لو تابها صاحب مكس لغفر له
صاحب مكس: هم أصحاب الضرائب.
وأريد أن أقول: لحد واحد يقام في الأرض خير من مطر أربعين سنة، فالمسلم يتقي الله، فمن
واجب الناس أن يتوبوا، ولكن ترك الذنوب أوجب. فنحن نحجب نساءنا وبناتنا وأخواتنا من أجل
العيون الشاردة، والذئاب الجائعة، والنفوس المريضة الضعيفة التي تفعل ما حرم الله سبحانه
وتعالى، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قوم وأعلنوا بها
في الجامعة، البنت والولد اللذان يقعدان داخل السيارة أليست هذه خلوة؟ هذه خلوة مؤكدة،
وحتى ولو كانت مخطوبة له فلا يجوز أن يقعد معها، ولا أن يسلم عليها، ولا أن يوصلها البيت؛
لأنه ما زال أجنبياً عنها، يقول صلى الله عليه وسلم: (ما ظهرت الفاحشة في قوم وأعلنوا بها
إلا أصابهم الله بأمراض لم تكن في أسلافهم
).
اليوم أتى للمجتمعات: مرض الإيدز، وفقد المناعة، والفشل الكلوي، وتصلب الشرايين، وأمراض
ما أنزل الله بها من سلطان، كان آباؤنا وأجدادنا يعيشون بالرضا وبالتقوى، وكان الواحد منهم يأخذ
كوب شاي مع الليمون ثم يدلك في ظهره فيقوم وهو نشيط من فضل الله سبحانه وتعالى، كانوا
يقولون: اقرءوا الفاتحة، فيقوم ما شاء الله لا قوة إلا بالله، لكن لكثرة معاصينا كثرت الأمراض،
والشفاء صار صعباً، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يشفي أمراضنا الظاهرة والباطنة، إن ربنا على
ما يشاء قدير. قال تعالى:
وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا [الفرقان:68]،
(أثاماً): واد في جهنم فيه حيات وعقارب، تلدغه الحية يسري سمها في عروقه سبعين سنة،
نسأل الله أن يتوب علينا وعليكم، المعذرة نحن في الجنة ونتكلم عن هذا الكلام، لكن المسألة
مسألة أمر ونهي، والقرآن مثاني رحمة وعذاب، نسأل الله أن يرحمنا وإياكم.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (في كل حية أو عقرب سبعون قلة من قلال هجر)
قلة هجر: هذه عبارة عن آنية مثل الصوامع، القلال والصاع والمد والمكاييل القديمة، وترجمتها
إلى المكاييل الحديثة، لقيت أن كل عقرب أو كل حية والعياذ بالله فيها كمية من السم مقدار
ثلاثة آلاف وخمسمائة كيلو، يعني: قدر ثلاثة طن ونصف في الحية الواحدة، تسلط على الذي
يدعو مع الله إلهاً آخر، والذي يقتل النفس بغير حق، والذي يرتكب الفواحش، والذي لا يصلي،
هذا هو الوادي الذي يستقبل هؤلاء. قال تعالى:
يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا [مريم:59-60].
أي: إلا من تاب عن كل الذي فات، (وآمن) أي: بكل ما أنزل الله، (وعمل عملاً صالحاً
فهم يتوبون إلى الله متاباً، ربنا تاب عليهم فكفر عنهم الذنوب التي ارتكبوها.


من صفات عباد الرحمن أنهم لا يشهدون الزور
قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72].
وشهادة الزور ليست هي الشهادة في المحكمة أمام القاضي فقط، فلا تشهد إلا بالحق ولو على نفسك،
تقول: أنا مخطئ، ابني مخطئ، امرأتي مخطئة، أخي مخطئ، فتقول الحق ولا تخاف في الله لومة لائم.
دخل يهودي على شريح القاضي في زمن أمير المؤمنين علي كرم الله وجهه، فقال: يا قاضي المسلمين!
هذا سيف ورثته عن آبائي وأجدادي، ويدعيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ويقول: إنه له، قال:
ائتوني بـعلي ، فدعي سيدنا علي فأتى وقال: السلام عليكم، وهو أمير المؤمنين، ثم جلس سيدنا علي
بجوار شريح ؛ فقال له: قم يا أبا الحسن ! واجلس بجوار خصمك، فقعد سيدنا علي رضي الله عنه بجواره، ثم
قال له شريح : أهذا السيف سيفك يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، هذا السيف سيفي، فقال اليهودي:
إنه سيفي، فـشريح نظر إلى السيف وإذا بالسيف سيف سيدنا رسول الله، ما الذي أتى به لليهودي؟!
فقال شريح : أمعك شهود يا أمير المؤمنين؟ قال له: نعم، فذهب وأتى بـالحسن و الحسين، فقال له:
لا تصلح شهادتهما، أنتم علمتمونا أن الفرع لا يشهد لأصله، ولا الأصل لفرعه، ثم قال: معك شهود أخر؟
قال له: لا، قال له: السيف سيف اليهودي، البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، قال له:
فلما وصل علي إلى الباب دعاه اليهودي: يا أمير المؤمنين! تعال، وقال: هكذا يقام الأمان، وهكذا تعيش الدول،
وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، السيف سيف علي .
ثم قال شريح : يا أمير المؤمنين! أغضبت؟ رأيت وجهك قد اكفهر عندما أمرتك أن تجلس بجوار خصمك، قال: لا،
ما اكفهر وجهي من هذا، وإنما لأنك كنيتني وقلت: يا أبا الحسن ! فقد فضلتني في مجلس الصلح.
قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72] .
يقولون الحق في أي وقت، انظر إلى سيدنا عمر وانظر أيضاً إلى تلاميذ الحبيب، كان هناك شخص يشهد مع آخر،
فقال له سيدنا عمر: أأنت تعرفه؟ قال: لا، قال له: أأنت جاره الأدنى؟ قال له: لا، قال له: أرافقته في سفر؟
قال له: لا، قال له: أعاملته بالدرهم والدينار؟ وسمي المال مالاً لأنه يميل بالناس عن الحق، ويقول الشاعر:
رأيت الناس قد مالوا إلى من عنده مال ومن لا عنده مال فعنه الناس قد مالوا رأيت الناس قد ذهبوا إلى من عنده
ذهب ومن لا عنده ذهب فعنه الناس قد ذهبوا رأيت الناس منفضة إلى من عنده فضة ومن لا عنده فضة فعنه
الناس منفضة انظروا إلى هذا الكلام الجميل من أين أتى به هؤلاء الرجال؟!
هذا يدل على أن عندهم صلة بالله حتى تجري الحكمة على ألسنتهم، اللهم ألحقنا بهم يا رب. قال له:
هل أنت جاره؟ أو عاملته بالدرهم والدينار؟ هل سافرت معه؟
هل رأيته في الركوع والسجود في المسجد ونظرت إليه يصلي؟
قال له: نعم، قال له: إذاً إنك لا تعرفه، ائتني بمن يعرفه، لا تكفي الصلاة والصوم هذا بينك وبين ربنا، لكن المحك
هو التعامل، انظر الحديث: ( إذا أثنى على الرجل جيرانه في الحضر، ورفقاؤه في السفر، ومعاملوه في الأسواق
، فقل له: إنه من أهل الجنة
هؤلاء ثلاثة: جارك في البلد الذي تعيش معه، ورفيقك في السفر، والمتعاملون
معك في السوق. قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ [الفرقان:72]
أي: يقولون الحق، النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء إليه رجل يشهد، قال له: أتشهد؟
قال له: نعم يا رسول الله أشهد، قال له: انظر إلى الشمس أتراها؟ قال: نعم، قال له: على مثلها فاشهد،
فقال له: اعفني يا رسول الله!


من صفات عباد الرحمن الإعراض عن اللغو
قال تعالى: وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا [الفرقان:72]؛
لأن المسلم كبير له قيمة واحترام، فالإنسان الذي يتقي الله الناس يعملون له حساباً
حتى عندما يذهب إلى المسجد يلاقي الذين يسلكون وراء الشيطان، أول ما ينظر إليه
أحدهم يخبئ يده التي فيها خاتم الذهب وراءه فتقول له: كيفك؟ وكيف صحتك؟
تجده أبداً مكسوف منه، فنقول له: لا تخجل منه واخجل من الله سبحانه!


من صفات عباد الرحمن الدعوة للذرية والأزواج بالصلاح
قال تعالى: وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74].
فهذه دعوة عظيمة! (ربنا هب لنا من أزواجنا) أي: الزوجات أو الأزواج، (وذرياتنا) أي: الأولاد (قرة أعين) يعني:
ما تقر به عيني في طاعة زوجتي، وتقر به عين زوجتي بأدبي معها، فزوجتك تكون راضية عنك، وأنت راضٍ عنها، سبحان الله، وأريد أن أقول نقطة مهمة: الزوجة تستطيع أن تجامل زوجها، والزوج يستطيع أن يجامل زوجته،
ولنفرض جدلاً أنك تريد أن ترتاح، لكن لو أنك أوصلت حماتك وأخت امرأتك وأخا امرأتك إلى بيوتهم مثلاً، فإن
امرأتك تحبك كثيراً، فيا أخي جاملهم، تحبب إلى امرأتك في هذه النقطة، والمثل يقول:
(حب يد حماتك ولا تحب يد امرأتك)؛ لأنه إذا أرضيت حماتك أطاعتك امرأتك، وإذا عاديت فإنك تعادي حلف شمال الأطلنطي فتدخل في دوامة! طرق رجل الباب على معاوية رضي الله عنه، فخرج الحاجب وقال له: من أنت؟
قال له: أنا أخو أمير المؤمنين، فدخل وقال لـمعاوية : معك أخ لا أعرفه يا أمير المؤمنين! قال له: ائذن له بالدخول،
فلما دخل قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين! قال: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، قال: أنا أخوك، نظر فيه
معاوية فلم يعرفه، قال له: من لدن من؟ قال له: من لدن آدم، قال:
هاه رحم مقطوعة يكون أول من يصلها إن شاء الله أنا، وإنما المؤمنون إخوة فبالعكس، الأخوة في الدين أقوى من
أخوة النسب والدم. قال تعالى: هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا [الفرقان:74]،
تقول: يا رب! اجعلني إماماً في الخير، واجعل امرأتي قدوة في الخير، واجعل أولادي قدوة في الخير، وكما قال
لسيدنا موسى وسيدنا هارون: وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً [يونس:87]،
أي: قبلة ليأتم الناس بها ويقتدون بها، فيكون البيت كله بركة ونعمة: (إن الله إذا أحب قوماً)
أي: أهل بيت، (أنزل عليهم الرفق واللين، وإذا غضب الله على أهل بيت نزع منهم الرفق واللين
تسمع ضجة وصياحاً طوال اليوم فالرجل يشتم، والمرأة تسب، والعيال يصيحون، وبجوارهم بيوت تقول:
هؤلاء الجيران ما عندهم أولاد، فتنظر وإذا عندهم أربعة أو خمسة، لكن عندهم أدب وأخلاق، اللهم اهدنا
وذرياتنا يا رب العالمين. قال تعالى: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا [الفرقان:75]
أي: الذين اتصفوا بصفات عباد الرحمن من قوله: (يمشون على الأرض هوناً) إلى آخره، فهم في الغرفات آمنون.
يعوضهم الله جزاء ما صبروا في الدنيا واتقوا الله عز وجل.
قال تعالى: أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا [الفرقان:75]
تحية من الله وسلاماً من الله والملائكة، ومن الحور العين ومن الغلمان الذين:
إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا [الإنسان:19].
خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا [الفرقان:76] الله عز وجل جعل هذا هو المستقر وهو المقام في هذا
المكان العظيم. أنت في الدنيا أحياناً تحث على عمل المعروف، فتقول: كيف نعمل معروفاً والناس يردون علينا
بالغلط، نقول لك: لا، لماذا؟ لأن أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة،
يعني: الذين يعملون المعروف في الدنيا ربنا يعمل فيهم معروفاً يوم القيامة، وهل يوجد معروف أكثر من الذي
يدخلك الجنة؟ قعد أبو بكر و عمر و العباس على عتبة باب رسول الله فخرج عليهم رسول الله فقال:
(فيم تتحدثون؟ قال أبو بكر : نتحدث في المعروف يا رسول الله، فقال رسول الله: وماذا قلتم؟ أبو بكر قال:
أنا قلت: خير المعروف ستره) يعني: لا أقوم أفضح في الجرائد وأقول: عملت كذا..
ثم قال: (وأنت يا عمر ؟ قال: وأنا قلت: خير المعروف تصغيره، ثم قال: وأنت يا عباس ؟ فقال: أنا قلت:
خير المعروف تعجيله) يعني: الذي يريد أن يعمل خيراً يعمله دون تأخير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
(المعروف فيه الثلاثة: إن سترته جملته، وإن صغرته عظمته، وإن عجلته هنأته)، عندما تستر المعروف تجمله،
هذا جميل، وعندما تصغر المعروف تكون أنت عظمته، وعندما تعجل بالمعروف تكون أنت تشعر بالهناءة لمن
صنعت فيه معروفاً، يقول صلى الله عليه وسلم: (أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة،
قيل: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل المعروف فقال:
قد غفرت لكم على ما كان منكم، وصانعت عنكم عبادي، فهبوه اليوم لمن شئتم لتكونوا أهل المعروف في
الدنيا وأهل المعروف في الآخرة
)، أي: فالذي تريدون أن تدخلوه الجنة فأدخلوه، فيكون المعروف هو الذي بقي
هنا حتى إن صاحب المعروف يقول له: أنا عملت فيك معروفاً مرة، أتيت إلي فسقيتك!
لذلك قال سيدنا الحبيب صلى الله عليه وسلم: (من أطعم أخاه قطعة حلوى صرف الله عنه مرارة يوم القيامة
ليس هناك شيء يضيع عند الله، والدال على الخير كفاعله، والدال على الشر كفاعله:
(ومن سره أن تنفس كربته، وأن تستجاب دعوته، فلييسر على المعسر أو ليدعو له؛ فإن الله يحب إغاثة اللهفان). وصلى الله عليه وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.












عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..