عرض مشاركة واحدة
قديم 10-03-2016, 05:50 PM
المشاركة 40
  • غير متواجد
رد: أَإِلَـٰهٌ مَّعَ اللَّـهِ
تابع القوادح في العقيدة ووسائل السلامة منها
ومنها الردة بالشك:
عرضنا للردة التي تكون بالقول، والردة بالعمل، والردة بالعقيدة، أما الردة بالشك فمثل الذي يقول: أنا لا أدري هل الله حق أم لا؟ أنا شاك، هذا كافر كفر شك، أو قال: أنا لا أعلم هل البعث حق أم لا؟ أو قال: أنا لا أدري هل الجنة والنار حق أم لا؟ أنا لا أدري، أنا شاك.
فمثل هذا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل كافراً لشكه فيما هو معلوم من الدين بالضرورة وبالنص والإجماع.
فالذي يشك في دينه ويقول: أنا لا أدري هل الله حق؟ أو هل الرسول حق؟ وهل هو صادق أم كاذب؟ أو قال: لا أدري هل هو خاتم النبيين؟ أو قال: لا أدري مسيلمة كاذب أم لا؟ أو قال: ما أدري هل الأسود العنسي - الذي ادعى النبوة في اليمن - كاذب أم لا؟ هذه الشكوك كلها ردة عن الإسلام، يستتاب صاحبها ويبين له الحق، فإن تاب وإلا قتل. ومثل لو قال: أشك في الصلاة هل هي واجبة أم لا؟ أو الزكاة هل هي واجبة أم لا؟ وصيام رمضان هل هو واجب أم لا؟ أو شك في الحج مع الاستطاعة هل هو واجب في العمر مرة أم لا؟ فهذه الشكوك كلها كفر أكبر يستتاب صاحبها، فإن تاب وآمن وإلا قتل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من بدل دينه فاقتلوه)) رواه البخاري في الصحيح[24].
فلا بد من الإيمان بأن هذه الأمور - أعني الصلاة والزكاة والصيام والحج - كلها حق وواجب على المسلمين بشروطها الشرعية، هذا الذي تقدم هو القسم الأول من القوادح، وهو القسم الذي ينقض الإسلام ويبطله، ويكون صاحبه مرتداً يستتاب، فإن تاب وإلا قتل.
أما النوع الثاني: فهو وجود القوادح دون الكفر، لكنها تضعف الإيمان وتنقصه، وتجعل صاحبها معرضاً للنار وغضب الله، لكن لا يكون صاحبها كافراً.
وأمثلة ذلك كثيرة منها: الزنا إذا آمن أنه حرام ولم يستحله، بل يزني ويعلم أنه عاص، هذا لا يكون كافراً وإنما يكون عاصياً، لكن إيمانه ناقص، وهذه المعصية قدحت في عقيدته لكن دون الكفر، فلو اعتقد أن الزنا حلال صار بذلك كافراً.
وهكذا لو قال: السرقة حلال، أو ما أشبه ذلك، يكون كافراً؛ لأنه استحل ما حرم الله، وكذلك الغيبة والنميمة وعقوق الوالدين وأكل الربا وأشباه ذلك، كل هذه من القوادح في العقيدة المضعفة للدين والإيمان.
وهكذا البدع، وهي أشد من المعاصي، فالبدع في الدين تضعف الإيمان، ولا تكون ردة ما لم يوجد فيها شرك.
ومن أمثلة ذلك: بدعة البناء على القبور، كأن يبني على القبر مسجداً أو قبة، فهذه بدعة تقدح في الدين وتضعف الإيمان، لكن إذا بناها وهو لا يعتقد جواز الكفر بالله، ولم يقترن بذلك دعاء الميتين والاستغاثة بهم والنذر لهم، بل ظن أنه بفعله هذا يحترمهم ويقدرهم، فهذا العمل حينئذ ليس كفراً، بل بدعة قادحة في الدين تضعف الإيمان وتنقصه، ووسيلة إلى الشرك.
ومن أمثلة البدع: بدعة الاحتفال بالمولد النبوي حيث يحتفل بعض الناس في الثاني عشر من ربيع الأول بمولد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا العمل بدعة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه ولا خلفاؤه الراشدون، ولم يفعلها أهل القرن الثاني ولا الثالث، بل هذه بدعة محدثة[25].
أو الاحتفال بمولد البدوي، أو عبد القادر الجيلاني، أو غيرهما، فالاحتفال بالموالد بدعة من البدع، ومنكر من المنكرات التي تقدح في العقيدة؛ لأن الله ما أنزل بها من سلطان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة)) رواه مسلم[26]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) متفق على صحته[27]، أي فهو مردود عليه، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) خرجه مسلم في صحيحه[28]، وقال: ((إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة))[29]، فالبدع من القوادح في الدين التي دون الكفر، إذا لم يكن فيها كفر، أما إذا كان في الاحتفال بالمولد دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم والاستغاثة به وطلبه النصر صار شركاً بالله، وكذا دعاؤهم يا رسول الله انصرنا، المدد المدد يا رسول الله، الغوث الغوث، أو اعتقادهم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب أو غيره، كاعتقاد بعض الشيعة في علي والحسن والحسين أنهم يعلمون الغيب، كل هذا شرك وردة عن الدين، سواء كان في المولد أو في غير المولد.
ومثل هذا قول بعض الرافضة: إن أئمتهم الإثني عشر يعلمون الغيب، وهذا كفر وضلال وردة عن الإسلام؛ لقوله تعالى( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلا اللَّهُ)[30]، أما إذا كان الاحتفال بمجرد قراءة السيرة النبوية، وذكر ما جرى في مولده وغزواته، فهذا بدعة في الدين تنقصه ولكن لا تنقضه.
ومن البدع: ما يعتقده بعض الجهال في شهر صفر من أنه لا يسافر فيه، فيتشاءمون به[31]، وهذا جهل وضلال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة)) متفق على صحته، وزاد مسلم: ((ولا نوء ولا غول))[32]؛ لأن اعتقاد العدوى والطيرة والتعلق بالأنواء، أو الغول[33]، كل هذه من أمور الجاهلية التي تقدح في الدين.
ومن زعم أن هناك عدوى فهذا باطل، ولكن الله جعل المخالطة لبعض المرضى قد تكون سبباً لوجود المرض في الصحيح، ولكن لا تعدي بطبعها، ولما سمع بعض العرب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا عدوى..)) قال: يا رسول الله الإبل تكون في الرمال كأنها الظباء فإذا دخلها الأجرب أجربها، قال صلى الله عليه وسلم ((فمن أعدى الأول))[34] أي: من الذي أنزل الجرب في الأول[35]. فالأمر بيد الله سبحانه وتعالى إذا شاء أجربها بسبب هذا الجرب، وإن شاء لم يجربها. وقد قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يوردن ممرض على مصح))[36] يعني لا توردوا الإبل المريضة على الصحيحة، بل تكون هذه على حدة وهذه على حدة، وذلك من باب اتقاء الشر والبعد عن أسبابه، وإلا فالأمور بيد الله، لا يعدي شيء بطبعه إنما هو بيد الله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا[37]، فالخلطة من أسباب وجود المرض فلا تنبغي الخلطة، فالأجرب لا يخالط الصحيح، هكذا أمرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من باب الاتقاء والحذر من أسباب الشر، لكن ليس المعنى أنه إذا خالط فإنه سيعدي لا، قد يعدي وقد لا يعدي، والأمر بيد الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((فمن أعدى الأول؟)).
ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد))[38]، والمقصود: أن تشاؤم أهل الجاهلية بالعدوى وبالتطير أو الهامة وهي روح الميت، يقولون: إنها تكون كأنها طائر حول قبره يتشاءمون بها، وهذا باطل لا أصل له، وروح الميت مرتهنة بعمله إما في الجنة أو النار.
والطيرة والتشاؤم بالمرئيات والسمعيات من عمل الجاهلية، حيث كانوا يتشاءمون إذا رأوا شيئاً لا يناسبهم مثل الغراب، أو الحمار الأسود، أو مقطوع الذنب، أو ما أشبه ذلك، فيتشاءمون به، هذا من جهلهم وضلالهم، قال الله جل وعلا في الرد عليهم: أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ[39]، فالله بيده الضر والنفع، وبيده العطاء والمنع، والطيرة لا أصل لها، ولكنه شيء يجدونه في صدورهم ولا حقيقة له، بل هو شيء باطل، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((لا طيرة))، ولذا يجب على المسلم إذا رأى ما يتشاءم به ألا يرجع عن حاجته، فلو خرج ليسافر وصادفه حمار غير مناسب، أو رجل غير مناسب أو ما أشبه ذلك، فلا يرجع، بل يمضي في حاجته ويتوكل على الله، فإن رجع فهذه هي الطيرة، والطيرة قادحة في العقيدة ولكنها دون الشرك الأكبر، بل هي من الشرك الأصغر.
وهكذا سائر البدع كلها من القوادح في العقيدة، لكنها دون الكفر، إن لم يصاحبها كفر. فهذه البدع مثل بدعة الموالد، والبناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، ومثل صلاة الرغائب هذه كلها بدع، والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج التي يحددونها بسبع وعشرين من رجب، هذه بدعة ليس لها أصل، وبعض الناس يحتفل بليلة النصف من شعبان ويعمل فيها أعمالاً يتقرب بها، وربما أحيا ليلها أو صام نهارها يزعم أن هذا قربة، فهذا لا أصل له، والأحاديث فيه غير صحيحة، بل هو من البدع.
والجامع في هذا أن كل شيء من العبادات يحدثه الناس ولم يأمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ولم يقره فهو بدعة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد))، وقال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))، وكان يقول في خطبة الجمعة: ((وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة))[40] يحذر الناس من البدع ويدعوهم إلى لزوم السنة صلى الله عليه وسلم.
فالواجب على أهل الإسلام أن يلزموا الإسلام ويستقيموا عليه، وفي هذا كفايتهم وكمالهم، فليسوا بحاجة إلي بدع، يقول الله تعالى:
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا)[41]، فالله أكمل الدين وأتمه بحمده وفضله، فليس الناس بحاجة إلى بدع يأتون بها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ))[42].
فليس الناس بحاجة إلى بدع زيد وعمرو، بل يجب التمسك بما شرعه الله، والسير على منهج الله، والوقوف عند حدوده، وترك ما أحدثه الناس، كما قال الله سبحانه وتعالى ذماً للبدع وأهلها: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ[43].
وفق الله الجميع لما فيه الخير، وأصلح أحوال المسلمين، ووفقهم للفقه في دينه، وجنبهم أسباب الزيغ والضلال والانحراف، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه وأتباعهم بإحسان إلى يوم الدين.
[1] سورة آل عمران الآية 19.
[2] سورة المائدة الآية 3.
[3] سورة آل عمران الآية 58.
[4] جزء من حديث رواه البخاري (3442، 3443)، ومسلم (2365) (143، 144، 145) وغيرهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال في (مختار الصحاح): بنو العلات: أولاد الرجل من نسوة شتى، سميت بذلك لأن الذي تزوج أخرى على أولى قد كانت قبلها ناهل، ثم علَّ من هذه، والعلل: الشرب الثاني، يقال عَلَلُ بعد نهل ا. هـ. قال الحفظ ابن حجر رحمه الله: (معنى الحديث: أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع) انظر فتح الباري (6/ 489).
[5] سورة المائدة الآية 48.
[6] سورة الأعراف الآية 157.
[7] سورة الحج الآية 78.
[8] جزء من حديث رواه البخاري (335، 438، 3122)، ومسلم (521).
[9] سورة البقرة الآية 185.
[10] سورة الحج الآية 62.
[11] صحيح البخاري (8/ 139).
[12] صحيح البخاري (3017).
[13] صحيح البخاري (6923)، صحيح مسلم (1733، 15)، واللفظ هنا لمسلم في (باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها)، من كتاب الإمارة.
[14] صحيح البخاري (3017).
[15] المسند (5/ 346)، سنن الترمذي (2623)، سنن النسائي (1/ 231، 232)، سنن ابن ماجه (1079) من حديث بريدة رضي الله عنه.
[16] صحيح مسلم، كتاب الإيمان 35 ـ باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة برقم (86)، ورواه الإمام أحمد بلفظ)) بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة)) المسند (3/ 389)
الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله