عرض مشاركة واحدة
قديم 11-10-2012, 01:38 AM
المشاركة 15

  • غير متواجد
رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )



.. قُدُومُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَصَحْبِهِ مِنْ الْحَبَشَةِ ..

وَفِي <126> هَذِهِ الْغَزْوَةِ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمّهِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابُهُ . وَمَعَهُمْ الْأَشْعَرِيّونَ :
أَبُو مُوسَى ، وَأَصْحَابُهُ .
قَالَ أَبُو مُوسَى بَلَغْنَا مَخْرَجَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ . فَخَرَجْنَا مُهَاجِرِينَ إلَيْهِ - أَنَا وَأَخَوَانِ
لِي - فِي بِضْعٍ وَخَمْسِينَ رَجُلًا مِنْ قَوْمِي . فَرَكِبْنَا سَفِينَةً . فَأَلْقَتْنَا إلَى النّجَاشِيّ ، فَوَافَقْنَا جَعْفَرٌ وَأَصْحَابُهُ عِنْدَهُ
فَقَالَ إنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَنَا وَأَمَرَنَا بِالْإِقَامَةِ فَأَقِيمُوا مَعَنَا . فَأَقَمْنَا حَتّى قَدِمْنَا فَتْحَ خَيْبَرَ .
وَكَانَ نَاسٌ يَقُولُونَ لَنَا : سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ . فَدَخَلَتْ أَسَمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ عَلَى حَفْصَةَ .
فَدَخَلَ عَلَيْهَا عُمَرُ وَعِنْدَهَا أَسْمَاءُ . فَقَالَ مَنْ هَذِهِ ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ . قَالَ الْحَبَشِيّةُ هَذِهِ ؟ الْبَحْرِيّةُ هَذِهِ ؟
قَالَتْ أَسْمَاءُ نَعَمْ قَالَ سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ . نَحْنُ أَحَقّ بِرَسُولِ اللّهِ مِنْكُمْ .
فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ كَلّا وَاَللّهِ لَقَدْ كُنْتُمْ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ .
وَكُنّا فِي أَرْضِ الْبَعْدَاءِ الْبَغْضَاءِ . وَذَلِكَ فِي ذَاتِ اللّهِ وَفِي رَسُولِهِ وَاَيْمُ اللّهِ لَا أُطْعِمُ طَعَامًا ، وَلَا أَشْرَبُ شَرَابًا
حَتّى أَذْكُرَ مَا قُلْت لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ . فَلَمّا جَاءَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ ذَكَرْت لَهُ ذَلِكَ .
فَقَالَ مَا قُلْت لَهُ ؟ قَالَتْ قُلْت لَهُ كَذَا وَكَذَا . قَالَ لَيْسَ بِأَحَقّ بِي مِنْكُمْ .
لَهُ لِأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَكُمْ أَنْتُمْ - يَا أَهْلَ السّفِينَةِ - هِجْرَتَانِ ([29])
فَكَانَ أَبُو مُوسَى وَأَصْحَابُ السّفِينَةِ يَأْتُونَهَا أَرْسَالًا ، يَسْأَلُونَهَا عَنْ الْحَدِيثِ مَا مِنْ الدّنْيَا شَيْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ
وَلَا أَعْظَمُ فِي أَنْفُسِهِمْ مِمّا قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .

.. مُحَاصَرَةُ رَسُولِ اللّهِ بَعْضَ الْيَهُودِ بِوَادِي الْقُرَى ..
ثُمّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ خَيْبَرَ إلَى وَادِي الْقُرَى وَكَانَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الْيَهُودِ ، وَانْضَافَ إلَيْهِمْ جَمَاعَةٌ مِنْ الْعَرَبِ .
فَلَمّا نَزَلُوا اسْتَقْبَلَتْهُمْ يَهُودُ بِالرّمْيِ وَهُمْ عَلَى غَيْرِ تَعْبِئَةٍ . فَقُتِلَ مُدَعّمٌ - عَبْدٌ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ .
كَانَ رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيّ وَهَبَهُ لِرَسُولِ اللّهِ فَقَالَ النّاسُ هَنِيئًا لَهُ الْجَنّةُ .
فَقَالَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ " كَلّا ، وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ . إنّ الشّمْلَةَ الّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ
لَمْ تُصِبْهَا الْقِسْمَةُ لِتَشْتَعِلَ عَلَيْهِ نَارًا فَلَمّا سَمِعَ ذَلِكَ <127> النّاسُ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكِ أَوْ شِرَاكَيْنِ .
فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ شِرَاكٌ مِنْ نَارٍ ، أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ ([30]) .
فَعَبّأَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَصْحَابَهُ لِلْقِتَالِ وَصَفّهُمْ ثُمّ دَعَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَأَبَوْا . وَبَرَزَ رَجُلٌ مِنْهُمْ .
فَبَرَزَ إلَيْهِ الزّبَيْرُ بْنُ الْعَوّامِ فَقَتَلَهُ . ثُمّ بَرَزَ آخَرُ فَبَرَزَ إلَيْهِ عَلِيّ فَقَتَلَهُ . حَتّى قُتِلَ مِنْهُمْ أَحَدَ عَشَرَ رَجُلًا .
فَقَاتَلَهُمْ حَتّى أَمْسَوْا . ثُمّ غَدَا عَلَيْهِمْ . فَلَمْ تَرْتَفِعْ الشّمْسُ قَدْرَ رُمْحٍ حَتّى افْتَتَحَهَا عَنْوَةً . وَأَصَابُوا أَثَاثًا وَمَتَاعًا
كَثِيرًا . فَقَسَمَهُ فِي أَصْحَابِهِ .وَتَرَكَ الْأَرْضَ وَالنّخْلَ بِأَيْدِي الْيَهُودِ وَعَامَلَهُمْ عَلَيْهَا .
وَلَمّا رَجَعَ إلَى الْمَدِينَةِ رَدّ الْمُهَاجِرُونَ إلَى الْأَنْصَارِ مَنَائِحَهُمْ مِنْ النّخِيلِ..
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللّهُ عَنْهَا لَمّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا : الْآنَ نَشْبَعُ مِنْ التّمْرِ.

.. بَعْثُ سَرِيّةٍ إلَى الْحُرُقَاتِ ..
ثُمّ بَعَثَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ سَرِيّةً إلَى الْحُرُقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ . فَلَمّا دَنَوْا مِنْهُمْ بَعَثَ الْأَمِيرُ الطّلَائِعَ .
فَلَمّا رَجَعُوا بِخَبَرِهِمْ أَقْبَلَ حَتّى دَنَا مِنْهُمْ لَيْلًا ، وَقَدْ هَدَءُوا ، ثُمّ قَامَ فَحَمِدَ اللّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ .
ثُمّ قَالَ " أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ تُطِيعُونِي وَلَا تَعْصُونِي ، وَلَا تُخَالِفُوا أَمْرِي . فَإِنّهُ لَا رَأْيَ لِمَنْ
لَا يُطَاعُ . ثُمّ رَتّبَهُمْ . فَقَالَ يَا فُلَانُ أَنْتَ فُلَانٌ وَيَا فُلَانُ أَنْتَ وَفُلَانٌ لَا يُفَارِقُ كُلّ مِنْكُمْ صَاحِبَهُ وَزَمِيلَهُ وَإِيّاكُمْ أَنْ يَرْجِعَ
أَحَدٌ مِنْكُمْ فَأَقُولُ . أَيْنَ صَاحِبُك ؟ فَيَقُولُ لَا أَدْرِي . فَإِذَا كَبّرْت فَكَبّرُوا . وَجَرّدُوا السّيُوفَ .
ثُمّ كَبّرُوا وَحَمَلُوا حَمْلَةً وَاحِدَةً . وَأَحَاطُوا بِالْقَوْمِ وَأَخَذَتْهُمْ سُيُوفُ اللّهِ.

.. عُمْرَةُ الْقَضِيّة ِ..
فَلَمّا كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ السّنَةِ السّابِعَةِ خَرَجَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مُعْتَمِرًا عُمْرَةَ الْقَضِيّةِ .
حَتّى إذَا بَلَغَ يَأْجَجَ وَضَعَ الْأَدَاةَ كُلّهَا ، إلّا الْجُحَفَ وَالْمِجَانّ وَالنّبْلَ وَالرّمَاحَ .
وَدَخَلُوا بِسِلَاحِ الرّاكِبِ - السّيُوفِ - وَبَعَثَ <128> جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ إلَى مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ يَخْطُبُهَا . فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى الْعَبّاسِ . فَزَوّجَهُ إيّاهَا .
فَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَكْشِفُوا عَنْ الْمَنَاكِبِ وَيَسْعَوْا فِي الطّوَافِ لِيَرَى
الْمُشْرِكُونَ قُوّتَهُمْ - وَكَانَ يُكَايِدُهُمْ بِكُلّ مَا اسْتَطَاعَ - فَوَقَفَ أَهْلُ مَكّةَ - الرّجَالَ وَالنّسَاءَ وَالصّبْيَانَ - يَنْظُرُونَ إلَيْهِ
وَإِلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ . وَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ آخِذٌ بِخِطَامِ نَاقَةِ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ
يَرْتَجِزُ يَقُولُ:

خَلّوا بَنِي الْكُفّارِ عَنْ سَبِيلِهِ
خَلّوا فَكُلّ الْخَيْرِ فِي رَسُولِهِ
قَدْ أَنَزَلَ الرّحْمَنُ فِي تَنْزِيلِهِ
فِي صُحُفٍ تُتْلَى عَلَى رَسُولِهِ
بِأَنّ خَيْرَ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِهِ
يَا رَبّ إنّي مُؤْمِنٌ بِقِيلِهِ
إنّي رَأَيْت الْحَقّ فِي قَبُولِهِ
الْيَوْمَ نَضْرِبُكُمْ عَلَى تَأْوِيلِهِ
كَمَا ضَرَبْنَاكُمْ عَلَى تَنْزِيلِهِ
ضَرْبًا يُزِيلُ الْهَامَ عَنْ مَقِيلِهِ
وَيُذْهِلُ الْخَلِيلَ عَنْ خَلِيلِهِ


فَأَقَامَ بِمَكّةَ ثَلَاثًا . ثُمّ أَتَاهُ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو ، وَحُوَيْطِبُ بْنُ عَبْدِ الْعُزّى . فَصَاحَ حُوَيْطِبٌ نُنَاشِدُك اللّهَ وَالْعَقْدَ لَمّا
خَرَجْت مِنْ أَرْضِنَا . فَقَدْ مَضَتْ الثّلَاثُ فَأَمَرَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَبَا رَافِعٍ فَأَذِنَ بِالرّحِيلِ.
ثُمّ دَخَلَتْ السّنَةُ الثّامِنَةُ . فَكَانَتْ فِيهَا..

.. غَزْوَةُ مُؤْتَةَ ..
وَسَبَبُهَا : أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بَعَثَ الْحَارِثَ بْنَ عُمَيْرٍ بِكِتَابِ إلَى مَلِكِ الرّومِ - أَوْ بُصْرَى - فَعَرَضَ
لَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ عَمْرٍو الْغَسّانِيّ . فَقَتَلَهُ - وَلَمْ يُقْتَلْ لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ رَسُولٌ غَيْرُهُ - فَاشْتَدّ
ذَلِكَ عَلَيْهِ فَبَعَثَ الْبُعُوثَ . وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ ،
وَقَالَ " إنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النّاسِ وَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ " ([31])
فَتَجَهّزُوا . وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ .
فَلَمّا حَضَرَ خُرُوجُهُمْ . وَدَعَ النّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَسَلّمُوا عَلَيْهِمْ .
فَبَكَى عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ . فَقَالُوا مَا يُبْكِيك ؟ فَقَالَ أَمَا وَاَللّهِ مَا بِي حُبّ الدّنْيَا وَلَا صُبَابَةٌ بِكُمْ . وَلَكِنّي سَمِعْت
رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللّهِ يَذْكُرُ فِيهَا النّارَ ( 16 : 71 ) وَإِنْ مِنْكُمْ إِلّا وَارِدُهَا كَانَ
عَلَى رَبّكَ حَتْمًا مَقْضِيّا وَلَسْت <129> أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصّدُورِ بَعْدَ الْوُرُودِ ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ صَحِبَكُمْ اللّهُ وَدَفَعَ
عَنْكُمْ . وَرَدّكُمْ إلَيْنَا صَالِحِينَ . فَقَالَ ابْنُ رَوَاحَةَ.

لَكِنّنِي أَسْأَلُ الرّحْمَنَ مَغْفِرَةً
وَضَرْبَةَ ذَاتِ فُرْعٍ تَقْذِفُ الزّبَدَا
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرّانَ مُجَهّزَةً
بِحَرْبَةِ تَنْفُذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا
حَتّى يُقَالَ إذَا مَرّوا عَلَى جَدّتِي :
يَا أَرْشَدَ اللّهُ مِنْ غَازٍ . وَقَدْ رَشَدَا


ثُمّ مَضَوْا حَتّى نَزَلُوا مَعَانَ . فَبَلَغَهُمْ أَنّ هِرَقْلَ بِالْبَلْقَاءِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنْ الرّومِ وَانْضَمّ إلَيْهِ مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامٍ وَبَلِيّ
وَغَيْرِهِمْ مِائَةُ أَلْفٍ .فَأَقَامُوا لَيْلَتَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ .
وَقَالُوا : نَكْتُبُ إلَى رَسُولِ اللّهِ فَنُخْبِرُهُ . فَإِمّا أَنْ يُمِدّنَا ، وَإِمّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ فَشَجّعَهُمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ ،
وَقَالَ وَاَللّهِ إنّ الّذِي تَكْرَهُونَ لِلّذِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ الشّهَادَةَ . وَمَا نُقَاتِلُ النّاسَ بِقُوّةِ وَلَا كَثْرَةٍ وَمَا نُقَاتِلُهُمْ إلّا بِهَذَا
الدّينِ الّذِي أَكْرَمَنَا اللّهُ بِهِ فَانْطَلَقُوا فَإِنّمَا هِيَ إحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إمّا ظَفَرٌ . وَإِمّا شَهَادَةٌ .
فَمَضَى النّاسُ حَتّى إذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ لَقِيَتْهُمْ الْجُمُوعُ . فَانْحَازَ الْمُسْلِمُونَ إلَى مُؤْتَةَ .
ثُمّ اقْتَتَلُوا عِنْدَهَا وَالرّايَةُ فِي يَدِ زَيْدٍ . فَلَمْ يَزَلْ يُقَاتِلْ بِهَا حَتّى شَاطَ فِي رِمَاحِ الْقَوْمِ . فَأَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَقَاتَلَ بِهَا .
حَتّى إذَا أَرْهَقَهُ الْقِتَالُ اقْتَحَمَ عَنْ فَرَسِهِ فَعَقَرَهَا . ثُمّ قَاتَلَ حَتّى قُطِعَتْ يَمِينُهُ . فَأَخَذَ الرّايَةَ بِيَسَارِهِ فَقُطِعَتْ
يَسَارُهُ . فَاحْتَضَنَ الرّايَةَ حَتّى قُتِلَ . وَلَهُ ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ سَنَةً .
رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ . ثُمّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ رَوَاحَةَ . فَتَقَدّمَ بِهَا ، وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ فَجَعَلَ يَسْتَنْزِلُ نَفْسَهُ وَيَقُولُ:

أُقْسِمُ بِاَللّهِ لَتُنْزِلُنّهُ
لَتَنْزِلَن أَوْ لَتُكْرِهَنهُ
يَا ظَالِمًا قَدْ كُنْت مُطْمَئِنّهْ
إنْ أَجْلَبَ النّاسُ وَشَدّوا الرّنّةَ
مَالِي أَرَاك تَكْرَهِينَ الْجَنّةَ ؟
وَيَقُولُ أَيْضًا:
يَا نَفْسُ إنْ لَمْ تُقْتَلِي تَمُوتِي
هَذَا حِمَامُ الْمَوْتِ قَدْ صَلّيْت
وَمَا تَمَنّيْت فَقَدْ أُعْطِيت
إنْ تَفْعَلِي فِعْلَهُمَا هُدِيت


<130> ثُمّ نَزَلَ فَأَتَاهُ فَنَادَاهُ ابْنُ عَمّ لَهُ بِعِرْقِ مِنْ لَحْمٍ . فَقَالَ شُدّ بِهَذَا صُلْبَك ، فَإِنّك لَقِيت فِي أَيّامِك هَذِهِ
مَا لَقِيت . فَأَخَذَهَا فَانْتَهَسَ مِنْهَا نَهْسَةً ثُمّ سَمِعَ الْخَطْمَةَ فِي نَاحِيَةِ النّاسِ . فَقَالَ وَأَنْتَ فِي الدّنْيَا ؟
فَأَلْقَاهَا مِنْ يَدِهِ وَتَقَدّمَ . فَقَاتَلَ حَتّى قُتِلَ .
ثُمّ أَخَذَ الرّايَةَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ . فَدَافَعَ الْقَوْمُ وَخَاشَى بِهِمْ ثُمّ انْحَازُوا ، وَانْصَرَفَ النّاسُ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَجَدْنَا مَا بَيْنَ صَدْرِ جَعْفَرٍ وَمَنْكِبِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْهُ تِسْعِينَ جِرَاحَةً .
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ كُنْت يَتِيمًا لِعَبْدِ اللّهِ بْنِ رَوَاحَةَ . فَخَرَجَ بِي فِي سَفَرِهِ ذَلِكَ مُرْدِفِي عَلَى حَقِيبَةِ رَحْلِهِ .
فَوَاَللّهِ إنّهُ لَيَسِيرُ ذَاتَ لَيْلَةٍ إذْ سَمِعْته وَهُوَ يَنْشُدُ شِعْرًا :

إذَا أَدّيْتنِي وَحَمَلْت رَحْلِي
مَسِيرَةَ أَرْبَعٍ بَعْدَ الْحُسَامِ
فَشَأْنُك فَانْعُمِي ، وَخَلَاك ذَمّ
وَلَا أَرْجِعُ إلَى أَهْلِي وَرَائِي
وَجَاءَ الْمُسْلِمُونَ وَغَادَرُونِي
بِأَرْضِ الشّامِ مُسْتَنْهِي الثّوَاءِ
وَرَدّك كُلّ ذِي نَسَبٍ قَرِيبٍ
إلَى الرّحْمَنِ مُنْقَطِعِ الْإِخَاءِ
هُنَالِكَ لَا أُبَالِي طَلْعَ بَعْلٍ
وَلَا نَخْلٍ أَسَافِلُهَا وَرَائِي


قَالَ فَبَكَيْت . فَخَفَقَنِي بِالسّوْطِ وَقَالَ مَا عَلَيْك يَا لُكَعُ أَنْ يَرْزُقَنِي اللّهُ الشّهَادَةَ وَتَرْجِعُ بَيْنَ شُعْبَتَيْ الرّحْلِ .









عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..