تجهز للموت قبل ان يأتيك فجأه..
الْحَمْدُ للهِ المُحْيِيِ المُمِيتِ؛ كَتَبَ الْمَوْتَ عَلَى الْعِبَاد، وَأَنْذَرَهُمْ يَوْمَ المَعَادِ، وَحَذَّرَهُمْ مِنَ الْغَفْلَةِ والعناد، نَحْمَدُهُ عَلَى هِدَايَتِهِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى رِعَايَتِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ؛ [أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنْسَانَ لَكَفُورٌ] {الحج:66} ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَنْصَحُ الخَلْقِ لِلْخَلْقِ، وَأَحْرَصُهُمْ عَلَيْهِمْ ،و أَوْصَى أُمَّتَهُ بِكَثْرَةِ ذِكْرِ الْمَوْتِ، وَبِزِيَارَةِ الْقُبُورِ؛ لِئَلَّا يَغْتَرُّوا بِزِينَةِ الدُّنْيَا، فَيَتْرُكُوا الْعَمَلَ لِلْآخِرَةِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، وَرَاقِبُوهُ فَلاَ تَعْصُوهُ.. أَخْلِصُوا لَهُ فِي أَعْمَالِكُمْ، وَفَرِّغُوا لَهُ قُلُوبَكُمْ، وَأَقِيمُوا مَا افْتُرِضَ عَلَيْكُمْ؛ فَإِنَّ أَمَامَكُمْ عُزْلَةً وَوَحْشَةً، وَشِدَّةً وَكُرْبَةً، وَقَبْرًا ضَيِّقًا مُظْلِمًا، لاَ يُوَسَّعُ وَلاَ يُضَاءُ إِلَّا بالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فَأَعِدُّوا لَهُ عُدَّتَهُ، وَخُذُوا لَهُ أُهْبَتَهُ؛ فَهُوَ مَنْزِلُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ [فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ] {الزَّلزلة:7-8}.
أَيُّهَا النَّاسُ: جَعَلَ اللهُ تَعَالَى الْقَبْرَ بَرْزَخًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَهُوَ انْقِطَاعٌ عَنِ الأُولَى، وَإِقْبَالٌ عَلَى الأُخْرَى، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الدَّارَيْنِ؛ فَمَكَانُهُ فِي الأَرْضِ، وَهِيَ مِنَ الدُّنْيَا، وَفَتْرَةُ بَقَاءِ المَيِّتِ فِيهِ هِيَ مِنْ زَمَنِ الدُّنْيَا أَيْضًا، وَلَكِنَّ المَقْبُورَ فِيهِ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الآخِرَةَ لاَ مُعَامَلَةَ الدُّنْيَا؛ وَلِذَا كَانَ الْقَبْرُ أَوَّلَ مَنَازِلِ الآخِرَةِ.ة
تِلْكَ الحُفْرَةُ المُوحِشَةُ المُظْلِمَةُ أَسْهَرَتْ لَيَالِيَ الصَّالِحِينَ؛ خَوْفًا مِنْهَا، وَتَفَكُّرًا فِيهَا، وَدُعَاءً بِالنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِهَا.
حُفْرَةٌ ضَيِّقَةٌ يُوَسَّدُ المَيِّتُ فِيهَا، ثُمَّ يُهَالُ التُّرَابُ عَلَيْهِ فَلاَ نَفَسَ فِيهَا وَلَا ضَوْءَ وَلاَ هَوَاءَ وَلاَ شَيْءَ مَعَهُ إِلَّا كَفَنُهُ وَعَمَلُهُ، وَيَبْلَى الكَفَنُ وَيَبْقَى الْعَمَلُ.
وَآخِرُ لَمْسَةٍ يَظْفَرُ بِهَا مَقْبُورٌ مِنْ بَشَرٍ مِثْلِهِ هِيَ لَمْسَةُ مَنْ يُوَسِّدُهُ فِي لَحْدِهِ، وَآخِرُ نَظْرَةٍ تُصِيبُهُ هِيَ نَظْرَةُ مَنْ يَضَعُ آخِرَ لَبِنَةٍ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْقَطِعُ عَنِ البَشَرِ، فَلاَ يَبْقَى إِلَّا الْعَمَلُ، وَآخِرُ إِحْسَاسٍ لَهُ بِالْبَشَرِ فِي تِلكَ اللَّحَظَاتِ حِينَ يَنْتَهُونَ مِنْ دَفْنِهِ، وَيَتَوَلَّوْنَ عَنْهُ وَهُوَ يَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ؛ كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ!
يَا لَهَا مِنْ نِهَايَةٍ تَسْتَحِقُّ الْوُقُوفَ عِنْدَهَا، وَالتَّفَكُّرَ فِيهَا، وَالْعَمَلَ لَهَا. نِهَايَةٌ قَدْ صَارَ إِلَيْهَا عَدَدٌ كَبِيرٌ مِنْ أَقَارِبِنَا وَأَحْبَابِنَا، وَحَتْمًا سَنَصِيرُ إِلَيْهَا، وَسَيَقِفُ وَاعِظٌ وَخَطِيبٌ وَدَاعِيَةٌ يُذَكِّرُ النَّاسَ بِنَا، كَمَا ذَكَّرَهُمْ مِنْ قَبْلُ بِغَيْرِنَا، وَلَكِنَّ الإِنْسَانَ يَنْسَى، وَالْقُلُوبَ تَقْسُو، وَالْغَفْلَةَ مُطْبِقَةٌ!
كَمْ مِنْ وَاقِفٍ عَلَى شَفِيرِ قَبْرٍ يَتَأَمَّلُ المَيِّتَ وَهُوَ مُسَجًّى، وَيَتَساءَلُ: أَهُوَ فَرِحٌ بِمَصِيرِهِ أَمْ حَزِينٌ؟ مَا مَصِيرُهُ؟ مَاذَا يَتَمَنَّى وَمَاذَا يُرِيدُ؟ فَلاَ يَقْطَعُ تَفْكِيرَهُ إِلَّا صَوْتٌ يَقُولُ: سَلُوا لَهُ الثَّبَاتَ، فَتَتَحَرَّكُ الأَلْسُنُ بِالدُّعَاءِ، وَمَنْ كَانَ المَقْبُورُ عَزِيزًا عَلَيْهِ، قَرِيبًا مِنْهُ؛ مَكَثَ عِنْدَ قَبْرِهِ مَلِيًّا يَلْهَجُ بِالدُّعَاءِ لَهُ حَتَّى يُشْبِعَ نَهَمَتَهُ فَيُفَارِقُهُ، فَلاَ يَجِفُّ قَبْرُ المَيِّتِ مِنْ مَائِهِ وَحَوْلَهُ أَحَدٌ، قَدْ تَفَرَّقَ الجَمْعُ، وَوَلَّى عَنْهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْهِ، فَيُقَابِلُ مَصِيرَهُ وَحْدَهُ، وَيَتَحَمَّلُ تَبِعَةَ عَمَلِهِ؛ فَإِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ، فَاللَّهُمَّ أَيْقِظْ قُلُوبَنَا مِنَ الْغَفْلَة، وَأَزِلْ عَنْهَا السَّكْرَةَ، وَوَفِّقْنَا لِلْعَمَلِ الَّذِي يَجْعَلُ قُبُورَنَا رَوْضَةً.
أَيُّهَا المُؤْمِنُونَ: الْقُبُورُ وَمَا يَجْرِي فِيهَا عَالَمٌ عَجِيبٌ يَدُلُّ عَلَى قُدْرَةِ الخَالِقِ سُبْحَانَهُ وتَعَالَى، وَسَعَةِ مُلْكِهِ، فَلَهُ سُبْحَانَهُ عَوَالِمُ أُخْرَى غَيْرُ عَالَمِنَا، لاَ نُدْرِكُهَا بَحَوَاسِّنَا وَنَحْنُ أَحْيَاءُ، وَلَوْلاَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَخْبَرَنَا عَنِ الْقَبْرِ وَمَا فِيهِ؛ لَكَانَ غَيْبًا لاَ نَعْلَمُ مِنْهُ شَيْئًا، فَلاَ يُدْرَكُ الْقَبْرُ وَمَا فِيهِ بِالْبَحْثِ وَلاَ بِالتَّجْرِبَةِ وَلاَ بِالتَّنْقِيبِ وَلاَ بِالْحِسَابِ وَلاَ بِغَيْرِهَا مِنْ عُلُومِ البَشَرِ وَوَسَائِلِهمْ، لاَ يُدْرَكُ عِلْمُ مَا فِيهِ إِلَّا بِالْوَحْيِ، وَمَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِالْوَحْيِ لَا بُدَّ أَنْ يُكَذِّبَ بِنَعِيمِ الْقَبْرِ وَفِتْنَتِهِ وَعَذَابِهِ.
دَلَّ القُرْآنُ فِي عَدَدٍ مِنَ الآيَاتِ عَلَى أَحْوَالِ المَقْبُورِينَ، وَفَصَّلَتْ ذَلِكَ سُنَّةُ سَيِّدِ المُرْسَلِينَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَكُشِفَ لَنَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عِلْمُ الْقَبْرِ وَأَحْوَالُهُ وَأَهْوَالُهُ، وَخُصَّتْ هَذِهِ الأُمَّةُ بَعْدَ بَعْثَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا العِلْمِ دُونَ غَيْرِهَا؛ وَذَلِكَ بِبَرَكَةِ إِيمَانِهَا وَتَصْدِيقِهَا بِالْوَحْيِ، وَإِذْعَانِهَا لَهُ.
دَلَّ عَلَى فِتْنَةِ الْقَبْرِ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: [وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْت وَالمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُونِ] {الأنعام:93} ، فَلَمْ يَقُلِ المَلاَئِكَةُ غَدًا، وَلَمْ يَقُولُوا: سَتُجْزَوْنَ، بَلْ قَالُوا: [اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُونِ]، وَمِثْلُهَا قَوْلُ اللهِ تَعَالَى: [وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا المَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ] {الأنفال:50}
تَأَمَّلُوا قَسَمَ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ، وَإِخْبَارَهُ أَنَّهُ مَا رَأَى مَنْظَرًا قَطُّ إِلَّا وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ، وَلَا بُدَّ أَنْ نَسْتَحْضِرَ أَنّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ رَأَى أُنَاسًا قُطِّعَتْ أَطْرَافُهُمْ، وَسُمِلَتْ أَعْيُنُهُمْ، وَرَأَى جِرَاحًا وَقَتْلَى، فَأَخْبَرَ أَنَّ الْقَبْرَ أَفْظَعُ مِنْ ذَلِكَ! وَقَدْ أَطْلَعَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى أَحْوَالِ المُعَذَّبِينِ فِي قُبُورِهِمْ، فَيَا لَهُ مِنْ عَذَابٍ مَا أَفْظَعَهُ!
وَمِنْ أَحْوَالِ أَهْلِ الْقُبُورِ: أَنَّ أَمَاكِنَهُمْ فِي الدَّارِ الآخِرَةِ تُعْرَضُ عَلَيْهِمْ وَهُمْ فِي قُبُورِهِمْ؛ لِيَزْدَادَ المُنَعَّمُونَ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَيَزْدَادَ المُعَذَّبُونَ حَسْرَةً عَلَى حَسْرَتِهِمْ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:«إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالَ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»؛ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْر، وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا وَالمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ..
j[i. ggl,j rfg hk dHjd; t[Hi>> j[i. dHjd;
كونوا على يقين ..!!
أن هناك شي ينتظركم بعد الصبر
ليبهركم فينسيكم مراره الألم
فهذا وعد من ربي
(وبشر الصابرين)
التعديل الأخير تم بواسطة الورده الخجوله.) ; 15-11-2013 الساعة 02:24 PM