عرض مشاركة واحدة
قديم 30-12-2008, 08:40 PM
المشاركة 105
  • غير متواجد
رد: :.. أنفآس التعب ..:


لما قدم خليفة المسلمين عمر رضي الله عنه إلى القدس ليتسلم مفاتيحها من النصارى بعد أن فتحها الله تعالى على المسلمين عرضت له مخاضة، فنزل عن بعيره ونزع حذاءه وخاض الماء ومعه بعيره، وقساوسة الروم ينظرون اليه، فقال له ابو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: قد صنعت اليوم صنيعا عظيما عند أهل الأرض، فصكّ عمر في صدره وقال: أولو غيرك يقولها يا ابا عبيدة!! انكم كنتم اذل الناس واحقر الناس واقل الناس، فأعزكم الله بالإسلام، فمهما تطلبوا العز بغيره يذلكم الله.
*
ثمانية وعشرون عاما قضاها الحاكم العادل نور الدين زنكي في حرب الصليبيين الذين احتلوا فلسطين والشام واعملوا فيها القتل والخراب، ثم خلفه صلاح الدين الايوبي الذي اكمل الاستعداد وبعث في الأمة روح الجهاد، وحكم بالعدل، ووحد الممالك الإسلامية المتفرقة ودرب الجيوش، وكان تحرير فلسطين هو همّه الوحيد إلى ان نصره الله تعالى في معركة حطين بـ(12) ألف مقاتل فقط، سطر خلالها اروع مظاهر العدل مع الاعداء، واذلهم الله حتى ذُكر بأن بعض الفلاحين كان يقود أكثر من ثلاثين اسيرا من الفرنج وقد ربطهم في خيمة.*

استنجدت امرأة مسلمة في مدينة عمورية بالشام بالخليفة المعتصم في بغداد بعدما اعتدى عليها جماعة من الروم وعذبوها فكانت صيحتها (وامعتصماه) مدوّية وصلت إلى سمع الخليفة فجهز جيشا عرمرما وقاتل به الروم فهزمهم شر هزيمة واحتل عمورية، وفيها قال الشاعر ابو تمام قصيدته الخالدة: السيف اصدق انباء من الكُتب
في حدّه الحدُّ بين الجد واللعب
بيض الصفائح، لا سود الصحائف
في مُتونهّن جلاء الشك والريب
والعلم في شهب الأرماح لامعة
بين الخميسين، لا في السبعة الشهب
(وذلك ردا على المنجمين الذين حذروه من غزو الروم في ذلك الوقت من السنة)


*
قاد الشريف حسين ما سماه بالثورة العربية الكبرى ضد الدولة العثمانية وسلم زمام جيوشه لرجل المخابرات الانكليزي لورنس، وانهزمت الدولة العثمانية ودخل الانكليز فلسطين وبقية دول الشام والعراق، واعلن قائدهم «اللنبي» «بأن الحروب الصليبية قد انتهت الآن ثم بصق على قبر صلاح الدين، بعدها صدر وعد بلفور بتقسيم فلسطين عام 1917، واتفاقية سايكس - بيكو عام 1918 بتقسيم الدول العربية بين فرنسا وبريطانيا، ونكثت بريطانيا بما وعدت به الشريف حسين ونفوه إلى قبرص ثم الأردن، وقد ثبت بأن الشريف حسين كان يطوف في منفاه ويخاطب اصحابه ناصحا: «اياكم وتصديق الانكليز، فكم ذقت مرا من صداقتهم التي هدمتني، وهدمت العرب والمسلمين».
وفي ذلك قال الشاعر احمد شوقي:
قم تحدّث أبا عليَّ إلينا
كيف غامرت في جوار الاراقم
قد رجونا من الغنائم حظا
ووردنا الوغى فكنا الغنائم
*

عندما احتل الفرنسيون سورية وساموا اهلها القتل والدمار، وكانت الطائرات الفرنسية تقصف دمشق من الصباح وحتى منتصف الليل وينهبون البضائع، وفرضوا على الأهالي غرامات مالية باهظة، لكن الشعب المسلم لم يسكت وقاد الثورة السورية الكبرى ضد فرنسا وقتل من الفرنسيين اكثر من خمسة الاف جندي في معارك باسلة يشهد لها التاريخ، وفي ذلك يقول الشاعر احمد شوقي:
سلام من صبا بَرَدَى ارق
ودمعٌ لا يُكفكف يادمشق
وبي مما رمتك الليالي
جراحات لها في القلب عُمق
دم الثوار تعرفه فرنسا
وتعلم انه نور وحق
*
حدثت الثورة الفلسطينية الكبرى عام (36 - 1939) وقادها البطل الفذ «عز الدين القسام» ثم خلفه المجاهد عبدالقادر الحسيني، وهي حركة جهادية صافية نفذت آلاف العمليات العسكرية ضد بريطانيا وهزت اسماع العالم، ولم تستطع بريطانيا القضاء عليها إلا بعد ان استدعت سدس جيشها الامبراطوري المنتشر في العالم واستخدمت كافة أنواع الأسلحة من طيارات ودبابات، وقمعها الشديد للشعب الفلسطيني.
*
وفي ديسمبر عام 2008 اعتدى اراذل الخلق على شعب اعزل محاصر في منطقته واستخدمت اسرائيل احدث الطائرات العسكرية والدبابات وغيرها وقتلت المئات خلال ثلاثة ايام، فتصدى لها الابطال العرب عن طريق الشجب والاستنكار والتهديد والوعيد، ووقف امينها العام عمرو موسى يهدد بطلب عقد قمة عربية لتدارس الوضع (خوفتوهم) ورد عليه وزير خارجية مصر بأن الوقت لا يبدو مناسبا لعقد القمة، ورد القذافي بالقول بأن المبادرة العربية مؤامرة عربية وانه سيقاطعها، ووقف الرئيس الفلسطيني أبو مازن ليشتم حماس التي تسببت بما حدث، وطلب الحليف الاستراتيجي الولايات المتحدة من حماس وقف العدوان على اسرائيل، وهكذا هزمنا اسرائيل!!


لم يبق في حياتنا قصيدة... ما فقدت عفافها... في مضجع السلطان لقد تعودنا على هواننا... ماذا من الإنسان يبقى... حين يعتاد على الهوان؟ ابحث في دفاتر التاريخ عن... اسامة بن منقذ... عن عمر... عن حمزة... عن خالد يزحف نحو الشام.

ابحث عن معتصم بالله... حتى ينقذ النساء من وحشية السبي... ومن ألسنة النيران
ابحث عن رجال آخر الزمان... ولا أرى في الليل إلا قططا مذعورة... تخشى على ارواحها... من سُلطة الفئران!
شعر نزار قباني


د. وائل الحساوي