عرض مشاركة واحدة
قديم 11-10-2012, 01:42 AM
المشاركة 18

  • غير متواجد
رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )



.. سبب وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ..

ثبت في الصحيحين أن يهودية سمَّت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في شاة ، فأكل منها لُقمة ثم لَفَظَهَا،
وأكل معه ثلاثة منهم بِشر بن البراء ، والتي قامت بذلك زينب بنت الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم ،
وقد احتجم على كاهله ، وأمر مَنْ أكل منها فاحتجم فمات بعضهم .
وهناك خلاف في الاقتصاص منها ، كما أن هناك خلافًا في كيفية أكل النبي منها ، هل مضغها ثم لفظها ،
أو ابتلعها ، وبقي الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد هذه الحادثة ثلاث سنوات حتى قال :
في وجعه الذي مات فيه " ما زلتُ أجد من الأَكْلَة التي أكلت من الشاة يوم خيبر ..
فهذا أوان انقطاع الأبهر مني
" .
قال الزهري : فتوفي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شهيدًا (زاد المعاد ـ خيبر) والأبهر عِرْق مستبطن
بالصلب مُتصل بالقلب ، إذا انقطع مات صاحبه فكان ابن مسعود وغيره يرون أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ
مات شهيدًا من السُّم الذي تناوله في خيبر .
يقول الزرقاني في شرح المواهب اللدنية " ج8 ص260 " : ومن المعجزة أنه لم يُؤثر فيه في وقته ؛
لأنهم قالوا : إن كان نبيًّا لم يضره ، وإن كان مَلَكا استرحنا منه فلمَّا لم يُؤثر فيه تقينوا نبوته حتى قيل :
إن اليهودية أسلمت ، ثم نقض عليه بعد ثلاث سنوات لإكرامه بالشهادة .
وحادث السُّم رواه البخاري بطوله في الجزية باب " إذا غدر المشركون بالمسلمين هل يُعفى عنهم "
وذكره في الطب بطوله أيضًا في باب " ما يذكر في سم النبي صلى الله عليه وسلم "
واختصره في غزوة خيبر في باب " الشاة التي سُمَّت للنبي " وقيل: إنها أخبرته بأنها مسمومة ،
فقال لأصحابه : ارفعوا أيديكم ، وكان الذي حَجَمَه هو أبو هند أو أبو طيبة .
هذا مُجمل ما جاء في هذه الحادثة من الروايات عن وضع السُّم للرسول ، وأنه مات متأثرًا به فمات شهيدًا
أو غير شهيد، فمقام النبوة لا يعدله مقام ، ويكفي أن الله نجاه من السم القاتل لساعته ، فكان معجزة
تُصدق رسالته ، والموت مكتوب عليه كما هو مكتوب على غيره ( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (سورة الزمر : 30) .

.. حجة الوداع ..
في اليوم التاسع من ذي الحجة من السنة العاشرة للهجرة النبوية، وقف نبي الهدى في بطن الوادي وهو
على ناقته القصواء، وحوله أربعين ألفاً من الصحابة[1]، ما بين راكب وواقف حتى بلغوا مد البصر، وفيهم ربيعة
بن أمية بن خلف[2] الذي كان يصرخ في الناس بقول رسول الله .
فكانت هذه الخطبة البليغة التي افتتحها بقرب أجله :
أيها الناس، اسمعوا قولي، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا بـهذا الموقف أبداً.
إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا.
ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم
ابن ربيعة بن الحارث، وكان مسترضعاً في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول رباً أضع من
ربانا ربا عباس بن عبد المطلب،فإنه موضوع كله.
فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن
فرشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضرباً غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف.
وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله.
وأنتم تسألون عني، فما أنتم قائلون؟ قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فقال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء، وينكتها إلى الناس اللهم اشهد .. اللهم اشهد .. اللهم اشهد.
وبعد أن فرغ النبي من إلقاء الخطبة نزل عليه قوله تعالى:
{اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة:3] .
وعندما سمعها عمر بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان[3].
بهذه الخطبة البليغة قرر رسول الله قواعد الإسلام، وهدم قواعد الشرك والجاهلية، وقرر فيها تحريم المحرمات
التي اتفقت الملل على تحريمها، وهي الدماء والأموال والأعراض، ووضع فيها أمور الجاهلية تحت قدميه،
وأوصاهم بالنساء خيراً، وبشر الأمة بأنها لن تضل أبداً ما دامت معتصمة بكتاب الله. ثم أخبرهم بأنه مسؤول
عنهم عند ربهم، بل واستنطقهم فقالوا بلسان واحد: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت[4].
وخطب النبي يوم النحر -عاشر ذي الحجة- حين ارتفع الضحى، وهو على بغلة شهباء، والناس بين قائم وقاعد.
وأعاد في خطبته هذه بعض ما كان ألقاه أمس، ثم زاد عليها :
أيها الناس {إنما النسيء زيادة في الكفر يُضل به الذين كفروا يُحلونه عاماً ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم
الله فيُحلوا ما حرم الله
} [التوبة:37] .
الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم، ثلاث متواليات،
ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.
كانت قبيلة مضر إحدى القبائل العربية التي تحافظ على حرمة شهر رجب أشد من سائر العرب، ولكن هذه
المحافظة ليست لله وحده، وإنما هي عادة توارثوها عن آبائهم، فنالوا بذلك حظ الدنيا، حيث أُضيف لقبهم إلى
شهر رجب، بينما القبائل الأخرى لا تستحله ولكنهم يتحايلون على توقيته.
واستمر الرسول في خطبته هذه قائلاً :
أي شهر هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليس ذا الحجة؟
قلنا: بلى. قال: أي بلد هذا؟
قلنا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، قال: أليست البلدة؟
قلنا: بلى. فأي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه،
قال: أليس يوم النحر؟ قلنا: بلى قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا،
في بلدكم هذا في شهركم هذا.
"وستلقون ربكم، فيسألكم عن أعمالكم، ألا فلا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض ".
ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد. فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع[5].
لقد اكتمل الدين وأتم الله الشريعة الخالدة. حتى الآداب التي تعلمها الصحابة من نبيهم قد بلغت قمتها، فقد
كانوا قبل ذلك يقدموا بين يدي الله ورسوله حتى أنزل الله فيهم قرآناً :
{يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله} [الحجرات:1] فهاهم اليوم، يوم اكتمال الدين عندما سألهم
نبيهم أي شهر هذا؟ لم يجب أحدٌ منهم وهم يعلمون أنه الشهر الحرام.
بل أجابوا جميعاً إجابة التأدب مع نبيهم : الله ورسوله أعلم.
ثم كرر عليهم السؤال للمرة الثانية والثالثة، ورغم معرفتهم بالإجابة إلا أنهم أجابوا جميعاً :
الله ورسوله أعلم.
حتى قال : أليس ذا الحجة؟ .. أليست البلدة؟ .. أليس يوم النحر؟
قلنا: بلى .. بلى .. بلى.



[1] على أقل تقدير وقيل بلغوا مائة ألف.
[2] السيرة النبوية لابن هشام، 4/605.
[3] صحيح البخاري 5/148.
[4] زاد المعاد، 2/233.
[5] صحيح لبخاري، 5/148










عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..