تحذير النبي أمته من النار
وكان يقول: (
إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً، فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش والجنادب -
أي: الحشرات- تتنادى من حولها)
أي: بدأت تجتمع حول
النار التي للرجل الذي أوقدها، (
وهو يأخذ بحجزها) أي: هو يبعد الحشرات
والفراش عن أن يقعن في النار، مثلما قال الشاعر العربي:
فرح بالنور وبالنار معاً وهو لا يعرف حقيقة النار! وكذلك الحشرات لا تعرف أين مصلحتها من مفسدتها،
فهذا الرجل الذي أشعل هذه
النار جعل يحجز الناس عنها، وكأنه يقول: ابعد أنت، تنبه أنت، ثم قال
عليه الصلاة والسلام: (
ولكنكم تتفلتون مني فتتقحمون فيها)
يعني: الرسول آخذ بحجزنا، وكأنه يقول: لا تغتب، لا تنم، لا تظلم، لا ترتكب الفواحش، لا تشرب الخمر،
لا تتعامل بالربا، لا تنحرف، لا تكذب، لا تفسق، لا تفجر، لا تحكم بما لا يرضي الله عز وجل، ولكن مع
هذه النواهي كلها فالناس تأبى إلا أن تخالف الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. وصل الأمر بسيدنا
الحسن البصري أن قال: الناس أعداء للأمر، أمرنا الله بالصبر فجزعنا، ولو أمرنا بالجزع لصبرنا. أمر غريب!
يعني: تجد أي شخص تنزل عليه مصيبة، يهتز عند أول خبطة، وفي الحديث:
(
إنما الصبر عند الصدمة الأولى) وهذا نلاحظه في مجالات الحياة؛ لأن الإنسان قاصر التفكير، محدود الفكر،
وكما قلنا: إن العاقل يأخذ من الدنيا ما يفيده، ويعرف أن الدنيا خطر عليه؛ لأنها دنيا.
حال العاقل في الدنيا
العاقل ضربنا به المثل بالطبيب، أو بعالم الحشرات أو البيولوجيا، الذي يأتي بالثعبان أو العقرب ويستخلص
منهما السم؛ لكي يستخدمه في الدواء، وهكذا العالم بالدنيا الذي يعرف بلاياها، يأخذ من الدنيا ما يعود
عليه بالنفع في الآخرة، ويستخدم الدنيا في زراعة الآخرة، يعني: كيف تصل للآخرة وللجنة؟ كيف تعيش
في الدنيا لكي يكون لك الميراث يوم القيامة؟ اللهم اجعلنا من الوارثين في جنتك، وأنت تعرف أن كل شيء
ضد هوى النفس هو الذي يوصلك إلى الجنة، وكل شيء مع هوى النفس هو الذي يوصلك إلى جهنم،
يعني: اعلم أن النفس عدوة كإبليس تماماً، فإبليس والدنيا والنفس والهوى، كل هؤلاء الأربعة أعداء، كان
يستعيذ منهم أبو بكر الصديق ويقول:
إني بليت بأربع ما سلطوا إلا لجلب مشقتي وعنائي إبليس والدنيا
ونفسي والهوى كيف الخلاص وكلهم أعدائي يخرج من مصيبة الدنيا فيقابله إبليس، ويترك إبليس فيلاقي
النفس، ويتغلب على النفس فيلاقي الهوى، ويترك الهوى فيلاقي الشيطان مرة أخرى، ويترك الشيطان
فتأتي له الدنيا..
وهكذا! ونحن مغمورون ظهراً لبطن، سبحان الله! فكل شيء في الدنيا ضد هوى نفسك ودل عليه الشرع
فاعلم أنه هو الذي يقربك من الله: النفس تجزع أن تكون فقيرة والفقر خير من غنى يطغيها وغنى النفوس
هو الكفاف فإن أبت فجميع ما في الأرض لا يكفيها هكذا قال علي كرم الله وجهه:
(
النفس تأبى أن تكون فقيرة)، فمن منا يحب الفقر؟ لا أحد، لكن لحكمة يعلمها الله عز وجل، يعلم أن في
فقرك نجاحك ونجاتك يوم القيامة؛
لأن في فقرك قربك من الله عز وجل، ولو أنك من رجال الأعمال الذين يحسب عليهم بالثانية لم نرك في
المسجد، ولكنت مشغولاً دائماً! وستقول:
لي ذنوب لا يكفرها إلا السعي للرزق، بعد المليون الأول الثاني، والثالث والرابع وهكذا، ويقول:
لم أضمن غداً، سبحانك يا مقلب القلوب، يا من تعز الفقير بطاعتك، عندما يعطي طاعة يعطيه الله قناعة،
وما دام يؤتيه الطاعة والقناعة فقد اختار له رب العباد كل خير، اللهم اختر لنا الخير من عندك يا رب العالمين،
فكل ما هو ضد النفس فإنه يقربك من الله، والذي مع هوى النفس هو الذي يوديك في داهية غالباً.