عرض مشاركة واحدة
قديم 11-10-2012, 11:03 AM
المشاركة 96

  • غير متواجد
رد: سيرةُ نبيّ الرّحمة وصَحابَته ( في حَلَقاتْ )


( وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ )

صلى عليك الله يا علم الهدى *** واستبشرت بقدومك الأيامُ
هتفت لك الأرواح من أشواقها *** وازينــت بحديثك الأقلامُ

ما أحسن الاسم والمسمَّى ، وهو النبي العظيم في سورة عمّ ، إذا ذكرته هلَّت الدموع السواكب ، وإذا تذكرته
أقبلت الذكريات من كل جانب .

وكنت إذا ما اشتدّ بي الشوق والجوى *** وكادت عُرى الصبر الجميل تفصمُ
أُعلِّل نفسي بالتلاقي وقربــــه
*** وأوهمــها لكنّــــها تتوهم

المتعبد في غار حراء ، صاحب الشريعة الغراء ، والملة السمحاء ، والحنيفية البيضاء ، وصاحب الشفاعة والإسراء ،
له المقام المحمود ، واللواء المعقود ، والحوض المورود .
هو المذكور في التوراة والإنجيل ، وصاحب الغرة والتحجيل ، والمؤيد بجبريل ، خاتم الأنبياء ، وصاحب صفوة
الأولياء ، إمام الصالحين ، وقدوة المفلحين ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) .

السماوات شيّقات ظِمـــاءُ *** والفضــا والنجوم والأضواءُ
كلها لهفة إلى العلَم الهــــا *** دي وشـوق لذاتــه واحتفـاءُ

تنظم في مدحه الأشعار ، وتدبج فيه المقامات الكبار ، وتنقل في الثناء عليه السير والأخبار ، ثم يبقى كنـزاً
محفوظاً لا يوفّيه حقه الكلام ، وعلماً شامخاً لا تنصفه الأقلام ، إذا تحدثنا عن غيره عصرنا الذكريات ، وبحثنا
عن الكلمات ، وإذا تحدثنا عنه تدفق الخاطر، بكل حديث عاطر ، وجاش الفؤاد ، بالحب والوداد ، ونسيت النفس
همومها ، وأغفلت الروح غمومها ، وسبح العقل في ملكوت الحب ، وطاف القلب بكعبة القرب ، هو الرمز لكل
فضيلة ، وهو قبة الفلك للخصال الجميلة ، وهو ذروة سنام المجد لكل خلال جليلة .
مرحباً بالحبيب والأريب والنجيب الذي إذا تحدثت عنه تزاحمت الذكريات ، وتسابقت المشاهد والمقالات .
صلى الله على ذاك القدوة ما أحلاه ، وسلم الله ذاك الوجه ما أبهاه ، وبارك الله على ذاك الأسوة ما أكمله وأعلاه ،
علَّمَ الأمة الصدق وكانت في صحراء الكذب هائمة ، وأرشدها إلى الحق وكانت في ظلمات الباطل عائمة ،
وقادها إلى النور وكانت في دياجير الزور قائمة .

وشبَّ طفل الهدى المحبوب متشحاً *** بالخير متزراً بالنور والنار
في كفه شعلة تهدي وفي دمـــه *** عقيدة تتحـــدى كل جبارِ

كانت الأمة قبله في سبات عميق ، وفي حضيض من الجهل سحيق ، فبعثه الله على فترة من المرسلين ،
وانقطاع من النبيين ، فأقام الله به الميزان ، وأنزل عليه القرآن ، وفرق به الكفر والبهتان ، وحطمت به الأوثان
والصلبان ، للأمم رموز يخطئون ويصيبون ، ويسدّدون ويغلطون ..
لكن رسولنا صلى الله عليه وسلم معصوم من الزلل ، محفوظ من الخلل ، سليم من العلل ، عصم قلبه من
الزيغ والهوى ، فما ضل أبداً وما غوى ، ( إنْ هو إلا وحي يوحى) .
للشعوب قادات لكنهم ليسوا بمعصومين ، ولهم سادات لكنهم ليسوا بالنبوة موسومين ، أما قائدنا وسيدنا
فمعصوم من الانحراف ، محفوف بالعناية والألطاف .
قصارى ما يطلبه سادات الدنيا قصور مشيدة ، وعساكر ترفع الولاء مؤيدة، وخيول مسومة في ملكهم مقيدة ،
وقناطير مقنطرة في خزائنهم مخلدة ، وخدم في راحتهم معبدة.
أما محمّد عليه الصلاة والسلام فغاية مطلوبه ، ونهاية مرغوبه ، أن يُعبد الله فلا يُشرك معه أحد ، لأنه فرد صمد
(لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفواً أحد ) .
يسكن بيتاً من الطين ، وأتباعه يجتاحون قصور كسرى وقيصر فاتحين ، يلبس القميص المرقوع ، ويربط على
بطنه حجرين من الجوع ، والمدائن تُفتَح بدعوته ، والخزائن تُقسم لأمته .

إن البرية يوم مبعث أحـــمدٍ *** نظر الإله لــها فبدّل حالها
بل كرَّم الإنسان حين اختار من *** خير البريــة نجمها وهلالها
لبس المرقع وهو قائـــد أمةٍ *** جبت الكنوز وكسَّرت أغلالها
لما رآها الله تمشي نـــحوه *** لا تبتـغي إلا رضاه سعى لها

ماذا أقول في النبي الرسول ؟ هل أقول للبدر حييت يا قمر السماء ؟ أم أقول للشمس أهلاً يا كاشفة الظلماء ،
أم أقول للسحاب سَلِمتَ يا حامل الماء ؟
اسلك معه حيثما سلك ، فإن سنته سفينة نوح من ركب فيها نجا ومن تخلف عنها هلك ، نزل بزُّ رسالته في غار
حراء ، وبيع في المدينة ، وفصل في بدر ، فلبسه كل مؤمن فيا سعادة من لبس ، ويا خسارة من خلعه فتعس
وانتكس ، إذا لم يكن الماء من نهر رسالته فلا تشرب ، وإذا لم يكن الفرس مسوَّماً على علامته فلا تركب..
بلال بن رباح صار باتِّباعه سيداً بلا نسب ، وماجداً بلا حسب ، وغنيّاً بلا فضة ولا ذهب ، أبو لهب عمه لما عصاه
خسر وتبَّ ، (سيصلى ناراً ذات لهب) .

الفرس والروم واليونان إن ذكروا *** فعند ذكرك أسمال على قزم
هم نـمَّقوا لوحة بالـرِّقِ هائمـة *** وأنت لوحك محفوظ من التهمِ

وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ، وإنك لعلى خُلُق عظيم ، وإنك لعلى نهج قويم ، ما ضلَّ ، وما زلَّ ، وما ذلَّ ،
وما غلَّ ، وما ملَّ ، وما كلَّ ، فما ضلَّ لأن الله هاديه، وجبريل يكلمه ويناديه ، وما زلّ لأن العصمة ترعاه ، والله أيده
وهداه ، وما ذلّ لأن النصر حليفه ، والفوز رديفه ، وما غلّ لأنه صاحب أمانة ، وصيانة ، وديانة، وما ملّ لأنه أُعطي
الصبر ، وشُرح له الصدر ، وما كلّ لأن له عزيمة ، وهمة كريمة ، ونفساً طاهرة مستقيمة .

كأنك في الكتاب وجدت لاءً *** محرمة عليــك فلا تحلُّ
إذا حضر الشتاء فأنت شمسٌ
*** وإن حل المصيف فأنت ظلُّ

صلى الله عليه وسلم ما كان أشرح صدره ، وأرفع ذكره ، وأعظم قدره ، وأنفذ أمره ، وأعلى شرفه ، وأربح صفقة
من آمن به وعرفه ، مع سعة الفناء ، وعِظَم الآناء ، وكرم الآباء ، فهو محمد الممجد ، كريم المحتد ، سخي اليد ،
كأن الألسنة والقلوب ريضت على حبه ، وأنست بقربه ، فما تنعقد إلا على وده ، ولا تنطق إلا بحمده ،
ولا تسبح إلا في بحر مجده .

نور العرارة نوره ونسيمــــه *** نشر الخزامى في اخضرار الآسِ
وعليه تاج محبة من ربـــه *** ما صيغ من ذهب ولا من ماسِ

إن للفطر السليمة ، والقلوب المستقيمة ، حباً لمنهاجه ، ورغبة عارمة لسلوك فجاجه، فهو القدوة الإمام ، الذي
يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبُل السلام .
صلى الله عليه وسلم، علَّم اللسان الذكر ، والقلب الشكر ، والجسد الصبر ، والنفس الطهر ، وعلَّم القادة
الإنصاف ، والرعية العفاف ، وحبب للناس عيش الكفاف ، صبر على الفقر ، لأنه عاش فقيرا ، وصبر على جموع
الغنى لأنه ملك ملكاً كبيرا ، بُعث بالرسالة ، وحكم بالعدالة ، وعلّم من الجهالة ، وهدى من الضلالة ، ارتقى في
درجات الكمال حتى بلغ الوسيلة ، وصعد في سُلّم الفضل حتى حاز كل فضيلة .

أتاك رسول المكرمـات مسلمـاً *** يريد رســـــول الله أعظم متقي
فأقبل يسعى في البساط فـما درى *** إلى البحر يسعى أم إلى الشمس يرتقي

هذا هو النور المبارك يا من أبصر ، هذا هو الحجة القائمة يامن أدبر ، هذا الذي أنذر وأعذر ، وبشر وحذر ، وسهل
ويسر ، كانت الشهادة صعبة فسهّلها من أتباعه مصعب ، فصار كل بطل بعده إلى حياضه يرغب ، ومن مورده
يشرب ، وكان الكذب قبله في كل طريق ، فأباده بالصديق ، من طلابه أبو بكر الصديق .
وكان الظلم قبل أن يبعث متراكماً كالسحاب ، فزحزحه بالعدل من تلاميذه عمر بن الخطاب ، وهو الذي ربى
عثمان ذا النورين ، وصاحب البيعتين ، واليمين والمتصدق بكل ماله مرتين ، وهو إمام علي حيدرة ، فكم من
كافر عفرّه ، وكم من محارب نحره ، وكم من لواء للباطل كسره ، كأن المشركين أمامه حُمُرٌ مستنفرة ، فرَّت
من قسوره .

إذا كان هذا الجيل أتباع نهــــجه *** وقد حكموا السادات في البدو والحَضَرْ
فقل كيف كان المصطفى وهو رمزهم *** مـــع نوره لا تذكر الشمس والقَمرْ

كانت الدنيا في بلابل الفتنة نائمة ، في خسارة لا تعرف الربح ، وفي اللهو هائمة، فأذّن بلال بن رباح ، بحيَّ على
الفلاح ، فاهتزت القلوب ، بتوحيد علاّم الغيوب ، فطارت المهج تطلب الشهادة ، وسبَّحت الأرواح في محراب
العبادة ، وشهدت المعمورة لهم بالسيادة .

كل المشارب غير النيل آسنةٌ *** وكل أرض سوى الزهراء قيعانُ
لا تُنحرُ النفس إلا عند خيمته *** فالموت فوق بلاط الحب رضوانُ

أرسله الله على الظلماء كشمس النهار ، وعلى الظمأ كالغيث المدرار ، فهزّ بسيوفه رؤوس المشركين هزّاً ،
لأن في الرؤوس مسامير اللات والعُزَّى ، عظمت بدعوته المنن ، فإرساله إلينا أعظم منّة ، وأحيا الله برسالته
السنن ، فأعظم طريق للنجاة إتباع تلك السنة .
تعلَّم اليهود العلم فعطَّلوه عن العمل ، ووقعوا في الزيغ والزلل ، وعمل النصارى بضلال ، فعملهم عليهم وبال ،
وبعث عليه الصلاة والسلام بالعلم المفيد ، والعلم الصالح الرشيد .

أخوك عيسـى دعا ميْتـاً فقام له *** وأنت أحييت أجيالاً من الرممِ
قحطان عدنان حازوا منك عزّتهم *** بك التشرف للتـاريخ لا بهمِ




كتبه الشيخ الداعية / د. عائض القرنـــي
المقال من مكتب الشيخ عائض خاص بحملة مليار مع محمد صلى الله عليه وسلم












عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..