قديم 17-10-2009, 03:00 AM
المشاركة 2
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )


دورة شرح( الأربعين النوويّة )

الحـــديث " الثاني والعشرين "



(عَنْ أَبيْ عَبْدِ اللهِ جَابِرِ بنِ عَبْدِ اللهِ الأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النبي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "أَرَأَيتَ إِذا صَلَّيْتُ المَكْتُوبَاتِ، وَصُمْتُ رَمَضانَ، وَأَحلَلتُ الحَلاَلَ، وَحَرَّمْتُ الحَرَامَ، وَلَمْ أَزِدْ عَلى ذَلِكَ شَيئاً أَدخُلُ الجَنَّة ؟ قَالَ: نَعَمْ". )

رواه مسلم.



مـعنى الحـــديــث :

يقول جابر رضي الله عنه: إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا الرجل لا نحتاج لمعرفة عينه،
لأن المقصود القضية التي وقعت، ولا نحتاج إلى التعب في البحث عنه،
اللهم إلا أن يكون تعيينه مما يختلف به الحكم فلابد من التعيين.

أَرَأَيتَ: بمعنى أخبرني.

صَليتُ المَكتوبَات:وهن خمس صلوات في اليوم والليلة كما قال عزّ وجل:
(إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً)(النساء: الآية103)
وغير الخمس لا يجب إلا لسبب يقتضيه، وهذا يُعرَف بالتأمل.

وَصمتُ رَمَضَان: أي الشهر المعروف.
والصيام في اللغة الإمساك عن أي شيء،وفي الشرع هو الإمساك عن المفطرات
من طلوع الفجر إلى غروب الشمس تعبداً لله عزّ وجل
.
وقولنا: تعبداً لله خرج به ما لو أمسك عن المفطرات حمية لنفسه،أو تطبباً،
فإن ذلك ليس بصيام شرعي،ولهذا لابد من تقييد التعاريف الشرعية بالتعبد.



وَأَحلَلتُ الحَلالَ: أي فعلت الحلال معتقداً حله، هذا معنى قوله: "أَحلَلت" لأن أحل الشيء لها معنيان:
المعنى الأول:الاعتقاد أنه حلال.
المعنى الثاني:العمل به.

وَحَرَّمتُ الحَرَامَ: أي اجتنبت الحرام معتقداً تحريمه.
مثال ذلك: رجل اجتنب شرب الخمر،لكن لا على أنه حرام إلا أن نفسه لا تطيب به،
فهذا لا إثم عليه، لكنه إذا تركه معتقداً تحريمه وأنه تركه لله صار مثاباً على هذا،
وسيأتي مزيد بيان لهذا إن شاء الله في آخر الفوائد.

أَدخُل الجَنة: يعني أأدخل الجنة، والجنة هي دار النعيم التي أعدها الله عزّ وجل للمتقين،
فيها مالا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر،
والجنة فيها فاكهة ونخيل ورمان وفيها لحم وماء وفيها لبن وعسل.
الاسم مطابق لأسماء ما في الدنيا ولكن الحقيقة مخالفة لها غاية المخالفة
لقول الله تعالى: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) (السجدة:17)



وقوله تعالى في الحديث القدسي:

(أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِيْنَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ،وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ،وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَر)
فلا تظن أن الرمان الذي في الجنة كالرمان الذي في الدنيا،
بل يختلف بجميع أنواع الاختلافات، لقوله تعالى:
(فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) [السجدة:17] ولو كان لا يختلف لكنا نعلم بهذا .
أجابه الرسول صلّى الله عليه وسلّم: نَعَم ونعم حرف جواب لإثبات المسؤول عنه، والمعنى: نعم تدخل الجنة ،



نقف مع هذه المسائل ، :

المسألة الأولى :لابد أن نضع لنا غاية كبرى في حياتنا هي ( دخول الجنة ) التي هي ( رضا الله عزّ وجلّ )
ولا مانع أن نضع لنا أهداف أخرى في الحياة وكلِّ بحسب وضعه وسنّه ومرحلته وكذلك أدائه وقدراته ولا يُقلد غيره في ذلك ،
لأن الله - سبحانه وتعالى – خلق أصابعنا مختلفة ، وكفائتنا مختلفة وأيضاً قدراتنا مختلفة !!
فالله - سبحانه وتعالى – أعطى أحدنا مثلاً ما لم يعط فلان وأعطى فلان ما لم يعطِ أحدنا ،
فالفرص متكافئة بيننا لكنّها مختلفة ، فنجد مثلاً من أعطاه الله قدرة على الحفظ ، فيستغل صاحبها هذه القدرة فيما ينفعه وأمّته ..
ونجد من أعطاه الله عزّ وجلّ حبّ للصناعات ، فيستغلها بما ينفع الأمّة الإسلاميّة ،
ومن مثلاً أعطاه الله سبحانه وتعالى حب للتعلم العلم الشرعي فيستغل ذلك في دعوة الناس إلى دين الله سبحانه وتعالى ،
يعني الأحرى أن نوّجه أهدافنا ووسائلنا بعيداً عن التقليد، وفى ضوء ما أعطانا الله - سبحانه وتعالى –
وبإمكاننا الاستعانة والاسترشاد بمن هو أكبر منّا بالعلم والخبرة ،، فمن عناصر النجاح الاستشارة والاستخارة ..

المسألة الثانية : : الإنسان العاقل والذكي الذي يريد أن يستثمر حياته ،
لابد أن يجد ويجتهد ومن الجد والاجتهاد أن يكون له همه عالية لا يكتفي بأدنى منها
الرسول صلّى الله عليه وسلّم قال : "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى" ولم يقل الجنة !!.
فالمسألة إذاً تحتاج إلى همة هذه الهمة تحتاج إلى عوامل أخرى منها القوة الصبر المجاهدة الجد الاجتهاد عدم ضياع الوقت،
إذاًَ اجعل همتك عالية واستخدم العوامل السليمة لذلك .
المسألة الثالثة : سماحة الإسلام ويسره ، وعدم التعقيد و الضغظ على النفس فيه ،
ومما يدل على سماحة الإسلام من هذا الحديث التكليف بالمستطاع، فلذلك من سماحة الإسلام أن لا تقوم إلا بما تستطيع،
على سبيل المثال إنسان مريض لا يستطيع أن يصلي قائماً لا نجبره على الصلاة قائماً !
بل الشرع رخصّ له الصلاة قاعداً أو حسب ما يستطيع !
أو إنسان لم يجد الماء للطهارة فإنّه يتيمم !!
ومن يسافر رخص الله - سبحانه وتعالى – له أن يجمع الصلاة أن يقصر الصلاة أن يؤجل الصيام في السفر!

المسألة الرابعة : : أن تحليل الحلال وتحريم الحرام والتزامهما بالعمل من أهم العوامل لدخول الجنة،
وتحليل الحلال وتحريم الحرام بابه واسع ومتضّمن لكلّ تكاليف ونواهي الشريعة الإسلاميّة ..



من فــــوائــــد الحديــــث :

1.حرص الصحابة رضي الله عنهم على السؤال.
2. بيان غايات الصحابة رضي الله عنهم، وأن غاية الشيء عندهم دخول الجنة،
لا كثرة الأموال، ولا كثرة البنين، ولا الترفه في الدنيا، ولهذا لما قضى أحد
الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم حاجة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: اسْأل ماذا تريد؟
قال: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: "أِو غَيْرَ ذَلِكَ؟" قال:هو ذاك،
قال: "فَأَعِنِّيْ عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ" ، أي بكثرة الصلاة.

فهذا الرجل لم يسأل نقوداً ولا مواشي ولا قصوراً ولا حرثاً، بل سأل الجنة،
مما يدل على كمال غاياتهم رضي الله عنهم.
3. أن الإنسان إذا اقتصر على الصلاة المكتوبة فلا لوم عليه، ولا يحرم من دخول الجنة ،
لقوله: "أَرَأَيتَ إِذا صَليتُ المَكتوبَات".
فإن قال قائل: قال الإمام أحمد - رحمه الله- فيمن ترك الوتر: هو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة؟
فالجواب: أن كونه رجل سوء لا يمنعه من دخول الجنة، فهو رجل سوء ترك الوتر وأقله ركعة مما يدل على أنه مهمل
ولا يبالي إذ لم يطلب منه ركعات كثيرة، بل ركعة واحدة ومع ذلك يتركها.
4. أن الصلوات وكذلك الصوم من أسباب دخول الجنة،وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم
أن من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه.

5. أن لا يمتنع الإنسان من الحلال، لقوله: "وَأَحلَلتُ الحَلال" فكون الإنسان يمتنع من الحلال لغير
سبب شرعيٍّ مذموم وليس بمحمود.

6. إن الحرام: ما حرمه الله تعالى في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ،
وتحليل الحلال وتحريم الحرام هو عام في جميع المحللات وجميع المحرمات، ولهذا قال: أَدخُل الجَنة؟ قَالَ:نَعَم .
وفي هذا الحديث إشكال: أن الرجل قال: لم أزد على ذلك شيئاً. وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم تدخل الجنة،
مع أنه نقص من أركان الإسلام الزكاة والحج،والزكاة مفروضة قبل الصيام،
يعني فلا يقال: لعل هذا الحديث قبل أن تفرض الزكاة، أما الحج فيمكن أن نقول إن هذا الحديث
قبل فرض الحج،لكن لا يمكن أن نقول إنه قبل فرض الزكاة، فما الجواب عن هذا؟
الجواب أن يقال: لعل النبي صلى الله عليه وسلم علم من حال الرجل أنه ليس ذا مال،
وعلم أنه إذا كان ذا مال فسوف يؤدي الزكاة،لأنه قال: "وَحَرَّمتُ الحَرَام" ومنع الزكاة من الحرام.
أما الحج فما أسهل أن نقول: لعل هذا الحديث قبل فرض الحج، لأن الحج إنما فرض في السنة التاسعة أو العاشرة.
وأما قوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ )(البقرة: الآية196) فهذا فرض إتمامه لا ابتدائه.
وقد يقال: ذلك داخل في قوله: "حَرَّمتَ الحَرَامَ" لأن ترك الحج حرام وترك الزكاة حرام.


7. أن الجواب بـ: نعم إعادة للسؤال، لأن قوله: أَأَدْخُلُ الجَنَّةَ؟ قَالَ: نَعَمْ يعني تدخل الجنة،
ولهذا لوسئل الرجل فقيل له: أطلّقتَ امرأتك؟ قال: نعم، فإنها تطلق لأن قوله:نعم، أي طلقتها.
ولو أوجب الولي عقد النكاح وقال للرجل: زوجتك ابنتي، فقلنا له: أَقَبلْتَ؟ قال: نعم،
فإنه يكفي في القبول، لأن: نعم كإعادة السؤال.
وهكذا في كل موارد: نعم اعتبرها إعادة للسؤال.
قال النووي - رحمه الله- ومعنى حَرَّمْتَ الحَرَامَ اجتنبته، ومعنى أَحْلَلْتَ الحَلالَ فعلته معتقداً حِلَّهُ). إهـ
وهناك معنى آخر غير الذي ذكره النووي - رحمه الله وهو: أن تعتقد أن الحرام حرام ولابد،
لأنك إذا لم تعتقد أن الحرام حرام فإنك لم تؤمن بالحكم الشرعي،
وإذا لم تعتقد أن الحلال حلال فإنك لم تؤمن بالحكم الشرعي، فلابد من أن تعتقد الحلال حلالاً، والحرام حراماً.
والله الموفق.






قديم 17-10-2009, 03:03 AM
المشاركة 3
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )

دورة شرح ( الأربعين النوويّة )

الحـــديث " الثالث والعشرين "



(عَنْ أَبِي مَالِكٍ الحَارِثِ بنِ عَاصِم الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: )الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ، والحَمْدُ للهِ تَمْلأُ الميزانَ، وسُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ -
أَو تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَو عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا
( )
رواه مسلم.



مـعنى الحـــديــث :

الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ: أي نصفه، وذلك أن الإيمان - كما يقولون - تخلية وتحلية .
التخلية: بالطهور، والتحلية: بفعل الطاعات.
فوجه كون الطهور شطر الإيمان: أن الإيمان إما فعل وإما ترك.
والتّركُ تَطَهُّرٌ، والفعل إيجاد.
فقوله: "شَطْرُ الإِيْمَانِ" قيل في معناه: التخلي عن الإشراك
لأن الشرك بالله نجاسة
كما قال الله تعالى:
(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس)(التوبة: الآية28)
فلهذا كان الطهور شطر الإيمان،
وقيل: إن معناه أن الطهور للصلاة شطر الإيمان،
لأن الصلاة إيمان ولا تتم إلا بطهور،
لكن المعنى الأول أحسن وأعمّ.

وَالحَمْدُ للهِ تَمْلأُ المِيزَانَ
: يعني قول القائل: الحمد لله يمتلئ الميزان بها،
أي الميزان الذي توزن به الأعمال
كما قال الله عزّ وجل:
(وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ
مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ
) (الأنبياء:47)



وَسُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمدُ للهِ تَمْلآنِ - أو تَمْلأُ -: (أو) هذه شك من الراوي،
يعني هل قال: تملآن ما بين السماء والأرض،
أو قال:تملأ ما بين السماء والأرض.
والمعنى لا يختلف، ولكن لحرص الرواة على تحرّي الألفاظ يأتون بمثل هذا.
"سبحان الله والحمد لله": فيها نفي وإثبات.
النفي في قوله: "سُبْحَانَ اللهِ" أي تنزيهاً لله عزّ وجل عن كل ما لايليق به،
والذي ينزه الله تعالى عنه ثلاثة أشياء:
الأول: صفات النقص، فلا يمكن أن يتصف بصفة نقص.
الثاني: النقص في كماله، فكماله لايمكن أن يكون فيه نقص.
الثالث: مشابهة المخلوق.
ودليل الأول قول الله عزّ وجل: (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) (الفرقان:58)
فنفى عنه الموت لأنه نقص، وقوله: ( لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ)(البقرة: الآية255)
فنفى عنه السِّنَة والنوم لأنهما نقص.
ودليل الثاني: قول الله تعالى:
(وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ) (قّ:38)
فخلق هذه المخلوقات العظيمة قد يوهم أن يكون بعدها نقص
أي تعب وإعياء فقال: (وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ).
ودليل الثالث: قول الله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الشورى: الآية11)
حتى في الكمال الذي هوكمال في المخلوق فالله تعالى لا يماثله.
وَالحَمْدُ للهِ الحمد يكون على صفات الكمال، فالحمد هو وصف المحمود
بالكمال مع المحبة والتعظيم، فتكون هذه الجملة: "سُبْحَانَ اللهِ، والحَمْدُ للهِ"
فيها: نفي النقص بالأنواع الثلاثة، وإثبات الكمال.
"تَملآنِ - أَو تَمْلأُ - مَا بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ"

والذي بين السماء والأرض مسافة لايعلمها إلا الله عزّ وجل.



وَالصَّلاةُ نورٌ : أي صلاة الفريضة والنافلة نور، نور في القلب،
ونور في الوجه، ونور في القبر، ونور في الحشر
، لأن الحديث مطلق، وجرّب تجد.
إذا صلّيت الصلاة الحقيقية التي يحضر بها قلبك وتخشع جوارحك تحس
بأن قلبك استنار وتلتذّ بذلك غاية الالتذاذ،
ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : "جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ"
والصدقة برهان :الصدقة المفروضة والصدقة النافلة المستحبة ،
هي برهان أي دليل على الإيمان .
وجه ذلك: أن المال محبوب للنفوس، ولايبذل المحبوب إلا في
طلب ماهوأحب، وهذا يدلّ على إيمان المتصدق،
ولهذا سمى النبي صلى الله عليه وسلم الصدقة برهاناً.

وَالصَّبرُ ضِيَاءٌ
: الصبر: حبس النفس عما يجب الصبر عنه وعليه،
قال أهل العلم: والصبر ثلاثة أنواع:
الأول: صبر عن معصية الله: بمعنى أن تحبس نفسك عن فعل
المحرّم حتى مع وجود السبب.
ومثاله: رجل حدثته نفسه أن يزني - والعياذ بالله -
فمنع نفسه، فنقول: هذا صبر عن معصية الله.
وكما جرى ليوسف عليه السلام مع امرأة العزيز، فإن امرأة العزيز
دعته إلى نفسها - والعياذ بالله - في حال هي أقوى ما يكون للإجابة،
لأنها غلّقت الأبواب وقالت: هيت لك، أي تدعوه إلى نفسها،
فقال: إنه ربي - أي سيدي _ أحسن مثواي إنه لايفلح الظالمون،
يعني فإن خنته في أهله فأنا ظالم،



ومن شدة الإلحاح همَّ بها كما قال الله عزّ وجل :
(وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ) (يوسف: الآية24)
ولم يفعل مع قوة الداعي وانتفاء الموانع، فهذا صبر عن معصية الله .
وكما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلّهم الله
في ظله يوم لاظلّ إلا ظله، وذكر منهم:
"رَجُلاً دَعَتْهُ امرأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ اللهَ"

الثاني: صبر على طاعة الله: بأن يحبس الإنسان نفسه على الطاعة
كرجل أراد أن يصلي، فدعته نفسه إلى الكسل، أو إلى الفراش،
أو إلى الطعام الذي ليس بحاجة إليه،أو إلى محادثة الإخوان،
ولكنه ألزم نفسه بالقيام للصلاة، فهذا صبر على طاعة الله.

الثالث: صبر على أقدار الله: فإن الله تعالى يقدر للعبد ما يلائم الطبيعة وما لايلائم،
والذي لايلائم يحتاج إلى صبر، بأن يحبس نفسه عن التسخّط القلبي
أو القولي أو الفعلي إذا نزلت به مصيبة.
فإذا نزل بالعبد مصيبة فإنه يحبس قلبه عن التسخط القلبي،
وأن يقول إنه يرضى عن ربه عزّ وجل.

والتسخط اللساني: بأن لايدعو بالويل والثبور كما يفعل أهل الجاهلية.
والتسخط الفعلي: بأن لايشق الجيوب، ولايلطم الخدود، وما أشبه ذلك .
فهذا نسميه صبر على أقدار الله مع أنه كره أن يقع هذا الحادث.
وهناك مرتبة فوق الصبر وهي الرضا بأقدار الله، والرضا بأقدار
الله أكمل حالاً من الصبر على أقدار الله.
والفرق: أن الصابر قد تألّم قلبه وحزن وانكسر، لكن منع نفسه من الحرام.
والراضي: قلبه تابع لقضاء الله وقدره، فيرضى ما اختاره الله له ولايهمّه،
فهومتمشٍّ مع القضاء والقدر إيجاباً ونفياً.
ولهذا قال أهل العلم: إن الرضا أعلى حالاً من الصبر،
وقالوا: إن الصبر واجب والرضا مستحب.

وأي أنواع الصبر الثلاثة أفضل؟


نقول: أما من حيث هو صبر فالأفضل الصبر علىالطاعة،
لأن الطاعة فيها حبس النفس، وإتعاب البدن.

ثم الصبر عن المعصية، لأن فيه كفُّ النفس عن المعصية ثم
الصبر على الأقدار، لأن الأقدار لاحيلة لك فيها، فإما أن
تصبر صبر الكرام، وإما أن تسلو سُلُوَّ البهائم وتنسى المصيبة،
هذا من حيث الصبر.
أما من حيث الصابر: فأحياناً تكون معاناة الصبر عن المعصية
أشد من معاناة الصبر على الطاعة.

فلو أن رجلاً هُيئَ له شرب الخمر مثلاً، بل ودعي إلى ذلك وهو يشتهيه،
ويجد معاناةمن عدم الشرب، فهو أشد عليه من أن يصلي ركعتين لاشك.
كذلك لو كان شابّاً ودعته امرأة إلى نفسها، وهي جميلة، والمكان خالٍ،
والشروط متوفرة، فأبى، فهذا فيه صعوبة أصعب مما لو صلى عشرين ركعة،
فهنا قد نقول: ثواب الصبر عن المعصية هنا أعظم من ثواب الصبر
على الطاعة لما يجده هذا الإنسان من المعاناة . فيؤجر بحسب ماحصل له من المشقّة.
"وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ" ولم يقل: إنه نور، والصلاةقال: إنها نور. وذلك لأن الضياء فيه حرارة،
كما قال الله عزّ وجل: (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً )(يونس: الآية5) ففيه حرارة،
والصبر فيه حرارة ومرارة، لأنه شاق على الإنسان، ولهذا جعل الصلاة نوراً،
وجعل الصبر ضياءً لما يلابسه من المشقة والمعاناة.




والقُرآنُ حُجَّةٌ لَكَ اَو عَلَيْكَ : القرآن هو كلام الله عزّ وجل
الذي نزل به جبريل الأمين القوي على قلب النبي صلى الله عليه وسلم
من عند الله تعالى، لا تبديل فيه ولاتغيير، ولهذا وصف الله تعالى جبريل
الذي هو رسول الله إلى محمد صلى الله عليه وسلم بأنه قوي أمين
كما قال الله عزّ وجل:
(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) [التكوير:19-21]
ليتبيّن أنه عليه السلام أمين على القرآن قوي علىحفظه وعدم التلاعب به.
هذا القرآن كلام الله عزّ وجل، تكلّم به حقيقة، وسمعه جبريل عليه السلام،
ونزل به على قلب النبي صلى الله عليه وسلم .

هذا القرآن الكريم هو كلام الله لفظه ومعناه، فالأمر والنهي والخبر والاستخبار
والقصص كلها كلام الله عزّ وجل.
"القُرآنُ حُجَّةٌ لكَ أَو عَليكَ" يكون حجة لك إذا قمت بما يجب له من نصيحة
وقد سبق في حديث تميم الداري رضي الله عنه النصيحة لله ولكتابه،
وسبق هناك شرح النصيحة للكتاب فليرجع إليه .

يكون القرآن حجة لك إذا نصحت له، ويكون حجة عليك إذا لم تنصح له.
مثال ذلك: قول الله تعالى: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ )(البقرة: الآية43)
هنا رجلان: أحدهما لم يقم الصلاة فيكون القرآن حجة عليه، والثاني أقام الصلاة فيكون القرآن حجة له.
ورجل آخر لم يؤت الزكاة فالقرآن حجة عليه، والثاني آتى الزكاة فالقرآن حجة له.



وبهذه المناسبة أودّ أن أذكّر نفسي وإيّاكم بمسألة مهمة وهي:
كلنا يتوضّأ إذا أراد الصلاة،لكن أكثر الأحيان يريد الإنسان أن يقوم بشرط العبادة فقط،
وهذا لابأس، ويحصل به المقصود، لكنْ هناك شيء أعلى وأتم:
أولاً: إذا أردت أن تتوضأ استشعر أنك ممتثل لأمر الله في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ
)(المائدة: الآية6)
حتى يتحقق لك معنى العبادة.
ثانياً: إذا توضأت استشعر أنك متبع رسول الله ،فإنه قال: "مَنْ تَوَضّأَ نَحْوَ وُضُوئي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ"
حينئذٍ يكون الإخلاص والمتابعة .
ثالثاً:احتسب الأجر على الله عزّ وجل بهذا الوضوء، لأن هذا الوضوء يكفر الخطايا،
فتخرج خطايا اليد مع آخر قطرة من قطرات الماء بعد غسل اليد، وهكذا البقية.
هذه المعاني الثلاثة العظيمة الجليلة أكثر الأحيان نغفل عنها، كذلك إذا أردت أن تصلي وقمت للصلاة

استشعر أمر الله بقوله: (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) [البقرة:43] ثم استشعر أنك تابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم
حيث قال: "صَلوا كَمَا رَأَيتُموني أُصَلي"ثم احتسب الأجر،لأن هذه الصلاة كفارة لما بينها وبين الصلاة الأخرى، وهلم جراً.
يفوتنا هذا كثيراً ولذلك تجدنا- نسأل الله أن يعاملنا بعفوه - لانصطبغ بآثار العبادة كما ينبغي
وإلا فنحن نشهد بالله أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولكن مَنْ مِنَ الناس إذا صلى تغير
فكره ونهته صلاته عن الفحشاء والمنكر؟! اللهم إلا قليل، لأن المعاني المقصودة مفقودة.

كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو: أي كل الناس يخرج مبكراً في الغدوة
في الصباح وهذا من باب ضرب المثل.
فَبَائِعٌ نَفْسَهُ: أي الغادي يبيع نفسه، ومعنى يبيع نفسه أنه
يكلفها بالعمل، لأنه إذا كلفها بالعمل أتعب النفس فباعها.
ينقسم هؤلاء الباعة إلى قسمين: معتق و موبق،ولهذا قال:
فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا: فيكون بيعه لنفسه إعتاقاً إذا قام بطاعة الله
كما قال الله عزّ وجل:
(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ)(البقرة: الآية207)
يشتري نفسه أي يبيع نفسه ابتغاء مرضاة الله عزّ وجل،
فهذا الذي باع نفسه ابتغاء مرضاة الله وقام بطاعته قد أعتقها من العذاب والنار.
والذي أوبقها هو الذي لم يقم بطاعة الله عزّ وجل حيث أمضى عمره خسراناً،
فهذا موبق لها أي مهلك لها.

لما قسم النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالنسبة للقرآن
إلى من يكون القرآن حجة له، ومن يكون حجة عليه ذكر
أن العمل أيضاً قد يكون على الإنسان وقد يكون للإنسان،
فيكون للإنسان إذا كان عملاً صالحاً، ويكون عليه إذا كان عملاً سيئاً.
وانظر إلى هذا الحديث: "كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ" يتبين لك أن
الإنسان لابد أن يعمل إما خيراً وإما شراً.



من فــــوائــــد الحديــــث :

1. الحث على الطهور الحسي والمعنوي، وجه ذلك أنه قال: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ"
2. أن الإيمان يتبعض، فبعضه فعل وبعضه ترك، وهو كذلك.

3. فضيلة حمد الله عزّ وجل حيث قال: إنها تملأ الميزان.
4. إثبات الميزان، والميزان جاء ذكره في القرآن عدة مرات، جاء ذكره
مجموعاً وذكره مفرداً فقال الله عزّ وجل: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) [الأنبياء:47]

وقال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) (القارعة:6)
وجاء ذكره في السنة صريحاً في قوله صلى الله عليه وسلم:
"كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلى اللِسانِ، ثَقِيلَتَانِ في المِيزَانِ، حَبيبَتَانِ إلى الرَّحمَنِ:
سُبحَانَ الله وَ بِحَمدِهِ سُبحَانَ الله العَظيم
" وكذلك في هذ الحديث.

5. فضيلة الجمع بين سبحان الله والحمد لله لقوله
"سُبحَانَ الله وَ الحَمدُ لِلهِ تَملآنِ مَا بَينَ السَمَاءِ وَ الأَرضِ"
ووجه ذلك أن الجمع بينهما جمع بين نفي العيوب والنقائص وإثبات الكمالات.
ففي "سُبحَانَ الله" نفي العيوب والنقائص، وفي "الحَمدُ لِلهِ" إثبات الكمالات.

6. أن الصلاة نور ويتفرع على هذا:
الحث على كثرة الصلاة. ولكن يرد علينا أن كثيراً من المصلين
وكثيراً من الصلوات من المصلي الواحد لا يشعر الإنسان بأنها نور، فما الجواب؟
الجواب أن نقول: إن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم حق لا إشكال فيه،
لكن عدم استنارة القلب لخلل في السبب أو وجود مانع.
فمن خلط صلاته برياء فهنا خلل في السبب، لأنه لم يخلص.
ومن صلى لكن قلبه يتجول يميناً وشمالاً فهنا مانع يمنع من كمال
الصلاة فلا تحصل النتيجة، وقس على هذا كل شيء رتب الشرع
عليه حكماً وتخلف فاعلم أن ذلك إما لوجود مانع، أو لاختلال سبب،
وإلا فكلام الله عزّ وجل حق وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم حق.

7. الحث على الصدقة، لقوله: "الصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ".
8. أن بذل المحبوب يدل على صدق الباذل، والمحبوب الذي يُبذَل في الصدقة هو المال.
9. الحث على الصبر وأنه ضياء وإن كان فيه شيء من الحرارة، لكنه ضياء ونور لقوله: "وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ".
10. أن حامل القرآن إما غانم وإما غارم، وليس هناك مرتبة لا له ولا عليه،
إما للإنسان وإما على الإنسان، ويتفرع على هذه الفائدة:
أن يحاسب الإنسان نفسه هل عمل بالقرآن فيكون حجة له،أو لا، فيكون حجة عليه فليستعتب.

11.عظمة القرآن وأنه لن يضيع هكذا سدىً، بل إما للإنسان وإما على الإنسان.
12. بيان حال الناس وأن كل الناس يعملون من الصباح، وأنهم يبيعون أنفسهم،

فمن باعها بعمل صالح فقد أعتقها، ومن باعها بعمل شيء فقد أوبقها.
13. أن الحرية حقيقة هي القيام بطاعة الله عزّ وجل، وليس إطلاق الإنسان نفسه
ليعمل كل سيء أراده، قال ابن القيم - رحمه الله - في النونية:
هربوا من الرق الذي خلقوا له وبلوا برق النفس والشيطان
فكل إنسان يفر من عبادة الله فإنه سيبقى في رق الشيطان .

والله الموفق.








قديم 17-10-2009, 03:15 AM
المشاركة 4
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )

دورة شرح ( الأربعين النوويّة )

الحـــديث " الرابع والعشرين "



(عَنْ أَبي ذرٍّ الغِفَارْي رضي الله عنه عَن النبي صلى الله عليه وسلم فيمَا يَرْويه عَنْ رَبِِّهِ عزَّ وجل أَنَّهُ قَالَ: (يَا عِبَادِيْ إِنِّيْ حَرَّمْتُ الظّلمَ عَلَى نَفْسِيْ وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمَاً فَلا تَظَالَمُوْا، يَا عِبَادِيْ كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُوْنِي أَهْدِكُمْ، يَاعِبَادِيْ كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فاَسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِيْ كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُوْنِيْ أَكْسُكُمْ،

يَا عِبَادِيْ إِنَّكُمْ تُخْطِئُوْنَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوْبَ جَمِيْعَاً فَاسْتَغْفِرُوْنِيْ أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِيْ إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوْا ضَرِّيْ فَتَضُرُّوْنِيْ وَلَنْ تَبْلُغُوْا نَفْعِيْ فَتَنْفَعُوْنِيْ، يَاعِبَادِيْ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوْا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فَيْ مُلْكِيْ شَيْئَاً. يَا عِبَادِيْ لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوْا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِيْ شَيْئَاً،

يَا عِبَادِيْ لَوْ أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوْا فِيْ صَعِيْدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوْنِيْ فَأَعْطَيْتُ كُلَّ وَاحِدٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِيْ إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إَذَا أُدْخِلَ البَحْرَ، يَا عِبَادِيْ إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيْهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيْكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرَاً فَليَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُوْمَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ )

رواه مسلم.




مـعنى الحـــديــث
:

"قوله فيمَا يَرْويَهُ عَنْ رَبِِّهِ" أي نقل الحديث عن الله عزّ وجل،
وهذا الحديث يسمى عند المحدثين قدسياً،

والحديث القدسي: كل ما رواه النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عزّ وجل.
لأنه منسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تبليغاً، وليس من القرآن بالإجماع،

وإن كان كل واحد منهما قد بلغه النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الله عزّ وجل.
وهذا الحديث نداءٌ من الله عزّ وجل أبلغنا به أصدق المخبرين وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
يَاعِبَادِي: يشمل كل من كان عابداً بالعبودية العامة والعبودية الخاصة.
إِنِّي حَرَّمتُ الظُّلمَ عَلَى نَفسِي: أي منعته مع قدرتي عليه،
وإنما قلنا: مع قدرتي عليه لأنه لو كان ممتنعاً على الله لم يكن ذلك مدحاً ولاثناءً،
إذ لايُثنى على الفاعل إلا إذا كان يمكنه أن يفعل أو لا يفعل.
وَجَعَلتُهُ بَينَكُمْ مُحَرَّمَاً: أي صيّرته بينكم محرماً.
فَلا تَظَالَمُوا: هذا عطف معنوي على قوله: "جَعَلتُهُ بَينَكُمْ مُحَرَّمَاً"
أي فبناء على كونه محرماً لاتظالموا، أي لا يظلم بعضكم بعضاً.


يَا عِبَاديَ كُلُّكُم ضَالٌّ
:أي تائه عن الطريق المستقيم
إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ : أي علمته ووفقته،و علمته هذه هداية الإرشاد و وفقته هداية التوفيق
فَاستَهدُونِي أَهدِكُمْ:أي اطلبوا مني الهداية لامن غيري أهدكم،
وهذا جواب الأمر، وهذا كقوله: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) [غافر:60]



يَاعِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ : أي كلكم جائع إلا من أطعمه الله،
وهذا يشمل ما إذا فقد الطعام، أو وجد ولكن لم يتمكن الإنسان من الوصول إليه،
فالله هو الذي أنبت الزرع، وهو الذي أدرّ الضرع، وهو الذي أحيا الثمار،
واقرأ من سورة الواقعة من قول الله تعالى:
(أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ* أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ*نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ
وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ*عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ*و َلَقَدْ
عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلا تَذَكَّرُونَ*أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ*أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ
أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ* لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ*إِنَّا لَمُغْرَمُونَ*
بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ* أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ
أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ* لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ* أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ
الَّتِي تُورُونَ* أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ* نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً
وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ* فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ
) [الواقعة:58-74] ،



تجد كيف تحدّى الله الخلق في هذه الآيات لابالنسبة للمأكول، ولا المشروب،
ولا ما يصلح به المأكول والمشروب. فكلّنا جائع إلا من أطعمه الله.
كذلك أيضاً يمكن أن يوجد الطعام لكن قد لا يتمكن الإنسان منه:إما لكونه محبوساً،
أو مصاباً بمرض، أو بعيداً عن المحل الخصب والرخاء.
فَاسْتَطْعِمُونِي : أي اطلبوا مني الإطعام، وإذا طلبتم ذلك ستجدونه.
أُطْعِمْكُمْ: أطعم: فعل مضارع مجزوم على أنه جواب الأمر.


يَاعِبَادِي كُلُّكُم عَارٍ: فكلنا عار، لأننا خرجنا من بطون أمهاتناعراة
إِلاّ مَنْ كَسَوتُهُ فَاستَكْسُونِي أَكْسُكُمْ:سواء كان من فعل الإنسان

كالكبير يشتري الثوب، أو من فعل غيره كالصغير يُشترى له الثوب،
وربما يقال: إنه يشمل لباس الدين، فيشمل الكسوتين: كسوة الجسد الحسيّة، وكسوة الروح المعنوية.
يَاعِبَادي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ:أي تجانبون الصواب، لأن الأعمال إما خطأ وإما صواب،
فالخطأ مجانبة الصواب وذلك إما بترك الواجب، وإما بفعل المحرّم.

وقوله: بِالَّليْلِ الباء هنا بمعنى: (في) كما هي في قول الله تعالى:
(وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ*وَبِاللَّيْل) [الصافات:137-138] أي وفي الليل.
وَأَنَا أَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعَاً:أي أسترها وأتجاوز عنها مهما كثرت،
ومهما عظمت، ولكن تحتاج إلى الاستغفار.
فَاستَغفِرُونِي أَغْفِر لَكُم:أي اطلبوا مغفرتي، إما بطلب المغفرة
كأن يقول: اللهم اغفر لي، أو: أستغفر الله وأتوب إليه.
وإما بفعل ما تكون به المغفرة،
فمن قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفرت خطاياه ولوكانت مثل زبد البحر.



يَاعِبَاديَ إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّيْ فَتَضُرُّونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفعِي فَتَنْفَعُونِي:أي لن تستطيعوا أن تضروني ولا أن تنفعوني، لأن الضار والنافع هو الله عزّ وجل والعباد لايستطيعون هذا، وذلك لكمال غناه عن عباده عزّ وجل.
يَاعِبَادِيَ لَو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتقَى
قَلبِ رَجُلٍ وَاحدٍ مِنكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئَاً: يعني لو أن كل العباد من الإنس والجن الأولين والآخرين كانوا على أتقى قلب رجل
ما زاد ذلك في ملك الله شيئاً، وذلك لأن ملكه عزّ وجل عام واسع لكل شيء، للتقيّ والفاجر.
ووجه قوله: "مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلكِي شَيئَاً" أنهم إذا كانوا على أتقى قلب رجل واحد
كانوا من أولياء الله، وأولياء الله عزّ وجل جنوده، وجنوده يتسع بهم ملكه،
كما لوكان للملك من ملوك الدنيا جنود كثيرون فإن ملكه يتسع بجنوده.
ثم قال: "يَاعِبَادِيَ لَو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفجَرِ قَلبِ
رَجُلٍ وَاحدٍ مِنكُمْ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِن مُلْكِي شَيْئَاً
"
ووجه ذلك: أن الفاجر عدو لله عزّ وجل فلا ينصر الله،
ومع هذا لاينقص من ملكه شيئاً لأن الله تعالى غني عنه.



يَاعِبَادِيَ لَو أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلونِي
فَأَعطَيتُ كُلَّ وَاحِدٍ
مَسأَلَتَهُ:أي إذا قاموا في أرض واحدة منبسطة،
وذلك لأنه كلما كثر الجمع كان ذلك أقرب إلى الإجابة.
مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحرَ: وهذا من باب المبالغة في عدم النقص، لأن كل واحد يعلم أنك لو
أدخلت المخيط وهو الإبرة الكبيرة في البحر ثم أخرجتها فإنها
لا تنقص البحر شيئاً ولا تغيره، وهذاكقوله تعالى:
( لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ)(الأعراف: الآية40)
إذ من المعلوم أن الجمل لايمكن أن يدخل في سم الخياط، فيكون هذا مبالغة في عدم دخولهم الجنة.
كذلك هنا من المعلوم أن المخيط لو أدخل في البحر لم ينقص شيئاً، فكذلك لو أن أول الخلق
وآخرهم وإنسهم وجنهم سألوا الله عزّ وجل وأعطى كل إنسان مسألته مهما بلغت فإن ذلك
لاينقص ما عنده إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر، ومن المعلوم أن المخيط إذا أدخل البحر
لاينقص البحر شيئاً، وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
"يَدُ اللهِ مَلأى سحَّاءَ" أي كثيرة العطاء "الَّليلَ والنَّهَارَ" أي في الليل والنهار
"أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرض فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ" أي لم ينقص "مَا فِي يَمِيْنِهِ" .



يَاعِبَادِيَ إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ:هذه جملة فيها حصر طريقه: (إنما) أي ما هي إلا أعمالكم
أُحْصِيْهَا لَكُمْ أي أضبطها تماماً بالعدّ لازيادة ولانقصان،
لأنهم كانوا في الجاهلية لايعرفون الحساب فيضبطون الأعداد بالحصى، وفي هذا يقول الشاعر:
ولستُ بالأكثر منهمْ حصى وإنّما العزّة للكاثرِ
يعني أن عددكم قليل، وإنما العزة للغالب في الكثرة.

ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا: أي في الدنيا والآخرة، وقد يكون في الدنيا فقط، وقد يكون في الآخرة فقط.
قد يكون في الدنيا فقط: فإن الكافر يجازى على عمله الحسن لكن في الدنيا لا في الآخرة،
والمؤمن قد يؤخر له الثواب في الآخرة، وقد يجازى به في الدنيا وفي الآخرة،
قال الله تعالى:
( مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) (الشورى:20)
وقال عزّ وجل: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيد)(الاسراء: الآية18)
وقال عزّ وجل: ( وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) (الاسراء:19)
إذاً فالتوفية تكون في الدنيا دون الآخرة للكافر، أما المؤمن فتكون في الدنيا والآخرة جميعاً، أو في الآخرة فقط.
فَمَنْ وَجَدَ خَيْرَاً فَليَحْمَدِ اللهَ:أي من وجد خيراً من أعماله فليحمد الله على الأمرين:
على توفيقه للعمل الصالح، وعلى ثواب الله له

وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ:أي وجد شراً أو عقوبة "فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفسَهُ" لأنه لم يُظلم،
واللوم: أن يشعر الإنسان بقلبه بأن هذا فعل غير لائق وغير مناسب، وربما ينطق بذلك بلسانه.
يُتبع بإذن الله سًبحانه وتعالى ،








قديم 17-10-2009, 03:25 AM
المشاركة 5
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )



( دورة شرح الأربعين النوويّة )

الحـــديث " الخامس والعشرين "



(عَنْ أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه أَيضَاً أَنَّ أُنَاسَاً مِنْ أَصحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالوا للنَّبي صلى الله عليه وسلم يَارَسُولَ الله: ذَهَبَ أَهلُ الدثورِ بِالأُجورِ، يُصَلُّوْنَ كَمَا نُصَلِّيْ، وَيَصُوْمُوْنَ كَمَا نَصُوْمُ، وَيَتَصَدَّقُوْنَ بفُضُوْلِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَ: (أَوَ لَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُوْنَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيْحَةٍ صَدَقَة.وَكُلِّ تَكْبِيْرَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَحْمَيْدَةٍ صَدَقَةً وَكُلِّ تَهْلِيْلَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بالِمَعْرُوْفٍ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ وَفِيْ بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ قَالُوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَيَأْتِيْ أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُوْنُ لَهُ فِيْهَا أَجْرٌ؟ قَالَ:أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فَيْ حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فَي الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ )

رواه مسلم.



مـعنى الحـــديــث :

أَنَ أُنَاسَاً: هؤلاء هم الفقراء قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم:
ذَهَبَ أَهلُ الدثورِ:أي أصحاب الأموال الكثيرة
بِالأُجورِ: أي الثواب عليها،
وليس قصدهم بذلك الحسد، ولا الاعتراض على قدر الله، لكن قصدهم
لعلهم يجدون أعمالاً يستطيعونها يقومون بها تقابل ما يفعله أهل الدثور.

يُصَلونَ كَمَا نُصَلي،وَيَصومُونَ كَمَا نَصوم، وَيَتَصَدَّقونَ بِفُضولِ أَموَالِهم
:يعني ولا نتصدق لأنه ليس عندنا شيء، فكيف يمكن أن نسبقهم أو نكون مثلهم ! ،
هذا مراد الصحابة رضي الله عنهم وليس مرادهم قطعاً الاعتراض
على قدر الله عزّ وجل، ولا أن يحسدوا هؤلاء الأغنياء



قال النبي صلى الله عليه وسلم : أَوَلَيسَ قَد جَعَلَ اللهُ لَكُم مَا تَصَّدَّقونَ بِهِ : جواب الرسول صلّى الله عليه وسلّم يعني :بلى قد جعل لكم الله ما تتصدّقون به وذكر :
إِنَ بِكُلِّ تَسبيحَةٍ صَدَقَةً : أي إذا قلت: سبحان الله فهي صدقة
وَبِكُلِّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةً :إذا قلت الله أكبر فهذه صدقة
وَبِكُلِّ تَحميدَةٍ صَدَقَةً : إذا قلت الحمد لله فهذه صدقة

وَبِكُلِّ تَهليلَةٍ صَدَقَة : إذا قلت لا إله إلا الله فهي صدقة
وَأَمرٌ بِالمَعروفِ صَدَقَةٌ : إذا أمرت من رأيته مقصراً في شيء من الطاعات فهي صدقة
وَنَهيٌ عَن مُنكَرٍ صَدَقَةٌ : إذا رأيت شخصاً على منكر ونهيته فهي صدقة
هذه الأشياء التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم وقال: إنها صدقة
يستطيعها هؤلاء الفقراء، فأنتم املئوا الزمن من التسبيح والتكبير
والتهليل والتحميد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وكلها صدقات .
والأغنياء يمكن أن لا يتصدقون كل يوم، وإذا تصدقوا باليوم
لا يستوعبون اليوم بالصدقة ، فأنتم قادرون على هذا
ولما قرر النبي صلى الله عليه وسلم هذا اقتنعوا رضي الله عنهم لكن لما قال:

وَفي بُضعِ أَحَدِكُم صَدَقَةٌ : أي أن الرجل إذا أتى أهله
فله بذلك صدقة،
قالوا: يَا رَسُوْلَ اللهِ أَيَأْتِيْ أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُوْنُ لَهُ فِيْهَا أَجْرٌ؟ :هنا سؤالهم استفهاما وليس اعتراضاً، لكن يريدون أن يعرفوا
وجه ذلك، كيف يأتي الإنسان أهله وشهوته ويقال إنك مأجور؟!



أي أن الإنسان قد يستبعد هذا ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بيَّن لهم وجه ذلك
فقال :
:أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فَيْ حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزْرٌ؟ : والجواب هنا : نعم يكون عليه وزر لو وضعها في حرام.
فأكمل صلى الله عليه وسلم حديثه قائلاً :فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَها في الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجرٌ : يعني لأنه استغنى عن الحرام فكان مأجوراً بهذا، وهذا ما يسمى عند العلماء بقياس العكس، أي إذا ثبت هذا ثبت ضده في ضده

وهنا تكمن قاعدة هامة في هذا الحديث ،، هي المنافسة ..
وتكون المنافسة بالأعمال الصالحة اللتي تقربنا من الله وتؤدي بنا إلى ثوابه العظيم ،
فهذه الحياة ميدان للتسابق في الأعمال الخيرية

ودليل ذلك :
قوله سبحانه وتعالي : ﴿فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾[البقرة: من الآية148]
آية أخرى ﴿سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ﴾ [الحديد: من الآية21]
آية أخرى : ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ ﴾ [المطففين: من الآية26]
في آية رابعة يقول : ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ
عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ
﴾ [آل عمران:133)
فالهدف من خلال مجموع هذه الآيات هي الوصول إلي مغفرة الله وجنة عرضها السماوات والأرض .



وطرق المنافسة كثيرة نذكر منها :

مجال الصدقة الذي الفقراء انطلقوا منه ، و المجالات التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم
مجال الذكر ، مجال الأمر بالمعروف ، مجال النهي عن المنكر ،و مجال المباحات .
هذه المنافسة التي طبقها الصحابة رضوان الله عليهم طبقوها هنا بشكل جماعي،>>>
( فقراء يريدون منافسة الاغنياء في طرق التقرب إلى الله سبحانه وتعالى )
أيضاً كانوا على المستوى الفردي يتسابقون ويتنافسون ، ولذلك من الذي سبق من الصحابة رضي الله عنهم ؟

أبو بكر فنال المرتبة الأولى فكان أفضل الناس بعد الأنبياء والمرسلين
وأبو بكر رضي الله عنه قال له النبي صلى الله عليه وسلم مرة
(من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر : أنا . قال : من أطعم اليوم منكم مسكينا .
قال أبو بكر : أنا . قال : من تبع منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا .)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (ما اجتمعت في امرئ إلا دخل الجنة).
وعمر رضي الله عنه كان يحث بمنافسة أبي بكر رضي الله عنه منافسة شريفة قوية ،
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه في أحد المرّات : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق ،

فوافق ذلك مالاً فقلت : اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما . قال : فجئت بنصف مالي ،
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك ؟ قلت : مثله ،
وأتى أبو بكر بكل ما عنده فقال : يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك ؟ فقال : أبقيت لهم الله ورسوله !
قال عمر قلت : والله لا أسبقه إلى شيء أبدا . رواه الترمذي .

إذاً هؤلاء الكبار ، كبار الأمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يتنافسون ! ،
وإذا مشينا مع التاريخ نجد إن الذين اشتغلوا ونافسوا في عبادتهم هم الذين برزوا !
ولنتذكّر أن المسألة ليست محكورة على الشباب ، أو على الرجال ! ،
إنما حتى على مستوى النساء ، ومجالات المنافسة عديدة ومتنوّعة .



من فــــوائــــد الحديــــث :

1. مسارعة الصحابة رضي الله عنهم وتسابقهم إلى العمل الصالح،
لأن هؤلاء الذين جاؤوا يقولون للرسول صلى الله عليه وسلم: إنه ذهب
أهل الدثور بالأجور لا يريدون الحسد، لكن يريدون أن يفتح لهم النبي
صلى الله عليه وسلم باباً يدركون به هذا السبق.
2. أن الصحابة رضي الله عنهم يستعملون أموالهم فيما فيه الخير في
الدنيا والآخرة، وهو أنهم يتصدقون.

3. أن الاعمال البدنية يشترك فيها الغني والفقير، لقولهم: "يُصَلونَ كَمَا نُصَلي،
وَيَصومُونَ كَمَا نَصوم" وهو كذلك، وقد يكون أداء الفقير أفضل وأكمل من أداء الغني.
4. أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح للفقراء أبواباً من الخير،
لقوله: "أَوَلَيسَ قَد جَعَلَ اللهُ لَكُم مَا تَصَّدَّقونَ بِهِ" وذكر الأبواب.
5. تقرير المخاطب بما لا يمكنه إنكاره، لقوله: "أَوَلَيسَ قَد جَعَلَ
اللهُ لَكُم مَا تَصَدَّقونَ بِهِ" لأن هذا أبلغ في إقامة الحجة عليه.

6. أن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأعمال كله صدقة،
لكن هذه الصدقة منها واجب، ومنها غير واجب، ومنها متعدٍ،ومنها قاصر حسب ما سنذكره.
قال: ( إِنَّ بِكُلِّ تَسبيحَةٍ صَدَقَةً، وَبِكُلِّ تَكبيرَةٍ صَدَقَةً ، وَبِكُلِّ تَحميدَةٍ صَدَقَةً، وَبِكُلِّ تَهليلَةٍ صَدَقَةً)
هذا كله قاصر ومنه واجب، ومنه غير واجب.
فالتكبير منه واجب ومنه غير واجب، فتكبير الصلوات واجب،وتكبير أذكار الصلاة
بعدها مستحب،وهكذا يقال في التسبيح والتهليل.

"وَأَمرٌ بِالمَعروفِ صَدَقَةٌ، وَنَهيٌ عَن مُنكَرٍ صَدَقَةٌ" هذا من الواجب، لكن الأمر بالمعروف
تارة يكون واجباً وجوب عين على من قدر عليه ولم يوجد غيره،وكذلك النهي عن المنكر،
وتارة يكون واجب كفاية لمن قدر عليه ولكن هناك من يقوم مقامه، وتارة يكون مستحباً
وذلك في الأمر بالمعروف المستحب، والنهي عن المنكر المكروه إن صح أن يطلق عليه اسم منكر.


والأمر بالمعروف لابد فيه من شرطين:

الشرط الأول: أن يكون الآمر عالماً بأن هذا معروف، فإن كان جاهلاً فإنه لا يجوز
أن يتكلم، لأنه إذا أمر بما يجهل فقد قال على الله تعالى ما لا يعلم.
الشرط الثاني:أن يعلم أن هذا المأمور قد ترك المعروف، فإن لم يعلم تركه
إياه فليستفصل، ودليل ذلك أن رجلاً دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه
وسلم يخطب فجلس، فقال له: "أصليت؟ قال: لا، قال: قم فصل ركعتين وتجوز فيهما"
فلم يأمره بصلاة ركعتين حتى سأله هل فعلهما أولا، فلابد أن تعلم أنه تارك لهذا المعروف.

والنهي عن المنكر كذلك لابد فيه من شروط:

الشرط الأول:أن تعلم أن هذا منكر بالدليل الشرعي،لا بالذوق ولا بالعادة ولا
بالغيرة ولا بالعاطفة، وليس مجرد أن ترى أنه منكر يكون منكراً، فقد ينكر الإنسان ما كان معروفاً .
الشرط الثاني: أن تعلم أن هذا المخاطب قد وقع في المنكر، فإن لم تعلم فلا يجوز
أن تنهى، لأنك لو فعلت لعد ذلك منك تسرعاً ولأكل الناس عرضك،
بل لابد أن تعلم أن ما وقع فيه منكر، مثال ذلك:

رأيت رجلاً في البلد يأكل ويشرب في رمضان ولنقل في المسجد الحرام،
فليس لك أن تنكر عليه حتى تسأله هل هو مسافر أم لا؟ لأنه قد يكون مسافراً
والمسافر يجوز له أن يأكل ويشرب في رمضان، فلابد أن تعلم أن هذا المخاطب
قد وقع في هذا المنكر.
الشرط الثالث: أن لا يزول المنكر إلى ما هو أعظم، فإن زال المنكر إلى ما هو
أعظم كان إنكاره حراماً، لأن إنكاره يعني أننا حولناه مما هو أخف إلى ما هو أشد.



وتحت هذه المسألة أربعة أقسام:

القسم الأول: أن يزول المنكر بالكلية .
القسم الثاني: أن يخف.
القسم الثالث: أن يتحول إلى منكر مثله.
القسم الرابع: أن يتحول إلى منكر أعظم.

فإذا كان إنكار المنكر يزول فلا شك أن الإنكار واجب.
وإذا كان يخف فالإنكار واجب، لأن تخفيف المنكر أمر واجب.
وإذا كان يتحول إلى ما هو مثله فمحل نظر، هل يُرجَّح الإنكار أو لا،
فقد يرجح الإنكار لأن الإنسان إذا تغيرت به الأحوال وانتقل من شيء
إلى شيء ربما يكون أخف، وقد يكون الأمر بالعكس بحيث يكون بقاؤه
على ما هو عليه أحسن من نقله لأنه إذا تعود التنقل انتقل إلى منكرات أخرى.
وإذا كان يتحول إلى ما هو أعظم فالإنكار حرام.

فإذا قال قائل :علل أو دلل لهذه الأقسام؟

فنقول: أما إذا كان إنكاره يقتضي زواله فوجوبه ظاهر لقول الله تعالى:
(وتعاونوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ) (المائدة: الآية2) وقوله:
(وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(آل عمران: الآية104)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذي نَفسي بيَده لتَأمُرنَّ بِالمَعروفِ وَتَنهَونَّ عَنِ المُنكَر
وَلِتَأخُذنَّ عَلى يَدِ الظَالِمِ وَلِتَأطُرَنَّهُ عَلى الحقَِّّ أَطر
اً" وذكر الحديث وعيداً شديداً.
أما إذا كان الإنكار يؤدي إلى تخفيفه فالتعليل أن تخفيف الشر واجب،
وقد يقال: إن الأدلة السابقة دليل على هذا، لأن هذا الزائد منكر يزول
بالإنكار فيكون داخلاً فيما سبق.

أما إذا كان يتحول إلى ما هو أنكر فإن الإنكار حرام، ودليل ذلك قول الله
عزّ وجل : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ )(الأنعام: الآية108)
فنهى عن سب آلهة المشركين مع أنه أمر واجب، لأن سب آلهتهم يؤدي
إلى سب من هو منزه عن كل نقص وهو الله عزّ وجل،
فنحن إذا سببنا آلهتهم سببنا بحق، وهم إذا سبوا الله سبوه عدواً بغير حق.
ويذكر عن شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أنه مر مع صاحب له على قوم
من التتر يشربون الخمر ويفسقون، ولم ينههم شيخ الإسلام عن هذا فقال له
صاحبه: لماذا لا تنهاهم؟ وكان - رحمه الله - ممن عرف بإنكار المنكر،
فقال: لو نهيت هؤلاء لقاموا إلى بيوت الناس ونهبوها وانتهكوا أعراضهم،

وهذا أعظم مما هم عليه الآن - فانظر للفقه في دين الله عزّ وجل-
"وَفي بُضع أَحَدِكُم صَدَقَةٌ" هذه الصدقة قد تكون من الواجب تارة، ومن المستحب تارة.
إذا كان الإنسان يخاف على نفسه الزنى إن لم يأت أهله صار من الصدقة الواجبة،
وإلا فهو من الصدقة المستحبة.
وظاهر قوله: "وَفي بُضع أَحَدِكُم صَدَقَةٌ" أن ذلك صدقة وإن كان على سبيل الشهوة
لا علي سبيل الانكفاف عن الحرام، لأنه إذا كان على سبيل الانكفاف عن الحرام
فالأمر واضح أنه صدقة ، لأنه يدفع الحرام بالمباح،لكن إذا كان لمجرد الشهوة



فظاهر الحديث أن ذلك صدقة، وله وجه، ومن الوجوه:

الأول: أن الإنسان مأمور أن لا يمنع نفسه ما تشتهي إذا كان ذلك في غير
معصية الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إِنَّ لِنَفسِكَ عَليكَ حَقًّا" .
والثاني:أنه إذا أتى أهله فقد أحسن إلى أهله، لأن المرأة عندها من
الشهوة ما عند الرجل، فهي تشتهي الرجل كما يشتهيها، فإذا أتاها
صار محسناً إليها وصار ذلك صدقة.
7. أن الصحابة رضي الله عنهم لا يتركون شيئاً مشكلاً إلا سألوا عنه، لقولهم
"أَيأتي أَحَدنَا شَهوَتَهُ وَيَكَون لَهُ فيهَا أَجر" .

وبه نعلم أن كل شيء لم يسأل عنه الصحابة مما يُظن أنه من أمور
الدين فإن السؤال عنه بدعة، لأنه لو كان من دين الله لقيض الله من يسأل عنه حتى يتبين.
ومن ذلك: لما حدث النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال أن أول يوم من أيامه كسنة ،
قالوا يا رسول الله هذا اليوم الذي كسنة يكفينا فيه صلاة واحدةـ فقال "لاَ، اقدِروا لَهُ قَدرَهُ"
فكل شيء يحتاج إليه الناس في دينهم فإما أن يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً،
وإما أن يُسأل عنه، ومالم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ابتداءً ولا جواباً
لسؤال وهو مما يتعلق بالدين فالسؤال عنه بدعة.

ومن ذلك ما يفعله بعض المتنطعين في أسماء الله وصفاته،
أو بعض المتنطعين فيما جاء الخبر عنه من أحوال يوم القيامة،
نقول لهؤلاء: إنكم مبتدعة، أو نقول على الأقل إن هذا بدعة،
لأنه قد يكون السائل لا يريد أن يبتدع فنقول:
هذا السؤال بدعة وإن كنا لا نصف السائل بأنه مبتدع.

فقد يكون العمل بدعة وفاعله ليس بمبتدع لأنه لا يعلم، أو لتأويل أو ما أشبه ذلك.
8. حُسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم حيث ضرب المثل الذي يقتنع به المخاطب،
وهذا من حسن التعليم أن تقرب الأمور الحسيّة بالأمور العقلية،
وذلك في قوله: "أَرَأيتُمْ لَو وَضَعَهَا فِي الحَرامِ أَكَانَ عَلَيْهِ وِزرٌ، فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الحَلالِ كَانَ لَهُ أَجرٌ".

9. أن القياس حجة، فقياس الموافقة كثير جداً ولا إشكال فيه بأن تقيس هذا الشيء
على هذا الشيء في حكم من الأحكام يجب هذا قياساً على هذا، ويحرم هذا قياساً على هذا.
لكن قياس العكس صحيح أيضاً،لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاس هذا القياس قياس عكس،
يعني فإذا كانت الشهوة الحرام وزراً فالشهوة الحلال أجر، وهذا واضح.
10. أن الاكتفاء بالحلال عن الحرام يجعل الحلال قربة وصدقة،لقوله: "وَفِي بُضْع أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ"

والله الموفق






]

قديم 17-10-2009, 03:42 AM
المشاركة 6
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )



( دورة شرح الأربعين النوويّة )

الحـــديث " السادس والعشرون "



(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِيْنُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُ لَهُ عَلَيْهَا أَو تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيْهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيْطُ الأَذى عَنِ الطَّرِيْقِ صَدَقَةٌ )

رواه البخاري ومسلم.




مـعنى الحـــديــث :


كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ:السلامى هي المفاصل، وقيل:العظام، والمعنى واحد لايختلف،
لأن كل عظم مفصول عن الآخر بفاصل فإنه يختلف عنه في الشكل،
وفي القوة، وفي كل الأمور وهذا من تمام قدرة الله عزّ وجل فليس
الذراع كالعضد، وليست الأصابع كالكف، فكل ما فصل عن غيره من
العظام فله ميزة خاصة، ولذلك كان على كل سلامى صدقة.
وجاء في صحيح مسلم أن السلامى ثلاثمائة وستون مفصلاً،
هكذاجاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : "إنه خلق كل إنسان من بني آدم
على ستين وثلاثمائة مفصل..." أخرجه مسلم،
والطب الحديث يوافق هذا - سبحان الله -
مما يدل على أن رسالة النبي صلى الله عليه وسلم حق.
وقوله عَلَيْهِ صَدَقَةٌ:أي كل مفصل عليه صدقة
وقولهكُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمسُ: يعني كل يوم يصبح على كل
عضو من أعضائنا صدقة، أي ثلاثمائة وستون في اليوم،
فيكون في الأسبوع ألفين وخمسمائة وعشرين.
لكن من نعمة الله أن هذه الصدقة عامة في كل القربات،
فكل القربات صدقات، وهذا شيء ليس بصعب على الإنسان،
مادام كل قربة صدقة فما أيسر أن يؤدي الإنسان ما يجب عليه.




ثم قالتَعْدِلُ بَينَ اثنَيْنِ صَدَقَة
:تعدل أي تفصل بينهما إما بصلح وإما بحكم،
والأولى العدل بالصلح إذا أمكن ما لم يتبين للرجل أن الحكم لأحدهما،
فإن تبين أن الحكم لأحدهما حرم الصلح، وهذا قد يفعله بعض القضاة،
يحاول أن يصلح مع علمه أن الحق مع المدعي أو المدعى عليه،
وهذا محرم لأنه بالإصلاح لابد أن يتنازل كل واحد عما ادعاه فيحال بينه وبين حقه.
إذاً العدل بين اثنين بالصلح أو بالحكم يكون صدقة،
لكن إن علم أن الحق لأحدهما فلا يصلح، بل يحكم بالحق.

وَتُعِيْنُ الرَّجُلَ فِي دَابَّتِهِ :أي بعيره مثلاً "تَحْمِلُهُ عَلَيْهَا" إذا كان لايستطيع
أن يركب تحمله أنت وتضعه على الرحل هذا صدقة
"أَو تَحْمِلُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ" متاعه ما يتمتع به في السفر من طعام وشراب
وغيرهما، تحمله على البعير وتربطه، هذا صدقة.
وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ: أي كلمة طيبة سواء طيبة في حق الله
كالتسبيح والتكبير والتهليل، أو في حق الناس كحسن الخلق صدقة.

وَبِكُلِّ خُطوَةٍ تَخْطُوهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَة : سواء بعدت المسافة أم قصرت،
وإذا كان قد تطهر في بيته وخرج إلى الصلاة لايخرجه إلا الصلاة
لم يخط خطوة إلا رفع الله له بها درجة، وحطّ عنه بها خطيئة.
فيكتسب شيئين: رفع الدرجة، وحطّ الخطيئة.
وقد استحب بعض العلماء - رحمهم الله - أن يقارب الإنسان خطواته
إذا ذهب إلى المسجد، ولكن هذا استحباب في غير موضعه، ولادليل عليه،
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر أن بكل خطوة يخطوها إلى الصلاة
صدقة لم يقل: فليدن أحدكم خطواته، ولو كان هذا أمراً مقصوداً مشروعاً
لبيّنه النبي صلى الله عليه وسلم .

ولكن لايباعد الخطا قصداً ولايدنيها قصداً، بل يمشي على عادته.
وَتُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيْقِ صَدَقَةٌ : أي تزيل الأذى وهو ما يؤذي المارة من
حجر أو زجاج أو قاذورات فأي شيء يؤذي المارين إذا أميط عن طريقهم فإنه صدقة.



من فــــوائــــد الحديــــث :

1. وجوب الصدقة على كل إنسان كل يوم تطلع فيه الشمس عن كل
عضو من أعضائه، لأن قوله: "عَلَيهِ صَدَقَة" وعلى للوجوب،
ووجه ذلك: أن كل إنسان يصبح سليماً يجب عليه أن يشكر الله عزّ وجل،
سليماً في كفه، في ذراعه، في عضده، في ساقه، في فخذه،
في كل عضو من أعضائه عليه نعمة من الله عزّ وجل فليشكرها.
فإن قال قائل: قد يكون في إحصاء ذلك صعوبة؟
فالجواب: أنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه يجزئ من ذلك -
أي بدلاً عنه، لأن (من) هنا بدليّة بمعنى بدل ذلك - ركعتان يركعهما من الضحى،
فإذا ركعت ركعتين من الضحى صار الباقي نفلاً وتطوعاً.

ويؤخذ من هذه الرواية: أنه ينبغي للإنسان أن يداوم على ركعتي الضحى،
وجه ذلك: أنها تأتي بدلاً عن هذه الصدقات أي بدلاً عن ثلاثمائة وستين صدقة،
وهذا القول هو الراجح: أنه تسن المداومة على ركعتي الضحى.
ووقتها: من ارتفاع الشمس قيد رمح في رأي العين،
إلى قبيل الزوال يعني بعد طلوع الشمس بنحو ثلث ساعة إلى قبيل الزوال بعشر أوخمس دقائق،
وآخر الوقت أفضل.
وأقلها ركعتان وأكثرها لاحد له، فصلِّ ما شئت فأنت على خير.
فلننظر جميعاً إلى فضل الله سبحانه وتعالي إذا أن ركعتان في الضحى تُعطينا بإذن الله
ثلاث مائة وستين صدقة تغني عن ثلاث مائة وستين صدقة وفضل الله سبحانه وتعالي واسع ،
ونحمده سبحانه وتعالى على فضله وكرمه .



2. أن الشمس هي التي تدور على الأرض، فيأتي النهار بدل الليل،
لقوله: "تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمْسُ" وهذا واضح أن الحركة حركة الشمس،
ويدل لهذا قول الله تعالى:
(وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَال)(الكهف: الآية17)
أربعة أفعال مضافة إلى الشمس،
وقال تعالى عن سليمان: ( فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) (صّ: 32)
أي الشمس (بِالْحِجَابِ) أي بالأرض، وقال النبي صلى الله عليه وسلم
لأبي ذرٍّ رضي الله عنه حين غربت الشمس: أَتَدْرِيْ أَيْنَ تَذْهَبُ ؟
قَالَ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فأضاف الذهاب إليها أي إلى الشمس.

3. فضيلة العدل بين الاثنين، وقد حث الله عزّ وجل على الصلح فقال تعالى:
( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا
أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ
) (النساء: 128)
فالصلح خير، والعدل بين الخصمين في الحكم واجب.


4. الحث على معونة الرجل أخاه، لأن معونته إياه صدقة،
سواء في المثال الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم أو في غيره.
المثال الذي ذكره هو: أن يعينه في دابته فيحمله عليها أو يرفع له عليها متاعه،
ولكنْ هناك أمثال كثيرة ومن ذلك:
لو وجدت إنساناً على الطريق وطلب منك أن تحمله إلى البلد وحملته،
فإنه يدخل في هذا من باب أولى.
ولكن هل يجب عليك أن تحمله، أولا يجب؟
الجواب: إن كان في مهلكة وأمنت منه وجب عليك أن تحمله وجوباً لإنقاذه من الهلكة،
والمهلكة إما لقلة الماشي فيها، أو لأن فيها قطاع طريق ربما يقضون على هذا الرجل.
فإن لم تأمن من هذا الرجل فلا يلزمك أن تحمله، مثل أن تخاف من أن يغتالك
أو يحول مسيرك إلى اتجاه آخر بالقوة فلا يلزمك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" .
إذاً معنى الحديث الحث على معونة إخوانك المسلمين حتى في غير المثال الذي ذكره
النبي صلى الله عليه وسلم، وكلما كان أخوك أحوج إلى معونتك كانت المعونة أفضل،
وكلما كانت المعونة أنفع لأخيك كانت أفضل.
وليس من هذا النوع أن تعين زميلك في وقت الاختبار على معرفة الجواب الصحيح،
ويقال: هذا منكر وخيانة للأمانة، وأنت لو فعلت فقد أعنته على منكره فلايجوز.



5. الحث على الكلمة الطيبة لقوله: "وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ" والله لا أطيب من كلام
الله عزّ وجل القرآن،كل كلمة في القرآن فهي صدقة.
والكلمة الطيبة تكون طيبة في أسلوبها، وفي موضوعها، وفي إلقائها،
وفي نواح أخرى، فإذا رأيت شخصاً وتكلمت معه بكلام طيب مثل: السلام عليكم،
حياكم الله، صبحكم الله بالخير فهذه كلمة طيبة لكن بشرط أن لايكون ذلك مملاً
بمعنى أن تبقى معه مدة وأنت تقول مثل هذا الكلام، لأنه إذا كان مملاً انقلب إلى غير طيب،
ولكل مقام مقال.
المهم القاعدة: كل كلمة طيبة فهي صدقة.
6. أن إزالة الأذى عن الطريق صدقة، وبقياس العكس نقول: وضع الأذى في الطريق
جريمة وأذية، ويتفرع على هذه الفائدة:
إذا كان إماطة الأذى عن الطريق الحسّي صدقة فإماطة الأذى عن الطريق المعنوي
أبلغ وذلك ببيان البدع والمنكرات وغيرها، والمنكرات كسفاسف الأخلاق من الدعارة
واللواط وشرب الخمر والدخان وغيرها، فبيان هذه الأشياء لئلا يمارسها الناس
تعتبر صدقة وأعظم من إماطة الأذى عن الطريق الحسي.
ومن إماطة الأذى عن الطريق المعنوي قتل داعية الفساد، لكنه ليس إلينا بل إلى ولي الأمر.

7. أن كل ما يقرب إلى الله عزّ وجل من عبادة وإحسان إلى خلقه فإنه صدقة،
وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم فهو أمثلة على ذلك.

والله الموفق
.





قديم 17-10-2009, 03:44 AM
المشاركة 7
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )


الحـــديث " السابع والعشرون "



(عن النواس بن سـمعـان -رضي الله تعالى عـنه- عـن النبي -صلى الله عـليه وسلم- قـال :
( الـبـر حـسـن الـخلق، والإثـم ما حـاك في نـفـسـك وكـرهـت أن يـطـلع عــلـيـه الـنـاس )
رواه مسلم.
وفي رواية أخرى :

(وعن وا بصة بن معبد رضى الله عنه ، قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال :
( جئت تسأل عن البر و الإثم ؟ ) قلت : نعم ؛ قال : ( استفت قلبك ؛ البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن اليه القلب ،
والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر ، وإن أفتاك الناس وأفتوك
) )

حديث حسن ، في مسندي الإمام أحمد بن حنبل ، و الدارمي بإسناد حسن .



مـعنى الحـــديــث :

قوله صلى الله عليه وسلم البر:أي الذي ذكره الله تعالى في القرآن ،
فقال ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى )(المائدة: الآية2)
والبر كلمة تدل على كثرة الخير ، فهو اسم جامع لكل خير ، وهو أيضاً البر: اسم جامع لكل معروف ،
ويدخل فيه جميع العبادات التي شرعها الله سبحانه وتعالى مثل : الصلوات الفريضة والنافلة ،
الصيام ، الحج ، الزكاة بأنواع الإنفاق الخيري ، الطاعات للوالدين ، صلة الأرحام إلي غير ذلك من الطاعات ،


حسن الخلق :أي حسن الخلق مع الله ، وحسن الخلق مع عباد الله ،
فأما حسن الخلق مع الله فان تتلقي أحكامه الشرعية بالرضا والتسليم ،
وأن لا يكون في نفسك حرج منها ولا تضيق بها ذرعا ،
فإذا أمرك الله بالصلاة والزكاة والصيام وغيرها فإنك تقابل هذا بصدر منشرح.

وأيضا حسن الخلق مع الله في أحكامه القدرية ، فالإنسان ليس دائما مسرورا
حيث يأتيه ما يحزنه في ماله أو في أهله أو في نفسه أو في مجتمعه والذي قدر
ذلك هو الله عز وجل فتكون حسن الخلق مع الله ، وتقوم بما أمرت به وتنزجر عما نهيت عنه .
أما حسن الخلق مع الناس فقد سبق أنه : بذل الندى وكف الأذى والصبر على الأذى ، وطلاقة الوجه .
وهذا هو البر والمراد به البر المطلق ، وهناك بر خاص كبر الوالدين مثلا وهو الإحسان
إليهما بالمال والبدن والجاه وسائر الإحسان .


وهل يدخل بر الوالدين في قوله ( حسن الخلق )؟

فالجواب : نعم يدخل لأن بر الوالدين لا شك أنه خلق حسن محمود كل أحد يحمد فاعله عليه .

ثم قالالإثم ما حاك في نفسك:أي تردد وصرت منه في قلق
وكرهت أن يطلع عليه الناس :لأنه محل ذم وعيب ، فتجدك مترددا فيه وتكره أن يطلع الناس عليك وهذه الجملة إنما
هي لمن كان قلبه صافيا سليما ، فهذا هو الذي يحوك في نفسه ما كان إثما ويكره أن يطلع عليه الناس .
أما المتمردون الخارجون عن طاعة الله الذين قست قلوبهم فهؤلاء لا يبالون ،
بل ربما يتبجحون بفعل المنكر والإثم ، فالكلام هنا ليس عاما لكل أحد بل هو خاص
لمن كان قلبه سليما طاهرا نقيا ؛ فإنه إذا هم بإثم وإن لم يعلم أنه إثم من قبل الشرع
تجده مترددا يكره أن يطلع الناس عليه ، وهذا ضابط وليس بقاعدة ، أي علامة على الإثم في قلب المؤمن .



من فــــوائــــد الحديــــث :

1". حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم حيث يتقدم للسائل
بما في نفسه ليستريح ويطمئن لقوله ( جئت تسأل عن البر ؟) .

2. أن (نعم) جواب لإثبات ما سئل عنه فقول وابصة رضي الله عنه (نعم )
أي جئت أسأل عن البر ؛ ولهذا لو أجاب الإنسان بها من سأله عن شيء
فمعناها إثبات ذلك الشيء .
3. جواز الرجوع إلى القلب والنفس لكن بشرط أن يكون هذا الذي رجع إلى قلبه
ونفسه ممن استقام دينه ؛ فإن الله عز وجل يؤيد من علم الله منه صدق النية .

4. أن الصوفية وأشباههم استدلوا بهذا الحديث على أن الذوق دليل شرعي
يرجع إليه لأنه قال : (استفت قلبك) فما وافق عليه القلب فهو بر.
فيقال : هذا لا يمكن لأن الله تعالى أنكر على من شرعوا دينا لم يأذن به الله،
ولا يمكن أن يكون ما أنكره الله حقا أبدا .

ثم إن الخطاب هنا لرجل صحابي حريص على تطبيق الشريعة فمثل هذا يؤيده الله عز وجل
ويهدي قلبه حتى لا يطمئن إلا إلى أمر محبوب إلى الله عز وجل



5. أن لا يغتر الإنسان بإفتاء الناس لا سيما إذا وجد في نفسه ترددا ؛ فإن كثيراً
من الناس يستفتي عالما أو طالب علم فيفتيه ثم يتردد ويشك ؛

فهل لهذا الذي تردد وشك أن يسأل عالما آخر ؟
الجواب : نعم بل يجب عليه أن يسأل عالما آخر إذا تردد في جواب الأول .
فإذا أفتانا أهل العلم انتهى الكلام والتفكير في المسألة ، فكلام العالم بالشرع لغير العالِم هو قطع!
فإن كان مصيباً هذا العالم فله أجران وإن كان مخطئاً وقد أعمل اجتهاده فله أجر .

6. أن المدار في الشرعية على الأدلة لا على ما أشتهر بين الناس لأن الناس
قد يشتهر عندهم شيء ويفتون به وليس بحق ، فالمدار على الأدلة الشرعية
7. الإثم هو في المساحة المترددة ، التي بدورها تجر للوقوع في الأمر المحرم هذا في حال عدم تبيان الحكم الشرعي ! ،


أما إذا تبين الحكم الشرعي فهو حينئذ القائم >> يعني إذا كان الحكم حلال فهو حلال وإذا كان حرام فهو حرام ،
حتّى ولو خالف مزاج الإنسان وهواه ورغباته لذلك مجرّد الاعتماد على ما يحيكه الصدر
لا يعفي الإنسان عن السؤال الشرعي الخاص بالمسالة التي يفكّر فيها .

8. هذا الحديث يقوى شخصية الإنسان لأنّه يكون منتجاً إذ يحثّ على مراقبة المسلم
لنفسه في الحال وهذا هو المؤمن الصادق ،وسيكون هذا الإنسان المراقب لنفسه بإذن الله إنسان منتج عامل
لا يُبالي بالنظر الدنيوي للآخرين وإنما ينظر إلى الله سبحانه وتعالي ، فيُصبح العمل عمل منتج وقائم ومأجور عليه أيضا بإذن الله ..
كذلك هذا الحديث يبني الشخصية بإيجاد رقيب من النفس على النفس فيبقى المرء سائراً في خط مستقيم في هذه الحياة .






قديم 17-10-2009, 03:45 AM
المشاركة 8
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )


الحـــديث " الثامن والعشرون "





(عَن أَبي نَجِيحٍ العربَاضِ بنِ سَاريَةَ رضي الله عنه قَالَ:
وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ مَوعِظَةً وَجِلَت مِنهَا القُلُوبُ وَذَرَفَت مِنهَا العُيون. فَقُلْنَا: يَارَسُولَ اللهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوصِنَا، قَالَ:
(أُوْصِيْكُمْ بِتَقْوَى اللهِ عز وجل وَالسَّمعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيَرَى اخْتِلافَاً كَثِيرَاً؛
فَعَلَيكُمْ بِسُنَّتِيْ وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ المّهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ
فإنَّ كلّ مُحدثةٍ بدعة، وكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ
)

رواه أبو داود والترمذي وقال : حديث حسن صحيح..




مـعنى الحـــديــث :

وَعَظَنا: الوعظ:التذكير بما يلين القلب سواء كانت الموعظة
ترغيباً أو ترهيباً
، وكان النبي صلى الله عليه وسلم
يتخول أصحابه بالموعظة أحياناً.

وَجلَت مِنهَا القُلُوبُ:
أي خافت منها القلوب كما قال الله تعالى:
(الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ )(الأنفال: الآية2)

وَذَرَفَت مِنهَا العُيون:كَأنَّها" أي هذه الموعظة "مَوعِظَةَ مُوَدِِّعٍ" وذلك
لتأثيرها في إلقائها،وفي موضوعها،وفي هيئة الواعظ لأن كل هذا مؤثر،
حتى إننا في عصرنا الآن تسمع الخطيب فيلين قلبك وتخاف وتبكي،
فإذا سمعته مسجلاً لم تتأثر، فتأثير المواعظ له أسباب منها:
الموضوع،وحال الواعظ،وانفعاله.



قَالَ أوصيكُم بِتَقوَى الله عزّ وجل
:هذه الوصية مأخوذة من قول الله تعالى:
(وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)(النساء: الآية131)
فتقوى الله رأس كل شيء.
ومعنى التقوى: طاعة الله بامتثال أمره واجتناب نهيه على علم وبصيرة.
ولهذا قال بعضهم في تفسيرها: أن تعبد الله على نور من الله،
ترجو ثواب الله، وأن تترك ما حرم الله، على نور من الله، تخشى عقاب الله.
وقال بعضهم:
خل الذنوب صغيرها وكبيرها ذاك التقى
واعمل كماش فوق أر ض الشوك يحذر ما يرى
لاتحقرن صغيرة إن الجبال من الحصى

وَالسَّمعُ والطَّاعَة
: أي لولاة الأمر بدليل قوله وَإِن تَأمَّر عَليكُم
والسمع والطاعة بأن تسمع إذا تكلم، وأن تطيع إذا أمر،
وسيأتي إن شاء الله في بيان الفوائد حكم هذه الجملة العظيمة،
لكن انظر أن النبي صلى الله عليه وسلم خصها بالذكر بعد ذكر
التقوى مع أن السمع والطاعة من تقوى الله لأهميتها ولعظم التمرد عليها.




وَإن تَأمَّر عَلَيكُم: أي صار أميراً "عبد" أي مملوكاً.
فَإِنَّهُ مَن يَعِش مِنكُم :أي تطول به الحياة "فَسَيَرى" والسين هنا
للتحقيق اختِلاَفاً كَثيراً في العقيدة، وفي العمل ، وفي المنهج،
وهذا الذي حصل، فالصحابة رضي الله عنهم الذين عاشوا طويلاً
وجدوا من الاختلاف والفتن والشرور ما لم يكن لهم في الحسبان.
ثم أرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى ما يلزمونه عند هذا الاختلاف،
فقال: "فَعَلَيكُم بِسَّنتي" أي الزموا سنتي، والمراد بالسنة هنا:
الطريقة التي هو عليها ، فلا تبتدعوا في دين الله عزّ وجل ما ليس منه ،
ولا تخرجوا عن شريعته.


وَسُنَّةِ الخُلَفَاءِ الرَاشِدين
: الخلفاء الذين يخلفون رسول الله صلى الله عليه
وسلم في أمته، وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه.

فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه هو الخليفة الأول لهذه الأمة،
نص النبي صلى الله عليه وسلم على خلافته نصاً يقرب من اليقين،
وعامله بأمور تشير إلى أنه الخليفة بعده.
مثال ذلك: أتته امرأة في حاجة لها فوعدها وعداً، فقالت: يا رسول الله إن لم أجدك؟
قال: "ائتِي أَبَا بَكر"
وقال : "يَأَبَى اللهُ وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنونَ إِلا أَبَا بَكرٍ"
وأمر أن تسد جميع الأبواب المشرَّعة على المسجد إلا باب أبي بكر،
وجعله خليفته في الصلاة بالمسلمين حين مرض ،
وهذه إمامة صغرى،يشير بذلك إلى أنه يتولى الإمامة الكبرى،
وجعله أميراً على الحجيج في السنة التاسعة خلفاً عنه.
فهو الخليفة بالنص الذي يقرب من اليقين.

ثم الخليفة من بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه لأنه أولى الناس
بالخلافة بعد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإنهما صاحبا رسول
الله صلى الله عليه وسلم وكان كثيراً ما يقول: ذهبت أنا وأبو بكر وعمر،
وجئت أنا وأبو بكر وعمر ،فرأى أبو بكر رضي الله عنه
أن أحق الناس بالخلافة عمر رضي الله عنه.


وخلافة عمر رضي الله عنه ثابتة شرعاً لأنها وقعت من خليفة،
ثم صارت الخلافة لعثمان رضي الله عنه بمشورة معروفة رتبها عمر رضي الله عنه،
ثم صارت بعد ذلك لعلي رضي الله عنه هؤلاء هم الخلفاء الراشدون لا إشكال فيهم.


وقوله:المهديين : صفة مؤكدة لما سبق، لأنه يلزم من كونهم راشدين
أن يكونوا مهديين، إذ لا يمكن رشد إلا بهداية،وعليه فالصفة هنا ليست
صفة احتراز ولكنها صفة توكيد وبيان علة،يعني أنهم رشدوا لأنهم مهديون.

عَضُّوا عَلَيهَا بالنَّوَاجِذِ
:أي على سنتي وسنة الخلفاء وهي أقصى
الأضراس ومن المعلوم أن السنة ليست جسماً يؤكل،
لكن هذا كناية عن شدة التمسك بها،أي أن الإنسان يتمسك بهذه السنة
حتى يعض عليها بأقصى أضراسه.
وَإيَّاكُم : هنا لمّا حث على التمسك بالسنة حذر من البدعة.
فقال :وَإيَّاكُم وَمُحدَثَاتِ الأُمور : أي اجتنبوها،والمراد بالأمور هنا الشؤون،
والمراد بالشؤون شؤون الدين،لا المحدثات في أمور الدنيا،
لأن المحدثات في أمور الدنيا منها ما هو نافع فهو خير،
ومنها ما هو ضار فهو شر،لكن المحدثات في أمور الدين كلها شر،

ولهذا قال: "فَإِنَّ كُلَّ مُحدَثَةٍ بِدعَة" لأنها ابتدعت وأنشئت من جديد.
كُل بِدعَةٍ ضَلالَة :أي كل بدعة في دين الله عزّ وجل فهي ضلالة .




من فــــوائــــد الحديــــث :

1. مشروعية الموعظة،ولكن ينبغي أن تكون في محلها،وأن لا يكثر فيُمِل،
لأن الناس إذا ملوا ملوا الواعظ والموعظة، وتقاصرت هممهم
عن الحضور،ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم
يتخول أصحابه بالموعظة،وكان بعض الصحابة يعظ أصحابه
كل يوم خميس، يعني في الأسبوع مرة.

2. أنه ينبغي للواعظ أن تكون موعظته مؤثرة باختيار الألفاظ الجزلة المثيرة
،وهذا على حسب الموضوع،فإن كان يريد أن يعظ الناس لمشاركة في جهاد
أو نحوه فالموعظة تكون حماسية،وإن كان لعمل الآخرة
فإن الموعظة تكون مرققة للقلوب.
3. أن المخاطب بالموعظة إذا كانت بليغة فسوف يتأثر لقوله:
"وَجِلَت مِنهَا القُلُوبُ، وَ ذَرَفَت مِنهَا العُيونُ" .
4. أن القلب إذا خاف بكت العين، وإذا كان قاسياً، نسأل الله عزّ وجل أن يبعدنا
وإياكم من قسوة القلب،لم تدمع العين.




5. أنه جرت العادة أن موعظة المودع تكون بليغة مؤثرة،لأن المودع لن يبقى
عند قومه حتى يكرر عليهم الموعظة فيأتي بموعظة مؤثرة يُذَكر بها بعد ذلك
لقولهم: "كَأَنَّهَا مَوعِظَةُ موَدِِّعٍ" .
6. طلب الإنسان من العالم أن يوصيه،لقولهم رضي الله عنهم "فَأَوصِنَا".
ولكن هل هذا يكون بدون سبب،أو إذا وجد سبب لذلك؟
الظاهر الثاني: بمعنى أنه ليس كلما قابلت أحداً تقول:أوصني،
فإن هذا مخالف لهدي الصحابة فيما يظهر،لكن إذا وجد سبب كإنسان
قام وعظ وبيَّن فلك أن تقول أوصنا وأما بدون سبب فلا،
ومن ذلك السفر، أي إذا أراد الإنسان أن يسافر وقال مثلاً للعالِم أوصني، فهذا مشروع.
7. أن أهم ما يوصى به العبد تقوى الله عزّ وجل لقوله: "أُوصيكُم بِتَقوَى الله"

8. فضيلة التقوى حيث كانت أهم وأولى وأول ما يوصى به العبد.
9. وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالسمع والطاعة لولاة الأمور،
والسمع والطاعة لهم واجب بالكتاب والسنة،قال الله تعالى:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ )(النساء: الآية59)
فجعل طاعة أولي الأمر في المرتبة الثالثة ولكنه لم يأت بالفعل (أطيعوا )
لأن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم،
ولهذا لو أمر ولاة الأمور بمعصية الله عزّ وجل فلا سمع ولا طاعة.

وظاهر الحديث وجوب السمع والطاعة لولي الأمر وإن كان يعصي الله عزّ وجل
إذا لم يأمرك بمعصية الله عزّ وجل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
سمَع وَأَطِع وَإِن ضَرَبَ ظَهرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ" وضرب الظهر وأخذ المال
بلا سبب شرعي معصية لا شك، فلا يقول الإنسان لولي الأمر:
أنا لا أطيعك حتى تطيع ربك، فهذا حرام، بل يجب أن يطيعه وإن لم يطع ربه.
أما لو أمر بالمعصية فلا سمع ولا طاعة، لأن رب ولي الأمر ورب الرعية
واحد عزّ وجل، فكلهم يجب أن يخضعوا له عزّ وجل،
فإذا أمرنا بمعصية الله قلنا: لا سمع ولا طاعة.




10. ثبوت إمرة العبد،لقوله: "وَإِن تَأَمرَ عَلَيكُم عَبدٌ" ولكن هل يلزم طاعة
الأمير في كل شيء، أو فيما يتعلق بالحكم؟
الجواب:الثاني، أي فيما يتعلق بالحكم ورعاية الناس، فلو قال لك الأمير مثلاً:
لا تأكل اليوم إلا وجبتين. أو ما أشبه ذلك فلم يجب عليك أن توافق إلا أنه يحرم
عليك أن تنابذ، بمعنى أن تعصيه جهاراً لأن هذا يفسد الناس عليه.
11. وجوب طاعة الأمير وإن لم يكن السلطان، لقوله: "وَإِن تَأَمرَ عَلَيكُم"
ومعلوم أن الأمة الإسلامية من قديم الزمان فيها خليفة وهو السلطان،
وهناك أمراء للبلدان، وإذا وجبت طاعة الأمير فطاعة السلطان من باب أولى.
وهنا سؤال يكثر: إذا أمَّر الناس عليهم أميراً في السفر، فهل تلزمهم طاعته؟
فالجواب: نعم، تلزمهم طاعته،وإذا لم نقل بذلك لم يكن هناك فائدة من تأميره،
لكن طاعته فيما يتعلق بأمور السفر لا في كل شيء،إلا أن الشيء
الذي لا يتعلق بأمور السفر لا تجوز منابذته فيه، مثال ذلك:
لو قال أمير السفر:اليوم كل واحد منكم يلبس ثوبين لأنه سيكون الجو بارداً.

فهنا لا تلزم طاعته، لكن لا تجوز منابذته بمعنى: لا يجوز لأحد أن يقول لن
ألبس ثوبين، لأن مجرد منابذة ولاة الأمور تعتبر معصية.
12. ظهور آية من آيات النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:
"فَإِنَّهُ مَن يَعِش مِنكُم فَسَيَرَى اختِلافاً كَثيرَاً" فقد وقع الأمر كما
أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: وهل يمكن أن نطبق هذه الجملة في كل زمان،بمعنى أن نقول:
من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً؟
فالجواب: لا نستطيع أن نطبقها في كل زمان،لكن الواقع أن من طال عمره
رأى اختلافاً كثيراً.




كان الناس فيما سبق أمة واحدة، حزباً واحداً،ليس هناك تشتت ولا تفرق ثم اختلفوا،
في بلادنا هذه كان الناس منقادين لأمرائهم،منقادين لعلمائهم حتى إن الرجل يأتي
مع خصمه إلى القاضي وهو يرى أن الحق له فيحكم القاضي عليه،
ثم يذهب مطمئن القلب مستريحاً،وإذا قيل له: يا فلان كيف غلبك خصمك؟
قال:الشرع يُخْلِفُ. والآن الأمر بالعكس،تجد الخصم إذا حُكِم عليه والحكم حق
ذهب يماطل،ويطالب برفع المعاملة للتمييز،ومجلس القضاء الأعلى وإن كان
يرى الحق عليه وليس له لكن يريد أن يضر بصاحبه،والاختلاف الآن وقع،
أحص مثلاً أفكار الناس لا تكاد تحصيها، منهم من فكره إلحاد،

ومنهم من فكره دون ذلك، ومنهم من فكره سيء في الأخلاق، ومنهم من دون ذلك.
13. وجوب التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم عند الاختلاف، لقوله:
"فَعَلَيكُم بِسنَّتي" والتمسك بها واجب في كل حال لكن يتأكد عند وجود الاختلاف.
14. أنه يجب على الإنسان أن يتعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ،
وجه ذلك: أنه لا يمكن لزومها إلا بعد علمها وإلا فلا يمكن.

15. أن للخلفاء سنة متبعة بقول النبي صلى الله عليه وسلم،
وعلى هذا فما سنه الخلفاء الراشدون أُعتبر سنة للرسول صلى الله عليه وسلم
بإقراره إياهم، ووجه كونه أقره أنه أوصى باتباع سنة الخلفاء الراشدين.
وبهذا نعرف سفه هؤلاء القوم الذين يدعون أنهم متبعون للسنة
وهم منكرون لها،ومن أمثلة ذلك:
قالوا:إن الأذان الأول يوم الجمعة بدعة، لأنه ليس معروفاً في عهد النبي صلى
الله عليه وسلم إنما هو من سنة عثمان رضي الله عنه، فيقال لهم: وسنة عثمان
رضي الله عنه هل هي هدر أو يؤخذ بها مالم تخالف سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
الجواب:الثاني لا شك، عثمان رضي الله عنه لم يخالف الرسول صلى الله عليه وسلم
في إحداث الأذان الأول، لأن السبب الذي من أجله أحدثه عثمان رضي الله عنه ليس
موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ففي عهد النبي صلى الله عليه وسلم
كانت المدينة صغيرة،متقاربة، لا تحتاج إلى أذان أول، أما في عهد عثمان رضي الله عنه
اتسعت المدينة وكثر الناس وصار منهم شيء من التهاون
فاحتيج إلى أذان آخر قبل الأذان الذي عند مجيء الإمام.


وهذا الذي فعله عثمان رضي الله عنه حق وسنة النبي صلى الله عليه وسلم،
ثم إن له أصلاً من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه في رمضان كان
يؤذن بلال وابن أم مكتوم رضي الله عنه، بلال رضي الله عنه يؤذن قبل الفجر ،
وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن أذانه لا لصلاة الفجر ولكن ليوقظ النائم،
ويرجع القائم للسحور، فعثمان رضي الله عنه زاد الأذان الأول من أجل أن
يقبل الناس البعيدون إلى المسجد ويتأهبوا فهو إذاً سنة من وجهين:
من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر باتباع سنة الخلفاء
ورأي عثمان رضي الله عنه خير من رأينا.




ومن جهة أخرى أن له أصلاً في سنة النبي صلى الله عليه وسلم .
16. أنه إذا كثرت الأحزاب في الأمة فلا تنتم إلى حزب،
فقد ظهرت طوائف من قديم الزمان مثل الخوارج والمعتزلة
والجهمية والرافضة،ثم ظهرت أخيراً إخوانيون وسلفيون
وتبليغيون وما أشبه ذلك، فكل هذه الفرق اجعلها على اليسار
وعليك بالأمام وهو ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله:
"عَلَيكُم بِسُنَّتي وَسُنََّة الخُلَفَاء الرَاشِدين"
ولا شك أن الواجب على جميع المسلمين أن يكون مذهبهم مذهب السلف
لا الانتماء إلى حزب معين يسمى السلفيين، والواجب أن تكون الأمة الاسلامية
مذهبها مذهب السلف الصالح لا التحزب إلى من يسمى ( السلفيون) فهناك طريق
السلف وهناك حزب يسمى (السلفيون) والمطلوب اتباع السلف،
إلا أن الإخوة السلفيين هم أقرب الفرق إلى الصواب ولكن مشكلتهم كغيرهم
أن بعض هذه الفرق يضلل بعضاً ويبدعه ويفسقه،

ونحن لا ننكر هذا إذا كانوا مستحقين، لكننا ننكر معالجة هذه البدع بهذه الطريقة ،
والواجب أن يجتمع رؤساء هذه الفرق، ويقولون:
بيننا كتاب الله عزّ وجل وسنة رسوله فلنتحاكم إليهما لا إلى الأهواء والآراء
، ولا إلى فلان أو فلان، فكلٌّ يخطئ ويصيب مهما بلغ من العلم والعبادة
ولكن العصمة في دين الإسلام.

فهذا الحديث أرشد فيه النبي صلى الله عليه وسلم إلى سلوك طريق مستقيم
يسلم فيه الإنسان، ولا ينتمي إلى أي فرقة إلا إلى طريق السلف الصالح
سنة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين.
17. الحث على التمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء
الراشدين تمسكاً تاماً، لقوله: "عضوا عَلَيهَا بالنَّوَاجِذِ".



18. التحذير من البدع، أي من محدثات الأمور، لأن (إيَّا) في قوله
"وَإيَّاكم" معناها التحذير من محدثات الأمور لكن في الدين،
أما في الدنيا إما مطلوب وإما مذموم حسب ما يؤدي إليه من النتائج.
فمثلاً: أساليب الحرب وأساليب الاتصالات،وأساليب المواصلات كلها محدثة،
لم يوجد لها نوع فيما سبق، ولكن منها صالح ومنها فاسد حسب ما تؤدي إليه،
فالمُحَذَّر منه المحدث في الدين عقيدة،أو قولاً،أو عملاً،فكل محدثة في الدين
صغرت أو كبرت فإنها بدعة، هكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم،
فإن قال قائل: كيف نجمع بين هذه الكلية العامة الواضحة البينة:
"كُلَّ مُحدَثَةٍ بدعَةٌ" وبين قوله صلى الله عليه وسلم
"مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجرُها وَأَجرُ مَن عَمِلَ بِهَا إِلَى يَوم القِيامَةِ"
فالجواب من وجهين:
الوجه الأول:أن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً"
أي من ابتدأ العمل بالسنة، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكره بعد أن
حث على الصدقة للقوم الذين وفدوا إلى المدينة ورغب فيها، فجاء الصحابة
كلٌّ بما تيسر له، وجاء رجل من الأنصار بصرة قد أثقلت يده فوضعها في
حجر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةَ فَلَهُ
أَجرَها وَأَجرُ مَن عَمِلَ بِهَا إِلَى يَومِ القِيامَةِ" أي ابتدأ العمل سنة ثابتة،
وليس أنه يأتي هو بسنة جديدة، بل يبتدئ العمل لأنه إذا ابتدأ العمل
سن الطريق للناس وتأسوا به وأخذوا بما فعل.
الوجه الثاني:أن يقال: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةً" أي سن
الوصول إلى شيء مشروع من قبل كجمع الصحابة المصاحف
على مصحف واحد، فهذا سنة حسنة لاشك، لأن المقصود
من ذلك منع التفرق بين المسلمين وتضليل بعضهم بعضاً.

كذلك أيضاً جمع السنة وتبويبها وترتيبها، فهذه سنة حسنة يتوصل بها إلى حفظ السنة.
إذاً يُحمَل قوله: "مَن سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً حَسَنَةَ" على الوسائل إلى
أمور ثابتة شرعاً، ووجه هذا أننا نعلم أن كلام النبي صلى الله عليه وسلم
لا يتناقض، ونعلم أنه لو فُتِحَ الباب لكل شخص أو لكل طائفة أن تبتدع
في الدين ما ليس منه لتمزقت الأمة وتفرقت،وقد قال الله عزّ وجل:
(إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ
إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ
) (الأنعام:159)




19. أن جميع البدع ضلالة ليس فيها هدى، بل هي شر محض حتى
وإن استحسنها من ابتدعها فإنها ليست حسنى،بل ولا حسنة لقول
النبي صلى الله عليه وسلم: "كُلَّ بِدعَةٍ ضَلالَة" ولم يستثنِ النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً.
وبناءً على هذا يتبين خطأ من قسم البدع إلى خمسة أقسام أو إلى ثلاثة أقسام،
وأنه ليس على صواب، لأننا نعلم علم اليقين أن أعلم الناس بشريعة الله رسول
الله صلى الله عليه وسلم ، وأن أنصح الخلق لعباد الله رسول الله صلى الله عليه وسلم،
وأن أفصح الخلق نطقاً محمد صلى الله عليه وسلم ،

وأن أصدق الخلق خبراً رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
أربعة أوصاف كلها مجتمعة على الأكمل في قول النبي صلى الله عليه وسلم
ثم يأتي مَنْ بعده ويقول: البدعة ليست ضلالة،
بل هي أقسام: حسنة ،ومباحة،ومكروهة، ومحرمة،وواجبة.
سبحان الله العظيم،يعني لولا إحسان الظن بهؤلاء العلماء لكانت المسألة كبيرة،
أن يقسموا ما حكم النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ضلالة إلى أقسام: حسن و قبيح.
إذاً نقول: من ابتدع بدعة وقال: إنها حسنة. فإما أن لا تكون بدعة، وإما أن لا تكون حسنة قطعاً.
مثال ذلك: قالوا من البدع الحسنة جمع المصاحف في مصحف واحد،

ومن البدع الحسنة كتابة الحديث، ومن البدع الحسنة إنشاء الدور لطلاب العلم وهكذا.
فنقول هذه ليست بدعة، وهي حسنة لا شك لكن ليست بدعة،هذه وسيلة
إلى أمر مقصود شرعاً، نحن لم نبتدع عبادة من عندنا لكن أمرنا بشيء
ورأينا أقرب طريق إليه هذا العمل فعملناه.
وهناك فرق بين الوسائل والذرائع وبين المقاصد، لأن جميع الأمثلة التي قالوا:
إنها حسنة تنطبق على هذا، أي أنها وسائل إلى أمر مشروع مقصود.
ومثال آخر قول جماعة: إن الميكرفون الذي يؤدي الصوت إلى البعيد بدعة
ولا يجوز العمل به؟




فنقول: هو وسيلة حسنة ، لأنه يوصل إلى المقصود، وقد اختار النبي صلى الله عليه وسلم
للأذان مَنْ هو أندى صوتاً لأنه يبلغ أكثر، وقال للعباس رضي الله عنه في غزوة حنين:
نادى يا عباس لأنه كان صيتاً رضي الله عنه .
إذاً رفع الصوت مطلوب، وهذه وسيلة من وسائله، ولهذا لما رُكِّبَ الميكرفون
(مكبّر الصوت) في المسجد - الجامع الكبير بعنيزة- أول ما ركب على زمن
شيخنا عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - خطب في ذلك خطبة
وأثنى على الذي أتى به وهو أحد المحسنين- رحمه الله -
وقال: هذا من النعمة. وصدق،وهو من النعمة لأنه وسيلة إلى أمر مقصود.
كذلك أيضاً الاتصالات، الآن نتصل عن طريق الهاتف إلى أقصى العالم،
فهل نقول استعمال هذا الهاتف بدعة لا تجوز؟

الجواب:لا نقول هذا، لأنه وسيلة، وقد يكون إلى خير أو إلى شر.
فعلى كل حال: يجب أن نعرف الفرق بين ما كان غاية وما كان ذريعة.
يوجد أناس أحدثوا أذكاراً يذكرون الله فيها على هيئات معينة،
وقالوا: إن قلوبنا ترتاح إلى هذا الشيء، فهل نقول: هذا بدعة حسنة أو لا؟
الجواب:لا، لأنهم أحدثوا في دين الله ما ليس منه،فإن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يتعبد الله عزّ وجل على هذا الوجه، وعلى هذا فقِس.
إذاً الواجب علينا أن نقول: سمعنا وآمنا وصدقنا بان كل بدعة ضلالة،
وأنه لا حسن في البدع تصديقاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ونقول:
ما ادعى صاحبه أنه بدعة حسنة فهو إما أن لا يكون حسناً وظنه حسناً،
وإما أن لا يكون بدعة، أما أن يكون بدعة وحسناً فهذا لايمكن،
ويجب علينا أن نؤمن بهذا عقيدة.


ولا يمكن أن نجادل أهل الباطل في بدعهم إلا بهذا الطريق بأن نقول:
كل بدعة ضلالة.
فإن قال قائل: ماذا تقولون في قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه
حين جمع الناس في قيام رمضان على إمام واحد، وخرج ليلة من الليالي فوجد
الناس يصلون بإمام واحد فقال: نعمت البدعة هذه فسماها بدعة؟
أجاب بعض العلماء بأن المراد بالبدعة هنا البدعة اللغوية لاالشرعية،
ولكن هذا الجواب لا يستقيم، كيف البدعة اللغوية وهي صلاة؟
والصواب أنها بدعة نسبية بالنسبة لهجران هذا القيام بإمام واحد،
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أول من سن القيام بإمام واحد - أعني التراويح -
فقد صلى بأصحابه ثلاث ليال في رمضان ثم تخلف خشية أن تفرض،

وتُرِكَت، وأصبح الناس يأتون للمسجد يصلي الرجل وحده ، والرجلان جميعاً،
والثلاثة أوزاعاً، فرأى عمر رضي الله عنه بثاقب سياسته أن يردهم إلى السنة الأولى
وهي الاجتماع على إمام واحد فجمعهم على تميم الداري وأُبي بن كعب رضي الله عنهما
وأمرهما أن يصليا بالناس إحدى عشرة ركعة ،
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.
فيكون قوله: نعمت البدعة يعني بالبدعة النسبية، أي بالنسبة إلى أنها
هجرت في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أبي بكر الصديق
رضي الله عنه وفي أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،
وإلا فنحن نؤمن بأن كل بدعة ضلالة،


ثم هذه الضلالات تنقسم إلى: بدع مكفرة، وبدع مفسقة ، وبدع يعذر فيها صاحبها.
ولكن الذي يعذر صاحبها فيها لا تخرج عن كونها ضلالة، ولكن يعذر الإنسان
إذا صدرت منه هذه البدعة عن تأويل وحسن قصد.
والبدعة المكفرة أو المفسقة لا نحكم على صاحبها أنه كافر أو فاسق حتى تقوم
عليه الحجة، لقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا
رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ
) (القصص:59)
وقال عزّ وجل: ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الاسراء: الآية15)
ولو كان الإنسان يكفر ولو لم تقم عليه الحجة لكان يعذب،
وقال عزّ وجل: (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )(النساء: الآية165)
والآيات في هذه كثيرة.

فعلينا أن نتئد وأن لا نتسرع، وأن لا نقول لشخص أتى ببدعة واحدة من آلاف السنن إنه رجل مبتدع.
فانتبهوا لهذه المسائل الدقيقة، ولا تتسرعوا، ولا تتهاونوا باغتياب العلماء السابقين واللاحقين،
لأن غيبة العالم ليست قدحاً في شخصه فقط، بل في شخصه وما يحمله من الشريعة، لأنه إذا ساء ظن الناس
فيه فإنهم لن يقبلوا ما يقول من شريعة الله، وتكون المصيبة على الشريعة أكثر.
ثم إنكم ستجدون قوماً يسلكون هذا المسلك المشين فعليكم بنصحهم، وإذا وجد فيكم من لسانه منطلق

في القول في العلماء فانصحوه وحذروه وقولوا له: اتق الله، أنت لم تُتَعَبَّد بهذا،
وما الفائدة من أن تقول فلان فيه فلان فيه، بل قل: هذا القول فيه كذا وكذا بقطع النظر عن الأشخاص.
لكن قد يكون من الأفضل أن نذكر الشخص بما فيه لئلا يغتر الناس به، لكن لا على سبيل العموم هكذا في المجالس،
لأنه ليس كل إنسان إذا ذكرت القول يفهم القائل، فذكر القائل جائز عند الضرورة،
وإلا فالمهم إبطال القول الباطل،


والله الموفق.



قديم 17-10-2009, 08:57 AM
المشاركة 9

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )
سلسلة واجزاء مباركة .. هنا الفائدة وهنا المعرفة
اجزاء نثرت وسطرت بأروع الطرح وبجهد كبير
كلمات وحروف تخط خطاها بحبر من ذهب وكما قلنا من روائع النثر ومن روائع الكلمات ومن روآئع المواضيع
التي تطرح في الاماكن نظراً لفائدتها الكبيرة وسلسلة مباركة تستحق ان تكون في المفضلة مع المواضيع الاخرى الكبيرة .. وجهد ونشاط واضح واستمرار مبارك لأكمال هذه السلسلة وبجميع اجزائها ..
ولله الحمد مازلنا نتابع ونقرأ هذه السلسلة المباركة التي نستفاد كثيراً من محتواها

..


الاخت الفاضلة ... ~ غلا ~

جزاك الله خير الجزاء .. على استمرارك بنثر لنا هذه الروائع من السلسلة المباركة
من الاربعين النووية ..

نسأل الله ان يجعلك ممن تبيض وجوههم يوم القيامة
ونسأل الله ان يجعلك من اصحاب الوجوه الضاحكة المستبشرة
ونسأل الله ان يعينك على الخير ويجعل ممشاك كله خير وبركة
نسأل الله ان يصلح لك دينك الذي هو عصمة امرك
وان يصلح لك دنياك التي فيها معاشك وان يصلح لك اخرتك التي فيها معادك
غفر الله لك ولاهلك ولجميع احبابك وأقربائك وجمعك بهم في جنة الفردوس الاعلى

نسأل الله ان يجعلنا واياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه
اللهم آمين

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 17-10-2009, 04:10 PM
المشاركة 10
ريمان..
عضو ياهلا فيه
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )
جزيت الجنه
وجعله في موازيين حسناتك ..

اخي العزيز / اختي العزيزة .. الرجاء وضع توقيع واحد فقط وبحجم مناسب !!
كما نرجوا منكم عدم وضع توقيع صوتي يظهر تلقائي اثناء فتح الصحفه .
قديم 17-10-2009, 09:08 PM
المشاركة 11
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )


أخي الفاضل ~ آلغربآء ~


شكرا لمرورك العطر هنا
جزآك المولى أجرا عظيما ووفقك لكل خير

اللهم اغِفر له وٍلوالديه ما تقَدم مِن ذنبهم وما تأَخر
وقِهم عذاب القبر وٍعذاب النار
و أدخلهم الفرَدوس الأعلى مع الأنبِياء وٍالشهداء و الصاَلحين
وٍ اجعل دعاءهم مستجاب في الدنيا والآخرة
اللهم آمين
دمت في حفظ المولى




قديم 17-10-2009, 09:11 PM
المشاركة 12
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )


ريمان..


شكرا لمرورك العطر هنا

اللهم اغِفر لها وٍلوالديها ما تقَدم مِن ذنبهم وما تأَخر
وقِهم عذاب القبر وٍعذاب النار
و أدخلهم الفرَدوس الأعلى مع الأنبِياء وٍالشهداء و الصاَلحين
وٍ اجعل دعاءهم مستجاب في الدنيا والآخرة
اللهم آمين
دمتِ في حفظ المولى




قديم 18-10-2009, 11:48 AM
المشاركة 13

  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )







’’..{غلآ..’’
جَزآكـِ الله جَنةٌ عَرضُهآ آلسَموآتَ وَ الآرضْ
سَلْسلَة قَيّمة وَمُبآركَة ..
بآرَكـَ الله فيكـِ وَجَعَلهُ في مَوآزينَ حَسنآتكـِ
آسْآل الله آنْ يعَطرْ آيآمكـِ بآلريآحينْ
دمْتِ بـِ طآعَة الله ..}
/ \




عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 18-10-2009, 08:39 PM
المشاركة 14
سفير الماجد
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )
سلسله قيمه ومباركه


بارك الله فيك وجعلها من موازين حسناتك






سفير الماجد

قديم 22-10-2009, 08:54 AM
المشاركة 15
ريميه
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )

غــــــــــــلـآ

عـــــافـاكـ الرحمـــــــــنـــ

وجـزاكـ الله خــــــير الجـزاء

تـــــسلمـــي ع طـــــرحكـــ

دمتــــــــــ بخـــــــــير ــــــــــــي




الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس )
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأربعين النووية •• ~ ( الجزء الثاني ) ~غلا~ ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 21 08-02-2012 01:10 AM
•ˆ• الأربعين النووية •ˆ• ( الجزء الآول ) ~غلا~ ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 32 08-12-2009 08:52 PM
الأربعين النووية «●● ( الجزء الرابع ) ~غلا~ ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 21 16-11-2009 05:20 AM
بالخلطات للحمام المغربي ...(الجمال المغربي ) الجميلة ●{ مملكة المرآة ~ للنساء فقط 10 01-10-2007 09:32 PM
الريفلوكسولوجي Reflexology السحاب ●{ منتدى الأماكن العام ~ 10 17-10-2005 02:58 AM

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


الساعة الآن 07:51 AM.