أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، بالضغط هنا.
كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
غابت الشمس لساعات طوال وأخفت بوشاحها الثقيل نسمات أمل رقيقة
عن مساءٍ قريح معذب ينتظر غدٍ يصدح بنوره الدافيء ويذوب بين أضلع الصفاء
ذوبانا لا يعرف الهجر , ليعلن عن حقيقة لطالما إنتظرتها تلك الأمواج الثائرة
وحبات الرمال الصامتة الباردة التي أنهكتها آهات المارين وأحزنتها ضحكات الساخرين ,
وبهدوء شديد وبعد وقتٍ ليس بقليل وعلى مقربة من ذلك البيت الصغيرإستفاقت الشمس وأرسلت على الفور شعاعها الطويل وانحنت هنيهة لتصافح وجه السماء الصافية وسحبها الرهوه لتترك خلفها خيطا رفيعا من حلم سماوي صافي انبثق من وجه نهاراًشاحباً نحيلاً يضمر أكثر مما يظهر ,فصار كطفل صغير يزحف ببطء فوق الرمال الناعسة ليضمها ويغمرها دفئاً وحناناً ,حتى أنتهي به المطاف حيث نافذة كبيرة يحتضنها ذلك البيت الصغير,ودلف بصعوبة عبر ثقب صغير يسكنها , ليداعب عيون سواد ثابتة متعبة ذابلة لشاب لم تزُر عيناه الراحة منذ أعوام طوال ,لم يحفل بشيئاً عن أمر ذاك الخيط ولا غياب الشمس
وعودتها .. صافح بصيص النور وجهه فعكس ما بداخل قلبه من حزن وقلق وبؤس وشقاء , عيناه ثابتتان وجسده نحيل رغم قوة بنيانه ..
وظل صامتاً لا ينطق بكلمة فلا يشكو هماً ولا يبكي غماً
فجاءة وهو بداخل تلك الدوامة الثابتة جاءه من خلف ذلك الباب الموصد صوتٍ رقيق حنون يطلب منه الإذن بالدخول ,..لم ينتبه لبصيص النور حينما دلف الى حجرته وآنسه وداعب وجهه وزوايا حجرتة ,فقط سرت بجسده رعشة خفيفة حينما سمع ذلك الصوت العذب يناديه ( بني ) هل صحوت ..؟
لم تنتظر صاحبة ذلك الصوت الحنون أن يأذن لها بالدخول ودخلت مسرعة حيث يجلس ذلك الشاب وأقبلت عليه بلهفة والعبرات تسبق خطوات رجليها ,وسعادتها لكونه مازال باق لم يرحل كانت تتدفقق بقوة نحوه لتملأ قلبة ألماً .. وقفت تطالعه هنيهة ثم ضمته إليها وهي تبكي وتأن قائلة فى ألم لا يشبه ألام الكثيرين ( بني ) هل تسمع صوت أمك ..؟ هل تشعر بالم وحزن أوشك على أن يفتك بما بقي منها ..؟ ألم يخبرك قلبي المكلوم الذي تسكنه عن حالى ..؟
رفع رأسه ونظر اليها وتعلقت عيناه بعينيها ولم ينبت ببنت شفه , فلقد بلغ الحزن منه مبلغه ولم يستطيع النطق وكأنه نسي الكلام ..! ذلك الشاب المفوه ,المثقف صاحب الفكر المتقد والعقل الراجح والقلب الجريء والروح الحلوة ..
ظلت أمه تطالع تقاسيم وجهه تفتش بداخل ملامحه عنه
لكنها سرعان ما أدركت الحقيقة , فمن أمامها ما هو إلا شبحاً بلا روح وعقلاً بلا هوية وقلباً بلا نبض وجسداً بلا مأوى .. انهمرت دموعها الحارة وسقطت من جفنيها على وجهه فجرت مجرى الدموع من خده وعانقت دموعها دموع عينيه التي ركضت لتسابق أخواتها حتى لحقت بهم فصارت مزيجا واحداً , كما أمتزجت من قبل دمائهما مذ كان بين أحشائها يركض ويلعب ولا يعبأ لشيء ما ولا يحمل للحياة هما ولا ينتظر منها فرحاً ولاغماً ..
نظر إلي أمه نظرة طويلة وتأمل ملامحها الصغيرة وخطوط وجهها البسيطة ..فوجد أمه الجميلة قد أكتهلت مبكراً ويبست أطرافها وأحدودب ظهرها ورق عظمها وما زالت على أمل , تنتظره حتى تتوكأ عليه وتشد ظهرها بقربه وتتخذه عضداً وسنداً في زمن عصيب لم يمنحها بقدر ما سرق منها ,فألم بسريرة نفسها وضمها إليه بقوة ..
وشرد بعيداً في رحلة قصيرة إسترجع فيها سنوات عمره
وتذكر كم قهرته تلك المدينة الكبيرة وشوارعها وزواياها الحزينة ..و كم عشقها حتي صار العشق ذنب لا يغتفر وجريمة عظمي يعاقب عليها المحب إما بالقتل أو النفي أو السجن ..
كم حلم بتغير حال تلك المدينة وحال أهلها ومن يتولى أمرها ..كم تمنى أن يجعل منها جنة على الأرض يملؤها الحب و العدل والأمان ..
لكن أدرك سريعا أن الأحلام بتلك المدينة القاسية تموت قبل أن تدب فيها الحياة ...حياة يتفتت الجسد فيها قبل خلاياه وتتمزق الروح قبل دبيبها وتلتهم كل ما تبقي بلا هوادة وبلا رحمة ,تنبه قليلا من غصصه والامه وحاول أن يزيح عنه ضعفه وعجزه ونظر إلي وجه أمه وقال لها في حب وحزن شديدين ..
أمآه لم أحب أحدا بالكون بقدر حبي لكِ , فقد نفترق اليوم أو غدٍ
لكنني على ثقة تامة بأن الله سبحانه سيجمعنا يوماً ما بالدنيا أو بالجنة فقري عينا يا آماه ولا تكدري صفو يومك يا أمي ولا تخشي علي الموت , فكلنا موتى وإن كنتِ تريدين لي النجاة فإني لن أنجو إلا برضا الله سبحانه ثم رضاكِ ..
ثم أردف مكملاً ما بدأه وعيناه مخضلتّان من البكاء
أمآه .. لم يعد لي في تلك المدينة أملاً ,ولا حلماً, ولا أمناً ولا صبابة أرتشف منها الرزق ودعيني أصالح نفسي والحياة , خارج تلك المدينة الظالم أهلها علني أجد عملاً يحفظ ماء وجهي من ذل السؤال وأنقذ نفسي ونفسك من طول العناء وصنوف الشقاء
دعيني يا أمي أذهب قبل أن يستقظ إخوتي ويزيد عبئي وتتفتق جروحي ويثقل على عاتقي رؤيتهم يبكون فيدكه الهم دكا ..
نظرت إليه أمه وقد انهمرت دموعها ودارت بعينيها باحثة بكل زوايا الغرفه حتي أستقرت عيناها على حقيبة صغيره قد أغلقت بإحكام , فعلمت أن الوقت قد حان لرحيل روحها بعيداً عن جسدها , فهو ليس فقط ولدها بل شقيق الروح ومنيته ,ورفيق الدرب وصاحبه , وحبيب القلب ومؤنسه
وأخبرتها نفسها بأن لا خيار لها اليوم إلا الرضوخ لقراره والرضا التام بما قدره الله لهما..
تحركت يداه نحو الحقيبة بصعوبة بالغة وحاول أن يحملها فدارت به الدنيا وشعر بأنه يحمل جبال يصعب على البشرية كلها حملها , فقد وضع بداخلها سنوات عمره ,وأحلامه وآماله التي دفنت هنا بيد الآخرين ,وأخذ معه ودموعه وضحكاته ولوعة أمه وخوف أخوته , ونظر إلي أمه وضمها بعينيه وجرت دموعه كفيضان ثائر يزيح كل من أمامه و أبتلت الأرض تحت قدميه ويبست عيناه , ولبست وجهه سحابة رمادية فأخفت تقاسيم وجهه فأصبح كشبح بلا ملامح ,وزفر زفرة قوية مزقت حجاب قلبه وارتطمت مسرعة بحنايا روح تلك المرأة المكلومة وأفضت إليها بخبيئة نفسه , مما زادها لوعة ,فهرولت إليه مسرعة فضمته وشمته وقالت في صوت متهدج حزين
بني .. أراك قد عقدت العزم على الرحيل ولن تهدأ نفسك إلا به
فلن أهجم على ما طابت به نفسك وارتضاه عقلك وارتاح له قلبك ..ولن أثقل عليك بدموعي وأهاتى فيكفيك ما عانيته هنا من ظلم وظلمة وأمل كاذب ورجاء خائب
فمضي يا بني حيث قدر الله لك ..
وسأنتظرك دائما .. سأنتظرك ,عندما تشرق شمس كل صباح , سأنتظرك عندما يسامر القمر كبد السماء ويضمها إليه ..سأنتظرك ما دامت روحي بداخل جسدي تنبض برجوعك لتسكن بجوار ما تبقي