قديم 18-10-2009, 01:44 AM
المشاركة 2
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء السادس و الأخير )
/s400




دورة شرح الأربعين النوويّة


الحـــديث " الثلاثين"

***

(عَنْ أَبِيْ ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ جُرثُومِ بنِ نَاشِرٍ رضي الله عنه عَن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ فَلا تُضَيِّعُوهَا،
وَحَدَّ حُدُودَاً فَلا تَعْتَدُوهَا وَحَرَّمَ أَشْيَاءَ فَلا تَنْتَهِكُوهَا، وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ رَحْمَةً لَكُمْ غَيْرَ نِسْيَانٍ فَلا تَبْحَثُوا عَنْهَا
)

***

مـعنى الحـــديــث :

فَرَضَ:أي أوجب قطعاً، لأنه من الفرض وهو القطع ،
يعني ألزم بالعمل بها.

فَرَائِضَ : الفرائض مثل الصلوات الخمس، والزكاة، والصيام،والحج،وبر الوالدين،
وصلة الأرحام، ومالا يحصى.


فَلا تُضَيِّعُوهَا
:أي تهملوها فتضيع ، بل حافظوا عليها.

وَحَدَّ حُدودَاً فَلا تَعتَدوها
:الحد في اللغة المنع، ومنه الحد بين الأراضي
لمنعه من دخول أحد الجارين على الآخر، وفي الاصطلاح قيل:إن المراد
بالحدود الواجبات والمحرمات.

فالواجبات حدود لا تُتعدى، والمحرمات حدود لا تقرب.

وقال بعضهم: المراد بالحدود العقوبات الشرعية كعقوبة الزنا،
وعقوبة السرقة وما أشبه ذلك.

***

ولكن الصواب الأول،أن المراد بالحدود في الحديث محارم الله عزّ وجل
الواجبات والمحرمات، لكن الواجب نقول:لا تعتده أي لاتتجاوزه، والمحرم
نقول: لا تقربه، هكذا في القرآن الكريم لما ذكر الله تعالى تحريم الأكل
والشرب على الصائم قال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا )(البقرة: الآية229)
ولما ذكر العدة وما يجب فيها قال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقرَبُوهَا )[البقرة:187].

وَحَرَّمَ أَشيَاء فَلا تَنتَهِكوهَا
: أي فلا تفعلوها، مثل :الزنا، وشرب الخمر،
والقذف، وأشياء كثيرة لا تحصى.

وَسَكَتَ عَنْ أَشيَاء رَحمَةً لَكُمْ غَيرَ نسيَان فَلا تَبحَثوا عَنهَا
:سكت عن أشياء أي لم يحرمها ولم يفرضها.
قال: سكت بمعنى لم يقل فيها شيئاً ، ولا أوجبها ولا حرمها.

وقوله: "غَيْرَ نسيَان" أي أنه عزّ وجل لم يتركها ناسياً ( وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)(مريم: الآية64)
ولكن رحمة بالخلق حتى لا يضيق عليهم.

"فَلا تَبحَثوا عَنهَا" أي لا تسألوا عنها .

***

هذا الحديث هو في رسم الحدود ، فالمرء عندما يريد أن يشتري مثلاً منزلاً
يجب أن يعرف ما الذي له وما الذي عليه وما هي حدود هذا المنزل
حتى لا يتعدى على غيره ،،،

و الله - سبحانه وتعالى - عندما خلقنا في هذه الدنيا خلقنا لمهمة عظيمة ،
هي مهمة التكليف المجملة بعبادة الله - عزّ وجلّ -
ولهذه العبادة حدود نميز من خلالها ما الذي نفعله ومالذي لا نفعله أو نتركه أو لا نتركه وهكذا ...
وهي مبينة لنا هنا في هذا الحديث في حدود أربعة :

* فرئض لا نضيعها *

* حدود لا نعتديها *

* محرمات لا ننتهكها *

* أشياء مسكوت عنها لا نبحث عنها *

***



من فــــوائــــد الحديــــث :


1- إثبات أن الأمر لله عزّ وجل وحده، فهو الذي يفرض،وهو الذي يوجب،
وهو الذي يحرم، فالأمر بيده، لا أحد يستطيع أن يوجب مالم يوجبه الله،
أو يحرم مالم يحرمه الله،لقوله: "إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائض" ...وقَالَ: "وَحَرمَ أَشيَاء"

فإن قال قائل: هل الفرض والواجب بمعنى واحد، أو الفرض غير الواجب؟

فالجواب:أما من حيث التأثيم بترك ذلك فهما واحد.

وأما من حيث الوصف:هل هذا فرض أو واجب؟
فقد اختلف العلماء- رحمهم الله- في هذا ، فقال بعضهم:

الفرض ما كان دليله قطعياً، والواجب ما كان دليله ظنياً.

وقال آخرون: الفرض ما ثبت بالقرآن، والواجب ما ثبت بالسنة.

وكلا القولين ضعيف، والصواب: أن الفرض والواجب بمعنى واحد،
ولكن إذا تأكد صار فريضة، وإذا كان دون ذلك فهو واجب،
هذا هو القول الراجح في هذه المسألة .

***

2 - أن الدين الإسلامي ينقسم إلى فرائض ومحرمات.

3 - وجوب المحافظة على فرائض الله عزّ وجل، مأخوذ من النهي
عن إضاعتها، فإن مفهومه وجوب المحافظة عليها.

4- أن الله عزّ وجل حد حدوداً، بمعنى أنه جعل الواجب بيناً والحرام بيناً:
كالحد الفاصل بين أراضي الناس، وقد سبق في حديث النعمان بن بشير
رضي الله عنهما أن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات.

5 - تحريم تعدي حدود الله، لقوله: "فَلاَ تَعتَدوهَا".

6 - أنه لا يجوز تجاوز الحد في العقوبات،فالزاني مثلاً إذا زنا وكان بكراً
فإنه يجلد مائة جلدة ويغرّب عاماً، ولا يجوز أن نزيد على مائة جلدة،
ونقول يجلد مائة وخمسين مثلاً، فإن هذا محرم.

فإن قال قائل: إذا اقتصرنا على مائة جلدة ربما يكثر الزنا، وإذا زدنا يقل؟

فالجواب:أأنتم أعلم أم الله؟ وما دام الله عزّ وجل فرض مائة جلدة فلا نتجاوزها،
بالاضافة إلى تغريب عام على خلاف بين العلماء في ذلك، هل يغرب أو لا،
فالتغريب ثبت بالسنة، والخلاف بين العلماء على ذلك معروف.

7 - وصف الله عزّ وجل بالسكوت، هذا من تمام كماله عزّ وجل،
أنه إذا شاء تكلم وإذا شاء لم يتكلم.

8 - أنه يحرم على الإنسان أن ينتهك محارم الله عزّ وجل، لقوله: "حَرَّمَ أَشيَاء فَلا تَنتَهِكُوهَا".

***

وطرق التحريم كثيرة، منها: النهي، ومنها: التصريح بالتحريم،ومنها: ذكر العقوبة على الفعل،
ولإثبات التحريم طرق.

9 - أن ما سكت الله عنه فلم يفرضه، ولم يحده، ولم ينه عنه فهو الحلال،
لكن هذا في غير العبادات،فالعبادات قد حرم الله عزّ وجل أن يشرع أحد الناس عبادة لم يأذن بها الله عزّ وجل،
فتدخل في قوله: "حَرَّمَ أَشيَاء فَلاَ تَنتَهِكُوهَا".

ولهذا نقول:إن من ابتدع في دين الله ما ليس منه من عقيدة أو قول أو عمل فقد
انتهك حرمات الله، ولا يقال هذا مما سكت الله عزّ وجل عنه، لأن الأصل في
العبادات المنع حتى يقوم دليل عليها،وغير ذلك الأصل فيه الإباحة، فما سُكِتَ عنه فهو مباح.

وحينئذ نذكر مسألة يكثر السؤال عنها،ربما نعرف حكمها من هذا الحديث:
يسأل بعض الناس ولاسيما النساء:هل يجوز للإنسان أن يزيل شعر الساق، أو شعر الذراع أو لا يجوز؟

فالجواب: الشعور ثلاثة أقسام:

الأول : ما نهي عن إزالته.

الثاني : ما أمر بإزالته.

الثالث: ما سكت عنه.

***

فأما ما أمر بإزالته فمعروف:كالعانة والإبط للرجال والنساء والشارب بالنسبة للرجال ،
فهذا مأمور بإزالته، لكن الشارب لا يؤمر بإزالته نهائياً كالحلق مثلاً، حتى إن الإمام
مالك- رحمه الله - قال: ينبغي أن يؤدب من حلق شاربه،لأن الحديث أحفوا الشوَارب

والثاني: ما نهي عن إزالته كشعر اللحية بالنسبة للرجال،
فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإعفائها وقال: خَالِفُوا المَجوسَ خَالِفُوا المُشرِكينَ

وشعر الحاجبين بالنسبة للنساء لقوله صلّى الله عليه وسلّم : ( لعن الله النامصة والمتنمصة)
وخص المرأة لأنها هي التي تفعله غالباً للتجمل ، وإلا فلو صنعه الرجال لكان ملعوناً كما تلعن المرأة والعياذ بالله
وإن كان بغير نتف كالقص أو بالحلق فإن بعض أهل العلم يرون أنه كالنتف لأنه تغيير لخلق الله ،
فلا فرق بين أن يكون نتفاً أو يكون قصاً أو حلقاً وهذا أحوط بلا ريب ، فعلى المرء أن يتجنب ذلك سواء كان رجلاً أو امرأة.

القسم الثالث: بقية الشعور التي ليس فيها أمر ولا نهي، فقال بعض الناس:
إن أخذها حرام،لقول الله تعالى عن إبليس: (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ)(النساء: الآية119)
هذا يستثنى منه ما أمر بإزالته كالختان وما أشبه ذلك.

قالوا: وهذا مغير لخلق الله، بينما كان ساقه فيه الشعر أو ذراعه فيه الشعر أصبح الآن ليس فيه شعر.

***

ولاشك أن هذا القول والاستدلال وجيه، لكن إذا رأينا أن النبي صلى الله عليه وسلم
قسم الأشياء إلى ثلاثة أقسام قلنا: هذا مما سكت عنه، لأنه لو كان ينهى عنه لألحق
بما نهي عنه، وهذه قرينة تمنع أن يكون هذا من باب تغيير خلق الله عزّ وجل
أو يقال: هو من التغيير المباح.

والذي نرى في هذه المسالة : أن الشعر يبقى ولا يحلق ولا يقص، اللهم إلا إذا كثر
بالنسبة للنساء حتى شوه الخلقة،فالمرأة محتاجة إلى الجمال والتجمل، فلا بأس.

وأما الرجال فيقال: كلما كثر الشعر دلّ ذلك على قوة الرجل.

10 - أنه لا ينبغي البحث عما سكت الله تعالى عنه ورسوله .

وهل هذا النهي في عهد الرسالة ، أم إلى الآن ؟

في هذا قولان للعلماء منهم من قال: هذا خاص في عهد الرسالة، لأن ذلك عهد نزول الوحي،
فقد يسأل الإنسان عن شيء لم يُحرم فيحرم من أجله، أو عن شيء لم يجب فيوجب من أجله،
كما سأل الأقرع بن حابس النبي صلى الله عليه وسلم حين قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ اللهَ فَرَضَ عَلَيكُم الحَجَّ" فقام الأقرع وقال:يا رسول الله أفي كل عام؟ وهذا سؤال في غير محله،
اللهم إلا إذا كان الأقرع بن حابس أراد أن يزيل الوهم الذي قد يعلق في أفهام بعض الناس،
فالله أعلم بنيته، لكن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"لَو قُلتُ نَعَم لَوَجَبَت وَمَا استَطَعتُم، الحَجَّ مَرَةً فَمَا زَادَ فَهُوَ تَطَوع" ،
من أعظم الناس جرماً من يسأل عن شيء لم يحرم فيحرم من أجل مسألته،
أو لم يوجب فيوجب من أجل مسألته.

أما بعد عهد الرسالة فلا بأس أن يبحث الإنسان.

***

ولكن الصواب في هذه المسالة أن النهي حتى بعد عهد الرسالة
إلا أنه إذا كان المراد بالبحث الاتساع في العلم كما يفعله طلبة العلم،
فهذا لا بأس به، لأن طالب العلم ينبغي أن يعرف كل مسألة يحتمل وقوعها
حتى يعرف الجواب، وأما إذا لم يكن كذلك فلا يبحث، بل يمشي على ما كان عليه الناس.

ومن ذلك: البحث عن اللحوم وعن الأجبان وعما يرد إلى البلاد من بلاد الكفار فلا تبحث،
ولا تقل: هل هذا حلال أو حرام؟ ولهذا قال ابن عمر رضي الله عنهما لما سئل عن اللحم
في السوق، ما كان من لحم في سوقنا فسوف نشتريه ولا نسأل.

كذلك أيضاً لا نبحث عن مسائل الغيب ونتعمق فيها، ولا نبحث في صفات الله عزّ وجل
عن كيفيتها، لأن هذا من التعمق، ولا نأتي بمعضلات المسائل التي فيها: أرأيت إن كان كذا،
ولو كان كذا، ولو كان كذا كما يوجد من بعض طلبة العلم الآن، يوجد أناس يفرضون
مسائل ليست واقعة ولن تقع فيما يظهر، ومع ذلك يسألون ، وهم ليسوا في مكان البحث،
بل يسألون سؤالاً عاماً، فهذا لا ينبغي.

ومن ذلك أيضاً :ما كان الناس قد عاشوا عليه لا تبحث عنه إلا إذا علمت أنه حرام،
فيجب بيان الحكم .

من ذلك : الذين قالوا:إن أذان الجمعة الثاني الذي زاده عثمان رضي الله عنه هذا بدعة لا يجوز،
فنقول لهم: أين الدليل؟ ثم يأتي إنسان آخر،ويقول : ليس بين أذان الجمعة الأول والثاني إلا دقائق،
فنقول له: من الذي قال لك ابحث عن هذا؟ فالناس من أزمنة كثيرة تتوالى عليهم العلماء والأذان
الأول يكون قبل الثاني بخمس وأربعين دقيقة أو ستين دقيقة،
والناس يمشون على هذا، فلا تبحث، دع الناس على ما هم عليه.

ثم لو فرض أنه ثبت أن بين الأذان الثاني والأول في زمن عثمان رضي الله عنه
خمس أو عشر دقائق، فالوقت اختلف الآن، كانت المدينة صغيرة أقل من قرية
من قرانا اليوم، أما اليوم فتباعدت الأقطار حيث يحتاج الإنسان أن يأتي من
أقصى المدينة إلى المسجد إلى وقت، فليقدم الأذان الأول بحيث يتأهب الناس ويحضرون.

أشياء كثيرة من هذا النوع،ولكن هذا الحديث ميزان "فلا تَبحَثُوا عَنهَا".


11 - إثبات رحمة الله عزّ وجل في شرعه، لقوله: "رَحمَةً بِكُم" وكل الشرع رحمة،
لأن جزاءه أكثر بكثير من العمل،فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى
أضعاف كثيرة، ومع ذلك فالله عزّ وجل خفف عن العباد ،
وسكت عن أشياء كثيرة لم يمنعهم منها ولم يلزمهم بها.

12 - انتفاء النسيان عن الله عزّ وجل، لقوله "غَيرَ نسيَان" وقد جاء ذلك في
القرآن الكريم،فقال الله عزّ وجل: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً)[مريم: 64] وقال موسى
عليه الصلاة والسلام لفرعون لما سأله ما بال القرون الأولى:
(قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى) (طـه: 52)

فإن قال قائل: ما الجواب عن قول الله تعالى: (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ)(التوبة: الآية67) فأثبت لنفسه النسيان؟

فالجواب:أن المراد:النسيان هنا نسيان الترك، يعني تركوا الله فتركهم.
فهؤلاء تعمدوا الشرك وترك الواجب، ولم يفعلوا ذلك نسياناً. إذاً:
(نَسُوا اللَّهَ) [التوبة:67] أي تركوا دين الله (فَنَسِيَهُمْ) أي فتركهم.

أما النسيان الذي هو الذهول عن شيء معلوم فهذا لا يمكن أن يوصف الله عزّ وجل به،
بل يوصف به الإنسان،لأن الإنسان ينسى، ومع ذلك لا يؤاخذ بالنسيان لأنه وقع بغير اختيار.

14 - حسن بيان النبي صلى الله عليه وسلم حيث ساق الحديث بهذا التقسيم الواضح البين والله أعلم.




قديم 18-10-2009, 01:52 AM
المشاركة 3
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )



الحديث الحادي والثلاثون

***

عن ابي العباس سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عن – قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله علية و سلم فقال :
يا رسول الله الله ، دلني على عمل إذا عملته احبني الله و احبني الناس فقال :
- ازهد في الدنيا يحبك الله ، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس-
حديث حسن رواه ابن ماجه و غيره باسانيد حسنه .

***

الشرح :

عن آبي العباس سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه قال :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم و لم يبين اسم الرجل ؛ لانه ليس هناك ضرورة
إلى معرفته إذ أن المقصود معرفة الحكم و معرفة القضية فقال : - يا رسول الله ، دلني على
عمل إذا عملته احبني الله و احبني الناس - وهذا الطلب لا شك انه مطلب عالي يطلب فيه السائل ما يجلب محبة الله له و ما يجلب محبة الناس له ،

فقال له النبي صلى الله عليه و سلم - ازهد في الدنيا - يعني :
اترك في الدنيا ما لا ينفعك في الآخرة و هذا يتضمن انه يرغب في الآخرة ؛ لان الدنيا و الآخرة
ضرتان إذا زهد في إحداهما فهو راغب في الأخرى بل هذا يتضمن أن الإنسان يحرص على
القيام بأعمال الآخرة من فعل الأوامر وترك النواهي ويدع ما لا ينفعه في الآخرة من الأمور
التي تضيع و قته و لا ينتفع بها إما ما يكون سببا لمحبة الناس فقال - ازهد فيما عند الناس
يحبك الناس - فلا يطلب من الناس شيئا و لا يتشوق أليه و لا يستشرف له و يكون ابعد الناس
عن ذلك حتى يحبه الناس ؛ لان الناس إذا سئل الإنسان ما في أيديهم استثقلوه و كرهوه ،
و إذا كان بعيدا عن ذلك فانهم يحبونه .

***

*من فوائد هذا الحديث : حرص الصحابة – رضي الله عنهم –
على سؤال النبي صلى الله عليه و سلم فيما ينفعهم .

*و من فوائده
: أن الإنسان بطبيعة الحال يحب أن يحبه الله و أن يحبه الناس ويكره
أن يمقته الله و يمقته الناس فبين النبي صلى الله عليه و سلم ما يكون به ذلك .

*ومن فوائد هذا الحديث : أن من الزهد في الدنيا احبه الله ؛
لان الزهد في الدنيا يستلزم الرغبة في الآخرة ، وقد سبق معنى الزهد : و انه ترك ما لا ينفع في الآخرة .

*ومن فوائد هذا الحديث : إن الزهد فيما عند الناس سبب في
محبة الناس لك .

*ومن فوائد هذا الحديث
: إن الطمع في الدنيا و التعلق بها سبب لبغض الله للعبد
وان الطمع فيما عند الناس و الترقب له يوجب بغض الناس للإنسان ، و الزهد فيما في أيديهم
هو اكبر أسباب محبتهم

والله الموفق للخير




قديم 18-10-2009, 01:53 AM
المشاركة 4

  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )
ماشــــــــــــــــــــــــــاء الله
تبـــــــــــــارك الله

يالغــــــــلا
ربي مايحرمك اجرها
ويجعلــــــــــها في موازين حسناتـــــــك يارب

إن مَآت نّـــايفْ ..
كِــلنآ اليوُمْ نــايفّ
قديم 18-10-2009, 01:54 AM
المشاركة 5
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )



الحـــديث " الثاني والثلاثون "

***

(عنْ أَبي سَعيدٍ سَعدِ بنِ مَالِك بنِ سِنَانٍ الخُدريِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهٍِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ) حَدِيْث حَسَنٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَةَ،
وَالدَّارَقطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا مُسْنَدَاً، وَرَوَاَهُ مَالِكٌ في المُوَطَّأِ مُرْسَلاً عَنْ عَمْرو بنِ يَحْيَى عَنْ أَبِيْهِ عَن
النبي صلى الله عليه وسلم فَأَسْقَطَ أَبَا سَعِيْدٍ ،وَلَهُ طُرُقٌ يُقَوِّيْ بَعْضُهَا بَعْضَاً. )
حديث حسن رواه ابن ماجة وغيره بأسانيد حسنة..

***


مـعنى الحـــديــث :

قوله "لاَ ضَرَرَ" الضرر معروف،والضرر يكون في البدن ويكون في المال،
ويكون في الأولاد، ويكون في المواشي وغيرها.

: "ولا ضرار" أي ولا مضارة

والفرق بين الضرر والضرار:

أن الضرر يحصل بدون قصد، والمضارة بقصد، ولهذا جاءت بصيغة المفاعلة.

مثال ذلك: رجل له جار وعنده شجرة يسقيها كل يوم، وإذا بالماء يدخل على جاره
ويفسد عليه، لكنه لم يعلم، فهذا نسمية ضرراً.

مثال آخر: رجل بينه وبين جاره سوء تفاهم، فقال : لأفعلن به ما يضره،
فركب موتوراً له صوت كصوت الدركتر عند جدار جاره وقصده الإضرار بجاره، فهذا نقول مضار.

والمضار لا يرفع ضرره إذا تبين له بل هو قاصده،
وأما الضرر فإنه إذا تبين لمن وقع منه الضرر رفعه.

وهذا الحديث أصل عظيم في أبواب كثيرة، ولا سيما في المعاملات:كالبيع والشراء والرهن والارتهان، وكذلك في الأنكحة يضار الرجل
زوجته أو هي تضار زوجها، وكذلك في الوصايا يوصي الرجل وصية يضر بها الورثة.

***

فالقاعدة: متى ثبت الضرر وجب رفعه، ومتى ثبت الإضرار وجب رفعه مع عقوبة قاصد الإضرار.

من ذلك مثلاً: كانوا في الجاهلية يطلق الرجل المرأة فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها،
ثم طلقها ثانية فإذا شارفت انقضاء العدة راجعها، ثم طلقها ثالثة ورابعة،
لقصد الإضرار،فرفع الله تعالى ذلك إلى حد ثلاث طلقات فقط.

مثال آخر: رجل طلق امرأته ولها أولاد منه،حضانتهم للأم إلا إذا تزوجت،
والمرأة تريد أن تتزوج ولكن تخشى إذا تزوجت أن يأخذ أولاده، فتجده يهددها
ويقول:إن تزوجتي أخذت الأولاد،وهو ليس له رغبة في الأولاد ولا يريدهم،
ولو أخذهم لأضاعهم لكن قصده المضارة بالمرأة بأن لا تتزوج،
فهذا لا شك أنه حرام وعدوان عليها، ولو تزوجت وأخذ أولادها منها مع قيامها
بواجب الحضانة ورضا زوجها الثاني بذلك، لكن قال:أريد أن أضارها،ونعرف أنه
إذا أخذهم لم يهتم بهم، بل ربما يدعهم تحت رعاية ضرة أمهم، يعني الزوجة الثانية،
وما ظنك إذا كان أولاد ضرتها تحت رعايتها سوف تهملهم، وسوف تقدم أولادها عليهم،
وسوف تهينهم، ولكنه أخذهم للمضارة، فهذا لا شك أنه من المحرم.

***

مثال آخر: رجل له ابن عم بعيد لا يرثه غيره، فأراد أن يضاره وأوصى بثلث ماله مضارة
لابن العم البعيد أن لا يأخذ المال، فهذا أيضاً حرام.


ولو سرنا على هذا الحديث لصلحت الأحوال، لكن النفوس مجبولة على الشح والعدوان،
فتجد الرجل يضار أخاه،وتجده يحصل منه الضرر ولا يرفع الضرر.


مثال آخر : ويدخل أيضاً في الأمور المالية كالتدليس،
الغش في المعاملات بالمكر الخداع ،
بيع البعض على بيع البعض، شراء البعض على شراء البعض .

كذلك يدخل في مجال النكاح والطلاق، فلا يخطب المرء على خطبة أخيه .

كذلك في ضرر الضرة لضرتها فلا تطلب طلاق أختها .

***

كذلك يدخل في الإجارات والشركة والشركات والمؤسسات ونحوها،
كذلك يدخل في التعامل في الأمور التي نسميها اليوم الإنسانية مع
الجيران مع الأصحاب مع الأصدقاء مع عامة الناس حتى الضرر
لغير المسلم يعني المعاهد الذمي نتعامل معه فلا يجوز الضر به بماله أو بذاته ،
الضرر أيضاً في الميراث فلا يضر فلان يعطى أكثر مما يعطى فلان .


كذلك يدخل في باب الوصايا والأوقاف فإذا كانت الوصية زادت عن الثلث معنى ذلك فيها
مضارة لهؤلاء الورثة والله سبحانه وتعالى نهى عن ذلك .

كذلك في الأوقاف لا يجوز إيقاف المال كله وفيه مجموعة من الورثة محتاجين إلى هذا المال.

كذلك الضرر في الأعراض يدخل مثلاً كمسائل الغيبة ،النميمة، الحسد ،
والمضارة أيضاً بين الموظفين يأتي موظف لينقل كلاماً للمسئول عن الموظف الآخر
أو عن موظف في دائرة أخرى لمسئول آخر لقصد المضارة .


فنستنبط هذه القاعدة أن الضرر مرجعه في جميع هذه الأبواب تفويت مصلحة أو جلب مفسدة .

وهناك ضرر على مستوى المجتمع بأكمله ويكمن على سبيل المثال في بعض الاعتداءات سواء بالقتل بالنسبة للأبدان،
أو سرق الاموال وغيرها من قِبل عصابات السرقة التي توتر المجتمع وتخلّ قوامه .

وكذلك الضرر في الجوانب الصحية مثل قضية الأمراض المعدية فإنه لا يجوز أن أُدخل إنساناً
مصاباً بمرض معدٍ في مجتمع ينتشر من خلاله هذا المرض .

ينبني على هذه القاعدة ( لا ضرر ) أنه إذا وقع الضرر يجب أن يزال فتكون بإزالته من ولي الأمر أومن شخص بعينه ،

مثلاً في قضية الأسرة، رب الأسرة هو الذي يجب عليه أن يزيل الضرر ،
أما إذا كان في مسائل القذف وتوابعها مثل المخدرات ونحوها فيزيله ولي الأمر والقاضي
والمسئول عن هذه الأمور وكذلك الناس يتعاونون معهم في هذا الباب.

فالضرر يُزال، ولا يعطف على الضار من الناس إنما يعطف على المجتمع بأكمله في
قضية إزالة الضرر، فقد لا يزال الضرر إلا بضرر!،
لكن علينا أن ننتبه إلا أنّ الضرر لا يُزال بضرر مثله، إنما إذا اضطرينا لإزالته بالضرر فيتوجّب أن يكون أخفّ منه ..

لذلك قالوا الضرر لا يزال بمثله وإنما الضرر الأكبر يُدفع بالضرر الأخف


وهؤلاء الذين نشروا الفاحشة أو الذين روجوا المخدرات وغيرهم الذين يقتلون ويشردون،
فإنّه قد لا يُزال ضررهم عن المجتمع إلاّ بضرر آخر ! لكني ينبغي لهذا الضرر الآخر أن يكون أخفّ ..

على سبيل المِثال ننظر لقضية القاتل ، فإنه طبعاّ بقتله هذا قد ألحق الضرر بغيره ،
والله سبحانه وتعالى يقول :﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ ﴾[البقرة:179].

***

والقصاص معناه أننا نقتص من المُعتدي، وبالتالي هذا القاتل تُزهق روحه ..
وهنا نقول أن القتل بالنسبة لهذا الشخص يعتبر ضرر به ، لكن هذا الضرر يعتبر أخف من الضرر الذي ألحقه القاتل بالمجتمع بأكمله ،
و في هذا الضرر الأخف ( نعني قتل هذا الشخص القاتل ) حياة للمجتمع بأكلمه .

فالضرر يزال لكن لا يزال بمثله وإنما يزال بالضرر الأخف وهكذا .

وعلينا أن ندرك في هذا الحديث أن الله سبحانه وتعالى عدل وبنى هذا الكون على العدالة
وأوجب العدالة بين الناس، فلمَّا يُنفى الضرر معنى ذلك أن هذا مطلب لوجود العدل وإشاعته بين الناس
ولذلك قال الله سبحانه وتعالى :﴿ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ﴾[الأعراف:29] .

والقسط هو العدل ومعنى العدل أن يأخذ كل إنسان حقه ومن حقه ألا يتعدى أحد عليه وألا
يتعدى على أحد يعني لا يضر أحداً ولا يضره أحد .

هذا الحديث يعتبر قاعدة من قواعد الشريعة، وهي أن الشريعة لا تقر الضرر، وتنكر الإضرار أشد وأشد

والله الموفق.




قديم 18-10-2009, 01:56 AM
المشاركة 6
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )




الحـــديث " الثالث والثلاثون "

***

(عنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدعوَاهُمْ لادَّعَى رِجَالٌ أَمْوَال قَومٍ وَدِمَاءهُمْ، وَلَكِنِ البَينَةُ عَلَى المُدَّعِي، وَاليَمينُ عَلَى مَن أَنكَر" )

مـعنى الحـــديــث :


قوله "لَو يُعطَى" المعطي هو من له حق الإعطاء كالقاضي مثلاً والمصلح بين الناس.

وقوله "بِدَعوَاهُم" أي بادعائهم الشيء،سواء كان إثباتاً أو نفياً.

كأن يدعي شخصاً مّا على آخر بأنّه قد أخذ منه ألف ريال

فمثال الإثبات هنا :أن يقول المُدعي : أنا أطلب من فلاناً ألف ريال.

ومثال النفي:أن ينكر المُدعي عليه ما يجب عليه لفلان،

"لادعَى رِجَال"المراد بهم الذين لا يخافون الله تعالى،وأما من خاف الله تعالى
فلن يدعي ماليس له من مال أو دم،

"أَموَال قَوم"أي بأن يقول هذا لي، هذا وجه.

ووجه آخر أن يقول: في ذمة هذا الرجل لي كذا وكذا ، فيدعي ديناً أو عيناً.

"وَ دِمَاءهُم"بأن يقول: هذا قتل أبي، هذا قتل أخي وما أشبه ذلك،
أو يقول: هذا جرحني، فإن هذا نوع من الدماء.

***

فلو يعطى الناس بدعواهم لادعى رجال أموال قوم ودماءهم، لأن كل إنسان
لا يخاف الله عزّ وجل لا يهمه أن يدعي الأموال والدماء.

"وَلَكِنِ البَينَةُ"البينة: ما يبين به الحق، وتكون في إثبات الدعوى "عَلَى المُدَعي"
"وَاليَمين" أي دفع الدعوى "عَلَى مَنْ أَنكَر" .

فهنا مدعٍ ومدعىً عليه، والمدعي : عليه البينة، والمدعى عليه: عليه اليمين ليدفع الدعوى.

نطرح مثالاً على ذلك لعلّه يُبسط قاعدة هذا الحديث :


ادّعت هيام على شدى بأنها قد سرقت حُليّها ( من ذهبٍ وفضة ...)
في هذه الحالة وُجبَ على هيام أن تأتي بدليل يؤكد دعواها ( وهذا هو البينة )
فإن أنكرت شذى ذلك يجب عليها اليمين كي تدفع الدعوى عنها .

"وَاليَمين عَلَى مَنْ أَنكَر"أي من أنكر دعوى المدعي.

***

هذا الحديث أصل عظيم في القضاء، وهو قاعدة عظيمة في القضاء
ينتفع بها القاضي وينتفع بها المصلح بين اثنين وما إلى ذلك.

فهو أصلا في التقاضي ،،، ينظم مجرى تنظيم الدعوة عند
القاضي عندما يطلب إنسان دعوى على آخر.

إنّ هذا الحديث له أهمية كبرى ... لأن الناس متفاوتون في قدراتهم وفي طلباتهم
متفاوتون في كل أمور الحياة ، من صفات وأرزاق وأخلاق فلذلك نتيجةً لهذا التفاوت
لابد من تنظيم عملية التقاضي ليصل الحق إلى أهله لماذا؟

لأن هذا الدين دين عدل والله سبحانه وتعالى عدل أمر بالعدل
ولكي نصل إلى هذه العدالة لابد من أن يجري القضاء بين الناس
بما يحقق هذه العدالة ..
والله سبحانه وتعالى ذكر هذا المبدأ في مواضع كثيرة

﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بالحق
ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله
﴾ [ص: 26 ] إ

﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90 ].

ولا يستقيم الكون كله إلا بالعدل ووإلاّ اختل نظام الكون عن ما خلقه الله سبحانه وتعالى

ولذلك جاء النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث !
لأن الإنسان قد ينسى فيدعي ما ليس له أحيانا لذلك لابد من التنبيه الدقيق على أساس قاعدة هذا الحديث ..

فهذا الحديث تنظيم لقضية الدعوى عند القاضي عندما يدعي فلان على فلان أو على مجموعة من الناس قضية معينة
كيف تصير هذه الدعوة ؟
البينة على المدعي واليمين على من أنكر ..

***


من فــوائــــد هذا الحـديــث:


1. أن الدعوى تكون في الدماء والأموال، لقوله "أَموَال قَوم وَدِمَاءهُم" وهو كذلك،
وتكون في الأموال الأعيان، وفي الأموال المنافع،كأن يدعي أن هذا أجره بيته
لمدة سنة فهذه منافع، وتكون أيضاً في الحقوق كأن يدعي الرجل أن زوجته
لا تقوم بحقه أو بالعكس، فالدعوى بابها واسع، لكن هذا الضابط،
وذكر المال والدم على سبيل المثال، وإلا قد يدعي حقوقاً أخرى.

2. أن الشريعة جاءت لحماية أموال الناس ودمائهم عن التلاعب.

3. أن البينة على المدعي، والبينة أنواع منها: الشهادة ،
قال الله تعالى:
(وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ) (البقرة: الآية282)

ومن البينة : ظاهر الحال فإنها بينة،
فلو اختلف الزوجان في أواني البيت، فقالت الزوجة: الأواني لي،
وقال الزوج:الأواني لي. فننظر حسب الأواني: إذا كانت من الأواني التي يستعملها
الرجال فهي للزوج،وإذا كانت من الأواني التي يستعملها النساء فهي للزوجة،
وإذا كانت صالحة لهما فلابد من البينة على المدعي.

فإذاً القرائن بينة، وعليه فالبينات لا تختص بالشهود فقط.

***

ومن العمل بالقرائن قصة سليمان عليه السلام، فإن سليمان عليه السلام مرت به
امرأتان معهما ولد، وكانت المرأتان قد خرجتا إلى البر فأكل الذئب ولد الكبرى،
واحتكمتا إلى داود عليه السلام، فقضى داود عليه السلام بأن الولد للكبيرة
اجتهاداً منه، لأن الكبيرة قد تكون انتهت ولادتها والصغيرة في مستقبل العمر.

فخرجتا من عند داود عليه السلام وكأنهما - والله أعلم - في نزاع، فسألهما
سليمان عليه السلام فأخبرتاه بالخبر، فدعا بالسكين وقال: سأشق الولد نصفين،
أما الكبيرة فوافقت، وأما الصغيرة فقالت: الولد ولدها يا نبي الله، فقضى به للصغيرة،

لأن هنا بينة وهي القرينة الظاهرة التي تدل على أن الولد للصغيرة لأنها أدركتها الشفقة
وقالت: كونه مع كبيرة ويبقى في الحياة أحب إلي من فقده الحياة،
والكبيرة لا يهمها هذا، لأن ولدها قد أكله الذئب.


كذلك قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز لما قال الحاكم:
(إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ*وَإِنْ كَانَ
قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ*فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ
قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ
) (يوسف:26-28)

ومن ذلك أيضاً :امرأة ادعت على زوجها أن له سنة كاملة لم ينفق،
والرجل يشاهد هو يأتي للبيت بالخبز والطعام وكل ما يحتاجه البيت،
وليس في البيت إلا هو وامرأته،وقال هو:إنه ينفق فالظاهر مع الزوج،
فلا نقبل قولها وإن كان الأصل عدم الإنفاق لكن هنا ظاهر قوي وهو مشاهدة
الرجل يدخل على بيته بالأكل والشرب وغيرهما من متطلبات البيت.


4. وهنا قاعدة أيضاً أنه لو أنكر المنكر وقال لا أَحلف فإنه يقضي عليه بالنكول،
ووجه ذلك أنه إذا أبى أن يحلف فقد امتنع مما يجب عليه،فيحكم عليه بالنكول،والله أعلم



قديم 18-10-2009, 01:58 AM
المشاركة 7
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )


الحـــديث " الرابع والثلاثون "

***


(عَنْ أَبي سَعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعتُ رِسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقولُ:
مَن رَأى مِنكُم مُنكَرَاً فَليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَستَطعْ فَبِقَلبِه وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإيمَانِ )

رواه مسلم.

***



مـعنى الحـــديــث :


قوله"مَنْ رَأَى" المرادُ هنا من علم بمنكرٍ مّا وإن لم يرَ بعينه ،
فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك،

وقوله "مُنْكَراً" المنكر:هو ما نهى الله عنه ورسوله، لأنه ينكر على فاعله أن يفعله.

"فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ"أي يغير هذا المنكر بيده.

مثاله: من رأى مع شخص آلة لهو لا يحل استعمالها أبداً فيكسرها.

ولابد أن يكون منكراً واضحاً يتفق عليه الجميع،
أي المنكر والمنكر عليه،أو يكون مخالفة المنكر عليه مبينة على قول ضعيف لا وجه له.

أما إذا كان من مسائل الاجتهاد فإنه لا ينكره.

***


"فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ"أي إن لم يستطع أن ينكره بيده فلينكره بلسانه ويكون ذلك: بالتوبيخ،والزجر وما أشبه ذلك،ولكن لابد من استعمال الحكمة،
كما سيأتي في الفوائد إن شاء الله، وقوله "بِلِسَانِهِ" هل نقيس الكتابة على القول؟

الجواب: نعم، فيغير المنكر باللسان، ويغير بالكتابة، بأن يكتب في الصحف أو يؤلف كتباً يبين المنكر.

"فَإنْ لَمْ يَستَطِعْ فَبِقَلْبِهِ"أي فلينكر بقلبه، أي يكرهه ويبغضه ويتمنى أن لم يكن.

" وَذَلِكَ" أي الإنكار بالقلب

"أَضْعَفُ الإِيْمَانِ" أي أضعف مراتب الإيمان في هذا الباب أي في تغيير المنكر.

و المعروف والمنكر الضابط في تحديد كونهما معروفا أو منكرا هو الشرع وليس العقل .

و لابد من استعمال الأسلوب الحسن اللين الهادئ لأن الله سبحانه وتعالى جبل
النفوس على قبول ما جاءه بطريق لين ولذلك أكد الله سبحانه وتعالى على هذا المعنى
وهو ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].

وقال لموسى ولهارون لمخاطبته لفرعون ﴿ فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً ﴾ [طه: 44].

***


والله سبحانه وتعالى قد سبق في علمه جل وعلى أن فرعون لم يتذكر ولم يخشى
ولم يستفيد ومع ذلك قال ﴿ فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً ﴾.

لأن هذا هو الطريق الصحيح (الاسلوب اللين ) سواء قُبل أم لم يُقبل !
إذا لظهور جدوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكريجب أن نستعمل الأساليب الحسنة
والطيبة كالقول اللين والكلام الطيب المفهوم والواضح من دون شدة وغلظة وفظاظة
اللتي هي تنفر عوضا عن تقبل النصيحة كما هو معلوم.

ولو نظرنا لدرجات الأمر والنهي لوجدنا أن :

الدرجة الأولى (فليغيره بيده)
: هي لمن له التغيير باليد لكن لننتبه أنه لو شاع التغيير باليد بين الناس لأصبح المجتمع فوضى
ولانتشرت نزاعات وشقاقات ودماء وأحوال وقطيعة إلى آخره ..

لكن من له التغيير الأصلي !! الحاكم أو الوالي هو الذي يغير باليد كإقامة الحدود فيقطع يد السارق ويرجم الزاني ويقتل القاتل
كذلك له التغيير باليد في منع أمر مّا أو في مصادرة شيء

وهناك من هو والي أي ( راعي ) في حدوده مثلا الوالي في أسرته له أن يغير فيها
ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم قال (مروا أبنائكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر) والضرب هنا تغيير باليد

***

وهناك من يعطيه الوالي صلاحية التغيير باليد يعني الأصل في الإسلام بالنسبة للوالي أن جميع الصلاحيات بيده وهو بحسب تنظيمه الإداري يوزع هذه الصلاحيات فأعطى مثلا تغيير المخدرات إلى جهة معينة أو فرد معين هذا الفرد له أن يغير ضمن الصلاحيات التي أعطاها إياه الوالي ..

إذا التغيير باليد لا يكون إلا لمن له التغيير باليد وهو الحاكم أو من أعطاه الصلاحية أو في أسرته المحدودة أو في حدود ما له من الصلاحيات الشرعية في هذا التغيير

الدرجة الثانية : التغيير باللسان والتغيير باللسان لمن استطاع فالعالم يغير باللسان والداعية يغير باللسان والمعلم يغير باللسان
وكذلك الجار مع جاره يغير باللسان الخطيب بالمسجد يغير باللسان الواعظ يغير باللسان الإنسان العادي يغير باللسان لمن استطاع
وللتغيير باللسان ضوابط أيضاً يجب التنبه لها .

الدرجة الثالثة : إذا لم يستطع باللسان يغير بالقلب و معنى التغيير بالقلب أن يكره هذا المنكر ولا يرضى عنه ويتمنى عدم حدوثه .

***


من فــوائــــد هذا الحـديــث:


1- أن النبي صلى الله عليه وسلم ولى جميع الأمة إذا رأت منكراً أن تغيره،
ولا يحتاج أن نقول: لابد أن يكون عنده وظيفة،فإذا قال أحد: من الذي أمرك
أو ولاك؟ يقول له؟النبي صلى الله عليه وسلم لقوله "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ" .

2- أنه لا يجوز إنكار المنكر حتى يتيقن المنكر، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن يتيقن أنه منكر،
والوجه الثاني:أن يتيقن أنه منكر في حق الفاعل،
لأن الشيء قد يكون منكراً في حد ذاته،لكنه ليس منكراً بالنسبة للفاعل.

مثال ذلك: الأكل والشرب في رمضان،الأصل أنه منكر، لكن قد لا يكون منكراً
في حق رجل بعينه:كأن يكون مريضاً يحل له الفطر،أو يكون مسافراً يحل له الفطر.

3- أنه لابد أن يكون المنكر منكراً لدى الجميع،فإن كان من الأمور الخلافية فإنه لا ينكر
على من يرى أنه ليس بمنكر،إلا إذا كان الخلاف ضعيفاً لا قيمة له،فإنه ينكر على الفاعل، وقد قيل:

وليس كل خلاف جاء معتبراً إلا خلافاً له حظ من النظر

***

فلو رأيت رجلاً أكل لحم إبل وقام يصلي،فلا تنكر عليه،لأن المسألة خلافية،
فبعض العلماء يرى أنه يجب الوضوء من أكل لحم الإبل،
وبعضهم لا يرى هذا،لكن لا بأس أن تبحث معه وتبين له الحق.

ولو رأيت رجلاً باع عشرة ريالات من الورق بأحد عشر، فهل تنكر عليه أو لا تنكر؟

الجواب:لا أنكر،لأن بعض العلماء يرى أن هذا جائز،وأنه لا ربا في الأوراق،
لكني أبين له في المناقشة أن هذا منكر، وعلى هذا فقس.

فإن قال قائل:ما موقفنا من العوام،لأن طالب العلم يرى هذا الرأي فلا ننكر عليه،
لكن هل نقول للعوام اتبعوا من شئتم من الناس؟

الجواب:لا،العوام سبيلهم سبيل علمائهم، لأنه لو فتح للعامي أن يتخير فيما شاء
من أقوال العلماء لحصلت الفوضى التي لا نهاية لها ، فنقول:أنت عامي في بلد
يرى علماؤه أن هذا الشيء حرام،ولا نقبل منك أن تقول:أنا مقلد للعالم الفلاني أو العالم الفلاني.

***

وهل قوله: "فَلْيُغَيِّرْهُ بيدهِ" على إطلاقه، بمعنى أنه مع القدرة يغير على كل حال؟

الجواب:لا،إذا خاف في ذلك فتنة فلا يغير،لأن المفاسد يدرأ أعلاها بأدناها،
كما لو كان يرى منكراً يحصل من بعض الأمراء،ويعلم أنه لو غير بيده استطاع،
لكنه يحصل بذلك فتنة:إما عليه هو،وإما على أهله،وإما على قرنائه ممن يشاركونه
في الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهنا نقول:
إذا خفت فتنة فلا تغير،لقوله تعالى:
( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ )(الأنعام: الآية108)

4- أن اليد هي آلة الفعل، لقوله: "فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ" لأن الغالب أن الأعمال باليد،
ولذلك تضاف الأعمال إلى الأيدي في كثير من النصوص،مثل قوله:
(فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)(الشورى: الآية30) والمراد: بما كسبتم بأيديكم أو أرجلكم أو أعينكم أو آذانكم.



5- أنه ليس في الدين من حرج،وأن الوجوب مشروط بالاستطاعة، لقوله:
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ وهذه قاعدة عامة في الشريعة،قال الله تعالى:
(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(التغابن: الآية16) وقال عزّ وجل: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)(البقرة: الآية286)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم "مَا نَهَيتُكُم عَنهُ فَاجتَنِبوهُ،وَمَا أَمَرتُكُم بِهِ فَأتوا مِنهُ مَا استَطَعتُم"

وهذا داخل في الإطار العام أن الدين يسر.

6 - أن الإنسان إذا لم يستطع أن يغير باليد ولا باللسان فليغير بالقلب،وذلك بكراهة المنكر وعزيمته على أنه متى قدر على إنكاره بلسانه أو يده فعل.

فإن قال قائل:هل يكفي في إنكار القلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول:أنا كاره بقلبي؟

فالجواب :لا،لأنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم ولفارقهم إلا إذا أكرهوه،فحينئذ يكون معذوراً.

7 - أن للقلب عملاً، لقوله: "فَإن لَم يَستَطِع فَبِقَلبِهِ" عطفاً على قوله: "فَليُغَيرْهُ بيَدِهِ" وهو كذلك.

فالقلب له قول وله عمل، قوله عقيدته، وعمله حركته بنية أو رجاء أو خوف أو غير ذلك.

8 - أن الإيمان عمل ونية،لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المراتب من الإيمان،
والتغيير باليد عمل،وباللسان عمل، وبالقلب نية، وهو كذلك، فالإيمان يشمل جميع الأعمال،
وليس خاصاً بالعقيدة فقط،لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الإيمَانُ بِضعٌ وَسَبعُونَ شُعبَة،
أو قال: وَستونَ شُعبَة، أَعلاهَا: قَولُ لاَ إِلهَ إِلا الله، وَأَدناهَا إِماطَةُ الأَذَى عَنِ الطَريقِ"
فقول: لا إله إلا الله قول لسان، وإماطة الأذى عن الطريق فعل الجوارح
.

***

9 - إن قال قائل: قوله: "فَليُغَيرهُ بيَدِهِ" هل هذا لكل إنسان؟

فالجواب: ظاهر الحديث أنه لكل إنسان رأي المنكر، ولكن إذا رجعنا
إلى القواعد العامة رأينا أنه ليس عاماً لكل إنسان في مثل عصرنا هذا،
لأننا لو قلنا بذلك لكان كل إنسان يرى شيئاً يعتقده منكراً يذهب ويغيره
وقد لا يكون منكراً فتحصل الفوضى بين الناس.

نعم راعي البيت يستطيع أن يغير بيده،لأنه هو راعي البيت،
كما أن راعي الرعية الأكبر أو من دونه يستطيع أن يغير باليد .
كالحاكم

وليعلم أن المراتب ثلاث: دعوة، أمر، تغيير، فالدعوة أن يقوم الداعي في المساجد
و في أي مكان يجمع الناس ويبين لهم الشر ويحذرهم منه ويبين لهم الخير ويرغبهم فيه.

والآمر بالمعروف والناهي عن المنكر هو الذي يأمر الناس ويقول:
افعلوا ،أو ينهاهم ويقول لهم : لا تفعلوا . ففيه نوع إمرة.

والمغير هو الذي يغير بنفسه إذا رأى الناس لم يستجيبوا لدعوته ولا لأمره ونهيه،

والله الموفق


قديم 18-10-2009, 02:09 AM
المشاركة 8
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )





الحـــديث الخامس والثلاثون

***

(عَنْ أَبي هُرَيرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَحَاسَدوا، وَلاَتَنَاجَشوا، وَلاَ تَبَاغَضوا، وَلاَ تَدَابَروا،
وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ، وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً، المُسلِمُ أَخو المُسلم، لاَ يَظلِمهُ، وَلاَ يَخذُلُهُ، وَلا يكْذِبُهُ، وَلايَحْقِرُهُ، التَّقوَى هَاهُنَا - وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاَثَ مَراتٍ -
بِحَسْبِ امرىء مِن الشَّرأَن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِمَ، كُلُّ المُسِلمِ عَلَى المُسلِمِ حَرَام دَمُهُ وَمَالُه وَعِرضُه
)

رواه مسلم.

***



مـعنى الحـــديــث :


قوله"لا تَحَاسَدوا" أي لا يحسد بعضكم بعضاً.

وما هو الحسد؟

قال بعض أهل العلم:الحسد تمني زوال نعمة الله عزّ وجل على الغير، أي أن يتمنى أن يزيل نعمته
على الآخر،سواء كانت النعمة مالاً أو جاهاً أو علماً أو غير ذلك.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله - الحسد: كراهة ما أنعم الله به على الغير وإن لم يتمن الزوال.

ومن المعلوم أن من لازم الكراهة أن يتمنى الزوال،لكن كلام الشيخ-رحمه الله - أدق، فمجرد ما تكره
أن الله أنعم على هذا الرجل بنعمة فأنت حاسد.

وقوله "وَلا تَنَاجَشوا" أي لا ينجش بعضكم على بعض، وهذا في المعاملات، ففي البيع المناجشة:
أن يزيد في السلعة وهو لا يريد شراءها، لكن يريد الإضرار بالمشتري أو نفع البائع، أو الأمرين معاً .

مثال ذلك:عرضت سلعة في السوق فسامها رجل بمائة ريال، هذا الرجل السائم تعدى عليه رجل آخر
وقال: بمائة وعشرة قصده الإضرار بهذا السائم وزيادة الثمن عليه، فهذا نجش.

ورجل آخر رأى رجلاً يسوم سلعة وليس بينه وبين السائم شيء، لكن السلعة لصديق له،
فأراد أن يزيد من أجل نفع صديقه البائع، فهذا حرام ولا يجوز.

ورجل ثالث: أراد الإضرار بالمشتري ونفع البائع فهذا أيضاً حرام.

***

"وَلا تَبَاغَضوا"أي لا يبغض بعضكم بعضاً ، والبغضاء لا يمكن تعريفها، تعريفها لفظها:
كالمحبة والكراهة، والمعنى: لا تسعوا بأسباب البغضاء.

وإذا وقع في قلوبكم بغض لإخوانكم فاحرصوا على إزالته وقلعه من القلوب.

"وَلا تَدَابَروا" إما في الظهور بأن يولي بعضكم ظهر بعض، أولا تدابروا في الرأي،
بأن يتجه بعضكم ناحية والبعض الآخر ناحية أخرى.

"وَلاَ يَبِع بَعضُكُم عَلَى بَيعِ بَعضٍ" مثال ذلك:رأيت رجلاً باع على آخر سلعة بعشرة،فأتيت إلى المشتري
وقلت: أنا أعطيك مثلها بتسعة،أو أعطيك خيراً منها بعشرة،فهذا بيع على بيع أخيه، وهو حرام

" وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوانَاً" أي صيروا مثل الإخوان،ومعلوم أن الإخوان يحب كل واحد منهم لأخيه ما يحب لنفسه.

"عِبَادَ اللهِ" جملة اعتراضية،المقصود منها الحث على هذه الإخوة .

"المُسلِمُ أَخو المُسلِمِ" أي مثل أخيه في الولاء والمحبة والنصح وغير ذلك.

"لاَ يَظلِمهُ" أي لا ينقصه حقه بالعدوان عليه، أو جحد ما له ، سواء كان ذلك في الأمور المالية ،
أو في الدماء،أو في الأعراض، في أي شيء.

"وَلاَ يَخذُلُهُ" أي لا يهضمه حقه في موضوع كان يحب أن ينتصر له.

***

مثاله:أن يرى شخصاً مظلوماً يتكلم عليه الظالم، فيقوم هذا الرجل ويزيد على الذي يتكلم عليه
ولا يدافع عن أخيه المخذول ، بل الواجب نصر أخيه ولا يكذبه أي لا يخبره بالكذب،
الكذب القولي أو الفعلي.

مثال القولي:أن يقول حصل كذا وكذا وهو لم يحصل.

ومثال الفعلي: أن يبيع عليه سلعة مدلسة بأن يظهر هذه السلعة وكأنها جديدة، لأن إظهاره إياها
على أنها جديدة كأنه يقول بلسانه هي جديدة، فلا يحل له أن يكذبه لا بالقول ولا بالفعل

"وَلاَ يَحْقِرُهُ" أي لا يستصغره، ويرى أنه أكبر منه، وأن هذا لا يساوي شيئاً.

"التَّقوى هَاهُنا" يعني تقوى الله عزّ وجل في القلب وليست في اللسان
ولا في الجوارح،وإنما اللسان والجوارح تابعان للقلب.

***

"وَيُشيرُ إِلَى صَدرِهِ ثَلاثَ مِرَاتٍ" يعني قال: التقوى هاهنا، التقوى هاهنا، التقوى هاهنا،
تأكيداً لكون القلب هو المدبر للأعضاء.

"بِحَسبِ امرُىءٍ مِنَ الشَّرِّ" الباء هذه زائدة، وحسب بمعنى كافٍ و "أَن يَحْقِرُهُ" مبتدأ
والتقدير حقر أخيه كافٍ في الشر، وهذه الجملة تتعلق بقوله: "وَلا يحَقِرَهُ" أي يكفي الإنسان
من الإثم أن يحقر أخاه المسلم، لأن حقران أخيك المسلم ليس بالأمر الهين.

"كُل المُسلِم عَلَى المُسلِم حَرَام"ثم فسر هذه الكلية بقوله: "دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرضُهُ"
يعني أنه لا يجوز انتهاك دم الإنسان ولا ماله ولا عرضه،كله حرام.

***


من فــوائــــد هذا الحـديــث:



1- أن هذا الحديث العظيم ينبغي للإنسان أن يسير عليه في معاملته إخوانه، لأنه يتضمن
توجيهات عالية من النبي صلى الله عليه وسلم.

2 - تحريم الحسد لقوله "لاَ تَحَاسَدوا".

وهل النهي عن وقوع الحسد من الجانبين ، أو من جانب واحد؟

الجواب: من جانب واحد،يعني لو فرضنا إنساناً يريد أن يحسد أخاه وذاك قلبه سليم لا يحسد صار هذا حراماً،
فيكون التفاعل هنا في قوله "لا تَحَاسَدوا" ليس من شرطه أن يكون من الجانبين،
كما إذا قلت: لا تقاتلوا يكون القتال من الجانبين.

فإن قال قائل: ما يرد على القلب أحياناً من محبة كون الإنسان أعلى من أخيه،
فهل يدخل في الحسد؟

فالجواب:لا، لأن الرجل لم يكره نعمة الله عزّ وجل على هذا العبد،لكن أحب أن يفوقه،
وهذا شيء طبيعي، ولذلك لما ألقى النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه السؤال:
أن من الشجر شجرة مثلها مثل المؤمن، كلهم لم يعرفوها، ذكروا أشياء من الشجر لكنها
لم تكن إياه، وابن عمر رضي الله عنهما يقول: وقع في قلبي أنها النخلة،ولكني أصغر
القوم فلم أتكلم، قال أبوه:وددت أنك قلت هذا ،لأنه إذا قالها تفوق على الحاضرين.

***

فإن وقع في قلبه حسد لشخص ولكنه يدافعه ولم يعتد على الشخص، فهل يؤاخذ به؟

الجواب:لا يؤاخذ،لكنه ليس في حال الكمال، لأن حال الكمال أن لا تحسد أحداً،
وأن ترى نعمة الله عزّ وجل على غيرك كنعمته عليك،لكن الإنسان بشر قد يقع في قلبه
أن يكره ما أنعم الله به على هذا الشخص من علم أو مال أو جاه أو ما أشبه ذلك،
لكنه لا يتحرك ولا يسعى لإضرار هذا المحسود، فنقول: هذا ليس عليه شيء،لأن هذا أمر
قد يصعب التخلص منه، إلا أنه لو لم يكن متصفاً به لكان أكمل وأطيب للقلب،
وفي الحديث إِذَا "ظَنَنتَ فَلاَ تُحَقق، وَإِذَا حَسَدتَ فَلاَ تَبغِ".

فمن الناس من إذا حسد بغى فتجده مثلاً يتكلم في الشخص المرموق عند الناس
الذي يعتبر رمزاً للإنفاق في سبيل الله وفي الصدقات، ثم يأخذ بمدحه ويقول:
لكنه يتعامل بالربا، فإذا قال هذه الكلمة معناها أنه أهبط ميزانه عند الناس،
وهذا حسد ببغي والعياذ بالله.

وكذلك مع العلماء، وأكثر ما يكون الحسد بين المتفقين في مهنة، كالحسد بين العلماء،
والحسد بين التجار،والحسد بين أهل الصنائع،هذا الغالب ،
وإلا فمن المعلوم أنه لا يأتي نجار مثلاً يحسد عالماً.

***

والحسد على مراتب:

الأولى: أن يتمنى أن يفوق غيره، فهذا جائز، بل وليس بحسد.

الثانية:
أن يكره نعمة الله عزّ وجل على غيره،ولكن لا يسعى في تنزيل مرتبة
الذي أنعم الله عزّ وجل عليه ويدافع الحسد، فهذا لا يضره،ولكن غيره أكمل منه.

الثالثة:أن يقع في قلبه الحسد ويسعى في تنزيل مرتبة الذي حسده، فهذا هو الحسد المحرم
الذي يؤاخذ عليه الإنسان.

والحسد من خصال اليهود،كما قال الله تعالى:
(وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ )(البقرة: الآية109)
قال الله تعالى في ذمهم (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ
وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً
) (النساء:54)
والحسد يضر صاحبه لأن الحاسد لا يبقى مسروراً- والعياذ بالله- إذ إن نعم الله على العباد تترى
ولا منتهى لها، وهذا الرجل كلما رأى نعمة من الله على غيره زاد غماً وهماً.

والحسد اعتراض على قدر الله عزّ وجل لأنه يريد أن يتغير المقدور،ولله الحكمة فيما قدره.

والحسد في الغالب تحدث فيه معاصٍ:كالعدوان على الغير، والمخاصمة، ونشر المعائب وغير ذلك،
ولهذا يجب على المسلم أن يتجنبه كما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم .

***

3 - تحريم المناجشة ولو من جانب واحد،وسبق أن النجش في البيع:هو أن يزيد في السلعة
وهو لا يريد شراءها، وضربنا لهذا أمثلة.

ولكن لو أن الرجل يزيد في السلعة من أجل أن يربح منها، بمعنى أنه لا يريدها، بل يريد الربح منها،
فلما ارتفع سعرها تركها، فهل يعد هذا نجشاً؟

الجواب:لا يعد هذا نجشاً،لأن هذا له غرض صحيح في الزيادة،وهو إرادة التكسب،كما لو كان يريد السلعة،
وهذا يقع كثيراً بين الناس، تُعرَض السلعة والإنسان ليس له رغبة فيها ولا يريدها، ولكن رآها رخيصة
فجعل يزيد فيها حتى إذا بلغت ثمناً لا يرى معه أن فيها فائدة تركها، فنقول: هذا لا بأس به،
لأنه لم يرد إضرار الآخرين إنما ظن أن فيها فائدة فلما رأى أن لا فائدة تركها.

4 - النهي عن التباغض،وإذا نُهي عن التباغض أمر بالتحاب، وعلى هذا فتكون هذه الجملة مفيدة لشيئين:

الأول: النهي عن التباغض، وهو منطوقها.

والثاني:الأمر بالتحاب، وهو مفهومها.

ولكن إذا قال قائل: كيف نتصرف في التباغض، والبغضاء والمحبة ليست باختيار الإنسان،
ولهذا لما ذكر العلماء- رحمهم الله - أن الرجل المتزوج لأكثر من واحدة يلزمه العدل قالوا:
إلا في المحبة ، وعللوا ذلك بأن المحبة لا يمكن السيطرة عليها وكذلك البغضاء؟

فالجواب على هذا: أن نقول:المحبة لها أسباب، والبغضاء لها أسباب، فابتعد عن أسباب البغضاء
وأكثر من أسباب المحبة ، فمثلاً إذا كنت أبغضت شخصاً لأنه عمل عملاً ما، فاذكر محاسنه حتى تزيل
عنك هذه البغضاء، وإلا ستبقى على ما أنت عليه من بغضائه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم
"لاَ يَفرك مؤمِن مؤمِنَة إِن كَرِهَ مِنهَا خُلُقَاً رَضيَ مِنهَا خُلُقاً آخر"
أي لا يبغض الرجل زوجته لأنها أساءت في خلق واحد، بل يقارن:إن كره خلقاً منها رضي منها خلقاً آخر.

كذلك المحبة: يذكر بقلبه ما يكون سبباً لمحبة الرجل من الخصال الحميدة والآداب العالية وما أشبه ذلك.

فالبغضاء لها سبب والمحبة لها سبب، فليفعل أسباب المحبة وليتجنب أسباب البغضاء.

5 - النهي عن التدابر،سواء بالأجسام أو بالقلوب.

التدابر بالأجسام بأن يولي الإنسان ظهره ظهر أخيه، لأن هذا سوء أدب،
ويدل على عدم اهتمامه به، وعلى احتقاره له، ويوجب البغضاء.

والتدابر القلبي بأن يتجه كل واحد منا إلى جهة أخرى،بأن يكون وجه هذا
يمين ووجه هذا شمال، ويتفرع على هذا:

وجوب الاجتماع على كلمة واحدة بقدر الإمكان، فلنقرب الهوة بيننا حتى نكون على هدف واحد ،
وعلى منهاج واحد، وعلى طريق واحد،وإلا حصل التدابر .


وانظر الآن الأحزاب الموجودة في الأمم كيف هم متدابرون في الواقع، كل واحد يريد
أن يقع الآخر في شرك الشر، لأنهم متدابرون.

فالتدابر حرام، ولا سيما التدابر في القلوب،لما يترتب عليه من الفساد.

6 - تحريم بيع الرجل على بيع أخيه، ومثاله سبق ذكره في الشرح.

ولكن هل يقال:إن شراء الإنسان على شراء أخيه كبيعه على بيع أخيه؟

فالجواب:نعم، إذ إن المعنى واحد، ومثال الشراء على شراء أخيه، أن يبيع زيد على عمرو سلعة بمائة،
فيذهب بكر إلى زيد- البائع - ويقول:أنا أشتريها منك بمائة وعشرين، فهذا حرام لما فيه من العدوان،
وإحداث العداوة والبغضاء والنزاع بين الناس.

7 - وجوب الأخوة الإيمانية، لقوله صلى الله عليه وسلم "وَكونوا عِبَادَ اللهِ إِخوَانَاً".

ولكن كيف يمكن أن يحدث الإنسان هذه الأخوة؟

فالجواب:أن يبتعد عن كل تفكير في مساوئ إخوانه، وأن يكون دائماً يتذكر محاسن إخوانه،
حتى يألفهم ويزول ما في قلبه من الحقد.

ومن ذلك: الهدايا، فإن الهدية تُذهِب السخيمة وتوجب المودة.

ومن ذلك:الاجتماع على العبادات ولا سيما على الصلوات الخمس والجمع والأعياد،
فإن هذا يوجب المودة والأخوة، والأسباب كثيرة، والموانع كثيرة أيضاً، لكن يجب أن يدافع الموانع.

8 - أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أن نكون إخواناً بيّن حال المسلم مع أخيه

9 - أن المسلم على المسلم حرام : دمه و ماله و عرضه.

10 - أن لا يجني عليه بأي جناية تريق الدم أو بأي جناية تنقص المال،سواء كان بدعوى ما ليس له أو بإنكار ما عليه.

11 - تحريم عرض المسلم، يعني غيبته،فغيبة المسلم حرام، وهي من كبائر الذنوب كما قال ابن عبد القوي في منظومته:

وقد قيل صغرى غيبة ونميمة وكلتاهما كبرى على نص أحمد

***

والغيبة فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها: "ذكرك أخاك بما يكره في غيبته"
فإن كان في حضوره فهو سب وليس بغيبة، لأنه حاضر يستطيع أن يدافع عن نفسه،
وقد شبهها الله عزّ وجل بأكل لحم الميت تقبيحاً لها حتى لا يقدم أحد عليها.

واعلم أن الغيبة تختلف مراتبها باختلاف ما ينتج عنها، فغيبة الأمراء أعظم من غيبة عامة الناس،
لأن غيبتهم تؤدي إلى كراهتهم، وإلى التمرد عليهم، وإلى عدم تنفيذ أوامرهم التي يجب تنفيذها،
وربما تؤدي إلى الخروج المسلح عليهم، فيحصل بذلك من الشر ما الله به عليم.

كذلك أيضاً غيبة العلماء أشد من غيرهم، لأن غيبة العلماء تتضمن الاعتداء على أشخاصهم،
وتتضمن الاعتداء على ما يحملونه من الشريعة، لأن الناس إذا خف ميزان العالم عندهم لم يقبلوا منه.

ولذلك نحذر من أولئك القوم الذين أعتبرهم مفسدين في الأرض، فيأتون في المجالس يغتابون فلاناً وفلاناً،
مع أنك لو فكرت لوجدت عندهم من العيوب أكثر مما يعيبون به هذا الشخص، احذروا هؤلاء،
لا تركنوا إليهم وانبذوهم من مجالسكم نبذاً،لأنهم مفسدون في الأرض،سواء قصدوا أو لم يقصدوا،
فالفساد متى حصل فصاحبه مفسد،لكن مع نية الإفساد يكون ضرره أكثر وأعظم .

***

ففي قضية التشبه بالكفار أيضاً :

أن التشبه بهم متى حصل ولو بغير قصد التشبه ثبت حكمه،ومع نية التشبه يكون أعظم.

12 - أنه لا يحل ظلم المسلم بأي نوع من أنواع الظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة،
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "مَنْ تَعَدُّونَ المُفلِسَ فيكُم؟" قَالوا:
الذي لَيسَ عِندَهُ دِرهَم وَلاَ دينَار - أَو وَلاَ مَتَاع- قَالَ: "المُفلِس مَنْ يَأتي يَومَ القيامَةِ
بِحَسَنَات ٍأَمثَالِ الجِبَالِ، فَيَأَتي وَقَد ضَرَبَ هَذا، وَشَتَمَ هَذا، وَأَخَذَ مَالَ هَذا، فَيَأخُذُ هَذا
مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذا مِنْ حَسَنَاتِهِ،وَهَذا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِن لَمْ يَبقَ مِنْ حَسَنَاتِهِ شَيء
أُخِذَ مِنْ سَيئَاتِهِم فَطُرِحَ عَلَيهِ ثُمَ طُرِحَ في النَّارِ
".

13 - وجوب نصرة المسلم، وتحريم خذلانه، لقوله: "وَلاَيَخذلهُ" ويجب نصر المسلم،سواء كان ظالماً أو مظلوماً،
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "انصُر أَخَاكَ ظَالِمَاً أَو مَظلُومَاً" قَالوا: يَارَسُول الله هَذا المَظلوم،
فَكَيفَ نَنصُرُ الظَالِمَ؟ قَالَ: "تَمنَعهُ مِنْ الظلم فَذلِكَ نَصرُكَ إيَّاهُ"
وأنت إذا منعته من الظلم فقد نصرته على نفسه، وأحسنت إليه أيما إحسان.

14 - وجوب الصدق فيما يخبر به أخاه، وأن لا يكذب عليه، بل ولا غيره أيضاً،لأن الكذب محرم حتى
ولو كان على الكافرين، لكن ذكره في حق المسلم لأن السياق في ذلك.

15 - تحريم احتقار المسلم مهما بلغ في الفقر وفي الجهل، فلا تحتقره، قال النبي صلى الله عليه وسلم
"رُبَّ أَشعَثَ أَغبَرَ مَدفوعٌ بالأَبوابِ لَو أَقسَمَ عَلَى اللهِ لأَبرَّهُ ".

أشعث أغبر لا يستطيع أن ينظف نفسه، مدفوع بالأبواب لا يُفتح له، وإذا فتح له أحد عرف أنه فلان رد الباب عليه،
فدفعه بالباب، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : "لَو أَقسَمَ عَلَى اللهِ لأَبرَّهُ" فكيف تحتقر أخاك المسلم؟!.

ولعل يوماً من الدهر يكون أعلى منك، ولهذا قال الشاعر الجاهلي:

لا تهين الفقير علك أن تر كع يوماً والدهر قد رفعه

***

تركع يوماً: أي تذل، وهذا أمر مشاهد، كم من أناس كانوا فقراء في أول حياتهم
لا يؤبه لهم فصاروا قادة وصاروا أغنياء.

إذاً لا تحقر أخاك المسلم،حتى لو سألته عن مسألة كلٌّ يفهمها وهو لم يفهمها لا تحتقره،
فلعل الله يفتح عليه ويتعلم من العلم ما يكون به أعلم منك.

16 - أن التقوى محلها القلب، لقوله: "التَّقوَى هَاهُنَا،وَأَشَارَ إِلَى صَدرِهِ" يعني في قلبه.

17 - أن الفعل قد يؤثر أكثر من القول في المخاطبات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بإمكانه أن يقول: التقوى في القلب،
لكنه قال: التقوى هاهنا وأشار إلى صدره، لأن المخاطب يتصور هذه الصورة ويتخيلها في ذهنه،
وقد مر علينا أمثلة من هذا من الصحابة وغيرهم.

18 - الرد على أولئك المجادلين بالباطل الذين إذا فعلوا معصية بالجوارح ونُهوا عنها قالوا: التقوى هاهنا ،
فما جوابنا على هذا الجدلي؟

جوابنا أن نقول: لو اتقى ما هاهنا لاتقت الجوارح، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"أَلا وَإِنَّ في الجَسَدِ مُضغَة إِذَا صَلحَت صَلحَ الجَسَد كُلهُ،وَإِذا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُهُ أَلاَ وَهِيَ القَلب".

19 - عظمة احتقار المسلم، لقوله: "بِحَسبِ امرئ مِنَ الشَّرِِّأَن يَحْقِرَ أَخَاهُ المُسلِم".

20- وجوب احترام المسلم في هذه الأمور الثلاثة: دمه وماله و عرضه،
والله الموفق.




قديم 18-10-2009, 02:12 AM
المشاركة 9
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )


الحـــديث " السـادس والثلاثون "

***

(عَنْ أَبي هُرَيرَة رضي الله عنه عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: )مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِن كُربَةً مِن كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كرَبِ يَوم القيامَةِ،
وَمَنْ يَسَّرَ على مُعسرٍ يَسَّرَ الله عَلَيهِ في الدُّنيَا والآخِرَة، وَمَنْ سَتَرَ مُسلِمَاً سَتَرَهُ الله في الدُّنيَا وَالآخِرَة، وَاللهُ في عَونِ العَبدِ مَا كَانَ العَبدُ في عَونِ أخيهِ،
وَمَنْ سَلَكَ طَريقَاً يَلتَمِسُ فيهِ عِلمَاً سَهَّلَ اللهُ لهُ بِهِ طَريقَاً إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِنْ بيوتِ اللهِ يَتلونَ كِتابِ اللهِ وَيتَدارَسونهَ بَينَهُم
إِلا نَزَلَت عَلَيهُم السَّكينَة وَغَشيَتهم الرَّحمَة وحَفَتهُمُ المَلائِكة وَذَكَرهُم اللهُ فيمَن عِندَهُ،وَمَنْ بَطَّأ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بهِ نَسَبُهُ
)

رواه مسلم.

***

مـعنى الحـــديــث :

قوله"مَنْ نَفسَ" أي وسع.

وقوله "عَنْ مُؤمِنٍ كُربَةً" الكربة ما يكرب الإنسان ويغتم منه ويتضايق منه

"مِنْ كُربِ الدنيَا"أي من الكرب التي تكون في الدنيا وإن كانت من مسائل الدين،
لأن الإنسان قد تصيبه كربة من كرب الدين فينفس عنه.

"نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كُرَبِ يَومِ القيامَة"الجزاء من جنس العمل من حيث الجنس،
تنفيس وتنفيس،لكن من حيث النوع يختلف اختلافاً عظيماً،فكرب الدنيا لا تساوي شيئاً بالنسبة
لكرب الآخرة،فإذا نفس الله عن الإنسان كربة من كرب الآخرة كان ثوابه أعظم من عمله.

"يَومِ القيامَة" هو الذي تقوم فيه الساعة، وسمي بذلك لثلاثة أمور:

الأول:أن الناس يقومون فيه من قبورهم لله عزّ وجل،قال الله تعالى: (يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (المطففين:6)

الثاني:أنه تقام فيه الأشهاد،كما قال الله تعالى: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) (غافر:51)

الثالث:أنه يقام فيه العدل،لقول الله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً)(الانبياء: الآية47)

" وَمَنْ يَسَّرَ" أي سهل.

"عَلَى مُعسَر" أي ذي إعسار كما قال الله تعالى: (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة)(البقرة: الآية280)

"يَسَّرَ اللهُ عَلَيهِ في الدُّنيَا وَالآخِرَة" ويشمل هذا التيسير تيسير المال،وتيسير الأعمال، وتيسير التعليم
وغير ذلك،أي نوع من أنواع التيسير.

***

وهنا ذكر الجزاء في موضعين:

الأول: في الدنيا ، والثاني : في الآخرة.

"وَمَنْ سَتَرَ مُسلِمَاً" أي أخفى وغطى،ومنه الستارة تخفي الشيء وتغطيه،
والمقصود ستر مسلماً ارتكب ما يعاب. إما في المروءة والخلق ،وإما في الدين والعمل، "سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنيَا وَالآخِرَة" .

***

"وَاللهُ في عَونِ العَبدِ مَا كَانَ العَبدُ في عَونِ أخيهِ" يعني أنك إذا أعنت أخاك كان الله في عونك كما كنت تعين أخاك.
ويرويه بعض العوام: ما دام العبد في عون أخيه وهذا غلط، لأنك إذا قلت ما دام العبد في عون أخيه
صار عون الله لا يتحقق إلا عند دوام عون الأخ، ولم يُفهم منه أن عون الله للعبد كعونه لأخيه،فإذا قال:
ما دام العبد في عون أخيه عُلم أن عون الله عزّ وجل كعون الإنسان لأخيه.

وما دام هذا اللفظ هو اللفظ النبوي فلا يعدل عنه.

"وَمَنْ سَلَكَ طَريقَاً" أي دخله ومشى فيه.

"يَلتَمِسُ فيهِ عِلمَاً" أي يطلب علماً.

"سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَريقَاً إِلَى الجَنَّةِ"يعني سهل الله له هداية التوفيق بالطريق إلى الجنة،
والمراد بالعلم هنا علم الشريعة وما يسانده من علوم العربية والتاريخ وما أشبه ذلك.

أما العلوم الدنيوية المحضة كالهندسة وشبهها فلا تدخل في هذا الحديث، لكن هل هي مطلوبة أو لا؟

***


يأتي إن شاء الله في الفوائد.


والجنة: هي الدار التي أعدها الله تعالى لأوليائه المتقين،فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت
ولا خطر على قلب بشر وأوصافها وأوصاف ما فيها من النعيم موجود في الكتاب والسنة بكثرة.

"وَمَا اجتَمَعَ قَومٌ في بَيتٍ مِنْ بيوتِ اللهِ" وبيوت الله هي المساجد، فإن المساجد هي بيوت الله عزّ وجل،كما قال الله تعالى:
(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ*
رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ
يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ
) [النور:37،36].


"يَتلونَ كِتَابَ الله" أي يقرؤونه لفظاً ومعنى.

أما اللفظ فظاهر،وأما المعنى : فالبحث في معاني القرآن

"وَيَتَدَارَسونَهُ بَينَهُم" أي يدرس بعضهم على بعض هذا القرآن.

"إِلا نَزَلَت عَلَيهم السَّكينَة"أي طمأنينة القلب،وانشراح الصدر

"وَغَشيَتهم الرَّحمَة"أي غطتهم، والرحمة هنا يعني رحمة الله عزّ وجل.

"وَحَفَّتهُم المَلائِكة"أي أحاطت بهم إكراماً لهم.

"وَذكرهُم اللهُ فيمَن عِنده"أي أن هؤلاء القوم الذين اجتمعوا في المسجد يتدارسون كلام الله عزّ وجل
يذكرهم الله فيمن عنده،وهذا كقوله تعالى في الحديث القدسي: "من ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم"
فإذا ذكرت الله في ملأ بقراءة القرآن أو غيره فإن الله تعالى يذكرك عند ملأ خير من الملأ الذي أنت فيهم.

وَمَنْ بَطَّأ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرع بِهِ نَسَبُهُ بطأ: بمعنى أخَّر، والمعنى: من أخره العمل لم ينفعه النسب،لقوله تعالى:
( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ )(الحجرات: الآية13)
فإذا لم ينفع المرء أعماله لن ينفعه نسبه حتى ولو كان بمنزلة عالية من الوجاهة عند الناس .

***

من فــوائــــد هذا الحـديــث:

1- الحث على تنفيس الكرب عن المؤمنين، لقوله:
"مَنْ نَفَّس عَنْ مُؤمِن كُربَةً مِن كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كُرَبِ يَوم القيامَةِ".

وهذا يشمل : كُرَب المال ، وكرب البدن، وكرب الحرب وغيرها فكل كربة تنفس بها
عن المؤمن فهي داخلة في هذا الحديث.

2 - أن الجزاء من جنس العمل،تنفيس بتنفيس،وهذا من كمال عدل الله عزّ وجل ولكن يختلف النوع،
لأن الثواب أعظم من العمل، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف.

3 - إثبات يوم القيامة، لقوله: "نَفّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كُرَبِ يَوم القيامَةِ".

4 - أن في يوم القيامة كرباً عظيمة، لكن مع هذا والحمد لله هي على المسلم يسيرة،
لقول الله تعالى: ( وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً)(الفرقان: الآية26) وقال الله عزّ وجل:
(عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) (المدثر:10) وقال عزّ وجل: ( يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) [القمر:8]
أما المؤمن فإن الله عزّ وجل ييسره عليه ويخففه عنه والناس درجات، حتى المؤمنون يختلف
يسر هذا اليوم بالنسبة إليهم حسب ما عندهم من الإيمان والعمل الصالح.

***

5 - الحث على التيسير على المعسر،وأنه ييسر عليه في الدنيا والآخرة.

والمعسر تارة يكون معسراً بحق خاص لك،وتارة يكون معسراً بحق لغيرك،
والحديث يشمل الأمرين: "مَنْ يَسّرَ على مُعسَرٍ يَسّرَ الله عَلَيهِ" .

لكن إذا كان الحق لك فالتيسير واجب، وإن كان لغيرك فالتيسير مستحب،مثال ذلك:رجل يطلب
شخصاً ألف ريال،والشخص معسر،فهنا يجب التيسير عليه لقول الله تعالى:
(وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة)[البقرة:280] ولا يجوز أن تطلبه منه ولا أن تعرض بذلك،
ولا أن تطالبه عند القاضي لقوله تعالى (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة)(البقرة: الآية280)
ومن هنا نعرف خطأ أولئك القوم الذين يطلبون المعسرين ويرفعونهم للقضاء ويطالبون بحبسهم،
وأن هؤلاء- والعياذ بالله - قد عصوا الله عزّ وجل ورسوله فإن الله تعالى يقول:
(وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَة) .

فإن قال قائل: ما أكثر أهل الباطل في الوقت الحاضر الذين يدعون الإعسار وليسوا بمعسرين،
فصاحب الحق لايثق بادعائهم الإعسار؟

فنقول:نعم، الأمانات اليوم اختلفت لا شك، وقد يدعي الإعسار من ليس بمعسر،
وقد يأتي بالشهود على أنه معسر،لكن أنت إذا تحققت أو غلب على ظنك أنه
معسر وجب عليك الكف عن طلبه ومطالبته.

أما إذا علمت أن الرجل صاحب حيلة وأنه موسر لكن ادعى الإعسار من أجل أن يماطل
بحقك فهنا لك الحق أن تطلب وتطالب، هذا بالنسبة للمعسر بحق لك.

أما إذا كان معسراً بحق لغيرك فإن التيسير عليه سنة وليس بواجب،اللهم إلا أن تخشى
أن يُساء إلى هذا الرجل المعسر ويحبس بغير حق وما أشبه ذلك،فهنا قد نقول بوجوب
إنقاذه من ذلك، ويكون هذا واجباً عليك مادمت قادراً.

6 -أن التيسير على المعسر فيه أجران: أجر في الدنيا وأجر في الآخرة.

فإن قال قائل: لماذا لم يذكر الدنيا في الأول: "مَنْ نَفّسَ عَنْ مُؤمِن كُربَةً مِن كُرَبِ الدُنيَا
نَفّسَ اللهُ عَنهُ كُربَةً مِنْ كُرَبِ يَوم القيامَةِ
" فقط؟

قلنا : الفرق ظاهر، لأن من نفس الكربة أزالها فقط،لكن الميسر على المعسر فيه زيادة
عمل وهو التيسير، وفرق بين من يرفع الضرر ومن يحدث الخير.

فالميسر محدث للخير وجالب للتيسير، والمفرج للكربة رافع للكربة فقط، هذا والله أعلم
وجه كون الأول لا يجازى إلا في الآخرة، والثاني يجازى في الدنيا والآخرة.

7 - الحث على الستر على المسلم لقوله: "وَمَنْ سَتَرَ مُسلِمَاً سَتَرَهُ الله في الدُّنيَا وَالآخِرَة".

***

ولكن دلت النصوص على أن هذا مقيد بما إذا كان الستر خيراً، والستر ثلاثة أقسام:

القسم الأول:أن يكون خيراً.

والقسم الثاني: أن يكون شراً.

والقسم الثالث:لا يدرى أيكون خيراً أم شراً.

أما إذا كان خيراً فالستر محمود ومطلوب.


مثاله:رأيت رجلاً صاحب خلق ودين وهيئة- أي صاحب سمعة حسنة - فرأيته في خطأ وتعلم
أن هذا الرجل قد أتى الخطأ قضاءً وقدراً وأنه نادم، فمثل هذا ستره محمود ، وستره خير .

الثاني: إذا كان الستر ضرراً: كالرجل وجدته على معصية،أو على عدوان على الناس
وإذا سترته لم يزدد إلا شراً وطغياناً، فهنا ستره مذموم ويجب أن يكشف أمره لمن يقوم بتأديبه،
إن كانت زوجة فترفع إلى زوجها، وإن كان ولداً فيرفع إلى أبيه،
وإن كان مدرساً يرفع إلى مدير المدرسة، وهلم جرا.

المهم: أن مثل هذا لا يستر ويرفع إلى من يؤدبه على أي وجه كان،لأن مثل هذا إذا ستر
- نسأل الله السلامة- ذهب يفعل ما فعل ولم يبال.

الثالث:أن لا تعلم هل ستره خير أم كشفه هو الخير: فالأصل أن الستر خير،ولهذا يذكر في الأثر
( لأن أخطىء في العفو أحب إليّ من أن أخطىء في العقوبة) فعلى هذا نقول: إذا ترددت
هل الستر خير أم بيان أمره خير، فالستر أولى، ولكن في هذه الحال تتبع أمره، لا تهمله،
لأنه ربما يتبين بعد ذلك أن هذا الرجل ليس أهلاً للستر.

8 - أن الله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه،ففيه الحث على عون إخوانه من
المسلمين في كل ما يحتاجون إلى العون فيه حتى في تقديم نعليه له إذا كان يشق على صاحب
النعلين أن يقدمهما،وحتى في إركابه السيارة، وحتى في إدناء فراشه له إذا كان في بَرٍّ أو ما أشبه ذلك.

فباب المعونة واسع، والله تعالى في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.

9 -علم الله عزّ وجل بأمور الخلق وأنه يعلم من نفس عن مؤمن كربة، ومن يسر على معسر،
ومن ستر مسلماً، ومن أعان مسلماً ، فالله تعالى عليم بذلك كله.

10 - بيان كمال عدل الله عزّ وجل، لأنه جعل الجزاء من جنس العمل، وليتنا نتأدب بهذا الحديث
ونحرص على تفريج الكربات وعلى التيسير على المعسر،وعلى ستر من يستحق الستر،
وعلى معونة من يحتاج إلى معونة، لأن هذه الآداب ليس المراد بها مجرد أن ننظر فيها وأن نعرفها،
بل المراد أن نتخلق بها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ساقها من أجل أن نتخلق بها،
لا يريد منا أن نعلمها فقط، بل يريد أن نتخلق بها ولذلك كان سلفنا الصالح من الصحابة
رضي الله عنهم والتابعين - رحمهم الله - يتخلقون بالأخلاق التي يعلمهم نبيهم محمد صلى الله عليه وسلم .

11- الحث على معونة أخيك المسلم، ولكن هذا مقيد بما إذا كان على بر وتقوى،لقول الله تعالى:
(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) (المائدة: الآية2) أما على غير البر والتقوى فينظر:

***

إن كان على إثم فحرام،لقوله تعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )(المائدة: الآية2)

وإن كان على شيء مباح فإن كان فيه مصلحة للمعان فهذا من الإحسان،وهو داخل في عموم
قول الله تعالى: ( وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) [المائدة:93] وإن لم يكن فيه مصلحة للمعان
فإن معونته إياه أن ينصحه عنه، وأن يقول: تجنب هذا، ولا خير لك فيه.

12 - أن الجزاء من جنس العمل، بل الجزاء أفضل، لأنك إذا أعنت أخاك كان الله في عونك،
وإذا كان الله في عونك كان الجزاء أكبر من العمل.

13 - الحث على سلوك الطرق الموصلة للعلم،وذلك بالترغيب فيما ذكر من ثوابه.


14 - الإشارة إلى النية الخالصة، لقوله : "يَلتَمِسُ فيهِ عِلمَاً" أي يطلب العلم للعلم،فإن كان طلبه رياءً
وهو مما يبتغى به وجه الله عزّ وجل كان ذلك إثماً عليه.

وما ذكر عن بعض العلماء من قولهم: ( طلبنا العلم لغير الله فأبى أن يكون إلا لله ) فمرادهم أنهم
في أول طلبهم لم يستحضروا نية كونه لله عزّ وجل ثم فتح الله عليهم ولا يظهر أنهم أرادوا
أنهم طلبوا العلم رياءً، لأن هذا بعيد لا سيما في الصدر الأول.

15 - إطلاق الطريق الموصل للعلم، فيشمل الطريق الحسي الذي تطرقه الأقدام، والطريق المعنوي الذي تدركه الأفهام.

***

الطريق الحسي الذي تطرقه الأقدام: مثل أن يأتي الإنسان من بيته إلى مدرسته، أو من بيته إلى مسجده،
أو من بيته إلى حلقة علم في أي مكان.

أما الذي تدركه الأفهام: فمثل أن يتلقى العلم من أهل العلم، أو يطالع الكتب،أوأن يستمع إلى الأشرطة وما أشبه ذلك.

16 - أن الجزاء من جنس العمل، فكلما سلك الطريق يلتمس فيه العلم سهل الله له به طريقاً إلى الجنة.

17 - أنه ينبغي الإسراع في إدراك العلم وذلك بالجد والاجتهاد، لأن كل إنسان يحب أن يصل إلى الجنة
على وجه السرعة، فإذا كنت تريد هذا فاعمل العمل الذي يوصل إليها بسرعة.


18 - أن الأمور بيد الله عزّ وجل، فبيده التسهيل، وبيده ضده، وإذا آمنت بهذا فلا تطلب التسهيل إلا من الله عزّ وجل.

19 -الحث على الاجتماع على كتاب الله عزّ وجل، ثم إذا اجتمعوا فلهم ثلاث حالات:

الحال الأولى:أن يقرؤوا جميعاً بفم واحد وصوت واحد، وهذا على سبيل التعليم لا بأس به،كما يقرأ
المعلم الآية ثم يتبعه المتعلمون بصوت واحد، وإن كان على سبيل التعبد فبدعة،
لأن ذلك لم يؤثر عن الصحابة ولا عن التابعين.

الحال الثانية:أن يجتمع القوم فيقرأ أحدهم وينصت الآخرون، ثم يقرأ الثاني ثم الثالث ثم الرابع وهلم جراً،
وهذا له وجهان:

الوجه الأول: أن يكرروا المقروء، فيقرأ الأول مثلاً صفحة، ثم يقرأ الثاني نفس الصفحة،
ثم الثالث نفس الصفحة وهكذا، وهذا لا بأس به ولا سيما لحفاظ القرآن الذين يريدون تثبيت حفظهم.

الوجه الثاني:أن يقرأ الأول قراءة خاصة به أو مشتركة، ثم يقرأ الثاني غير ما قرأ الأول،
وهذا أيضاً لا بأس به.

وكان علماؤنا ومشايخنا يفعلون هذا،فيقرأ مثلاً الأول من البقرة، ويقرأ الثاني الثمن الثاني،
ويقرأ الثالث الثمن الثالث وهلم جراً، فيكون أحدهم قارئاً والآخرون مستمعين، والمستمع
له حكم القارىء في الثواب، ولهذا قال الله عزّ وجل في قصة موسى وهارون:
(قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا )(يونس: الآية89) والداعي موسى عليه السلام ،
كما قال الله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا
الْعَذَابَ الْأَلِيمَ* قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا
)[يونس:88-89]
قيل:إن موسى يدعو وهارون يؤمن ، ولهذا شرع للإنسان
المستمع لقراءة القارىء إذا سجد القارىء أن يسجد.

***

الحال الثالثة:أن يجتمعوا وكل إنسان يقرأ لنفسه دون أن يستمع له الآخرون،
وهذه هو الذي عليه الناس الآن، فتجد الناس في الصف في المسجد
كلٌّ يقرأ لنفسه والآخرون لا يستمعون إليه.

20- إضافة المساجد إلى الله تشريفاً لها لأنها محل ذكره وعبادته.

والمضاف إلى الله عزّ وجل إما صفة، وإما عين قائمة بنفسها، وإما وصف في عين قائمة بنفسها.

الأول الذي من صفات الله عزّ وجل كقدرة الله وعزة الله،وحكمة الله وما أشبه ذلك.

الثاني :العين القائمة بنفسها مثل: ناقة الله، مساجد الله، بيت الله، فهذا يكون مخلوقاً
من مخلوقات الله عزّ وجل لكن أضافه الله إلى نفسه تشريفاً وتعظيماً.

الثالث:أن يكون عين قائمة بنفسها ولكنها في عين أخرى مثل: روح الله كما قال الله عزّ وجل:
( فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا )(التحريم: الآية12) وقال في آدم:
(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي )(الحجر: الآية29)
فهنا ليس المراد روح الله عزّ وجل نفسه، بل المراد من الأرواح التي خلقها،
لكن أضافها إلى نفسه تشريفاً وتعظيماً.

21 - أن رحمة الله عزّ وجل تحيط بهؤلاء المجتمعين على كتاب الله، لقوله:
"وَغَشيتهم الرَّحمَةُ" أي أحاطت بهم من كل جانب كالغشاء وهو الغطاء يكون على الإنسان.

23 - أن حصول هذا الثواب لا يكون إلا إذا اجتمعوا في بيت من بيوت الله،لينالوا بذلك شرف المكان،
لأن أفضل البقاع المساجد.

24 - تسخير الملائكة لبني آدم، لقوله: "حَفَّتهم المَلائِكة" فإن هذا الحف إكرام لهؤلاء التالين لكتاب الله عزّ وجل.

25- إثبات الملائكة،والملائكة عالم غيبي، كما سبق الكلام عليهم في شرح حديث جبريل عليه السلام.

26 - أن الله عزّ وجل بأعمال العباد، لقوله: "وَذَكَرَهُمُ اللهُ فيمَن عِنده" جزاء لذكرهم ربهم عزّ وجل بتلاوة كتابه.

27 - أن الله عزّ وجل يجازي العبد بحسب عمله، فإن هؤلاء القوم لما تذاكروا بينهم،
وكان كل واحد منهم يسمع الآخر،ذكرهم الله فيمن عنده من الملائكة تنويهاً بهم ورفعة لذكرهم.

وفي الحديث الصحيح أن الله تعالى قال: "أَنَا عِند ظَنِّ عَبدي بي، وَأَنَا مَعَهُ،إِذَا ذَكَرَني في نَفسِهِ
ذَكَرتهُ في نَفسي،وَإِن ذَكَرَني في مَلأ ذَكَرتهُ في مَلأ خير مِنهُم
" .

28 - أن النسب لا ينفع صاحبه إذا أخره عن صالح الأعمال لقوله: "مَن بطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ" يعني أخَّره "لَم يُسرِع بِهِ نَسَبُهُُ".

فإن لم يبطىء به العمل وسارع إلى الخير وسبق إليه، فهل يسرع به النسب؟

فالجواب:لا شك أن النسب له تأثير وله ميزة، ولهذا نقول : جنس العرب خير من غيرهم
من الأجناس، وبنو هاشم أفضل من غيرهم من قريش،كما جاء في الحديث
"إن الله اصطفى من بني إسماعيل كنانة،واصطفى من كنانة قريشاً،
واصطفى من قريش بني هاشم،واصطفاني من بني هاشم"
وقال "خياركم في الإسلام خياركم في الجاهلية إذا فقهوا".

فالنسب له تأثير ، لذلك تجد طبائع العرب غير طبائع غيرهم،فهم خير في الفهم،
وخير في الجلادة وخير في الشجاعة وخير في العلم ، لكن إذا أبطأ بهم العمل صاروا شراً من غيرهم.

انظر إلى أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم ماذا كانت أحواله؟

كانت أحواله أن الله تعالى أنزل فيه سورة كاملة
(تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ* مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ* سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ *
وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ
) [المسد:1-5].

29 - أنه ينبغي للإنسان أن لا يغتر بنسبه وأن يهتم بعمله الصالح حتى ينال به الدرجات العلى

والله الموفق.




قديم 18-10-2009, 02:13 AM
المشاركة 10
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )
الحـــديث " السـابع والثلاثون "

***

(عَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم
فِيْمَا يَرْوِيْهِ عَنْ رَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى أَنَّهُ قَالَ: (إِنَّ الله كَتَبَ الحَسَنَاتِ وَالسَّيئَاتِ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ؛ فَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ
فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً،وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ عَشْرَ حَسَنَاتٍ إِلَى سَبْعِمائَةِ
ضِعْفٍ إِلىَ أَضْعَاف كَثِيْرَةٍ.
وَإِنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كَتَبَهَا اللهُ عِنْدَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً،وَإِنْ هَمَّ بِهَا فَعَمِلَهَا كَتَبَهَا اللهُ سَيِّئَةً وَاحِدَةً
)

رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ في صَحِيْحَيْهِمَا بِهَذِهِ الحُرُوْفِ

***

مـعنى الحـــديــث :

قوله"فيمَا يَرويهِ عَنْ رَبِّهِ" يسمى هذا الحديث عند العلماء حديثاً قدسياً.


وقوله "كَتَبَ" أي كتب وقوعها وكتب ثوابها، فهي واقعة بقضاء الله وقدره
المكتوب في اللوح المحفوظ، وهي أيضاً مكتوب ثوابها كما سيبين في الحديث.

أما وقوعها: ففي اللوح المحفوظ.

وأما ثوابها: فبما دل عليه الشرع.


"ثُمَ بَيَّنَ ذَلِك"أي فصله

"فَمَن هم بِحَسَنةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً"والمهم هنا ليس مجرد
حديث النفس، لأن حديث النفس لا يكتب للإنسان ولا عليه، ولكن المراد عزم على
أن يفعل ولكن تكاسل ولم يفعل، فيكتبها الله حسنة كاملة.

فإن قيل: كيف يثاب وهو لم يعمل؟

فالجواب: يثاب على العزم ومع النية الصادقة تكتب حسنة كاملة.

واعلم أن من هم بالحسنة فلم يعملها على وجوه:

***

الوجه الأول:أن يسعى بأسبابها ولكن لم يدركها، فهذا يكتب له الأجر كاملاً، لقول الله تعالى:
( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ )(النساء: الآية100)

وكذلك الإنسان يسعى إلى المسجد ذاهباً يريد أن يصلي صلاة الفريضة قائماً ثم يعجز
أن يصلي قائماً فهذا يكتب له أجر الصلاة قائماً، لأنه سعى بالعمل ولكنه لم يدركه.

الوجه الثاني:أن يهم بالحسنة ويعزم عليها ولكن يتركها لحسنة أفضل منها،
فهذا يثاب ثواب الحسنة العليا التي هي أكمل، ويثاب على همه الأول للحسنة الدنيا،
ودليل ذلك أن رجلاً أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة،وقال:
يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس؟
فقال: "صَلِِّ هَاهُنَا" فكرر عليه، فقال له "شَأنُكَ إذاً" فهذا انتقل من أدنى إلى أعلى.

الوجه الثالث:أن يتركها تكاسلاً، مثل أن ينوي أن يصلي ركعتي الضحى،فقرع عليه
الباب أحد أصحابه وقال له:هيا بنا نتمشى،فترك الصلاة وذهب معه يتمشى،فهذا يثاب
على الهم الأول والعزم الأول، ولكن لا يثاب على الفعل لأنه لم يفعله بدون عذر،
وبدون انتقال إلى ما هو أفضل.

"وَإِن هَمَّ بِهَا فَعمَلَهَا" تكتب عشر حسنات - والحمد لله - ودليل هذا من القرآن
قول الله تعالى: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) (الأنعام:160)

***

" كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ عَشرَ حَسَنَاتٍ" هذه العشر حسنات كتبها الله على نفسه ووعد به وهو لا يخلف الميعاد

لى سَبعمَائةِ ضِعف" وهذا تحت مشيئة الله تعالى، فإن شاء ضاعف إلى هذا، وإن شاء لم يضاعف.

"إلى أَضعَافٍ كَثيرةٍ" يعني أكثر من سبعمائة ضعف.


"وَإِن هَمَّ بِسَيئةٍ فَلَم يَعمَلهَا كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنةً كَامِلَةً"ولهذا قال الله عزّ وجل:
( كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ)(الأنعام: الآية54) وقال الله تعالى في الحديث القدسي:
"إِنَّ رَحْمَتِيْ سَبَقَتْ غَضَبِيْ" وهذا ظاهر من الثواب على الأعمال، والجزاء على الأعمال السيئة.

قال النووي - رحمه الله - :

فانظر يا أخي وفقنا الله وإياك إلى عظيم لطف الله تعالى، وتأمل هذه الألفاظ

"عِندَهُ" إشارة إلى الاعتناء بها.
"كَامِلَةً" إشارة إلى الاعتناء بها.

وقوله: "كَامِلَةً" للتأكيد وشدة الاعتناء بها.

وقال في السيئة التي هم بها ثم تركها كَتَبَهَا اللهُ عِندَهُ حَسَنَةً كَامِلَةً فأكدها بكاملة
وإن عملها كتبها سيئة واحدة، فأكد تقليلها بواحدة، ولم يؤكدها بكاملة، فلله الحمد والمنة،
سبحانه لا نحصي ثناءً عليه ، وبالله التوفيق.

هذا تعليق طيب من المؤلف - رحمه الله - .

***

من فــوائــــد هذا الحـديــث:

1- رواية النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه،وما رواه عن ربه في الأحاديث القدسية:
هل هو من كلام الله عزّ وجل لفظاً ومعنى، أو هو كلام الله معنى واللفظ من الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

اختلف المحدثون في هذا على قولين، والسلامة في هذا أن لا تتعمق في البحث في هذا،
وأن تقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عزّ وجل وكفى .

2 - اثبات كتابة الحسنات والسيئات وقوعاً وثواباً وعقاباً، لقوله إن الله كتب الحسنات والسيئات.

3 - أن الحسنات الواقعة والسيئات الواقعة قد فرِغ منها وكتبت واستقرت.

ولكن ليس في هذا حجة للعاصي على معاصي الله، لأن الله تعالى أعطاه سمعاً وبصراً
وفهماً وأرسل إليه الرسل، وبيّن له الحق وهو لا يدري ماذا كُتِبَ له في الأصل،
فكيف يقحم نفسه في المعاصي،ثم يقول: قد كتبت عليَّ، لماذا لم يعمل بالطاعات ويقول: قد كتبت لي؟‍‍ ‍!!

فليس في هذا حجة للعاصي على معصيته:

أولاً: للدليل الأثري، وثانياً: للدليل النظري.

أما الأثري: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للصحابة: "مَا مِنكُم مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ كُتِبَ مَقعَدهُ مِنَ الجَنةِ وَالنَّار"
قَالوا:يَا رَسُول الله أَفَلا نَدع العَمَلَ وَنَتَّكِلَ عَلَى الكِتَابِ الأَولِ ؟ قَالَ: "لاَ، اعمَلوا فَكل ميسر لِمَا خُلِقَ لَهُ"
هذا دليل، يعني لا تعتمد على شيء مكتوب وأنت لا تدري عنه "اعمَلوا فَكل ميسرٍ لِمَا خُلِقَ لَهُ،
أَمَّا أَهلُ السعَادَةِ فَيُيَسّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ السَّعَادَةِ،وَأَمَا أَهَلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرونَ لِعَمَلِ أَهلِ الشَّقَاوَةِ،
ثُمَ تَلاَ قَولَهُ تَعالَى:

(فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى* وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى*
وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى
)" [الليل:5-10]


***

فهذا دليل أثري، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع الاتكال على ما كتب وأن نعمل.

أما الدليل النظري العقلي فيقال لهذا الرجل: ما الذي أعلمك أن الله كتبك مسيئاً؟
هل تعلم قبل أن تعمل الإساءة؟

الجواب:لا،كلنا لا نعلم المقدور إلا إذا وقع، فلا حجة عقلية ولا حجة أثرية.

4 - إثبات أفعال الله عزّ وجل لقوله: "كَتَبَ" وسواء قلنا إنه أمر بأن يكتب، أو كتب بنفسه عزّ وجل.

وهذه المسألة اختلف فيها الناس،وليس هذا موضع ذكر الاختلاف،لأن كلامنا على شرح الحديث.

والذي عليه أهل السنة والجماعة: أن صفات الله عزّ وجل: فعلية متعلقة بمشيئته، وذاتية لازمة لله.

5 - عناية الله عزّ وجل بالخلق حيث كتب حسناتهم وسيئاتهم قدراً وشرعاً.

***

6 - أن التفصيل بعد الإجمال من البلاغة، يعني أن تأتي بقول مجمل ثم تفصله،
لأنه إذا أتى القول مجملاً تطلعت النفس إلى بيان هذا المجمل،فيأتي التفصيل والبيان
وارداً على نفس مشرئبة مستعدة، فيقع منها موقعاً يكون فيه ثبات الحكم.

7 - فضل الله عزّ وجل ولطفه وإحسانه أن من هم بالحسنة ولم يعملها كتبها الله حسنة،
والمراد بالهم: العزم، لا مجرد حديث النفس، لأن الله تعالى عفا عن حديث النفس لا للإنسان ولا عليه.

وسبق شرح أحوال من هم بالحسنة ولم يعملها فليرجع إليه.

8 - مضاعفة الحسنات، وأن الأصل أن الحسنة بعشر أمثالها، ولكن قد تزيد إلى سبعمائة ضعف، إلى أضعاف كثيرة.


ومضاعفة ثواب الحسنات تكون بأمور ، منها:

الأول: الزمان، مثاله: قول النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأول من ذي الحجة
"مَا مِنْ أَيَّام العَمَلُ الصَّالِحُ فِيْهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشر قَالوا:
ولاَ الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ، قَالَ: وَلا الجِهَادُ في سَبيلِ الله
" هذا عظم ثواب العمل بالزمن.

ومن ذلك قوله تعالى: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) (القدر:3)

الثاني: باعتبار المكان، ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
"صَلاَةٌّ في مَسجِدي هَذا أَفضَلُ مِنْ أَلفِ صَلاَة فيمَا سِواهُ إِلاَّ مَسجِدِ الكَعبَة"

الثالث: باعتبار العمل فقد قال الله تعالى في الحديث القدسي
"مَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيْءٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مَمَّا افتَرَضْتُ عَلَيْهِ" فالعمل الواجب أفضل من التطوع.

الرابع: باعتبار العامل قال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد بن الوليد وقد وقع بينه وبين
عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنهما- ما وقع "لاَ تَسِبوا أَصحَابي،فوالذي نَفسي بيَدِهِ
لَو أَنفَقَ أَحَدُكُم مِثلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا بَلَغَ مَد أَحَدِكُم ولاَ نصيفَهُ" .

وهناك وجوه أخرى في المفاضلة تظهر للمتأمل و متدبر الأدلة.

***

أيضاً يتفاضل العمل بالإخلاص، فلدينا ثلاثة رجال: رجل نوى بالعمل امتثال أمر الله عزّ وجل
والتقرب إليه،وآخر نوى بالعمل أنه يؤدي واجباً، وقد يكون كالعادة،
والثالث نوى شيئاً من الرياء أو شيئاً من الدنيا.

فالأكمل فيهم: الأول، ولهذا ينبغي لنا ونحن نقوم بالعبادة أن نستحضر أمر الله بها،
ثم نستحضر متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها،حتى يتحقق لنا الإخلاص والمتابعة.

9 - أن من هم بالسيئة ولم يعملها كتبها الله حسنة كاملة، وقد مر التفصيل في ذلك أثناء الشرح،
فإن هم بها وعملها كتبها الله سيئة واحدة.

ولكن السيئات منها الكبائر والصغائر،كما أن الحسنات منها واجبات وتطوعات
ولكلٍ منهما الحكم والثواب المناسب،

والله الموفق.



قديم 18-10-2009, 02:15 AM
المشاركة 11
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )
الحـــديث " الثــامن والثلاثون "

***

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ:
مَنْ عَادَى لِي وَلِيَّاً فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ. وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ. ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ،
فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا،
وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا. وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ )


رواه البخاري.

***


مـعنى الحـــديــث :


هذا حديث قدسيّ كالذي سبقه، وقد تكلمنا على ذلك.

قوله"مَنْ عَادَى لِي وَليَّاً" أي اتخذه عدواً له، ووليُّ الله عزّ وجل بيَّنه الله عزّ وجل
في القرآن، فقال:
(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:62-63].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله- من كان مؤمناً تقياً كان لله وليَّاً أخذه من الآية:
(الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:63]

والمقصود بالولاية : القرب من الله جل وعلا بالطاعات والبعد والكف عن المعاصي ،
فمن تقرب من الله أطاع الله عز وجل وكف عن المعاصي فهو ولي من أولياء الله ،
والولاية هنا درجات تبدأ بعمل الواجبات الأساسية ومن ثم كلما ارتقى الإنسان بعمل النوافل والمستحبات ارتقى في درجات الولاية ،
وليس كما يفهم بعض الناس أن الولاية درجة لسقوط التكاليف الشرعية عن الإنسان !!، بل العكس هو الصحيح !
أنه كل ما زادت عبادة الإنسان لله عز وجل ازداد قربا وولاية من الله سبحانه وتعالى .

وقوله "فَقَدْ آذَنْتُهُ ِبالحَرْبِ" أي أعلنت عليه الحرب، وذلك لمعاداته أولياء الله .. وهذا يدل على عظمة الذنب الشديد الذي تعامل به هذا الإنسان لأنه استوجب حرب الله عليه !

وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلِيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ"ولكن الفرائض
تختلف كما سنبين إن شاء الله في الفوائد، إنما جنس الفرائض أحب إلى الله من جنس النوافل.

***

"وَلاَ يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ"لايزال:هذا من أفعال الاستمرار،
أي أنه يستمر يتقرب إلى الله تعالى بالنوافل حتى يحبه الله عزّ وجل،
و (حتى) هذه للغاية، فيكون من أحباب الله .
والنوافل متعددة وكثيرة وهي لا حصر لها كنوافل الصلاة ، نوافل الصيام ، نوافل قراءة القرآن ، نوافل الإنفاق ،
نوافل نفع الآخرين بالبدن ، نوافل نفع الآخرين بالمال ، نفع الآخرين بالتفكير والرأي ،
نفع الآخرين بالدلالة على الخير ، نفع الآخرين بالدعاء لهم ... وغيرها كثير !

"فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِيْ بِهَا"

"كُنْتُ سَمْعَهُ" من المعلوم أن الحديث ليس على ظاهره،
لأن سمع المخلوق حادث ومخلوق وبائن عن الله عزّ وجل، فما معناه إذن؟

***

قيل: معناه أن الإنسان إذا كان وليّاً لله عزّ وجل وتذكر ولاية الله حفظ سمعه،
فيكون سمعه تابعاً لما يرضي الله عزّ وجل.

وكذلك يقال في بصره، وفي: يده، وفي: رجله.

وقيل: المعنى أن الله يسدده في سمعه وبصره ويده ورجله، ويكون المعنى:
أن يُوفّق هذا الإنسان فيما يسمع ويبصر ويمشي ويبطش. وهذا أقرب،
أن المراد: تسديد الله تعالى العبد في هذه الجوارح.
أي أن هذا الإنسان لا يسمع إلا ما يرضي الله فلا يستعمل سمعه إلا بما يرضي الله ولا يستعمل بصره إلا بما يرضي الله
فيبقي محفوظ من الله سبحانه وتعالى وكذلك بقية جوارحه ،

"وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأَعْطيَنَّهُ" يعني إذا دعاني أو سألني سأستجيب له ،

"وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأعِيذَنَّهُ" أي طلب مني أن أعيذه فأكون ملجأ له
والاستعاذة التي بها النجاة من المرهوب، وأخبر أنه سبحانه وتعالى
يعطي هذا المتقرب إليه بالنوافل ماسأل، ويعيذه مما استعاذ

***

من فــوائــــد هذا الحـديــث:


1. أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب، لقوله: "فَقَدْ آذَنتُهُ بِالحَرْبِ" وهذه عقوبة خاصة على عمل خاص،
فيكون هذا العمل من كبائر الذنوب.

2. إثبات أولياء الله عزّ وجل، ولا يمكن إنكار هذا لأنه ثابت في القرآن والسنة،
ولكن الشأن كل الشأن تحقيق المناط، بمعنى: من هو الولي؟
هل تحصل الولاية بالدعوى أو تحصل بهيئة اللباس؟ أو بهيئة البدن؟

الجواب: لا، فالولاية بينها الله عزّ وجل بقوله: (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:63]
فمن كان مؤمناً تقياً كان لله ولياً.

واعلم أن ولاية الله عزّ وجل نوعان: عامة وخاصة.

فالعامة: ولايته على الخلق كلهم تدبيراً وقياماً بشؤونهم، وهذا عام لكل أحد، للمؤمن والكافر،
والبر والفاجر، ومنه قوله تعالى:
( حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ*ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) [الأنعام:61-62].



وولاية خاصة: وهي ولاية الله عزّ وجل للمتقين، قال الله عزّ وجل:
(اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ)(البقرة: الآية257)
فهذه ولاية خاصة وقال الله عزّ وجل:
(أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) [يونس:62-63].

فإن قال قائل: هل في ثبوت ولاية الله تعالى لشخص أن يكون واسطة بينك وبين الله
في الدعاء لك وقضاء حوائجك وما أشبه ذلك؟

فالجواب: لا، فالله تعالى ليس بينه وبين عباده واسطة، وأما ا لجاهلون المغرورون فيقولون:
هؤلاء أولياء الله وهم واسطة بيننا وبين الله. فيتوسلون بهم إلى الله أولاً ثم يدعونهم من دون الله ثانياً.

3 . إثبات الحرابة لله عزّ وجل، لقوله: "آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ" وقد ذكر الله تعالى ذلك في الربا
أيضاً فقال: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)(البقرة: الآية279) ،
وذكر ذلك أيضاً في عقوبة قطاع الطريق: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ
فِي الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْض
)(المائدة: الآية33)

4. إثبات محبة الله وأنها تتفاضل، لقوله: "وَمَاتَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْته عَلَيْهِ".

5. أن الأعمال الصالحة تقرب إلى الله عزّ وجل، والإنسان يشعر هذا بنفسه إذا قام بعبادة
الله على الوجه الأكمل من الإخلاص والمتابعة وحضور القلب أحس بأنه قَرُبَ من الله عزّ وجل.
وهذا لايدركه إلا الموفقون، وإلا فما أكثر الذين يصلون ويتصدقون ويصومون،
ولكن كثيراً منهم لايشعر بقربه من الله، وشعور العبد بقربه من الله لاشك أنه سيؤثر في سيره ومنهجه.

***

6. أن أوامر الله عزّ وجل قسمان: فريضة، ونافلة. والنافلة: الزائد عن الفريضة،
ووجه هذا التقسيم قوله: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلِيَّ عَبْدِيْ بِشَيءٍ أَحَبَّ إِليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيْهِ.
ولايَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ
".

7. تفاضل الأعمال من حيث الجنس كما تتفاضل من حيث النوع. فمن حيث الجنس:
الفرائض أحب إلى الله من النوافل. ومن حيث النوع:الصلاة أحب إلى الله مما دونها
من الفرائض، ولهذا سأل ابن مسعود رضي الله عنه رسول الله : أي الأعمال - أو العمل -
أحب إلى الله؟ فقال: "الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا"

فالأعمال تتفاضل في أجناسها، وتتفاضل أجناسها في أنواعها، بل وتتفاضل أنواعها في أفرادها.
فكم من رجلين صليا صلاة واحدة واختلفت مرتبتهما ومنزلتهما عند الله كما بين المشرق والمغرب.

8. الحثّ على كثرة النوافل، لقوله تعالى في الحديث القدسي:
"وَلاَيَزَالُ عَبدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ".

9. أن كثرة النوافل سبب لمحبة الله عزّ وجل، لأن: (حتى) للغاية،
فإذا أكثرت من النوافل فأبشر بمحبة الله لك.

ولكن اعلم أن هذا الجزاء والمثوبة على الأعمال إنماهو على الأعمال التي جاءت على وفق الشرع،
فما كل صلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وما كل نافلة تقرّب إلى الله عزّ وجل،
أقول هذا لاتيئيساً ولكن حثّاً على إتقان العبادة وإكمال العبادة،
حتى ينال العبد الثواب المرتب عليها في الدنيا والآخرة.


ولذلك كثير من الناس يصلّون الصلوات الخمس والنوافل ولايحس أن قلبه نفر من المنكر،
أو نفر من الفحشاء، هو باقٍ على طبيعته. لماذا هل هو لنقص الآلة، أو لنقص العامل؟

الجواب: لنقص العامل.

10. أن الله تعالى إذا أحب عبداً سدده في سمعه وبصره ويده ورجله، أي في كل حواسه بحيث
لايسمع إلا ما يرضي الله عزّ وجل، وإذا سمع انتفع، وكذلك أيضاً لايطلق بصره إلا فيما يرضي
الله وإذا أبصر انتفع، كذلك في يده: لايبطش بيده إلا فيما يرضي الله، وإذا بطش فيما يرضي الله انتفع،
وكذلك يقال في الرِّجل.

11 . أن الله تعالى إذا أحب عبداً أجاب مسألته وأعطاه ما يسأل وأعاذه مما يكره،
فيحصل له المطلوب ويزول عنه المرهوب.

يحصل له المطلوب في قوله: "وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعْطِيَنَّهُ" ويزول المرهوب في قوله: "وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنَي لأُعِيذَنَّهُ".

فإن قال قائل: هل هذا على إطلاقه، أي أنه إذا سأل الإنسان أي شيء أجيب مادام متصفاً بهذه الأوصاف؟

فالجواب: لا، لأن النصوص يقيد بعضها بعضاً، فإذا دعا بإثم، أو قطيعة رحم، أو ظلماً لإنسان
فإنه لايستجاب له، حتى وإن كان يكثر من النوافل، حتى وإن بلغ هذه المرتبة العظيمة وهي:
محبة الله له فإنه إذا دعا بإثم، أو قطيعة رحم، أو ظلم فإنه لايستجاب له،
لأن الله عزّ وجل أعدل من أن يجيب مثل هذا.

12 . كرامة الأولياء على الله تعالى حيث كان الذي يعاديهم قد آذنه الله بالحرب.

13 . أن معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب، لأن الله تعالى جعل ذلك إذناً بالحرب.

والله أعلم.




قديم 18-10-2009, 02:16 AM
المشاركة 12
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )




الحـــديث " التــاسع والثلاثون "

***

(عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: (إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) )

حديث حسن رواه ابن ماجه والبيهقي وغيرهما..

***


مـعنى الحـــديــث :


هذا الحديث أخرجه الإمام ابن ماجه والإمام البيهقي وصححه الإمام ابن حبان رحمه الله
وحسنه جمع من الأئمة والحديث ..

قوله:"إِنَّ اللهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِيْ" اللام هنا للتعليل،
أي تجاوز من أجلي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.

و أمّة محمد صلى الله عليه وسلم أمتان أمّة الدعوة وأمّة الإجابة ،
أمّة الدعوة : هي كل من ولد أو وجد منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة .
أمّة الإجابة : وهم من استجاب لدعوة النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به عليه الصلاة والسلام .

***

لخَطَأَ "أن يرتكب الإنسان العمل عن غير عمد.

"وَالنِّسْيَانَ " ذهول القلب عن شيءٍ معلوم من قبل.

"وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ"الاستكراه: أن يكرهه شخص على عمل محرم ولايستطيع دفعه، أي: الإلزام والإجبار.

***

وهذه الثلاثة أعذار ( الخطأ والنسيان والاستكراه ) شهد لها القرآن الكريم.

أما الخطأ والنسيان فقد قال الله عزّ وجل: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا )(البقرة: الآية286)
وقال الله عزّ وجل: ( وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ )(الأحزاب: الآية5) .

وأما الإكراه: فقال الله عزّ وجل:
(مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ
مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
) (النحل:106)

فرفع الله عزّ وجل حكم الكفر عن المكرَه،فما دون الكفر من المعاصي من باب أولى لاشك.

إذاً هذا الحديث مهما قيل في ضعفه فإنه يشهد له القرآن الكريم كلام رب العالمين.

***

من فــوائــــد هذا الحـديــث:

1. سعة رحمة الله عزّ وجل ولطفه بعباده حيث رفع عنهم الإثم إذا صدرت منهم المعصية
على هذه الوجوه الثلاثة، ولو شاء الله لعاقب من خالف أمره على كل حال.

2. أن جميع المحرّمات في العبادات وغير العبادات إذا فعلها الإنسان جاهلاً أو ناسياً أو مكرهاً
فلاشيء عليه فيما يتعلق بحق الله، أما حق الآدمي فلا يعفى عنه من حيث الضمان،
وإن كان يُعفى عنه من حيث الإثم.

فجميع المحرّمات يرفع حكمها بهذه الأعذار وكأنه لم يفعلها ولايستثنى من هذا شيء، فلنضرب أمثلة:

مثال أول :رجل تكلّم في الصلاة يظن أن هذا الكلام جائز، فلا تبطل صلاته لأنه جاهل مخطئ ارتكب الإثم
عن غير قصد، وهذا فيه نص خاص وهو: أن معاوية بن الحكم رضي الله عنه دخل مع النبي
صلى الله عليه وسلم في صلاة، فسمع عاطساً عطس فحمد الله، فقال له معاوية رضي الله عنه:
يرحمك الله ، فرماه الناس بأبصارهم، أي جعلوا ينظرون إليه نظر إنكار
فقال: واثكل أمّياه - كلمة توجع - فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكّتونه فسكت،
فلمّا انتهت الصلاة دعاه من كان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً محمد صلى الله عليه وسلم،
قال معاوية: فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه، ماكهرني، ولاشتمني،
ولاضربني، وإنما قال: "إِنَّ هَذِهِ الصَّلاةَ لاَيَصْلُحُ فِيْهَا شَيءٌ مِنْ كَلامِ النَّاسِ إِنَّمَا
هِيَ التَّكْبِيْرُ والتَّسبِيْحُ وَقِرَاءةُ القُرْآنِ
".

***


وجه الدلالة من هذا الحديث: أنه لم يأمره بالإعادة، ولو كانت الإعادة واجبة عليه لأمره بها كما
أمر الذي لايطمئن في صلاته أن يعيد صلاته.

مثال آخر: رجل يصلي، فاستأذن عليه رجل - أي قرع الباب - فقال: تفضّل، نسي أنه في صلاة،
فلاتبطل صلاته لأنه ناسٍ ولم يتعمّد الإثم.

مثال ثالث: رجل أكره على أن يأكل في نهار رمضان فأكل، فلا يفسد صومه لأنه مكره،
لكن يشترط في الإكراه أن يكون المكره قادراً على تنفيذ ما أكره به، أما إذا كان غير قادر
مثل أن يقول لشخص: يافلان كل هذا التمر وإن لم تأكل ضربتك، أو قيدتك وهو أضعف من الصائم،
والصائم يستطيع أن يأخذه بيد واحدة ويقذفه، فهذا ليس بإكراه لأنه قادر على التخلّص.

مثال رابع: صائم أكل يظن الشمس غربت ثم تبيّن أنها لم تغرب، كمن سمع أذاناً وظنه أذان بلده
فأكل ثم تبيّن أنه لم يؤذن فيه ولم تغرب الشمس، فليس عليه قضاء لأنه جاهل إذ لو علم أن
الشمس باقية لم يأكل، ولو ضُرب على هذا لم يأكل، فظن أن الشمس غربت بسماع هذا الأذان فأكل فلاشيء عليه.

وقد جاء النص في هذه المسألة بعينها، فقد روت أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أنهم أفطروا
في يوم غيمٍ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس، إذاً هم أفطروا قبل أن
تغرب الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء، ولو كان القضاء واجباً عليهم لأمرهم
به لوجوب الإبلاغ عليه، ولو أمرهم به لكان من الشريعة، وإذا كان من الشريعة فالشريعة محفوظةلابد
أن تنقل إلينا ولم تنقل، فدل هذا على أنه لا يجب عليهم القضاء.

ومن العلماء من قال: إنه يجب القضاء في هذه الحال استناداً إلى قول بعض الفقهاء.

***

وموقفنا من هذا القول أن نقول: إن الله تعالى قال:
( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(النساء: الآية59)
وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ )(الشورى: الآية10)
وحينئذ لايبقى لأحد كلام.

مثال خامس: رجل جامع زوجته في نهار رمضان وهو يعلم أن الجماع حرام، لكن لايعلم أن فيه كفارة،
فهذا تلزمه الكفارة لأن هذا الرجل غير معذور، حيث انتهك حرمة رمضان وهو يعلم أن ذلك حرام
فتلزمه الكفارة، ولهذا ألزم النبي صلى الله عليه وسلم المجامع في نهار رمضان بالكفارة مع أنه لايعلم،
وقصة هذا الرجل:

أنه أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال:يارسول الله هلكت؟ فقال: "مَا الَّذِيْ أَهْلَكَكَ؟"
قال: أتيتُ أهلي في رمضان وأنا صائم، فقال: "أَعْتِقْ رَقَبَةً" ، قال: لاأقدر، فقال:
"صُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟" قال: لاأستطيع، فقال: "أَطْعِمْ سِتِّيْنَ مِسْكِيْنَاً؟" قال:
ليس عندي - فكل خصال الكفارة لايستطيعها- فجلس الرجل فأتي بِمِكْتَلٍ فيه تمر - أي زنبيل-
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "خُذْ هَذَا تَصَدّقْ بِهِ" ، قال: يارسول الله: أعلى أفقر مني،
والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني؟
فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ثم قال: أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ.

الشاهد من هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب عليه الكفارة مع أنه كان لايدري أن فيه كفارة.

***

مثال سادس: رجل زنى يحسب أن الزنى حلال لأنه عاش في غير بلاد الإسلام وهو حديث عهد بإسلام،
فلا حدَّ عليه لأنه جاهل حيث أسلم حديثاً ولم يدرِ أن الزنا حرام، فقوله مقبول.

لكن لوقال رجل عاش بين المسلمين:إنه لايدري أن الزنا حرام، فإنه لايقبل ويقام عليه الحدّ.

مثال سابع: رجل زنى وهو يعلم أن الزنى حرام، لكن لا يدري أن الزاني المحصن عليه الرجم،
وقال: إنه لو علم أن عليه الرجم ما زنى، فإنه يرجم.

إذاً الجهل بما يترتب على الفعل ليس بعذر، إنما العذر إذا جهل الحكم.

ذكرنا أولاً أن هذا في حق الله، أما في حق المخلوق فلا يسقط الضمان وإن سقط الإثم، مثال ذلك:
رجل اجتر شاة ظنها شاته فذكّاها وأكلها، فتبيّن أنها لغيره، فإنه يضمنها لأن هذا حق آدمي،
وحقوق الآدمي مبنية على المشاحة، ويسقط عنه الإثم لأنه غير متعمّد لأخذ مال غيره.

ومثال آخر: رجل أكره على قتل إنسان وقال له المكره: إما أن تقتل فلاناً أو أقتلك،
وهو يقدر أن يقتله، فقتله، فإن القاتل المكره يقتل، لأن حق الآدمي لايعذر فيه بالإكراه.

فإذا قال: أنا أعلم أنني إذا لم أقتل الرجل قتلني ؟

فنقول: هل لك الحق أن تبقي نفسك بإهلاك غيرك؟ ليس لك حق. ولذلك إذا ارتفع قتل هذا المكره عنك
فإننا لانرفع عنك القتل بمقتضى الشريعة الإسلامية.

***

مثال ثالث: جاء رجل قوي شديد وأخذ شخصاً بالغاً عاقلاً وأمسك به وضرب به إنساناً حتى مات المضروب،
فإنه لايضمن لأنه ليس له تصرف،فهذا كالآلة فالضمان على الذي أمسكه وضرب به المقتول.

فهذا الحديث عام في كل حق لله عزّ وجل من المحظورات، أما المأمورات فإنها لايسقط أداؤها وقضاؤها،
فلابد أن تُفعل. ولكن يسقط الإثم في تأخيرها بعذر.

فلو أن رجلاً أكل لحم إبل وهو على وضوء ولم يعلم أن أكل لحم الإبل ناقض للوضوء، فصلى،
فيلزمه أن يعيد الوضوء والصلاة، وذلك لأن الواجب يمكن تداركه مع الجهل،
وأما المحرم لايمكن تداركه لأنه فعله وانتهى منه.

فعلى هذا نقول: إذا ترك واجباً فلابد من فعله، ويدل لهذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
"مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصِلِّهَا إِذَا ذَكَرهَا" فعذره عن التأخير ولم يعذره عن القضاء، بل أمره بالقضاء.

أما بالنسبة للجهل: فالرجل الذي جاء وصلى ولم يطمئن في صلاته قال له النبي صلى الله عليه وسلم :
"ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" فرجع وصلى صلاة لايطمئن فيها،ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ،
فقال: "ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ" ثلاث مرات حتى قال المصلي: والذي بعثك بالحق لاأحسن غير هذا فعلمني، فعلّمه،
فهنا لم يعذره بالجهل لأن هذا واجب، والواجب يمكن تداركه مع الجهل فيفعل.

فإن قال قائل: هذا الرجل لم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة ما مضى من الصلوات مع أنه صرح
بأنه لايحسن غير هذا، فما الجواب وأنتم تقولون: إن الواجبات إذا كان جاهلاً يُعذر فيها بالإثم أي يسقط عنه،
لكن لابد من فعلها؟

قلنا:هذه المسألة فيها خلاف بين العلماء: هل الواجبات تسقط بالجهل مطلقاً، أو يقال:تسقط بالجهل
إن كان غير مقصّر، فإن كان مقصّراً لم يعذر؟

***

والظاهر: أن الواجبات تسقط بالجهل مالم يمكن تداركها في الوقت، ويؤيد هذا أن الحديث الذي ذكرناه
لم يأمر فيه النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل بقضاء ما مضى من صلاته، وأمره بقضاء الصلاة
الحاضرة لأنه يمكن تداركها، ولأنه الآن هو مطالب بها،لأن وقتها باق.

ويتفرع على هذا مسألة مهمة: كثير من البادية لايعرفون أن المرأة إذاحاضت مبكرة لزمها الصيام،
ويظنون أن المرأة لايلزمها الصيام إلا إذا تم لها خمس عشرةسنة، وهي قد حاضت ولها إحدى
عشرة سنة مثلاً،فلها خمس سنين لم تصم، فهل نلزمها بالقضاء؟

فالجواب: لا نلزمها بالقضاء، لأن هذه جاهلة ولم تقصّر،لأنه ليس عندها من تسأله، ثم إن أهلها
يقولون لها:أنت صغيرة ليس عليك شيء، وكذلك لوكانت لاتصلّي.

فمثل هؤلاء نعذرهم، لأن الواجبات عموماً لاتلزم إلا بالعلم،لقول الله تعالى :
( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(الاسراء: الآية15) نعم إذا كان مقصّراً فنلزمه،
مثل أن يقول رجل عاميٌّ لآخر مثله: يافلان يجب عليك كذا وكذا، فقال: لا يجب،
قال له: اسأل العلماء، فقال: لا أسأل العلماء قال الله عزّ وجل:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ)(المائدة: الآية101)
فهذا نقول: إنه مقصّر ونلزمه.

أيضاً إذاكان الواجب الذي تركه جهلاً يتعلق به حق الغير كالزكاة مثلاً، كرجل مضى عليه سنوات
وهو لايزكّي، والمال الذي عنده زكوي، لكن لايدري أن فيه زكاة، فنلزمه بأداء ما مضى،
لأن الزكاة ليس لها وقت محدد تفوت بفواته، فلوأخّرها عمداً إلى خمس سنوات لزمه أن يزكّي.

***

فهذا نلزمه بالزكاة وإن كان جاهلاً لتعلّق حق أ هل الزكاة بها وهو حق آدمي، لكن لانؤثمه لأنه كان جاهلاً.

فالمهم أن هذا الحديث مؤيَّدٌ بالقرآن الكريم كما سبق، وينبغي للإنسان أن ينظر إلى الحوادث
التي تقع نسياناً أو جهلاً أو إكراهاً نظرة حازم ونظرة راحم.

نظرة حازم: بأن يلزم الإنسان إذاعلم أن فيه تقصيراً.

ونظرة راحم: إذا علم أنه لم يقصّر، لكنه جاهل لايدري عن شيء.

وكان شيخنا عبد الرحمن بن سعدي - رحمه الله - يقول في المسائل الخلافية:
إذا كان الإنسان قد فعل وانتهى فلا تعامله بالأشد،بل انظر للأخف وعامله به،
لأنه انتهى ولكن انهَهُ أن يفعل ذلك مرّة أخرى،إذا كنت ترى أنه لايفعل.

والله الموفق






قديم 18-10-2009, 02:17 AM
المشاركة 13
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )



الحـــديث " الأربعون "
***

(عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمنْكبيَّ فَقَالَ: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ) وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ:
إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ. وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لمَوْتِكَ. )

رواه البخاري..

***

مـعنى الحـــديــث :

قوله:"أَخَذَ بِمنْكَبَيَّ" أي أمسك بكفتي من الأمام. وذلك من أجل أن يستحضر مايقوله
النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "كُنْ فِي الدُّنِيا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ"فالغريب لم يتخذها سكناً وقراراً، وعابر السبيل: لم يستقر فيها أبداً، بل هو ماشٍ.

وعابر السبيل أكمل زهداً من الغريب، لأن عابر السبيل ليس بجالس، والغريب يجلس لكنه غريب.
"كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابرُ سَبِيْلٍ" وهذا يعني الزهد في الدنيا، وعدم الركون إليها،
لأنه مهما طال بك العمر فإن مآلك إلى مفارقتها. ثم هي ليست بدار صفاء وسرور دائماً،
بل صفوها محفوف بكدرين، وسرورها محفوف بحزنين كما قال الشاعر:

ولاطيبَ للعيشِ مَادامت منغّصةً لذاتُهُ بادّكارِ الموتِ والهَرَمِ

***

وَكَانُ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَقُوْلُ: إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ،
وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ
. رواه البخاري.

إِذَا أَمْسَيْتَ فَلا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ
: والمعنى اعمل العمل قبل أن تصبح ولاتقل غداً أفعله،
لأن مُنتظر الصباح إذا أمسى يؤخر العمل إلى الصباح، وهذا غلط، فلا تؤخر عمل اليوم لغد لأنك قد تموت قبل أن تصبح.

وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلا تَنْتَظِرِ المَسَاءَ: أي اعمل وتجهّز،لأنك قد تموت قبل أن تمسي.
وهذا في عهدنا كثير جداً، انظر إلى الحوادث كيف نسبتها؟ تجد الرجل يخرج من بيته وهو يقول لأهله هيؤوا لي الغداء،
ثم لا يتغدى، يصاب بحادث ويفارق الدنيا، أو يموت فجأة، وقد شوهد من مات فجأة.
وفي هذا يقول بعضهم:
(اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)
والمعنى: أن لا تهتمّ للدنيا ومآربها فالذي لاتدركه اليوم تدركه غداً فاعمل كأنك تعيش أبداً،
واعمل للآخرة كأنك تموت غداً، بمعنى: لاتؤخر العمل الذي ينفعك في دنياك وآخرتك .


***

وهذا يروى حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه ليس بحديث !!

وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ
: فالإنسان إذا كان صحيحاً تجده قادراً على
الأعمال منشرح الصدر، يسهل عليه العمل لأنه صحيح، وإذا مرض
عجز وتعب، أو تعذر عليه الفعل، أو إذا أمكنه الفعل تجد نفسه ضيّقة
ليست منبسطة، فخذ من الصحة للمرض، لأنك ستمرض أو تموت.

وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ
:الحي موجود قادر على العمل،
وإذامات انقطع عمله إلا من ثلاث، فخذ من الحياة للموت واستعد.

وهذه سبحان الله كلمات نيّرات، لو سرنا على منهاجها في حياتنا
لهانت علينا الدنيا ولم نبال بها واتخذناها متاعاً فقط.

***

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ينبغي للإنسان أن يجعل
المال كأنه حمار يركبه، أو كأنه بيت الخلاء يقضي فيه حاجته
فهذا هو الزّهد. وأكثر الناس اليوم يجعلون المال غاية فيركبهم المال،
ويجعلونه مقصوداً فيفوتهم خير كثير.

***

من فــوائــــد هذا الحـديــث:

1. التزهيد في الدنيا وأن لايتخذها الإنسان دار إقامة، لقوله: "كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ".

2 . حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم بضرب الأمثال المقنعة، لأنه لو قال:
ازهد في الدنيا ولاتركن إليها وما أشبه ذلك لم يفد هذا مثل ما أفاد قوله:
"كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَريْبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيْلٍ".

3. فعل ما يكون سبباً لانتباه المخاطب وحضور قلبه، لقوله: "أَخَذَ بِمنْكَبَيَّ" ،
ونظير ذلك: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علَّمَ ابن مسعود رضي الله عنه
التشهد أمسك كفه وجعله بين كفيه حتى ينتبه.

4. أنه ينبغي للعاقل مادام باقياً والصحة متوفرة أن يحرص على العمل قبل أن يموت فينقطع عمله.



5. الموعظة التي ذكرها ابن عمر رضي الله عنهما: أن من أصبح لاينتظر المساء،
وذكرنا لها وجهين في المعنى، وكذلك من أمسى لاينتظر الصباح.

والموعظة الثانية: أن يأخذ الإنسان من صحته لمرضه، لأن الإنسان إذا كان في صحة تسهل
عليه الطاعات واجتناب المحرمات بخلاف ما إذاكان مريضاً، وكذلك أيضاً أن يأخذ الإنسان من حياته لموته.

6. فضيلة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حيث تأثّر بهذه الموعظة من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.




قديم 18-10-2009, 02:18 AM
المشاركة 14
~غلا~
عضو يفوق الوصف
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )



الحـــديث " الحـادي والأربعون "

***

(عَنْ أَبِيْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ بِنِ عمْرِو بْنِ العَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَيُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَواهُ تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ" )

حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ رَوَيْنَاهُ فِي كِتَابِ الحُجَّةِ بِإِسْنَادٍ صَحِيْحٍ.

***

مـعنى الحـــديــث :

هذا الحديث كما قال الإمام النووي حديث صحيح وبعض أهل العلم يضعفه لكن الإمام
النووي رحمه الله يميل إلى صحته ومال إليه عدد من أهل العلم.

يقول:"لاَ يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ"يعني لا يؤمن أحدكم الإيمان الكامل أو لا يكتمل إيمان أحدكم.

"حَتَّى يَكُونَ هَواهُ"أي اتجاهه وقصده وميله ومزاجه ..

"تَبَعَاً لِمَا جِئْتُ بِهِ" أي من الشريعة وما فيها من أحكام .

***

من فــوائــــد هذا الحـديــث:

1. تحذير الإنسان من أن يحكم العقل أو العادة مقدماً إياها على ما جاء به
الرسول صلى الله عليه وسلم، وجه ذلك: نفي الإيمان عنه.

فإن قال قائل: لماذا حملتموه على نفي كمال الإيمان ؟

فالجواب: أنَّا حملناه على ذلك لأنه لايصدق في كل مسألة، لأن الإنسان قد يكون هواه
تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في أكثر مسائل الدين، وفي بعض
المسائل لايكون هواه تبعاً، فيحمل على نفي كمال الإيمان وليس الإيمان كلّه،
ويقال: إن كان هواه لايكون تبعاً لماجاء به الرسول صلى الله عليه وسلم في
كل الدين فحينئذ يكون مرتدّاً.

2. أنه يجب على الإنسان أن يستدلّ أولاً ثم يحكم ثانياً،لا أن يحكم ثم يستدل،
بمعنى أنك إذا أردت إثبات حكم في العقائد أو في الجوارح فاستدل أولاً ثم احكم،
أما أن تحكم ثم تستدلّ فهذا يعني أنك جعلت المتبوع تابعاً
وجعلت الأصل عقلك والفرع الكتاب والسنة.

ولهذا تجد بعض العلماء - رحمهم الله، وعفا عنهم-الذين ينتحلون لمذاهبهم
يجعلون الأدلة تبعاً لمذاهبهم، ثم يحاولون أن يلووا أعناق النصوص إلى ما
يقتضيه مذهبهم على وجه مستكره بعيد، وهذا من المصائب التي ابتلي بها
بعض العلماء، والواجب أن يكون هواك تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .

***

3. تقسيم الهوى إلى محمود ومذموم، والأصل عند الإطلاق المذموم كما جاء
ذلك في الكتاب والسنة، فكلما ذكر الله تعالى اتباع الهوى فهوعلى وجه الذم،
لكن هذا الحديث يدلّ على أن الهوى ينقسم إلى قسمين:

محمود: وهو ما كان تبعاً لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم .

ومذموم: وهو ماخالف ذلك.

وعند الإطلاق يحمل على المذموم، ولهذايقال: الهدى، ويقابله الهوى.

4. وجوب تحكيم الشريعة في كل شيء، لقوله: "لِمَا جِئتُ به" والنبي صلى
الله عليه وسلم جاء بكل ما يصلح الخلق في معادهم ومعاشهم، قال الله تعالى:
(وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ)(النحل: الآية89)

فليس شيء يحتاج الناس إليه في أمور الدين أو الدنيا إلا بيّنه - والحمد لله -
إما بياناً واضحاً يعرفه كل أحد، وإما بياناً خفياً يعرفه الراسخون في العلم.

5. أن الإيمان يزيد وينقص كما هو مذهب أهل السنة والجماعة. والله أعلم.

و الله الموفق و الحمد لله ربٌ العالمين .




قديم 18-10-2009, 07:08 AM
المشاركة 15
غروب
عضو صافح الغيم
  • غير متواجد
رد: الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس و الأخير )
جزاك الله خير ياغلا
صباح جميل هذا الذي ابتدي به قراءة الذكر الطيب
تم حفظها لتكملة القراءه
اسأل الله ان ينفع به الجميع

ممتنه لكِ والله

حتّى و إن إبتعدتُ ،
لَم يحزِم حبّك حقائبه .. .

باقٍ أنتَ فِي القلب .




الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: الأربعين النووية «●● ( الجزء السادس و الأخير )
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأربعين النووية •• ~ ( الجزء الثاني ) ~غلا~ ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 21 08-02-2012 01:10 AM
•ˆ• الأربعين النووية •ˆ• ( الجزء الآول ) ~غلا~ ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 32 08-12-2009 08:52 PM
الأربعين النووية «●● ( الجزء الرابع ) ~غلا~ ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 21 16-11-2009 05:20 AM
الأربعين النووية «●● ( الجزء الخامس ) ~غلا~ ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 24 16-11-2009 05:02 AM
المدير الغربي والمدير العربي أسامر الليل ●{ الرآيِ..وَ..الَرآيِ الآخَر 7 11-07-2008 02:50 AM

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


الساعة الآن 06:53 PM.