قديم 16-12-2009, 02:23 AM
المشاركة 18

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الفصل الخامس: اشتمال الوحي على مسائل التوحيد بأدلتها

إن المصدر الذي تؤخذ منه مسائل أصول الدين هو الوحي، فكل ما يلزم الناس
اعتقاده أو العمل به، قد بينه الله تعالى بالوحي الصادق عن طريق كتابه العزيز
أو بالواسطة من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم، أو ما يرجع إليهما من
إجماع صحيح، أو عقل صريح دل عليه النقل وأرشد إليه.
قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89].
وقال سبحانه: {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].
وفي الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: ((.. وأيم الله، لقد تركتكم على البيضاء
ليلها ونهارها سواء، قال أبو الدرداء: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
تركنا والله على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء
)) ، وفي رواية أخرى:
((لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)) .وفي صحيح مسلم لما قيل لسلمان الفارسي
رضي الله عنه: ((قد علمكم نبيكم صلى الله عليه وسلم كل شيء حتى الخراءة!
فقال: أجل
..)) .ودخول مسائل التوحيد وقضاياه في هذا العموم من باب الأولى؛
بل "من المحال أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم، ويعتقدونه بقلوبهم في
ربهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف
المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب
" .
والرسول صلى الله عليه وسلم بين مسائل التوحيد تارة بأدلتها النقلية مباشرة
كأحوال البرزخ، ومسائل الآخرة، وتارة يجمع إلى الأدلة النقلية الأدلة العقلية
ويرشد إليها، فإما أن تكون أدلة مسائل علم التوحيد أدلة نقلية، أو أدلة نقلية
عقلية.وبهذا الأصل المبارك اعتصم أهل السنة والجماعة، فصدروا عن الوحي
في تعلم التوحيد في مسائله وأدلته، "ولم ينصبوا مقالة ويجعلوها من أصول
دينهم وجمل كلامهم، إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسل؛ بل يجعلون ما بعث
به الرسول من الكتاب والحكمة، هو الأصل يعتقدونه ويعتمدونه
" .
وردوا عند التنازع في مسألة ما إلى نصوص الوحي، امتثالاً لقوله تعالى:
{فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
} [النساء:59]، ومعنى الرد إلى الله سبحانه:
الرد إلى كتابه، ومعنى الرد إلى رسوله صلى الله عليه وسلم:
الرد إلى سنته بعد وفاته، وهذا مما لا خلاف فيه بين جميع المسلمين .
وفي إعمال هذه القاعدة نظر إلى الوحي بعين الكمال، واستغناء به عن
غيره، واعتماد عليه، وتجنب اللوازم الباطلة لمذهب من يعول على العقل
أو الذوق دون الشرع، وتحقيق للإيمان بالله واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم
ونجاة من مسالك أهل الأهواء الذين يتقدمون بين يدي الله ورسوله بعلومهم
وعقولهم وأذواقهم، وحسم لمادة التقليد الباطلة، مع تحقيق الاجتماع والألفة
ونبذ الاختلاف والفرقة.

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري - ص264





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:24 AM
المشاركة 19

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الفصل السادس: الإيمان بالنصوص على ظاهرها وردُ التأويل

الواجب في نصوص القرآن والسنة إجراؤها على ظاهرها دون تحريف لاسيما
نصوص الصفات حيث لا مجال للرأي فيها.
ودليل ذلك: السمع، والعقل.
أما السمع: فقوله تعالى: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ
بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ
} [الشعراء: 192-195] وقوله: {إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ} [يوسف: 2]. وقوله: {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
} [الزخرف: 3].
وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع
منه دليل شرعي.
وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس
عن الإيمان. فقال: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ
كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ
} [البقرة: 75].
وقال تعالى:{مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}
الآية [النساء: 46].
وأما العقل: فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا
باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة.

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين - ص42

الأصل حمل النص على ظاهره: من قواعد أهل السنة المقررة أن الأصل أن
يحمل النص على ظاهره، وأن الظاهر مراد، وأن الظاهر ما يتبادر إلى الذهن
من المعاني، وأنه لا يخرج عن هذا الظاهر إلا بدليل، فإن عدم الدليل كان
الحمل على الظاهر هو المتعين، والحمل على خلافه تحريف، فالنصوص
الشرعية نصوص هداية ورحمة لا نصوص إضلال، فلو قدر أن المتكلم أراد من
المخاطب حمل كلامه على خلاف ظاهره وحقيقته من غير قرينة ولا دليل
ولا بيان لصادم هذا الفعل مقصود الإرشاد والهداية وأن ترك المخاطب
والحالة هذه بدون ذلك الخطاب خير له وأقرب إلى الهدى...ومن أسباب إخراج
النصوص عن ظواهرها عند البعض دعوى معارضتها للمعقول كالشأن
في كثير من العقائد الإسلامية، إذ أن من طالع كتب المؤولة وجد عندهم
توسعا عجيبا في هذا الباب، وكلما خاضوا بالتأويل في باب جرهم ذلك إلى
استسهال التأويل في باب آخر وهكذا حتى آل الأمر بالباطنية مثلا إلى تأويل
جملة الشريعة حتى ما يتعلق منها بالأحكام الشرعية كالصلاة والزكاة
والصيام والحج، وجعل ذلك كله من قبيل الباطن المخالف للظاهر،...
والذي يعنينا هنا أن نؤكد على أن هذه النصوص الشرعية يجب حملها على
ظواهرها ولا يصح تأويلها لمجرد تنزيلها على واقع حالي أو لتوهم معارضتها
للمعقول، وأن تأويلها والحالة هذه مخرج لها عن قصد الشارع وبالتالي فتنزيلها
بعد التأويل تنزيل لها على واقع غير مراد ولا مقصود للشارع.

منارات وعلامات في تنزيل أحاديث الفتن على الوقائع والحوادث لعبد الله بن
صالح العجيري - ص89

يقصد بظاهر النصوص مدلولها المفهوم بمقتضى الخطاب العربي، لا ما يقابل
النص عند متأخري الأصوليين، والظاهر عندهم ما احتمل معنى راجحاً وآخر
مرجوحاً، والنص هو ما لا يحتمل إلا معنى واحدا، "فلفظة الظاهر قد صارت
مشتركة، فإن الظاهر في الفطر السليمة، واللسان العربي، والدين القيم
ولسان السلف، غير الظاهر في عرف كثير من المتأخرين
" ، فالواجب في
نصوص الوحي إجراؤها على ظاهرها المتبادر من كلام المتكلم، واعتقاد أن
هذا المعنى هو مراد المتكلم، ونفيه يكون تكذيباً للمتكلم، أو اتهاما له بالعي
وعدم القدرة على البيان عما في نفسه، أو اتهاما له بالغبن والتدليس وعدم
النصح للمكلف، وكل ذلك ممتنع في حق الله تعالى وحق رسوله الأمين
صلى الله عليه وسلم.ومراد المتكلم يعلم إما باستعماله اللفظ الذي يدل
بوضعه على المعنى المراد مع تخلية السياق عن أية قرينة تصرفه عن دلالته
الظاهرة، أو بأن يصرح بإرادة المعنى المطلوب بيانه، أو أن يحتف بكلامه من
القرائن التي تدل على مراده، وعلى هذا فصرف الكلام عن ظاهره المتبادر -
من غير دليل يوجبه أو يبين مراد المتكلم - تحكم غير مقبول سببه الجهل
أو الهوى، وهذا وإن سماه المتأخرون تأويلاً إلا أنه أقرب إلى التحريف منه إلى
التأويل ، ولا يسلم لهذا المتأول تأويله حتى يجيب على أمور أربعة:
أحدهما: أن يبين احتمال اللفظ لذلك المعنى الذي أورده من جهة اللغة.
الثاني: أن يبين وجه تعيينه لهذا المعنى أنه المراد.الثالث: أن يقيم الدليل
الصارف للفظ عن حقيقته وظاهره؛ لأن الأصل عدمه، قال ابن الوزير رحمه الله:
من النقص في الدين رد النصوص والظواهر، ورد حقائقها إلى المجاز من غير
طريق قاطعة تدل على ثبوت الموجب للتأويل..
الرابع: أن يبين سلامة الدليل
الصارف عن المعارض، إذ دليل إرادة الحقيقة والظاهر قائم، وهو إما قطعي
وإما ظاهر، فإن كان قطعيا لم يلتفت إلى نقيضه، وإن كان ظاهراً فلابد من
الترجيح .ومما يدل على إعمال الظواهر أنه لا يتم بلاغ ولا يكمل إنذار، ولا
تقوم الحجة ولا تنقطع المعذرة بكلام لا تفيد ألفاظه اليقين، ولا تدل على مراد
المتكلم بها؛ بل على خلاف ذلك، فينتفي عن القرآن – والعياذ بالله –
معنى الهداية، وشفاء الصدور، والرحمة، التي وصف الله تعالى بها كتابه الكريم
ومعاني الرأفة والرحمة والحرص على رفع العنت والمشقة عن الأمة، التي
وصف الله تعالى بها نبيه صلى الله عليه وسلم في كتابه العزيز، وهو الذي
ترك الأمة على مثل البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فلا التباس
في أمره ونهيه، ولا إلغاز في إرشاده وخبره، باطنه وظاهره سواء، كيف لا
وهو القائل: ((إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على
خير ما يعلمه لهم وينذرهم شر ما يعلمه لهم
...)) .
ودلالته صلى الله عليه وسلم للأمة في شأن اعتقادها أهم أعماله، وأولاها
بالإيضاح والإفهام بلسان عربي مبين، والجزم واقع بأن الصحابة رضوان الله
تعالى عليهم فهموها على وجهها الذي يفهمه العربي، بغير تكلف ولا تمحل
في صرف ظواهرها، ومن كان باللسان العربي أعرف ففهمه لنصوص الوحي
أرسخ، وقد قال عمر رضي الله عنه: (يا أيها الناس، عليكم بديوان شعركم
في الجاهلية، فإن فيه تفسير كتابكم، ومعاني كلامكم
) .
وقال ابن تيمية رحمه الله: لم يكن في الصحابة من تأويل شيئا من نصوصه –
أي نصوص الوحي – على خلاف ما دل عليه، لا فيما أخبر به الله عن أسمائه
وصفاته، ولا فيما أخبر به عما بعد الموت... .وفي إنكار التأويل الكلامي ومناهج
الفلاسفة ومن تأثر بهم من المتكلمين، يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله:
وقد توسع من تأخر عن القرون الثلاثة الفاضلة في غالب الأمور التي أنكرها
أئمة التابعين وأتباعهم، ولم يقتنعوا بذلك حتى مزجوا مسائل الديانة بكلام
اليونان، وجعلوا كلام الفلاسفة أصلاً يردون إليه ما خالفه من الآثار بالتأويل –
ولو كان مستكرهاً – ثم لم يكتفوا بذلك حتى زعموا أن الذي رتبوه هو أشرف
العلوم، وأولاها بالتحصيل، وأن من لم يستعمل ما اصطلحوا عليه فهو عامي
جاهل، فالسعيد من تمسك بما كان عليه السلف، واجتنب ما أحدثه الخلف .
ويقول ابن تيمية رحمه الله مبيناً خطورة التأويل: فأصل خراب الدين والدنيا
إنما هو من التأويل الذي لم يرده الله ورسوله بكلامه، ولا دل عليه أنه مراده
وهل اختلفت الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل وهل وقعت في الأمة فتنة كبيرة
أو صغيرة إلا بالتأويل، وهل أريقت دماء المسلمين في الفتن إلا بالتأويل، وليس
هذا مختصاً بدين الإسلام فقط؛ بل سائر أديان الرسل لم تزل على الاستقامة
والسداد حتى دخلها التأويل، فدخل عليها من الفساد ما لا يعلمه إلا رب العباد .
ففي لزوم الإيمان بالنصوص على ظاهرها ودفع التأويل المتعسف بغير دليل
موافقة لنصوص الكتاب والسنة لفظا ومعنى، مع بعد عن التكلف في الدين
والقول على الله بغير علم، والافتراء على رسوله الأمين، فضلاً عن ما في
ذلك من مصلحة سد باب الخروج على العقيدة ببدعة محدثة، وسد باب الخروج
على الشريعة، والاجتراء على الحرمات، والتهاون بالطاعات والوقوع في المنكرات
بصرف ألفاظ الوعد والوعيد عن حقيقتها وظاهرها، ودعوى أن كل ذلك غير مراد.
"وهذه القاعدة تفيد بطلان مذهب المفوضة في الصفات، الذين يفوضون معاني
النصوص إلى الله، مدعين أن هذا هو مذهب السلف، وقد علم براءة مذهب
السلف من هذا المذهب بتواتر الأخبار عنهم بإثبات معاني هذه النصوص
على الإجمال والتفصيل، وإنما فوضوا العلم بكيفيتها لا العلم بمعانيها
" .
قال ابن تيمية رحمه الله: إن الصحابة والتابعين لم يمتنع أحد منهم عن
تفسير آية من كتاب الله، ولا قال هذه من المتشابه الذي لا يعلم معناه، ولا
قال قط أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة المتبوعين: إن في القرآن آيات
لا يعلم معناها، ولا يفهمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أهل العلم
والإيمان جميعهم، وإنما قد ينفون علم بعض ذلك عن بعض الناس
وهذا لا ريب فيه .
بل كان قول أهل العلم: من الله البيان، وعلى رسوله البلاغ، وعلينا التسليم.

ومما يشهد للصحابة في فهمهم مراد الله ومراد نبيه صلى الله عليه وسلم
والأخذ بظواهر النصوص، وتفسيرها مما يظهر منها: قول ابن مسعود
رضي الله عنه: والله الذي لا إله غيره، ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا أنا أعلم
أين نزلت، ولا أنزلت آية من كتاب الله إلا أنا أعلم فيمن أنزلت، ولو أعلم أحداً
أعلم مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه .وقال مسروق رحمه الله:
كان عبد الله يقرأ علينا السورة ثم يحثنا فيها ويفسرها عامة النهار
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: نعم ترجمان القرآن ابن عباس .
وقال مجاهد رحمه الله: عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث عرضات
من فاتحته إلى خاتمته، أوقفه عند كل آية منه وأسأله عنها .
فلم يتوقف الصحابة عن تفسير النصوص والأخذ بظواهرها؛ ويستثنى من ذلك
النصوص الخاصة بصفات الله تعالى، فقد أخذوا بظواهرها فأثبتوها دون تفسير
أو تكييف لمعناها.قال الذهبي: قال سفيان وغيره: قراءتها – أي آيات الصفات –
تفسيرها، يعني أنها بينة واضحة في اللغة، لا يبتغى بها مضايق التأويل والتحريف .

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري - ص271





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:25 AM
المشاركة 20

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الفصل السابع: درء التعارض بين صحيح النقل وصريح العقل

القرآن والسنة لا تعارض بينهما ولا تعارض في ذاتهما، إنما يقع التعارض حسب
فهم المخاطب .

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين – 2/93

وهذه مسألة ينبغي أن يفطن لها الإنسان فيما يأتي من النصوص الشرعية مما
ظاهره التعارض، فيحمل كل واحد منها علي الحال المناسبة ليحصل التآلف بين
النصوص الشرعية.

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين – 2/252

إذا صحت الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنا نضرب بما عارضها
عرض الحائط، لكن إذا قدر أننا رأينا الشيء بأعيننا، وأدركنا بأبصارنا وحواسنا
ففي هذه الحال يجب أن نسلك أحد أمرين:
الأول: محاولة الجمع بين النص والواقع إن أمكن الجمع بينهما بأي طريق من طرق
الجمع.
الثاني: إن لم يمكن الجمع تبين ضعف الحديث، لأنه لا يمكن للأحاديث الصحيحة
أن تخالف شيئاً حسياً واقعاً أبداً، كما قال شيخ الإسلام في كتابه " العقل والنقل ":
" لا يمكن للدليلين القطعيين أن يتعارضا أبداً، لأن تعارضها يقتضي إما رفع
النقيضين أو جمع النقيضين، وهذا مستحيل، فإن ظن التعارض بينهما، فإما أن لا
يكون الخطأ من الفهم، وإما إن يكون أحدهما ظنياً والآخر قطعياً
".
فإذا جاء الأمر الواقع الذي لا إشكال فيه مخالفاً لظاهر شيء من الكتاب أو السنة
فإن ظاهر الكتاب يؤول حتى يكون مطابقاً للواقع .

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 3/360

وكل شيء في كتاب الله تعالى تظن فيه التعارض فيما يبدو لك فأعد النظر فيه
مرة بعد أخرى حتى يتبين لك. قال الله تعالى:
{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}
[النساء: 82]

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين
– ص62

ليس في المعقول الصريح ما يمكن أن يكون مقدما على ما جاءت به الرسل
وذلك لأن الآيات والبراهين دالة على صدق الرسل وأنهم لا يقولون على الله
إلا الحق وأنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله من الخبر والطلب لا يجوز أن
يستقر في خبرهم عن الله شيء من الخطأ كما اتفق على ذلك جميع المقرين
بالرسل من المسلمين واليهود والنصارى وغيرهم، فوجب أن جميع ما يخبر به
الرسول عن الله صدق وحق لا يجوز أن يكون في ذلك شيء مناقض لدليل عقلي
ولا سمعي فمتي علم المؤمن بالرسول أنه أخبر بشيء من ذلك جزم جزما قاطعا
أنه حق وأنه لا يجوز أن يكون في الباطن بخلاف ما أخبر به وأنه يمتنع أن يعارضه
دليل قطعي ولا عقلي ولا سمعي وأن كل ما ظن أنه عارضه من ذلك فإنما هو
حجج داحضة وشبه من جنس شبه السوفسطائية، وإذا كان العقل العالم بصدق
الرسول قد شهد له بذلك وأنه يمتنع أن يعارض خبره دليل صحيح كان هذا العقل
شاهدا بأن كل ما خالف خبر الرسول فهو باطل فيكون هذا العقل والسمع جميعا
شهدا ببطلان العقل المخالف للسمع .

درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - 1/111

والعقل الصريح عندهم - أي: عند أهل السنة - يوافق النقل الصحيح، وعند الإشكال
يقدمون النقل ولا إشكال؛ لأن النقل لا يأتي بما يستحيل على العقل أن يتقبله
وإنما يأتي بما تحار فيه العقول، والعقل يصدق النقل في كل ما أخبر به ولا العكس.
ولا يقللون من شأن العقل؛ فهو مناط التكليف عندهم، ولكن يقولون:
إن العقل لا يتقدم على الشرع - وإلا لاستغنى الخلق عن الرسل - ولكن يعمل
داخل دائرته، ولهذا سموا أهل السنة لاستمساكهم واتباعهم وتسليمهم المطلق
لهدي النبي صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى:
{فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ
هُدًى مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
} [القصص: 50]

الوجيز في عقيدة السلف الصالح لعبد الحميد الأثري - ص157

مما ينبغي اعتقاده أن نصوص الكتاب والسنة الصحيحة والصريحة في دلالتها
لا يعارضها شيء من المعقولات الصريحة، ذلك أن العقل شاهد بصحة الشريعة
إجمالا وتفصيلا، فأما الإجمال، فمن جهة شهادة العقل بصحة النبوة وصدق
الرسول صلى الله عليه وسلم، فيلزم من ذلك تصديقه في كل ما يخبر به من
الكتاب والحكمة.
وأما التفصيل، فمسائل الشريعة ليس فيها ما يرده العقل؛ بل كل ما أدركه العقل
من مسائلها فهو يشهد له بالصحة تصديقا وتعضيدا، وما قصر العقل عن إدراكه
من مسائلها، فهذا لعظم الشريعة، وتفوقها، ومع ذلك فليس في العقل ما يمنع
وقوع تلك المسائل التي عجز العقل عن إدراكها، فالشريعة قد تأتي بما يحير
العقول لا بما تحيله العقول.
فإن وجد ما يوهم التعارض بين العقل والنقل، فإما أن يكون النقل غير صحيح أو
يكون صحيحاً ليس فيه دلالة صحيحة على المدعى، وإما أن يكون العقل فاسداً
بفساد مقدماته.
فمن احتج - مثلا- في إنكار الصفات الإلهية بأن لازم ذلك إثبات آلهة مع الله، فقد
احتج بعقل غير صحيح؛ بل لا يجوز تسمية ذلك عقلاً أصلاً؛ إذ لا يجوز في العقل
وجود موجود مجرد عن الصفات؛ بل هو من أعظم الممتنعات العقلية؛
لأنه يستلزم رفع النقيضين، حيث يقال: هو موجود ولا موجود، ولا يقال هذا في
حق المخلوق، فلا يستلزم إثبات المخلوق متصفا بصفات السمع والبصر والكلام
والحياة أن يتعدد المخلوق، بحيث تكون كل صفة منها إنسانا قائما بنفسه
وهذا معلوم البطلان في حق المخلوق، وبطلانه في حق الخالق أظهر وأولى
فبهذا عقل فاسد لا يقاوم النقل الصحيح الصريح من آيات الصفات وأحاديثها.
وقد يكون النقل مكذوبا والعقل صحيحاً، كما في حديث يروى عن أبي هريرة
رضي الله عنه أنه قال: قيل يا رسول الله: مم ربنا؟ قال:
((من ماء مرور، لا من أرض، ولا من سماء، خلق خيلاً فأجراها فعرقت، فخلق
نفسه من ذلك العرق
.. )) .
ففي هذا الكتاب وأمثاله لا يقال إنه يعارض دليل العقل، فلا يصلح أن يكون دليلا
فضلا عن أن ينسب إلى الشرع ليعارض به العقل، علاوة على أن الأدلة الشرعية
تنقضه وتبطله.وقد يكون النقل صحيحاً، إلا أنه لا يدل على المعنى المدعى
فيتوهم التعارض بين المنقول والمعقول، كما في حديث أبي هريرة أن النبي ..
صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت
فلم تعدني.. الحديث
)) .
فمن فهم من الحديث أن الله تعالى يمرض أو يجوع ويعطش لم يفهم معنى
الحديث لأن الحديث فسره المتكلم به، وبين المراد منه، وهو أن العبد هو الذي
جاع وعطش ومرض، وأن الله تعالى منزه عن ذلك.
"والمقصود هو بيان أنه إذا ظهر تعارض بين الدليلين النقلي والعقلي، فلابد من
أحد ثلاثة احتمالات:

الأول: أن يكون أحد الدليلين قطعياً والآخر ظنياً، فيجب تقديم القطعي نقلياً كان
أم عقلياً، وإن كان ظنيين فالواجب تقديم الراجح، عقلياً كان أم نقلياً.
الثاني: أن يكون أحد الدليلين فاسدا، فالواجب تقديم الدليل الصحيح على الفاسد
سواء أكان نقلياً أم عقلياً.
الثالث: أن يكون أحد الدليلين صريحاً والآخر ليس بذاك، فهنا يجب تقديم الدلالة
الصريحة على الدلالة الخفية، لكن قد يخفى من وجوه الدلالات عند بعض الناس
ما قد يكون بينا وواضحاً عند البعض الآخر، فلا تعارض في نفس الأمر عندئذٍ.
أما أن يكون الدليلان قطعيين - سندا ومتنا- ثم يتعارضان، فهذا لا يكون أبداً، لا بين
نقليين، ولا بين عقليين، ولا بين نقلي وعقلي" .وخلاصة اعتقاد أهل السنة في
هذا الباب "أن الأدلة العقلية الصريحة توافق ما جاءت به الرسل، وأن صريح
المعقول لا يناقض صحيح المنقول، وإنما يقع التناقض بين ما يدخل في السمع
وليس منه، وما يدخل في العقل وليس منه
" .
وقد أعمل الصحابة رضي الله عنهم هذا الأصل، وتلقاه عنهم التابعون، وتواترت
عبارات أهل العلم بهذا المعنى.قال ابن تيمية رحمه الله: فكان من الأصول
المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن
يعارض القرآن برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده، فإنهم ثبت عنهم
بالبراهين القطعيات، والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن
القرآن يهدي للتي هي أقوم .وقال الإمام الشافعي رحمه الله: كل شيء خالف
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم سقط، ولا يقوم معه رأي ولا قياس، فإن الله
تعالى قطع العذر بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فليس لأحد معه أمر
ولا نهي غير ما أمر هو به .وقال الإمام مالك رحمه الله: أو كلما جاء رجل أجدل
من الآخر، رد ما أنزل جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن ثمرات الالتزام بهذه القاعدة، إثبات عصمة الشرع الحكيم إذ ليس فيه ما
يخالف العقل الصحيح، وسد باب التأويل والتفويض، واستقامة الحياة على الوجه
الأتم الأكمل عند نفي التعارض بين وحي الله تعالى وخلقه، فتنعم البشرية
بهدي الله وشرعه وتنتفع بما أنعم على خلقه.

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري – ص276





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:26 AM
المشاركة 21

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الفصل الثامن: السكوت عما سكت عنه الله ورسوله وأمسك عنه السلف

كل مسألة من المسائل الشرعية - ولاسيما مسائل الاعتقاد- لا يحكم فيها
نفياً أو إثباتاً إلا بدليل، فما ورد الدليل بإثباته أثبت، وما ورد بنفيه نفي، وما
لم يرد بإثباته ولا بنفيه دليل توقفنا، ولم نحكم فيه بشيء؛ لا إثباتاً ولا نفياً
ولا يعني هذا أن المسألة خلية عن الدليل، بل قد يكون عليها دليل، لكن لا
نعلمه، فالواجب التوقف: إما مطلقا أو لحين وجدان الدليل.قال شيخ الإسلام
رحمه الله: ما لم يرد به الخبر إن علم انتفاؤه نفيناه وإلا سكتنا عنه فلا نثبت
إلا بعلم ولا ننفي إلا بعلم... فالأقسام ثلاثة: ما علم ثبوته أثبت، وما علم
انتفاؤه نفي، وما لم يعلم نفيه ولا إثباته سكت عنه، هذا هو الواجب
والسكوت عن الشيء غير الجزم بنفيه أو ثبوته .
وقد وردت كثير من نصوص الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين وأئمة السلف
وأهل السنة بالأمر بالكف عما لم يرد في الشرع، والسكوت عما سكت عنه
الله ورسوله وأمسك عنه السلف، وترك الخوض فيما لا علم للإنسان به من
دليل أو أثر.قال تعالى:
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}
[الإسراء: 36]
قال قتادة: لا تقل رأيت ولم تر، وسمعت ولم تسمع، وعلمت ولم تعلم، فإن الله
سائلك عن ذلك كله .وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله...
صلى الله عليه وسلم قال:
((ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على
أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه
)) .
وقال صلى الله عليه وسلم:
((إن الله عز وجل فرض فرائض فلا تضيعوها، وحرم حرمات فلا تنتهكوها، وحد حدودا
فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها
)) .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل:
الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم؛ فإن الله قال لنبيه
...
صلى الله عليه وسلم: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}
[ص: 86]) .وترجم الإمام البخاري رحمه الله في كتاب الاعتصام من "صحيحه":
باب: ما يكره من كثرة السؤال، ومن تكلف ما لا يعنيه، وقوله تعالى:
{لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101]، وباب: ما يذكر من
ذم الرأي وتكلف القياس {وَلاَ تَقْفُ} لا تقل {مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36] .
وسأل رجل أبا حنيفة رحمه الله: ما تقول فيما أحدثه الناس في الكلام في
الأعراض والأجسام؟ فقال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريق السلف، وإياك
وكل محدثةٍ فإنها بدعة .وروى اللالكائي بسنده عن أبي إسحاق قال:
سألت الأوزاعي فقال: "اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل
بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛
فإنه يسعك ما وسعهم
" .وقال إبراهيم النخعي: بلغني عنهم – يعني الصحابة –
أنهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرا ما جاوزته به، وكفى على قوم وزرا أن تخالف
أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم صلى الله عليه وسلم .وقال الشعبي: عليك
بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوها لك بالقول
".
وقال أيضا: "ما حدثوك به عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخذه وما
حدثوك به عن رأيهم فانبذه في الحش
.وقال ابن عبد الهادي رحمه الله:
ولا يجوز إحداث تأويل في آية أو سنة، لم يكن على عهد السلف، ولا عرفوه
ولا بينوه للأمة، فإن هذا يتضمن أنهم جهلوا الحق في هذا، وضلوا عنه
واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر .وقال ابن رجب رحمه الله:
فالعلم النافع من هذه العلوم كلها: ضبط نصوص الكتاب والسنة، وفهم معانيها
والتقيد في ذلك بالمأثور عن الصحابة وتابعيهم في معاني القرآن والحديث
وفيما ورد عنهم من الكلام في مسائل الحلال والحرام، والزهد والرقاق
والمعارف، وغير ذلك، والاجتهاد على تمييز صحيحه من سقيمه أولا، ثم
الاجتهاد على الوقوف على معانيه وتفهمه ثانيا، وفي ذلك كفاية لمن عقل
وشغل لمن بالعلم النافع عني واشتغل .

علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري - ص286





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:29 AM
المشاركة 22

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
تمهيد

نُمِرُّهَا صَرِيحَةً كَمَا أَتَتْ
مَعَ اعْتِقَادِنَا لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ

مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلِ
وغَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلِ

بَلْ قَوْلُنَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى
طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِمْ قَدِ اهْتَدَى


أي جميع آيات الأسماء والصفات وأحاديثها (نمرها صريحة) أي على ظواهرها
(كما أتت) عن الله تعالى وعن رسوله صلى الله عليه وسلم بنقل العدل عن
العدل متصلا إلينا كالشمس في وقت الظهيرة صحواً ليس دونها سحاب
(مع اعتقادنا) إيماناً وتسليماً (لما له اقتضت) من أسماء ربنا تبارك وتعالى
وصفات كماله ونعوت جلاله كما يليق بعظمته وعلى الوجه الذي ذكره وأراده
{وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} [النساء: 164] أن التكليم من موسى وأن لفظ
الجلالة منصوب على المفعولية فرارا من إثبات الكلام كما فعله بعض الجهمية
والمعتزلة وقد عرض ذلك على أبي بكر بن عياش فقال أبو بكر: ما قرأ هذا إلا
كافر قرأت على الأعمش وقرأ الأعمش على يحيى بن وثاب وقرأ يحيى بن
وثاب على أبي عبد الرحمن السلمي وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي على
علي بن أبي طالب وقرأ علي بن أبي طالب على رسول الله...
صلى الله عليه وسلم: {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} يعني برفع لفظ الجلالة
على الفاعلية وهو مجمع عليه بين القراء روى ذلك ابن مردويه عن عبد الجبار
بن عبد الله عن ابن عياش رحمه الله تعالى وروى ابن كثير أن بعض المعتزلة قرأ
على بعض المشايخ {وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} فقال له يا ابن اللخناء كيف
تصنع بقوله تعالى {وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 134] يعني
أن هذا لا يقبل التحريف ولا التأويل , وكما قال جهم بن صفوان لعنه الله ..
في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} حيث قال: لو وجدت سبيلا إلى
حكها لحككتها ولأبدلتها استولى. وله في ذلك سلف اليهود في تحريف الكلم
عن مواضعه حيث قال الله تعالى لهم {وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ}
[البقرة: 58] فدخلوا يزحفون على أستاههم وقالوا: حنطة. فخالفوا ما أمرهم الله
به من الدخول سجدا وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم فكان جزاؤهم ما كره الله تعالى
حيث يقول:
{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً مِّنَ
السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ
} [البقرة: 59] وجعلهم الله عبرة لمن بعدهم فمن فعل
كما فعلوا فسبيله سبيلهم كما مضت سنة الله بذلك :
{أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِّنْ أُوْلَئِكُمْ أَمْ لَكُم بَرَاءةٌ فِي الزُّبُرِ} [القمر:43].
... (بل قولنا) الذي نقوله ونعتقده وندين الله به هو (قول أئمة الهدى) من الصحابة
والتابعين فمن بعدهم من الأئمة كأبي حنيفة ومالك والأوزاعي والثوري وابن
عيينة والليث بن سعد وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والشافعي وأحمد وإسحاق
بن راهويه وأصحاب الأمهات الست وغيرهم من أئمة المسلمين قديما وحديثا
الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون وهو إمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا
تشبيه ولا تعطيل والظاهر المتبادر إلى أذهان المشبهين منفي عن الله عز وجل
فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه وليس كمثله شيء وهو السميع البصير بل
الأمر كما قال الأئمة تفسيرها قراءتها وقال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري
رحمهما الله تعالى من شبه الله بخلقه فقد كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه
فقد كفر وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيه فمن أثبت لله تعالى
ما أثبته لنفسه مما وردت به الآيات الصريحة ووصفه به رسوله ...
صلى الله عليه وسلم مما ورد في الأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق
بجلال الله وعظمته ونفى عن الله النقائص فقد سلك سبيل الهدى وقال الإمام
الشافعي رحمه الله تعالى: آمنا بالله وبما جاء عن الله على مراد الله وآمنا
برسول الله وبما جاء به رسول الله على مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقال أيضا رحمه الله تعالى: لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه وأخبر بها نبيه ...
صلى الله عليه وسلم أمته لا يسع أحد من الخلق قامت عليه الحجة ردها لأن
القرآن نزل بها وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم القول بها فيما روى عنه
عدول فإن خالف ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر أما قبل ثبوت الحجة عليه
فمعذور بالجهل لأن علم ذلك لا يدرك بالعقل ولا بالرؤية والفكر ولا يكفر بالجهل
بها أحد إلا بعد انتهاء الخبر إليه بها وتثبت هذه الصفات وينفي عنها التشبيه كما
نفى التشبيه عن نفسه تعالى فقال سبحانه :
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] وقال الإمام أحمد
رحمه الله تعالى: ليس كمثله شيء في ذاته كما وصف نفسه قد أجمل الله الصفة
فحد لنفسه صفة ليس يشبهه شيء وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما
وصف به نفسه قال فهو السميع البصير بلا حد ولا تقدير ولا يبلغ الواصفون صفته
ولا نتعدى القرآن والحديث فنقول كما قال ونصف بما وصف به نفسه ولا نتعدى ذلك
ولا يبلغ صفته الواصفون نؤمن بالقرآن كله محكمه ومتشابهه ولا نزيل عنه صفة
من صفاته بشناعة شنعت وما وصف به نفسه من كلام ونزول وخلوة بعبده يوم
القيامة ووضعه كنفه عليه فهذا كله يدل على أن الله سبحانه وتعالى يرى في
الآخرة والتحديد في هذا كله بدعة والتسليم فيه بغير صفة ولا حد إلا ما وصف به
نفسه سميع بصير لم يزل متكلما عالما غفورا عالم الغيب والشهادة علام الغيوب
فهذه صفات وصف بها نفسه لا تدفع ولا ترد وهو على العرش بلا حد كما قال:
الله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] كيف شاء المشيئة إليه
والاستطاعة إليه ليس كمثله شيء وهو خالق كل شيء وهو سميع بصير بلا
حد ولا تقدير لا نتعدى القرآن والحديث تعالى الله عما يقول الجهمية والمشبهة
قلت له والمشبه ما يقول قال من قال بصر كبصري ويد كيدي وقدم كقدمي فقد
شبه الله تعالى بخلقه انتهى. وكلام أئمة السنة في هذا الباب يطول وقد تقدم
كثير منه في الاستواء والكلام والنزول والرؤية وغير ذلك.
(طوبى لمن بهديهم قد اهتدى) إذ هم خير القرون وأعلم الأمة بشريعة الإسلام
وأولاهم باتباع الكتاب والسنة واقتفاء آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهم
حفظ الله الدين على من بعدهم فرحمهم الله ورضي عنهم وأرضاهم وألحقنا
بهم سالمين غير مفتونين أنه سميع الدعاء .

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي –
ص459





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:30 AM
المشاركة 23

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الفصل الأول: موقف أهل السنة من التحريف والتأويل

نُمِرُّهَا صَرِيحَةً كَمَا أَتَتْ
مَعَ اعْتِقَادِنَا لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ

مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلِ
وغَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلِ

بَلْ قَوْلُنَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى
طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِمْ قَدِ اهْتَدَى


(من غير تحريف) لمعانيها كما فعله الزنادقة أيضا كتأويلهم {نفسه} تعالى
بالغير وأن إضافتها إليه كإضافة بيت الله وناقة الله فعلى هذا التأويل يكون
قوله تعالى: {وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ} [آل عمران: 28] أي غيره وقوله:
{كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: 54] أي على غيره ويكون قوله
عن عيسى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: 116]
أي ولا أعلم ما في غيرك ويكون قوله لموسى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}
[طه: 41] أراد واصطنعتك لغيري وهذا لا يقوله عاقل بل ولا يتوهمه ولا يقوله
إلا كافر وكتأويلهم (وجهه) تعالى بالنفس مع جحودهم لها كما تقدم فانظر
لتناقضهم البين وهذا يكفي حكايته عن رده أما من أثبت النفس وأول الوجه
بذلك فيقال له إن الله تعالى قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}
[الرحمن: 27] فذكر الوجه مرفوعا على الفاعلية ولفظ الرب مجرورا بالإضافة
وذكر ذو مرفوعا بالتبعية نعتا لوجه فلو كان الوجه هو الذات لكانت القراءة
(ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام ) بالياء لا بالواو كما قال تعالى:
{تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن: 78] فخفضه لما كانت صفة
للرب فلما كانت القراءة في الآية الأولى بالرفع إجماعا تبين أن الوجه صفة
للذات ليس هو الذات ولما رأى آخرون منهم فساد تأويلهم بالذات أو الغير
لجأوا إلى طاغوت المجاز فعدلوا إلى أن تأويله به أولى وأنه كما يقال:
(وجه الكلام) و (وجه الدار) و (وجه الثوب) ونحو ذلك فتكلفوا الكذب على الله
تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم كل التكلف ثم نكسوا على
رءوسهم فوقعوا فيما فروا منه فيقال لهم: أليس الثوب والدار والكلام مخلوقات
كلها وقد شبهتم وجه الله تعالى بذلك فأين الفكاك والخلاص ولات حين مناص
{وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ} [فصلت: 23]
وكما أولوا اليد بالنعمة واستشهدوا بقول العرب: (لك يد عندي) أي نعمة فعلى
هذا التأويل يكون قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة: 64] يعني نعمتاه
فلم يثبتوا لله إلا نعمتين والله تعالى يقول:
{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ
ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً
} [لقمان: 20] ويكون قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75]
أراد الله بنعمته ويكون قوله تعالى:
{وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: 67]
أراد مطويات بنعمته فهل يقول هذا عاقل وقال آخرون منهم (بقوته) استشهادا
بقوله تعالى: {وَالسَّمَآءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات: 147] أي بقوةٍ فيقال لهم:
أليس كل مخلوق خلقه الله بقوة فعلى هذا ما معنى قوله عز وجل
{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وأي فضل لآدم على إبليس إذ كل منهما
خلقه الله بقوته وما معنى قوله تعالى للملائكة:
((لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي كمن قلت له كن فكان)) أفلم يخلق
الملائكة بقوته وأي فضل لآدم عليهم إن لم يكن خلقه بيده التي هي صفته
نبئوني بعلم إن كنتم صادقين وكما تأولوا الاستواء بالاستيلاء ببيت مجهول مروي
على خلاف وجهه وهو ما ينسب إلى الأخطل النصراني:

قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ودم مهراق

فعدلوا عن أكثر من ألف دليل من التنزيل إلى بيت ينسب إلى بعض العلوج ليس
على دين الإسلام ولا على لغة العرب فطفق أهل الأهواء يفسرون به كلام الله
عز وجل ويحملونه عليه مع إنكار عامة أهل اللغة لذلك وأن الاستواء لا يكون
بمعنى الاستيلاء بوجه من الوجوه البتة وقد سئل الأعرابي وهو إمام أهل اللغة
في زمانه فقال: العرب لا تقول للرجل استولى على الشيء حتى يكون له فيه
مضاد فأيهما غلب قيل: استولى، والله سبحانه وتعالى لا مغالب له. اهـ.
وقد فسر السلف الاستواء بعدة معان بحسب أداته المقترنة به وبحسب
تجريده عن الأداة ولم يذكر أحد منهم أنه يأتي بمعنى الاستيلاء حتى انتحل
ذلك أهل الأهواء والبدع لا باشتقاق صغير ولا كبير بل باستنباط مختلق وافق
الهوى المتبع وقد بسط القول في رد ذلك ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى
في كتابه (الصواعق) وبيَّن بطلانه من نيف وأربعين وجهاً فليراجع, وكما أولوا
أحاديث النزول إلى السماء الدنيا بأنه ينزل أمره فيقال لهم: أليس أمر الله تعالى
نازلا في كل وقت وحين؟ فماذا يخص السحر بذلك؟ وقال آخرون ينزل ملك بأمره
فنسب النزول إليه تعالى مجازا فيقال لهم فهل يجوز على الله تعالى أن يرسل
من يدعي ربوبيته وهل يمكن للملك أن يقول:
((لا أسأل عن عبادي غيري من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي
يستغفرني فأغفر له
)). وهل قصرت عبارة النبي صلى الله عليه وسلم
عن أن يقول ينزل ملك بأمر الله فيقول إن الله تعالى يقول لكم كذا أو أمرني أن
أقول لكم كذا حتى جاء بلفظ مجمل يوهم بزعمكم ربوبية الملك لقد ظننتم
بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم ظن السوء وكنتم قوما بورا وكما
أولوا المجيء لفصل القضاء بالمجاز فقالوا: يجيء أمره واستدلوا بقوله تعالى
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ} [النحل: 33] فقالوا في
قوله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ} [البقرة:210] فقالوا: هو من مجاز
الحذف والتقدير يأتي أمر الله فيقال لهم أليس قد اتضح ذلك غاية الاتضاح أن
مجيء ربنا عز وجل غير مجيء ملائكته حقيقة وقد فصل تعالى أوانه وقسمه
ونوعه تنويعا يمتنع معه الحمل على المجاز فذكر تعالى في آية البقرة مجيئه
ومجيء الملائكة وكذا في آية الأنعام إتيانه وإتيان الملائكة وإتيان بعض آياته
التي هن من أمره ثم يقال ما الذي يخص إتيان أمره بيوم القيامة أليس أمره
آتيا في كل وقت متنزلا بين السماء والأرض بتدبير أمور خلقه في كل نفس
ولحظة {يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]
وتأولوا النظر إلى الله عز وجل في الدار الآخرة بالانتظار قالوا إنه كقوله:
{انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ} [الحديد: 13] فيقال لهم أليس إذا كان بمعنى
الانتظار تعدى بنفسه لا يحتاج إلى أداة كما في قوله {انْظُرُونَا}
ألم يضف الله تعالى النظر إلى الوجوه التي فيها الإبصار ويعده بإلى التي تفيد
المعاينة بالبصر عند جميع أهل اللغة {قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ} [البقرة: 140]
أو لم يفسره النبي صلى الله عليه وسلم بالرؤية الجلية عيانا بالأبصار في أكثر
من خمسين حديثا صحيحا حتى شبه تلك الرؤية برؤيتنا الشمس صحوا ليس
دونها سحاب تشبيها للرؤية بالرؤية لا للمرئي بالمرئي ولم يزل الصحابة مؤمنين
بذلك ويحدثون به من بعدهم من التابعين وينقله التابعون إلى من بعدهم وهلم
جرا فنحن أخذنا ديننا عن حملة الشريعة عن الصحابة عن النبي ...
صلى الله عليه وسلم فأنتم عمن أخذتم ومن شبهاتهم في نفي الرؤية
استدلالهم بقوله عز وجل: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام: 113] وهذه الآية فيها
عن الصحابة تفسيران: أولهما: لا يرى في الدنيا وهو مروي عن عائشة
رضي الله عنها وبذلك نفت أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه
ليلة المعراج.
ثانيهما: تفسير ابن عباس رضي الله عنهما {لاَّ تُدْرِكُهُ}
أي لا تحيط به فالنفي للإحاطة لا للرؤية وهذا عام في الدنيا والآخرة ولم ينقل
عن أحد الصحابة من طريق صحيح ولا ضعيف أنه أراد بذلك نفي الرؤية في
الآخرة فهذا تفسير الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويل الكتاب هل بينهم
من أحد فسر الآية بما افتريتموه ومن إفكهم ادعاؤهم معنى التأبيد في نفي
{لَن تَرَانِي} [الأعراف: 143] حتى كذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم
حديثا مختلقا لفظه: ((لن تراني في الدنيا ولا في الآخرة)) وهو موضوع مكذوب
على النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أئمة الحديث والسنة. ولم يقل أحد من
أئمة اللغة العربية إن نفي لن للتأبيد مطلقا إلا الزمخشري من المتأخرين قال
ذلك ترويجا لمذهبه في الاعتزال وجحود صفات الخالق جل وعلا وقد رده عليه
أئمة التفسير كابن كثير وغيره.
وردّه ابن مالك في الكافية حيث قال:
ومن يرى النفي بلن مؤبدا
فقوله اردد وسواه فاعضدا

والقائل لموسى {لَن تَرَانِي} هو المتجلي للجبل حتى اندك وهو الذي وعد
المؤمنين {الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} وهو الذي قال {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}
فاتضح بذلك قوله لموسى عليه الصلاة والسلام {لَن تَرَانِي} إنما أراد عدم
استطاعته رؤية الله تعالى في هذه الدار لضعف القوى البشرية فيها عن ذلك
كما قرر تعالى ذلك بقوله جل جلاله {وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ
فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ موسَى صَعِقًا
} [الأعراف: 143]
الآية فإذا لم يثبت الجبل لتجلي الله تعالى فكيف يثبت موسى لذلك وهو بشر
خلق من ضعف وأما في الآخرة فيخلق الله تعالى في أوليائه قوة مستعدة للنظر
إلى وجهه عز وجل وبهذا تجتمع نصوص الكتاب والسنة وتأتلف كما هو مذهب
أهل السنة والجماعة وأما من اتبع هواه بغير هدى من الله ونصب الخصام أو
الجدال والمعارضة بين نصوص الكتاب والسنة واتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة
وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله وضرب كتاب الله بعضه ببعض وآمن ببعض
وكفر ببعض وشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل
المؤمنين وأضله الله على علم وختم على سمعه وبصره وقلبه وجعل على
بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أعاذنا الله وجميع المؤمنين من ذلك ولا
يتأتى لأحد من أهل التأويل مراده ولا يستقيم له تأويله إلا بدفع النصوص بعضها
ببعض لا محالة ولا بد فإن كتاب الله تعالى يصدق بعضه بعضا لا يكذبه كما هو
مصدق لما بين يديه من الكتاب ومهيمن عليه وكذلك سنة النبي...
صلى الله عليه وسلم تبين الكتاب وتوضحه وتفسره وتدل عليه وترشد إليه
ولا يشك في ذلك ولا يرتاب فيه إلا من اتخذ إلهه هواه وأدلى بشبهاته لغرض
شهواته {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِن وَرَائِهِم مُّحِيطٌ} [البروج: 19-20]
وهذا دأبهم في جميع نصوص الأسماء والصفات وإنما ذكرنا هذه الجملة مثالا
وتنبيها على ما وراء ذلك فمن عوفي فليحمد الله فالحمد لله الذي هدانا لهذا
وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي
– ص460

أهل السنة والجماعة إيمانهم بما وصف الله به نفسه خال من التحريف، يعني:
تغيير اللفظ أو المعنى.

وتغيير المعنى يسميه القائلون به تأويلاً ويسمون أنفسهم بأهل التأويل، لأجل
أن يصبغوا هذا الكلام صبغة القبول، لأن التأويل لا تنفر منه النفوس ولا تكرهه
لكن ما ذهبوا إليه في الحقيقة تحريف، لأنه ليس عليه دليل صحيح، إلا أنهم
لا يستطيعون أن يقولوا: تحريفاً! ولو قالوا: هذا تحريف، لأعلنوا على أنفسهم
برفض كلامهم.
ولهذا عبر المؤلف - يعني ابن تيمية - رحمه الله بالتحريف دون التأويل مع أن
كثيراً ممن يتكلمون في هذا الباب يعبرون بنفي التأويل، يقولون: من غير تأويل
لكن ما عبر به المؤلف أولى لوجوه أربعة:
الوجه الأول: أنه اللفظ الذي جاء به القرآن، فإن الله تعالى قال:
{يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ} [النساء: 46]، والتعبير الذي عبر به القرآن أولى
من غيره، لأنه أدل على المعنى.
الوجه الثاني: أنه أدل على الحال، وأقرب إلى العدل، فالمؤول بغير دليل ليس
من العدل أن تسميه مؤولاً، بل العدل أن نصفه بما يستحق وهو أن يكون محرفاً.
الوجه الثالث: أن التأويل بغير دليل باطل، يجب البعد عنه والتنفير منه، واستعمال
التحريف فيه أبلغ تنفيراً من التأويل، لأن التحريف لا يقبله أحد، لكن التأويل لين
تقبله النفس، وتستفصل عن معناه، أما التحريف، بمجرد ما نقول: هذا تحريف.
ينفر الإنسان منه، إذا كان كذلك، فإن استعمال التحريف فيمن خالفوا طريق
السلف أليق من استعمال التأويل.
الوجه الرابع: أن التأويل ليس مذموماً كله
قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل))
وقال الله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: 7]،
فامتدحهم بأنهم يعلمون التأويل.
والتأويل ليس كله مذموما، لأن التأويل له معان متعددة، يكون بمعنى التفسير
ويكون بمعنى العاقبة والمال، ويكون بمعنى صرف اللفظ عن ظاهره.
(أ) يكون بمعنى التفسير، كثير من المفسرين عندما يفسرون الآية، يقولون:
تأويل قوله تعالى كذا وكذا. ثم يذكرون المعنى وسمي التفسير تأويلاً، لأننا أوّلنا
الكلام، أي: جعلناه يؤول إلى معناه المراد به.
(ب) تأويل بمعنى: عاقبة الشيء، وهذا إن ورد في طلب، فتأويله فعله إن كان
أمراً وتركه إن كان نهياً، وإن ورد في خبر، فتأويله وقوعه.

مثاله في الخبر قوله تعالى:
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءتْ
رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ
} [الأعراف: 53]، فالمعنى: ما ينتظر هؤلاء إلا عاقبة ومآل
ما أخبروا به، يوم يأتي ذلك المخبر به، يقول الذين نسوه من قبل: قد جاءت
رسل ربنا بالحق.
ومنه قول يوسف لما خرَّ له أبواه وإخوته سجداً قال: {هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ}
[يوسف: 100]: هذا وقوع رؤياي، لأنه قال ذلك بعد أن سجدوا له.ومثاله في
الطلب قول عائشة رضي الله عنها: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر
أن يقول في ركوعه وسجوده بعد أن أنزل عليه قوله تعالى
:
{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1]، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم
اغفر لي، يتأول القرآن
)) . أي: يعمل به.
(جـ) المعنى الثالث للتأويل: صرف اللفظ عن ظاهره وهذا النوع ينقسم إلى
محمود ومذموم، فإن دل عليه دليل، فهو محمود النوع ويكون من القسم الأول
وهو التفسير، وإن لم يدل عليه دليل، فهو مذموم، ويكون من باب التحريف
وليس من باب التأويل.
وهذا الثاني هو الذي درج عليه أهل التحريف في صفات الله عز وجل.
مثاله قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]: ظاهر اللفظ أن الله
تعالى استوى على العرش: استقر عليه، وعلا عليه، فإذا قال قائل:
معنى (اسْتَوَى): استولى على العرش، فنقول: هذا تأويل عندك لأنك صرفت
اللفظ عن ظاهره، لكن هذا تحريف في الحقيقة، لأنه ما دل عليه دليل، بل الدليل
على خلافه، كما سيأتي إن شاء الله.
فأما قوله تعالى: {أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ} [النحل: 1]، فمعنى:
{أَتَى أَمْرُ اللّهِ}، أي: سيأتي أمر الله، فهذا مخالف لظاهر اللفظ لكن عليه
دليل وهو قوله: {فَلا تَسْتَعْجِلُوه}.
وكذلك قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}
[النحل: 98]، أي: إذا أردت أن تقرأ، وليس المعنى: إذا أكملت القراءة، قل:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لأننا علمنا من السنة أن النبي عليه الصلاة
والسلام إذا أرد أن يقرأ، استعاذ بالله من الشيطان الرجيم، لا إذا أكمل القراءة
فالتأويل صحيح.وكذلك قول أنس بن مالك:
((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء، قال: أعوذ بالله من الخبث
والخبائث
)) ، فمعنى (إذا دخل): إذاً أراد أن يدخل، لأن ذكر الله لا يليق داخل
هذا المكان، فلهذا حملنا قوله: (إذا دخل) على إذا أراد أن يدخل: هذا التأويل
الذي دل عليه صحيح، ولا يعدو أن يكون تفسيراً.
ولذلك قلنا: إن التعبير بالتحريف عن التأويل الذي ليس عليه دليل صحيح أولى
لأنه الذي جاء به القرآن، ولأنه ألصق بطريق المحرف، ولأنه أشد تنفيراً عن هذه
الطريقة المخالفة لطريق السلف، ولأن التحريف كله مذموم، بخلاف التأويل
فإن منه ما يكون مذموماً ومحموداً، فيكون التعبير بالتحريف أولى من التعبير
بالتأويل من أربعة أوجه.

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/87

من المعلوم أن الأشاعرة من أهل التأويل فكيف يكون مذهبهم باطلاً وقد قيل:
إنهم يمثلون اليوم خمسة وتسعين بالمائة من المسلمين؟!
وكيف يكون باطلاً وقدوتهم في ذلك أبو الحسن الأشعري؟
وكيف يكون باطلاً وفيهم فلان وفلان من العلماء المعروفين بالنصيحة لله ولكتابه
ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم؟
قلنا - أي: ابن عثيمين رحمه الله-: الجواب عن السؤال الأول: أننا لا نسلم أن
تكون نسبة الأشاعرة بهذا القدر بالنسبة لسائر فرق المسلمين، فإن هذه
دعوى تحتاج إلى إثبات عن طريق الإحصاء الدقيق.
ثم لو سلمنا أنهم بهذا القدر أو أكثر فإنه لا يقتضي عصمتهم من الخطأ؛
لأن العصمة في إجماع المسلمين لا في الأكثر.
ثم نقول: إن إجماع المسلمين قديماً ثابت على خلاف ما كان عليه أهل التأويل
فإن السلف الصالح من صدر هذه الأمة (وهم الصحابة) الذين هم خير القرون
والتابعون لهم بإحسان وأئمة الهدى من بعدهم كانوا مجمعين على إثبات ما
أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء والصفات، وإجراء النصوص على
ظاهرها اللائق بالله تعالى من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.
وهم خير القرون بنص الرسول صلى الله عليه وسلم، وإجماعهم حجة ملزمة؛
لأنه مقتضى الكتاب والسنة، وقد سبق نقل الإجماع عنهم في القاعدة الرابعة
من قواعد نصوص الصفات.
والجواب عن السؤال الثاني: أن أبا الحسن الأشعري وغيره من أئمة المسلمين
لا يدعون لأنفسهم العصمة من الخطأ، بل لم ينالوا الإمامة في الدين إلا حين
عرفوا قدر أنفسهم ونزلوها منزلتها وكان في قلوبهم من تعظيم الكتاب والسنة
ما استحقوا به أن يكونوا أئمة، قال الله تعالى:
{وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة: 24].
وقال عن إبراهيم:
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ
وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
} [النحل: 120-121].
ثم إن هؤلاء المتأخرين الذين ينتسبون إليه لم يقتدوا به الإقتداء الذي ينبغي
أن يكونوا عليه، وذلك أن أبا الحسن كان له مراحل ثلاث في العقيدة:
المرحلة الأولى: مرحلة الاعتزال: اعتنق مذهب المعتزلة أربعين عاماً يقرره
ويناظر عليه، ثم رجع عنه وصرح بتضليل المعتزلة وبالغ في الرد عليهم.
المرحلة الثانية: مرحلة بين الاعتزال المحض والسنة المحضة سلك فيها
طريق أبي محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب. قال شيخ الإسلام ابن تيميه:
والأشعري وأمثاله برزخ بين السلف والجهمية أخذوا من هؤلاء كلاماً صحيحاً
ومن هؤلاء أصولاً عقلية ظنوها صحيحة وهي فاسدة. اهـ.
المرحلة الثالثة: مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث مقتدياً بالإمام
أحمد بن حنبل رحمه الله كما قرره في كتابه: (الإبانة عن أصول الديانة)
وهو من آخر كتبه أو آخرها.
قال في مقدمته: جاءنا - يعني: النبي صلى الله عليه وسلم - بكتابٍ عزيز
لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، جمع فيه
علم الأولين، وأكمل به الفرائض والدين، فهو صراط الله المستقيم، وحبله
المتين، من تمسك به نجا، ومن خالفه ضل وغوى وفي الجهل تردى،
وحث الله في كتابه على التمسك بسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فقال عز وجل: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7].
إلى أن قال: فأمرهم بطاعة رسوله كما أمرهم بطاعته، ودعاهم إلى التمسك
بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم كما أمرهم بالعمل بكتابه، فنبذ كثير ممن
غلبت شقوته، واستحوذ عليهم الشيطان، سنن نبي الله...
صلى الله عليه وسلم وراء ظهورهم، وعدلوا إلى أسلاف لهم قلدوهم بدينهم
ودانوا بديانتهم، وأبطلوا سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورفضوها
وأنكروها وجحدوها افتراءً منهم على الله {قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ}
[الأنعام: 140].
ثم ذكر رحمه الله أصولاً من أصول المبتدعة، وأشار إلى بطلانها ثم قال:
فإن قال قائل: قد أنكرتم قول المعتزلة، والجهمية، والحرورية، والرافضة والمرجئة
فعرفونا قولكم الذي به تقولون، وديانتكم التي بها تدينون؟
قيل له: قولنا الذي نقول به وديانتنا التي ندين بها التمسك بكتاب ربنا عز وجل
وبسنة نبينا صلى الله عليه وسلم، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة
الحديث، ونحن بذلك معتصمون، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد
بن حنبل - نضَّر الله وجهه ورفع درجته، وأجزل مثوبته - قائلون، ولمن خالف قوله
مجانبون، لأنه الإمام الفاضل والرئيس الكامل ثم أثنى عليه بما أظهر الله على
يده من الحق وذكر ثبوت الصفات، ومسائل في القدر، والشفاعة، وبعض
السمعيات، وقرر ذلك بالأدلة النقلية والعقلية .

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين -
ص80

اعلم أن بعض أهل التأويل أورد على أهل السنة شبهة في نصوص من الكتاب
والسنة في الصفات، ادعى أن أهل السنة صرفوها عن ظاهرها؛ ليلزم أهل
السنة بالموافقة على التأويل أو المداهنة فيه، وقال: كيف تنكرون علينا
تأويل ما أولناه مع ارتكابكم لمثله فيما أولتموه؟
ونحن - أي: ابن عثيمين رحمه الله - نجيب بعون الله عن هذه الشبهة بجوابين
مجمل، ومفصل.
أما المجمل فيتلخص في شيئين:

أحدهما: أن لا نسلم أن تفسير السلف لها صرف عن ظاهرها، فإن ظاهر
الكلام ما يتبادر منه من المعنى، وهو يختلف بحسب السياق، وما يضاف
إليه الكلام، فإن الكلمات يختلف معناها بحسب تركيب الكلام، والكلام
مركب من كلمات وجمل، يظهر معناها ويتعين بضم بعضها إلى بعض.
ثانيهما: أننا لو سلمنا أن تفسيرهم صرف لها عن ظاهرها، فإن لهم في
ذلك دليلاً من الكتاب والسنة، إما متصلاً وإما منفصلاً، وليس لمجرد شبهات
يزعمها الصارف براهين وقطعيات يتوصل بها إلى نفي ما أثبته الله لنفسه
في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. وأما المفصل فعلى
كل نص أدعى أن السلف صرفوه عن ظاهره.

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين -
ص54





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:31 AM
المشاركة 24

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الفصل الثاني: موقف أهل السنة من التعطيل

نُمِرُّهَا صَرِيحَةً كَمَا أَتَتْ
مَعَ اعْتِقَادِنَا لِمَا لَهُ اقْتَضَتْ

مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلاَ تَعْطِيلِ
وَغَيْرِ تَكْيِيفٍ وَلاَ تَمْثِيلِ

بَلْ قَوْلُنَا قَوْلُ أَئِمَّةِ الْهُدَى
طُوبَى لِمَنْ بِهَدْيِهِمْ قَدِ اهْتَدَى


(ولا تعطيل) أي للنصوص بنفي ما اقتضته من صفات كمال الله تعالى ونعوت
جلاله فإن نفي ذلك لازمه نفي الذات ووصفه بالعدم المحض إذ ما لا يوصف
بصفة هو العدم تعالى الله عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا ولهذا قال
السلف الصالح رحمهم الله تعالى في الجهمية إنهم يحاولون أن يقولوا ليس
في السماء إله يعبد وذلك لجحودهم صفات كماله ونعوت جلاله التي وصف بها
نفسه ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم وذلك يتضمن التكذيب بالكتاب
والسنة والافتراء على الله كذبا
{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى
لِّلْكَافِرِينَ وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ لَهُم مَّا يَشَاءونَ عِندَ
رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُم
بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ
} [الزمر: 32-35].

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي –
ص462

التعطيل بمعنى التخلية والترك، كقوله تعالى: {وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ} [الحج: 45]، أي:
مخلاة متروكة.
والمراد بالتعطيل: إنكار ما أثبت الله لنفسه من الأسماء والصفات، سواء كان كلياً
أو جزئياً، وسواء كان ذلك بتحريف أو بجحود، هذا كله يسمى تعطيلاً.
فأهل السنة والجماعة لا يعطلون أي اسم من أسماء الله، أو أي صفة من صفات
الله ولا يجحدونها، بل يقرون بها إقراراً كاملاً.
فإن قلت: ما الفرق بين التعطيل والتحريف؟
قلنا: التحريف في الدليل والتعطيل في المدلول، فمثلاً:
إذا قال قائل: معنى قوله تعالى {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان} [المائدة: 64]، أي بل قوتاه
هذا محرف للدليل، ومعطل للمراد الصحيح، لأن المراد اليد الحقيقية، فقد عطل
المعنى المراد، وأثبت معنى غير المراد. وإذا قال: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَان، لا أدري!
أفوض الأمر إلى الله، لا أثبت اليد الحقيقية، ولا اليد المحرف إليها اللفظ. نقول:
هذا معطل، وليس بمحرف، لأنه لم يغير معنى اللفظ، ولم يفسره بغير مراده
لكن عطل معناه الذي يراد به، وهو إثبات اليد لله عز وجل.
أهل السنة والجماعة يتبرءون من الطريقتين:
الطريقة الأولى: التي هي تحريف
اللفظ بتعطيل معناه الحقيقي المراد إلى معنى غير مراد.

والطريقة الثانية: وهي طريقة أهل التفويض
فهم لا يفوضون المعنى كما يقول المفوضة بل يقولون:
نحن نقول: {بَلْ يَدَاهُ}، أي: يداه الحقيقيتان {مَبْسُوطَتَان}، وهما غير القوة والنعمة.
فعقيدة أهل السنة والجماعة بريئة من التحريف ومن التعطيل.

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/91

الفصل الثالث: موقف أهل السنة من التفويض

قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه المعروف بـ (العقل والنقل): وأما التفويض
فمن المعلوم أن الله أمرنا بتدبر القرآن وحضنا على عقله وفهمه، فكيف يجوز مع
ذلك أن يراد منا الإعراض عن فهمه ومعرفته وعقله – إلى أن قال: وحينئذٍ فيكون
ما وصف الله به نفسه في القرآن أو كثير مما وصف الله به نفسه لا يعلم الأنبياء
معناه. بل يقولون كلاماً لا يعقلون معناه، قال: ومعلوم أن هذا قدح في القرآن
والأنبياء إذ كان الله أنزل القرآن وأخبر أنه جعله هدىً وبياناً للناس، وأمر الرسول
أن يبلغ البلاغ المبين، وأن يبين للناس ما نزل إليهم وأمر بتدبر القرآن وعقله ومع
هذا فأشرف ما فيه وهو ما أخبر به الرب عن صفاته... لا يعلم أحد معناه فلا يعقل
ولا يتدبر، ولا يكون الرسول بيَّن للناس ما نزل إليهم، ولا بلغ البلاغ المبين، وعلى
هذا التقدير فيقول كل ملحدٍ ومبتدعٍ: الحق في نفس الأمر ما علمته برأيي
وعقلي، وليس في النصوص ما يناقض ذلك؛ لأن تلك النصوص مشكلة متشابهة
ولا يعلم أحد معناها، وما لا يعلم أحد معناه لا يجوز أن يستدل به، فيبقى هذا
الكلام سداً لباب الهدى والبيان من جهة الأنبياء، وفتحاً لباب من يعارضهم
ويقول: إن الهدى والبيان في طريقنا لا في طريق الأنبياء؛ لأننا نحن نعلم
ما نقول ونبينه بالأدلة العقلية، والأنبياء لم يعلموا ما يقولون فضلاً عن أن
يبينوا مرادهم، فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة
والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد.اهـ. كلام الشيخ وهو كلام سديد
من ذي رأي رشيد، وما عليه مزيد – رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وجمعنا
به في جنات النعيم .

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين –
ص44

وبهذا تعرف ضلال أو كذب من قالوا: إن طريقة السلف هي التفويض، هؤلاء ضلوا
إن قالوا ذلك عن جهل بطريقة السلف، وكذبوا إن قالوا ذلك عن عمد، أو نقول:
كذبوا على الوجهين على لغة الحجاز، لأن الكذب عند الحجازيين بمعنى الخطأ.
وعلى كل حال، لا شك أن الذين يقولون: إن مذهب أهل السنة هو التفويض
أنهم أخطأوا، لأن مذهب أهل السنة هو إثبات المعنى وتفويض الكيفية.
وليعلم أن القول بالتفويض ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ من شر أقوال
أهل البدع والإلحاد!
عندما يسمع الإنسان التفويض، يقول: هذا جيد، أسلم من هؤلاء وهؤلاء، لا أقول
بمذهب السلف، ولا أقول بمذهب أهل التأويل، أسلك سبيلاً وسطاً وأسلم من
هذا كله، وأقول: الله أعلم ولا ندري ما معناها. لكن يقول شيخ الإسلام: هذا
من شر أقوال أهل البدع والإلحاد‍‍‌‍.
وصدق رحمه الله. وإذا تأملته وجدته تكذيباً للقرآن وتجهيلاً للرسول..
صلى الله عليه وسلم واستطالة للفلاسفة.
تكذيب للقرآن، لأن الله يقول: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89]
وأي بيان في كلمات لا يدرى ما معناها؟‍ وهي من أكثر ما يرد في القرآن، وأكثر
ما ورد في القرآن أسماء الله وصفاته، إذا كنا لا ندري ما معناها، هل يكون القرآن
تبياناً لكل شيء؟‌‍ أين البيان؟
إن هؤلاء يقولون: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يدري عن معاني القرآن
فيما يتعلق بالأسماء والصفات وإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لا يدري
فغيره من باب أولى.وأعجب من ذلك يقولون: الرسول صلى الله عليه وسلم
يتكلم في صفات الله، ولا يدري ما معناه يقول: ((ربنا الله الذي في السماء))
وإذا سئل عن هذا؟ قال: لا أدري. وكذلك في قوله: ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا))
وإذا سئل ما معنى (ينزل ربنا)؟ قال: لا أدري.... وعلى هذا، فقس.
وهل هناك قدح أعظم من هذا القدح بالرسول صلى الله عليه وسلم بل هذا من
أكبر القدح رسول من عند الله ليبين للناس وهو لا يدري ما معنى آيات الصفات
وأحاديثها وهو يتكلم بالكلام ولا يدري معنى ذلك كله.
فهذان وجهان: تكذيب بالقرآن وتجهيل الرسول.
وفيه فتح الباب للزنادقة الذين تطاولوا على أهل التفويض، وقال: أنتم لا تعرفون
شيئاً، بل نحن الذين نعرف، وأخذوا يفسرون القرآن بغير ما أراد الله، وقالوا: كوننا
نثبت معاني للنصوص خير من كوننا أميين لا نعرف شيئاً وذهبوا يتكلمون
بما يريدون من معنى كلام الله وصفاته!! ولا يستطيع أهل التفويض أن يردوا عليهم
لأنهم يقولون: نحن لا نعلم ماذا أراد الله، فجائز أن يكون الذي يريد الله هو ما قلتم!
ففتحوا باب شرور عظيمة، ولهذا جاءت العبارة الكاذبة:
طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أعلم وأحكم!.
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: هذه قالها بعض الأغبياء، وهو صحيح، أن القائل
غبي.
هذه الكلمة من أكذب ما يكون نطقاً ومدلولاً، "طريقة السلف أسلم وطريقة
الخلف أعلم وأحكم
"، كيف تكون أعلم وأحكم وتلك أسلم؟! لا يوجد سلامة
بدون علم وحكمة أبداً! فالذي لا يدري عن الطريق، لا يسلم، لأنه ليس معه
علم، لو كان معه علم وحكمة، لسلم، فلا سلامة إلا بعلم وحكمة.
إذا قلت: إن طريقة السلف أسلم، لزم أن تقول: هي أعلم وأحكم وإلا لكنت
متناقضاً.
إذاً، فالعبارة الصحيحة: "طريقة السلف أسلم وأعلم وأحكم"، وهذا معلوم

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/92





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:32 AM
المشاركة 25

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الفصل الرابع: موقف أهل السنة من التكييف

(وغير تكييف) تفسير لكنه شيء من صفات ربنا تعالى كأن يقال استوى على
هيئة كذا أو ينزل إلى السماء بصفة كذا أو تكلم بالقرآن على كيفية كذا ونحو
ذلك من الغلو في الدين والافتراء على الله عز وجل واعتقاد ما لم يأذن به الله
ولا يليق بجلاله وعظمته ولم ينطق به كتاب ولا سنة ولو كان ذلك مطلوبا من
العباد في الشريعة لبينه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ولم يدع ما
بالمسلمين إليه حاجة إلا بينه ووضحه والعباد لا يعلمون عن الله تعالى إلا ما
علمهم كما قال تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}
[البقرة: 254] و قال الله تعالى:
{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء}
[البقرة: 255] فليؤمن العبد بما علمه الله تعالى وليقف معه كهذه الصفات
الثابتة في الكتاب والسنة وليمسك عما جهله وليكل إلى عالمه كيفيتها
{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} [الحشر: 7]

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي –
ص463

(وأما لفظة) "تكييف": لم ترد في الكتاب والسنة، لكن ورد ما يدل على النهي
عنها.
التكييف: هو أن تذكر كيفية الصفة، ولهذا تقول: كيَّف يكيِّف تكييفاً، أي ذكر
كيفية الصفة.
التكييف يسأل عنه بـ(كيف)، فإذا قلت مثلاً: كيف جاء زيد؟ تقول: راكباً. إذاً:
كيف مجيئه. كيف لون السيارة؟ أبيض. فذكرت اللون.
أهل السنة والجماعة لا يكيفون صفات الله، مستندين في ذلك إلى الدليل
السمعي والدليل العقلي:
أما الدليل السمعي، فمثل قوله تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن
تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
}
[الأعراف: 33]، والشاهد في قوله: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}.
فإذا جاء رجل وقال: إن الله استوى على العرش، على هذه الكيفية ووصف
كيفية معينة: نقول: هذا قد قال على الله مالا يعلم! هل أخبرك الله بأنه استوى
على هذه الكيفية؟! لا، أخبرنا الله بأنه استوى ولم يخبرنا كيف استوى.
فنقول: هذا تكييف وقول على الله بغير علم.
ولهذا قال بعض السلف إذا قال لك الجهمي: إن الله ينزل إلى السماء، فكيف
ينزل؟ فقل: إن الله أخبرنا أنه ينزل، ولم يخبرنا كيف ينزل. وهذه قاعدة مفيدة.
دليل آخر من السمع: قال تعالى:
{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً}
[الإسراء: 36]، لا تتبع ما ليس لك به علم، إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ
عَنْهُ مَسْؤُولاً.
وأما الدليل العقلي، فكيفية الشيء لا تدرك إلا بواحد من أمور ثلاثة: مشاهدته
أو مشاهدة نظيره، أو خبر الصادق عنه أي: إما أن تكون شاهدته أنت وعرفت
كيفيته. أو شاهدت نظيره، كما لو قال واحد: إن فلاناً اشترى سيارة داتسون
موديل ثمان وثمانين رقم ألفين. فتعرف كيفيتها، لأن عندك مثلها أو خبر صادق
عنه، أتاك رجل صادق وقال: إن سيارة فلان صفتها كذا وكذا.. ووصفها تماماً
فتدرك الكيفية الآن.
ولهذا أيضاً قال بعض العلماء جواباً لطيفاً: إن معنى قولنا: (بدون تكييف): ليس
معناه ألا نعتقد لها كيفية، بل نعتقد لها كيفية لكن المنفي علمنا بالكيفية لأن
استواء الله على العرش لا شك أن له كيفية، لكن لا تعلم، نزوله إلى السماء
الدنيا له كيفية، لكن لا تعلم، لأن ما من موجود إلا وله كيفية، لكنها قد تكون
معلومة، وقد تكون مجهولة.سئل الإمام مالك رحمه الله عن قوله تعالى:
{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طـه: 5]: كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه
حتى علاه العرق، ثم رفع رأسه وقال: (الاستواء غير مجهول)، أي: من حيث
المعنى معلوم، لأن اللغة العربية بين أيدينا، كل المواضع التي وردت فيها
(اسْتَوَى) معداة بـ(على) معناها العلو فقال:
(الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول) لأن العقل لا يدرك الكيف
فإذا انتفى الدليل السمعي والعقلي عن الكيفية، وجب الكف عنها،
(والإيمان به واجب)، لأن الله أخبر به عنه نفسه، فوجب تصديقه،
(والسؤال عن بدعة) : السؤال عن الكيفية بدعة، لأن من هم أحرص منا
على العلم ما سألوا عنها وهم الصحابة لما قال الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ}
[الأعراف: 54]، عرفوا عظمة الله عز وجل، ومعنى الاستواء على العرش، وأنه
لا يمكن أن تسأل: كيف استوى؟ لأنك لن تدرك ذلك فنحن إذا سئلنا، فنقول:
هذا السؤال بدعة.
وكلام مالك رحمه الله ميزان لجميع الصفات، فإن قيل لك مثلاً: إن الله ينزل
إلى السماء الدنيا، كيف ينزل؟ فالنزول غير مجهول، والكيف غير معقول
والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة والذين يسألون: كيف يمكن النزول
وثلث الليل يتنقل؟! فنقول: السؤال هذا بدعة كيف تسأل عن شيء ما
سأل عنه الصحابة وهم أحرص منك على الخير وعلى العلم بما يجب لله
عز وجل، ولسنا بأعلم من الرسول عليه الصلاة والسلام، فهو لم يعلمهم.
فسؤالك هذا بدعة، ولولا أننا نحسن الظن بك، لقلنا ما يليق بك بأنك رجل
مبتدع.
والإمام مالك رحمه الله قال: (ما أراك إلا مبتدعاً) ثم أمر به فأخرج، لأن
السلف يكرهون أهل البدع وكلامهم واعتراضاتهم وتقديراتهم ومجادلاتهم.
فأنت يا أخي عليك في هذا الباب بالتسليم، فمن تمام الإسلام لله عز وجل
ألا تبحث في هذه الأمور، ولهذا أحذركم دائماً من البحث فيما يتعلق
بأسماء الله وصفاته على سبيل التعنت والتنطع والشيء الذي ما سأل
الصحابة عنه، لأننا إذا فتحنا على أنفسنا هذه الأبواب، انفتحت علينا
الأبواب، وتهدمت الأسوار، وعجزنا عن ضبط أنفسنا، فلذلك قل:
سمعنا وأطعنا وآمنا وصدقنا، آمنا وصدقنا بالخبر وأطعنا الطلب وسمعنا القول
حتى تسلم!
وأي إنسان يسأل فيما يتعلق بصفات الله عن شيء ما سأل عنه الصحابة
فقل كما قال الإمام مالك، فإن لك سلفاً: السؤال عن هذا بدعة. وإذا قلت
ذلك، لن يلح عليك، وإذا ألح، فقل: يا مبتدع! السؤال عنه بدعة، اسأل عن
الأحكام التي أنت مكلف بها، أما أن تسأل عن شيء يتعلق بالرب عز وجل
وبأسمائه وصفاته، ولم يسأل عنه الصحابة، فهذا لا نقبله منك أبداً!وهناك
كلام للسلف يدل على أنهم يفهمون معاني ما أنزل الله على رسوله من
الصفات، كما نقل عن الأوزاعي وغيره، نقل عنهم أنهم قالوا في آيات الصفات
وأحاديثها: أمروها كما جاءت بلا كيف. وهذا يدل على أنهم يثبتون لها معنى
من وجهين:

أولاً: أنهم قالوا: "أمروها كما جاءت" ومعلوم أنها ألفاظ جاءت لمعاني ولم
تأت عبثاً، فإذا أمررناها كما جاءت، لزم من ذلك أن نثبت لها معنى.
ثانياً: قوله: "بلا كيف" لأن نفي الكيفية يدل على وجود أصل المعنى، لأن
نفي الكيفية عن شيء لا يوجد لغو وعبث.
إذاً، فهذا الكلام المشهور عند السلف يدل على أنهم يثبتون لهذه النصوص
معنى.

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/97





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:33 AM
المشاركة 26

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الفصل الخامس: موقف أهل السنة من التمثيل

(ولا تمثيل) أي من غير تشبيه لشيء من صفات الله بصفات خلقه فكما أنَّا
نثبت له ذاتا لا تشبه الذوات فكذلك نثبت له ما أثبت لنفسه من الأسماء
والصفات ونعتقد تنزهه وتقدسه عن مماثلة المخلوقات
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى: 11] وإذا كان القول على
الله بلا علم في أحكام الشريعة هو أقبح المحرمات كما قال تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ
وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
}
[الأعراف: 33] فكيف بالقول على الله بلا علم في إلهيته وربوبيته وأسمائه
وصفاته من تشبيه خلقه به أو تشبيهه لخلقه في اتخاذ الأنداد معه وصرف
العبادة لهم وإن اعتقاد تصرفهم في شيء من ملكوته تشبيه للمخلوق
بالخالق وكلا التشبيهين كفر بالله عز وجل أقبح الكفر وقد نزه الله تعالى
نفسه عن ذلك كله في كتابه كما قال تعالى:
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ}
[الإخلاص] و قال الله تعالى:
{رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}
[مريم: 65] وقال الله تعالى:
{فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا
يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ
} [الشورى: 11]
و قال الله تعالى:
{لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}
[النحل: 60]
و قال الله تعالى: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
[النحل: 74] وغير ذلك من الآيات بل جميع القرآن من أوله إلى آخره في هذا
المعنى بل لم يرسل الله تعالى رسله ولم ينزل كتبه إلا بذلك
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ} [الأحزاب: 4]

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي –
ص463

ومن غير تمثيل، فأهل السنة يتبرءون من تمثيل الله عز وجل بخلقه، لا في
ذاته ولا في صفاته. والتمثيل: ذكر مماثل للشيء، وبينه وبين التكييف عموم
وخصوص مطلق، لأن كل ممثل مكيف، وليس كل مكيف ممثلا، لأن التكييف
ذكر كيفية غير مقرونة بمماثل، مثل أن تقول: لي قلم كيفيته كذا وكذا. فإن
قرنت بمماثل، صار تمثيلاً، مثل أن أقول: هذا القلم مثل هذا القلم، لأني ذكرت
شيئاً مماثلا لشيء وعرفت هذا القلم بذكر مماثلة.
وأهل السنة والجماعة يثبتون لله عز وجل الصفات بدون مماثلة، يقولون:
إن الله عز وجل له حياة وليست مثل حياتنا، له علم وليس مثل علمنا، له
بصر، ليس مثل بصرنا، له وجه وليس مثل وجوهنا له يد وليست مثل أيدينا....
وهكذا جميع الصفات، يقولون: إن الله عز وجل لا يماثل خلقه فيما وصف به
نفسه أبداً، ولهم على ذلك أدلة سمعية وأدلة عقلية:
أ- الأدلة السمعية: تنقسم إلى قسمين: خبر، وطلب.
- فمن الخبر قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، فالآية فيها
نفي صريح للتمثيل وقوله: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]، فإن هذا وإن
كان إنشاء، لكنه بمعنى الخبر، لأنه استفهام بمعنى النفي وقوله:
{وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 4]، فهذه كلها تدل على نفي المماثلة
وهي كلها خبرية.
- وأما الطلب، فقال الله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} [البقرة: 22]
أي: نظراء مماثلين.
وقال: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ} [النحل: 74].فمن مثَّل الله
بخلقه، فقد كذب الخبر وعصى الأمر ولهذا أطلق بعض السلف القول بالتكفير
لمن مثَّل الله بخلقه، فقال نعيم بن حماد الخزاعي شيخ البخاري رحمه الله:
من شبه الله بخلقه، فقد كفر ، لأنه جمع بين التكذيب بالخبر وعصيان الطلب.
وأما الأدلة العقلية على انتفاء التماثل بين الخالق والمخلوق: فمن وجوه:
أولاً: أن نقول لا يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق بأي حال من الأحوال
لو لم يكن بينهما من التباين إلا أصل الوجود، لكان كافياً، وذلك أن وجود
الخالق واجب، فهو أزلي أبدي، ووجود المخلوق ممكن مسبوق بعدم ويلحقه
فناء، فما كانا كذلك لا يمكن أن يقال: إنهما متماثلان.
ثانياً: أنا نجد التباين العظيم بين الخالق والمخلوق في صفاته وفي أفعاله
في صفاته يسمع عز وجل كل صوت مهما خفي ومهما بعد، لو كان في قعار
البحار، لسمعه عز وجل.
وأنزل الله قوله تعالى:
{قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ
تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
} [المجادلة: 1]، تقول عائشة: الحمد لله الذي
وسع سمعه الأصوات ...والله تعالى سمعها من على عرشه وبينه وبينها ما
لا يعلم مداه إلا الله عز وجل، ولا يمكن أن يقول قائل: إن سمع الله مثل سمعنا.
ثالثاً: نقول: نحن نعلم أن الله تعالى مباين للخلق بذاته:
{وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة: 255]، {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ}
[الزمر: 67]، ولا يمكن لأحد من الخلق أن يكون هكذا، فإذا كان مبايناً للخلق
في ذاته، فالصفات تابعة للذات، فيكون أيضاً مبايناً للخلق في صفاته عز وجل
ولا يمكن التماثل بين الخالق والمخلوق.
رابعاً: نقول: إننا نشاهد في المخلوقات أشياء تتفق في الأسماء وتختلف في
المسميات، يختلف الناس في صفاتهم: هذا قوي البصر وهذا ضعيف
وهذا قوي السمع وهذا ضعيف، هذا قوي البدن وهذا ضعيف ،،
وهذا ذكر وهذا أنثى.... وهكذا التباين في المخلوقات التي من جنس واحد
فما بالك بالمخلوقات المختلفة الأجناس؟ فالتباين بينها أظهر ولهذا، لا يمكن
لأحد أن يقول: إن لي يداً كيد الجمل، أو لي يداً كيد الذرة، أو لي يداً كيد الهر
فعندنا الآن إنسان وجمل وذرة وهر، كل واحد له يد مختلفة عن الثاني، مع
أنها متفقة في الاسم فنقول: إذا جاز التفاوت بين المسميات في المخلوقات
مع اتفاق معا فجوازه بين الخالق والمخلوق ليس جائزاً فقط بل هو واجب؛
فعندنا أربعة وجوه عقلية كلها تدل على أن الخالق لا يمكن أن يماثل المخلوق
بأي حال من الأحوال.
ربما نقول أيضا هناك دليل فطري، وذلك لأن الإنسان بفطرته بدون أن يلقن
يعرف الفرق بين الخالق والمخلوق ولولا هذه الفطرة؛ ما ذهب يدعو الخالق.
فتبين الآن أن التمثيل منتفٍ سمعاً وعقلاً وفطرة.
فإن قال قائل: إن النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا بأحاديث تشتبه علينا؛
هل هي تمثيل أو غير تمثيل؟ ونحن نضعها بين أيديكم:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة
البدر، لا تضامون في رؤيته
)) ؛ فقال: (كما) والكاف للتشبيه، هذا رسول الله..
صلى الله عليه وسلم، ونحن من قاعدتنا أن نؤمن بما قال الرسول كما نؤمن
بما قال الله؛ فأجيبوا عن هذا الحديث؟
نقول نجيب عن هذا الحديث وعن غيره بجوابين: الجواب الأول مجمل والثاني
مفصل.

فالأول المجمل: أنه لا يمكن أن يقع تعارض بين كلام الله وكلام رسوله الذي
صح عنه أبداً؛ لأن الكل حق، والحق لا يتعارض والكل من عند الله،وما عند
الله تعالى لا يتناقض
) {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}
[النساء: 82]؛ فإن وقع ما يوهم التعارض في همك؛ فاعلم أن هذا ليس
بحسب النص، ولكن باعتبار ما عندك؛ فأنت إذا وقع التعارض عندك في
نصوص الكتاب والسنة؛ فإما لقلة العلم، وإما لقصور الفهم، وإما للتقصير
في البحث والتدبر، ولو بحثت وتدبرت؛ لوجدت أن التعارض الذي توهمته لا
أصل له، وإما لسوء القصد والنية؛ بحيث تستعرض ما ظاهره التعارض لطلب
التعارض، فتحرم التوفيق؛ كأهل الزيغ الذين يتبعون المتشابه.
ويتفرع على هذا الجواب المجمل أنه يجب عليك عند الاشتباه أن ترد المشتبه
إلى المحكم؛ لأن هذه الطريق طريق الراسخين في العلم؛
قال الله تعالى:
{هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ
فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ
وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا
وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ
} [آل عمران: 7]، ويحملون المتشابه على المحكم
حتى يبقى النص كله محكماً.
وأما الجواب المفصل؛ فإنا نجيب عن كل نص بعينه فنقول:
إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة
البدر لا تضامون في رؤيته
))؛ ليس تشبيهاً للمرئي بالمرئي، ولكنه تشبيه
للرؤية بالرؤية؛ ((سترون.. كما ترون))؛ الكاف في: ((كما ترون)): داخلة على
مصدر مؤول؛ لأن (ما) مصدرية، وتقدير الكلام: كرؤيتكم القمر ليلة البدر وحينئذ
يكون التشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي، والمراد أنكم ترونه رؤية واضحة
كما ترون القمر ليلة البدر ولهذا أعقبه بقوله: ((لا تضامون في رؤيته)) أو:
((لا تضارون في رؤيته)) فزال الإشكال الآن.قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((إن الله خلق آدم على صورته)) والصورة مماثلة للأخرى، ولا يعقل صورة
إلا مماثلة للأخرى، ولهذا أكتب لك رسالة، ثم تدخلها الآلة الفوتوغرافية
وتخرج الرسالة، فيقال: هذه صورة هذه، ولا فرق بين الحروف والكلمات؛
فالصورة مطابقة للصورة، والقائل: ((إن الله خلق آدم على صورته)):
الرسول عليه الصلاة والسلام أعلم وأصدق وأنصح وأفصح الخلق.
والجواب المجمل أن نقول: لا يمكن أن يناقض هذا الحديث قوله تعالى:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، فإن يسر الله لك الجمع؛ فاجمع، وإن
لم يتيسر؛ فقل: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} [آل عمران: 7]، وعقيدتنا أن الله
لا مثيل له؛ بهذا تسلم أمام الله عز وجل.
هذا كلام الله، وهذا كلام رسوله، والكل حق، ولا يمكن أن يكذب بعضه بعضاً؛
لأنه كله خبر وليس حكماً كي ينسخ؛ فأقول: هذا نفي للمماثلة، وهذا إثبات
للصورة؛ فقل: إن الله ليس كمثله شيء، وإن الله خلق آدم على صورته؛
فهذا كلام الله، وهذا كلام رسوله والكل حق نؤمن به، ونقول: كل من عند
ربنا ونسكت وهذا هو غاية ما نستطيع.وأما الجواب المفصّل؛ فنقول:
إن الذي قال: ((إن الله خلق آدم على صورته)) رسول الذي قال:
{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] والرسول لا يمكن أن ينطق بما يكذب
المرسل والذي قال: ((خلق آدم على صورته)) هو الذي قال:
((إن أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر)) فهل أنت تعتقد أن هؤلاء
الذين يدخلون الجنة على صورة القمر من كل وجه أو تعتقد أنهم على صورة
البشر لكن في الوضاءة والحسن والجمال واستدارة الوجه وما أشبه ذلك
على صورة القمر، لا من كل وجه؟! فإن قلت بالأول؛ فمقتضاه أنهم دخلوا
وليس لهم أعين وليس لهم آناف وليس لهم أفواه! وإن شئنا قلنا: دخلوا
وهم أحجار! وإن قلت بالثاني؛ زال الإشكال، وتبين أنه لا يلزم من كون الشيء
على صورة الشيء أن يكون مماثلاً له من كل وجه.
فإن أبى فهمك، وتقاصر عن هذا وقال: أنا لا أفهم إلا أنه مماثل.
قلنا: هناك جواب آخر، وهو أن الإضافة هنا من باب إضافة المخلوق إلى خالقه؛
فقوله: ((على صورته))؛ مثل قوله عز وجل في آدم: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُوحِي}
[الحجر: 29]، ولا يمكن أن الله عز وجل أعطى آدم جزءاً من روحه، بل المراد
الروح التي خلقها الله عز وجل، لكن إضافتها إلى الله بخصوصها من باب
التشريف؛ كما نقول: عباد الله؛ يشمل الكافر والمسلم والمؤمن والشهيد
والصديق والنبي لكننا لو قلنا: محمد عبد الله؛ هذه إضافة خاصة ليست
كالعبودية السابقة.
فقوله: ((خلق آدم على صورته))؛ يعني: صورة من الصور التي خلقها الله
وصورها؛ كما قال تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ} [الأعراف: 11]
والمصور آدم إذاً؛ فآدم عل صورة الله؛ يعني: أن الله هو الذي صوره على
هذه الصورة التي تعد أحسن صورة في المخلوقات
{لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} [التين: 4]؛ فإضافة الله الصورة
إليه من باب التشريف؛ كأنه عز وجل اعتنى بهذه الصورة ومن أجل ذلك؛
لا تضرب الوجه؛ فتعيبه حساً، ولا تقبحه فتقول: قبح الله وجهك ووجه من
أشبه وجهك؛ فتعيبه معنىً؛ فمن أجل أنه الصورة التي صورها الله وأضافها
إلى نفسه تشريفاً وتكريماً؛ لا تقبحها بعيب حسي ولا بعيب معنوي.
ثم هل يعتبر هذا الجواب تحريفاً أم له نظير؟
نقول: له نظير، كما في: بيت الله، وناقة الله، وعبد الله؛ لأن هذه الصورة
(أي: صورة آدم) منفصلة بائنة من الله وكل شيء أضافه الله إلى نفسه
وهو منفصل بائن عنه؛ فهو من المخلوقات؛ فحينئذ يزول الإشكال.
ولكن إذا قال لقائل: أيما أسلم المعنى الأول أو الثاني؟ قلنا: المعنى الأول
أسلم، ما دمنا نجد أن لظاهر اللفظ مساغاً في اللغة العربية وإمكاناً في
العقل؛ فالواجب حمل الكلام عليه ونحن وجدنا أن الصورة لا يلزم منها
مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره.
فإذا قلت: ما هي الصورة التي تكون لله ويكون آدم عليها ؟
قلنا: إن الله عز وجل له وجه وله عين وله يد وله رجل عز وجل، لكن لا يلزم
من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان؛ فهناك شيء من الشبه لكنه
ليس على سبيل المماثلة؛ كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه
من القمر لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة؛
من أن جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليست مماثلة لصفات المخلوقين؛
من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
نسمع كثيراً من الكتب التي نقرأها يقولون: تشبيه؛ يعبرون بالتشبيه وهم
يقصدون التمثيل؛ فأيما أولى: أنعبر بالتشبيه، أو نعبر بالتمثيل؟
نقول بالتمثيل أولى.
أولاً: لأن القرآن عبر به: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]
{فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً} [البقرة: 22]... وما أشبه ذلك، وكل ما عبر به القرآن؛
فهو أولى من غيره؛ لأننا لا نجد أفصح من القرآن ولا أدل على المعنى المراد
من القرآن، والله أعلم بما يريده من كلامه، فتكون موافقة القرآن هي الصواب
فنعبر بنفي التمثيل. وهكذا في كل مكان؛ فإن موافقة النص في اللفظ أولى
من ذكر لفظ مرادف أو مقارب.
ثانياً: أن التشبيه عند بعد الناس يعني إثبات الصفات ولهذا يسمون أهل
السنة: مشبهة؛ فإذا قلنا: من غير تشبيه وهذا الرجل لا يفهم من
التشبيه إلا إثبات الصفات؛ صار كأننا نقول له: من غير إثبات صفات!
فصار معنى التشبيه يوهم معنى فاسداً فلهذا كان العدول عنه أولى.
ثالثاً: أن نفي التشبيه على الإطلاق غير صحيح؛ لأن ما من شيئين من
الأعيان أو من الصفات إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه، والاشتراك نوع
تشابه، فلو نفيت التشبيه مطلقاً؛ لكنت نفيت كل ما يشترك فيه الخالق
والمخلوق في شيء ما.
مثلاً: الوجود؛ يشترك في أصله الخالق والمخلوق، هذا نوع اشتراك نوع
تشابه، لكن فرق بين الوجودين؛ وجود الخالق واجب ووجود المخلوق ممكن.
وكذلك السمع؛ فيه اشتراك؛ الإنسان له سمع، والخالق له سمع، لكن
بينهما فرق، لكن أصل وجود السمع مشترك.
فإذا قلنا: من غير تشبيه ونفينا مطلق التشبيه؛ صار في هذا إشكال.
وبهذا عرفنا أن التعبير بالتمثيل أولى من ثلاثة أوجه
فإن قلت: ما الفرق بينهما من وجهين.
الأول: أن التمثيل ذكر الصفة مقيدة بمماثل؛ فتقول يد فلان مثل يد فلان
والتكييف ذكر الصفة غير مقيدة بمماثل؛ مثل أن تقول: كيفية يد فلان كذا
وكذا.
وعلى هذا نقول: كل ممثل مكيف، ولا عكس.
الثاني: أن الكيفية لا تكون إلا في الصفة والهيئة، والتمثيل يكون في ذلك
كما في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ}
[الطلاق: 12]؛ أي: في العدد

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين – 1/102





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:34 AM
المشاركة 27

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الموسوعة العقدية » الكتاب الثاني: أركان الإسلام » تمهيد

تمهيد

فَقَدْ أَتَى الإِسْلاَمُ مَبْنِيٌّ عَلَى
خَمْسٍ فَحَقِّقْ وَادْرِ مَا قَدْ نُقِلاَ
أَوَّلُهَا الرُّكْنُ الأَسَاسُ الأَعْظَمُ
وَهْوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ الأَقْوَمُ
رُكْنُ الشَّهَادَتَيْنِ فَاثْبُتْ وَاعْتَصِمْ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى الَّتِي لاَ تَنْفَصِمْ
وَثَانِيَاً إِقَامَةُ الصَّلاةِ
وَثَالِثَاً تَأْدِيَةُ الزَّكَاةِ
وَالرَّابِعُ الصِّيَامُ فَاسْمَعْ وَاتَّبِعْ
وَالْخَامِسُ الْحَجُّ عَلَى مَنْ يَسْتَطِعْ


وهذه أركان المرتبة الأولى مرتبة الإسلام وهي على قسمين قولية وعملية
فالقولية: الشهادتان والعملية الباقي وهي ثلاثة أقسام:
بدنية وهي الصوم والصلاة ومالية وهي الزكاة وبدنية مالية وهو الحج وقول
القلب وعمله شرط في ذلك كله مما تقدم.
والنصوص في هذه الأمور الخمسة كثيرة جدا وهي على نوعين قسم شامل
لجميعها وقسم يخص كل خصلة منها. فلنبدأ بالقسم الأول ما تيسر منه
على حدته والقسم الثاني مع حل ألفاظ المتن إن شاء الله تعالى فمن ذلك
حديث جبريل السابق ذكره عن الجم الغفير من الصحابة والتابعين فمن
بعدهم ومنها حديث وفد عبد القيس وقد تقدم أيضا ومنها حديث ابن عمر
رضي الله عنهما في الصحيحين وغيرهما قال:
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((بني الإسلام على خمس:
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة
وحج البيت وصوم رمضان فقال له رجل والجهاد في سبيل الله فقال ابن عمر:
الجهاد حسن هكذا حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
)) .
ومنها حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه عند أحمد وغيره قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج
البيت وصوم رمضان
)) وإسناده صحيح.ومن ذلك حديث أنس بن مالك رضي
الله عنه قال: ((نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء
فكان يعجبنا أن يجيء الرجل من أهل البادية العاقل فيسأله ونحن نسمع فجاء
رجل من أهل البادية فقال: يا محمد أتانا رسولك فزعم لنا أنك تزعم أن الله
تعالى أرسلك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: صدق قال: فمن خلق السماء؟
قال: الله قال: فمن خلق الأرض؟ قال: الله قال: فمن نصب هذه الجبال وجعل
فيها ما جعل؟ قال: الله قال: فبالذي خلق السماء وخلق الأرض ونصب هذه
الجبال آلله أرسلك؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم قال: فزعم رسولك أن
علينا خمس صلوات في يومنا وليلتنا؟ قال صلى الله عليه وسلم:
صدق قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم قال: وزعم رسولك أن
علينا صوم شهر رمضان من سنتنا؟ قال صلى الله عليه وسلم:
نعم وصدق قال: فبالذي أرسلك آلله أمرك بهذا؟ قال صلى الله عليه وسلم:
نعم قال: وزعم رسولك أن علينا حج البيت من استطاع إليه سبيلا؟
قال صلى الله عليه وسلم: صدق قال: ثم ولى فقال: والذي بعثك بالحق
نبيا لا أزيد عليهن ولا أنقص منهن شيئا فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
لئن صدق ليدخلن الجنة
)) . وفي رواية قال: آمنت بما جئت به وأنا رسول
من ورائي إلى قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعيد بن بكر .
وفي الصحيحين...عن طلحة بن عبيد الله:
((أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثائر الرأس فقال:
يا رسول الله أخبرني ماذا فرض الله علي من الصلاة؟ فقال:
خمس صلوات إلا أن تطوع شيئا فقال: أخبرني ما فرض الله علي من الصيام؟
فقال: شهر رمضان إلا أن تطوع شيئا فقال:
أخبرني بما فرض الله علي من الزكاة؟ قال:
فأخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام قال:
والذي أكرمك لا أتطوع شيئا ولا أنقص مما فرض الله علي شيئا فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق أو دخل الجنة إن صدق
)).
وله عن أبي أيوب رضي الله عنه ((أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم:
أخبرني بعمل يدخلني الجنة؟ فقال: ما له ما له.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرب ما له تعبد الله ولا تشرك به شيئا
وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم
)) ولهما عن أبي هريرة رضي الله عنه
((أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة قال: تعبد الله لا تشرك به شيئا
وتقيم الصلاة وتؤدي الزكاة وتصوم رمضان قال:
والذي نفسي بيده لا أزيد على هذا فلما ولى قال النبي...
صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر
إلى هذ
ا)) .وفي حديث ابن المنتفق رضي الله عنه في وفادته على
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((قلت ثنتان أسألك عنهما:
ما ينجيني من النار وما يدخلني الجنة؟ قال: فنظر رسول الله ...
صلى الله عليه وسلم إلى السماء ثم نكس رأسه ثم أقبل علي بوجهه قال:
لئن كنت أوجزت في المسألة لقد أعظمت وأطولت فاعقل عني إذا اعبد الله
لا تشرك به شيئا وأقم الصلاة وأد الزكاة وصم رمضان وما تحب أن يفعله بك
الناس فافعل بهم وما تكره أن يأتي إليك الناس فذر منه
)) رواه أحمد ...
ولعل ابن المنتفق هذا هو الرجل المبهم في رواية أبي أيوب المتقدمة في
الصحيح فإن في مسلم ((أن ذلك الرجل أخذ بخطام ناقة رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم أو بزمامها وفي آخرها قول النبي صلى الله عليه وسلم:
دع الناقة
)) بعد أن علمه وابن المنتفق قال: ((فأخذت بخطام راحلة رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم أو قال: بزمامها وفي آخره قال صلى الله عليه وسلم:
خل سبيل الراحلة
)) وفي الرواية الأخرى ((خل سبيل الركاب)) فيشبه أن يكون
هو صاحب القصة وقد حفظ الصوم والحج زيادة على ما في حديث أبي أيوب
ورجاله رجال الصحيح, وهو السائل أعلم بجواب النبي صلى الله عليه وسلم
وأوعى له وأحفظ له وأضبط من غيره والله أعلم. وعن ربعي بن خراش عن رجل
من بني عامر رضي الله عنه ((أنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم
فقال: أألج فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمة:
اخرجي إليه فإنه
لا يحسن الاستئذان فقولي له: فليقل السلام عليكم أأدخل قال:
فأذن لي أو قال: فدخلت فقلت: بم أتيتنا به قال: لم آتكم إلا بخير؛
أتيتكم أن تعبدوا الله وحده لا شريك له قال شعبة: وأحسبه قال:
وحده لا شريك له وأن تَدَعُوا اللات والعزى وأن تصلوا بالليل والنهار خمس
صلوات وأن تصوموا من السنة شهرا وأن تحجوا البيت وأن تأخذوا من مال
أغنيائكم فتردوها على فقرائكم قال: فقال:
فهل بقي من العلم شيء لا تعلمته؟ قال: قد علمني الله عز وجل خيرا
وإن من العلم ما لا يعلمه إلا الله عز وجل
{إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي
نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ
}
[لقمان: 34])) رواه أحمد ورجاله ثقات أئمة وروى أبو داود طرفا منه...
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة يطول استقصاؤها وفيما ذكرنا كفاية.

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي –
ص763





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:35 AM
المشاركة 28

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
تمهيد


(أولها) أو أول هذه الأركان (الركن الأساس الأعظم) الركن في اللغة الجانب
الأقوى وهو بحسب ما يطلق فيه كركن البناء وركن القوم ونحو ذلك فمن
الأركان ما لا يتم البناء إلا به ومنها ما يقوم بالكلية إلا به وإنما قيل لهذه
الخمسة الأمور أركان ودعائم لقوله صلى الله عليه وسلم:
((بني الإسلام على خمس)) فشبهه بالبنيان المركب على خمس دعائم
وهذا الركن هو أصل الأركان الباقية ولهذا قلنا (الأساس) الذي لا يقوم البناء
إلا عليه ولا يمكن إلا به ولا يحصل بدونه (الأعظم) هذه الصيغة مشعرة
بتعظيم بقية الأركان وإنما هذا أعظمها فإنها كلها تابعة له ولا يدخل العبد في
شيء من الشريعة إلا به.
(وهو الصراط) الطريق الواضح (المستقيم) الذي لا اعوجاج فيه ولا غبار عليه
بل هو معتدل نير (الأقوم) أي الأعدل من سلكه أوصله إلى جنات النعيم ومن
انحرف عنه هوى في قعر الجحيم فإن من لم يثبت عليه في الدنيا لم يثبت
على جسر جهنم يوم القيامة وذلك الركن المشار إليه هو (ركن الشهادتين)
هذا إضافة الشيء إلى نفسه أي الركن الذي هو الشهادتين وهما شهادة
أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله فلا يدخل العبد الإسلام إلا بهما ولا
يخرج منه إلا بمناقضتهما إما جحودا لما دلتا عليه أو باستكبار عما
استلزمتاه ولهذا لم يدع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى شيء قبلهما
ولم يقبل الله تعالى ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحد شيئا
دونهما فبالشهادة الأولى يعرف المعبود وما يجب له وبالثانية يعرف كيف يعبده
وبأي طريق يصل إليه وكيف يؤمن بالعبادة أحد قبل تعريفه بالمعبود وكيف
يؤديها من لم يعرف كيف أمر الله أن يعبد .
ففي الشهادة الأولى توحيد المعبود الذي ما خلق الخلق ليعبدوه وحده لا
شريك له وفي الشهادة الثانية توحيد الطريق الذي لا يوصل إلى الله تعالى
إلا منه ولا يقبل دينا ممن ابتغى غيره ورغب عنه فإن عبادة الله تعالى التي
خلق الخلق لها وقضى عليهم إفراده بها هي أمر جامع لكل ما يحبه الله
تعالى ويرضاه اعتقادا وقولا وعملا ومعرفة محابه تعالى ومرضاته لا تحصل
إلا من طريق الشرع الذي أرسل به رسوله وأنزل به كتابه
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ
} [آل عمران: 31] وقد قدمنا في النوع الثاني من أنواع التوحيد
تحقيق الشهادتين وبيان تلازمهما وتوضيح نواقضهما وبسطنا الكلام هناك
وحررنا من الأدلة ما يغني عن الإعادة هنا. (فاثبت) أيها العبد المريد نجاة
نفسه من النار والفوز بالجنة على هذا الصراط المستقيم النير الواضح الجلي
ولا تستوحش من قلة السالكين وإياك أن تنحرف عنه فتهلك مع الهالكين
((فإن الله عز وجل ينادي يوم القيامة يا آدم فيقول: لبيك وسعديك فيقول:
أخرج بعث النار فيقول: من كم؟ فيقول: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين
))
فالناجي حينئذ واحد من ألف فاغتنم أن تكون من تلك الآحاد واحذر أن تغتر
بجموع الضلالة فتكون من حطب جهنم وبئس المهاد.
(واعتصم) أي استمسك (بالعروة) أي العقد الأوثق في الدين والسبب الموصل
إلى رب العالمين (الوثقى) تأنيث الأوثق (التي لا تنفصم) أي لا تنقطع وقد
تقدم في الكلام على لا إله إلا الله أنها هي العروة الوثقى وذلك واضح في
قوله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ
وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ
}
[البقرة: 256] وتقدم أن شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم
والإيمان به شرط في الإيمان بالله وما كان من شرط في الشهادة الأولى فهو
شرط في الثانية.

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي –
ص769





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:36 AM
المشاركة 29

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الفصل الأول: تحقيق الشهادتين

وهذان الأصلان هما تحقيق الشهادتين اللتين هما رأس الإسلام:
شهادة أن لا إله إلا الله، وشهادة أن محمداً رسول الله. فإن الشهادة
لله بأنه لا إله إلا هو، تتضمن إخلاص الإلهية له، فلا يجوز أن يتأله القلب
غيره، لا بحب ولا خوف ولا رجاء، ولا إجلال، ولا إكرام ولا رغبة، ولا رهبة
بل لا بد أن يكون الدين كله لله، كما قال تعالى:
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه} [ الأنفال: 39].
فإذا كان بعض الدين لله، وبعضه لغير الله: كان في ذلك من الشرك بحسب
ذلك. وكمال الدين كما جاء في الحديث الذي رواه الترمذي وغيره:
((من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله ومنع لله، فقد استكمل الإيمان)) .
فالمؤمنون يحبون لله، والمشركون يحبون مع الله. كما قال تعالى:
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ
أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ
اللّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ
} [البقرة: 165].
والشهادة بأن محمداً رسول الله، تتضمن تصديقه في كل ما أخبر، وطاعته
في كل ما أمر. فما أثبته وجب إثباته، وما نفاه وجب نفيه، كما يجب على
الخلق أن يثبتوا لله ما أثبته من الأسماء والصفات، وينفوا عنه ما نفاه عنه
من مماثلة المخلوقات، فيخلصوا من التعطيل والتمثيل، ويكونوا في إثبات
بلا تشبيه، وتنزيه بلا تعطيل. وعليهم أن يفعلوا ما أمر به وأن ينتهوا عما نهى
عنه، ويحللوا ما حلله، ويحرموا ما حرمه، فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله
ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله، ولهذا ذم الله المشركين في سورة الأنعام
والأعراف وغيرهما، لكونهم حرموا ما لم يحرمه الله، ولكونهم شرعوا ديناً لم
يأذن به الله، كما في قوله تعالى:
{وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا} [الأنعام: 136] إلى آخر السورة.
وما ذكره في صدر سورة الأعراف، وكذلك قوله تعالى:
{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} [الشورى: 21].
وقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا
وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا
} [الأحزاب: 45، 46] فأخبره
أنه أرسله داعياً إليه بإذنه، فمن دعا إلى غير الله فقد أشرك، ومن دعا إليه
بغير إذنه فقد ابتدع. والشرك بدعة، والمبتدع يؤول إلى الشرك ولم يوجد مبتدع
إلا وفيه نوع من الشرك، كما قال تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن
دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ
عَمَّا يُشْرِكُونَ
} [التوبة: 31] وكان من إشراكهم بهم أنهم أحلوا لهم الحرام
فأطاعوهم، وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم.
وقد قال تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا
حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ
الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ
} [التوبة: 29] فقرن بعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر
أنهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق.
والمؤمنون صدقوا الرسول فيما أخبر به عن الله وعن اليوم الآخر، فآمنوا بالله
واليوم الآخر وأطاعوه فيما أمر ونهى، وحلل وحرم، فحرموا ما حرم الله ورسوله
ودانوا دين الحق، فإن الله بعث الرسول يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر
ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، فأمرهم بكل معروف، ونهاهم عن
كل منكر، وأحل لهم كل طيب، وحرم عليهم كل خبيث.

اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد بن
عبد الحليم بن تيمية – 2/842



جماع الدين وأصله ومبدؤه أمران هما:

توحيد الله تعالى بالعبادة بتحقيق شهادة ألا إله إلا الله.
تجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم بتحقيق شهادة أن محمداً
رسول الله.
ولهذا كان الإقرار بهما هو الأصل في الحكم للمعين بالإسلام ودخوله فيه
وكان تحقيقهما وعدم مناقضتهما شرطاً لبقاء ذلك الوصف. وكانتا مفتاح
الجنة وشرط النجاة في الآخرة. فعليهما إذن مدار الدين كله.
وتحقيق الشهادتين هو الإسلام العام الذي أمر الله به جميع عباده، وذلك
بتوحيده واتباع رسله على اختلاف الشرائع التي يرسلون بها. ولهذا قال
الرسول صلى الله عليه وسلم:
((الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد)) .
فالرسل جميعاً إنما يأتون بأمر واحد هو توحيد الله تعالى
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا
أَنَا فَاعْبُدُونِ
} [الأنبياء: 25].
ويقول تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ
إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ
} [الأعراف: 65].
وقال تعالى {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ
إِلَهٍ غَيْرُهُ
} [الأعراف: 73]. وقال تعالى: {وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ
يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ
} [الأعراف: 85].
ولهــذا فإن جميع أنبياء الله ومن اتبعهم على مر التاريخ مسلمون بهذا
الاعتبار. لأن حقيقة الإسلام هي إسلام القصد والنية والوجه لله وحده
كما قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ
واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً
} [النساء: 125].
وقال تعالى عن إبراهيم عليه السلام: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ
مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ
إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ
} [البقرة: 130-131].
وحكى الله عنه عليه السلام قوله: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا
أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
}
[البقرة: 128]. وقال تعالى عن حواري عيسى عليه السلام:
{وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي قَالُوَاْ آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا
مُسْلِمُونَ
} [المائدة: 111]. وذكر الله تعالى عن سحرة فرعون بعد أن أسلموا
أنهم قالـوا: {وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا
وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ
} [الأعراف: 126].
وعلى هذا فالتوحيد هو الغاية التي بعث لها جميع الرسل، واتباعهم هو
المنهج والطريق الذي لابد من سلوكه والالتزام به لتحقيق تلك الغاية.
ولهذا نجد اشتراط تحقيق الشهادتين لدخول الجنة والنجاة من النار.
كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أشهد ألا إله إلا الله وأني رسول
الله لا يلقى الله بهما غير شاك فيهما إلا دخل الجنة
)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من أحد يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً
عبد الله ورسوله صدقاً من قلبه إلا حرمه الله على النار
)) .
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يشهد أحد ألا إله إلا الله وأني رسول الله
فيدخل النار أو تطعمه
)) . وقال صلى الله عليه وسلم:
((من شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حرمه الله على النار))
وحقيق بالتنبيه هنا بيان أن المراد بالشهادة هنا ليس مجرد النطق
بالشهادتين باللسان، وإنما المراد تحقيقهما ظاهراً وباطناً وعدم مناقضتهما.

ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني – ص32

لابد لتحقيق الإقرار بالشهادتين التي هي الدلالة المطابقة لأصل الدين من:


- العلم بمدلولها إجمالاً.
- الالتزام بذلك المدلول.
- ترك ما يناقض ذلك.


وهذه القضايا الثلاث مترابطة وضرورية في تحقيق أصل الدين لأنه لا يمكن
تحقيق الشهادتين دون العلم بمدلولها والالتزام الإجمالي بمقتضى ذلك
المدلول، كما لا يمكن تحقيقهما مع فعل ما يناقضها.

ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني – ص310





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:38 AM
المشاركة 30

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الفصل الثاني: مجرد النطق بالشهادتين

بوب الإمام ابن منده في كتابه (الإيمان) ذكر ما يدل على أن قول لا إله
إلا الله يوجب اسم الإسلام ويحرم مال قائلها ودمه، وذكر فيه حديث
المقداد رضي الله عنه، قال: ((قلت يا رسول الله أرأيت إن اختلفت أنا
ورجل من المشركين ضربتين فقطع يدي، فلما هويت إليه لأضربه قال:
لا إله إلا الله، أأقتله؟ أم أدعه؟ قال: بل دعه
)) وقال شيخ الإسلام ابن
تيمية - رحمه الله-: (وقد علم بالاضطرار من دين الرسول -
صلى الله عليه وسلم- واتفقت عليه الأمة، أن أصل الإسلام، وأول ما
يؤمر به الخلق: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فبذلك
يصير الكافر مسلماً والعدو ولياً، والمباح دمه وماله: معصوم الدم والمال
…)
ويقول الإمام ابن الصلاح –رحمه الله-
(…وحكم الإسلام في الظاهر يثبت بالشهادتين …) وقال الإمام ابن رجب
الحنبلي – رحمه الله -: (ومن المعلوم بالضرورة أن النبي..
صلى الله عليه وسلم كان يقبل من كل من جاءه يريد الدخول في الإسلام
الشهادتين فقط، ويعصم دمه بذلك ويجعله مسلماً
) ويقول – أيضاً-:
(من أقر صار مسلماً حكماً) ويقول الحافظ ابن حجر –رحمه الله-
(…وفي حديث ابن عباس من الفوائد - حديث بعث معاذ إلى اليمن-
الاقتصار في الحكم بإسلام الكافر إذا أقر بالشهادتين
) .وقال أيضاً:
(…أما بالنظر إلى ما عندنا –أي في الدنيا – فالإيمان هو الإقرار فقط
فمن أقر أجريت عليه الأحكام في الدنيا ولم يحكم عليه بكفر إلا إن اقترن
به فعل يدل على كفره كالسجود للصنم
) .
هذه النصوص عن الأئمة واضحة في تقرير هذا الأصل، وأهمية تقرير هذا
الأصل هنا تكمن في أن بعض الباحثين يخلطون بين الحكم الدنيوي
والأخروي، فيظنون أنه يلزم من الحكم بإسلام الشخص، الحكم له بالنجاة
في الآخرة، أو يظنون أن الشروط التي ذكرها العلماء لكلمة التوحيد من
العلم والإخلاص واليقين..الخ، لا يحكم بإسلام الشخص إلا بعد فهم هذه
الشروط، ولكن الحقيقة أن مجرد النطق بكلمة التوحيد لا ينجي العبد
عند الله إلا بالإتيان بشروطها.
أما بالنسبة للحكم الدنيوي فمجرد النطق كاف في الحكم بإسلام المرء
حتى يتبين لنا ما يناقض ذلك- بعد قيام الحجة وبذلك ندرك الخطأ الذي
وقع فيه من يرى أن من يقعون في شيء من الشرك من نذر وذبح لغير
الله وطواف على القبور ممن شهد بشهادة التوحيد كفار أصليون باعتبارهم
لم يفهموا التوحيد .

نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله
بن علي الوهيبي – 1/228





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. آلجُزْْءْ آلثآني ]] | ▐الخلــود ▐| ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 19 15-12-2009 09:29 AM
المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. آلجُزْْءْ الآوَلْ ]] | ▐الخلــود ▐| ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 24 15-12-2009 09:04 AM

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


الساعة الآن 10:11 PM.