قديم 16-12-2009, 02:42 AM
المشاركة 33

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


الشرط السابع: المحبة

السابع من الشروط السبعة لشهادة لا إله إلا الله (المحبة) لهذه الكلمة ولما اقتضته
ودلت عليه ولأهلها العاملين بها الملتزمين لشروطها وبغض ما ناقض ذلك. قال الله
عز وجل: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ
أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَأَنَّ اللّهَ شَدِيدُ
الْعَذَابِ
} [البقرة: 165] , وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الذِّينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ
فَسَوْفَ يَأْتِي الله بِقَوْمٍ يُحْبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ وَلا يَخَافُونَ }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ
عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ
يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ
{ [المائدة: 54] فأخبرنا الله عز وجل أن عباده المؤمنين أشد حبا له
وذلك لأنهم لم يشركوا معه في محبته أحدا كما فعل مدعو محبته من المشركين
الذين اتخذوا من دونه أندادا يحبونه كحبه, وعلامة حب العبد ربه تقديم محابه وإن
خالفت هواه, وبغض ما يبغض ربه وإن مال إليه هواه, وموالاة من والى الله ورسوله
ومعاداة من عاداه, واتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه.
وكل هذه العلامات شروط في المحبة لا يتصور وجود المحبة مع عدم شرط منها
قال الله تبارك وتعالى: {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلا}
[الفرقان: 43] الآيات , وقال تعالى: }أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى
عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ
أَفَلا تَذَكَّرُونَ
{ [الجاثية: 23] فكل من عبد مع الله غيره فهو في الحقيقة عبد هواه
بل كل ما عصى الله به من الذنوب فسببه تقديم العبد هواه على أوامر الله
عز وجل ونواهيه. وقال تعالى في شأن الموالاة والمعاداة فيه: }قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ
حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن
دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ
إِلا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ
تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ
{ [الممتحنة: 4] الآيات. وقال الله تعالى: }
لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا
آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم
بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ
{ [المجادلة: 22] الآية
وقال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء
بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
{ [المائدة: 51]
الآيات, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء
إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
}
[التوبة: 23-24] الآيتين, وقال الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ
الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء
مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ
مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ
{ [الممتحنة: 1] إلى آخر السورة وغير ذلك من الآيات.
وقال تعالى في اشتراط اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم:
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ
}
[آل عمران: 31] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من كن فيه وجد
بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأن يحب المرء
لا يحبه إلا لله, وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن
يقذف في النار
)) . وعنه وعن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: ((لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده
والناس أجمعين
)) ... وذلك الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو
الخبر عن الله والأمر بما يحبه الله ويرضاه والنهي عما يكره ويأباه, فإذا امتثل
العبد ما أمره الله به واجتنب ما نهاه عنه وإن كان مخالفا لهواه كان مؤمنا حقا
فكيف إذا كان لا يهوى سوى ذلك. وفي الحديث:
((أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض فيه)) .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (من أحب في الله وأبغض في الله ووالى
في الله وعادى في الله, فإنما تنال ولاية الله بذلك
) . وقد أصبح غالب مؤاخاة
الناس اليوم على أمر الدنيا, وذلك لا يجدي على أهله شيئا...
وقال البخاري رحمه الله تعالى: حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا فليح قال
حدثنا هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى قالوا يا رسول الله ومن يأبى؟
قال: من أطاعني دخل الجنة, ومن عصاني فقد أبى
)) قال حدثنا محمد
بن عبادة أخبرنا يزيد حدثنا سليم – وأثنى عليه – حدثنا سعيد بن ميناء حدثنا -
أو سمعت - جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول:
((جاءت الملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو نائم فقال بعضهم: إنه نائم
وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان, فقالوا: إن صاحبكم هذا مثلا
فاضربوا له مثلا, فقالوا: إن مثله كمثل رجل بنى دارا وجعل فيها مأدبة وبعث
داعيا, فمن أجاب الداعي دخل الدار وأكل من المأدبة, ومن لم يجب الداعي
لم يدخل الدار ولم يأكل من المأدبة. فقالوا: أولوها له يفقهها, فقال بعضهم:
إنه نائم, وقال بعضهم: إن العين نائمة والقلب يقظان. فقالوا: فالدار الجنة
والداعي محمد صلى الله عليه وسلم, فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم
فقد أطاع الله, ومن عصى محمدا صلى الله عليه وسلم فقد عصى الله
ومحمد صلى الله عليه وسلم فرق بين الناس
)) .
ومن هنا يعلم أنه لا تتم شهادة أن لا إله إلا الله إلا بشهادة أن محمدا رسول
الله صلى الله عليه وسلم, فإذا علم أنه لا تتم محبة الله عز وجل إلا بمحبة
ما يحبه وكراهة ما يكرهه, فلا طريق إلى معرفة ما يحبه تعالى ويرضاه
وما يكرهه ويأباه إلا باتباع ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم
واجتناب ما نهى عنه, فصارت محبته مستلزمة لمحبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم وتصديقه ومتابعته, ولهذا قرن محبته بمحبة رسول الله
صلى الله عليه وسلم في مواضع كثيرة من القرآن كقوله عز وجل:
قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا
{وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ
فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ
}
[التوبة: 24] وغير ذلك من الآيات.}

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص518 -524






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:43 AM
المشاركة 34

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


الكتاب الثاني: أركان الإسلام » الباب الثاني: الصلاة »

تمهيد




(وثانيا) من الأركان الخمسة (إقامة الصلاة) بجميع حقوقها ولوازمها (وثالثا تأدية الزكاة)
إعطاؤها على الوجه المشروع وقد تقرر اقتران هذين الركنين بالتوحيد وتقديمهما بعده
على غيرهما في غير موضع من القرآن أمرا وخبرا قال تعالى
{ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ
} [البقرة: 2-3] قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ
وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ
}
[البقرة: 277] وقال الله تعالى:
{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56]
وقال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ
وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
} [البينة: 5] وقال الله تعالى:
{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}
[التوبة: 5] وفي حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه النبي..
صلى الله عليه وسلم إلى اليمن قال له:
((إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة
أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم
خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم
صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم
أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب
)) وفي رواية
((فليكن ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل فإذا عرفوا الله تعالى فأخبرهم))
الحديث.
ولنذكر طرفا من النصوص المتعلقة بالصلاة على انفرادها ثم نذكر ما تيسر من
نصوص الزكاة والله المستعان.

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص770






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:44 AM
المشاركة 35

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]



الفصل الأول: فضل الصلاة



اعلم هدانا الله وإياك أن الصلاة قد اشتملت على جل أنواع العبادة من الاعتقاد
بالقلب والانقياد والإخلاص والمحبة والخشوع والخضوع والمشاهدة والمراقبة
والإقبال على الله عز وجل وإسلام الوجه له والصمود والاطراح بين يديه وعلى أقوال
اللسان وأعماله من الشهادتين وتلاوة القرآن والتسبيح والتحميد والتقديس
والتمجيد والتهليل والتكبير والأدعية والتعوذ والاستغفار والاستغاثة والافتقار إلى الله
تعالى والثناء عليه والاعتذار من الذنب إليه والإقرار بالنعم له وسائر أنواع الذكر
وعلى عمل الجوارح من الركوع والسجود والقيام والاعتدال والخفض والرفع وغير ذلك
هذا مع تضمنته من الشرائط والفضائل منها الطهارة الحسية من الأحداث والأنجاس
الحسية والمعنوية من الإشراك والفحشاء والمنكر وسائر الأرجاس وإسباغ الوضوء
على المكاره ونقل الخطا إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة وغير ذلك مما لم
يجتمع في غيرها من العبادات ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:
((وجعلت قرة عيني في الصلاة))
ولاشتمالها على معاني الإيمان سماها الله
إيمانا في قوله تعالى {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143]
.وهي ثانية أركان
الإسلام في الفرضية فإنها فرضت في ليلة المعراج بعد عشر من البعثة لم يدع
رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلها إلى شيء غير التوحيد الذي هو الركن
الأول ففرضت خمسين ثم خففها الله عز وجل إلى خمس كما تواترت النصوص
بذلك في الصحيحين وغيرهما وهي ثانية في الذكر فما ذكرت شرائع الإسلام
في آية من الآيات أو حديث من السنة إلا وبدئ بها بعد التوحيد قبل غيرها كما
في الآيات السابقة وكما في حديث جبريل وحديث
((بني الإسلام)) وحديث وفد
عبد القيس وحديث معاذ بن جبل وحديث
((أمرت أن أقاتل الناس))
وغيرها مما لا يحصى.
وهي ثانية في آيات الأمر بالجهاد وفي آيات وعيد الكفار
كما في قوله تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ}
[التوبة: 5] وقال الله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ
وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات: 46-49].
وهي ثانية في مدح المؤمنين كما قال الله تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ
فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ} [المؤمنون: 1-2]
وفي ذم الكفار بتركها كما في قوله تعالى:
{فَمَا لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ} [الانشقاق: 20-21] وقوله:
{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31-32]
وكذا في ذم المنافقين بعدم اهتمامهم لها كما في قوله تعالى:
{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ
وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ
يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}
[النساء: 142]. وهي ثانية في حساب العبد يوم القيامة كما في قوله ..
صلى الله عليه وسلم: ((أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة
صلاته فإن قبلت
منه تقبل منه سائر عمله وإن ردت عليه رد عليه
سائر عمله)) .
ومعنى قوله ((أول ما يسأل عنه العبد)) أي بعد التوحيد.
وهي ثانية فيما يذكر المجرمون أنهم عوقبوا به كما في قوله تعالى
{فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر: 40-43]
الآيات والنصوص في شأنها كثيرة لا تحصى وهي متنوعة فمنها
ما فيه الأمر بها {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى
وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] وقوله
{اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ
الصَّلَاةَ تَنْهَى
عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا
تَصْنَعُونَ} [العنكبوت: 45]
وقوله: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ
الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ
كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78] وما في معناها. ومنها ما فيه بيان
محلها من الدين
كالنصوص السابقة وكقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ
((رأس الأمر الإسلام
وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله)) .
ومنها في ثواب أهلها كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ
يُحَافِظُونَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ
الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [المؤمنون: 9-11].
ومنها ما فيه نجاتهم من النار كقوله صلى الله عليه وسلم في عصاة الموحدين ((فيعرفونهم بآثار السجود تأكل النار من ابن آدم
إلا أثر السجود حرم الله على
النار أن تأكل أثر السجود)) .
ومنها ما في عقاب تاركها كقوله تعالى
{فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ
سَاهُونَ} [الماعون: 4-5] وقوله تعالى:
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ
وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ} [مريم: 59-60]
الآية, وقوله تعالى:
{يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ
خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ
تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ} [القلم: 42-43].
ومنها ما فيه تكفير تاركها ونفي الإيمان عنه وإلحاقه بإبليس كقوله تعالى:
{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا}
[مريم: 59-60] فإنه لو كان
مضيع الصلاة مؤمنا لم يشترط في توبته الإيمان. وقوله:
{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ
وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ
لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 11]
فعلق أخوتهم للمؤمنين بفعل الصلاة فإذا لم يفعلوا لم يكونوا أخوة
للمؤمنين فلا يكونون مؤمنين وقال الله تعالى:
{إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا
سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} ]السجدة: 15
وقال الله تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ
إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}
البقرة: 34[. ]وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل
الشيطان يبكي يقول: يا ويله – وفي رواية يا ويلي –
أمر ابن آدم بالسجود
فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار))
.وفيه عن جابر
رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))
ورواه الترمذي وقال حسن
صحيح وله عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن
تركها فقد كفر)) ...
وروى الإمام أحمد والنسائي عن محجن بن الأدرع
الأسلمي:
((أنه كان في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم
فأذن بالصلاة فقام النبي...
صلى الله عليه وسلم ثم رجع ومحجن في مجلسه
فقال له: ما منعك أن
تصلي ألست برجل مسلم قال: بلى ولكني صليت
في أهلي فقال له:
إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت))
فجعل الفارق بين المسلم
والكافر الصلاة ولفظ الحديث يتضمن أنك لو كنت مسلما
لصليت.
وفي المسند والأربع السنن عن عبد الله بن عمرو
بن العاص رضي الله عنهما
((عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة
يوما فقال له:
من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم
القيامة ومن لم يحافظ عليها
لم يكن له نور وبرهان ولا نجاة وكان يوم القيامة
مع قارون وفرعون وهامان
وأبي بن خلف)) ....


معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول
لحافظ بن أحمد الحكمي – ص771





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:45 AM
المشاركة 36

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


الأقوال في المسألة

قال الترمذي رحمه الله تعالى: حدثنا قتيبة أخبرنا بشر بن المفضل عن الجريري
عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم
لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة .ومنها ما فيه التصريح بوجوب
قتله كقوله تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ} [التوبة: 5] الآية وقوله ...
صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن
محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة
)) الحديث وغير ذلك من الآيات
والأحاديث.وأما الآثار في شأنها عن الصحابة والتابعين ومن بعدهم فأكثر من أن
تحصر وقد أجمعوا على قتله كفرا إذا كان تركه للصلاة عن جحود لفرضيتها
أو استكبار عنها وإن قال لا إله إلا الله لما تقدم من الآيات والأحاديث السابقة ولد
خوله في التارك لدينه المفارق للجماعة وفي قوله صلى الله عليه وسلم
((من بدل دينه فاقتلوه)) فإنه بذلك يكون مرتدا مبدلا لدينه وأما إن كان تركه لها
لا لجحود ولا استكبار بل لنوع تكاسل وتهاون كما هو حال كثير من الناس فقال
النووي رحمه الله تعالى والجماهير من السلف والخلف إلى أنه لا يكفر بل يفسق
ويستتاب فإن تاب وإلا قتلناه حدا كالزاني المحصن ولكنه يقتل بالسيف.وذهب
جماعة من السلف وهو مروي عن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وهي إحدى
الروايتين عن أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى وبه قال عبد الله بن مبارك وإسحاق
بن راهويه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي رضوان الله عليه وذهب أبو حنيفة
وجماعة من أهل الكوفة والمزني صاحب الشافعي رحمهم الله تعالى إلى أنه
لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي قال رحمه الله تعالى:
واحتج من قال بكفره بظاهر حديث جابر ..
((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) وبالقياس على كلمة التوحيد.
واحتج من قال لا يقتل بحديث ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث))
وليس فيه الصلاة واحتج الجمهور على أنه لا يكفر بقوله تعالى:
{إِنَّ الله لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاء} [النساء: 48]
وبقوله صلى الله عليه وسلم: ((من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ومن مات وهو
يعلم أن لا إله إلا الله دخل الجنة ولا يلقى الله عبد بهما غير شاك فيحجب عن
الجنة وحرم الله على النار من قال لا إله إلا الله
)) وغير ذلك واحتجوا على قتله
بقوله تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ
رَّحِيمٌ
} [التوبة: 5] وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى
يقولوا لا إله إلا الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني
دماءهم وأموالهم
)) وتأولوا قوله صلى الله عليه وسلم:
((بين العبد وبين الكفر ترك الصلاة)) على معنى أنه يستحق بترك الصلاة عقوبة
الكافر وهي القتل أو أنه محمول على المستحل أو على أنه قد يؤول به إلى
الكفر أو أن فعله فعل الكفار والله أعلم انتهى كلامه.

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص777



أما من تعمد ترك الصلاة تهاوناً وكسلاً، وهل هو كافر أو مسلم؟ ففيه قولان
وهذه المسألة محل خلاف طويل بين أهل العلم، وسنورد أقوالهم وأدلتهم
ومناقشتها على النحو التالي:-
القول الأول:- قال بتكفير تارك الصلاة جمع من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين
وكثير من أئمة العلم وأهله.يقول محمد بن نصر المروزي عن هذا القول: - وهذا
مذهب جمهور أصحاب الحديث. ويقول ابن حزم: - " فروينا عن عمر بن الخطاب –
رضي الله عنه – ومعاذ بن جبل وابن مسعود وجماعة من الصحابة – رضي الله عنهم –
وعن ابن المبارك، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم
وعن تمام سبعة عشر رجلاً من الصحابة، والتابعين رضي الله عنهم، أن من تـرك
صلاة فرض عامداً ذاكراً حتى يخرج وقتها، فإنه كافر ومرتـد، وبهذا يقول عبد الله
بن الماجشـون صاحب مالك، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره.
وقال ابن قدامة: - واختلفت الرواية هل يقتل لكفره أو حداً؟ فروي أنه يقتل
لكفره كالمرتد، فلا يغسل ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين، ولا يرثه أحد، ولا
يرث أحداً، اختارها أبو إسحاق بن شاقلا، وابن حامد، وهو مذهب الحسن
والنخعي، والشعبي، وأيوب السختياني، والأوزاعي، وابن المبارك، وحماد
بن زيد، وإسحاق، ومحمد بن الحسن... وقال النووي: - " من تركها بلا عذر
تكاسلاً وتهاوناً فيأثم بلا شك، ويجب قتله إذا أصر، وهل يكفر؟
فيه وجهان
حكاهما المصنف الشيرازي وغيره، أحدهما يكفر، قال العبدري: وهو قول منصور
الفقيه من أصحابنا وحكاه المصنف في كتابه في الخلاف عن أبي الطيب بن
سلمة من أصحابنا. وقال ابن تيمية: - " وإن كان التارك للصلاة واحداً فقد قيل
إنه يعاقب بالضرب والحبس حتى يصلي، وجمهور العلماء على أنه يجب قتله
إذا امتنع من الصلاة بعد أن يستتاب، فإن تاب وصلى، وإلا قتل، وهل يقتل كافراً
أو مسلماً فاسقاً؟ فيه قولان،
وأكثر السلف على أنه يقتل كافراً، وهذا كله مع
الإقرار بوجوبها.
وأما القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة فكثير من الفقهاء.قال ابن قدامة: - "
والرواية الثانية: يقتل حداً، مع الحكم بإسلامه، كالزاني المحصن، وهذا اختيار
أبي عبد الله ابن بطة، وأنكر قول من قال إنه يكفر... وهذا قول أكثر الفقهاء،
وقول أبي حنيفة ومالك، والشافعي. وقال النووي – عن هذا القول:
وهو الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور.
(أ) أدلة الفريق الأول:-
استدل القائلون بتكفير تارك الصلاة بأدلة من الكتاب والسنة والإجماع أما الكتاب:-
1- فقوله تعالى: - {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَمْ لَكُمْ
كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا يَتَخَيَّرُونَ أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ سَلْهُم أَيُّهُم بِذَلِكَ زَعِيمٌ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء فَلْيَأْتُوا
بِشُرَكَائِهِمْ إِن كَانُوا صَادِقِينَ
– إلى قوله – يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى
السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى
السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ
} [القلم: 35-43].يقول ابن تيمية: - " إنما يصف سبحانه
بالامتناع عن السجود الكفار، كقوله {يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ
فَلا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ
} [القلم:42] ويقول ابن القيم: -
" فوجه الدلالة من الآية: - أنه سبحانه أخبر أنه لا يجعل المسلمين كالمجرمين
وأن هذا الأمر لا يليق بحكمته، ولا بحكمه، ثم ذكر أحوال المجرمين الذين هم
ضد المسلمين، فقال: - " يوم يكشف عن ساق " وأنهم يدعون إلى السجود
لربهم – تبارك وتعالى – فيحال بينهم وبينه، فلا يستطيعون السجود
مع المسلمين عقوبة لهم على ترك السجود له مع المصلين في دار الدنيا،
وهذا يدل على أنهم مع الكفار والمنافقين الذين تبقى ظهورهم إذا سجـد
المسلمون كصياصي البقر ، ولـو كانوا من المسلمين لأذن لهم بالسجود
كما أذن للمسلمين.
2 - قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ
يَتَسَاءلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ
وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى
أَتَانَا الْيَقِينُ
} [المدثر: 38-47]يقول محمد بن نصر المروزي: -
أولا تراه أبان أن أهل المعاد إلى الجنة المصلين، وأن المستوجبين للإياس
من الجنة المستحقين للتخليد في النار من لم يكن من أهل الصلاة بإخباره
تعالى عن المخلدين في النار حين سئلوا {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ
مِنَ الْمُصَلِّينَ
} [المدثر: 42].
وقال ابن القيم: - " قد جعل الله سبحانه المجرمين ضد المسلمين، وتارك
الصلاة من المجرمين السالكين في سقر، وقد قال: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ
وَسُعُرٍ يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر: 47, 48]
وقال تعالى: - {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُواْ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين: 29]،
فجعل المجرمين ضد المؤمنين المسلمين.
3- قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ
} [مريم: 59].ومعنى أضاعوا الصلاة أي تركوها، كما اختاره
ابن جرير وغيره ، وأما المقصود بغي، فقد ساق الإمام محمد بن نصر بسنده
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: -
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((لو أن صخرة زنة عشر عشروات قذف بها من شفير جهنم ما بلغت قعرها
سبعين خريفاً، ثم تنتهي إلى غي وأثام، فقلت: وما غي وأثام؟ قال:
بئران في أسفل جهنم، يسيل فيها صديد أهل جهنم
)). يقول ابن القيم: -
" فوجه الدلالة من الآية أن الله سبحانه جعل هذا المكان من النار لمن أضاع
الصلاة، واتبع الشهوات، ولو كان مع عصاة المسلمين، لكانوا في الطبقة العليا
من طبقات النار، ولم يكونوا في هذا المكان الذي هو في أسفلها، فإن هذا
ليس من أمكنة أهل الإسلام، بل من أمكنه الكفار، ومن الآية دليل آخر وهو
قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} فلو كان
مضيع الصلاة مؤمناً، لم يشترط في توبته الإيمان، وأنه يكون تحصيلاً للحاصل.
4- قوله عز وجل: - {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ
وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ
} [التوبة:
11].فمفهوم هذه الآية أنهم إن لم يقيموا
الصلاة لم يكونوا من إخوان المؤمنين، ومن انتفت عنهم أخوة المؤمنين،
فهم من الكافرين؛ لأن الله تعالى يقول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ
وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ
} [الحجرات: 10]، فالأخوة الدينية لا تنتفي بالمعاصي
وإن عظمت، ولكن تنتفي بالخروج عن الإسلام.
5- قوله سبحانه وتعالى: {فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31- 32].
يقول محمد بن نصر المروزي: - " فالكذب ضد التصديق، والتولي ترك الصلاة وغيرها
من الفرائض، ثم أوعده وعيداً بعد وعيد فقال: -
{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} [القيامة: 34- 35]. ويقول ابن القيم –
عن هذه الآيات: فلما كان الإسلام تصديق الخبر، والانقياد للأمر، جعل سبحانه
له ضدين: عدم التصديق، وعدم الصلاة، وقابل التصديق بالتكذيب
والصلاة بالتولي فقال: - " {وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} فكمـا أن المكذب كافر
فالمتولي عن الصلاة كافر، فكما يزول الإسلام بالتكذيب يزول بالتولي عن الصلاة.
6-قوله تبارك وتعالى: - {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلَادُكُمْ عَن
ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ
} [المنافقون: 9].قال عطاء
بن أبي رباح: هي الصلاة المكتوبة.
يقول ابن القيم: - " ووجه الاستدلال بالآية أن الله حكم بالخسران المطلق
لمن أَلْهَا ماله وولده عن الصلاة، والخسران المطلق لا يحصل إلا للكفار
فإن المسلم ولو خسر بذنوبه ومعاصيه، فآخر أمره إلى الربح، يوضحه أنه
سبحانه وتعالى – أكد خسران تارك الصلاة في هذه الآية بأنواع من التأكيد:
الأول: إتيانه به بلفظ الاسم الدال على ثبوت الخسران ولزومه دون الفعل
الدال على التجدد والحدوث.
الثاني: - تصدير الاسم بالألف واللام المؤدية لحصول كمال المسمى لهم
فإنك إذا قلت: زيد العالم الصالح، أفاد ذلك إثبات كمال ذلك، بخلاف قولك
عالم صالح.
الثالث: - إتيانه – سبحانه – بالمبتدأ والخبر معرفتين،وذلك من علامات انحصار
الخبر في المبتدأ كما في قوله تعالى: - {وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]
وقوله تعالى - {وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [البقرة: 254].
الرابع: - إدخال ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر، وهو يفيد مع الفصل فائدتين
أخريين: قوة الإسناد، واختصاص المسند إليه بالمسند، كقوله تعالى:-
{وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحـج: 64] وقوله: -
{وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [المائدة: 76].
7- قوله تعالى: {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ وَإِذَا قِيلَ
لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ
} [المرسلات: 46-49].
يقول ابن القيم: " توعدهم على ترك الركوع، وهو الصلاة إذا دعوا إليها، ولا يقال
إنما توعدهم على التكذيب، فإنه سبحانه وتعالى إنما أخبرهم عن تركهم لها
وعليه وقع الوعيد.
على أنا نقول: لا يصر على ترك الصلاة إصراراً مستمراً من يصدق بأن الله سبحانه
أمر بها أصلاً، فإنه يستحيل – في العادة والطبيعة – أن يكون الرجل مصدقاً تصديقاً
جازماً أن الله فرض عليه كل يوم وليلة خمس صلوات، وأنه يعاقبه على تركها أشد
العقاب، وهو مع ذلك مصر على تركها، هذا من المستحيل قطعاً، فلا يحافظ على
تركها مصدق بفرضها أبداً، فإن الإيمان يأمر صاحبه بها، فحيث لم يكن في قلبه
ما يأمره بها، فليس في قلبه شيء من الإيمان.ولا تصغ إلى كلام من ليس له
خبرة ولا علم بأحكام القلوب وأعمالها، وتأمل في الطبيعة بأن يقوم بقلب العبد
إيمان بالوعد والوعيد، والجنة والنار، وأن الله فرض عليه الصلاة، وأن الله يعاقبه
معاقبة على تركها، وهو محافظ على الترك في صحته وعافيته، وعدم الموانع
المانعة له من الفعل،و هذا القدر هو الذي خفي على من جعل الإيمان مجرد
التصديق، وإن لم يقارنه فعل واجب ولا ترك محرم، وهذا من أمحل المحال أن
يقوم بقلب العبد إيمان جازم لا يتقاضاه فعل طاعة، ولا ترك معصية.
8- قوله تعالى: {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}
[الروم:31].فبين عز وجل أن علامة أن يكون من المشركين ترك إقامة الصلاة.
وأما أدلتهم من السنة فنوردها كما يأتي:-1- ساق الإمام مسلم بسنده
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: -
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
((إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الحد بين الإسلام والكفر ترك الصلاة، فمن
أدى الصلاة فهو مسلم، ومن تركها فهو كافر.يقول البيهقي: ليس من العبادات
بعد الإيمان الرافع للكفر عبادة سماها الله عز وجل إيماناً، وسمى رسول الله..
صلى الله عليه وسلم تركها كفراً إلا الصلاة.
وقد جاء الكفر – في هذا الحديث – معرفاً، فدل على التخصيص والعهد، وكما قال
ابن تيمية:-" ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر يصير كافراً الكفر
المطلق حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة
من شعب الإيمان يصير مؤمناً، حتى يقوم به أصل الإيمان، وفرق بين الكفر
المعرف باللام كما في قولـه صلى الله عليه وسلم: ((ليس بين العبد وبين
الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة)) وبين كفر منكر في الإثبات.
ويقول الشوكاني - في بيان حكم تارك الصلاة –:
والحق أنه كافر يقتل، أما كفره فلأن الأحاديث قد صحت أن الشارع سمى
تارك الصلاة بذلك الاسم، وجعل الحائل بين الرجل وبين جواز إطلاق هذا الاسم
عليه هو الصلاة، فتركها مقتض لجواز الإطلاق. ويقول الشنقيطي عن هذا الحديث:
وهو واضح في أن تارك الصلاة كافر؛ لأن عطف الشرك على الكفر فيه تأكيد
قوي لكونه كافراً. 2- وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))
يقول العراقي في شرح هذا الحديث: - " الضمير في قوله " وبينهم "
يعود على الكفار أو المنافقين، معناه بين المسلمين والكافرين والمنافقين
ترك الصلاة... والمراد أنهم ما داموا يصلون فالعهد الذي بينهم وبين المسلمين
من حقن الدم باق... ومما قاله المباركفوري في شرح هذا الحديث: -
" والمعنى أن العمدة في إجراء أحكام الإسلام عليهم تشبههم بالمسلمين
في حضور صلاتهم، ولزوم جماعتهم، وانقيادهم للأحكام الظاهرة، فإذا تركوا
ذلك كانوا هم والكفار سواء. فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة
حداً يميز المسلمين عن غيرهم من الكفار، ويشهد لهذا ما جاء في الحديث
الآخر عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعاً قال:
((بين العبد وبين الكفر والإيمان الصلاة، فإذا تركها فقد أشرك))
3- وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما :
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الصلاة يوماً فقال:
((من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها
لم تكن له نوراً، ولا برهاناً، ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون
وهامان وأبي بن خلف
)) قال ابن القيم: وإنما خص هؤلاء الأربعة بالذكر لأنهم
من رؤوس الكفرة، وفيه نكتة بديعة، وهو أن تارك المحافظة على الصلاة...
إما أن يشغله ماله، أو ملكه، أو رئاسته، أو تجارته، فمن شغله عنها ماله
فهو مع قارون ومن شغله عنها ملكه فهو مع فرعون، ومن شغله عنها رئاسة
وزارة فهو مع هامان، ومن شغله عنها تجارته مع أبي بن خلف. وقال الشنقيطي:
" وهذا الحديث أوضح دلالة على كفر تارك الصلاة؛ لأن انتفاء النور والبرهان
والنجاة، والكينونة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف يوم القيامة أوضح
دليل على الكفر كما ترى. 4
- وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي أبو القاسم
صلى الله عليه وسلم بسبع:
((لا تشرك بالله شيئاً، وإن قطعت أو حرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمداً
فمن تركها عمداً فقد برئت منه الذمة
)) يقول ابن القيم: -
" ولو كان باقياً على إسلامه، لكانت له ذمة الإسلام.
5- وجاء في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الطويل، قوله :
صلى الله عليه وسلم: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد))
يقول الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله -: ألست تعلم أن الفسطاط إذا سقط عموده
سقط الفسطاط، ولم تنتفع بالطنب ولا بالأوتاد، وإذا قام عمود الفسطاط انتفعت
بالطنب والأوتاد؟
6- وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما لنا، وعليه
ما علينا
)) فهذا دليل على أن من لم يصل صلاتنا، ويستقبل قبلتنا فليس بمسلم.
وقال ابن القيم – عن هذا الحديث -: - ووجه الدلالة فيه من وجهين:-
أحدهما: أنه إنما جعله مسلماً بهذه الثلاثة، فلا يكون مسلماً بدونها.الثاني:-
أنـه إذا صلـى إلى الشرق، لم يكن مسلماً حتى يصلي إلى قبلة المسلمين
فكيف إذا ترك الصلاة بالكلية.
7- وعن محجن الديلي رضي الله عنه:
((أنه كان في مجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأذن بالصلاة
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصلى، ثم رجع ومحجن في مجلسه
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما منعك أن تصلي مع الناس؟
ألست برجل مسلم؟ قال: بلى يا رسول الله، ولكني قد صليت في أهلي
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إذا جئت فصل مع الناس، وإن كنت قد صليت
)) يقول ابن عبد البر: -
في هذا الحديث وجوه من الفقه: أحدهما قوله صلى الله عليه وسلم لمحجن
الديلي: ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟ وفي هذا –
والله أعلم – دليل على أن من لا يصلي ليس بمسلم، وإن كان موحداً، وهذا
موضع اختلاف بين أهل العلم، وتقرير هذا الخطاب في هذا الحديث:
أن أحداً لا يكون مسلماً إلا أن يصلي، فمن لم يصل فليس بمسلم
ويقول ابن القيم: " فجعل الفارق بين المسلم والكافر الصلاة، وأنت تجد تحت
ألفاظ الحديث أنك لو كنت مسلماً لصليت، وهذا كما تقول:
مالك لا تتكلم ألست بناطق؟ ومالك؛ لا تتحرك ألست بحي؟ ولو كان الإسلام
يثبت مع عدم الصلاة، لما قال لمن رآه لا يصلي: ألست برجل مسلم.
8 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: ((إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء))
وفي رواية لمسلم: ((قالوا: كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله؟
قال: أرأيت لو أن رجلاً له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟
قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فإنهم يأتون غراً محجلين من الوضوء وأنا فرطهم
على الحوض
)) يقول ابن تيمية: - فدل ذلك على أن من لم يكن غراً محجلاً،
لم يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يكون من أمته
9 - وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:
((بعث علي بن أبي طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن
بذهبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها وقال فقسمها بين أربعة نفر بين عيينة
بن حصن، والأقرع بن حابس، وزيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، فقال رجل من أصحابه:
كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء، قال فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءً قال:
فقام رجل غائر العينين، مشرف الوجنتين، ناشز الجبهة، كث اللحية محلوق الرأس
مشمر الإزار، فقال: يا رسول الله اتق الله، فقال: ويلك! أولست أحق أهل الأرض
أن يتقي الله قال: ثم ولّى الرجل، فقال خالد بن الوليد: -
يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ فقال: لا لعله أن يكون يصلي))
وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: (( إني نهيت عن قتل المصلين))
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم إقامة الصلاة مانعاً من قتل من همَّ الصحابة
بقتلهم لما رأوا فيهم من احتمال كفرهم، ولو لم يكونوا مقيمين للصلاة لم يمنع
الصحابة من ذلك، كما هو ظاهر الحديثين، ولكان قتلهم إياهم لأجل أنهم كفار ليس
لدمائهم عصمة، ولا يقال هنا أن تارك الصلاة يقتل حداً لا كفراً، بدلالة هذين
الحديثين السابقين، فإنهما لا يدلان على ذلك، وإنما يدلان على خلافه
والذي يبين ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
((لا يحل دم امرىءٍ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس
والتارك لدينه المفارق للجماعة
)) وليس تارك الصلاة من أصحاب الحدود
من المسلمين، بل لا يكون ذلك إلا في الزاني المحصن وليس قاتل نفس، فلم
يبق إلا أن يكون إباحة دم تارك الصلاة من أجل ردته.
10- عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم
وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم،
قيل:
يا رسول الله، أفلا ننابذهم بالسيف؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة …))
وعن أم سلمة رضي الله عنها ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن كره فقد برئ، ومن أنكر
فقد سلم،
ولكن من رضي وتابع قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما صلوا))
و((ما)) في قوله: ((ما صلوا)) مصدرية ظرفية، أي لا تقاتلوهم مدة كونهم يصلون
ويفهم منه أنهم إن لم يصلوا قوتلوا. وجاء في حديث عبادة بن الصامت
رضي الله عنه قال: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال:
فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا
ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله
فيه برهان. فدل مجموع هذه الأحاديث أن ترك الصلاة كفر بواح عليه من الله
برهان؛ لأنه إذا لم يجز الخروج على الأئمة إلا إذا كفروا كفراً بواحاً، ثم جاز
الخروج عليهم إذا تركوا الصلاة، دل ذلك على أن ترك الصلاة من ذاك الكفر.
11- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إذا قرأ ابن آدم السجدة، فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، ويقول: يا ويلي
أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار
))
قال إسحاق بن راهويه: واجتمع أهل العلم على أن إبليس إنما ترك السجود
لآدم عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان في نفسه خيراً من آدم عليه السلام
فاستكبر عن السجود لآدم فقال:
{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ}
[الأعراف: 12].
فالنار أقوى من الطين، فلم يشك إبليس في أن الله قد أمره، ولا جحد السجود
فصار كافراً بتركه أمر الله تعالى، واستنكافه أن يذل لآدم بالسجود له، ولم يكن
تركه استنكافاً عن الله تعالى، ولا جحوداً منه لأمره، فاقتاس قوم ترك الصلاة
على هذا.قالوا: تارك السجود لله تعالى، وقد افترضه عليه عمداً، وإن كان مقراً
بوجوبه، أعظم معصية من إبليس في تركه السجود لآدم؛ لأن الله افترض الصلوات
على عباده، اختصها لنفسه، فأمرهم بالخضوع لهم بها دون خلقه، فتارك الصلاة
أعظم معصية، واستهانة من إبليس حين ترك السجود لآدم عليه السلام، فكما
وقعت استهانة إبليس، وتكبره عن السجود لآدم موقع الحجة، فصار بذلك كافراً
فكذلك تارك الصلاة، عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر. وأما دلالة الإجماع
على كفر تارك الصلاة، فإجماع الصحابة رضي الله عنهم
فعن سليمان بن يسار قال: أن المسور بن مخرمة أخبره أن عمر بن الخطاب
رضي الله عنه إذ طعن، دخل عليه هو وابن عباس رضي الله عنهم، فلما أصبح
من غد، فزعوه، فقالوا: الصلاة، ففزع، فقال: نعم، لاحظ في الإسلام لمن ترك
الصلاة فصلى والجرح يثعب دماً. يقول ابن القيم: - فقال هذا بمحضر من الصحابة
ولم ينكروه عليه. وقال محمد بن نصر المروزي:
- ذكرنا الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم في إكفار تاركها
وإخراجه إياه من الملة، وإباحة قتل من امتنع من إقامتها، ثم جاءنا عن
الصحابة رضي الله عنهم مثل ذلك، ولم يجئنا عن أحد منهم خلاف ذلك.
وعن عبد الله بن شقيق العقيلي قال: كان أصحاب رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة.
قال الشوكاني معلقاً على أثر عبد الله بن شقيق " والظاهر من الصيغة أن هذه
المقالة اجتمع عليها الصحابة؛ لأن قوله: " كان أصحاب رسول الله، جمع مضاف
وهو من المشعرات بذلك. " وقال إسحاق بن راهويه: -
قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة عمداً كافر
وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا
هذا أن تارك الصلاة عمداً من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
(ب) أدلة الفريق الآخر:- واستدل القائلون بعدم تكفير تارك الصلاة بجملة من الأدلة، نذكرها على
النحو التالي:-


1- قوله تعالى: - {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}
[النساء: 48].
2- وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: - سمعت رسول الله..
صلى الله عليه وسلم يقول: - ((خمس صلوات افترضهن الله، من أحسن
وضوءهن وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن
يغفر له ومن لم يفعل فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له، وإن شاء عذبه
)).
وفي رواية: ((فمن حافظ عليهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم
يحافظ عليهن
..)) الحديث وهذا الدليل أجود ما اعتمدوا – كما يقول ابن تيمية .
قال الطحاوي: دل أنه لم يخرج بذلك عن الإسلام فيجعله مرتداً مشركاً؛
لأن الله تعالى لا يدخل الجنة من أشرك به لقوله تعالى:
{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ
مِنْ أَنصَارٍ
} [المائدة، آية 73]، ولا يغفر له لقوله تعالى {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ
بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء
} [النساء، آية 48]. وقال ابن عبد البر عن هذا الحديث: -
" وفيه دليل على أن من لم يصل من المسلمين في مشيئة الله، إذا كان موحداً
مؤمناً بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم مقراً، وإن لم يعمل.
وقال الزرقاني: " وفيه - يعني حديث عبادة المذكور - أن تارك الصلاة لا يكفر
ولا يتمتم عذابه، بل هو تحت المشيئة بنص الحديث. ، ولو كان كافراً لم يدخله
تحت المشيئة وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه مرفوعاً:-
يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يُدرى ما صيام ولا صلاة
ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله عز وجل في ليلة فلا يبقى في
الأرض منه آية، وتبقى طوائف من الناس الشيخ الكبير والعجوز، يقولون:
أدركنا آباءنا على هذه الكلمة لا إله إلا الله، فنحن نقولها. قال صلة بن زفر لحذيفة: -
ما تغني عنهم لا إله إلا الله وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟
فأعرض عنه حذيفه، ثم ردها عليه ثلاثاً، كل ذلك يعرض عنه حذيفة، ثم أقبل
عليه في الثالثة فقال: يا صلة! تنجيهم من النار ثلاثاً. 4- وعن أبي ذر الغفاري
رضي الله عنه قال: - قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي من
صلاة العشاء، فصلى بالقوم، ثم تخلف أصحاب له يصلون فلما رأى قيامهم
وتخلفهم، انصرف إلى رحله، فلما رأى القوم قد أخلوا المكان رجع إلى مكانه
فصلى فجئت خلفه، فأومأ إلي بيمينه، فقمت عن يمينه، ثم جاء ابن مسعود
فقام خلفي وخلفه، فأومأ إليه بشماله، فقام عن شماله، فقمنا ثلاثتنا
يصلي كل رجل منا بنفسه، ويتلو من القرآن ما شاء الله أن يتلو، فقام بآية
من القرآن يرددها حتى صلى الغداة، فبعد أن أصبحنا أومأت إلى عبد الله
بن مسعود أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة، فقال ابن مسعود: -
لا أسأله عن شيء حتى يحدث إليَّ، فقلت بأبي أنت وأمي، قمت بآية
من القرآن ومعك القرآن، لو فعل هذا بعضنا وجدنا عليه، قال دعوت لأمتي، قال:
فماذا أجبت؟ قال: أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة … الحديث
5- وعن عائشة رضي الله عنها قالت: - قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((الدواوين عند الله ثلاث: ديوان لا يعبأ الله به شيئاً، وديوان لا يترك الله منه شيئاً
وديوان لا يغفره الله، فأما الديوان الذي لا يغفره الله فالشرك،
قال الله عز وجل: -
{إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ} [المائدة: 73]
وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئاً، فظلم العبد نفسه فيما بينه وبين ربه
من صوم يوم تركه، أو صلاة تركها، فإن الله – عز وجل – يغفر ذلك، ويتجاوز عنه
إن شاء، وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئاً، فظلم العباد بعضهم بعضاً
القصاص لا محالة
))
4- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: -
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أول ما يحاسب به العبد الصلاة، وأول
ما يقضي بين الناس في الدماء)) وجاء من حديث أبي هريرة قال: إني سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ما يحاسب به العبد صلاته
فإن أتمها، وإلا نظر هل له من تطوع، فإن كان له تطوع، أكملت الفريضة من
تطوعه، ثم ترفع سائر الأعمال على ذلك
)) يقول الشوكاني: -
أثناء شرحه لهذا الحديث - " والحديث يدل على أن ما لحق الفرائض من النقص
كملته النوافل، وأورده المصنف – يعني المجد ابن تيمية - في حجج من قال
بعدم الكفر؛ لأن نقصان الفرائض أعم من أن يكون نقصاً في الذات، وهو ترك
بعضها، أو في الصفة وهو عدم استيفاء أذكارها، أو أركانها وجبرانها بالنوافل
شعر بأنها مقبولة مثاب عليها، والكفر ينافي ذلك. ويقول الشنقيطي: -
" وجه الاستدلال بالحديث المذكور على عدم كفر تارك الصلاة أن نقصان الصلوات
المكتوبة وإتمامها من النوافل يتناول بعمومه ترك بعضها عمداً، كما يقتضيه
ظاهر عموم اللفظ كما ترى.
5- وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: - قــال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يا أبا ذر! إنه سيكون بعدي أمراء، يميتـون الصلاة، فصل الصلاة لوقتها، فإن
صليت لوقتها كانت لك نافلة، وإلا كنت قد أحرزت صلاتك
)) فهذا دليل على
أن تارك الصلاة حتى يخرج وقتها غير كافر.
6- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
أنه قال: ((أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة، فلم يزل يسئل
ويدعو حتى صارت جلدة واحدة، فجلد جلدة واحدة فامتلأ قبره عليه ناراً، فلما
ارتفع عنه أفاق، قال: علام جلدتموني؟ إنك صليت صلاة واحدة بغير طهور
ومررت، على مظلوم فلن تنصره
)) قال الطحاوي: " في هذا الحديث ما قد
دل أن تارك الصلاة لم يكن بذلك كافراً؛ لأنه لو كان كافراً، لكان دعاؤه باطلاً
لقوله تعالى: {وَمَا دُعَآء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [غافر: 50]
7- وعن أبي هريرة رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إن للإسلام صوى، ومناراً كمنار الطريق، منها أن تؤمن بالله ولا تشرك به
شيئاً، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت والأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر، وأن تسلم على أهلك إذا دخلت عليهم، وأن تسلم على
القوم إذا مررت بهم، فمن ترك من ذلك شيئاً، فقد ترك سهماً من الإسلام
ومن تركهن كلهن فقد ولى الإسلام ظهره
))
8- وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم: ((إذا خلص المؤمنون من النار وأمنوا، فوالذي نفسي
بيده ما مجادلة أحدكم لصاحبه في الحق يكون له في الدنيا بأشد من مجادلة
المؤمنين لربهم في إخوانهم الذين أدخلوا النار
. قال: يقولون: ربنا! إخواننا كانوا
يصلون معنا، ويصومون معنا، ويحجون معنا، ويجاهدون معنا فأدخلتهم النار.
قال: فيقول اذهبوا، فأخرجوا من عرفتم منهم. فيأتونهم، فيعرفونهم بصورهم
لا تأكل النار صورهم … فيخرجون منها بشراً كثيراً، فيقولون ربنا قد أخرجنا
من أمرتنا. قال: ثم يعودون فيتكلمون، فيقول: أخرجوا من كان في قلبه مثقال
دينار من الإيمان فيخرجون خلقاً كثيراً ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها أحداً ممن أمرتنا.
ثم يقول: ارجعوا فمن كان في قلبه وزن نصف دينار، فأخرجوه، فيخرجون خلقاً كثيراً
ثم يقولون: ربنا لم نذر فيها ممن أمرتنا حتى يقول:
أخرجوا من كان في قلبه مثقال ذرة، فيخرجون خلقاً كثيراً. قال: فيقولون: ر
بنا قد أخرجنا من أمرتنا، فلم يبق في النار أحد فيه خير، قال ثم يقول الله:
شفعت الملائكة، وشفعت الأنبياء، وشفع المؤمنون، وبقي أرحم الراحمين.
قال: فيقبض قبضة من النار – أو قال قبضتين – ناساً لم يعملوا لله خيراً قط، قد
احترقوا حتى صاروا حمماً. قال: فيؤتى بهم إلى ماء ما يقال له: الحياة، فيصب
عليهم - إلى أن قال صلى الله عليه وسلم -: فيقال لهم: ادخلوا الجنة
... ))
الحديث قال الشيخ ناصر الدين الألباني عن هذا الحديث: -
" فالحديث دليل قاطع على أن تارك الصلاة إذا مات مسلماً يشهد أن لا إله إلا الله
أنه لا يخلد في النار مع المشركين، ففيه دليل قوي جداً أنه داخل تحت مشيئة
الله تعالى في قوله: - {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}
[النساء: 48]
9- واحتجوا بجملة من عمومات الأحاديث: كقوله صلى الله عليه وسلم:
((من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله
وأن عيسى عبد الله ورسوله، وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنة حق
والنار حق، أدخله الله الجنة على ما كان من العمل
)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((أسعد الناس بشفاعتي من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه)) وما جاء في معناهما …
10- واحتجوا بالإجماع قائلين:- " لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي
الصلاة ترك تغسيله، والصلاة عليه، ودفنه في مقابر المسلمين، ولا منع ورثته
ميراثه، ولا منع هو ميراث مورثه، ولا فرق بين زوجين لترك صلاة من أحدهما
مع كثرة تاركي الصلاة، ولو كان كافراً لثبتت هذه الأحكام كلها، ولا نعلم بين
المسلمين خلافاً في أن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتداً لم يجب
عليه قضاء صلاة ولا صيام.

وأجاب هذا الفريق عن أدلة مكفري تارك الصلاة بأجوبة منها:-


1- قالوا: تحمل أحاديث تكفير تارك الصلاة على كفر النعمة، كقوله
صلى الله عليه وسلم: ((من تعلم الرمي، ثم تركه، فهي نعمة كفرها))
وقوله: -: ((سباب المسلم فسوق وقتاله كفر
)) وقوله: -
((من حلف بغير الله فقد كفر)) وبعضهم يقول – كالشوكاني –
إن كفر تارك الصلاة إنما هو كفر دون كفر، فلا يمنع أن يكون بعض أنواع الكفر
غير مانع من المغفرة واستحقاق الشفاعة.
2- إن الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة كحديث جابر وبريدة رضي الله
عنهما إنما هي على سبيل التغليظ والزجر الشديد لا على الحقيقة، فظاهرها
غير مرادها .
3- إن مثل هذه النصوص محمولة على أنه شارك الكافر في بعض أحكامه وهو
وجوب القتل. قال النووي: - وهذا التأويل متعين للجمع بين نصوص الشرع وقواعده.
4- المراد من هذه الأحاديث من استحل ترك الصلاة، أو تركها جحوداً بلا عذر.

(ج) أجوبة المكفرين عن أدلة الآخرين:-



وقد أجاب القائلون بتكفير تارك الصلاة عن أدلة الآخرين بما يلي:-
1- أما حديث عبادة بن الصامت: - ((خمس صلوات..)) الحديث فهذا الوعد الكريم
إنما هو بالمحافظة عليها، والمحافظة: فعلها في أوقاتها كما أمر، قال تعالى:
- {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]
وعدم المحافظة يكون مع فعلها بعد الوقت، كما أخر النبي صلى الله عليه وسلم
صلاة العصر يوم الخندق، فأنزل الله آية الأمر بالمحافظة عليها وعلى غيرها
من الصلوات.
وقد دل الكتاب والسنة، واتفاق السلف على الفرق بين من يضيع الصلاة فيصليها
بعد الوقت، والفرق بين من يتركها. ولو كانت بعد الوقت لا تصح بحال، لكان
الجميع سواء ,فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أدخل تحت المشيئة من لم
يحافظ عليها، لا من ترك، ونفي المحافظة يقتضي أنهم صلوا، ولم يحافظوا عليها
وقوله صلى الله عليه وسلم: - ((ومن لم يفعل فليس له على الله عهد..))
معناه: أنه لم يأت بهن على الكمال، وإنما أتى بهن ناقصات من حقوقهن، كما جاء
مفسراً في بعض الروايات: ((ومن جاء بهن، وقد انتقص من حقهن شيئاً،
جاء وليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء رحمه
)) قال محمد بن نصر
المزوري: - "فمن أتى بذلك كله كاملاً على ما أمر به، فهو الذي له العهد عند الله
تعالى بأن يدخله الجنة، ومن أتى بهن، لم يتركهن، وقد انتقص من حقوقهن شيئاً
فهو الذي لا عهد له عند الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فهذا بعيد الشبه
من الذي يتركها أصلاً لا يصليها.
2- وأما حديث حذيفة – والذي جاء فيه -: ((تنجيهم لا إله إلا الله)) فهو محمول
على زمن الفترات، حيث تضمن هذا الحديث الإخبار عما يحصل في آخر الزمان
من محو الإسلام، ورفع القرآن حتى لا يبقى منه آية، حتى لا يُدْرَى ما صيام ولا
صلاة ولا نسك ولا صدقة، فيغفر الله لهؤلاء مالا يغفر لغيرهم ممن قامت عليهم
الحجة، وظهرت آثار الرسالة في وقتهم، وقد أشار ابن تيمية إلى زمانه، وما كان
عليه الكثير من الناس من الوقوع في أنواع الكفر فقال عنهم -: وهؤلاء الأجناس
وإن كانوا قد كثروا في هذا الزمان، فلقلة دعاة العلم والإيمان، وفتور آثار الرسالة في
أكثر البلدان، وأكثر هؤلاء ليس عندهم من آثار الرسالة وميراث النبوة ما يعرفون به
الهدى، وكثير منهم لم يبلغهم ذلك، وفي أوقات الفترات، وأمكنة الفترات، يثاب
الرجل على ما معه من الإيمان القليل، ويغفر الله فيه لمن لم تقم الحجة عليه
ما لا يغفر به لمن قامت الحجة عليه، كما في الحديث المعروف:
" يأتي على الناس زمان لا يعرفون فيه صلاة، ولا صياماً ولا حجاً.. الحديث
فإذا كان هؤلاء معذورين مع وجود أهل العلم، ووجود القرآن والسنة بين أظهرهم...
فكيف لا يعذر بترك الصلاة ونحوها من كان في زمان يمحى فيه الإسلام، ويرفع
فيه القرآن فلا يبقى منه في الأرض آية؟فينبغي مراعاة أحوال الأزمنة والأمكنة
والأشخاص، ولعل مما يؤكد ما ذكرناه أن راوي الحديث السابق حذيفة بن اليمان
رضي الله عنه لما رأى رجلاً لا يتم الركوع والسجود، قال:
(ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمداً
صلى الله عليه وسلم
) يقول ابن حجر: - " واستدل به على تكفير تارك الصلاة؛
لأن ظاهره أن حذيفة نفى الإسلام عمن أخل ببعض أركانها، فيكون نفيه عمن
أخل بها كلها أولى فتأمل تنوع الجوابين لاختلاف الزمان والحال والله أعلم
3- وأما استدلالهم بحديث أبي ذر مرفوعاً:
((إنه سيكون بعدي أمراء يميتون الصلاة.. )) الحديث، فقد أجاب محمد بن نصر
عن استدلالهم بما يلي: " ليس في هذه الأخبار التي احتججتم بها دليل على
أن تارك الصلاة عمداً، حتى يخرج وقتها لا يكفر، متعمدين لتركها حتى يذهب وقتها.
إنما قال في حديث عبادة يكون عليكم أمراء يشغلهم أشياء عن الصلاة، فإنما
أخروها عن الوقت الذي كانت تصلى فيه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم
والخلفاء الراشدين... فكانوا يؤخرونها عن وقت الاختيار إلى وقت أصحاب العذر..
ولا يؤخرونها حتى يخرجوا من وقت أصحاب العذر كله، فلم يكونوا يؤخرون الصلاة
حتى يخرج الوقت كله، إنما كانوا يؤخرونها عن وقت الاختيار، ويصلون في آخر وقت
العذر، فلذلك لم يثبت عليهم الكفر. وأجاب ابن تيمية قائلاً:
" وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الأمراء الذين يؤخرون
الصلاة عن وقتها، " صلوا الصلاة لوقتها، واجعلوا صلاتكم معهم نافلة وهم
إنما كانوا يؤخرون الظهر إلى وقت العصر، والعصر إلى وقت الاصفرار، وذلك مما
هو مذمومون عليه، ولكن ليسوا كمن تركها أو فوتها حتى غابت الشمس، فإن
هؤلاء أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم، ونهى عن قتال أولئك، فإنه لما
ذكر أنه سيكون أمراء يفعلون ويفعلون، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: -
" لا، ما صلوا "وقد أخبر عن هذه الصلاة التي يؤخرونها، وأمر أن نصلي في الوقت
وتعاد معم ناقلة، فدل على صحة صلاتهم، ولو كانوا لم يصلوا لأمر بقتالهم.
- واستكمالاًً لأجوبة القائلين بتكفير تارك الصلاة، نضيف ما يلي:
-4- أما استدلالهم بقوله تعالى: - {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ}
الآية [النساء: 48]، فقد تقرر بالأدلة أن ترك الصلاة كفر وشرك، كما جاء في حديث
جابر مرفوعاً: ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) ، فيكون ترك الصلاة
داخلاً في عموم الآية من جهة الدلالة على أن ذلك مما لا يغفره الله تعالى
وبهذا نصدق بجميع تلك النصوص، ويتحقق إعمالها دون إهمالها.وأما احتجاجهم
بحديث أبي ذر مرفوعاً: ((لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة))
ففي سنده قدامة بن عبدالله بن عبدة البكري، قال عنه ابن حجر: - "مقبول
وفي سنده جسرة بنت دجاجة، قال البيهقي: فيها نظر، وقال البخاري في تاريخه: -
وعند جسرة عجائب .وقد أورد ابن خزيمة هذا الحديث بصيغة تشعر بعدم
صحته، فعقد باباً بعنوان: - " باب إباحة ترديد الآية الواحدة في الصلاة مراراً عند
التدبر والتفكر في القرآن إن صح الخبر "، ثم ساق الحديث المذكور
ويمكن أن يقال: أن الحديث علق ترك الصلاة بأمر ممتنع لا يمكن الاطلاع عليه
فمن المعلوم أن ((لو)) حرف امتناع لامتناع، وبهذا نعلم أن هذه الرواية قد قيدت
بوصف يمتنع معه ترك الصلاة.
6. وأما احتجاجهم بحديث عائشة: ((الدواوين ثلاثة...)) ففيه صدقة بن موسى
وقد ضعفه الجمهور . " قال يحي بن معين: - ليس حديثه بشيء. وقال أبو حـاتم:
لين الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به، ليس بالقوي وفيه يزيد بن بابنوس
قال عنه الذهبي: فيه جهالة. وضعف الألباني هذا الحديث.
ولو صح الحديث فيحمل على من يقع أحياناً في ترك صلوات، دون أن يتركها
بالكلية، ويشهد لذلك لفظ الحديث حيث جاء فيه:
((من صوم يوم تركه أو صلاة تركها))
7- وكذا يقال بالنسبة لحديث عبدالله بن مسعود:
((أول ما يحاسب به العبد الصلاة...)) الحديث فإن مناط التكفير لتارك الصلاة
إنما هو الترك المطلق، بحيث يترك الصلاة جملة، وأما ترك بعض الصلوات فلا يكون
كفراً، كما يدل عليه ظاهر الحديث، وسيأتي مزيد تفصيل – إن شاء الله –
لهذه المسألة.بل إن بعض مرويات هذا الحديث تكاد تشهد بكفر تارك الصلاة
فعن أنس مرفوعاً: ((أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت
صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله
))
فجعل صلاح الصلاة وصحتها شرطاً في صلاح سائر الأعمال وصحته، وأن فسادها
شرط في فساد باقي الأعمال.ولذا قال الإمام أحمد بن حنبل: -
" وجاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((أول ما تفقدون من دينكم الأمانة، وآخر ما تفقدون منه الصلاة)) ...
فصلاتنا آخر ديننا، وهي أول ما نسئل عنه غداً من أعمالنا، فليس بعد ذهاب
الصلاة إسلام ولا دين، فإذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام، فكل
شيء يذهب آخره فقد ذهب جميعه... "
8- وأما حديث: ((أمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة..))
الحديث ففي سنده عاصم بن بهدلة تكلموا في حفظه... وقال ابن حجر: -
" صدوق، وله أوهام " وفيه: جعفر بن سليمان الضبعي، صدوق زاهد
لكنه كان يتشيع. إضافة إلى ذلك، فقد جاء في رواية هذا الحديث: -
صليت صلاة واحدة بغير طهور " فهو إذن ليس تاركاً للصلاة بالكلية بتركه
الوضوء، وإنما هي صلاة واحدة...وهناك فرق ظاهر بين من تركها بالكلية...
ومن ترك صلاة واحدة وقد يفعل بعض المسلمين ذلك، فيصلي بغير وضوء
فيكون مستحقاً للذم والعقاب، وقد يفعله مع اعترافه بالذنب فلا يكفر، كما ظن
بعض الأحناف عندما أطلقوا كفر من صلى بغير طهارة ، ولكن لو فعله على
سبيل الاستهانة والاستخفاف فهو كافر فكيف بحال هذا الرجل الذي كان مداوماً
على الوضوء والصلاة.. لكنه صلى صلاة واحدة بغير وضوء؟ وأما قوله: -
إن دعاء الكافرين داخل في قوله تعالى: -
{وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [غافر: 50] فلا يستجاب لهم، فهذا كلام مجمل
يحتاج إلى تفصيل، فقد يدعو الكافر ربه فيستجاب له، كما جاء ذلك في آيات
كثيرة من القرآن.
قال تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُكُم إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ
إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاء وَتَنسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ
}
[الأنعام: 40- 41].
وقال سبحانه: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى
الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ
} [العنكبوت: 65]
وأما دعاء الكافرين لغير الله تعالى فهو ضلال، كما هو ظاهر الآية التالية: -
{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ
إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ
} [الرعد: 14].
كما ينبغي مراعاة الفرق بين حياة البرزخ كما جاء في الحديث الذي استدلوا به
ودخول دار الجزاء (الجنة أو النار) كما في الآية: -
{وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} [غافر: 50] ففي البرزخ قد يقع التكليف كما
في سؤال الملكين، وكذا في عرصات القيامة يدعون إلى السجود، وأما بدخول
دار الجزاء فينقطع التكليف، كما في الآية. إضافة إلى ذلك فهذا الحديث –
المتكلم على سنده ومتنه – معارض لحديث صحيح صريح وهو قوله:
صلى الله عليه وسلم: - ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث:
صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به من بعده
))
9- وأما الحديث الذي أخرجه الخلال وفيه أن مولى للأنصار مات وكان يصلي ويدع
ومع ذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسله والصلاة عليه ودفنه..
فهذا الحديث في سنده مقال.. فأبو شميلة مختلف في صحبته...وقد ذكر
الذهبي وابن حجر وغيرهما قصة تدل على صحبته، لكن في سندها محمد
بن إسحاق وهو مدلس وقد عنعن. وفيه عبدالوهاب بن عطاء، قال عنه ابن حجر: -
صدوق، ربما أخطأ وضعف الألباني هذا الحديث في "الضعيفة".
ولو صح الحديث فلا دلالة فيه على أن الترك المطلق للصلاة لا يعد كفراً، وهذا
المولى كان يصلي ويدع، فلم يكن تاركاً للصلاة بالكلية، وفرق بين من يحافظ
على تركها، ومن يصلي ويدع فهو غير محافظ على فعلها والله أعلم.
10 - وأما حديث: ((إن للإسلام صوى ومناراً كمنار الطريق...)) الحديث.
"فليس في دلالة ظاهرة على عدم كفر تارك الصلاة... ولقد أخبر الصادق المصدوق
صلى الله عليه وسلم أن من ترك من ذلك شيئاً فقد ترك سهماً من الإسلام
ومن المعلوم أن تلك "المنارات" متفاوتة، فمنها ما تركه يناقض الملة كالإيمان
بالله تعالى، ومنها ما تركه ينافي كمال الإيمان الواجب كالأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر، ومنها ما تركه يعد تفويتاً لكمال الإيمان المستحب كالسلام.
11 – وأمـا استدلالهم بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الشفاعة
وكذا عمومات الأحاديث الأخرى.. فهذه من نصوص الوعد، التي لابد من الإيمان
بها، وضمها إلى ما يقابلها من نصوص الوعيد، فالذي عليه أهل السنة
والجماعة الإيمان بالوعد والوعيد، فكما أن ما توعد الله به العبد من العقاب
قد تبين سبحانه أنه مشروط بأن لا يتوب، فإن تاب، تاب الله عليه، وبأن
لا يكون له حسنات تمحو ذنوبه، فهكذا الوعد له تفسير وبيان فمن قال
بلسانه: لا إله إلا الله وكذب الرسول فهو كافر باتفاق المسلمين، وكذلك إن
جحد شيئاً مما أنزل الله... فاستدلالهم بعموم الأحاديث التي فيها من قال:
لا إله إلا الله دخل الجنة وما جاء في معناها، ولم يشترط إقامة الصلاة لذلك...
لا دلاله فيها على أن تارك الصلاة لا يكفر؛ لأن المراد بقول لا إله إلا الله
تحقيق شروطها وترك نواقضها، وقد تقرر بالأدلة أن ترك الصلاة كفر، فلا اعتبار
بمجرد الإقرار بالشهادتين مع عدم أداء الصلاة.
ومثل هذه الأحاديث التي قد يكون فهمها مشكلاً أو مشتبهاً على البعض
فإنه يجب ردها إلى الأحاديث الواضحة المحكمة، فنصوص الكتاب والسنة
يصدق بعضها بعضاً.ويقال – أيضاً – إن هذه العمومات يمكن تخصيصها بأحاديث
كفر تارك الصلاة. يقول ابن الوزير: - " ولا شك في ترجيح النص الخاص على
العموم وتقديمه، وعليه عمل علماء الإسلام في أدلة الشريعة، ومن لم يقدمه
في بعض المواضع لم يمكنه الوفاء بذلك في كل موضع، واضطر إلى التحكم
والتلون من غير حجة بينة. وقد عقد إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله في
كتاب التوحيد باباً بعنوان: - " باب ذكر الدليل أن جميع الأخبار التي تقدم ذكري
لها إلى هذا الموضع في شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في إخراج أهل
التوحيد من النار إنما هي ألفاظ عامة مرادها خاص. " ثم أورد أدلته على ذلك
بل إن في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وغيره من أحاديث الشفاعة
لعصاة الموحدين ما يدل على أن تارك الصلاة كافر...
فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده،
وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله
أمر الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار
أن تأكل من ابن آدم أثر السجود
)) فعلم أن من لم يكن يسجد لله تأكله النار كله.
وقد استنبط ابن أبي جمرة من هذا أن من كان مسلماً، ولكنه كان لا يصلي
لا يخرج إذ لا علامة له. وإن كانوا يحتجون برواية " لم يعملوا خير قط "
على عدم كفر تارك الصلاة، في نفس الوقت يدفعون توهم من زعم أن المراد
بالخير المنفي تجويز إخراج غير الموحدين من النار، كما قال ابن حجر: -
" ورد ذلك بأن المراد بالخير المنفي ما زاد على أصل الإقرار بالشهادتين
كما تدل عليه بقية الأحاديث
فكذا يقال أيضاً أن هذا الخير المنفي ما زاد على فعل الصلاة كما جاءت
بذلك النصوص.وقال ابن خزيمة: - " هذه اللفظة" لم يعملوا خيراً قط
" من الجنس الذي يقول العرب: ينفي الاسم عن الشيء لنقصه على الكمال
والتمام، فمعنى هذه اللفظة على هذا الأصل، لم يعملوا خيراً قط، على
التمام والكمال..
12 - وأما دعواهم الإجماع – على فرض صحتها – فهي منقوضة ومردودة
بإجماع الصحابة رضي الله عنهم كما نقله أبو هريرة رضي الله عنه، وعبد الله
بن شقيق العقيلي رحمه الله، فالإجماع على مراتب، وأقواها إجماع الصحابة
رضي الله عنهم. .وقولهم لا نعلم بين المسلمين خلافاً لا يعد إجماعاً
ونفي العلم ليس علماً بالنفي.إضافة إلى ذلك فإنه قد يصعب القطع بأن
فلاناً لا يصلي تماماً، خاصة أن من ادعى أنه صلى في أهله وبيته، قبل منه
كما دل عليه حديث محجن – وقد تقدم – وفيه قوله صلى الله عليه وسلم
لمحجن: ((ما منعك أن تصلي مع الناس؟ ألست برجل مسلم؟))
قال محجن: بلى يا رسول الله، ولكني صليت في أهلي
" وقد استنبط ابن عبدالبر من هذا الحديث أن من أقر بالصلاة وإقامتها أنه
يوكل إلى ذلك إذا قال إني أصلي؛ لأن محجناً قال لرسول الله..
صلى الله عليه وسلم قد صليت في أهلي، فقبل منه.
وقال الإمام الشافعي رحمه الله: - " من قيل أنه لا يصلي فكذبهم صدق.
وقال النووي: - " إذا أراد السلطان قتله، فقال: صليت في بيتي ترك إن الترك
للصلاة – والذي يعد ناقضاً من نواقض الإيمان – لا يتحقق في المعين إلا بالإصرار
على تركها، والأصل في المسلم فعل الصلاة حتى يثبت ما يناقض ذلك، فمن
أظهر أداء الصلاة فهو المسلم حكماً وظاهراً، وقد يكون مؤمناً عند الله، وقد يكون
منافقاً كافراً، فليس كل من قيل عنه أنه كافر، تجرى عليه أحكام الكفر.
يقول ابن تيمية: - " إن كثيراً من الناس، بل أكثرهم في كثير من الأمصار
لا يكونون محافظين علي الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة
بل يصلون أحياناً، ويدعون أحياناً، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم
أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام.
وأما قولهم: إن تارك الصلاة يجب عليه قضاؤها، ولو كان مرتداً لم يجب عليه
قضاء صلاة ولا صيام..
فقد أجاب عنه محمد بن نصر المروزي بقوله: -" إن الكافر الذي أجمعوا على أنه
لا يؤمر بقضاء ما ترك من الصلاة هو الكافر الذي لم يسلم قط، ثم أسلم، فإنهم
أجمعوا على أنه ليس عليه قضاء ما ترك من الصلاة في حال كفره...
فأما من أسلم ثم ارتد عن الإسلام، ثم رجع فإنهم قد اختلفوا فيما ضيع في
ارتداده من صلاة وصيام وزكاة وغير ذلك، فكان الشافعي يوجب عليه قضاء
جميع ذلك. ثم قال: - " فإذا ترك الرجل صلاة متعمداً حتى يذهب وقتها فعليه
قضاؤها، لا نعلم في ذلك اختلافاً، إلا ما يروى عن الحسن، فمن أكفره بتركها
استتابه، وجعل توبته، وقضاءه إياها رجوعاً منه إلى الإسلام، ومن لم يكفر
تاركها ألزمه المعصية، وأوجب عليه قضاءها. وقال أبو الوفاء ابن عقيل: -
" من كان كفره بترك الصلاة، لا بترك كلمة الإسلام، فهو إذا عاود فعل الصلاة
صارت معاودته للصلاة إسلاماً. وقال ابن تيمية: - " من كفر بترك الصلاة:
الأصوب أن يصير مسلماً بفعلها، من غير إعادة الشهادتين؛ لأن كفره
بالامتناع كإبليس.
والآن ننتقل إلى مناقشة أجوبة القائلين بعدم التكفير لأدلة الفريق الأول.
1- فأمـا حملهـم أحاديث تكفير تارك الصلاة على كفر النعمة، فهذا غير مستقيم
ولا يخفى ما فيه من تكلف..فهل يسوغ أن يكون معنى حديث جابر بين الرجل
وبين كفر النعمة ترك الصلاة؟ لقد بين الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام
رحمه الله فساد هذا القول عند أهل اللغة، ثم علل ذلك قائلاً: -
" وذلك أنهم (أي العرب) لا يعرفون كفران النعم إلا بالجحد لأنعام الله وآلائه
وهو كالمخبر عن نفسه بالعدم، وقد وهب الله له الثروة، أو بالسقم وقد
منَّ الله عليه بالسلامة وكذلك ما يكون من كتمان المحاسن ونشر المصائب
فهذا الذي تسميه العرب كفراناً إن كان ذلك فيما بينهم وبين الله،
أو كان من بعضهم لبعض إذا تناكروا اصطناع المعروف عندهم وتجاحدوه، ينبئك
عن ذلك مقالة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: -
" إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير – يعني الزوج – وذلك أن تغضب إحداكن
فتقول: - ما رأيت منك خيراً قط فهذا ما في كفر النعمة
وأما قولهم إنه كفر دون كفر، فقد سبق بيان أن الكفر جاء معرفاً كما في حديث
جابر مما أفاد التخصيص والعهد، وفرق بين هذا وبين كفر منكر...
إضافة إلى ذلك فإن حديث بريدة مرفوعاً:
((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر)) قد جعل الصلاة
حداً فاصلاً بين المسلمين عن غيرهم، ولا يتصور أن يكون كفراً دون كفر؛
لأنه لا يكون حداً فاصلاً بين المسلمين والكافرين، فهناك من المسلمين من
يقع في مثل هذا الكفر، وإن لم يكن مؤمناً بإطلاق.
2- وأما قولهم إن الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة إنما هي على سبيل
التغليظ والزجر الشديد لا على الحقيقة فظاهرها غير مراد.فالجواب أن يقال:
هذا كلام فيه إجمال وإيهام، فلا شك أن هذه الأحاديث فيها تغليظ وتخويف
وهي على الحقيقة، نؤمن بذلك ولا نكذب، ونمرها كما جاءت ونأخذ بظاهرها
المفهوم منها، وإذا كان عامة السلف الصالح يقرون أحاديث الوعيد –
فيما دون الكفر – ويمرونها كما جاءت، ويكرهون أن تتأول تأويلات تخرجها
عن مقصود قائلها صلى الله عليه وسلم ، فكيف ساغ لهؤلاء صرف نصوص
تكفير تارك الصلاة عن ظاهرها، وجعله وعيداً لا حقيقة له!
إن الإيمان بالنصوص الشرعية – ومنها نصوص الوعيد – يوجب التسليم لها
والانقياد، كما يقتضي إجلالها وتعظيمها، وقد التزم سلف الأمة هذا النهج،
" فقد قال الرجل للزهري: يا أبا بكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ليس منا من لطم الخدود)) ، ((وليس منا من لم يوقر كبيرنا)) وما أشبه
هذا الحديث؟ فأطرق الزهري ساعة، ثم رفع رأسه فقال: - من الله عز وجل العلم
وعلى الرسول البلاغ، وعلينا التسليم. "" ولما ذكر عبدالله بن المبارك –
رحمه الله – حديث: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن...)) ، فقال فيه
قائل: ما هذا! على معنى الإنكار، فغضب ابن المبارك وقال: يمنعنا هؤلاء الأنان
أن نحدث بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، أكلما جهلنا معنى حديث
تركناه! لا بل نرويه كما سمعنا، ونلزم الجهل أنفسنا.
ومما يحسن إيراده في هذا الموضع ما قاله ابن تيمية:
" ينبغي للمسلم أن يقدر قدر كلام الله ورسوله.. فجميع ما قاله الله
ورسوله يجب الإيمان به، فليس لنا أن نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض
وليس الاعتناء بمراده في أحد النصين دون الآخر بأولى من العكس، فإذا كان
النص الذي وافقه يعتقد أنه اتبع فيه مراد الرسول، فكذلك النص الآخر الذي
تأوله، فيكون أصل مقصوده معرفة ما أراده الرسول بكلامه. وعلى كل فإن
الاسترسال مع قول من قال إن هذا وعيد للتغليظ ولا حقيقة له، قد يؤول
إلى تعطيل الشريعة وإبطال العقاب...
وقد نبه جمع من أهل العلم لخطورة ذلك.فقال أبو عبيد القاسم بن سلام –
جواباً عمن حمل نصوص الوعيد على التغليظ: - " وأما القول المحمول على
التغليظ فمن أفظع ما تأول على رسـول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه
أن جعلوا الخبر عن الله وعن دينه وعيداً لا حقيقـة له، وهذا يؤول إلى إبطـال
العقاب؛ لأنه إن أمكن ذلك في واحد منها، كان ممكناً في العقوبات كلها.
وقال الفضيل بن عياض – رحمه الله -: - " المرجئة كلما سمعوا حديثاً فيه
تخويف قالوا: هذا تهديد، وإن المؤمن من يخاف تهديد الله وتحذيره وتخويفه ووعيده
ويرجو وعده. وإن المنافق لا يخاف تهديد الله ولا تحذيره ولا تخويفه ولا وعيده
ولا يرجو وعده. وقال ابن حزم: - " وأما من استجاز أن يكون ورود الوعيد على
معنى التهديد لا على معنى الحقيقة، فقد اضمحلت الشريعة بين يديه
ولعل وعيد الكفار أيضاً كذلك، ومن بلغ هذا المبلغ فقد سقط الكلام معه؛
لأنه يلزمه تجويز ترك الشريعة كلها إذ لعلها ندب، ولعل كل وعيد ورد إنما هو
تهديد، وهذا مع فراقه المعقول خروج عن الإسلام؛ لأنه تكذيب لله عز وجل.
وقال القاسمي – معلقاً على ما قاله الزمخشري عن حديث:
((آية المنافق ثلاث وإن صام وصلى..)) ": للتغليظ: -
" قول الزمخشري " فللتغليظ" يوجد مثله لثلة من شراح الحديث وغيرهم
وقد بحث فيه بعض محققي مشايخنا بقوله: - هذا الجواب لا يرتضيه من
عرف قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وكأنهم غفلوا عما يستلزمه هذا
الجواب مما لا يرتضيه أدنى عالم أن ينسب إليه، وهو الإخبار بخلاف الواقع
لأجل الزجر. انتهى، وقال بعض المحققين: عليك أن تقر الأحاديث كما وردت
لتنجو من معرة الخطر.
3 - وأما قولهم: إن مثل هذه النصوص محمولة على أن شارك الكافر في بعض
أحكامه وهو وجوب القتل... فالجواب أن يقال: - ما المسوغ لاستحلال دم تارك
الصلاة وهو ليس بكافر عندكم؟
لقد تقرر – شرعاً – أن قتل المسلم لا يستباح إلا بإحدى ثلاث:- ترك دين
وإراقة الدم المحرم، وانتهاك الفرج المحرم.فعن عبدالله بن مسعود رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: - ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا
بإحدى ثلاث: - الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة
))
فتارك الصلاة ليس قاتلاً، ولا زانياً محصناً، فلم يبق إلا أن يكون إباحة دمه من أجل
ردته.يقول ابن حزم – وهو ممن يرى عدم كفر تارك الصلاة – جواباً عن القائلين
بقتل تارك الصلاة دون كفره:-" أما مالك والشافعى فإنهما يريان تارك الصلاة
مسلماً؛ لأنهما يورثان ماله، وولده، ويصليان عليه، ويدفنانه مع المسلمين...
فإذا ذلك كذلك فقد سقط قولهما في قتله؛ لأنه لا يحل دم امرئ مسلم إلا
بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، أو زنى بعد إحصان، أو نفس بنفس، وتارك الصلاة
متعمداً لا يخلو أن يكون كافراً. أو يكون غير كافر، فإن كان كافراً فهم لا يقولون بذلك...
فإذا ليس كافراً، ولا قاتلاً، ولا زانياً محصناً.. فدمه حرام بالنص.
4 - أما قولهم إن المراد بهذه الأحاديث من استحل ترك الصلاة، أو تركها جحوداً...
فجوابه أن يقال:- إن هذه الأحاديث – كحديث جابر وبريدة ونحوهما... قد علقت
الكفر بترك الصلاة، فمناط الحكم بالكفر فيها ترك الصلاة، وقد يكون هذا الترك
جحوداً، أو تهاوناً وكسلاً.فمن قال إن تارك الصلاة لا يكفر إلا إذا كان جاحداً لوجوبها
فقد جعل مناط الحكم في هذه المسألة غير ما حدده الرسول ..
صلى الله عليه وسلم، ثم إنه على هذا التأويل لا فرق بين الصلاة وغيرها
فلا تكون إقامتها عهداً وحداً يعرف به المسلم من الكافر؛ لأن من ترك شيئاً
من شعائر الإسلام وفرائضه الظاهرة جحوداً لوجوبها فهو كافر بالإجماع، فجحد
الوجوب لا يختص بالصـلاة وحدها، مع أن الصحابة رضي الله عنهم قد جعلوا ترك
الصلاة هو مناط الكفـر دون بقية الأعمال، كمـا حكى ذلك عنهم أبو هريرة
رضي الله عنه وعبد الله بن شقيق العقيلي رحمه الله.
ومن المناسب – في خاتمة هذه المناقشة – أن نشير إلى أن بعض القائلين
بعدم تكفير تارك الصلاة، قد سلكوا في بعض استدلالهم مسلك الإرجاء.
فهم يقولون – مثلاً – إن الكفر جحود التوحيد، وإنكار الرسالة والمعاد وجحد
ما جاء به الرسول، وهذا يقر بالوحدانية شاهداً أن محمد رسول الله، مؤمناً
بأن الله يبعث من في القبور، فكيف يحكم بكفره؟ والإيمان هو التصديق، وضده
التكذيب، لا ترك العمل، فكيف يحكم للمصدق بحكم المكذب الجاحد؟
وجواباً عن ذلك نقول: قد تقرر عند أهل السنة أن الإيمان قول وعمل، فليس
تصديقاً فحسب، ومن ثم فإن مقابله هو الكفر قول وعمل، فقد يكون الكفر قولاً
قلبياً، وقد يكون عملاً قلبياً، وتارة قولاً باللسان، وتارة عملاً بالجوارح كما سبق
تفصيله وبيانه بالأدلةويقـول أيضاً: - يلزم من تكفير تارك الصلاة أن يكفر القاتل
والشاتم للمسلم، وأن يكفر الزاني، وشارب الخمر...
والجواب: - أن هذا اللازم يلزم المبتدعة عموماً... سواء كانوا وعيدية أو مرجئة
والذين جعلوا الكفر خصلة واحدةً، بناء على ظنهم الفاسد أن الإيمان شيء
واحد يزول كله بزوال بعضه، وقد دلت النصوص أن الكفر مراتب وشعب متفاوتة،
كالإيمان، فمن شعب الكفر ما يخرج من الملة، ومنها مالا يخرج من الملة.






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:47 AM
المشاركة 37

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


(د) الترجيح



بعد هذا العرض التفصيلي لأدلة الفريقين واستدلالاتهم ومناقشتها، يظهر أن أدلة
القائلين بتكفير تارك الصلاة أصح وأقوى. إلا أن الراجح – في نظري – ولعله القول
الوسط بين الطرفين، وبه تجتمع الكثير من أدلة الفريقين، وهو أن يقال: إن ضابط
ترك الصلاة الذي يعد كفراً – ها هنا – هو الترك المطلق الذي هو بمعنى ترك الصلاة
من حيث الجملة الذي يتحقق بترك الصلاة بالكلية، أو بالإصرار على عدم إقامتها
أو بتركها في الأعم الأغلب، وليس مناط التكفير – ها هنا – مطلق الترك للصلاة
بحيث يلزم أن نكفر كل من ترك صلاة واحدة أو بعض صلوات
ويشهد لذلك جملة من الأدلة، منها ما يلي: -




1- قوله تعـالى: -

{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}
[مريم: 59]فالمراد من تضييع الصلاة – هاهنا – تركها بالكلية كما قاله محمد بن
كعب القرظي وزيد بن أسلم والسدي واختاره ابن جرير.
2 - وقوله صلى الله عليه وسلم - وقد تقدم -:
((خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، فمن حافظ عليها كان له
عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عند الله عهد
إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة
)) فهذا الحديث صريح في الفرق بين الترك
المطلق، وبين مطلق الترك.. يقول ابن تيمية رحمه الله: -
"فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أدخل تحت المشيئة من لم يحافظ عليها
لا من ترك، ونفي المحافظة يقتضي أنهم صلوا ولم يحافظوا عليها... ثم قال:
" فإن كثيراً من الناس، بل أكثرهم في كثير من الأمصار لا يكونون محافظين على
الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة، بل يصلون أحياناً ويدعون أحياناً
فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجرى عليهم أحكام الإسلام الظاهرة...
ويقول في موضع آخر: - " فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على
هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً، لكن أكثر الناس يصلون تارة، ويتركونها تارة
فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد، وهم الذين جاء فيهم الحديث
الذي في السنن حديث عبادة بن الصامت – ثم ساق الحديث المذكور -
3- قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن أتمها،
وإلا نظر هل له من تطوع، فإن كان له تطوع، أكملت الفريضة من تطوعه
))
والانتقاص هنا عام يتناول ترك الأداء لبعض الصلوات... وهذا من مطلق الترك الذي
لا يعد كفراً، ومن ثم صارت مقبولة، وأكملت بالتطوع، والله أعلم.

نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز بن محمد بن علي العبد اللطيف – ص457

الخلاف في كفر تارك الصلاة كسلاً أيضاً ليس مقصودنا، حكاية الأقوال والترجيح
وإنما الإشارة إلى حالات يظن أنها داخلة في الترك كسلاً وهي ليست كذلك
والإشارة- أيضاً- إلى علاقة هذا الموضوع بمذهب المرجئة في الإيمان، وقبل بيان
هاتين المسألتين نشير إلى مدى الخلاف في هذه المسألة.
قال الإمام ابن قدامة المقدسي- رحمه الله-:



(...واختلفت الرواية هل يقتل لكفره أو حداً، فروي أنه يقتل لكفره كالمرتد، فلا يغسل
ولا يكفن ولا يدفن بين المسلمين، ولا يرثه أحد ولا يرث أحداًً، اختارها أبو إسحاق
بن شاقلا وابن حامد، وهو مذهب الحسن والشعبي وأيوب السختياني والأوزاعي
وابن المبارك وحماد بن زيد وإسحاق ومحمد بن الحسن...والرواية الثانية: يقتل حداً
مع الحكم بإسلامه كالزاني المحصن، وهذا اختيار أبي عبد الله بن بطة وأنكر قول
من قال: إنه يكفر، وذكر أن المذهب على هذا لم يجد في المذهب خلافاً فيه، وهذا
قول أكثر الفقهاء، وقول أبي حنيفة ومالك والشافعي) .وقال الإمام النووي- رحمه الله-:
(فرع في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكاسلاً مع اعتقاده وجوبها فمذهبنا
المشهور ما سبق أنه يقتل حداً ولا يكفر وبه قال مالك والأكثرون من السلف والخلف
وقالت طائفة: يكفر ويجرى عليه أحكام المرتدين في كل شيء، وهو مروي عن
علي بن أبي طالب، وبه قال ابن المبارك وإسحاق بن راهويه وهو أصح الروايتين
عند أحمد، وبه قال منصور الفقيه من أصحابنا...وقال الثوري وأبو حنيفة وأصحابه
وجماعة من أهل الكوفة والمزني، لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي)
.وحكى الإمام محمد بن نصر المروزي خلاف أهل الحديث في هذه المسألة فقال-
رحمه الله-...وقد حكينا مقالة هؤلاء الذين أكفروا تارك الصلاة متعمداً وحكينا جملة
ما احتجوا به، وهذا مذهب جمهور أصحاب الحديث، وقد خالفهم جماعة أخرى من
أصحاب الحديث فأبوا أن يكفروا تارك الصلاة، إلا أن يتركها جحوداً أو إباء...)
وذكر منهم الإمام الشافعي، وأصحابه وأبا ثور وغيره، وأبا عبيد في موافقيهم ) .
بعد هذه الإشارة السريعة للخلاف في المسألة يمكن أن نستنتج ما يلي:
1- أن الخلاف في حكم تارك الصلاة كسلاً من حيث التكفير وعدمه، خلاف قديم
معروف عند السلف المتقدمين، فقد قال بعدم التكفير أئمة أعلام من أصحاب الحديث
كالإمام الشافعي ومالك، وأبي حنيفة والثوري وأبي عبيد..الخ.
2- لذلك ينبغي أن نعلم بأن الترجيح بين الأقوال في هذه المسألة لا علاقة له
بمذهب الإرجاء، فمن رجح عدم تكفير التارك كسلاً لا يلزم أن يكون متأثراً بمذهب
المرجئة هذا من حيث الأصل، وهناك حالات معينة قد يكون لرأي المرجئة في الإيمان
أثر في الترجيح فيها ومنها:



أ- ما حكاه بعض الأئمة من علاقة بين مذهب المرجئة وهذه المسألة كما قال
الإمام ابن عبد البر- رحمه الله- مبيناً الفرق بين ترجيح بعض أهل السنة عدم
تكفير تارك الصلاة كسلاً وبين مذهب المرجئة، قال بعدما حكى أدلة من قال بعدم
التكفير: (...هذا قول قد قال به جماعة من الأئمة ممن يقولون: الإيمان قول وعمل
وقالت به المرجئة أيضاً، إلا أن المرجئة تقول: المؤمن المقر مستكمل الإيمان
وقد ذكرنا اختلاف أئمة أهل السنة والجماعة في تارك الصلاة، فأما أهل البدع، فإن
المرجئة قالت: تارك الصلاة مؤمن مستكمل الإيمان، إذا كان مقراً غير جاحد، ومصدقاً
غير مستكبر، وحكيت هذه المقالة عن أبي حنيفة وسائر المرجئة...)
فلعل ترجيح بعض مرجئة الفقهاء قد استند إلى مذهبهم في الإيمان.
هذا جانب، والجانب الآخر أن أئمة السلف الذين لم يكفروا تارك الصلاة كسلاً، لم
يقولوا أنه مستكمل الإيمان، بل قالوا: إن ذلك ينقص إيمانه كحال تارك الطاعة
وفاعل المعصية، وقالوا بأنه معرض للعقوبة الأخروية والدنيوية، وقال كثير منهم
بقتله حداً للأحاديث الواردة في ذلك.ب- خلط بعض متأخري الفقهاء بين ترك الصلاة
كسلاً مع اعتقاد، وجوبها وبين الإصرار والامتناع عن أدائها حتى يقتل، قال شيخ
الإسلام- رحمه الله-: (ولهذا فرض متأخروا الفقهاء مسألة يمتنع وقوعها وهو أن الرجل
إذا كان مقراً بوجوب الصلاة فدعي إليها وامتنع واستتيب ثلاثاً مع تهديده بالقتل
فلم يصل حتى قتل، هل يموت كافراً أو فاسقاً؟ على قولين: وهذا الفرض باطل
فإنه يمتنع في الفطرة أن يكون الرجل يعتقد أن الله فرضها عليه، وأنه يعاقبه على
تركها، ويصبر على القتل ولا يسجد لله سجدة من غير عذر له في ذلك، هذا لا يفعله
بشر قط، بل ولا يضرب أحد ممن يقر بوجوب الصلاة إلا صلى، ولا ينتهي الأمر به إلى
القتل، وسبب ذلك أن القتل ضرر عظيم لا يصبر عليه إنسان، إلا لأمر عظيم مثل
لزومه لدين يعتقد أنه إن فارقه هلك فيصبر عليه حتى يقتل، وسواء كان الدين
حقاً أو باطلاً، أما مع اعتقاده أن الفعل يجب عليه باطناً فلا يكون فعل الصلاة
أصعب عليه من احتمال القتل قط...)

.وقال في موضع آخر:



(...ولا يتصور في العادة أن رجلاً يكون مؤمناً بقلبه، مقراً، بأن الله أوجب عليه
الصلاة، ملتزماً لشريعة النبي صلى الله عليه وسلم وما جاء به، يأمره ولي الأمر
بالصلاة فيمتنع حتى يقتل، ويكون مع ذلك مؤمناً في الباطن، وقد لا يكون إلا كافراً
ولو قال: أنا مقر بوجوبها غير أني لا أفعلها كان هذا القول مع هذه الحال كذباً منه...
فهذا الموضع ينبغي تدبره فمن عرف ارتباط الظاهر بالباطن زالت عنه الشبهة في
هذا الباب، وعلم أن من قال من الفقهاء أنه إذا أقر بالوجوب وامتنع عن الفعل
لا يقتل، أو يقتل مع إسلامه، فإنه قد دخلت عليه الشبهة التي دخلت على
المرجئة والجهمية، والتي دخلت على من جعل الإرادة الجازمة مع القدرة التامة
لا يكون بها شيء من الفعل، ولهذا كان الممتنعون من قتل هذا من الفقهاء
بنوه على قولهم في "مسألة الإيمان"، وأن الأعمال ليست من الإيمان، وقد
تقدم أن جنس الأعمال من لوازم القلب، وأن، إيمان القلب التام، بدون شيء
من الأعمال الظاهرة ممتنع، سواء جعل الظاهر من لوازم الإيمان، أو جزء من
الإيمان كما تقدم بيانه ) .إذاً هناك فرق بين من يمتنع عن الفعل حتى يقتل
وبين من يتركها كسلاً مع اعتقاد الوجوب (ومن أطلق من الفقهاء أنه لا يكفر إلا
من يجحد وجوبها، فيكون الجحد عنده متناولاً للتكذيب بالإيجاب، ومتناولاً للامتناع
عن الإقرار والالتزام
...) .
فهذا الكلام من شيخ الإسلام- رحمه الله- يجيب على تساؤل مهم، يرد على أذهان
بعض أهل العلم، وهو ظنهم: أن القول بإجماع أهل السنة بكفر تارك جنس العمل
يلزم منه تكفير من المسلمين ممن حاله التفريط في الفرائض، وفعل المحرمات
وهذا الظن فاسد من وجوه:



أولها: أن كلامنا عن منزلة العمل من الإيمان، وحكم التولي والإعراض عنه، وهو
كلام يجب الإيمان به واعتقاده كسائر الأمور الاعتقادية عند أهل السنة، بغض
النظر عن ما ينبني على ذلك من أحكام وآثار عملية تتعلق بأعيان العباد.
الثاني: عند الحكم على المعين لابد من إقامة الحجة، والاستتابة لإزالة كل جهل
أو تأول ونحوه ولا يحكم عليه بالكفر قبل ذلك- إلا في استثناءات خاصة- ذكرت في
مبحث ضوابط التكفير.
الثالث: أن المعين، ممن يترك الأركان، إذا أقيمت عليه الحجة، واستتيب فلا يخلو
أمر حينئذ من حالين، الأول: أن يلتزم أداء ما فرض الله عليه- وخاصة الصلاة- فعند
ذلك نحكم بإسلامه، ونكل سريرته إلى الله- عز وجل-، فإن كان صادقاً في الباطن
نفعه ذلك عند المولى سبحانه.الثاني: أن يأبى التزام ذلك ويعرض عليه السيف
حتى يقتل، وهو مصر لا يؤدي من فرائض الله شيئاً، فهذا كافر ظاهرا وباطنا،
وهذا الذي بينه شيخ الإسلام، وبين أن من قال إنه يقتل مع إسلامه فقد دخلت
عليه شبه المرجئة ، حيث حصروا بالجحود وتكذيب القلب.
من كل ما سبق يتبين لنا علاقة هذا المبحث، بمفهوم الإيمان عند أهل السنة
وأنه قول وعمل، لا يغني أحدهما عن الآخر، وأن ترك العمل بالكلية ناقض لأصل
الإيمان، لمناقضته لعمل القلب، إذ لا يتصور أن يوجد لدى المرء عمل القلب من
القدرة، هذا ممتنع.
إذاً إذا وجد الإعراض عن الطاعة بالكلية فذلك لفقدان عمل القلب الذي هو شرط
لصحة الإيمان، والله اعلم.

نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله بن علي
الوهيبي – 2/119

ليس مناط التكفير في ترك الصلاة هو مطلق الترك لها، بحيث يلزم أن كفر كل من
ترك صلاة واحدة أو بعض صلوات، وإنما مناط التكفير هو الترك المطلق، الذي
هو بمعنى ترك الصلاة من حيث الجملة، الذي يتحقق بترك الصلاة بالكلية، أو
بالإصرار على عدم إقامتها، أو بتركها في الأعم الأغلب، بحيث يصدق على من
تركها أن يقال إنه قد ضيع الصلاة وتولى عن إقامتها.
وبهذا يكون ترك الصلاة من حيث الجملة مناقضاً لتحقيق الالتزام بها، مع أنه قد
يتحقق الالتزام الإجمالي بها مع ترك بعضها.وفي بيان حقيقة الترك المكفر وأن
المقصود بالترك المكفر ما كان متعلقاً بجنس الصلاة لا بمجرد بعض الصلوات يقول
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن كثيراً من الناس، بل أكثرهم، في كثير
من الأمصار لا يكونون محافظين على الصلوات الخمس، ولا هم تاركيها بالجملة
بل قد يصلون أحياناً ويدعون أحياناً، فهؤلاء فيهم إيمان ونفاق، وتجري عليهم
أحكام الإسلام الظاهرة في المواريث ونحوها من الأحكام فإن هذه الأحكام
إذا جرت على المنافق المحض كابن أبي وأمثاله من المنافقين، فلأن تجري
على هؤلاء أولى وأحرى
) .
وفي نفس المعنى يقول الشيخ ابن عثيمين:



(قال بعض العلماء: يكفر بترك فريضة واحدة، ومنهم من قال بفريضتين. ومنهم من
قال بترك فريضتين إن كانت الثانية تجمع إلى الأولى، وعليه فإذا ترك الفجر فإنه
يكفر بخروج وقتها، وإن ترك الظهر فإنه يكفر بخروج وقت العصر.والذي يظهر من
الأدلة أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائماً. فإن كان يصلي فرضاً أو فرضين فإنه لا يكفر
وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم:



((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة)) فهذا ترك صلاة لا الصلاة، ولأن
الأصل بقـاء الإسلام، فلا نخرجه منه إلا بيقين، لأن ما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين
فأصل هذا الرجل المعين مسلم) .
ولهذا كان الصحيح في معنى قوله تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ}
الآية [مريم: 59]. أنه تركها الترك المجمل، لا مطلق الترك.يقول الإمام ابن كثير
رحمه الله: (وقد اختلفوا في المراد بإضاعة الصلاة هاهنا، فقال قائلون: المراد
بإضاعتها تركها بالكلية، قاله محمد بن كعب القرظي وابن زيد بن أسلم والسدي
واختاره ابن جرير، ولهذا ذهب من ذهب من السلف والخلف والأئمة، كما هو
المشهور عن الإمام أحمد وقول عن الشافعي إلى تكفير تارك الصلاة
..) .
ثم ذكر رحمه الله القول الثاني في المراد بإضاعة الصلاة، وهو أن المقصود تأخيرها
عن وقتها مع الأداء.وقد ذكر الإمام ابن جرير رحمه الله القولين ثم قال:
(وأولى التأويلين في ذلك عندي بتأويل الآية قول من قال: إضاعتهموها تركهم
إياهم، لدلالة قول الله تعالى ذكره بعده على أن ذلك كذلك. وذلك قوله جل ثناؤه:
{إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [الفرقان: 70]. فلو كان الذين وصفهم بأنهم
ضيعوها مؤمنين لم يستثن منهم من آمن وهم مؤمنون. ولكنهم كانوا كفاراً
لا يصلون لله، ولا يؤدون له فريضة..) .
ومما يدل أيضاً على أن المراد بترك الصلاة الذي هو مناط الكفر الترك المجمل لها
لا مطلق الترك، ولا مجرد عدم المحافظة على وقتها مع الأداء لها قول الله تعالى:
{فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى} [القيامة: 31-32] فجعل التولي هو مناط
الكفر، ومعلوم أنه ليس كل من ترك صلاة أو بعض صلوات يكون متولياً عن أداء
الصلاة من حيث الجملة.ومما يدل على أن من ترك بعض الصلوات لا يكون كافراً
بذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة
من أعمالهم الصلاة، قال: يقول ربنا عز وجل لملائكته: انظروا في صلاة عبدي
أتمها أم نقصها ؟ فإن كانت تامة كتبت تامة، وإن كان انتقص منها شيئاً قال:
انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن كان له تطوع قال: أتموا لعبدي فريضته من
تطوعه، ثم تؤخذ الأعمال على ذلك
)) .والانتقاص هنا عام لترك الأداء لبعض الصلوات
ولعدم أدائها على الكمال ولو أديت، لا يخص بأحد المعنيين دون الآخر.
وعلى هذا الحديث – وغيره كما سيأتي – اعتمد من يقول بعدم تكفير تارك
الصلاة.
يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله في ذلك:



(ووجه الاستدلال بالحديث المذكور على عدم كفر تارك الصلاة: أن نقصان الصلوات
المكتوبة وإتمامها من النوافل يتناول بعمومه ترك بعضها عمداً، كما يقتضيه ظاهر
اللفظ كما ترى
) .
والحقيقة أن أصل اللبس في حكم تارك الصلاة هو عدم التفريق بين الترك المطلق
ومطلق الترك.فمن قال بأن تارك الصلاة لا يكفر فهم أنه إذا التزم بذلك فلابد أن يكفر
بمطلق الترك. يقول الإمام الشوكاني رحمه الله: (الترك الذي جعل الكفر معلقاً به
مطلق عن التقييد، وهو يصدق بمرة، لوجود ماهية الترك في ضمنها
) .
إذا فهم هذا فإنه لا يتصور من الأئمة الذين قالوا بعدم تكفير تارك الصلاة القول بأن
الإصرار على تركها أو تركها من حيث الجملة ليس كفراً، لأنهم إذا قيدوا عدم الحكم
بتكفير تارك الصلاة بترك صلاة واحدة لم يلزم أن يقولوا إن من ترك الصلاة بالكلية فإن
حكمه كذلك.ومما يدل على لزوم التفريق بين الترك المطلق ومطلق الترك، وعلى
أن المراد بالانتقاص في الحديث السابق العموم الذي يشمل ترك أداء بعض الصلوات
الحديث الذي رواه عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأنه سمع الرسول ..
صلى الله عليه وسلم يقول: ((خمس صلوات كتبهن الله عز وجل على العباد.
فمن جاء بهن، لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن، كان له عند الله عهد أن
يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن، فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء
أدخله الجنة
)) .
فالحديث صريح في الدلالة على أن الانتقاص من الصلاة بعدم الإتيان ببعضها مع
الالتزام بها في الجملة ليس كفراً، وأن من تحقق منه ذلك فهو تحت المشيئة
ومن كان كذلك لا يكون كافراً، لأن الكافر محكوم عليه بالخلود في النار.وفي بيان
معنى هذا الحديث وعدم معارضته للقول بتكفير تارك الصلاة يقول الإمام محمد
بن نصر المروزي رحمه الله: (من أتى بهن، لم يتركهن، وقد انتقص من حقوقهن
شيئاً فهو الذي لا عهد له عند الله، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له، فهذا بعيد
الشبه من الذي يتركها أصلاً لا يصليها .وفي نفس المعنى يقول الإمام ابن
تيمية رحمه الله: (من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا
الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً، لكن أكثر الناس يصلون تارة ويتركونها تارة
فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها، وهؤلاء تحت الوعيد وهم الذين جاء فيهم الحديث
الذي في السنن من حديث عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((خمس صلوات …)) .
ومعلوم أن الوعيد في الحديث بدخول الجنة متعلق بالإتيان بالصلاة. وعدم تضييع
شيء منها على جهة التعمد، وأن من ضيع شيئاً من الصلاة بأن ترك بعضها أو
لم يؤدها على كمالها وإن أداها، فليس من أهل الوعد بدخول الجنة. ولا يقال
بإمكان دخول تارك الصلاة بالكلية تحت المشيئة، لأن سياق الحديث في التضييع
المتضمن عدم كمال المحافظة عليها، لا تضييعها بمعنى تركها جملة.

ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني – ص216






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:48 AM
المشاركة 38

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


الفصل الأول: تشريع الزكاة

وأما الزكاة فقد تقدم ذكرها في نصوص الصلاة وغيرها ومما يتعلق بها على انفرادها
قوله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهُمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ
سَكَنٌ لَهُمْ وَالله سَمِيعٌ عَلِيم
} [التوبة: 103] وقوله في صفات عباده المؤمنين
{وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 4] وقوله تعالى في ذم الكفار ووعيدهم
{وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} [فصلت: 6-7] وإن كانت هذه الآية في زكاة
النفوس فهي عامة لزكاة الأموال أيضا وقد فسرت بها وقوله تعالى في وعيد مانعيها
مطلقا {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـذَا
مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ
} [التوبة: 34-35]... وفي الصحيح عن أبي
هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت
له صفائح من نار فأحمي عليها من نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما
بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضي بين العباد
فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل: يا رسول الله فالإبل قال:
ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها إلا إذا كان يوم القيامة
بطح لها بقاع أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطأه بأخفافها وتعضه فأفواهها
كلما مر عليه أولاها أعيد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة
حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار قيل :
يا رسول الله فالبقر والغنم قال ولا صاحب بقر وغنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان
يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عفصاء ولا جلحاء
ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطأه بأظلافها كلما مر عليه أولاها رد عليه أخراها
في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله
إما إلى الجنة وإما إلى النار)) الحديث بطوله.وفيه عن جابر رضي الله عنه
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من صاحب إبل ولا بقر ولا غنم لا يؤدي
حقها إلا أقعد يوم القيامة
بقاع قرقر تطأه ذات الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن
بقرنها ليس فيها يومئذ جماء ولا مكسورة القرن الحديث وفيه ولا من صاحب
مال لا يؤدي زكاته إلا تحول يوم القيامة شجاعا أقرع يتبع صاحبه حيثما ذهب وهو
يفر منه ويقال: هذا مالك الذي كنت تبخل به فإذا رأى أنه لا بد منه أدخل يده في
فيه فجعل يقضمها كما يقضم الفحل)) .وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ولا يأتي أحدكم يوم القيامة بشاة يحملها
على رقبته لها يعار فيقول: يا محمد فأقول لا أملك لك شيئا قد بلغت ولا يأتي
أحدكم ببعير يحمله على رقبته له رغاء فيقول يا محمد فأقول لا أملك لك شيئا
قد بلغت
)) .
وفيه عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه
يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا
{وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}الآية [آل عمران:180])) وفيه عن خالد بن أسلم قال:
خرجنا مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فقال أعرابي أخبرني عن قول الله تعالى:
{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ}
[التوبة: 34] قال ابن عمر: من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له إنما كان هذه قبل أن
تنزل الزكاة فلما نزلت جعلها الله تعالى طهرة للأموال .وقد ثبتت البيعة عليها
بعد الصلاة كما قال البخاري رحمه الله تعالى "باب البيعة على إيتاء الزكاة"
{فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}
[التوبة: 11] حدثنا ابن نمير قال حدثني أبي قال حدثنا إسماعيل عن قيس قال:
قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم والنصوص فيها كثيرة وفي ما تقدم
كفاية.

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص779






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:49 AM
المشاركة 39

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


الفصل الثاني: حكم مانع الزكاة

أما حكم تاركها فإن كان منعه إنكارا لوجوبها فكافر بالإجماع بعد نصوص الكتاب والسنة
وإن كان مقرا بوجوبها وكانوا جماعة ولهم شوكة قاتلهم الإمام لما في الصحيحين
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان
أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب فقال عمر كيف تقاتل الناس وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله
فمن قالها فقد عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله عز وجل
)) فقال
والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال ولو منعوني عناقا كانوا
يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال عمر رضي
الله عنه فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق –
وفي رواية – فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعلمت أنه الحق
.وهذا الذي استنبطه أبو بكر رضي الله عنه مصرح به في منطوق الأحاديث الصحيحة
المرفوعة كحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله
إلا الله وأن محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا عصموا مني
دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل
)) وغيره من الأحاديث.
وقد جهز النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد لغزو بني المصطلق حين بلغه
أنهم منعوا الزكاة ولم يكن ما بلغه عنهم حقا فروى الإمام أحمد قال:
حدثنا محمد بن سابق حدثنا عيسى بن دينار حدثني أبي أنه سمع الحارث بن
ضرار الخزاعي رضي الله عنه يقول: ((قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فدعاني إلى الإسلام فدخلت فيه وأقررت به ودعاني إلى الزكاة فأقررت بها وقلت:
يا رسول الله أرجع إليهم فأدعوهم إلى الإسلام وأداء الزكاة فمن استجاب لي جمعت
زكاته وترسل إلي يا رسول الله رسولا إبان كذا وكذا ليأتيك بما جمعت من الزكاة فلما
جمع الحارث الزكاة ممن استجاب له وبلغ الإبان الذي أراد رسول الله..
صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليه احتبس عليه الرسول ولم يأته وظن الحارث
أنه قد حدث فيه سخطة من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فدعا بسروات
قومه وقال لهم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان وقت لي وقتا يرسل إلي
رسوله ليقبض ما كان عندي من الزكاة وليس من رسول الله صلى الله عليه وسلم
الخلف ولا أرى حبس رسوله إلا من سخطة فانطلقوا نأتي رسول الله...
صلى الله عليه وسلم وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى
الحارث ليقبض ما كان عنده مما جمع من الزكاة فلما سار الوليد حتى بلغ بعض
الطريق فرق- أي خاف – فرجع حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
يا رسول الله إن الحارث قد منعني الزكاة وأراد قتلي فغضب رسول الله ...
صلى الله عليه وسلم وبعث البعث إلى الحارث رضي الله عنه وأقبل الحارث بأصحابه
حتى إذا استقبل البعث وفصل عن المدينة لقيهم الحارث فقالوا: هذا الحارث فلما
غشيهم قال لهم إلى من بعثتم قالوا إليك قال ولم قالوا إن رسول الله ...
صلى الله عليه وسلم بعث إليك الوليد بن عقبة فزعم أنك منعته الزكاة وأردت
قتله قال رضي الله عنه: لا والذي بعث محمدا بالحق ما رأيته بتة ولا أتاني فلما
دخل الحارث على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: منعت الزكاة وأردت قتل
رسولي قال رضي الله عنه: لا والذي بعثك بالحق ما رأيته ولا أتاني ولا أقبلت إلا
حين احتبس علي رسول الله صلى الله عليه وسلم خشيت أن يكون كانت
سخطة من الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم قال فنزلت الحجرات
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا
عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ
} [الحجرات: 6] )) ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن
شاذان التمار عن محمد بن سابق به ورواه الطبراني من حديث محمد بن سابق
به.وقال ابن جرير رحمه الله تعالى حدثنا أبو كريب حدثنا جعفر بن عون عن موسى
بن عبيدة عن ثابت مولى أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها قالت:
((بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا في صدقات بني المصطلق
بعد الوقيعة فسمع بذلك القوم فتلقوه يعظمون أمر رسول الله...
صلى الله عليه وسلم قالت فحدثه الشيطان أنهم يريدون قتله قالت فرجع إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن بني المصطلق قد منعوني صدقاتهم
فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون قالت فبلغ القوم رجوعه
فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصفوا له حين صلى الظهر فقالوا:
نعوذ بالله من سخط الله وسخط رسوله بعثت إلينا رجلا مصدقا فسررنا بذلك
وقررت به أعيننا ثم إنه رجع من بعض الطريق فخشينا أن يكون ذلك غضبا من
الله تعالى ومن رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يزالوا يكلمونه حتى جاء
بلال فأذن لصلاة العصر قالت ونزلت :
{أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6] )) .
وروى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية قال:
((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث الوليد بن أبي معيط إلى بني
المصطلق ليأخذ منهم الصدقات وأنهم لما أتاهم الخبر فرحوا وخرجوا يتلقونه
رجع الوليد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن بني المصطلق
قد منعوا الصدقة فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك غضبا شديدا
فبينما هو يحدث نفسه أن يغزوهم إذ أتاه الوفد فقالوا:
يا رسول الله إنا حدثنا أن رسولك رجع من نصف الطريق وإنا خشينا أنما رده كتاب
جاء منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله وأن النبي
صلى الله عليه وسلم استغشهم وهم بهم فأنزل الله تبارك وتعالى عذرهم
في الكتاب فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا}
[الحجرات: 6] إلى آخر الآية)) وقال مجاهد وقتادة:
((أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق
ليصدقهم فتلقوه بالصدقة فرجع فقال إن بني المصطلق قد جمعت لك لتقاتلك
زاد قتادة وأنهم ارتدوا عن الإسلام فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم
خالد بن الوليد رضي الله عنه إليهم وأمره أن يتثبت ولا يعجل فانطلق حتى
أتاهم ليلا فبعث عيونه فلما جاءوا أخبروا خالدا رضي الله عنه أنهم مستمسكون
بالإسلام وسمعوا أذانهم وصلاتهم فلما أصبحوا أتاهم خالد رضي الله عنه
فرأى الذي يعجبه فرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر
فأنزل الله تعالى هذه الآية)) وذكر البغوي رحمه الله تعالى نحو حديث ابن
عباس وفيه ((فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أن يغزوهم فبلغ
القوم رجوعه فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا:
يا رسول الله سمعنا برسولك فخرجنا نتلقاه ونكرمه ونؤدي إليه ما قبلناه من
حق الله تعالى فبدا له في الرجوع فخشينا أنه إنما رده من الطريق كتاب
جاءه منك لغضب غضبته علينا وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فاتهمهم
رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعث خالد بن الوليد إليهم خفية في عسكر
وأمره أن يخفي عليهم قدوم قومه وقال له انظر فإن رأيت منهم ما يدل على
إيمانهم فخذ منهم زكاة أموالهم وأن لم تر ذلك فاستعمل فيهم ما يستعمل
في الكفار ففعل ذلك خالد ووافاهم فسمع منهم أذان صلاتي المغرب والعشاء
فأخذ منهم صدقاتهم ولم ير منهم إلا الطاعة والخير فانصرف إلى رسول الله..
صلى الله عليه وسلم وأخبره الخبر فأنزل الله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] الآية))
وأما إن كان الممتنع عن أداء الزكاة فردا من الأفراد فأجمعوا على أنها تؤخذ منه قهرا
واختلفوا من ذلك في مسائل:
إحداها هل يكفر أم لا؟ فقال عبد الله بن شقيق: كان أصحاب رسول الله...
صلى الله عليه وسلم لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر إلا الصلاة
وقال أيوب السختياني: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه وذهب إلى هذا القول جماعة
من السلف والخلف وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق وحكى إسحاق عليها
إجماع أهل العلم وقال محمد بن نصر المروزي هو قول جمهور أهل الحديث وذهب
طائفة منهم إلى أن من ترك شيئا من أركان الإسلام الخمس عمدا أنه كافر وروى
ذلك سعيد بن جبير ونافع والحكم وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها طائفة من
أصحابه وهو قول ابن حبيب من المالكية... وقال ابن عيينة المرجئة سموا ترك
الفرائض ذنبا بمنزلة ركوب المحارم وليس سواء لأن ركوب المحارم متعمدا
من غير استحلال معصية وترك الفرائض من غير جهل ولا عذر كفر وبيان ذلك
في أمر إبليس وعلماء اليهود الذين أقروا ببعث النبي صلى الله عليه وسلم
بلسانهم ولم يعملوا بشرائعه.
المسألة الثانية هي يقتل أم لا؟ الأول هو المشهور عن أحمد رحمه الله تعالى
ويستدل له بحديث ابن عمر رضي الله عنهما ((أمرت أن أقاتل الناس حتى
يشهدوا أن لا إله إلا الله
)) الحديثوالثاني لا يقتل وهو قول مالك والشافعي ورواية
عن أحمد رحمهم الله تعالى وروى اللالكائي من طريق مؤمل قال: حدثنا حماد
بن زيد عن عمرو بن مالك البكري عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ولا أحسبه إلا
رفعه قال: عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام ،،
شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة وصوم رمضان من ترك منهن واحدة فهو بها كافر
ويحل دمه وتجده كثير المال ولا يزكي فلا يزال بذلك كافرا ولا يحل دمه ورواه قتيبة
بن سعيد عن حماد بن زيد مرفوعا مختصرا ورواه سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد
عن عمرو بن مالك بهذا الإسناد مرفوعا وقال من ترك منهن واحدة –
يعني الثلاث الأول – فهو بالله كافر ولا يقبل منه صرف ولا عدل وقد حل دمه وماله
ولم يذكر ما بعده .
المسألة الثالثة لمن لم ير قتله هل ينكل بأخذ شيء من ماله مع الزكاة؟
وقد روى في خصوص المسألة حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنه
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((في كل سائمة إبل في أربعين بنت
لبون لا تفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها ومن منعها فإنا
آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا لا يحل لآل محمد منها شيء
))
رواه أحمد وأبو داود والنسائي وصححه الحاكم وعلق الشافعي القول به على
ثبوته فإنه قال: لا يثبته أهل العلم بالحديث ولو ثبت لقلنا به (552).

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص783






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:51 AM
المشاركة 40

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


الباب الرابع: الصوم

الركن الرابع من أركان الإسلام الصيام وهو في اللغة الإمساك وفي الشرع إمساك
مخصوص في زمن مخصوص بشرائط مخصوصة.
وكان فرض صوم شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة هو والزكاة قبل بدر
قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن
قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ
أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ
وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى
لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ
}
[البقرة: 183-185] إلى آخر الآيات وقد تقدمت الأحاديث فيه.
وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع كفر من جحد فرضيته وتقدم القول بقتل تاركه
مع الإقرار والاعتراف بوجوبه وقوله (فاسمع واتبع) مأخوذ من قول الله عز وجل
{فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ
وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبابِ
} [الزمر: 18].

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص790

الباب الخامس: الحج

الركن الخامس الحج وهو (على من يستطع) أي استطاع إليه سبيلا قال الله تعالى:
{فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ
مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ
} [آل عمران: 97]
قد ذكر الله تعالى تفصيله في سورة البقرة من قوله تعالى:
{وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلّهِ -إلى قوله- إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة: 196].
واشتراط الاستطاعة فيه مصرح به في الآية وفي حديث جبريل وفي حديث معاذ
وغيرها وفسره النبي صلى الله عليه وسلم بالزاد والراحلة.
ولا خلاف في كفر من جحد فرضيته وتقدم الخلاف في كفر تاركه مع الإقرار بفرضيته.
وروى الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول...
الله صلى الله عليه وسلم ((تعجلوا الحج – يعني الفريضة
فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له)) (554) ورواه أبو داود بلفظ:
((من أراد الحج فليتعجل)) ...وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة قال:
((خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أيها الناس قد فرض عليكم الحج
فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله ..
صلى الله عليه وسلم: لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال ذروني
ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم وإذا أمرتم
بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه)) ورواه مسلم
بنحو هذا والله أعلم.وروى أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والحاكم عن ابن
عباس رضي الله عنهما قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
((يا أيها الناس إن الله تعالى كتب عليكم الحج فقام الأقرع بن حابس فقال:
يا رسول الله أفي كل عام فقال لو قلتها لوجبت ولو وجبت لم يعملوا بها ولن
تستطيعوا أن تعملوا بها الحج مرة فمن زاد فهو تطوع)) .

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي – ص791

الباب السادس: حكم تارك الأركان الأربعة

أما الأركان الأربعة - يعني سوى الشهادتين - ففي تكفير تاركها أو بعضها مع الإقرار
بالوجوب، خلاف معروف، وقد ذكر شيخ الإسلام الخلاف في ذلك، وعرض الأقوال-
ذاكراً ما كان منها رواية عن الإمام أحمد- فقال:
(...أحدهما: أنه يكفر بترك واحدة من الأربعة حتى الحج، وإن كان في جواز تأخيره
نزاع بين العلماء، فمتى عزم على تركه بالكلية كفر، وهذا قول طائفة من السلف
وهي إحدى الروايات عن أحمد اختارها أبو بكر.
الثاني: أنه يكفر بترك شيء من ذلك مع الإقرار بالوجوب، وهذا هو المشهور عند
كثير من الفقهاء من أصحاب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وهو إحدى الروايات
عن أحمد اختارها ابن بطة وغيره.
الثالث: لا يكفر إلا بترك الصلاة، وهي الرواية الثالثة عن أحمد، وقول كثير من
السلف، وطائفة من أصحاب مالك، والشافعي، وطائفة من أصحاب أحمد.
الرابع: يكفر بتركها (أي الصلاة)، وترك الزكاة فقط.
الخامس: بتركها، وترك الزكاة إذا قاتل الإمام عليها دون ترك الصيام والحج...).
وليس مقصودنا في هذا المبحث، ذكر أدلة قول الترجيح بينها، وإنما المقصود أن
نبين أن قول السلف ترك جنس العمل يختلف عن قولهم في مسألة ترك الأركان
فالأول أمر لم يخالف فيه منهم أحمد لأنه مقتضى إجماعهم على حقيقة الإيمان
وأنه قول وعمل، أما الثاني فهو من مسائل الاجتهاد، وإن كان بين الأمرين علاقة
لكن ينبغي أن نعلم: أن الخلاف الأهم والأقوى هو خلافهم في مسألة ترك الصلاة
كسلاً وهو ما سنشير إليه، أما غير الصلاة فالأقرب وهو قول الأكثرين عدم تكفير
تاركها- ما لم يقاتل الإمام عليها- فالزكاة فبالإضافة إلى أخذها من الفرد بالقوة
في حديث: ((إنا آخذوها وشطر ماله)) ، فقد ورد حديث صريح في عدم تكفير
من لا يؤديها، فعن أبي هريرة-رضي الله عنه- قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي
عليه في نار جهنم، فيجعل صفائح، فيكوى بها جنباه وجبينه، حتى يحكم الله بين
عباده، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما
إلى النار..)) الحديث . قال الإمام المروزي- رحمه الله- في تعليقه على
هذا الحديث...فدل ما ذكرنا أن مانع الزكاة ليس بكافر، ولا مشرك، إذ أطمعه
دخول الجنة لقول الله تعالى:
{إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: 48]..) ،
أما الصوم فيكاد يكون إجماعاً القول بعدم تكفير تاركه، قال الإمام محمد بن نصر-
رحمه الله-: (وقد اتفق أهل الفتوى، وعلماء أهل الأمصار على أن من أفطر في
رمضان متعمداً أنه لا يكفر بذلك، واختلفوا فيما يجب عليه عند ذلك... فإن أفطر
رمضان كله متعمداً، فمنهم من أوجب عليه لكل يوم كفارة مع القضاء،...ولم
يقل أحد من العلماء أنه قد كفر ) .
أما الحج فحيث أنه يجب في العمر مرة واحدة، ومختلف في وجوبه هل هو على
الفور أم التراخي؟ فبذلك يصعب الجزم بأنه تارك للحج بالكلية والله أعلم.

نواقض الإيمان الاعتقادية وضوابط التكفير عند السلف لمحمد بن عبد الله
بن علي الوهيبي – 2/118






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:52 AM
المشاركة 41

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


الفصل الأول: المراد بأركان الإيمان

وَهُوَ الإِيمانُ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، والإِيمَانِ بِالْقَدَرِ خِيْرِهِ
وَشَرِّهِ

هذه الأمور الستة هي أركان الإيمان، فلا يتمُّ إيمانُ أحدٍ إلا إذا آمن بها جميعًا على
الوجه الصحيح الذي دلَّ عليه الكتاب والسنة، فمَنْ جَحَدَ شيئا منها أو آمن به على
غير هذا الوجه؛ فقد كفر

شرح العقيدة الواسطية لمحمد خليل هراس - ص63

الفصل الثاني: أهمية هذه الأركان، وبيان أن عليها مدار الدين
إن معتقد أهل السنة والجماعة في أصول الإيمان؛ يتلخص في التصديق بأركانه
الستة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل – عليه السلام –
لما جاء يسأله عن الإيمان؛ فقال صلى الله عليه وسلم:
((أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره))
فالإيمان يقوم على هذه الأركان الستة؛ إذا سقط منها ركن لم يكن الإنسان مؤمناً
البتة؛ لأنه فقد ركناً من أركان الإيمان؛ فالإيمان لا يقوم إلا على أركانه تامة، كما
لا يقوم البنيان إلا على أركانه مكتملة
لذا لا يتم الإيمان إلا بأركانه الستة جميعاً على الوجه الصحيح الذي دل عليه الكتاب
والسنة، ومن جحد شيئاً منها فليس بمؤمن، وإن ادعى الإيمان، وقام ببعض أركان
الإسلام

الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه عند أهل السنة عبدالله بن عبدالحميد الأثري - ص113

الفصل الثالث: للإيمان شعب أعم وأكثر من الأركان

ولما كان الإيمان أصلاً له شعب متعددة، وكل شعبة منها تسمى إيماناً:
فالصلاة من الإيمان، وكذلك الزكاة والحج والصيام، والأعمال الباطنة كالحياء، والتوكل
والخشية من الله، والإنابة إليه، حتى تنتهي هذه الشعب إلى إماطة الأذى
عن الطريق فإنه شعبة من شعب الإيمان وهذه الشعب منها ما يزول الإيمان
بزوالها كشعبة الشهادتين ومنها ما لا يزول بزوالها كترك إماطة الأذى عن الطريق
وبينهما شعب متفاوتة تفاوتاً عظيماً منها ما يلحق بشعبة الشهادة ويكون إليها أقرب
ومنها ما يلحق بشعبة إماطة الأذى ويكون إليها أقرب

شرح العقيدة الطحاوية لعلي بن علي بن أبي العز - 2/476

قال القاضي عياض: تكلف جماعة حصر هذه الشعب بطريق الاجتهاد، وفي الحكم
بكون ذلك هو المراد صعوبة، ولا يقدح عدم معرفة حصر ذلك على التفصيل في
الإيمان ا هـ ولم يتفق من عدَّ الشعب على نمط واحد، وأقربها إلى الصواب طريقة
ابن حبان، لكن لم نقف على بيانها من كلامه، وقد لخصت مما أوردوه ما أذكره
وهو أن هذه الشعب تتفرع عن أعمال القلب، وأعمال اللسان، وأعمال البدن
فأعمال القلب فيه المعتقدات والنيات، وتشتمل على أربع وعشرين خصلة:
الإيمان بالله، ويدخل فيه الإيمان بذاته وصفاته وتوحيده بأنه ليس كمثله شيء
واعتقاد حدوث ما دونه والإيمان بملائكته، وكتبه، ورسله، والقدر خيره وشره والإيمان
باليوم الآخر، ويدخل فيه المسألة في القبر، والبعث، والنشور، والحساب
والميزان، والصراط، والجنة والنار ومحبة الله والحب والبغض فيه ومحبة النبي ..
صلى الله عليه وسلم، واعتقاد تعظيمه، ويدخل فيه الصلاة عليه، واتباع سنته
والإخلاص، ويدخل فيه ترك الرياء والنفاق والتوبة والخوف والرجاء والشكر والوفاء
والصبر والرضا بالقضاء والتوكل والرحمة والتواضع ويدخل فيه توقير الكبير ورحمة
الصغير وترك الكبر والعجب وترك الحسد وترك الحقد وترك الغضب وأعمال اللسان
وتشتمل على سبع خصال: التلفظ بالتوحيد وتلاوة القرآن وتعلم العلم وتعليمه
والدعاء والذكر، ويدخل فيه الاستغفار، واجتناب اللغو وأعمال البدن، وتشتمل على
ثمان وثلاثين خصلة، منها ما يختص بالأعيان وهي خمس عشرة خصلة:
التطهير حسا وحكما، ويدخل فيه اجتناب النجاسات وستر العورة والصلاة فرضا
ونفلا والزكاة كذلك وفك الرقاب والجود، ويدخل فيه إطعام الطعام وإكرام الضيف
والصيام فرضا ونفلا والحج، والعمرة كذلك والطواف والاعتكاف والتماس ليلة القدر
والفرار بالدين، ويدخل فيه الهجرة من دار الشرك والوفاء بالنذر، والتحري في الإيمان
وأداء الكفارات ومنها ما يتعلق بالاتباع، وهي ست خصال: التعفف بالنكاح
والقيام بحقوق العيال؛ وبر الوالدين، وفيه اجتناب العقوق وتربية الأولاد وصلة الرحم
وطاعة السادة أو الرفق بالعبيد ومنها ما يتعلق بالعامة، وهي سبع عشرة خصلة:
القيام بالإمرة مع العدل ومتابعة الجماعة وطاعة أولي الأمر والإصلاح بين الناس
ويدخل فيه قتال الخوارج والبغاة والمعاونة على البر، ويدخل فيه الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر وإقامة الحدود والجهاد، ومنه المرابطة وأداء الأمانة، ومنه أداء
الخمس والقرض مع وفائه وإكرام الجار وحسن المعاملة، وفيه جمع المال من حله
وإنفاق المال في حقه، ومنه ترك التبذير والإسراف ورد السلام وتشميت العاطس
وكف الأذى عن الناس واجتناب اللهو وإماطة الأذى عن الطريق فهذه تسع وستون
خصلة، ويمكن عدها تسعا وسبعين خصلة باعتبار إفراد ما ضم بعضه إلى بعض
مما ذكر والله أعلم

فتح الباري شرح صحيح البخاري لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني - 1/52





عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:55 AM
المشاركة 42

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


تمهيد

توحيد الاعتقاد هو مجرد إثبات ما يختص به الله تعالى من الكمال في ذاته وأسمائه
وصفاته وأفعاله
ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني - ص133
يشتمل على نوعين من أنواع التوحيد:
الأول: توحيد الربوبية
الثاني: توحيد الأسماء والصفات


تمهيد

وجود الله معلوم من الدين بالضرورة، وهو صفة لله بإجماع المسلمين، بل صفة
لله عند جميع العقلاء، حتى المشركين، لا ينازع في ذلك إلا مُلْحِد دهري
ولا يلزم من إثبات الوجود صفة لله أن يكون له موجِد لأن الوجود نوعان:

الأول: وجود ذاتي

وهو ما كان وجوده ثابتاً له في نفسه، لا مكسوباً له من غيره، وهذا هو وجود الله
سبحانه وصفاته؛ فإنَّ وجوده لم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم،
{هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:3]

الثاني: وجود حادث

وهو ما كان حادثاً بعد عدم، فهذا الذي لابد له من موجد يوجده وخالق يحدثه
وهو الله سبحانه، قال تعالى: {اللهُ خَالِقُ كـُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلـَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ
 لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [الزمر:62-63]، وقال تعالى:
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لا يُوقِنُونَ}
[الطور: 35-36] وعلى هذا يوصف الله تعالى بأنه موجود، ويخبر عنه بذلك في
الكلام، فيقال: الله موجود، وليس الوجود اسماً، بل صفة وبالله التوفيق
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
قلت: الأولى أن يُقال: حي؛ بدل: موجود انظر: القاعدة الرابعة أما قول السائل:
إنه وجد الواجِد من أسماء الله تعالى؛ فهذا غير صحيح، ولم يثبت في كتاب
ولا سنة والله أعلم

صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص332

الوجود ينقسم إلى: قائم بنفسه وقائم بغيره، وواجب بنفسه وممكن بنفسه كما
أن الحيوانات مشتركة في مسمى الحيوان، والناس يشتركون في مسمى الإنسان
مع العلم الضروري بأنه ليس عين وجود هذا الإنسان هو عين هذا الفرس، بل ولا
عين هذا الحيوان وحيوانيته وإنسانيته هو عين هذا الحيوان وحيوانيته وإنسانيته
ولكن بينهما قدر مشترك تشابها فيه قد يسمى كلياً ومطلقاً وقدرا مشتركا
ونحو ذلك وهذا لا يكون في الخارج عن الأذهان كليا عاما مطلقاً، بل لا يوجد
إلا معيناً مشخصاً، فكل موجود فله ما يخصه من حقيقته، مما لا يشركه فيه
غيره، بل ليس بين موجودين في الخارج شيء بعينه اشتركا فيه ولكن تشابها
ففي هذا نظير ما في هذا، كما أن هذا نظير هذا، وكل منهما متميز بذاته وصفاته
عما سواه، فكيف الخالق سبحانه وتعالى؟

اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم لشيخ الإسلام أحمد
بن عبد الحليم بن تيمية - 2/860

المطلب الثاني: المسلك الصحيح في إثبات وجود الله تعالى


الله عز وجل هو الحق في ذاته وصفاته فهو واجب الوجود، كامل الصفات والنعوت
وجوده من لوازم ذاته ولا وجود لشيء من الأشياء إلا به فهو الذي لم يزل، ولا يزال
بالجلال، والجمال، والكمال موصوفاً ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفاً فقوله حق
وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسله حق، وكتبه حق، ودينه هو الحق، وعبادته وحده
لا شريك له، هي الحق، وكل شيء ينسب إليه، فهو حق
{ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الحج:62]
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29]
{فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} [يونس:32]
{وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء:81]
{يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ} [النور:25]
فأوصافه العظيمة حق، وأفعاله هي الحق، وعبادته هي الحق، ووعده حق
ووعيده وحسابه هو العدل الذي لا جور فيه

الولاء والبراء في الإسلام لسعيد بن علي بن وهف القحطاني - ص176






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:57 AM
المشاركة 43

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


تمهيد



الإيمان بالله تعالى يتضمن الإيمان بوحدانيته، واستحقاقه للعبادة؛ لأن وجوده –
جل وعلا – لا شك فيه ولا ريب، وقد دل على وجوده سبحانه وتعالى: الفطرة
والعقل، والشرع، والحس

الإيمان حقيقته خوارمه نواقضه عند أهل السنة عبدالله بن عبدالحميد الأثري
خوارمه نواقضه - ص114

المسألة الأولى: دلالة الفطرة



معناها ومبررات إيرادها ضمن الدلائل على وجود اللهومن فضل الله ورحمته أن
فطر كل إنسان على توحيده وابتغاء وجهه بحيث يكون ذلك أصلاً يولد عليه كل
مولود وهذا هو معنى حديث الفطرة وقول الرسول صلى الله عليه وسلم:
((كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه))
فالفطرة هي الإسلام الذي أصله توحيد الله بالإرادة والمحبة، وأما الأديان المحرفة
فهي مخالفة للفطرة، وانحراف عن الأصل الذي هو الإسلام ولهذا فإن القلب
لا يمكن أن يطمئن ويستقر إلا إلى ما فطره الله عليه من إرادته ومحبته وحده
وكل إرادة ومحبة لغير الله فهي عذاب وصرف للفطرة عن أصلها، مهما يكن المراد
المحبوب وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح:
((تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط
تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش
)) مع أنه دعاء بالتعاسة والانتكاس لمن كان
عبداً للدينار فإنه أيضاً تقرير لواقع حاصل، وهو أن كل من كان معبوده المال فلابد
أن يكون حاله من تعاسة إلى تعاسة، ومن انتكاس إلى انتكاس، لمخالفته
لحقيقة فطرته بحب الله وإرادة وجهه وحده

ضوابط التكفير عند أهل السنة والجماعة لعبد الله بن محمد القرني - ص163

دليل الفطرة: فلا مانع أيضاً أن تأتي به للاستدلال على ما تقول من الحق لتلزم
الخصم به وتطمئن الموافق، وما زال العلماء يسلكون هذا المسلك، وقد مر
علينا قصة أبي المعالي الجويني مع الهمداني، حيث إن أبا المعالي الجويني
غفر الله لنا وله كان يقرر نفي استواء الله على عرشه، فقال له الهمداني:
" دعنا من ذكر العرش، فما تقول في هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا:
ما قال عارف قط: يا الله ! إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو
" فصرخ أبو المعالي
ولطم على رأسه، وقال: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني

القول المفيد على كتاب التوحيد لمحمد بن صالح بن عثيمين - 3/246

وأما الفطرة: فلأن النفوس السليمة مجبولة مفطورة على محبة الله وتعظيمه
وعبادته، وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة
بربوبيته وألوهيته؟

القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين - ص27

التنبيه على دلالة الفطرة في القرآن والسنةقال ابن كثير رحمه الله تعالى:
وذهب طائفة من السلف والخلف أن المراد بهذا الإشهاد إنما هو فطرهم على
التوحيد, كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة - وفي رواية -
على هذه الملة فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء
هل تحسون فيها من جدعاء
)) أخرجاه وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار
رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((يقول الله تعالى: إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن
دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم)) وعن الأسود بن سريع من بني سعد قال
((غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع غزوات قال فتناول القوم الذرية
بعدما قتلوا المقاتلة فبلغ ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم فاشتد عليه ثم قال:
ما بال قوم يتناولون الذرية فقال رجل يا رسول الله أليسوا أبناء المشركين؟ فقال:
إن خياركم أبناء المشركين ألا إنها ليست نسمة تولد إلا ولدت على الفطرة فما
تزال عليها حتى يبين عنها لسانها فأبواها يهودانها وينصرانها
))
قال الحسن: ولقد قال الله تعالى في كتابه:
{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِيَّتَهُمْ} [الأعراف:172]
قالوا ولهذا قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ} ولم يقل من آدم {مِنْ ظُهُورِهِمْ}
ولم يقل من ظهره {ذُرِيَّتَهُمْ} أي جعل نسلهم جيلا بعد جيل وقرنا بعد قرن كقوله
تعالى: {وَهُوَ الذِّي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ فيِ الأَرْض} [الأنعام:165] وقال:
{وَيَجْعَلَكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْض} [النمل:62] وقال تعالى: {كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَةِ قَوْمٍ آخَرِين}
[الأنعام:133] ثم قال تعالى: {وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى}
أي أوجدهم شاهدين بذلك قائلين له حالا, قال الشهادة تكون بالقول كقوله تعالى:
{قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا} [الأنعام:130] الآية وتارة تكون حالا كقوله تعالى:
{مَا كَانَ للمُشْرِكِينَ أَنْ يُعَمِّرُوا مَسَاجِدَ الله شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالكُفْر}
[التوبة: 17] أي حالهم شاهد عليهم بذلك لا أنهم قائلون ذلك, وكذا قوله تعالى:
{وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيد} [العاديات: 7] كما أن السؤال تارة يكون بالمقال, وتارة
يكون بالحال كقوله تعالى: {وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوه} [إبراهيم: 34]

معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول لحافظ بن أحمد الحكمي - ص93

حقيقة المعرفة الفطرية بالخالق



ولهذا كان أكثر الناس على أن الإقرار بالصانع ضروري فطري وذلك أن اضطرار النفوس
إلى ذلك أعظم من اضطرارها إلى ما لا تتعلق به حاجتها ألا ترى أن الناس يعرفون
من أحوال من تتعلق به منافعهم ومضارهم كولاة أمورهم ومماليكهم وأصدقائهم
وأعدائهم مالا يعلمونه من أحوال من لا يرجونه ولا يخافونه ولا شيء أحوج إلى
شيء من المخلوق إلى خالقه فهم يحتاجون إليه من جهة ربوبيته إذ كان هو
الذي خلقهم وهو الذي يأتيهم بالمنافع ويدفع عنهم المضار:
{وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} [النحل: 53]
وكل ما يحصل من أحد فإنما هو بخلقه وتقديره وتسبيبه وتيسيره وهذه الحاجة
التي توجب رجوعهم إليه حال اضطرارهم كما يخاطبهم بذلك في كتابه وهم
محتاجون إليه من جهة ألوهيته فإنه لا صلاح لهم إلا بأن يكون هو معبودهم الذي
يحبونه ويعظمونه ولا يجعلون له أندادا يحبونهم كحب الله بل يكون ما يحبونه سواه
كأنبيائه وصالحي عباده إنما يحبونهم لأجله كما في الصحيحين عن النبي...
صلى الله عليه وسلم أنه قال ((ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان:
من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله
ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار
))
ومعلوم أن السؤال والحب والذل والخوف والرجاء والتعظيم والاعتراف بالحاجة
والافتقار ونحو ذلك مشروط بالشعور بالمسئول المحبوب المرجو المخوف المعبود
المعظم الذي تعترف النفوس بالحاجة إليه والافتقار الذي تواضع كل شيء لعظمته
واستسلم كل شيء لقدرته وذل كل شيء لعزته فإذا كانت هذه الأمور مما تحتاج
النفوس إليها ولا بد لها منها بل هي ضرورية فيها كان شرطها ولازمها وهو الاعتراف
بالصانع به أولى أن يكون في النفوس وقول النبي صلى الله عليه وسلم
في الحديث الصحيح: ((كل مولود يولد على الفطرة)) ويروي عن ربه:
((خلقت عبادي حنفاء)) ونحو ذلك لا يتضمن مجرد الإقرار بالصانع فقط بل إقرارا
يتبعه عبودية لله بالحب والتعظيم وإخلاص الدين له وهذا هو الحنيفية وأصل
الإيمان قول القلب وعمله أي علمه بالخالق وعبوديته للخالق والقلب مفطور
على هذا وهذا وإذا كان بعض الناس قد خرج عن الفطرة بما عرض له من المرض
إما بجهله وإما بظلمه فجحد بآيات الله واستيقنتها نفسه ظلما وعلوا لم يمتنع
أن يكون الخلق ولدوا على الفطرة .

درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية - 2/24






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:58 AM
المشاركة 44

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


المسألة الثانية: دلالة الحس



وأما دلالة الحس على وجود الله، فإن الإنسان يدعو الله عز وجل، يقول: يا رب!
ويدعو بالشيء، ثم يستجاب له فيه، وهذه دلالة حسية، هو نفسه لم يدع إلا الله
واستجاب الله له، رأى ذلك رأي العين وكذلك نحن نسمع عمن سبق وعمن في
عصرنا، أن الله استجاب لهم فالأعرابي الذي دخل والرسول صلى الله عليه وسلم
يخطب الناس يوم الجمعة قال: هلكت الأموال، وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا
قال أنس: والله، ما في السماء من سحاب ولا قزعة (أي: قطعة سحاب) وما بيننا
وبين سلع (جبل في المدينة تأتي من جهته السحب) من بيت ولا دار وبعد دعاء
الرسول صلى الله عليه وسلم فوراً خرجت سحابة مثل الترس، وارتفعت في
السماء وانتشرت ورعدت، وبرقت، ونزل المطر، فما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم
إلا والمطر يتحادر من لحيته عليه الصلاة والسلام وهذا أمر واقع يدل على وجود
الخالق دلالة حسية وفي القرآن كثير من هذا، مثل:
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَه}
[الأنبياء:83-84] وغير ذلك من الآيات

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/56

المسألة الثالثة: دلالة الآيات الكونية



- دليل الخلق والحدوث
كل حادث لا بد له من محدث ولا محدث للحوادث إلا الله عز وجل، والحقيقة أن دلالة
الحوادث على المحدث دلالة حسية عقلية:
أما كونها حسية: فلأنها مشاهدة بالحس،
وأما كونها عقلية: فلأن العقل يدل على أن كل حادثٍ لا بد له من محدث،
ولهذا سئل أعرابي: بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدل على المسير، والبَعْرَة تدل على
البعير، فسماء ذات أبراجٍ وأرض ٌ ذات فجاج وبحارٌ ذات أمواج ألا تدل على السميع
البصير؟ الجواب: بلى، هذا أعرابي استدل على أن هذه الحوادث العظيمة تدل
على خالقٍ عظيم عز وجل، هو السميع البصير، فالحوادث دليل على وجود المحدث
ثم كل حادثٍ منها يدل على صفةٍ مناسبةٍ غير الوجود، فنزول المطر يدل لا شك
على وجود الخالق ويدل على رحمته وهذه دلالةٌ غير الدلالة على الوجود، وجود
الجدب والخوف والحروب تدل على وجود الخالق وتدل على غضب الله عز وجل
وانتقامه، فكل حادثٍ فله دلالتان:
دلالةٌ كلية عامة: تشترك فيها جميع الحوادث وهي وجود الخالق وجود المحدث
ودلالةٌ خاصة: في كل حادثٍ بما يختص به كدلالة الغيث على الرحمة ودلالة
الجدب على الغضب وهكذا، وهناك دلالة أخرى: النوازل التي تنزل لسبب دالة
على وجود الخالق، مثل: دعاء الله عز وجل ثم استجابته للدعاء دليل على وجوده
وهذه وإن كانت من باب دلالة الحادث على المحدث لكنها أخص، لما دعا النبي
صلى الله عليه وسلم الله أن يغيث الخلق قال: ((اللهم أغثنا اللهم أغثنا))
ثم نشأ السحاب وأمطر قبل أن ينزل من المنبر، هذا حديث أنس يدل على وجود
الخالق وهذا أخص من دلالة العموم

شرح العقيدة السفارينية لمحمد بن صالح بن عثيمين - ص45

فالآيات الكونية: ما يتعلق بالخلق والتكوين، مثال ذلك قوله:
{وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا
لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ
} [فصلت: 37]
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ} [الروم: 20]
{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ
لِّلْعَالِمِينَ وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي
بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ
وَالأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ
} [الروم: 22-25]،
فهذه الآيات كونية وإن شئت، فقل: كونية قدرية، وكانت آية لله، لأنه لا يستطيع
الخلق أن يفعلوها، فمثلاً: لا يستطيع أحد أن يخلق مثل الشمس والقمر
ولا يستطيع أن يأتي بالليل إذا جاء النهار، ولا بالنهار إذا جاء الليل، فهذه الآيات
كونية

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/124

المسألة الرابعة: دلالة الشرع



وأما دلالة الشرع، فلأن ما جاءت به الرسل من شرائع الله تعالى المتضمنة لجميع
ما يصلح الخلق يدل على أن الذي أرسل بها رب رحيم حكيم، ولاسيما هذا القرآن
المجيد الذي أعجز البشر والجن أن يأتوا بمثله

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/56

الآيات الشرعية، وهي ما جاءت به الرسل من الوحي، كالقرآن العظيم وهو آيه
لقوله تعالى: {تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}
[البقرة: 252] {وَقَالُوا لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا
نَذِيرٌ مُّبِينٌ أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ
} [العنكبوت: 50-51]
فجعله آيات

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/124

المسألة الخامسة: دلالة العقل



فأما دلالة العقل، فنقول: هل وجود هذه الكائنات بنفسها، أو وجدت هكذا صدفة؟
فإن قلت: وجدت بنفسها، فمستحيل عقلاً ما دامت هي معدومة؟ كيف تكون
موجودة وهي معدومة؟! المعدوم ليس بشيء حتى يوجد، إذاً لا يمكن أن توجد
نفسها بنفسها وإن قلت: وجدت صدفة، فنقول: هذا يستحيل أيضاً، فأنت أيها
الجاحد، هل ما أنتج من الطائرات والصواريخ والسيارات والآلات بأنواعها، هل وجد
هذا صدفة؟! فيقول: لا يمكن أن يكون فكذلك هذه الأطيار والجبال والشمس والقمر
والنجوم والشجر والجمر والرمال والبحار وغير ذلك لا يمكن أن توجد صدفة أبداً ويقال:
إن طائفة من السمنية جاءوا إلى أبي حنيفة رحمه الله، وهم من أهل الهند
فناظروه في إثبات الخالق عز وجل، وكان أبو حنيفة من أذكى العلماء فوعدهم أن
يأتوا بعد يوم أو يومين، فجاءوا، قالوا: ماذا قلت؟ قال أنا أفكر في سفينة مملوءة
من البضائع والأرزاق جاءت تشق عباب الماء حتى أرست في الميناء ونزلت الحمولة
وذهبت، وليس فيها قائد ولا حمالون قالوا: تفكر بهذا؟! قال: نعم قالوا: إذاً ليس
لك عقل! هل يعقل أن سفينة تأتي بدون قائد وتنزل وتنصرف؟! هذا ليس معقول!
قال: كيف لا تعقلون هذا، وتعقلون أن هذه السماوات والشمس والقمر والنجوم
والجبال والشجر والدواب والناس كلها بدون صانع؟ فعرفوا أن الرجل خاطبهم بعقولهم
وعجزوا عن جوابه هذا أو معناه وقيل لأعرابي من البادية: بم عرفت ربك؟ فقال:
الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات
فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟ ولهذا قال الله عز وجل:
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} [الطور: 35] فحينئذ يكون العقل دالاً
دلالة قطعية على وجود الله .

شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين 1/56

لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم أن يغيث الخلق، قال اللهم أغثنا، اللهم أغثنا
ثم نشأ السحاب، وأمطر قبل أن ينزل من المنبر، هذا يدل على وجود الخالق

شرح العقيدة السفارينية لمحمد بن صالح بن عثيمين - ص46






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..
قديم 16-12-2009, 02:59 AM
المشاركة 45

  • غير متواجد
رد: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]


المطلب الرابع: معرفة الله


اعلم أن مذهب أهل الإسلام أن معرفة الله تعالى واجبة على جميع الأنام لكن اختلفوا
في طريقها فمذهب الصوفية أن طريقها الرياضة والتخلية والتحلية وتصفية الطوية
لقبول التحلية وليستفيد الواردات وشواهد تكثيرها التي عجز العقل عن تفسيرها
وذهب جمهور المتكلمين إلى أن طريقها إنما هو النظر والاستدلال بالأدلة النقلية
من الكتاب والسنة المطابقة للأدلة العقلية وقال بعضهم يعرف بالعقل المجرد الباقي
على الفطرة الأصلية وقال بعضهم يعرف الله بالله لا بغيره وهذا أشبه بمذهب الصوفية
وعن هذا قالوا إن أحدا لا يعرف الله حق معرفته وإن كان نبيا مرسلا أو ملكا مقربا
لقوله تعالى: {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85] وكقوله سبحانه وتعالى:
{وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه:110] وقوله: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103]
ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم:
((لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك))

الرد على القائلين بوحدة الوجود لعلي بن سلطان بن محمد القاري - ص17

معرفة الله قسمان:


1 – معرفة وجود ومعاني، وهذا هو المطلوب منا
2 – ومعرفة كنه وحقيقة، وهذا غير مطلوب منا لأنه مستحيل يعني: لو قال قائل:
تعرف الله مثلا: تعرف حقيقة ذاته وحقيقة صفاته؟ لكان الجواب: لا، لا نعلم ذلك
وليس مطلوب منا والوصول إلى ذلك مستحيل، فالمطلوب إذن معرفة الذات بالوجود
ومعرفة الصفات بالمعاني، أما معرفة الكنه والحقيقة فهذا مما لا يعلمه إلا الله
عز وجل، فصار قول المؤلف في معرفة الله لا بد فيه من هذا التسديد، قوله:
(أول واجب على العبيد): أول واجب على الإنسان أن يعرف الله، وقالوا: المراد أول
واجب لذاته، وأما أول واجب لغيره فهو النظر والتدبر الموصل إلى معرفة الله، فالعلماء
قالوا: أول ما يجب على الإنسان أن ينظر فإذا نظر وصل إلى غاية وهي المعرفة
فيكون النظر أول واجب لغيره، والمعرفة أول واجب لذاته، وقال بعض أهل العلم:
إن النظر لا يجب لا لغيره ولا لذاته، لأن معرفة الله عز وجل معلومة بالفطرة
والإنسان مجبول عليها ولا يجهل الله عز وجل إلا من اجتالته الشياطين ولو رجع
الإنسان إلى فطرته لعرف الله دون أن ينظر أو يفكر، قالوا: ودليل ذلك قوله :
صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة)) وقوله سبحانه في الحديث
القدسي: ((إني خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين)) فصار الصارف عن
مقتضى الفطرة حادث وارد على فطرة سليمة، فأول ما يولد الإنسان يولد على
الفطرة ولو ترك ونفسه في أرض برية ما عبد غير الله، ولو عاش في بيئة مسلمة
ما عبد غير الله، وحينئذ تكون عبادته لله، إذا عاش في بيئة مسلمة يكون المقوم
لها شيئين: وهما الفطرة والبيئة، لكن إذا عاش في بيئة كافرة فإنه حينئذ يحدث
عليه هذا المانع لفطرته من الاستقامة، لقوله صلى الله عليه وسلم:
((فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)) ، إذن معرفة الله عز وجل لا تحتاج إلى
نظر في الأصل، ولهذا عوام المسلمين الآن هل هم فكروا ونظروا في الآيات الكونية
والآيات الشرعية حتى عرفوا الله أم عرفوه بمقتضى الفطرة؟ ولا شك أن للبيئة تأثيراً
ما نظروا بل إن بعض الناس – والعياذ بالله – إذا نظر وأمعن ودقق وتعمق وتنطع
ربما يهلك، كما قال صلى الله عليه وسلم:
((هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون)) ، فالصحيح:
إذن ما قاله المؤلف أن: أول واجب: معرفة الله، أما النظر: فلا نقول: إنه واجب
نعم لو فرض أن الإنسان احتاج إلى النظر فحينئذ يجب عليه النظر لو كان إيمانه
فيه شيء من الضعف يحتاج إلى التقوية فحينئذ لا بد أن ينظر، ولهذا قال تعالى:
{أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى
أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف:185] وقال:
{أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} [ المؤمنون: 68] وقال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ}
[ص: 29] فإذا وجد الإنسان في إيمانه ضعفاً حينئذٍ يجب أن ينظر، لكن لا ينظر هذا
الناظر من زاوية الجدل والمعارضات والإيرادات، لأنه إن نظر من هذه الزاوية يكون مآله
الضياع والهلاك يورد عليه الشيطان من الإيرادات ما يجعله يقف حيران، ولكن
ينظر من زاوية الوصول إلى الحقيقة، فمثلاً: نظر إلى الشمس هذا المخلوق
الكبير الوهاج لا يقول من الذي خلقه؟ خلقه الله عز وجل، فيقول: من الذي
خلق الله؟ لا، يقول خلقه الله ويسكت، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمرنا أن
ننتهي إذا قال لنا الشيطان من خلق الله؟ لنقطع التسلسل، الحاصل:
أن النظر لا يحتاج إليه الإنسان إلا للضرورة كالدواء لضعف الإيمان وإلا فمعرفة الله
مركوزة بالفطر، وقول المؤلف: (معرفة الإله بالتسديد): أي بالصواب، لكن ما هو
الطريق إلى معرفة الله عز وجل؟ الطريق: قلنا بالفطرة قبل كل شيء، فالإنسان
مفطور على معرفة ربه تعالى وأن له خالق، وإن كان لا يهتدي إلى معرفة صفات
الخالق على التفصيل ولكن يعرف أن له خالقاً كامل من كل وجه، ومن الطرق
التي توصل إلى معرفة الله: العقل، الأمور العقلية فإن العقل يهتدي إلى معرفة
الله بالنظر إلى ذاته – هذا إذا كان القلب سليما ً من الشبهات –
فينظر إلى ما بالناس من نعمة فيستدل به على وجود المنعم، لأنه لولا وجود
المنعم ما وجدت النعم وعلى رحمته فلولاه ما وجدت ينظر إلى إمهال الله عز وجل
للعاصين فيستدل به على حلم الله
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ} [فاطر: 45]
لأن أكثر الناس على الكفر، فلو أراد الله أن يؤاخذه – أن يؤاخذهم على أعمالهم –
ما ترك على ظهرها من دابة، ننظر في السماوات والأرض فنستدل به على عظم
الله فإن عظم المخلوق يدل على عظم الخالق،، وهكذا، نعرف الله تعالى بإجابة
الدعاء، فنعرف بهذا وجود الله وقدرته ورحمته وصدقه عز وجل،
{ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر: 60] أخذ الله للكافرين بالنكبات والهزائم تدل
على أن الله شديد العقاب، وأنه من المجرمين منتقم، ونصر الله لأوليائه تدل
على أن الله ينصر من شاء .

شرح العقيدة السفارينية لمحمد بن صالح بن عثيمين - ص128






عظَمة عَقلكْ تخلقُ لك الْحسادْ ، وعظَمة قلبكْ تخلقُ لك الأصدقاءْ .. وعظـَـمة ثرائك تخلقُ لك الْمنافقونْ


..إنّ لله وإنّ إليه راجعون ..

اللّهم أغفر " لأم عبدالعزيز " واسكنها جنات الفردوس الأعلى

واعفو عنها وتغمدها برحمتك ياأرحم الراحمين..



الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. ]]
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. آلجُزْْءْ آلثآني ]] | ▐الخلــود ▐| ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 19 15-12-2009 09:29 AM
المَوْسُوعَةُ العَقَدِيَّةُ .. آلجُزْْءْ الآوَلْ ]] | ▐الخلــود ▐| ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 24 15-12-2009 09:04 AM

Bookmark and Share

RSS RSS 2.0 XML MAP HTML


الساعة الآن 11:31 PM.