قديم 19-12-2009, 06:32 PM
المشاركة 18

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
الإجابات الْجَلِـيَّـة عن الشُّـبُهات الرافضية

الحمد لله فاطر السماوات والأرض بارئ الورَى ، والصلاة والسلام على من بعثه ربّـه رحمة للعالمين ، فأقام به عَلَم الهدى ، وعلى آله وأصحابه الغرّ الميامين ، نجوم الدُّجَى ومصابيح الهدى .
أما بعد :
فقد سألني أحد الإخوة مجموعة من الأسئلة ، أوردها طالباً الجواب عنها .
ولما رأيت الأمر أمراً مُنكَرا شددتُ ذراعي ، وجرّدت ذراعي ، واستللتُ قَلمي ، واستعنت بِربِّي وأمضيت وقتا في الذب عن خيار هذه الأمة ، وفي تجلية الحق ودَحْض الشبهة وكشف الغمّـة .
وتلك الشبهات عبارة عن عشرين سؤالاً وجّهها بِزعمه إلى الوهابية !
وهي – كما سيأتي – لازمة لأمة الإسلام جمعاء !
وسوف أصدّر كل سؤال له بـ " قال الرافضي : "

تابع البحث على ملف وورد 7.zip

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 19-12-2009, 09:32 PM
المشاركة 19

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
والله لا يغفر الله لفلان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :
فقد كَثُر الكلام حول التكفير ، ولُـحِظ المسارعة فيه ، والْجُرأة عليه ، ولما كان هذا المهيع دحض مزلّـة ، وهالَني أنني جَلَستُ إلى شاب يدرس في المرحلة الثانوية ، زاده من العلم : قِيل وقال ! ولا يَظهر عليه أثر عِلم ولا الْتِزام سُـنّـة ؛ رأيته يخوض في مثل هذه المسائل التي لو عُرِضتْ على عُمر لَجَمع لها أهل بدر !

لما رأيت الأمر كذلك ، رأيت أن أكتب في هذه المسألة مع قِصَر الباع ، غير أني مَددتُ ذراعي إلى أُولي الأيدي والأبصار لتصحيح ما كَبَا فيه كاتبه ، أو ردّ ما ندّ عن جادة الصواب .

فأقول مُستعينا بالله :


روى الإمام مسلم عن جندب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدّث أن رجلا قال : والله لا يغفر الله لفلان ، وإن الله تعالى قال : من ذا الذي يتألّى عليّ أن لا أغفر لفلان ، فإني قد غفرت لفلان ، وأحبطت عملك .

ربما نتعاظم جميعا ما قاله ذلك الرجل !
ونتساءل :
من يستطيع أن يقول كما قال ذلك الرجل ؟
ومن يستطيع أن يُحجِّر واسعاً ؟
أو يحكم على مسلم بالخلود في النار ؟

أقول : مَن يحمل راية التكفير الواسعة يستطيع أن يقول ذلك ، بل لا بُـدّ أن يقول ذلك !

ومن يجرؤ على التكفير أو يتساهل في أمره فهو واقع في ذلك لا محالة !

وكيف ذلك ؟

إذا حكم على مُعيّن بأنه كافر فقد حكم بأن الله لا يغفر له ، وقد قال بلسان حاله – إن لم يكن بلسان مقاله - : والله لا يغفر الله لفلان !

وهذا أمر بالغ الخطورة

ولذا قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله :
ولا نُكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحلّه ، ولا نقول لا يضرّ مع الإيمان ذنب لمن عمله .

وشرح هذا القول ابن أبي العز بكلام نفيس في شرح الطحاوية أسوقه بطوله لنفاسته ، وشدّة الحاجة إليه في زماننا

قال رحمه الله في شرح قول الطحاوي المتقدِّم :
أراد بأهل القبلة الذين تقدّم ذكرهم في قوله : " ونُسمي أهل قبلتنا مسلمين مؤمنين ما داموا بما جاء به النبي معترفين ، وله بكل ما قال وأخبر مصدقين " يشير الشيخ رحمه الله بهذا الكلام إلى الرد على الخوارج القائلين بالتكفير بكل ذنب .
واعلم - رحمك الله وإيانا - أن باب التكفير وعدم التكفير ، باب عظُمت الفتنة والمحنة فيه ، وكثُر فيه الافتراق ، وتشتتت فيه الأهواء والآراء ، وتعارضت فيه دلائلهم ، فالناس فيه في جنس تكفير أهل المقالات والعقائد الفاسدة المخالفة للحق الذي بعث الله به رسوله في نفس الأمر ، أو المخالفة لذلك في اعتقادهم - على طرفين ووسط - من جنس الاختلاف في تكفير أهل الكبائر العملية .
فطائفة تقول : لا نكفِّر من أهل القبلة أحدا ، فتنفي التكفير نفيا عاما ، مع العلم بأن في أهل القبلة المنافقين الذين فيهم من هو أكفر من اليهود والنصارى بالكتاب والسنة والإجماع ، وفيهم من قد يُظهر بعض ذلك حيث يُمكنهم ، وهم يتظاهرون بالشهادتين ، وأيضا فلا خلاف بين المسلمين أن الرجل لو أظهر إنكار الواجبات الظاهرة المتواترة والمحرمات الظاهرة المتواترة ونحو ذلك ، فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كافرا مرتدا ، والنفاق والردّة مظنتها البدع والفجور ، كما ذكره الخلال في كتاب السنة بسنده إلى محمد بن سيرين أنه قال : إن أسرع الناس ردّة أهل الأهواء ، وكان يرى هذه الآية نزلت فيهم : ( وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ )
ولهذا امتنع كثير من الأئمة عن إطلاق القول بأنا لا نكفر أحداً بذنب ، بل يُقال لا نكفِّرهم بكل ذنب كما تفعله الخوارج ، وفرق بين النفي العام ونفي العموم ، والواجب إنما هو نفي العموم مناقضة لقول الخوارج الذين يُكفِّرون بكل ذنب ، ولهذا - والله اعلم - قيده الشيخ رحمه الله بقوله : ما لم يستحلّه . وفي قوله : " ما لم يستحلّه " إشارة الى أن مراده من هذا النفي العام لكل ذنب من الذنوب العملية لا العلمية ، وفيه إشكال ، فإن الشارع لم يَكْتَفِ من المكلف في العمليات بمجرد العمل دون العلم ، ولا في العلميات بمجرّد العلم دون العمل ، وليس العمل مقصوراً على عمل الجوارح ، بل أعمال القلوب أصل لعمل الجوارح ، وأعمال الجوارح تبع إلا أن يُضمَّن قوله " يستحله " بمعنى يعتقده أو نحو ذلك .
وقوله : ولا نقول لا يضرّ مع الإيمان ذنب لمن عمله - إلى آخر كلامه - رد على المرجئة ، فإنهم يقولون : لا يضرّ مع الإيمان ذنب ، كما لا ينفع مع الكفر طاعة ، فهؤلاء في طرف ، والخوارج في طرف ، فإنهم يقولون : نُكفر المسلم بكل ذنب ، أو بكل ذنب كبير ، وكذلك المعتزلة الذين يقولون : يَحبط إيمانه كله بالكبيرة ، فلا يبقى معه شيء من الإيمان ، لكن الخوارج يقولون : يخرج من الإيمان ويدخل في الكفر ، والمعتزلة يقولون : يخرج من الإيمان ولا يدخل في الكفر ، وهذه المنزلة بين المنزلتين ! وبقولهم بخروجه من الإيمان أوجبوا له الخلود في النار ! وطوائف من أهل الكلام والفقه والحديث لا يقولون ذلك في الأعمال لكن في الاعتقادات البدعية ، وإن كان صاحبها متأوِّلا فيقولون : يَكفر كل من قال هذا القول ، لا يُفرّقون بين المجتهد المخطئ وغيره ، أو يقولون : يَكفر كل مبتدع ، وهؤلاء يَدخل عليهم في هذا الإثبات العام أمور عظيمة ، فإن النصوص المتواترة قد دلّت على أنه يخرج من النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان ، ونصوص الوعد التي يحتج بها هؤلاء تُعارض نصوص الوعيد التي يحتج بها أولئك ، والكلام في الوعيد مبسوط في موضعه ، وسيأتي بعضه عند الكلام على قول الشيخ : " وأهل الكبائر في النار لا يُخلّدون إذا ماتوا وهم موحدون "
والمقصود هنا : أن البدع هي من هذا الجنس ، فإن الرجل يكون مؤمنا باطنا وظاهرا ، لكن تأوّل تأويلا أخطأ فيه ، إما مجتهدا ، وإما مفرطا مذنبا ، فلا يقال : إن إيمانه حَبِط لمجرد ذلك ، إلا أن يدل على ذلك دليل شرعي ، بل هذا من جنس قول الخوارج والمعتزلة ، ولا نقول : لا يكفر ، بل العدل هو الوسط ، وهو أن الأقوال الباطلة المبتدعة المحرمة المتضمنة نفي ما أثبته الرسول ، أو إثبات ما نفاه ، أو الأمر بما نهى عنه ، أو النهي عما أمرَ به يُقال فيها الحق ، ويثبت لها الوعيد الذي دلّت عليه النصوص ، ويبين أنها كفر ، ويُقال : من قالها فهو كافر ، ونحو ذلك ، كما يُذكر من الوعيد في الظلم في النفس والأموال ، وكما قد قال كثير من أهل السنة المشاهير بتكفير من قال بخلق القرآن ، وأن الله لا يُرى في الآخرة ، ولا يَعلم الأشياء قبل وقوعها ، وعن أبي يوسف رحمة الله أنه قال : ناظرت أبا حنيفة رحمه الله مدة حتى اتفق رأيي ورأيه أن من قال بخلق القرآن فهو كافر .
وأما الشخص المعيّن إذا قيل : هل تشهدون أنه من أهل الوعيد وأنه كافر ؟ فهذا لا نشهد عليه إلا بأمر تجوز معه الشهادة ، فإنه من أعظم البغي أن يُشهد على معيّن أن الله لا يغفر له ولا يرحمه بل يخلده في النار ، فإن هذا حكم الكافر بعد الموت
، ولهذا ذكر أبو داود في سننه في كتاب الأدب باب النهي عن البغي ، وذكر فيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله يقول : كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين ، فكان أحدهما يُذنب ، والآخر مجتهد في العبادة ، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب ، فيقول : أقصِر ، فوجده يوما على ذنب ، فقال له : أقْصِر ، فقال : خلني وربي ، أبُعثت عليّ رقيبا ؟ فقال : والله لا يغفر الله لك ، أو لا يدخلك الله الجنة ، فَقَبَضَ أرواحهما ، فاجتمعا عند رب العالمين ، فقال لهذا المجتهد : أكنت بي عالما ؟ أو كنت على ما في يدي قادرا ؟ وقال للمذنب : اذهب فادخل الجنة برحمتي ، وقال للآخر : اذهبوا به إلى النار . قال أبو هريرة : والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبَقَتْ دنياه وآخرته ، وهو حديث حسن .
ولأن الشخص المعيّن يمكن أن يكون مجتهدا مخطئا مغفورا له ، ويمكن أن يكون ممن لم يبلغه ما وراء ذلك من النصوص ، ويمكن أن يكون له إيمان عظيم وحسنات أوجبت له رحمة الله ، كما غفر للذي قال : إذا متّ فاسحقوني ، ثم اذروني ، ثم غفر الله له لخشيته ، وكان يظن أن الله لا يقدر على جمعه وإعادته ، أو شك في ذلك ، لكن هذا التوقّف في أمر الآخرة لا يمنعنا أن نعاقبه في الدنيا لمنع بدعته ، وأن نستتيبه ، فإن تاب وإلا قتلناه .
ثم إذا كان القول في نفسه كفرا قيل : إنه كفر ، والقائل له يَكْفر بشروط وانتفاء موانع ، ولا يكون ذلك إلا إذا صار منافقا زنديقا ، فلا يتصور أن يكفر أحد من أهل القبلة المظهرين الإسلام إلا من يكون منافقا زنديقا ، وكتاب الله يبين ذلك ، فإن الله صنّف الخلق فيه ثلاثة أصناف :
صنف كفار من المشركين ومن أهل الكتاب ، وهم الذين لا يُقرّون بالشهادتين .
وصنف المؤمنون باطنا وظاهرا .
وصنف أقرّوا به ظاهرا لا باطنا .
وهذه الأقسام الثلاثة مذكورة في أول سورة البقرة ، وكل من ثبت أنه كافر في نفس الأمر ، وكان مُقرّاً بالشهادتين فإنه لا يكون إلا زنديقا ، والزنديق هو المنافق .
وهنا يظهر غلط الطرفين ، فإنه من كَفّر كل من قال القول المبتدع في الباطن ، يلزمه أن يُكفِّر أقواما ليسوا في الباطن منافقين ، بل هم في الباطن يُحبّون الله ورسوله ويؤمنون بالله ورسوله وإن كانوا مذنبين ، كما ثبت في صحيح البخاري عن أسلم مولى عمر رضي الله عنه عن عمر أن رجلا كان على عهد النبي كان اسمه عبد الله وكان يلقب حمارا ، وكان يُضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله قد جلده في الشَّراب ، فأُتيَ به يوماً ، فأمر به فجُلد ، فقال رجل من القوم : اللهم العنه ! ما أكثر ما يؤتى به ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تلعنوه ، فو الله ما علمت إنه يحب الله ورسوله .
وهذا أمر متيقّن به في طوائف كثيرة وأئمة في العلم والدّين ، وفيهم بعض مقالات الجهمية أو المرجئة أو القدرية أو الشيعة أو الخوارج ، ولكن الأئمة في العلم والدِّين لا يكونون قائمين بجملة تلك البدعة بل بفرع منها ، ولهذا انتحل أهل هذه الأهواء لطوائف من السلف المشاهير .
فمن عيوب أهل البدع تكفير بعضهم بعضا ، ومن ممادح أهل العلم أنهم يُخطِّئون ولا يُكفِّرون .
ولكن بقي هنا إشكال يَرِد على كلام الشيخ رحمه الله ، وهو أن الشارع قد سمّى بعض الذنوب كفرا ، قال الله : ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )

وقال صلى الله عليه وسلم : سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر . متفق عليه من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
وقال : لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض .
و " إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما " . متفق عليهما من حديث ابن عمرو رضي الله عنه .
وقال : أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : إذا حدّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر . متفق عليه من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ، والتوبة معروضة بعد .
وقال صلى الله عليه وسلم : بين المسلم وبين الكفر ترك الصلاة . رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه .
وقال صلى الله عليه وسلم : من أتى كاهنا فصدّقه ، أو أتى امرأة في دبرها ، فقد كفر بما أُنزل على محمد .
وقال صلى الله عليه وسلم : من حلف بغير الله فقد كفر . رواه الحاكم بهذا اللفظ .
وقال : ثنتان في أمتي بهم كفر : الطعن في الأنساب ، والنياحة على الميت .
ونظائر ذلك كثيرة .
والجواب : أن أهل السنة متّفقون كلهم على أن مرتكب الكبيرة لا يَكفر كفراً ينقل عن الملة بالكلية ، كما قالت الخوارج ، إذ لو كفر كفراً ينقل عن الملّة لكان مرتداً يُقتل على كل حال ، ولا يُقبل عفو ولي القصاص ، ولا تجري الحدود في الزنا والسرقة وشرب الخمر ، وهذا القول معلوم بطلانه وفساده بالضرورة من دين الإسلام .
ومتفقون على أنه لا يخرج من الإيمان والإسلام ، ولا يدخل في الكفر ، ولا يستحق الخلود مع الكافرين ، كما قالت المعتزلة ، فإن قولهم باطل أيضا .
إذ قد جعل الله مرتكب الكبيرة من المؤمنين قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى )
إلى أن قال : ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ )
فلم يُخرج القاتل من الذين آمنوا ، وجعله أخاً لولي القصاص ، والمراد أخوّة الدين بلا ريب .
وقال تعالى : ( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) إلى أن قال : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ )
ونصوص الكتاب والسنة والإجماع تدل على أن الزاني والسارق والقاذف لا يُقتل بل يُقام عليه الحد ، فدلّ على أنه ليس بمرتد .
وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من كانت عنده لأخيه اليوم مظلمة من عرض أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون درهم ولا دينار ، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته ، وإن لم يكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فطُرحت عليه ، ثم ألقي في النار .
فثبت أن الظالم يكون له حسنات يَستوفي المظلوم منها حقه ، وكذلك ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ما تعدّون المفلس فيكم ؟ قالوا : المفلس فينا من لا له درهم ولا دينار . قال : المفلس من يأتي يوم القيامة وله حسنات أمثال الجبال ، فيأتي وقد شتم هذا ، وأخذ مال هذا ، وسفك دم هذا ، وقذف هذا ، وضرب هذا ، فيَقتص هذا من حسناته ، وهذا من حسناته ، فإذا فَنِيَتْ حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطُرحت عليه ، ثم طُرح في النار . رواه مسلم .
وقد قال تعالى : ( إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ )
فدلّ ذلك على أنه في حال إساءته يعمل حسنات تمحو سيئاته ، وهذا مبسوط في موضعه .
والمعتزلة موافقون للخوارج هنا في حكم الآخرة ، فإنهم وافقوهم على أن مرتكب الكبيرة مخلّد في النار ، لكن قالت الخوارج : نُسميه كافرا ، وقالت المعتزلة : نُسميه فاسقا ، فالخلاف بينهم لفظي فقط .

وأهل السنة أيضا متّفقون على أنه يستحق الوعيد المرتب على ذلك الذنب ، كما وردت به النصوص ، لا كما يقوله المرجئة من أنه لا يضرّ مع الإيمان ذنب ، ولا ينفع مع الكفر طاعة .
وإذا اجتمعت نصوص الوعد التي استدلت بها المرجئة ، ونصوص الوعيد التي استدلت بها الخوارج والمعتزلة تَبيّن لك فساد القولين ، ولا فائدة في كلام هؤلاء سوى أنك تستفيد من كلام كل طائفة فساد مذهب الطائفة الأخرى .

ثم بعد هذا الاتفاق تبين أن أهل السنة اختلفوا خلافا لفظيا لا يترتب عليه فساد .
وهو : أنه هل يكون الكفر على مراتب كفراً دون كفر ؟
كما اختلفوا : هل يكون الإيمان على مراتب إيماناً دون إيمان ؟
وهذا الاختلاف نشا من اختلافهم في مسمى الإيمان هل هو قول وعمل يزيد وينقص أم لا ؟ بعد اتفاقهم على أن من سماه الله تعالى ورسوله كافراً نسميه كافرا ، إذ من الممتنع أن يُسمي الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً ، ويُسمي رسوله - من تقدّم ذكره - كافراً ، ولا نُطلق عليهما اسم الكفر .
ولكن من قال : إن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، قال هو كفر عملي لا اعتقادي ، والكفر عنده على مراتب ، كفر دون كفر ، كالإيمان عنده .
ومن قال : إن الإيمان هو التصديق ، ولا يدخل العمل في مسمى الإيمان ، والكفر هو الجحود ، ولا يزيدان ولا ينقصان قال : هو كفر مجازي غير حقيقي ! إذ الكفر الحقيقي هو الذي ينقل عن الملة ، وكذلك يقول في تسمية بعض الأعمال بالإيمان كقوله تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ )
أي صلاتكم إلى بيت المقدس ، إنها سميت إيمانا مجازا لتوقف صحتها عن الإيمان ، أو لدلالتها على الإيمان ، إذ هي دالّة على كون مؤدّيها مؤمنا ، ولهذا يُحكم بإسلام الكافر إذا صلّى صلاتنا .
فليس بين فقهاء الأمة نزاع في أصحاب الذنوب ، إذا كانوا مُقرّين باطنا وظاهرا بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما تواتر عنهم أنهم من أهل الوعيد ، ولكن الأقوال المنحرفة قول من يقول بتخليدهم في النار ، كالخوارج والمعتزلة .
ولكن أردأ ما في ذلك التعصب على من يضادّهم ، وإلزامه لمن يخالف قوله بما لا يلزمه ، والتشنيع عليه ، وإذا كنا مأمورين بالعدل في مجادلة الكافرين ، وأن يجادلوا بالتي هي أحسن ، فكيف لا يعدل بعضنا على بعض في مثل هذا الخلاف ؟
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) .

وهنا أمر يجب أن يُتفطن له ، وهو :
أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفراً ينقل عن الملة .
وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة .
ويكون كفراً إما مجازيا ، وإما كفراً أصغر على القولين المذكورين .
وذلك بحسب حال الحاكم :
فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب ، وأنه مخير فيه ، أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر .
وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة ، فهذا عاص ويسمى كافراً كفرا مجازيا أو كفراً أصغر .
وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه ، فهذا مخطئ له أجر على اجتهاده ، وخطؤه مغفور .
وأراد الشيخ رحمه الله بقوله : " ولا نقول لا يضرّ مع الإيمان ذنب لمن عمله " مخالفة المرجئة ، وشبهتهم كانت قد وقعت لبعض الأولين فاتفق الصحابة على قتلهم إن لم يتوبوا من ذلك ، فإن قدامة بن مظعون شرب الخمر بعد تحريمها هو وطائفة وتأوّلوا قوله تعالى : ( لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ )
فلما ذَكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه اتفق هو وعلي بن أبي طالب وسائر الصحابة على أنهم إن اعترفوا بالتحريم جُلدوا ، وإن اصرّوا على استحلالها قُتلوا ، وقال عمر لقدامة : أخطأتْ استك الحفرة ! أما إنك لو اتقيت وآمنت وعملت الصالحات لم تشرب الخمر ، وذلك أن هذه الآية نزلت بسبب أن الله سبحانه لما حرّم الخمر ، وكان تحريمها بعد وقعة أحد ، فقال بعض الصحابة : فكيف بأصحابنا الذين ماتوا وهم يشربون الخمر ؟ فأنزل الله هذه الآية يبين فيها أن من طعم الشيء في الحال التي لم يُحرّم فيها فلا جناح عليه إذا كان من المؤمنين المتقين المصلحين ، كما كان من أمر استقبال بيت المقدس ، ثم إن أولئك الذين فعلوا ذلك يُذمّون على أنهم أخطئوا وأيسوا من التوبة ، فكتب عمر إلى قدامة يقول له : ( حم * تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ )
ما أدري أي ذنبيك أعظم ؛ استحلالك المحرّم أولاً ، أم يأسك من رحمة الله ثانيا ؟ وهذا الذي اتفق عليه الصحابة هو متفق عليه بين أئمة الإسلام .
انتهى كلام ابن أبي العز رحمه الله بطوله .
وبعد هذا لا يُظنّ أنني أُدافع عن أئمة الكفر
ولا أُنافح عن أهل الظلم والجور
فلكل نظام وزارة أعلام !

ولا أقصد الذين بدّلوا نعمة الله كفرا ، وبدّلوا شرعه دساتير من زبالة أفكار الغرب
ولا أعني الذين يُوالون الكفّار جملة وتفصيلا .

ولكنني أردت وضع الأمور في مواضعها ، وتبيان بعض الحق في هذه المسألة التي زلّت بها أقدام
وهي مزلق كبير ، ومنعطف خطير
وزلّة القدم في مسائل المعتقد ربما أخرجت صاحبها من دين الإسلام .

وفرق بين أن يتحدّث الشخص في مسألة يُقال له إذا جانب الصواب : أخطأت
وبين أن يتكلّم في مسألة إذا جانب الصواب فيها يُقال له : كفرت

ولكي يُعلم خطورة هذا المزلق - وهو المسارعة في تكفير المعيّن - أسوق قوله عليه الصلاة والسلام في التحذير من التكفير
قال عليه الصلاة والسلام : أيما امرئ قال لأخيه : يا كافر ؛ فقد باء بها أحدهما ، إن كان كما قال ، وإلا رجعت عليه . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية لمسلم : إذا كفّر الرجل أخاه ، فقد باء بها أحدهما .

أُخيّ :
لن تُسأل في قبرك إلا عن هذا الرجل الذي بُعث فيكم . ما تقول فيه ؟
ويوم القيامة تُسأل في خاصة نفسك وعن من ولاّك الله عليهم

فدع عنك هذا الأمر فالسلامة لا يعدلها شيء
إن الأنبياء يأتون يوم القيامة وكل يقول : نفسي نفسي !
بل كل نبي إذا أتته الخلائق للشفاعة لهم قال : نفسي ، ثم ذكر ذنبه ، إلا عيسى لا يذكر ذنبا ، ثم يُحيل الخلائق على سيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام .

هل تأملت هذا ؟!
هذا وهم أنبياء يُلقون باللائمة على أنفسهم وينظرون في ذنوب أنفسهم
فهل نظرنا في ذنوبنا وعيوبنا قبل عيوب غيرنا ؟!

وكلك عورات وللناس ألسنُ

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 19-12-2009, 09:34 PM
المشاركة 20

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
وثمة شُبهات يستمسك بها الجُرءاء على التكفير ، منها :
1 - استدلالهم بقوله تعالى : ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ )
فيستدلّون بهذه الآية على كُفر جنوده الحاكم وأتباعه بعد أن يُكفّروا الحاكم .
وهذا خطأ من وجوه :

الوجه الأول : أن كُفر فرعون كان كفراً أصلياً ، بخلاف المسلم الذي يكفر فله أحكامه في الشريعة المختلفة عن حُكم الكافر الأصلي ، وهي أحكام المرتد .

الوجه الثاني : أصعب في الحُـكم عليه .
فالكافر الأصلي يجب أن لا يختلف في كُفره اثنان
بينما المرتد اختلف في حكمه خيار هذه الأمة بعد نبيِّها عليه الصلاة والسلام .

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر بعده ، وكفر من كفر من العرب . قال عمر بن الخطاب لأبي بكر : كيف تقاتل الناس ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ، فمن قال : لا إله إلا الله فقد عصم منِّي ماله ونفسه إلا بحقها وحسابه على الله ؟ فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرّق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عِقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه ، فقال عمر بن الخطاب : فو الله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق .

لو كان كفر المرتد واضحاً بيِّنا لما اختلف فيهم خيار هذه لأمة بعد نبيِّها صلى الله عليه وسلم .

أما لماذا ؟

فلأن الإسلام عنده يقين ، فلا يُخرج من هذا اليقين بشبهة أو شكّ
فاليقين لا يزول بالشكّ .

ولا أعني أيضا عدم كُفر المعيّن ، إلا أن الحُكم على مُعيّن بالكفر وأن الله لا يغفر له من الصعوبة بمكان .

2 – نظرهم إلى بعض القوانين والأنظمة المستوردة من الغرب
فأقول : ليس كل نظام يُعتبر كُفرا

فالقوانين والأنظمة المتعلقة بحياة الناس تنقسم إلى ثلاثة أقسام :
قسم يوافق الشريعة ، فلا إشكال فيه .
وقسم يُخالف الشريعة ، وهذا محل النظر .
وقسم لا يُخالف ولا يُوافق ، فهذا تقوم به مصالح الناس دون الإضرار بهم ، كأنظمة المرور ونحوها .

وأما ما يُخالف الشريعة – ويضربون لذلك مثلاً بالمُحاكمات العسكرية – فأقول :
ليس كل حاكم خالف حُكما شرعيا يكون به كافراً ، وقد تقدّم تفصيل ذلك في كلام ابن أبي العز رحمه الله .

فلو علِم الحاكم حكم الله ثم عدل عنه في قضية أو في مسألة فلا يكون كافرا كفرا يُخرج عن الملّة .

أرأيت إلى القاضي الذي يعلم بحكم الله عز وجل ثم يعدل عنه في قضية أو في مسألة محاباة لشخص أو خوفا من آخر ، هل تُراه يكفر بهذا الفعل ؟

الجواب : لا

وإن كان هذا الحكم الذي حكم به ليس هو حكم الله في تلك المسألة .
وإن كان يدخل في الكفر الأصغر ، إلا أنه لا يُخرجه ذلك عن الملّة .

بل أرأيت حكم القبائل التي تتحاكم إلى شرع الله ثم تعدل عنه في قضية من القضايا إلى عاداتها وأعرافها ، هل يُحكم بكفر القبيلة بأسرِها ؟

الجواب : لا ، وإن كان يدخل في الكفر الأصغر أيضا .

بل أرأيت الرجل يتقدّم إليه الخاطب الذي لا يُرتضى دينه ولا خلقه ، بل قد يكون زانيا ، فيُزوّجه ويُعرض عن حكم الله في هذه المسالة ( الزَّانِي لا يَنكِحُ إلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً )
فهل يُحكم بكفره وخروجه عن ملّة الإسلام ؟

الجواب : لا ، بل يُحكم بأنه وقع في الشرك الأصغر ، والشرك الأصغر أكبر من الكبائر ، كما يُقرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

هل تستطيع أن تحكم لهؤلاء بالكفر ثم بالخلود في النار ؟!

وهذا على سبيل المثال ، وعلى هذا فـ قِس .

وخذ على سبيل المثال :
الحجاج بن يوسف الثقفي ، وما اشتُهر عنه من سفك الدماء بل سفَكَ دماء بعض الصحابة والعلماء ، كابن الزبير رضي الله عنه وسعيد بن جبير رحمه الله .

وهذه القضية قضية الدماء كان يعدل فيها عن شرع الله إلى رأيه وجبروته وبطشه .
والصحابة مُتوافرون ، ومع ذلك لم يَحكموا بكفره ، وإن سمّوه ظالما ، أو قالوا عنه : خبيثاً ، ونحو ذلك ، إلا أنهم لم يُكفِّروه .

ليُعلم أنه ليس كل من فعل الكفر يُعتبر كافرا
ولا كل من فعل بدعة يُعتبر مُبتدعاً

فمعاذ رضي الله عنه لما رأى النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها رأى في نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحقّ أن يُعظّم فلما قدم قال : يا رسول الله رأيت النصارى تسجد لبطارقتها وأساقفتها ، فرأيت في نفسي أنك أحق أن تعظم ، فقال : لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها . رواه الإمام أحمد .
وفي رواية : فلما قدم معاذ سجد للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنكر ذلك .

ومثله قصة الرجل الإسرائيلي الذي ظنّ أن الله لا يقدر عليه
ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان رجل يُسرف على نفسه ، فلما حضره الموت قال لبنيه : إذا أنا متّ فأحرقوني ، ثم اطحنوني ، ثم ذروني في الريح ، فوالله لئن قدر عليّ ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا ، فلما مات فُعل به ذلك ، فأمر الله الأرض فقال : اجمعي ما فيك منه ، ففعلت ، فإذا هو قائم ، فقال : ما حملك على ما صنعت ؟ قال : يا رب خَشْيَتك ، فغفر له .

فهذه من أفعال الكفار واعتقاداتهم ، ولكن منع مانع من كُفرهم .

وهذا يؤكِّد هذه القاعدة : ليس كل من فعل الكفر يُعتبر كافراً .

3 - التكفير بموالاة الكفّار ، فيقولون : الحاكم الفلاني أعان الكفّار وهذا من اتِّخاذ الكفار أولياء ، والله عز وجل قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )

فهم قد غفلوا عن قوله سبحانه وتعالى : ( لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )

فالله عز وجل أمر بالإحسان إلى طائفة من الكفّار .

وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم النجاشي بقوله : إن بأرض الحبشة ملكا لا يظلم أحد عنده فالحقوا ببلاده حتى يجعل الله لكم فرجا ومخرجا مما أنتم فيه . رواه البيهقي .
وقبل منه الهدية ، وذلك قبل إسلام النجاشي .

وغفلوا عن قوله تبارك وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ آبَاءكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاء إَنِ اسْتَحَبُّواْ الْكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )

فسماهم ظالمين .
قال ابن جرير رحمه الله في قوله تعالى : ( فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) يقول فالذين يفعلون ذلك منكم هم الذين خالفوا أمر الله فوضعوا الولاية في غير موضعها وعصوا الله في أمره .

كما غفلوا عن فعل حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه يوم فتح مكة
فإنه بعث كتاباً لأهل مكة يُخبرهم بمسير النبي صلى الله عليه وسلم إليهم فبعث النبي من أتى بالكتاب ، فقال عمر : يا رسول الله قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فلأضرب عنقه ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما حملك على ما صنعت ؟ قال حاطب : والله ما بي أن لا أكون مؤمنا بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم . أردت أن يكون لي عند القوم يَـدٌ يدفع الله بها عن أهلي ومالي ، وليس أحد من أصحابك إلا له هناك من عشيرته من يدفع الله به عن أهله وماله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صدق ، ولا تقولوا له إلا خيرا ، فقال عمر : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه ! فقال : أليس من أهل بدر ؟ فقال : لعل الله أطّلع إلى أهل بدر فقال أعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة ، أو فقد غفرت لكم ، فدمعت عينا عمر وقال : الله ورسوله أعلم . رواه البخاري ومسلم .

فأنت ترى النبي صلى الله عليه وسلم لم يُعاجله بالحكم بمجرّد فعل الكفر بل سأله :

ما حملك على ما صنعت ؟

فأجاب حاطب بعذره .
فصدّقه النبي صلى الله عليه وسلم ، ودرأ عنه الكُفر .

فهل سألنا من وقعت منه الموالاة : ما حملك على ما صنعت ؟!

وهنا أسأل من يُسارع إلى التكفير :

هل فعل حاطب هذا من موالاة الكفّار أو لا ؟
وهل هو دلالة للكفار على عورات المسلمين ؟
وهل فيه إفشاء سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم للكفّـار ؟
وهل فيه مظاهرة ومعاونة لهم على المسلمين أو لا ؟

الجواب :
كل ذلك موجود في فعله ، إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُكفِّره بل سأله واستوضح منه الأمر ، فيدلّ هذا دلالة واضحة على أن الأمر يحتمل .
ويدلّ أيضا على أنه ليس كل من فعل الكفر يُعتبر كافراً ، وإلا لحكم النبي صلى الله عليه وسلم بكفره .

بل إن الله تبارك وتعالى سمّى فعل حاطب موالاة ، ومع ذلك لم يُحكم بكفره .
قال سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ )

والأدلة على هذا كثيرة

ومثله الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد اتق الله !
فَرَدّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ويلك ! أوَ لستُ أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟
ثم ولّى الرجل ، فقال خالد بن الوليد : يا رسول الله ألا أضرب عنقه ؟
قال : لا ، لعله أن يكون يصلي .
فقال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ، ولا أشق بطونهم . رواه البخاري ومسلم .

والذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : ما عَدَلْتَ !

ومع ذلك لم يُحكم بكفر هؤلاء جميعاً ولو فعلوا الكفر أو تلفّظوا به .

بل يَقُوم بالشخص ما يقوم من موانع أو تأويل أو خوف ونحو ذلك .
فلا بد من انتفاء الموانع ومن قيام الحجة على الشخص بنفسه .

وهم يُكفِّرون من وقف مع الكفار أو ساعدهم ، ويعتبرون هذا من الموالاة
ثم يحكمون بِرِدَّّة مَن فعل ذلك .

ولتحرير المسألة يجب ان نقف مع تعريف أهل العلم للولاء :

قال الدكتور محمد بن سعيد القحطاني في كتاب الولاء والبراء ( 89 – 91 ) :
الولاية : هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطنا .
قال تعالى : ( اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ )

فموالاة الكفار تعني التقرب إليهم وإظهار الود لهم، بالأقوال والأفعال والنوايا . اهـ .

ثم نقل عن الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ
أن مسمى الموالاة ( لأعداء الله ) : يقع على شعب متفاوتة منها ما يوجب الردة وذهاب الإسلام بالكلية ، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات . اهـ .

وحريّ بكل من يُسارع في التكفير أن يعضّ على هذه الكلمات بالنواجذ .

فإذا عرفنا أن : الولاية : هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطنا .

تبيّن لنا أنه ليست كل نُصرة ولا كل محبة ولا كل إكرام أو احترام أو مدح أو ثناء على الكفار أنه يكون موالاة مُخرجة من الملة ناقلة عن الدِّين .
بل قد تكون مُباحة كما لو تزوّج المسلم كتابية ( نصرانية أو يهودية ) فأحبها حب الرجل لزوجته ، لكان هذا من الحب المباح .
ولو مدح المسلم الكفّار ببعض ما فيهم من الخصال لم يكن كافراً بذلك .
وتقدّم قول النبي صلى الله عليه وسلم في النجاشي .
وفي صحيح مسلم أن المستورد القرشي قال عند عمرو بن العاص : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تقوم الساعة والرّوم أكثر الناس . فقال له عمرو : أبصر ما تقول ؟ قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا : إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ، وخامسة حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك .
فهذا من مدح النصارى بما فيهم ولا يكون من الموالاة المحرّمة فضلا عن أن تكون من الموالاة المخرجة عن الإسلام .

فلا بـدّ في الولاية لكي تكون مخرجة عن الإسلام من توافر أركان التعريف :
وهي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطنا .

بل ألا ترى إلى قول أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم لما اجتمعوا في بيت عتبان بن مالك رضي الله عنه ، فقال قائل منهم : أين مالك بن الدخيشن أو بن الدخشن ؟ فقال بعضهم : ذلك منافق لا يحب الله ورسوله . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا تقل ذلك ، ألا تراه قد قال لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله . قال : الله ورسوله أعلم . قال : فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين ! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإن الله قد حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله . رواه البخاري ومسلم .

وتقدّم فعل حاطب وأنه من جنس الموالاة ، وأن الله سماه موالاة ، ولكنها من جنس الموالاة المحرّمة لا المكفِّرة .

4 – تصريح الربا وتشريع أبواب البنوك الربوية ، وأن هذا من استحلال ما حرّم الله .

ويُردّ على هذا القول بأن فعل الإنسان للمعاصي والموبقات لا يُخرجه من الإسلام إلا باستحلالها ، وفرق بين العمل بها ، وبين استحلالها .
أليس صاحب بيت الدّعارة الذي فتح بيوت الخنا والفجور وقام عليها ودفع فيها مالَه بل وربما حرسها بـحرِّ مَالِه لا نستطيع أن نحكم بكفره ، وإن حكمنا عليه بالفسق والفجور ، وهو يفتح أبواب تلك البيوت ويحميها .
فالإذن بالربا كبيرة من كبائر الذنوب – ولا نهوّن من شأنها – ولكن فرق بين أن نقول كبيرة من كبائر الذنوب ، وبين أن نقول كفر بالله العظيم .

ولكي تتصوّر المسألة أكثر ، تصوّر قريبا لك فتح ملهى ليلي يتعاطى الناس فيه الفواحش والموبقات ؛ هل تحكم بكفره ؟

وأيهما أعظم فتح بنوك الربا وحمايتها ، أو حَمْل الناس عليها وعلى التعامل بها بالقوّة ؟

لقد كان الإمام أحمد رحمه الله يقول : من قال القرآن مخلوق فهو كافر .

ومع ذلك لم يُكفِّر المعتصم ولا كبير قُضاته ابن أبي دؤاد ، مع أنهم حملوا الناس على القول بتلك البدعة المكفِّرة ، وما سجنوا الإمام أحمد إلا ليقول بذلك القول ؟

فهذا القول كُفر ، وحماه المعتصم وتبنّـاه ، ونافح عنه كبير قُضاته ، ومع ذلك لم يُحكم بكفر المعتصم .

وهل يستطيع أحد اليوم أن يحكم بكفر المعتصم أو ابن أبي دؤاد ؟

فالمعتصم حَمَلَ الناس بقوّة السلطان على القول بتلك البدعة المكفِّرة .
ولو حَمَلَ الحاكمُ الناس على بدعة مكفِّرة لم يُحكم بكفره إذا كان عنده أصل الإسلام .
ولو حمل الناس على التعامل بالربا وألزمهم به لكان أهون مما لو فتح البنوك وحَرَسها وحماها .

والله يعلم أني أكره بيوت الربا وبنوكه كراهة شديدة ، إلا أن بيان الحق لا يعني حب الباطل .

5 – اللجوء إلى محكمة العدل الدّولية ، والانضمام إلى هيئة ألأمم وإلى مجلس الأمن ، وهم يحكمون بغير ما أنزل الله .

والجواب عن هذه الشُّبهة

أن يُقال : إنهم أُلجئوا إليها .
وهذا بخلاف من لجأ إليها ابتداء ورضي بها حَكَماً من دون الله .
ولعل قائلا يقول : وما الذي ألجأهم إليها ؟
أقول : كما تُلجئك أنظمة وقوانين البلاد الغربية على احترام أنظمتها عند دخولها بل وقبل دخولها !
وبعض من يحمل لواء التكفير أو قُل المسارعة فيه يعيش في بلاد الكفّار !
وهو مع ذلك يحترم أنظمة البلد وقوانينه .

فهل نحكم بكفره ؟

ولو أُقيمت ضدّه دعوى أو شكاه كافر إلى محاكم بلاده لاضطر إلى اللجوء إلى تلك المحاكم ، ولو لم يستجب سوف يؤخذ بقوّة القانون إلى محاكم تلك الدّول الكافرة .

فهل نحكم بكفره ؟

6 - تقسيم بعضهم الناس إلى فريقين : مؤمنين وكفّار ، والناس إما يوالون المؤمنين فهم منهم ، وإما يوالون الكفار فهم منهم .

وتقدّم التقسيم في كلام ابن أبي العز رحمه الله .

ونسي هؤلاء أن ثمة فريق ثالث ، وهم المنافقون

فـ " المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين ، تعير إلى هذه مرة ، وإلى هذه مرة " كما في صحيح مسلم .
وفي التنزيل مِن وصف المنافقين : ( وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ قَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوِ ادْفَعُواْ قَالُواْ لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاَّتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ )

فهذا وصف المنافقين .
فهم قد يميلون للكفار خوف زوال مُلك ، وقد يُعينونهم في ظرف مُعيّن ، وقد يخذلون المؤمنين في زمن مُعيّن ، فيكونون كما وصف الله عز وجل : ( هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ )

أي في ذلك الحال .

ومثله قوله تبارك وتعالى في وصف المنافقين : ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ )

فوصفهم بأنهم مرضى قلوب ، ولم يصفهم بالكفر بالله عز وجل .

وهذا مما يغيب عن أذهان من يُسارعون إلى التكفير .

7 – قولهم : يجب تكفير من لم يحكم بما أنزل الله ، أو من والى الكفّار فيحملون الناس على ذلك ، من باب تحقيق التوحيد بالكفر بالطاغوت استدلالا بقوله تعالى : ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا )

وهذا لا يصح استدلالهم به ، إلا بعد الرجوع لتفسير الاية للنظر في معنى الطاغوت حتى يُكفر به

قال ابن جرير رحمه الله – بعد أن ساق الأقوال في معنى الطاغوت – :
والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله فعُبد من دونه ، إما بقهر منه لمن عَبَده ، وإما بطاعة ممن عبده له إنسانا كان ذلك المعبود أو شيطانا أو وثنا أو صنما أو كائنا ما كان من شيء . اهـ .

وقال الحافظ ابن كثير : أي مَن خلع الأنداد والأوثان وما يدعو إليه الشيطان من عبادة كل ما يعبد من دون الله ووحد الله فعبده وحده وشهد أن لا إله إلا هو . اهـ .

وقال ابن الجوزي رحمه الله :
والمراد بالطاغوت هاهنا خمسة أقوال . ثم ساق الأقوال كما ساقها ابن جرير رحمه الله ، وليس فيها تكفير المرتد أو البراءة مِن الحـُـكّام !

وهذا يعني أن المسلم ليس مُلزما بتكفير مسلم كائنا من كان .

أما الكفّار فهو مُلزم بالبراءة منهم .

ولأن هذا الأمر – كما تقدّم – يختلف فيه كبار رجالات الأمة ، فكيف بغيرهم ؟
فلا يُكلّف الخلق الكفر بأمر مُشكل كهذا الأمر .
فإذا كان الخلاف في شأن المرتدين وقع بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، فكيف بسائر الأمة ؟

فهل تُكلّف الأمة بالكفر بأمر يقع فيه الخلاف بين خيار رجالها ؟

هذه مِن شُبهات القوم ، وهذه بعض أجوبتها .. والله الهادي إلى سواء السبيل .

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 19-12-2009, 09:37 PM
المشاركة 21

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
الدِّين النصيحة ..
وقد رأيت أن عامة من يخوض في مسائل التكفير مِمّن لم ترسخ أقدامهم في العِلم
قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : ( كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ ) قال : حلماء فقهاء .

قال الإمام البخاري رحمه الله : ويُقال الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره .
عن سعيد بن جبير رحمه الله قال : ( كُونُواْ رَبَّانِيِّينَ ) قال : علماء فقهاء .

وقال سفيان بن عيينة : يُراد للعلم : الحفظ والعمل والاستماع والإنصات والنشر . اهـ .

وسؤال أُوجِّهه لكل جرئ على التكفير :

هل تعلّمت العلم حتى تُناقش في الأمور الكبار ؟
هل طلبت العلم ؟
هل جالست العلماء وثنيت ركبك عندهم ؟

إنه لا يتكلّم في أمور الطب ولا يصف الدواء إلا طبيب حاذق درس الطب ما يزيد على ست سنوات من عمره !
ولا يتكلّم في هندسة البناء إلا من أمضى قريبا من ذلك في دراسة هذا العلم

وقل مثل ذلك في سائل العلوم

بل إنك أنت لو مرض لك قريب أو مرضت أنت لما ذهبت إلى سبّاك أو نجّار ! لتبحث عنده عن الدواء !

ولو تعطّلت سيارتك لما ذهبت للمنجرة لإصلاح عطل سيارتك !

إذا ( قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا )

وعلوم الشريعة يجب أن لا يتكلّم فيها إلا من درسها ومارسها
وليست علوم الشرع كلأ مباحاً لكل مُتعالم !

وقد قيل : لا تكن أبا شبر !

فمن هو أبو شبر ؟!
وما خبر الأشبار ؟!

قال الشيخ بكر أبو زيد في حلية طالب العلم وهو يذكر المحاذير في طريق طالب العلم :
احذر أن تكون أبا شبر !
فقد قيل : العلم ثلاثة أشبار
من دخل في الشبر الأول تكبّر
ومن دخل في الشبر الثاني تواضع
ومن دخل في الشبر الثالث علِم أنه ما يعلم

وإني لأحسب أن أبا شبر يشتغل بالتكفير !!

وهو لا يعلم أحكام المسح على الخفّين !!

وإن مما يُلحظ من بعض الشباب المتحمّس أنه يتحدّث في مسائل لو عُرضت على عمر رضي الله عنه لجمع لها أهل بدر !
يعني أن عمر رضي الله عنه لما تنزل به النازلة والمسألة الكبيرة ما كان يُفاخر بعلمه ولا يُكابر ولا يدّعي أنه أعلم أهل زمانه – ومن هو عمر ؟ -
وإنما كان يجمع لها كبار أصحابه ، حتى يجمع لها كبار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين شهدوا غزوة بدر .

فما بال بعضنا يتجرّأ على مسائل كتلك المسائل ؟!

وربما يُقحم نفسه في مسائل يتورّع عن الخوض فيها بعض كبار العلماء – لا خوفا ولكن ورعا –

هل تعلم أن الإمام مالك - الذي كانت تُضرب إليه أكباد الإبل ، وتُقطع لأجله المسافات ، ويُتحمل لأجله عناء الأسفار – وهو الذي كان يُسمى إمام دار الهجرة ( يعني إمام المدينة )
وهو الذي كان كأنه السلطان في زمانه يأمر وينهى وتهابه الأمراء
بل لما رأى ما رأى من أحد العلماء - وهو لم يعرفه – أمر بسجنه فسُجن

ومع ذلك كان يُكثر أن يقول : لا أدري !

بل قيل عُرضت عليه أربعون مسألة أجاب عن ثمان مسائل ! وقال في الباقي : لا أدري !

فهل قلت في يوم من الأيام : لا أدري !

إن من أغفل وترك ( لا أدري ) أصيبت مقاتله
ومن ترك ( لا أدري ) قال على الله بغير علم
ومن تجرأ على القول على الله قال على الله بغير علم

فأقِـلّ - أُخيّ – من القول على الله

لأن من قال بكل مسألة أخطأ ولا بُـدّ
ومن تكلّم بكل ما علِم وقع في القول على الله بغير علم الذي هو قرين الشرك بالله
قال الله عز وجل : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )

ولا بد من احترام العلماء وأهل العلم الذين أمضوا أعمارهم في دراسته وممارسته ، ولو أخطأوا .

فانظر في سيئاته تجد أنها تنغمر في بحور حسناته .

وانظر إلى أثر ذلك العالم في الأمة

ثم انظر إلى أثرك وماذا قدّمت – أنت – للأمـة ؟!

قدّم عمره في مدارسة العلم وتدريسه
وقدّمنا – نحن – الكلام في عرضه !
قدّم جهده ووقته
وقدمنا له الطعن

وهل هناك أحد بعد الأنبياء يخلو من الخطأ

من ذا الذي تُرضى سجاياه كلها = كفى المرء نُبلا أن تُعدّ معايبه

والله أسأل أن اكون وُفِّقت للهدى والرشاد والصواب .

والله تعالى أعلى وأعلم .

تمت بحمد الله ..

حول قصة حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه وأنه قد ظاهر كفار مكة ، ومع ذلك لم يُكفِّره النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن بعض أهل العلم يستدلّ على أنه ليست كل نوع موالاة يُعتبر كُفراً .

وقد رد عليّ أحد الأخوة وساق كلاما لأحد طلبة العلم فقال :

وسوف أجعل كلام الشيخ
باللون الأحمر
ثم اُجيب عنه :
قال الأخ المعترض :
وقد رد على هذه الشبهة ( الاستدلال بفعل حاطب ) أحد طلبة العلم فقال :
والجواب عن هذه الشبهة ... من وجوه :
الوجه الأول : أن هذا الدليل من أصرح الأدلة على كفر المظاهر وارتداده عن دين الإسلام ، وهذا يظهر من ثلاثة أمور في هذا الحديث :
الأمر الأول : قول عمر في هذا الحديث : دعني أضرب هذا المنافق ، وفي رواية : فقد كفر ، وفي رواية : بعد أن قال الرسول صلى الله عليه وسلم أوليس قد شهد بدراً ؟. قال عمر : بلى ولكنه نكث وظاهر أعداءك عليك .
فهذا يدل على أن المتقرر عند عمر رضي الله عنه والصحابة أن مظاهرة الكفار وإعانتهم كفر وردة عن الإسلام ، ولم يقل هذا الكلام إلا لما رأى أمراً ظاهره الكفر .

وللجواب عما أورده الأخ الفاضل أقول :

هل من يستدل بالكتاب والسنة يُعتبر استدلاله شُبهة ؟!
ففعل حاطب جاء ذكره في الكتاب والسنة .
وقد علمت أن قصته مخرّجة في الصحيحين وغيرها من دواوين السنة .
وأن العلماء يستدلّون بهذا الحديث على عدم تكفير مَن والى الكفار بصورة من صور الموالاة .

أما الأجوبة عما ذكره الشيخ كإجابات على شُبهة من يستدلّ بالحديث فأقول :

قوله : أما الوجه الأول من الجواب الأول من أن هذا الحديث من أصرح الأدلة على كفر من ظاهر الكفار ، وأنه ورد في رواية : فإنه قد كفر ... إلخ .

فهذا قد أجاب عنه الحافظ في الفتح فقال :
وفي حديث بن عباس قال عمر : فاخترطت سيفي ، وقلت : يا رسول الله أمكني منه فإنه قد كفر . وقد أنكر القاضي أبو بكر بن الباقلاني هذه الرواية وقال : ليست بمعروفة ، قاله في الرد على الجاحظ لأنه احتج بها على تكفير العاصي ، وليس لإنكار القاضي معنى لأنها وردت بسند صحيح وذكر البرقاني في مستخرجه أن مسلما أخرجها ، وردّه الحميدي ، والجمع بينهما أن مسلما خرّج سندها ولم يسُق لفظها ، وإذا ثبت فلعلّه أطلق الكفر وأراد به كفر النعمة ، كما أطلق النفاق وأراد به نفاق المعصية ، وفيه نظر لأنه استأذن في ضرب عنقه فأشعر بأنه
ظن أنه نافق نفاق كفر ، ولذلك أطلق أنه كفر ، ولكن مع ذلك لا يلزم منه أن يكون عمر يرى تكفير من ارتكب معصية ولو كبرت ، كما يقوله المبتدعة ، ولكنه غلب على ظنه ذلك في حق حاطب فلما بين له النبي صلى الله عليه وسلم عذر حاطب رجع . اهـ .

وقال العيني في عمدة القارئ :
إن عمر رضي الله عنه إنما قال لحاطب : إنه منافق ؛ لأنه
ظن أنه صار منافقاً بسبب كتابه إلى المشركين . اهـ .

وقوله في الوجه الثاني من الجواب الأول : إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لما فهمه عمر ، ولم ينكر عليه تكفيره إياه ، وإنما ذكر عُذر حاطب .

فيَرِد عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عن عمر وعن قوله حتى سأل حاطباً .

أليس الإعراض نوع إنكار ؟
ثم إن عمر رضي الله عنه لما اعتذر حاطب قال عمر مرة ثانية : إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني فلأضرب عنقه ! فقال عليه الصلاة والسلام : أليس من أهل بدر ؟

أليس من أهل بدر ؟

أليس هذا من الإنكار ؟
أم أن الإنكار أن يُضرب المخالف بالعصا ؟!!

ومما يدلّ على أن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على عمر سؤاله لعمر هذا السؤال ثم جواب عمر بعد ذلك بقوله – بعد أن دمعت عيناه - : الله ورسوله أعلم .

كما يَرِد عليه أيضا أن عمر رضي الله عنه عُرف عنه هذا الأمر في الشدّة على المخالف ، كما وقع ذلك منه في حق عبد الله بن أُبيّ
فقد روى البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : كنا في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فسمع ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما بال دعوى جاهلية ؟ قالوا : يا رسول الله كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار ، فقال : دعوها فإنها منتنة . فسمع بذلك عبد الله بن أبي فقال : فعلوها ! أما والله ( لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ ) فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام عمر فقال : يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعْـه ! لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه .

فهل إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على عمر يعني تصحيح ما عليه ابن أُبيّ ؟!

ولما قال رجل : اعدل يا محمد فإنك لم تعدل ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ويلك ومن يعدل بعدي إذا لم أعدل ، فقال عمر : دعني يا رسول الله حتى أضرب عنق هذا المنافق . رواه أبو داود ، وأصله في الصحيحين .

فلم يأذن له النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ، ثم أخبر عن ذلك الرجل أن الخوارج يخرجون مِن صُلبه !
فهل يعني هذا إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لما قاله الرجل عندما سكت عن عمر حتى ولّى الرجل وذهب ؟!

بل لم يُنكر النبي صلى الله عليه وسلم على عمر قوله هذا إنكاراً صريحـا .

فهذه الأدلة تدلّ على أن عمر رضي الله عنه عُرف عنه هذا الأمر ، وهو الشدّة مع المخالف أو مع من يظن أنه صدر منه ما يقتضي النفاق أو الكفر .
كما نص على ذلك الحافظ ابن حجر في الفتح .

قال الحافظ في الفتح :
إنما قال ذلك عمر مع تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاطب فيما اعتذر به لما كان عند عمر من القوة في الدين وبغض من ينسب إلى النفاق وظن أن من خالف ما أمره به رسول الله صلى الله عليه وسلم استحق القتل ، لكنه لم يجزم بذلك ، فلذلك استأذن في قتله ، وأطلق عليه منافقا لكونه أبطن خلاف ما أظهر ، وعذر حاطب ما ذكره فإنه صنع ذلك متأولا أن لا ضرر فيه . اهـ .

قال الشيخ في الوجه الثالث من الجواب الأول : أن حاطباً رضي الله عنه قال : وما فعلت ذلك كفراً ولا ارتداداً عن ديني ولا رضاً بالكفر بعد الإسلام .
وهذا يدل على أنه قد تقرّر لديه أيضاً أن مظاهرة الكفار (كفر وردة ورضا بالكفر) ، وإنما ذكر حقيقة فعله .

فالجواب عنه أن هذا صدر منه في مقام الاعتذار .
وقد عقد الإمام البخاري عليه باباً فقال :
باب من لم ير إكفار من قال ذلك متأولا أو جاهلا ، وقال عمر لحاطب بن أبي بلتعة : إنه نافق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : وما يدريك لعل الله قد اطلع إلى أهل بدر فقال : قد غفرت لكم .

كما يُجاب عما قاله بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يـرَ أن ما صدر من حاطب موجبا للكفر وإلا لأمر بضرب عُنقه ! أو لأمر باستتابته على الأقل .
فهل يفعل حاطب ما تقرّر لديه أنه كفر وردّة ورضا بالكفر ، ثم يحتاج إلى من يسأله قبل المعاتبة ، أو يَستفصل منه ، أو يَلتمس له العُذر ؟!

فلو كان هذا الفعل موجباً للكفر لما سأله النبي صلى الله عليه وسلم .
ولو كان هذا الفعل موجبا للكفر فهل كان هناك من داعٍ للسؤال قبل المعاتبة ؟

ثم إن هذه الآية ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) نزلت في حاطب رضي الله عنه كما في الصحيحين .

وقد سـمّـى الله عز وجل فعله هذا موالاة للكفار ومودّة لهم .
فهل تُكفّرون حاطباً بذلك ؟!
الجواب : لا
فالآية صريحة
والحديث واضح الدلالة

قال الشيخ في الوجه الثاني : ولم تقع منه مناصرة للكفار على المسلمين مطلقاً ... ولم يكن ذلك منه مظاهرة لهم ولا مناصرة

هذا القول بعضه يردّ على بعض !
فإنه أورد فيه آية الممتحنة ، وفيها : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ )
وفيها أيضا : ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ )

كما يردّه ما قرره هو سابقا مِن
( إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لما فهمه عمر ، ولم ينكر عليه تكفيره إياه )

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
وقد تحصل للرجل موادّتهم لِرحم أو حاجة فتكون ذنباً ينقص به إيمانه ولا يكون به كافرا ، كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة لما كاتب المشركين ببعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله فيه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ ) وكما حصل لسعد بن عبادة لما انتصر لابن أبي في قصة الإفك ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت والله لا تَقتله ولا تقدر على قتله . قالت عائشة : وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية ، ولهذه
الشُّبهة سمّى عمر حاطبا منافقا ، فقال : دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق ، فقال : إنه شهد بدرا ، فكان عمر متأولا فى تسميته منافقا للشُّبهة التي فعلها ، وكذلك قول أسيد بن حضير لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، إنما أنت منافق تجادل عن المنافقين ! هو من هذا الباب ، وكذلك قول من قال من الصحابة عن مالك بن الدخشم : منافق . وإن كان قال ذلك لما رأى فيه من نوع معاشرة ومودة للمنافقين . ولهذا لم يكن المتّهمون بالنفاق نوعاً واحدا بل فيهم المنافق المحض ، وفيهم من فيه إيمان ونفاق ، وفيهم من إيمانه غالب وفيه شعبة من النفاق ، وكان كثير ذنوبهم بحسب ظهور الإيمان ولما قوى الإيمان وظهر الإيمان وقوته عام تبوك صاروا يعاتبون من النفاق على ما لم يكونوا يعاتبون عليه قبل ذلك . انتهى كلامه رحمه الله .

وهذا القول الفصل من شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يُسقط ما استدلّ به الشيخ أو قال به .

كما قال الشيخ في الوجه الثالث : أن رسالة حاطب رضي الله عنه لكفار مكة ليست من المظاهرة والإعانة لهم على المسلمين في شيء .

أقول : أليس مِن المُناصرة إفشاء سرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتمه عن كفار مكة ؟
أليس من المناصرة تنبيه الكفار إلى قوة المسلمين ، كما جاء في الكتاب الذي أرسله حاطب ؟
أليس من أعانتهم بالرأي والمشورة أن يُقال لهم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عزم على غزوكم ؟
وقد تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخفى أمره وأخذ بالأنقاب وقال: اللهم خذ أبصارهم فلا يروني إلا بغتة . فلما أجمع المسير كتب حاطب بن بلتعة إلى قريش يخبرهم بذلك . كما ذكر ابن سعد في الطبقات .

كما يردّه قول الشيخ نفسه :
وهذا من أعظم الدلائل على أن من ناصر الكفار بنفسه أو بماله أو بلسانه أو برأيه ونحو ذلك فقد ارتدّ عن دين الإسلام ، والعياذ بالله .

أليس إخبار كفار مكة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قصَدَهم وأراد غزوهم ليأخذوا أهبة الاستعداد وليتهيئوا لقتاله .. أليس هذا من الإعانة لهم بالرأي والمشورة والنصيحة ؟!
الجواب في الآية ( تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ )

كما أقول :
لو لم يكن في رسالة حاطب نوع موالاة أو مناصرة بالرأي لماذا نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن كتاب حاطب ؟
لكان أقل شأناً من ذلك ؟

هذا من وجه
ومن وجه آخر : لماذا ينتدب النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من فرسان جيشه ليُدركوا المرأة قبل أن يصل الكتاب للكفار ؟!

فقد جاء في رواية في الصحيحين عن علي رضي الله عنه قال : بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا مرثد الغنوي والزبير بن العوام وكلنا فارس . قال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها امرأة من المشركين معها كتاب من حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين . الحديث .

لماذا يختار النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الفرسان لهذه المهمة ؟
ثم لماذا يأمرهم بالذهاب على وجه السرعة : انطلقوا ؟

إذا كان الكتاب ليس بكبير شأن ، والفعل كذلك ، لماذا كل هذا الاهتمام به ؟

فلو كان شأن الكتاب كما صوّره الشيخ لما كان من شأنه أن ينزل خبره من السماء ثم يكون من شأنه ما يكون !

والحديث بوّب عليه الإمام البخاري : باب الجاسوس ، وقول الله تعالى : ( لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ )

كما بوّب عليه أيضا : باب من نظر في كتاب من يحذر على المسلمين ليستبين أمره .

وهذا يدلّ على أن فعل حاطب رضي الله عنه ليس بالأمر اليسير في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين .
ولا يُعفيه من المساءلة كونه في الجيش أو كونه ناصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه وماله .

وأما قول الشيخ : الوجه السادس : أن يقال للمستدل بهذا الحديث على عدم كفر المظاهر :
هل هذا الحديث يدل على أن جميع صور مظاهرة الكفار ومناصرتهم ليست كفراً وردة ؟
فإن قال : نعم ، فقد خرق الإجماع ، ولا سلف له ، فلا كلام معه .
وإن قال : لا .
فيقال : فما الصور التي يكفر بها المظاهر للكفار .

فالجواب عنه من وجوه :

الأول : أن الله عز وجل سمى فعل حاطب رضي الله عنه موالاة ومودّة ، ولم يُكفَّر حاطب بفعله ، بل قبِل النبي صلى الله عليه وسلم عُذره .

الثاني : أنه لا يُستدلّ بالحديث على عدم كُفر المظاهر ، بل يُستدلّ به على أنه ليست كل مظاهرة أو مناصرة أو معاونة لهم بالرأي أو بالمشورة أنها تكون كفراً وردّة .

الثالث : أن تحرير المسألة يتبيّن بحدِّها وتعريفها
وقد سبق تعريف الموالاة
بأنه : النصرة والمحبة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطنا ، فموالاة الكفار تعني التقرب إليهم وإظهار الودّ لهم بالأقوال والأفعال والنوايا . اهـ .

وتقرر أن مسمى الموالاة لأعداء الله : يقع على شعب متفاوتة منها ما يوجب الردّة وذهاب الإسلام بالكلية ، ومنها ما هو دون ذلك من الكبائر والمحرمات .

فإذا عرفنا أن :
الولاية : هي النصرة والمحبة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطنا .
تبيّن لنا أنه ليست كل نُصرة ولا كل محبة ولا كل إكرام أو احترام أو مدح أو ثناء على الكفار أنه يكون موالاة مُخرجة من الملة ناقلة عن الدِّين .

وسؤال الشيخ : فما الصور التي يكفر بها المظاهر للكفار ؟

الجواب عنه في تعريف الموالاة
وهي ما توافر فيها : النصرة والمحبة والإكرام والاحترام ، والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطنا .

كما يَرِد عليه السؤال :
إذا كنت ترى أن الموالاة أو المناصرة توجب الكفر والردّة ، فما هي الصور التي لا توجب ذلك ، والتي تجعلنا نسأل قبل الحُـكم : ما حملك على ما صنعت ؟!

والعلماء يعدّون لبس لباس الكفّار والتّشبّه بهم صورة من صور الولاء للكفار ، إلا أنها لا تُخرج من دين الإسلام ، وهذا محلّ اتفاق ، كما بسط القول فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم ، وقال به الشيخ حمد بن عتيق في سبيل النجاة والفكاك ، وكما ذكره الدكتور القحطاني في كتاب الولاء والبراء .

فهل من تشبّه بأعداء الله في لباس أو زيّ مما هو من خصائصهم يكون موالياً كافراً بذلك ؟
الجواب : لا
إذا هذه الصورة تنقض الوجه الأخير عند الشيخ .

وأما التفريق بين الموالاة والتولّي فهي مسألة اصطلاحية ولا مشاحّة في الاصطلاح .
ولا يلزم التفريق بين النوعين .
فقد رأيت عامة من كتب في هذه المسالة لم يُفرّق بين النوعين من المتقدمين والمتأخرين .

والله تعالى أعلى وأعلم .

ثم عرضت جميع ما كتبته في هذا الموضوع (1) على فضيلة شيخنا العلامة الشيخ د . عبد الكريم الخضير - الأستاذ في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض – فقرأها في البلد الأمين على عجل وعقب على قولي في آخر الموضوع الأول ( ولا بد من احترام العلماء وأهل العلم الذين أمضوا أعمارهم في دراسته وممارسته ، ولو أخطأوا )

فقال حفظه الله :
يُنظر مدى الخطأ ومدى تأثيره في الأمة ، وزلّة تُتّقى فإذا كثُرت زلاّته ينبغي التحذير منه بأسلوب يُحقق المصلحة وعدم الاغترار به ولا يترتّب عليه مفسدة ، والله المستعان .

----------------------------------
(1) جميع ما كتبته عرضته عليه ما عدا قولي : ( وأما التفريق بين الموالاة والتولّي فهي مسألة اصطلاحية ولا مشاحّة في الاصطلاح .
ولا يلزم التفريق بين النوعين .
فقد رأيت عامة من كتب في هذه المسالة لم يُفرّق بين النوعين من المتقدمين والمتأخرين )

و مما ينبغي أن يُعلم أنني هنا لا أتحدث عن الكافر الأصلي إذ قد فُرغ منه .
لأن من شُبهات القوم قولهم :
( مَن لم يُكفر الكافر فهو كافر )
وهذا لا خلاف فيه بالنسبة للكافر الأصلي ، أما المرتد ومن طرأ عليه الكفر فقد علمت ما فيه من الخلاف .
ولذا جرى الخلاف بين علماء السنة في تكفير الخوارج رغم ما ورد فيهم من النصوص الصريحة الصحيحة .

ولذا يقول العلماء : لا ينبغي الخلاف في تكفير الرافضة
ووُجد من العلماء قديما وحديثا من يتوقف في تكفير الرافضة ، وإن كان لا ينبغي الخلاف في تكفيرهم !
فهل من يتوقف في تكفير أمثال هؤلاء يُعتبر كافراً ؟
الجواب : لا .


تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 19-12-2009, 09:40 PM
المشاركة 22

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
العقـوبات المـالـيَّـة

الـمُـقدِّمَـة
الحمد لله الذي شرع لنا الدين القويم ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين .
أما بعد :
فإن شريعة الإسلام لما كانت خاتمة الشرائع اشتملت على مصالح العباد في دينهم ودنياهم ، كما تضمّنت من الآداب والأدب ما تُحْفظ به الحقوق ، وتُردع به النفوس المريضة ، وتُكفّ به النـزّعات الجامحة ، وتنتهي النفوس الضعيفة عما تَروم .
كما أن شريعة الإسلام جاءت بِحِفْظِ الكليات والضرورات الخمس .
قال الشاطبي :
الأصول الكلية التي جاءت الشريعة بِحِفْظِها خمسة : وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال ([1]) .
وقال : تكاليف الشريعة تَرجع إلى حِفظ مقاصدها في الْخَلْق ([2]) .
ومن أجل ذلك شُرِعت الحدود والعقوبات .

والعقوبات تنقسم إلى أقسام ثلاثة :
1 – عقوبات متعلقة بالبدن ، وهي العقوبات البدنية ، كالتعزير دون الحدود ([3]) .
2 – عقوبات متعلقة بالمال ، وهي العقوبات المالية ، وهي مَناط البحث .
3 – عقوبات مالية وبدنية ، كإلزام من جَامَع قبل التحلل الأول بإتمام حَجِّهِ وإعادته مِن قابِل ([4]) ، وهذا من باب العقوبات .
ولأهمية هذه المسائل فقد أحببت بحث مسألة العقوبات المالية حيث جَرى فيها الخلاف بين الفقهاء ، ولأني لم أرَ من بحثها بحثا مُستقلاً .
وعلاقة هذا البحث بآيات الأحكام أن هناك مَن تناول هذه المسالة في تفسير قوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) الآية [الأنفال: 41] ([5]) .
وهناك مَن تناوله في تفسير قوله تعالى : ( وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) [النحل:126] .

وقد جَعَلتُ البحث في مقدمة وخاتمة ومبحثين .
فالمبحث الأول في تحرير محل النِّـزاع .
والمبحث الثاني في حُكم العقوبات المالية .
وإذا خرّجت الحديث ، فإن كان في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيتُ بِذكره لشهرتها ، مُكتفياً برقم الحديث ، وإليه الإشارة بحرف (ح) .
وإن كان الحديث في غيرهما ذكرت تصحيحه وتضعيفه مما وقفتُ عليه من كلام أهل العلم قديما وحديثاً .
وإن كان الحديث في غير الصحيحين خرّجته من مسند الإمام أحمد والسُّنن الأربع المشهورة ، ولا أخرج عنها إلا لزيادة فائدة .

وأسأل الله أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم ، وأن يُلهمنا رُشدنا ، وأن يُجنِّبنا الزلل .
وهذا أوان الشروع في المقصود ، فأقول مُستعيناً بالله :

تابع البحث على ملف وورد 6.doc ـ 6.zip

-------------------------
[1] الموافقات (3/47) .
[2] الموافقات (2/8) .
[3] ستأتي الإشارة إلى الفرق .
[4] نَقَل النووي في المجموع (7/333 وما بعدها) الأقوال في هذه المسألة . ويُنظر : الاستذكار ، لابن عبد البر (4/257) .
[5] تناوله الشنقيطي في مسألة تحريق رَحْل الغالّ ، وسيأتي النقل عنه في موضعه .

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 19-12-2009, 09:46 PM
المشاركة 23

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
أحكام الخُـلْـع
أحكام الخُـلْـع

الحمد لله الذي شرع لنا الدين القويم ( دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ )

أحمده سبحانه وتعالى وأستعينه وأستغفره حيث ما جعل علينا في الدِّين من حرج .

والصلاة والسلام على من بعثه ربه بالحنيفية السمحة ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : إني لم أبعث باليهودية ولا بالنصرانية ، ولكني بعثت بالحنيفية السمحة . رواه الإمام أحمد .

فديننا وسط بين إفراط اليهود وتفريط النصارى .

وهو وسط في العبادات ، ووسط في المعاملات .
يُعطي كل ذي حق حقّـه ، من غير إجحاف ولا تطفيف .

ومن هنا فإن قضايا المعاملات لم تُترك لأهواء البشر ولا لتصرّفاتهم إذ يَحْكُم ذلك النزعات الفردية ، والأهواء الشخصية ، والمصالح المشتركة لكل طائفة على حساب الأخرى .
فقد جاء الإسلام بقضايا المعاملات بين الناس أنفسهم ، كما جاء بقضايا المعاملات بين الناس وبين خالقهم .

والعلاقات الزوجية جزء من المعاملات بل من أهم المعاملات لطولها وملازمتها في الغالب ، لذا فقد جعل الإسلام فيها ومنها المخرج لكلا الطرفين نظرا لأنه قد يشوبها ما يشوبها من كدر وضيق .

ومن هنا كان اقتراح الأخت الفاضلة فدى – بارك الله فيها - في إجرءا هذا اللقاء حول هذه المسألة ، ألا وهي الخُـلْـع .

فأما تعريفه فـ :

الخُـلْـع في اللغة مأخوذ من خَلَعَ الثوب .
وهو بالضمّ (الـخُـلْـع ) اسم .
وبالفتح (الـخَـلْـع ) المصدر .
ومعناه في اللغة واسع .
وأما في اصطلاح الفقهاء فهو :
فراق الزوج زوجته بِعوض بألفاظ مخصوصة .

فائدته :
تخليص الزوجة من زوجها على وجه لا رجعة فيه إلا برضاها ، وبعقد جديد .

الأصل فيه :
قوله تعالى : ( وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ )

ومِن السُّـنّة قصة امرأة ثابت بن قيس رضي الله عنه وعنها
والقصة أخرجها البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟
قالت : نعم .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اقبل الحديقة ، وطلِّقها تطليقة .
و
في رواية له أنه عليه الصلاة والسلام قال : فَتَرُدِّينَ عَليْهِ حَديقَتَهُ ؟ فقالَتْ : نَعَمْ . فَرُدَّتْ عَليْهِ ، وأمَرَهُ ففارَقَها .

السؤال :
إذا كان الطلاق بيد الرجل .. فما الذي جعله الشرع بيد المرأة ؟
وما سبيلها إلى إنهاء العلاقة الزوجية مع زوجها إذا كرهت الحياة معه لغلظ طبعه , أو سوء خلقه , أو لتقصيره في حقوقها أو لعجزه البدني أو المالي عن الوفاء بهذه الحقوق أو لغير ذلك من الأسباب ؟؟
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

أولاً : ينبغي أن يُعلم أن الحياة الزوجية قائمة على ركنين :
المودّة والمحبة
والرحمة المتبادلة
وقد يضعف الركن الأول وعندها يجب أن يقوى الركن الثاني

أما لماذا ؟
فلأنه قد يكون هناك ما يدعو إلى بقاء هذه الحياة الزوجية بين الزوجين ، كوجود أولاد ونحو ذلك ، ولا يكون هناك بغض وكراهية ، بل تضعف المحبة والمودّة بين الزوجين .

ولذا قال عمر رضي الله عنه : ليس كل البيوت يبنى على الحب ، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام .

وقد يُحب الرجل في زوجته خلقا من الأخلاق أو صفة من الصفات فيُبقيها لأجل هذه الصفة ، ومثله الزوجة .
إلا أنه ينبغي أن لا يغيب عن أذهان كل من الزوجين رحمة كل طرف بالآخر ، وإن ضعفت المحبة والمودّة .

وأن تتذكّر المرأة فضل الصبر على الزوج ، وأنه يستحيل وجود زوج خال من العيوب .

إذا عُلم هذا فيأتي الجواب عن الشق الأول من السؤال :

وهو : ما الذي جعله الإسلام بيد المرأة ؟
عندما يكره الرجل زوجته وتقع البغضاء وربما العداوة والشحناء ، وعندما يُخفق في علاج هذه الأمراض الأُسريّة فإنه قد يلجأ إلى الطلاق ، وإن كانت الشريعة الغراء قد وضعت ضوابط وحلول قبل الإقدام على الطلاق ، كأن لا يُطلّق في حيض ولا في طهر جامع فيه ، وأن يلجأ إلى التحكيم قبل الطلاق .

وأما المرأة فإنها إذا وقع لها مثل ذلك فإنها تلجأ أولاً إلى الإصلاح ثم إلى التحاكم أيضا فإذا لم يُجد ذلك شيئا فإن لها حق المخالعة .
فتتفق مع زوجها على أحد ثلاثة أمور :
إما أن تُعيد له ما دفعه من مهر
أو أقل منه
أو أكثر

فإذا لم يقبل بذلك فإن لها حق اللجوء إلى القضاء ثم للقاضي أن يخلع الزوجة من ذمة زوجها ولو بالقوّة .

ولكن وإن قلنا بالمخالعة وأنه يجوز للزوج أن يقبل ويأخذ ما دفعته الزوجة إلا أنه ينبغي على الزوج أن لا يغيب عن ذهنه قوله تبارك وتعالى : ( وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ )

وهنا قد يرد السؤال :
لماذا جُعل الطلاق بيد الرجل دون المرأة ؟
فأقول :
القاعدة أن الغُنم بالغُرم
ما معنى هذا الكلام ؟

الغُنم من الغنيمة والكسب
والغُرم هو من الغرامة والخسارة

والعرب تقول : يتولّى حارّها من تولّى قارّها !
أي من تولى بارد الشيء ويسيره يتولّى شدّته .

فالذي تولّى النفقة وأُلزِم بها هو الذي يتولّى الطلاق
ثم إنه حُمّل القوامة فيكون الطلاق بيده

ثم إن المرأة عاطفية تغلب عليها العاطفة ، وهذا مدح وليس ذمّ ، إذ خلقها الله عز وجل عاطفية لحاجة الأم والولد إلى العاطفة وإلى مزيد من الحنان .

إذا السبيل إلى إنهاء تلك الحياة الزوجية التي لم يُكتب لها الاستمرار هو الطلاق من قبل الزوج ، والخُلع من قبل المرأة .

وهذا من حكمة الشريعة الإسلامية التي هي شريعة ربانية خالية من أهواء البشر

إذ أن بعض الديانات – كالنصرانية – لا يُمكن أن يوقع الطلاق ، ولذا يلجأ بعض الأزواج إلى التخلّص من زوجته ، وهذا موجود في زماننا هذا بالأرقام والإحصائيات في أوربا وأمريكا .

كما أنهم يجعلون الطلاق بيد المرأة !
وهذا إجحاف في حق الزوج
إذ الزوجة عندهم تُطلّق ، والزوج لا يستطيع ذلك !

مع أن هذا بخلاف ما جاء في كتبهم المقدّسة وإن دخلها التحريف !

السؤال :
وما هي الأسباب الموجبة لإقرار الخلع والتي يحق للمرأة بموجبها طلب إنفاذ الخلع من زوجها ؟؟
الجواب :
أسبابه :
= كراهية المرأة لزوجها ، دون أن يكون ذلك نتيجة سوء خُلق منه ، كما قالت زوجة ثابت بن قيس رضي الله عنها وعنه .
= عضل الزوج لزوجته ، بحيث يكره الزوج زوجته ولا يُريد أن يُطلّقها فيجعلها كالمعلّقة ، فتفتدي منه نفسها بمالها ، وإن كان يحرم عليه فعل ذلك .
= سوء خُلُق الزوج مع زوجته فتُضطر الزوجة إلى المخالعة .
= إذا خافت الزوجة الإثم بترك حقِّ زوجها .
والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :
- ما هي الشروط الواجب توفرها لصحة الخلع ؟؟
الجواب :
أولاً : أن يكون هناك ما يدعو إليه ، إذ قد ورد الوعيد الشديد على من طلبت الطلاق دون سبب
قال عليه الصلاة والسلام : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . رواه الإمام أحمد وغيره ، وصححه الألباني .

ثانيا : أن يكون على عِوض ، أي على مُقابل تدفعه الزوجة
فإن لم يكن مُقابل فهو طلاق من جهة الزوج .

ومن جهة الزوج أن لا يكون نتيجة عضل ومُضارّة بالزوجة لتخالعه ، لقوله تبارك وتعالى : ( وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً )

ثم ذكّر الأزواج بما كان بينهم فقال : ( وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا )

- وما هي الأسباب الموجبة لإقرار الخلع والتي يحق للمرأة بموجبها طلب إنفاذ الخلع من زوجها ؟؟

وأما الأسباب التي تدعو إلى الخُلع فقد سبقت الإشارة إليها .

ويُضاف إليها أيضا ما لو كان الزوج ضعيف الدِّين ويرتكب بعض ما حرّم الله من الكبائر ولا تستطيع الزوجة الصبر على ذلك كما أنها لا تستطيع إثبات ذلك لدى المحاكم وهو لا يُريد أن يُطلّق فإنها تُخالعه .

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 19-12-2009, 09:52 PM
المشاركة 24

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
السؤال :
- وهل يمكن اعتبار الخلع هو الحل للخلافات الزوجية وللعديد من القضايا التي قد تستمر في المحاكم لسنوات طويلة بدون حل ؟؟
الجواب :

والخُـلع هو أحد الحلول الشرعية للمشكلات الزوجية
إذ أن بعض الأزواج يحمله سوء الخلق أو اللؤم أحيانا على مُعاشرة زوجة لا تُحبه بل تكرهه
أو لا يُريد أن يوقع الطلاق بل يُريد أن تطلب منه ذلك ليذهب بما أعطاها من مهر أو يأخذ العِوض والمقابِل على الطلاق .

ومثله التحاكم الذي شرعه الله عز وجل لعباده في حال وقوع الخلاف والشقاق بين الزوجين .

السؤال :
هل تمنع الزوجة من أن تشم رائحة الجنة إن طلبت الخلع كما في الطلاق ، حيث ان كل امرأة تطلب الطلاق من زوجها لا تشم رائحة الجنة ؟
الجواب :
سبقت الإشارة إلى حديث : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . رواه الإمام أحمد وغيره .
وهذا الحديث رواه أبو داود في كتاب الطلاق . بابٌ في الخلع .

وهذا مُقيّد بما إذا كان من غير بأس
من غير سبب
من غير وجود عُذر شرعي

أما إذا وُجد السبب من كراهية أو شقاق وخلاف مستمر أو غير ذلك مما سبقت الإشارة إليه من الأسباب فيجوز لها أن تطلب الطلاق أو أن تُخالعه .

ولذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على زوجة ثابت بن قيس رضي الله عنها وعنه لما قالت : يا رسول الله ثابت بن قيس ما أعتب عليه في خلق ولا دين ، ولكني أكره الكفر في الإسلام .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتردين عليه حديقته ؟
قالت : نعم . رواه البخاري .
وسبقت الإشارة إليه في المقدمة .

ففي هذا الحديث أنها سألته الطلاق ؛ لأنها لم تُحبّـه
وفيه أنها ردّت عليه المهر ؛ لأنها هي التي طلبت الطلاق .

فهي لا تعيبه في خلق ولا دين ولكنها لا تُحبّه

قال ابن حجر رحمه الله :
قولها : ولكني أكره الكفر في الإسلام : أي أكره أن أقمت عنده أن أقع فيما يقتضي الكفر ، وانتفى أنها أرادت أن يحملها على الكفر ويأمرها به نفاقا بقولها : لا اعتب عليه في دين ، فتعيّن الحمل على ما قلناه . انتهى .

فهي تكرهه ، ومعلوم أن الحب من الله لا يأتي بوصفه
فبعض النساء من أول أيامها ربما لا تُطيق حتى النظر إلى زوجها
والحب والمحبة من الله ، فلا تأتي بالقوّة !
قال عليه الصلاة والسلام : إن الـمِـقَـة من الله . رواه الإمام أحمد وغيره .
والمقة هي المحبة
.

السؤال :
هل للزوجة عِـدّة بعد الخلع ؟
الجواب :
أما المختلِعة فقد اختلف العلماء في عِدّتها : هل تعتد بعد الخلع بحيضة أو تعتد كعدّة المطلّقة ؟

والصحيح أنها تعتدّ بحيضة واحدة لما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت منه فجعل النبي صلى الله عليه وسلم عدّتها حيضة .

وروى ابن أبي شيبة عن نافع عن بن عمر أن الرُّبيِّع اختلعت من زوجها فأتى عمها عثمان ، فقال : تعتد بحيضة . وكان ابن عمر يقول : تعتد ثلاث حيض حتى قال هذا عثمان ، فكان يُفتي به ويقول : خيرنا وأعلمنا .
يعني بذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه .

فإذا حاضت بعد الخُلع ثم طهرت فقد انقضت عدّتها .

والسبب في ذلك - والله أعلم -
أن العِدّة جُعلت في حال الطلاق بثلاث حيض – في غير الحامل –
حتى يحصّل التّروّي والمراجعة ، ولذلك لا يُخرج الرجل زوجته من بيته إذا طلّقها طلاقا رجعيا ولا يحل له ذلك .
قال سبحانه وتعالى : ( لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ )

أما لماذا ؟
فـ ( لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا )

ومن الحكمة أيضا في التروّي والمراجعة ورأب الصدع أن لا يقع الطلاق في طُهر وقع فيه جماع ، ولا يوقع في حال حيض لتغيّر نفسية المرأة في ذلك الوقت .

السؤال :
هل يجوز للزوجة ان تعود إلى زوجها..بعد الخلع ،، إن ندمت ؟
وكيف يتم ذلك ؟
الجواب :

رجوع الزوجة إلى زوجها بعد المخالعة محلّ خلاف أيضا .

والصحيح – والله أعلم – أنه يجوز لها أن ترجع إليه ، ولكن بعقد جديد ومهر جديد .

فإذا ندمت الزوجة بعد وقوع الخلع ورغب بها الزوج فإنه لا بّد من عقد جديد وتسمية مهر جديد أيضا ولو كان يسيراً .

السؤال :
في كندا.. إن لم يكن هناك إمام، فهل يجوز أن يتم الخلع في المسجد مع وجود الشهود..؟
الجواب :
لا إشكال في أن يتم الخلع في المسجد ويشهد عليه الشهود لتُضبط الأمور .

لأنه لا يقع إلا في حال شقاق ونزاع فيُخشى من إنكاره .

والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :
1- معلوم ان الخلع حق من حقوق الزوجة تتنازل بموجبه عن بعض الحقوق لتكسب حريتها المتمثلة بالطلاق متى يحق لها ان تستخدم هذا الحق ؟
2- ما هي الظروف التي اذا وجدت تعطى المرأة الحق في طلب الخلع ؟
الجواب :
المعنى في السؤالين واحد :

فيحق للزوجة أن تستخدم هذا الحق ( الخُلع ) عندما يكون هناك ما يُبرر طلب الطلاق .
كأن تكون المرأة تكره زوجها كرها شديداً .
أو لا ترضى دينه ( كأن يكون يشرب الخمر أو يتعاطى المخدّرات أو يرتكب فاحشة الزنا )
أو يكون سيئ الخُلُق ، ولو كان على دين وصلاح .
أو يكون كثير الضرب لها من غير مُبرر
أو ترى المرأة أن زوجها يُبغضها ويُضيّق عليها ويؤذيها لأجل أن تطلب هي الطلاق حتى تُفاديه بمالٍ مُقابِل ذلك .

ونحو هذه الأعذار

فهذه أعذار تُجيز للمرأة أن تطلب الخُلع ، وإن كان الصبر – أحياناً – أفضل من المخالعة .

وإنما جُعل الخُلع على عِوض ومُقابل مادي حتى لا تتسرّع إليه المرأة لأدنى سبب ، بل تعلم أنها سوف تدفع ما يُقابِل ذلك .

والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :
هل يصح الخلع في أي وقت ؟
الجواب :
المسألة محلّ خلاف بناء على الاختلاف : هل الخُلع طلاق أو فسخ ؟

والذي يظهر أنه فسخ
ولا يُشترط له ما يُشترط للطلاق مِن أن يكون الطلاق في طُهر لم يقع فيه جماع ، وأن لا يكون في وقت حيض .
كما أنه لا يُشترط له – على الصحيح – عِـدّة ، كما سبق بيانه .

والنبي صلى الله عليه وسلم لما جاءته زوجة ثابت بن قيس رضي الله عنها وعنه تُريد مخالعة زوجها سألها إن كانت تردّ عليه المهر ، وهو الحديقة التي أهداها إياها ، فلما قالت : نعم أمره عليه الصلاة والسلام أن يُفارقها ، ولم يسألها عن حالها .

بخلاف حال ابن عمر رضي الله عنهما الذي طلّق في حال حيض فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يردّ زوجته لأن هذا من الطلاق البدعيّ .

والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :

هل يجوز لبعض الأزواج المطالبة ببدل نقدي مبالغ فيه عدا عن تنازل الزوجة عن جميع حقوقها المالية ؟؟!!
الجواب :
يجوز أن يكون الخُلع على مبلغ أقلّ من المهر
ويجوز أن يكون على مبلغ أكثر ، إلا أن القاعدة : لا ضرر ولا ضرار .
فلا يضارّ الزوج بزوجته
والأغلب أن يكون على مقدار ما دفعه من مهر

إلا أنه ينبغي أن تُبنى هذه الأمور على المسامحة لسابق العِشرة بين الزوجين .

السؤال :
- وهل يُشترط في الخلع التلفظ أم أن الكتابة تكون كافية ويُعتبر الخلع صحيح ونافذ ؟؟!!
الجواب :
إذا كانت الكتابة مِن قِبَل الزوج فتعتبر كافية
وهذا من إقامة الكتابة مقام العبارة ، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .

السؤال :
يرى بعض المحللين والمراقبين لتطبيق قانون الخلع في بعض الدول العربية مؤخراً أن قانون الخلع لا يُنصف الزوجات لأنهن سوف يتنازلن عن كل مستحقاتهن المالية ويخسرن جميع الحقوق المستحقة لهن من مؤخر صداق وأثاث منزلي وغير ذلك . ولذلك فعند حدوث أي مشكلة فالزوجات يرفضن اللجوء إلى الخلع لأن طرق التقاضي بالطلاق تحفظ لها حقوق عديدة لا يكفلها الخلع .
فما رأي فضيلتكم في هذا الرأي ؟؟ وبماذا تردون عليهم ؟؟
الجواب :
الخُـلع ليس ورقة رابحة في يد المرأة تلوّح بها متى شاءت !
وإنما هو حل من الحلول
والحلول منها ما يمكن أن يكون أولـيّـاً ومنها ما يكون كمبضع الجرّاح .
كما تكون الحلول في علاج النشوز ( وعظ فهجر فضرب غير مبرّح )

وقد يكون العلاج مؤلما ساعة تلقي المريض له ، ولكن عاقبته سليمة
وكذلك الأمر بالنسبة للخلع
لا تُكره عليه المرأة ولكنه حق من حقوقها إذا ما كانت الأسباب الداعية إليه من قِبلها أو أرادت أن تشتري كرامتها وتحفظ نفسها من أن تُهان .
وإن كان هذا الأمر محرّم في حق الرجل
أي أن يؤذيها ويعضلها حتى تطلب منه الطلاق .
قال سبحانه وتعالى : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آَتَيْتُمُوهُنَّ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ )

ولكن الزوجة قد تجد نفسها مُضطرّة لمخالعة زوجها في ظروف معينة .
والعلماء يُشبّهون المخالعة بفكاك الأسير نفسه من آسره .

السؤال :
هل حكم الخلع في الإسلام مثل حكم الطلاق .. أم أن هناك فرق بينهما ؟؟ أي هل يعتبر الخلع طلقة أم لا ؟؟
الجواب :
هناك فروقات بين الخلع والطلاق سبقت الإشارة إلى بعضها
ففرق بين الخلع والطلاق من حيث العِدّة
وفي وقت إيقاع كل منهما
ولا يترتب عليه نفقة ، بخلاف الطلاق الرجعي

وأما هل يُعتبر طلاقا أو لا ؟
فتقدمت الإشارة إلى خلاف العلماء : هل هو طلاق أو فسخ ؟
والتفصيل والترجيح .. كل ذلك تقدّم .

ولا يُعتبر طلاقا على الصحيح من أقوال أهل العلم .
وإن كانت تحصل به الفُرقة بين الزوجين كما سبق بيانه .

السؤال :
هل يُشترط إثبات المخالعة رسمياً في المحاكم أم تصح بمجرد وجود شهود عليها ؟؟
الجواب :
لا يُشترط أن يكون إثبات الخلع في المحاكم ، إلا أنه أثبت وأضبط للأمور إذا ضُبِطت وقُيّدت بالمحاكم الشرعية .

السؤال :
هل يُشترط أن يكون الخلع مشروطاً بدفع النقود المتداولة بين الناس أم يجوز فيه أي منفعة تقابل بالأموال ؟؟
الجواب :
لا يُشترط في الخلع أن يكون نقدا بل إذا كان المهر عيناً أو منفعة وردّتها إليه صح أن يكون خُلعا
ومثله لو اتفقت الزوجة مع زوجها على وضع مؤخر الصّداق – مثلا – جاز
ويصح أن يكون مُقابل أن تُسقط عنه نفقتها إذا كانت حاملا ؛ لأن الحامل تجب لها النفقة ، لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ )
ويصحّ الخلع مُقابل مجهول ، كأن تُخالعه على شاة من غنمها ونحو ذلك .

السؤال :
وهل يجوز أن يكون التخلي عن الأطفال هو بدل للخلع ؟؟
الجواب :
يجوز أن يكون تخلّي الزوجة عن حضانة أطفالها مُقابل الخُلع ؛ لأن الزوجة أولى بحضانة أطفالها ما لم تتزوّج .
والله أعلم .

السؤال :
ما أوجه الشبه والاختلاف بين الخلع وبين المباراة ؟؟
الجواب :
المباراة يُملِّكون بها المرأة أمر نفسها
ولا يُشترط فيها أن تكون على عِوض

بخلاف الخُلع
فإنه لا يُجعل فيه أمر المرأة إلى نفسها بل هو فسخ كما تقدّم بيانه
ويُشترط فيه أن يكون على عِوض

السؤال :
نرجو أن تحدثنا شيخنا الكريم - بحكم موقعكم ومكانتكم الكريمة - عن مدى تطبيق هذا الحكم الشرعي ( الخلع ) في محاكم المملكة العربية السعودية .. ؟؟
الجواب :
= أما ما أعرفه عن المحاكم أنه يُطبق فيها ، وهو حُكم شرعي لا حرج فيه ولا في طلبه من قِبل المرأة

السؤال :
وهل تجد النساء هناك حرجاً في اللجوء إلى هذا المنفذ - الذي أباحه الله لها ؟؟
الجواب :
وتلجأ بعض النساء إليه في بعض الظروف
وقد يتولّى المطالبة به أحيانا وليّ المرأة إذا وكّلته على ذلك .

السؤال :
امرأة كانت ذات زوج فطلقها .. ثم تزوجت غيره فطلبت الخلع لعلةٍ شرعية ..
هل يجوز لها أن ترجع لزوجها الأول ؟؟ أم لابد أن يكون الزواج الثاني انتهى بطلاق لا بخلع .
الجواب :
شرط عودتها لزوجها السابق أن تنكح زوجا غيره بغير قصد التحليل
لقوله تبارك وتعالى : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ )
فقوله : ( فَإِنْ طَلَّقَهَا ) يعني الطلقة الثالثة .

والمقصود أن تنكح زوجا غيره .
ويُشترط أن لا يكون تزوجها ليُحلِّلها لزوجها الأول
ولقوله عليه الصلاة والسلام : ألا أخبركم بالتيس المستعار ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : هو المحلِّل ، لعن الله المحلِّل والمحلَّل له . رواه أبو داود .

ويُشترط في هذا النكاح أن تقع المعاشرة بين الزوجة وزوجها الثاني حتى تحلّ لزوجها الأول

فقد روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : جاءت امرأة رفاعة القرظي النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : كنت عند رفاعة فطلقني فَأَبَتّ طلاقي ، فتزوجت عبد الرحمن بن الزبير إنما معه مثل هدبة الثوب ! فقال : أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك . وأبو بكر جالس عنده وخالد بن سعيد بن العاص بالباب ينتظر أن يُؤذن له ، فقال : يا أبا بكر ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند النبي صلى الله عليه وسلم ؟ فلا والله ما يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلم على التبسم !

وقد أشرت فيما سبق إلى إمكان رجوع الزوجة إلى زوجها ولو بعد الخلع ، ولكن بعقد جديد ومهر جديد .

والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :
هناك من النساء . من تستخدم الخلع .. لكي تتخلص من زوجها لأسباب تافهة أو أعذار واهية لا تستدعي فسخ هذه العلاقة الزوجية .. وعندما تنصح بأن تتقي الله وتحافظ على زوجها وأسرتها تحتج بأن الشرع أعطاها هذا الحق ولها أن تستخدمه وقتما تشاء .
ونحن نعلم أنه الشرع أعطاها هذا الحق إذا كانت الحياة مع زوجها لا تطاق أو استفحل أن تعود المياه بينهما إلى مجاريها .
فما حكم فعلها ذلك .. وما هي نصيحتكم لمن تحاول أن تسلك هذا المسلك ؟؟
الجواب :
تقدّم أن الخُلع حل من الحلول للحياة التي تصل إلى طريق مسدود
وأنه ليست ورقة رابحة في يد المرأة تستعمله متى شاءت

كما سبقت الإشارة إلى أن قوله عليه الصلاة والسلام : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . رواه الإمام أحمد ، ورواه أبو داود في كتاب الطلاق . بابٌ في الخلع .
وأن هذا الوعيد يشمل الخُلع الطلاق .

وأُشير هنا إلى قوله عليه الصلاة والسلام : المختلعات هُنّ المنافقات . رواه الترمذي ، وصححه الألباني .

وهذا إذا كان الخُلع من غير سبب .

فالخُلع يُشبه الكيّ ، لا يُلجأ إليه عند الاضطرار إليه .

ومما ينبغي أن يُعلم أن الخُلع يأخذ الأحكام الخمسة ، فيكون في بعض الحالات :
حراماً
أو مكروها
أو جائزا
أو مستحبا
أو واجباً

وتفصيل الحالات في كُتب الفقه .

وهذا يعني أنه ليس تسلية ولا ألعوبة في أيدي الناس !

والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :
من خلال دراسة لقوانين الأحوال الشخصية في أثنى عشرة دولة عربية وموقفها من طلاق الخلع بحكم القضاء باعتباره من الحقوق الشرعية للمرأة، تبين الاختلاف البين حيال هذا الحق للزوجة حيث اشترطت غالبية القوانين توافر الرضا الصريح والمسبق للزوج قبل الحكم بها من القضاء في ثلاث دول عربية (الجزائر، ليبيا، ومصر) مما يؤكد أن الطبيعة القانونية لطلاق الخلع غير محددة في هذه القوانين ..
فهل يُشترط شيخنا الفاضل موافقة الزوج ورضاه قبل المباشرة بتطبيق الخلع ؟؟
الجواب :
يحتاج الكلام أحيانا إلى الدّقَّـة عند الإطلاق ، فالقول بأن دراسة القوانين في اثنتي عشرة دولة بحاجة إلى أن تكون الدراسة توافق الواقع .
هذا من ناحية
ومن ناحية أخرى فإن أكثر الدول العربية لا ترفع بحكم الله رأساً ، ولا تعبأ به أصلاً .
أما اشتراط رضا الزوج ففيه تفصيل :
إن كان ابتداء فيُشترط رضاه ، نظرا لعِظم حق الزوج .
وإن امتنع فللقاضي أن يخلع الزوجة من زوجها ولو بغير رضاه .

السؤال :
وهل يجوز لشخص أجنبي أن يتفق مع الزوج على أن يخلع الزوج زوجته بحيث يتعهد هذا الشخص بدفع بدل الخلع للزوج لتتم الفرقة بينهما ؟؟
الجواب :
يجوز لشخص أجنبي أن يتبرّع ببذل العِوض
ونص العلماء على أنه يصحّ بذل العوض ممن يصحّ تبرّعه ، وهو العاقل الرشيد .
وعلّلوا ذلك بأنه بذل مال في غير مُقابلة ولا منفعة .

ولكن ينبغي التنبه هنا إلى أنه لا يجوز لشخص أجنبي أن يتفق مع ذات زوج لا تُريده فيتّفق معها على أن تُخالِع زوجها ويدفع هو العِوض على أن تتزوّجه
لأن هذا من المواعدة في السرّ التي نهى الله عنها بقوله : (وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا )

ولأن هذا من إفساد الحياة الزوجية بين الأزواج ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ليس منا من خَـبّب امرأة على زوجها . رواه الإمام أحمد وأبو داود .

السؤال :
وهل يتقيد الخلع بوقت معين أو حال معين بالنسبة للمرأة ( مثل الحيض والنفاس ) كما هو في حال الطلاق ؟؟
الجواب :
لا يتقيّد الخلع بما يتقيّد به الطلاق
وقد تقدّم الكلام حول هذه المسألة ، وأن الخُلع فسخ وليس طلاقاً ، وسبقت الإشارة إلى الخلاف في المسألة .

كما سبقت الإشارة إلى سبب ذلك .

والله تعالى أعلى وأعلم .

السؤال :

شيخنا الفاضل ..
قبل أن ننهي لقاءنا المبارك مع فضيلتكم .. نرجو أن تتفضلوا بتوجيه كلمات ناصحة وبعض التوصيات للمرأة المسلمة تعينها على إصلاح حياتها الزوجية مما لا يضطرها إلى اللجوء إلى طلب الطلاق أو الخلع اللذان قد ينبني عليهما الكثير من المشاكل والأحقاد والظلم للأبناء كما نرى ذلك في كثير من الأسر في وقتنا الحاضر ؟؟
الجواب :
أما الوصية فهي وصية الله للأولين والآخرين ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ )
ووصيته لعباده المؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

قال ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير هذه الآية : حقّ تقاته : أن يُطاع فلا يُعصى ، وأن يُذكر فلا يُنسى ، وأن يُشكر فلا يُكفر .

والنبي صلى الله عليه وسلم أوصى الأزواج فقال : استوصوا بالنساء خيرا . رواه البخاري ومسلم .

وقال : لا يَفْرك مؤمن مؤمنه ؛ إن كره منها خُلًقاً رضيَ منها آخر . رواه مسلم .

ويُقال مثل ذلك في حق المرأة
وإن كان حق الزوج على زوجته أعظم
وسبقت الإشارة إلى ذلك هنا :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?s=&threadid=9787&highlight=

وهنا :
http://www.almeshkat.net/vb/showthread.php?s=&postid=96221#post96221

ثم ليُعلم أنه ليس كل البيوت يتُبنى على الحب ، ولكن معاشرة على الأحساب والإسلام . كما قال عمر رضي الله عنه .

فلا تتصوّر المرأة أن توجد حياة زوجية خالية مما يشوبها أو يُكدّرها ولو في وقت من الأوقات ، إذ هذه طبيعة هذه الحياة الدنيا :
طُبعت على كدر وأنت تُريدها = صفواً من الأقذاء والأكدار !

وقول الله أصدق وأبلغ : ( لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)

ولا يتصور الزوج أيضا أن يجد زوجة خالية من العيوب

ولكن الحياة تؤخذ على التسديد والمقاربة
وتؤخذ على العفو والمسامحة

وليُعلم أيضا أن أحب شيء إلى إبليس هو الطلاق
فهو يسعى إليه جاهدا ، بل ويُرسل جنوده في ذلك ، ويؤزّهم أزّا ، ويدفعن دفعا ، لأجل التفريق بين الأزواج .
بل إن إبليس ليفرح إذا وقع الطلاق
وإذا ما توصّل جندي من جنوده إلى ذلك جعله مُقرّبا منه ، وأدناه إليه ، وضمّـه وأكرمه !

أخبر عن ذلك من لا ينطق عن الهوى عليه الصلاة والسلام بقوله :
إن إبليس يضع عرشه على الماء ، ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منـزلة أعظمهم فتنة ؛ يجيء أحدهم فيقول : فعلت كذا وكذا ، فيقول : ما صنعتَ شيئا ! قال : ثم يجيء أحدهم فيقول : ما تركته حتى فرّقت بينه وبين امرأته ! قال : فيُدنيه منه ، ويقول : نِـعْـمَ أنت ! قال الأعمش : أراه قال : فيلتزمه . رواه مسلم .

فإذا رُزقت المرأة بزوج صالح يحفظها ويرعاها فلتعلم أن هذه نعمة يجب شُكرها .

وإن طلب الطلاق من غير سبب هو كُفران لهذه النعمة

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة . وقد سبقت الإشارة إليه .

وإن مِن كرام الرجال من يأبى عليه كرمه أن يعود في شيء بذله

فقد ذكر الأمير أسامة بن منقذ أن امرأة وُصِفت لعمِّه عز الدين أبي العساكر ، قال : فأرسل عمّي عجوزاً من أصحابه تُبصرها ، وعادت تصفها وجمالها وعقلها ! إما لرغبة بذلوها لها ، وإما أرَوها غيرها ، فخطبها عمّي وتزوجها . فلما دخلت عليه رأى غير ما وُصف له منها . ثم هي خرساء !
فوفّاها مهرها ، وردّها إلى قومها .
فأُسِرتْ من بيوت قومها – بعد ذلك – فقال عمّي : ما أدع امرأة تزوجتها - وانكشفت عليّ – في أسْر الإفرنج . فاشتراها بخمسمائة دينار ، وسلّمها إلى أهلها . اهـ .
هكذا تكون مكارم الأخلاق .

وهكذا يجب أن تكون العِشرة ولو بعد الفراق

وهذا من حفظ العهد .

والله تعالى أعلى وأعلم .

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 19-12-2009, 09:57 PM
المشاركة 25

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
بحث بعنوان
هل مَنَع ابن الصّلاح من تصحيح وتضعيف الأحاديث ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد :
فهذا بحث حول مسألة كثُـر الكلام حولها ، والحديث عنها ، قديماً وحديثاً ، ألا وهي : هل منع ابن الصلاح من تصحيح الحديث في العصور المتأخرة إطلاقاً ، أو منع من التصحيح إلا بِقُيود ؟
وهل خالف ابن الصلاح غيره من الأئمة ممن صححوا بعض الأحاديث ، فضعّفها أو العكس ؟
هذا ما سعيت إليه من خلال هذا البحث .
وقد تتبعت أحكام ابن الصلاح من خلال ثلاثة كُتُب :
الأول : فتاوى ابن الصلاح نفسه ، وقد جَعلتُ ما نقلته عنه في آخر البحث لبيان نتيجة البحث .
الثاني : سُبُل السلام ، للإمام الصنعاني .
الثالث : كتاب " نيل الأوطار " للإمام الشوكاني .

واستعنت بالكتابين الأخيرين لأنهما ينقلان أحكام ابن الصلاح على بعض الأحاديث ، وربما كان النقل من مصادر غير متوفِّرة في زماننا هذا .

وقد جعلت البحث من ثلاثة مباحث :
المبحث الأول : في تحرير محلّ النِّـزاع .
و المبحث الثاني : في أحكام ابن الصلاح على الأحاديث من خلال ما نقله عنه الإمامان : الصنعاني والشوكاني .
وقد قسمته إلى أقسام ثلاثة :
القِسْم الأول : في موافقة ابن الصلاح لغيره من الأئمة .
و القِسْم الثاني : في مخالفة ابن الصلاح لغيره من الأئمة .
و القِسْم الثالث : فيما انفرد به ابن الصلاح من تصحيح أو تضعيف .
أما المبحث الثالث : فكان في أحكام ابن الصلاح من خلال " فتاواه " المطبوع بعنوان : فتاوى ومسائل ابن الصلاح في التفسير والحديث والأصول والفقه . ومعه أدب المفتي والمستفتي ( ) .

وإذا خرّجت الحديث ، فإن كان في الصحيحين أو في أحدهما اكتفيتُ بِذكره لشهرتها ، مُكتفياً برقم الحديث ، وإليه الإشارة بحرف (ح) رمزاً لرقم الحديث .
وإن كان الحديث في غيرهما ذكرت رقمه أيضا مما اعتُمد فيها الرقم ، ولا أذكر الجزء والصفحة إلا عند الحاجة إليه ، كأن يكون الكلام عقب الحديث ، ونحو ذلك .
وإن كان الحديث فيما أنقله من أقوال الأئمة : ابن الصلاح والصنعاني والشوكاني فإني لا أُخرِّجه ، لخروجه عن المقصود ، إلا لزيادة فائدة ، كأن يكون من أخْرَج الحديث تكلّم في الحديث تصحيحاً أو تضعيفاً ونحو ذلك مما تدعو إليه الحاجة .
في مُخالفة ابن الصلاح أو موافقته لغيره قد يتكرر الحديث ، وذلك لأنه قد يُخالِف غيره ، فأذكره في المخالَفَة ، وقد يُوافق غيره فأذكره في الموافقة .
ومثال ذلك أن يُضعِّف حديثا صححه الحاكم – مثلاً – ، ويكون النووي – مثلا – أو ابن حجر ، ضعّفوا الحديث ، ويكون ابن الصلاح ضعّف الحديث ، فأذكره في الموضعين ، مرة لأنه خالِف غيره ، ومرة لأنه وافَق غيره .

وأسأل الله لنا وله العون والتوفيق والسَّداد .


تابع البحث على ملف وورد 5.doc ـ 5.zip



تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 19-12-2009, 10:08 PM
المشاركة 26

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
لجمع بين الصلاتين للمسافر وجمع المقيم
المقدمـة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
أما بعد :
فإن من نِعمة الله عليّ أن مِـنّ عليّ بمحبة العِلم وأهله ، فجعل نهمتي في مدارسته .
ومن تمام النعمة أن يسر لي دراسة علم الحديث ضمن برنامج الدراسات العليا ، وبالأخص دراسة أحاديث الأحكام التي لا يستغني عنها مسلم فضلا عن طالب عِلم ، ذلك أنه ما مِن مُصلٍّ ولا صائم ولا عابد لله إلا وهو مُحتاج إلى معرفة أحكام عباداته لتكون عبادته على بصيرة .
ولما كان من المقرر دراسة أحاديث الأحكام فقد كُلِّفت بدراسة بعض أحاديث الجمع بين الصلاتين في السفر ، وما يتعلق بجمع المقيم .
وقد استعنت بالله لدراسة هذه الأحاديث ، دراسة حديثية فقهية .
وقد خرّجت الأحاديث تخريجا متوسّطا مع بيان درجة الحديث من خلال أحكام العلماء المتقدّمين أو المتأخرين ، أو أجمع بين الأقوال ما أمكن .
كما ذَكَرْت بعض المباحث الفقهية المستنبطة من هذه الأحاديث قيد الدراسة .
وقسّمت البحث إلى مبحثين :
المبحث الأول : الجمع بين الصلاتين في السفر .
والمبحث الثاني : جمع المقيم .
وتحت كل مبحث مسائل .
وأتوجه بالشكر الجزيل لفضيلة أستاذنا د . عبد الله السوالمة – حفظه الله – على ما أولاه من عناية وتوجيه .
وأسأل الله أن يستعملنا في طاعته إنه ولي ذلك والقادر عليه .


كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الرياض – محرّم 1425 هـ
المبحث الأول : الجمع بين الصلاتين في السفر

أولاً : روايات الحديث
عن أنس رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما ، وإذا زاغت قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب . متفق عليه .
وفي رواية لمسلم : إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما .

وفي رواية لمسلم : إذا عَجِلَ عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق .

ثانياً : تخريج الحديث :

رواه البخاري في كتاب الكسوف باب يؤخر الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس .
وفي باب إذا ارتحل بعد ما زاغت الشمس صلى الظهر ثم ركب [1] .
ومسلم في كتاب صلاة المسافرين وقصرها [2] .

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر حتى ينزل للعصر ، وفي المغرب مثل ذلك ؛ إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء وإذا ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخّر المغرب حتى ينزل للعِشاء ثم جمع بينهما [3] .
قال الترمذي : والمعروف عند أهل العلم حديث معاذ من حديث أبي الزبير عن أبي الطفيل عن معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في غزوة تبوك بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء . رواه قرّة بن خالد وسفيان الثوري ومالك وغير واحد عن أبي الزبير المكي ، وبهذا الحديث يقول الشافعي ، وأحمد وإسحاق يقولان : لا بأس أن يجمع بين الصلاتين في السفر في وقت إحداهما [4].
وفي رواية لمسلم [5] قال معاذ : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك ، فكان يجمع الصلاة ، فصلى الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا ، حتى إذا كان يوما أخّر الصلاة ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل ، ثم خرج بعد ذلك فصلى المغرب والعشاء جميعا.

وفي رواية لأحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان رسول الله يجمع بين الصلاتين في السفر المغرب والعشاء ، والظهر والعصر [6] .

ثالثاً : من مباحث الحديث الفقهية

المسألة الأولى :
ما حـدّ السفـر ؟

أو ما هي المسافة التي تُبيح الترخّص ؟
لم يرِد في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم تحديد مسافة السفر [7] .
فالفرق بين السفر الطويل والقصير لا أصل له في كتاب الله ولا في سنة رسوله بل الأحكام التي علقها الله بالسفر علقها به مطلقا [8] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد تنازع العلماء في قصر أهل مكة خلفه [9] فقيل : كان ذلك لأجل النُّسك ، فلا يَقصر المسافر سفرا قصيرا هناك ، وقيل : بل كان ذلك لأجل السفر ، وكلا القولين قاله بعض أصحاب أحمد ، والقول الثاني هو الصواب ، وهو أنهم قصروا لأجل سفرهم ، ولهذا لم يكونوا يقصرون بمكة وكانوا محرمين ، والقصر مُعلّق بالسفر وجودا وعدما ، فلا يُصلى ركعتين إلا مسافر ، وكل مسافر يصلى ركعتين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : صلاة المسافر ركعتان ، وصلاة الفطر ركعتان ، وصلاة النحر ركعتان ، وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير نقص - أي غير قصر - على لسان نبيكم ، وفى الصحيح [10] عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : فرضت الصلاة ركعتين ركعتين ، ثم زِيد في صلاة الحضر وأُقِرّت صلاة السفر ، وقد تنازع العلماء : هل يختص بسفر دون سفر ؟ أم يجوز في كل سفر ؟ وأظهر القولين أنه يجوز في كل سفر قصيرا كان أو طويلا ، كما قصر أهل مكة خلف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة ومنى ، وبين مكة وعرفة نحو بريد أربع فراسخ ، وأيضا فليس الكتاب والسنة يخصان بسفر دون سفر لا بقصر ولا بفطر ولا تيمم ، ولم يَحد النبي صلى الله عليه وسلم مسافة القصر بحد لا زماني ولا مكاني . ولا يمكن أن يُحدّ ذلك بِحَـدٍّ صحيح ، فإن الأرض لا تذرع بذرع مضبوط في عامة الأسفار ، وحركة المسافر تختلف ، والواجب أن يُطلق ما أطلقه صاحب الشرع ، ويُقيَّد ما قيّده ، فيَقْصُر المسافر الصلاة في كل سفر ، وكذلك جميع الأحكام المتعلقة بالسفر من القصر والصلاة على الراحلة والمسح على الخفين ، ومن قسم الأسفار إلى قصير وطويل ، وخَصّ بعض الأحكام بهذا ، وبعضها بهذا ، وجعلها متعلقة بالسفر الطويل ، فليس معه حجة يجب الرجوع إليها [11] .

المسألة الثانيـة :
حُكم الجمع في السفر
، وفيها خمسة أقوال :

القول الأول : جَوَازُ الْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِعُذْرِ السَّفَرِ جَمْعَ تَقْدِيمٍ فِي وَقْتِ الأُولَى مِنْهُمَا ، وَجَمْعَ تَأْخِيرٍ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ مِنْهُمَا ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَالْجُمْهُور .
القول الثاني – وهو يُقابِل الأول – : لا يجوز الجمع مطلقا إلا بعرفة ومزدلفة ، وهو قول الحسن والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه ، وأجابوا عما رُوي من الأخبار في ذلك بأن الذي وقع جمع صوري ، وهو أنه أخّر المغرب مثلا إلى آخر وقتها ، وعجّل العشاء في أول وقتها.
القول الثالث : وبه قال الليث ، وهو المشهور عن مالك : أن الجمع يختص بمن جـدّ به السير .
القول الرابع : وبه قال عمر بن عبد العزيز والحسن والأوزاعي : أن الجمع في السفر يختص بمن له عذر .
القول الخامس : وبه قال أحمد في رواية ، واختاره ابن حزم ، وهو مروي عن مالك : أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم [12] .

وقد أُجيب عن القول الثاني – وهو منع الجمع إلا بعرفة ومزدلفة - بأجوبة ، منها :

1 – بما ثبت من الأحاديث التي جاء فيها التصريح بالجمع ، وأنه رخصة ، وقد ثبت في صحيح مسلم [13] عن يعلي بن أمية قال : قلت لعمر بن الخطاب : ( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) فقد أمِنَ الناس ، فقال : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال : صدقة تصدّق الله بها عليكم ، فاقبلوا صدقته .
وبين الجمع والقصر تلازم ، فإن من جاز له القصر جاز له الجمع ، ولا عكس .
2 –
بأن هذا الجمع الصوري فيه مشقّة ، والجمع المقصود منه التيسير على المسافر .
قال الخطابي : ظاهر اسم الجمع عُرفا لا يقع على مَنْ أخّر الظهر حتى صلاها في آخر وقتها ، وعجّل العصر فصّلاها في أول وقتها ؛ لأن هذا قد صلّى كل صلاة منهما في وقتها الخاص بها ، وإنما الجمع المعروف بينهما أن تكون الصلاتان معا في وقت إحداهما . ومعقول أن الجمع بين الصلاتين من الرُّخص العامة لجميع الناس عامهم وخاصّهم ، ومعرفة أوائل الأوقات وأواخرها مما لا يُدركه الخاصة فضلا عن العامة ، وإذا كان كذلك كان في اعتبار الساعات على الوجه الذي ذهبوا إليه ما يُبطل أن تكون هذه الرخصة عامة ، مع ما فيه من المشقة المُرْبِية [14] على تفريق الصلاة في أوقاتها الموقّتة [15] .
وقال ابن عبد البر : ولا معنى للجمع الذي ذهب إليه أبو حنيفة ، ومن قال بقوله ؛ لأن ذلك جائز في الحضر بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في طرفي وقت الصلاة : " ما بين هذين وقت " فأجاز الصلاة في آخر الوقت ، ولو لم يَجز في السفر من سعة الوقت إلا ما جاز في الحضر بطل معنى السفر ومعنى الرخصة والتوسعة لأجله .
ومعلوم أن الجمع بين الصلاتين في السفر رخصة لمكان السفر وتوسعة في الوقت ، كما أن القصر في السفر لم يكن إلا من أجل السفر ، وما يُلقى فيه من المشقة في الأغلب ، وفي ارتقاب المسافر ومراعاته أن لا يكون نزوله إلا في الوقت الذي عدّه أبو حنيفة مشقة وضيقا لا سعة [16] .
وقال ابن قدامة : الجمع رخصة ، فلو كان على ما ذكروه لكان أشد ضيقا وأعظم حرجا من الإتيان بكل صلاة في وقتها ؛ لأن الإتيان بكل صلاة في وقتها أوسع من مراعاة طرفي الوقتين بحيث لا يبقى من وقت الأولى إلا قدر فعلها ، ومن تدبر هذا وجده كما وصفنا ، ولو كان الجمع هكذا لجاز الجمع بين العصر والمغرب والعشاء والصبح ، ولا خلاف بين الأمة في تحريم ذلك [17] .
وقال ابن حجر : الأخبار جاءت صريحة بالجمع في وقت إحدى الصلاتين ، وهو المتبادر إلى الفهم من لفظ الجمع ، ومما يَرُدّ الحمل على الجمع الصوري جمع التقديم [18] .

وأُجيب عن القول الثالث - أن الجمع يختص بمن جـدّ به السير - بما جاء في حديث معاذ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر ، وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر حتى ينزل للعصر ، وفي المغرب مثل ذلك ؛ إن غابت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين المغرب والعشاء ، وإذا ارتحل قبل أن تغيب الشمس أخّـر المغرب حتى ينـزل للعِشاء ثم جمع بينهما [19] .
قال ابن قدامة : وفي هذا الحديث أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الردّ على من قال : لا يجمع بين الصلاتين إلا إذا جدّ به السير ، لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه ، يخرج فيصلي الصلاتين جميعا ثم ينصرف إلى خبائه [20] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ظاهر حديث معاذ أنه كان نازلا في خيمة في السفر ، وأنه أخّر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ، ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا ، فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنـزل ، وأما السائر فلا يقال دخل وخرج بل نزل وركب [21]
وذكر ابن عبد البر حديث ابن عمر : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عَجِل به السير يجمع بين المغرب والعشاء .
ثم قال : ليس في حديث ابن عمر هذا ما يدل على أن المسافر لا يجوز له الجمع بين الصلاتين إلا أن يَجِـدّ به السير بدليل حديث معاذ بن جبل ؛ لأن فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين في سفره إلى تبوك نازلا غير سائر .
وليس في أحد الحديثين ما يعارض الآخر ، وإنما التعارض لو كان في حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يجمع بين الصلاتين إلا أن يجدّ به السير فحينئذ كان يكون التعارض لحديث معاذ [22] .
قال العراقي : وَحَكَى أَبُو الْعَبَّاسِ الْقُرْطُبِيُّ عَدَمَ اشْتِرَاطِ الْجَـدِّ فِي السَّفَرِ عَنْ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَعُلَمَاءِ الْحِجَازِ وَفُقَهَاءِ الْمُحَدِّثِينَ وَأَهْلِ الظَّاهِرِ [23] .
وقال الشوكاني :
في الحديث دليل على جواز جمع التأخير في السفر سواء كان السير مُجِـدّاً أم لا [24] .
وبمثل هذا أُجيب عن القول الرابع ، في أن الجمع في السفر يختص بمن له عذر .
كما أُجيب عن القول الخامس في أنه يجوز جمع التأخير دون التقديم ، بأحاديث الباب التي فيها جمع التقديم والتأخير دون تفريق ، وبأن هذا القول تحكّم بلا دليل .

المسألة الثالثـة :
متى يجوز الجمـع للمسافر ؟

يجوز للمسافر الترخّص برخص السّفر إذا فارق عامِر قريته .
فعن أنس رضي الله عنه قال : صليت الظهر مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين [25] .
وروى عبد الرزاق من طريق علي بن ربيعة الأسدي قال : خرجنا مع علي رضي الله عنه ونحن ننظر إلى الكوفة ، فصلى ركعتين ، ثم رجع فصلى ركعتين وهو ينظر إلى القرية ، فقلنا له : ألا تصلي أربعا ؟ قال : حتى ندخلها [26] .
وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقصر الصلاة حين يخرج من بيوت المدينة ، ويقصر إذا رجع حتى يدخل بيوتها [27] .
قال الإمام مالك : لا يَقصر الصلاة الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية ، ولا يتم حتى يدخلها أو يقاربها [28] .
قال ابن عبد البر رحمه الله : وهو مذهب جماعة العلماء إلا من شـذّ .
وقال : فإذا تأهّب المسافر وخرج من حَضَرِه عازما على سفره فهو مسافر ، ومن كان مسافرا فله أن يُفطر ويقصر الصلاة إن شاء . اهـ [29] .
والمسافر " لا يكون ضاربا في الأرض حتى يخرج " [30] .

المسألة الرابعة :
هل يُشترط للجمع نِـيّـة عند افتتاح الأولى ؟

لا يُشترط للجمع نِيّـة عند افتتاح الأولى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : اختلفوا في الجمع والقصر هل يشترط له نية ؟ فالجمهور لا يشترطون النية كمالك وأبى حنيفة ، وهو أحد القولين في مذهب أحمد ، وهو مقتضى نصوصه ، والثاني تشترط كقول الشافعي وكثير من أصحاب أحمد كالخرقى وغيره ، والأول أظهر ، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه [31] .
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يُصلي جمعا ولم يُنقل عنه أنه أمر أصحابه أو أرشدهم إلى ذلك .

المسألة الخامسة :
هل يترخّص المسافر سَفَرَ معصية برخص السفر ؟

لا تباح هذه الرخص في سفر المعصية كالإباق وقطع الطريق والتجارة في الخمر والمحرمات نص عليه أحمد ، وهذا قول الشافعي [32] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد تنازع المتأخرون فيمن سافر لزيارة قبر نبي ، أو نحو ذلك من المشاهد ، والمحققون منهم قالوا : إن هذا سفر معصية ولا يقصر الصلاة فيه ، كما لا يقصر في سفر المعصية ، كما ذكر ذلك ابن عقيل وغيره [33] .
وقالوا مثل ذلك في الأكل من الميتة عند الاضطرار ؛ لأن الله لما ذكر تحريم الميتة قال : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) قالوا : والعاصي باغ أو عادٍ ولا يُباح له ذلك [34] .
بل قالوا مثل ذلك في عموم رُخص السفر ، حتى في النافلة في السفر على الراحلة .
قال النووي :
شرط جواز التنفل في السفر ماشيا وراكبا أن لا يكون سفر معصية ، وكذا جميع رخص السفر شرطها أن لا يكون سفر معصية [35] .
وقال في موضع آخر :
مذهبنا جواز القصر في كل سفر ليس معصية سواء الواجب والطاعة والمباح كسفر التجارة ونحوها ، ولا يجوز في سفر معصية ، وبهذا قال مالك وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم [36] .
وقال أيضا :
ولا يجوز الجمع في سفر معصية [37] .
وقال ابن عبد البر :
قال مالك : ومن سافر في معصية لم يَجُـز له أن يقصر .
وقال الشافعي : إن سافر في معصية لم يقصر ، ولم يمسح مسح المسافر . وهو قول الطبري [38] .

وقال شيخنا الشيخ ابن عثيمين :
مسألة :
رجل سافر لأجل أن يترخّص ، فهل يترخّص ؟

الجواب :
لا ؛ لأن السفر حرام حينئذ ؛ ولأنه يُعاقب بنقيض قصده ، فكلّ من أراد التحايل على إسقاط الواجب أو فعل المحرّم عُوقب بنقيض قصده [39] .

المسألة السادسة :
الجمع بين صلاتي العَشِيّ وبين صلاتي العِشائين في وقت إحداهما للمسافر النازل .

فائدة : في حديث أبي هريرة المتفق عليه [40] : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العَشي .
قال القاضي عياض : قوله : " إحدى صلاتيّ العشيّ " يريد الظهر والعصر ، وكانوا يُصلون الظهر بعَشيّ ، والعَشيّ ما بعد زوال الشمس إلى غروبها . قال الباجي : إذا فاء الفـئ ذراعا فهو أول العشيّ [41] .
ومنه قوله سبحانه وتعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ ) .
مذهب مالك وأحمد في إحدى الروايتين أنه لا يجمع المسافر إذا كان نازلا ، وإنما يجمع إذا كان سائرا ، بل عند مالك إذا جـدّ به السير ، ومذهب الشافعي وأحمد في الرواية الأخرى أنه يجمع المسافر وإن كان نازلا [42] .
قال الإمام العراقي : زَادَ حَدِيثُ مُعَاذٍ عَلَى ذَلِكَ بِبَيَانِ الْجَمْعِ فِي زَمَنِ الإِقَامَةِ الَّتِي لا تَقْطَعُ اسْمَ السَّفَرِ فَوَجَبَ الأَخْذُ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ [43] .
فالمسافر النازل في البلد لا تجب عليه الجماعة ، بدليل ما رواه الإمام أحمد عن موسى بن سلمة قال : كنا مع ابن عباس بمكة فقلت : إنا إذا كنا معكم صلينا أربعا ، وإذا رجعنا إلى رحالنا صلينا ركعتين . قال : تلك سُـنة أبى القاسم صلى الله عليه وسلم [44] .
ورواه مسلم [45] عنه قال : سألت ابن عباس كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإمام ؟ فقال : ركعتين سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم .
ومما استدلوا به قوله صلى الله عليه وسلم : إذا مرض العبد أو سافر كُتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً [46] .
قال ابن حجر : ففضل الجماعة حاصل للمعذور – ثم ذَكَرَ الحديث – [47] .
ولا تجب الجمعة على المسافر .
قال ابن قدامة : وأما المسافر فأكثر أهل العلم يرون أنه لا جمعة عليه ، قاله مالك في أهل المدينة ، والثوري في أهل العراق ، والشافعي وإسحاق وأبو ثور ، وروي ذلك عن عطاء وعمر بن عبد العزيز والحسن والشعبي [48] .
وقال أيضا : وإن أحبّ أن يجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما جاز نازلاً كان أو سائرا أو مقيما في بلدٍ إقامة لا تمنع القصر ، وهذا قول عطاء وجمهور علماء المدينة والشافعي وإسحاق وابن المنذر [49] .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وقد دل الكتاب والسنة على أن المواقيت خمسة في حال الاختيار ، وهي ثلاثة في حال العذر ؛ ففي حال العذر إذا جمع بين الصلاتين بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء فإنما صلى الصلاة في وقتها ، لم يُصلِّ واحدة بعد وقتها ، ولهذا لم يَجِب عليه عند أكثر العلماء أن ينوي الجمع ، ولا ينوي القصر وهذا قول مالك وأبي حنيفة وأحمد في نصوصه المعروفة وهو اختيار أبي بكر عبد العزيز [50] .

وقد دلّت هذه الأحاديث على جواز تقديم صلاة العصر إلى وقت الظهر للمسافر ، وعلى جواز تأخير الظهر إلى العصر .
وعلى أن السنة تقديم الصلاتين في وقت الأولى لمن أدركه وقت الأولى ؛ لأنه أبـرأ للذمة .
وعلى أن للمسافر اختيار الأرفق به ، فإذا سار قبل الزوال فله أن يؤخّر صلاة الظهر إلى وقت صلاة العصر ، فيُصليهما في وقت العصر عند نزوله ، وهذا من يُسر الشريعة .

وعلى أن عموم التقديم والتأخير يجري في العِشائين أيضا ، فقد روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أعجله السير في السفر يؤخر صلاة المغرب حتى يجمع بينها وبين صلاة العشاء [51] .

وتقدّمت الإشارة إلى رواية مسلم لحديث أنس ، وفيها : إذا عَجِل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر فيجمع بينهما ، ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق .


تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 19-12-2009, 10:11 PM
المشاركة 27

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
المسألة السابعة :
لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها إلا بِنيّة
، فإذا أراد المسافر تأخير صلاة الظهر ليجمعها إلى العصر فلا بُـدّ من أن ينوي تأخير الظهر ، ومثله تأخير المغرب .
قال ابن قدامة : فموضع النية في وقت الأولى من أوله إلى أن يبقى منه قدر ما يصليها ؛ لأنه متى أخّرها عن ذلك بغير نية صارت قضاء لا جمعاً [52] .

المسألة الثامنة :
الجمع في وقت الأولى يجعل الوقت بعدهما للثانية
، فمن جمع الظهر والعصر في وقت الظهر ، فإن ما بعد صلاة العصر يكون وقت نهي ، ومن جمع المغرب والعشاء في وقت المغرب فله أن يُصلي الوتر

قال ابن قدامة : وإذا جمع في وقت الأولى فله أن يصلي سنة ثانية منهما ، ويوتر قبل دخول وقت الثانية ؛ لأن سنتها تابعة لها فيتبعها في فعلها ووقتها ، والوتر وقته ما بين صلاة العشاء إلى صلاة الصبح ، وقد صلى العشاء فدخل وقته [53] .
وقال أيضا : والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة ، فمن لم يُصلِّ أبيح له التنفّل وإن صلى غيره ، ومن صلى العصر فليس له التنفل ، وإن لم يصل أحد سواه ، لا نعلم في هذا خلافا عند من يمنع الصلاة بعد العصر [54] .

المبحث الثاني : جمع المقيم


فيه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء [55] .
وفي رواية لمسلم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعا بالمدينة في غير خوف ولا سفر . قال أبو الزبير : فسألت سعيدا : لِـمَ فَعَلَ ذلك ؟ فقال : سألتُ ابن عباس كما سألتني ، فقال : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته .
وفي رواية له قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر .

أولاً : من مباحث الحديث الفقهية

أولاً : حديث ابن عباس رضي الله عنهما أصل في جمع المقيم .
وقد ذهب جماعة من الأئمة إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث فجوّزوا الجمع في الحضر للحاجة مطلقا لكن بشرط أن لا يُتخذ ذلك عادة ، وممن قال به : ابن سيرين وربيعة وأشهب وبن المنذر والقفال الكبير ، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث [56] .
ومنطوق حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء في المدينة من غير عُـذر .
ومفهومه أن الخوف والمطر والسفر أعذار تُبيح الجمع .

ثانياً : لا يصح في سبب الجمع سوى ما قاله فيه راويه : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته .
والقاعدة أن الراوي أدرى بمرويِّـه .
" وليس لأحد أن يتأوّل في الحديث ما ليس فيه " [57] .
وقال النووي: ويؤيده ظاهر قول ابن عباس: أراد أن لا يحرج أمته ، فلم يُعلله بمرض ولا غيره [58]
وفي رواية البخاري [59] : فقال أيوب : لعله في ليلة مطيرة ؟ قال : عسى .
قال ابن حجر : واحتمال المطر قال به أيضا مالك عقب إخراجه لهذا الحديث .
ثم قال الحافظ : لكن رواه مسلم وأصحاب السنن من طريق حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير بلفظ من غير خوف ولا مطر ، فانتفى أن يكون الجمع المذكور للخوف أو السفر أو المطر ، وجوّز بعض العلماء أن يكون الجمع المذكور للمرض ، وقوّاه النووي ، وفيه نظر ؛ لأنه لو كان جَمْعُه صلى الله عليه وسلم بين الصلاتين لعارض المرض لما صلى معه إلا من به نحو ذلك العذر ، والظاهر أنه صلى الله عليه وسلم جَمَعَ بأصحابه ، وقد صرح بذلك ابن عباس في روايته . قال النووي : ومنهم من تأوّله على أنه كان في غيم فصلى الظهر ثم انكشف الغيم مثلا فَبَانَ أن وقت العصر دخل فصلاها . قال : وهو باطل ؛ لأنه وإن كان فيه أدنى احتمال في الظهر والعصر ، فلا احتمال فيه في المغرب والعشاء [60] .

ثالثاً : حَمَل بعض العلماء الحديث على الجمع الصوري ، وهو مردود بقول راويه : أراد أن لا يحرج أحدا من أمته .
قال ابن حجر : وإرادة نفى الحرج يقدح في حمله على الجمع الصوري ؛ لأن القصد إليه لا يخلو عن حرج [61] .

رابعاً : جواز الجمع إذا وُجد العُذر المبيح له .
فالمرض عُذر ، ومتى وُجِدت المشقة جاز للمريض الجمع .
قال ابن المنذر : اختلف أهل العلم في جمع المريض بين الصلاتين في الحضر والسفر ، فأباحت طائفة للمريض أن يجمع بين الصلاتين ، وممن رخص في ذلك عطاء بن أبي رباح .
وقال مالك في المريض : إذا كان أرفق به أن يجمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر إلا أن يخاف أن يغلب على عقله فيجمع قبل ذلك بعد الزوال ، ويجمع بين المغرب والعشاء عند غيبوبة الشفق إلا أن يخاف أن يغلب على عقله فيجمع قبل ذلك ، وإنما ذلك لصاحب البطن وما أشبهه من المرضى ، أو صاحب العلة الشديدة يكون هذا أرفق به [62] .
وقال الليث : يجمع المريض والمبطون ، وقال أبو حنيفة : يجمع المريض بين الصلاتين كجمع المسافر ، وقال أحمد وإسحاق : يجمع المريض بين الصلاتين [63] .
وقال الترمذي : ورخّص بعض أهل العلم من التابعين في الجمع بين الصلاتين للمريض ، وبه يقول أحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم يجمع بين الصلاتين في المطر ، وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق ، ولم يَرَ الشافعي للمريض أن يجمع بين الصلاتين [64] .
" والمرض المبيح للجمع هو ما يلحقه به بتأدية كل صلاة في وقتها مشقة وضعف . قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : المريض يجمع بين الصلاتين ؟ فقال : إني لأرجو له ذلك إذا ضعف ، وكان لا يقدر إلا على ذلك . وكذلك يجوز الجمع للمستحاضة ولمن به سلس البول ومن في معناهما " [65] .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : فالأحاديث كلها تدل على أنه جمع في الوقت الواحد لرفع الحرج عن أمته ، فيُباح الجمع إذا كان في تركه حرج قد رفعه الله عن الأمة ، وذلك يدل على الجمع للمرض الذي يحرج صاحبه بتفريق الصلاة بطريق الأولى والأحرى ، ويجمع من لا يُمكنه إكمال الطهارة في الوقتين إلا بِحَرج كالمستحاضة وأمثال ذلك من الصور [66]
وقال : الذي يجمع للسفر هل يباح له الجمع مطلقا أو لا يباح إلا إذا كان مسافرا ؟
فيه روايتان عن أحمد مقيما أو مسافرا ، ولهذا نص أحمد على أنه يجمع إذا كان له شغل . قال القاضى أبو يعلى : كل عذر يبيح ترك الجمعة والجماعة يبيح الجمع ، ولهذا يجمع للمطر والوحل وللريح الشديدة الباردة في ظاهر مذهب الإمام أحمد ، ويجمع المريض والمستحاضة والمرضع [67] .

والمطر والبرد الشديد والريح الشديدة والوَحَل كلها أعذار مُبيحة للجمع .
فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن صلاة الجمع في المطر بين العشائين ، هل يجوز من البرد الشديد ؟ أو الريح الشديدة ؟ أم لا يجوز إلا من المطر خاصة ؟
فأجاب : الحمد لله رب العالمين . يجوز الجمع بين العشائين للمطر والريح الشديدة الباردة والوحل الشديد ، وهذا أصح قولي العلماء ، وهو ظاهر مذهب أحمد ومالك وغيرهما ، والله أعلم [68] .

وقال ابن الملقِّن : اختلف العلماء في جواز الجمع بعذر المطر ، فجوّزه الشافعي والجمهور في الصلوات التي يجوز الجمع فيها ، وخصّه مالك بالمغرب والعشاء فقط [69] .
ومن العلماء من قيّد المطر بالشديد الذي يبلّ الثياب وتقع المشقة بسببه .
قال ابن قدامة : والمطر المبيح للجمع هو ما يبل الثياب وتلحق المشقة بالخروج فيه ، وأما الطلّ والمطر الخفيف الذي لا يَبُلّ الثياب فلا يبيح ، والثلج كالمطر في ذلك ؛ لأنه في معناه وكذلك البَرَد .
فأما الوَحْل بمجرّده ، فقال القاضي : قال أصحابنا : هو عذر ؛ لأن المشقة تلحق بذلك في النعال والثياب كما تلحق بالمطر ، وهو قول مالك .
وذكر أبو الخطاب فيه وجها ثانيا أنه لا يبيح ، وهو مذهب الشافعي وأبو ثور ؛ لأن مشقته دون مشقة المطر ، فإن المطر يبل النعال والثياب ، والوحل لا يبلها ، فلم يصح قياسه عليه ، والأول أصحّ لأن الوحل يلوث الثياب والنعال ويتعرض الإنسان للزّلق ، فيتأذى نفسه وثيابه ، وذلك أعظم من البلل ، وقد ساوى المطر في العذر في ترك الجمعة والجماعة فَدَلّ على تساويهما في المشقة المرعية في الحكم .
فأما الريح الشديدة في الليلة المظلمة الباردة ففيها وجهان : أحدهما يبيح الجمع . قال الآمدي : وهو أصح ، وهو قول عمر بن عبد العزيز ؛ لأن ذلك عذر في الجمعة والجماعة [70] .

خامساً : هل يجمع بين الظهر والعصر لأجل هذه الأعذار ؟
ذهب بعض أهل العلم إلى منع الجمع بين الظهر والعصر في المطر
قال ابن قدامة : فأما الجمع بين الظهر والعصر فغير جائز [71] .
وهذا خلاف المقصد من الجمع ، فإنه متى ما وُجِدت المشقة جاز الجمع ، كما تقدّم .
قال الإمام الشافعي : أرأيتم إن قال لكم قائل : بل نجمع بين الظهر والعصر في المطر ، ولا نجمع بين المغرب والعشاء في المطر . هل الحجة عليه ؟ إلا أن الحديث إذا كانت فيه الحجة لم يَجز أن يؤخذ ببعضه دون بعض ، فكذلك هي على من قال : يجمع بين المغرب والعشاء ، ولا يجمع بين الظهر والعصر ، وقلما نجد لكم قولا يصح ، والله المستعان . أرأيتم إذا رويتم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فاحتججتم على من خالفكم بهذا الحديث في الجمع بين المغرب والعشاء ، هل تَعدون أن يكون لكم بهذا حجة ؟ فإن كانت لكم به حجة فعليكم فيه حجة في ترككم الجمع بين الظهر والعصر ، وإن لم تكن لكم بهذا حجة على من خالفكم فلا تجمعوا بين ظهر ولا عصر ، ولا مغرب ولا عشاء ، لا يجوز غير هذا وأنتم خارجون من الحديث [72]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : يجوز الجمع بين صلاة المغرب والعشاء ، وبين الظهر والعصر عند كثير من العلماء للسفر والمرض ونحو ذلك من الأعذار [73] .
وحديث الباب حجة لمن قال بالجمع في الحضر عند وجود العُذر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك توسعة لأمته ، ورَفْعُ الحرج من قواعد الشريعة .
وقال الأُبّـي : وبالجمع للمطر قال مالك والشافعي وجمهور السلف ، وأباه الحنفية وأهل الظاهر والليث إلا أن مالكاً قَصَر الجمع للمطر في المعروف عنه على المغرب والعشاء ، وعمّمه الشافعي فيهما وفي الظهر والعصر ، وهو ظاهر ما لِمالِك في الموطأ ، وألحق مالك بالمطر اجتماع الطين والظّلمة ، وجاء عنه ذِكر الطين مُفرَدا [74] .

فائدة :
في قول ابن عباس رضي الله عنهما : أراد أن لا يحرج أمته .
قال ابن سيد الناس : قد اختُلف في تقييده ، فرُوي بالياء المضمومة آخر الحروف ، وأمتَه منصوب على أنه مفعوله ، ورُوى تحرج بالتاء ثالثة الحروف مفتوحة ، وضم أمتُه على أنها فاعلة ، ومعناه إنما فعل تلك لئلا يشق عليهم ويثقل ، فقصد إلى التخفيف عنهم [75] .
وفائدة أخرى :
قوله : " صلى بالمدينة سبعا وثمانيا الظهر والعصر والمغرب والعشاء " فيه تقديم وتأخير .
فإن السبع هي صلاتي المغرب والعشاء .
والثَّمان هي صلاتي الظهر والعصر .
وهذا يجوز لغة ، قال الله تبارك وتعالى : ( يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) [76] .
فقدّم وأخّــر .

والله تعالى أعلى وأعلم .

الخاتمـة
الحمد لله الذي هدى ويسّر
وبعد :
فهذه جولة في بعض دواوين العِلم وبعض مصنفات أئمة الإسلام ، وما مثلي أمام هذه الكُتب إلا كما قال أبو عمرو بن العلاء : ما نحن فيمن مضى إلا كبقل في أصول نخل طوال [77] .
وحسبنا أن نقتبس من نورهم ، وأن نأخذ بآثارهم ، فنعرف لهم قدرهم ، ونُنـزلهم منازلهم
فلا نُقدّس أقوالهم ، ولا نطّرحها ، بل ما وافق الكتاب والسنة أخذنا به ، وما خالفهما تركناه ، نزولا عند رغباتهم في ذلك ، وتحقيقاً لما أمروا به " إذا رأيتم كلامي يخالف كلام رسول الله فاعملوا بكلام رسول الله واضربوا بكلامي الحائط " [78] .
ومن هنا كان هذا البحث عبارة عن استنطاق كتب أئمة الإسلام .
ويسّر الله بحث مسألتين :
الأولى : الجمع بين الصلاتين للمسافر .
والثانية : جـمـع المقيم .
وقد جمعت فيه شتات مسائل متفرّقة ، ولا أزعم أني جمعت كل ما قيل في هذه المسائل .
وأسأل الله أن ينفع به كاتبه وقارئه .

والله أعلم .

كتبه
عبد الرحمن بن عبد الله السحيم
الرياض – محرّم 1425 هـ
المراجع
الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار تأليف الإمام ابن عبد البر النَّمَري . ط . دار قتيبة ودار الوعي . الأولى 1414
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام . تأليف الإمام عمر بن علي ( ابن الملقِّن ) . ط . دار العاصمة . الأولى 1417
إكمال إكمال المعلِم . تأليف الإمام محمد بن خليفة الأُبّي . ط . دار الكتب العلمية . الأولى 1415
الأم . تأليف الإمام محمد بن إدريس الشافعي . ط . دار المعرفة . الثانية 1393
الأوسط . تأليف الإمام محمد بن إبراهيم بن المنذر . ط . دار طيبة . الأولى 1985 م
تاريخ مدينة دمشق . تأليف الإمام علي بن الحسن بن هبة الله ( ابن عساكر ) . ط . دار الفكر 1995 م
تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي , تأليف الإمام محمد بن عبد الرحمن المباركفوري . ط . المكتبة التجارية 1415
تفسير القرآن العظيم . تأليف الإمام إسماعيل بن كثير القرشي . ط . دار المعارف . الثانية 1408
جامع البيان عن تأويل آي القرآن . تأليف الإمام محمد بن جرير الطبري . ط . دار هجر . الأولى 1422
جامع الترمذي . تأليف الإمام محمد بن عيسى الترمذي . ط . دار الكتب العلمية .
الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وأيامه . تأليف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري . ط . دار ابن كثير ودار اليمامة . الثالثة 1407
الدر المنثور في التفسير بالمأثور . تأليف الإمام جلال الدين السيوطي . ط . دار هجر . الأولى 1424
سنن ابن ماجه . تأليف : الإمام محمد بن يزيد القزويني ( ابن ماجه ) . ط . دار المعرفة . الأولى 1416
سنن أبي داود . تأليف : الإمام سليمان بن الأشعث السجستاني . ط . المكتبة العصرية .
الشرح الممتع شرح زاد المستقنع . تأليف الشيخ محمد بن صالح العثيمين . ط . مؤسسة آسام . الثانية 1414
صحيح مسلم . تأليف الإمام مسلم بن الحجاج القشيري . ط . دار الحديث . الأولى 1412
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم . تأليف الشيخ محمد ناصر الدين الألباني . ط . مكتبة المعارف . الثانية 1417
طرح التثريب في شرح التقريب . تأليف الإمام العراقي وابنه . ط . مكتبة نزار الباز . الثانية 1420
فتح الباري بشرح صحيح البخاري . تأليف الحافظ أحمد بن علي العسقلاني . ط . بتحقيق الشيخ / عبد القادر شيبة الحمد
قواعد التحديث . تأليف الشيخ جمال الدين القاسمي . ط . دار النفائس . الأولى 1407
المجموع شرح المهذب . تأليف الإمام محيي الدين بن شرف النووي . ط . دار إحياء التراث العربي . الأولى 1422

----------------------
[1] ( 0 1 / 374 ) ح ( 1059 ، 1060 )
[2] ( 1 / 489 ) ح ( 704 ) ، والروايات الثانية في الموضع نفسه .
[3] رواه الإمام أحمد ( 36 / 413 ) وأبو داود ( 2 / 5 ) والترمذي ( 2 / 438 ) .
[4] جامع الترمذي ( 2 / 440 ) .
[5] ( 4 / 1784 ) .
[6] المسند ( 3 / 367 ) وقال محققوه : حديث صحيح ..
[7] وقد أطال ابن عبد البر في الاستذكار ( 6 / 81 – 91 ) في ذكر مذاهب العلماء في المسافة التي تُعتبر سفرا ، ومنشأ هذا الخلاف عدم ورود التحديد في النصوص .
[8] مجموع الفتاوى ( 24 / 34 ) باختصار .
[9] يعني خَلْف النبي صلى الله عليه وسلم .
[10] رواه البخاري ( ح 1040 ) ومسلم ( ح 685 ) .
[11] مجموع الفتاوى ( 24 / 12 ، 13 ) .
[12] يُنظر لذلك : معالم السنن للخطابي ( 1 / 227 ) طرح التثريب للعراقي ( 3 / 750 ، 751 ) ونيل الأوطار للشوكاني ( 3 / 242 ) .
[13] ( 1 / 478 ح 686 ) .
[14] يعني الزائدة .
[15] معالم السنن للخطابي ( 1 / 228 ، 229 ) .
[16] الاستذكار ( 6 / 20 ) .
[17] المغني ( 3 / 129 ) .
[18] فتح الباري ( 2 / 676 ) باختصار .
[19] سبق تخريجه .
[20] المغني ( 3 / 131 ) .
[21] مجموع الفتاوى ( 24 / 64 ) .
[22] الاستذكار ( 6 / 15 ) .
[23] طرح التثريب ، مرجع سابق ( 3 / 752 ) .
[24] نيل الأوطار ، مرجع سابق ( 3 / 242 ).
[25] رواه البخاري ( 1 / 369 ح 1039 ) ومسلم ( 1 / 480 ح 690 ) .
[26] المصنف ( 2 / 530 ) ، وجعله الإمام البخاري عنوان باب ( 1 / 369 ) .
[27] المرجع السابق ، الموضع نفسه .
[28] الاستذكار ( 6 / 78 ) .
[29] المرجع السابق ، وهذه الآثار وإن كانت في القصر دون الجمع إلا أنها عامة في رُخَص السّـفر .
[30] المغني ( 3 / 111 ) .
[31] مجموع الفتاوى ( 24 / 16 ) .
[32] المغني ( 3 / 115 ) .
[33] مجموع الفتاوى ( 27 / 139 ) .
[34] قال سعيد بن جبير : العادي الذي يقطع الطريق لا رخصة له . وقال مجاهد : فمن اضطر غير باغ ولا عاد قاطعا للسبيل أو مفارقا للأئمة أو خارجا في معصية الله فله الرخصة ، ومن خرج باغيا أو عاديا أو في معصية الله فلا رخصة له وإن اضطر إليه . يُنظر لذلك : جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري ( 3 / 59 ، 60 ) ، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ( 1 / 211 ) والدر المنثور للسيوطي ( 2 / 133 ) .
[35] المجموع شرح المهذّب ( 3 / 154 )
[36] المرجع السابق ( 4 / 158 ) .
[37] المرجع السابق ( 4 / 175 ) .
[38] الاستذكار ( 6 / 55 ، 56 ) .
[39] الشرح الممتع ( 4 / 515 ) .
[40] البخاري ( ح 468 ) ومسلم ( ح 573 ) .
[41] مشارق الأنوار ( 2 / 103 ) .
[42] مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ( 24 / 22 ) .
[43] طرح التثريب ( 3/750 ) .
[44] المسند ( 3 / 357 ) وقال محققوه : إسناده حسن .
[45] ( 1 / 479 ) .
[46] رواه البخاري ( 3 / 1092 ح 2834 ) من حديث أبي موسى رضي الله عنه .
[47] فتح الباري (2/ 160) .
[48] المغني ( 3 / 216 ) وهو ما رجحه ابن قدامة .
[49] المغني ( 3 / 130 ) .
[50] مجموع الفتاوى ( 21 / 434 ) .
[51] البخاري ( ح 1041 ) ومسلم ( ح 703 ) .
[52] المغني ( 3 / 138 ) .
[53] المرجع السابق ( 3 / 140 ) وقوله : " فله أن يصلي سنة ثانية منهما " لا يُفهم منه الصلاة بعد العصر إذ هو وقت نهي ، كما أن السنة للمسافر أن لا يُصلي السنن الرواتب عدا راتبة الفجر ، لما رواه البخاري ( ح 1050 ) ومسلم ( ح 689 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : صحبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أره يسبح في السفر . يعني به السنة الراتبة ؛ لأن ابن عمر نفسه روى صلاة النبي صلى الله عليه وسلم النافلة في السفر على الراحلة ( البخاري ح 955 ) و ( مسلم ح 700 ) ويُستثنى من ذلك راتبة الفجر ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتركها في سفر ولا في حضر . روى البخاري ( ح 1106 ) عن عائشة رضي الله عنها قالت : صلى النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ، ثم صلى ثماني ركعات ، وركعتين جالسا ، وركعتين بين النداءين ، ولم يكن يدعهما أبدا .
[54] المغني ( 2 / 525 ) .
[55] رواه البخاري ( 3 / 201 ح 522 ) ومسلم ( 1 / 491 ح 705 ) والرواية الآتية عنده ( 1 / 490 ) .
[56] فتح الباري ( 2/24 ) .
[57] من كلام الإمام الشافعي في الأم ( 7 / 205 ) وكان قال قبله : وإنما ذهب الناس في هذا مذاهب، فمنهم من قال : جمع بالمدينة توسعة على أمته لئلا يُحرج منهم أحد إن جَمَع بحال .
[58] شرح مسلم ( 5/219 ) .
[59] تقدّم تخريجها .
[60] فتح الباري ( 2 / 30 ) .
[61] المرجع السابق ( 2 / 31 ) يعني قَصْد الجمع الصوري لا يخلو من حرج .
[62] الأوسط ( 2 / 434 ) ، والاستذكار لابن عبد البر ( 6 / 36 ، 37 ) .
[63] الاستذكار ( 6 / 37 ) .
[64] الجامع ( 1 / 357 ) .
[65] المغني ، مرجع سابق ( 3 / 136 ) .
[66] مجموع الفتاوى ( 24 / 84 ) .
[67] ( 24 / 14 ) .
[68] مجموع الفتاوى ( 24 / 29 ) .
[69] الإعلام بفوائد عمدة الأحكام ( 4 / 80 ) .
[70] المغني ( 3 / 134 ) .
[71] المرجع السابق ( 3 / 132 ) .
[72] الأم ( 7 / 205 ) .
[73] مجموع الفتاوى ( 22 / 31 ) .
[74] إكمال إكمال المعلم ( 3 / 30 ) .
[75] تحفة الأحوذي للمباركفوري ( 1/492 ، 493 ) .
[76] آل عمران ( 106 ، 107 ) .
[77] نقلا عن : موضِّح أوهام الجمع والتفريق ( 1/13 ) وتاريخ دمشق لابن عساكر ( 67 / 113 ) .
[78] سير أعلام النبلاء ( 10/35 ) وقواعد التحديث للقاسمي ( ص 52 ) وقد جمع الألباني أقوال الأئمة في ذلك في مقدمة كتابه صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ( ص 45 – 55 ) .

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 19-12-2009, 10:17 PM
المشاركة 28

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
الصلاة في أوقات النهي

تحرير محلّ النِّـزاع :
قال ابن الملقّن : أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في أوقات النهي ، واتفقوا على جواز الفرائض المؤدّاة فيها .
واختلفوا في النوافل التي لها سبب كالعيد والجنازة وقضاء الفوائت
(1) .

وقال الشوكاني : وقد اختلف أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الفجر ، فذهب الجمهور إلى أنها مكروهة وادعى النووي الاتفاق على ذلك ، وتعقبه الحافظ بأنه قد حُكي عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا ، وأن أحاديث النهي منسوخة . قال : وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر ، وبذلك جزم ابن حزم
(2) .

وتعقب الحافظ للنووي مُتعقّب :
لأن الإمام النووي لا يرى الاعتداد بخلاف أهل الظاهر ، فإنه قال في المجموع
(3) في مناقشة مسألة أخرى : فكأنهم لم يعتدوا بخلاف داود ، وقد سبق أن الأصح أنه لا يُعتد بخلافه ، ولا خلاف غيره من أهل الظاهر لأنهم نفوا القياس ، وشرط المجتهد أن يكون عارفا بالقياس .

ثم إن هذا الاتفاق نقله غير واحد ، فقد نقله ابن عبد البر فقال : ولا خلاف بين المسلمين أن صلاة التطوع كلها غير جائز أن يُصلى شيء منها عند طلوع الشمس ولا عند غروبها ، وإنما اختلفوا في الصلوات المكتوبات والمفروضات على الكفاية والمسنونات
(4) .
وقال العراقي : وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ
(5) . ثم ذكَرَ قول ابن عبد البر وقول النووي .

أوقات النهي :
يُمكن تقسيم أوقات النهي عن الصلاة إلى خمسة أوقات :

1 - بعد العصر إلى أن تصفرّ الشمس .
2 – بعد الفجر إلى أن تطلع الشمس .
3 – قُبيل صلاة الظهر إلى أن تزول الشمس ( بمقدار عشر دقائق تقريباً قبل الأذان ) .
4 – من اصفرار الشمس إلى الغروب .
5 – من طلوع الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح ( بمقدار عشر دقائق تقريباً ) .
هذه الأوقات لا يجوز أن التطوّع فيها ابتداءً .

ويُمكن تقسيم هذه الأوقات الخمسة إلى أوقات موسّعة ، وهي ما بعد صلاة الفجر وما بعد صلاة العصر ، وإلى أوقات مُضيَّقة ، وهي عند طلوع الشمس وعند غروبها وعند الزوال .

والذي يظهر أن ذوات الأسباب تُصلى في الأوقات الموسَّعة دون المضيَّقة .


وذلك للدليل والتعليل :

أما الدليل فهو قوله عليه الصلاة والسلام : إذا طلع حاجب الشمس فأخِّروا الصلاة حتى ترتفع ، وإذا غاب حاجب الشمس فأخِّروا الصلاة حتى تغيب . رواه البخاري ومسلم .
وحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب . رواه مسلم .
وحديث عمرو بن عبسة السلمي رضي الله عنه ، وهو في صحيح مسلم ، وستأتي الإشارة إليه .

وحديث ابن عمر مرفوعا : " لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ، فإنها تطلع بقرني شيطان "
وفي رواية : " لا تحينوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ، فإنها تطلع بين قرني شيطان " رواه البخاري ومسلم .
قال العراقي في شرح الحديث :
اقْتَصَرَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى حَالَتَيْ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا ، وَدَلَّ غَيْرُهُ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ مُسْتَمِرٌّ بَعْدَ الطُّلُوعِ حَتَّى تَرْتَفِعَ ، وَأَنَّ النَّهْيَ يَتَوَجَّهُ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ حِينِ تَضَيُّفِ الشَّمْسِ أَيْ مَيْلِهَا ، وَهِيَ حَالَةُ صُفْرَتِهَا وَتَغَيُّرِهَا فَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ " إذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ " لَفْظُ الْبُخَارِيِّ ، وَلَفْظُ مُسْلِمٍ حَتَّى يَبْرُزَ ، وَهُوَ بِمَعْنَاهُ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : : ثَلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَزُولَ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ " وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبَسَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قُلْت يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنْ الصَّلاةِ قَالَ صَلِّ صَلاةَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ حَتَّى تَرْتَفِعَ ، فَإِنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بِالرُّمْحِ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ ، فَإِنَّ حِينَئِذٍ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فَإِذَا أَقْبَلَ الْفَيْءُ فَصَلِّ ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّيَ الْعَصْرَ ، ثُمَّ أَقْصِرْ عَنْ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، فَإِنَّهَا تَغْرُبُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ وَحِينَئِذٍ يَسْجُدُ لَهَا الْكُفَّارُ . وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الارْتِفَاعِ عَنْ الأُفُقِ بَلْ الارْتِفَاعُ الَّذِي يَذْهَبُ مَعَهُ صُفْرَةُ الشَّمْسِ أَوْ حُمْرَتُهَا ، وَهُوَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ لا تُنَافِي لَفْظَ الْحَدِيثِ ؛ لأَنَّ مَعْنَى ( عِنْدَ ) حَضْرَةُ الشَّيْءِ ، فَمَا قَارَبَ الطُّلُوعَ وَالْغُرُوبَ فَلَهُ حُكْمُهُ ، لَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ مَا يُقَارِبُ الطُّلُوعَ مِمَّا بَعْدَهُ ، وَمَا يُقَارِبُ الْغُرُوبَ مِمَّا قَبْلَهُ ، وَتَمَسَّكَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ بِظَاهِرِ هَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ : إنَّ الْكَرَاهَةَ تَزُولُ بِطُلُوعِ قُرْصِ الشَّمْسِ بِتَمَامِهِ وَهُوَ ضَعِيفٌ ؛ لأَنَّ الأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا ذِكْرُ الارْتِفَاعِ مَعَهَا زِيَادَةُ عِلْمٍ فَيَجِبُ الأَخْذُ بِهَا . اهـ .
وروى الإمام أحمد وأبو داود من حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى الفجر تربّع في مجلسه حتى تطلع الشمس حسناء . وفي إسناده سماك بن حرب ، وهو صدوق .

وأما التعليل فلأن الأوقات المضيَّقة هي أوقات قصيرة يسيرة ، مع ما يقع فيها من مُشابهة المشركين .
قال الإمام الذهبي : فنفس الموافقة والمشاركة لهم
(6) في أعيادهم ومواسمهم حرام ، بدليل ما ثبت في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس ووقت غروبها ، وقال : إنها تطلع بين قرني شيطان ، وحينئذ يسجد لها الكفار ، والمصلِّي لا يقصد ذلك إذ لو قصده كَفَرَ ، لكن نفس الموافقة والمشاركة لهم في ذلك حرام (7) .
قال ابن قدامة : والنهي عن الصلاة بعد العصر متعلق بفعل الصلاة ، فمن لم يُصلِّ أبيح له التنفّل وإن صلى غيره ، ومن صلى العصر فليس له التنفل ، وإن لم يصل أحد سواه ، لا نعلم في هذا خلافا عند من يمنع الصلاة بعد العصر
(8) .
وقال أيضا : الصحيح أنه لا يُصلى على الجنازة في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر ، وكذلك لا ينبغي أن يركـع للطواف فيها ، ولا يعيد فيها جماعـة ، وإذا مُنعت هذه الصلوات المتأكدة فيها فغيرها أولى بالمنع
(9) .

هل تُصلّى ذوات الأسباب في وقت النهي ؟

ما كان من ذوات الأسباب فإنها تُصلّى في أوقات النهي على الصحيح من أقوال أهل العلم .

فالفوائت تُصلي في أوقات النهي
لقوله عليه الصلاة والسلام : من نسي صلاة أو نام عنها ، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها ، لا كفارة لها إلا ذلك . رواه مسلم .
ولقوله عليه الصلاة والسلام : من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس ، فقد أدرك الصبح ، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس ، فقد أدرك العصر . رواه البخاري ومسلم .
قال ابن عبد البر : وقال مالك والثوري والشافعي والأوزاعي - وهو قول عامة العلماء - من أهل الحديث والفقه من نام عن صلاة أو نسيها أو فاتته بوجه من وجوه الفوت ثم ذكرها عند طلوع الشمس واستوائها أو غروبها أو بعد الصبح أو العصر - صلاها أبداً متى ذكرها
(10) .

كما تُصلى كل صلاة لها سبب

فـتُصلّى ركعتي الطواف في أوقات النهي لقوله عليه الصلاة والسلام : يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من ليل أو نهار (11) .

وتُصلى تحية المسجد لقوله عليه الصلاة والسلام : إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين . رواه البخاري ومسلم .

وسنة الوضوء تُصلى في أوقات النهي الموسَّع

فإن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ بلالاً على صلاة ركعتين كلما توضأ ، فقال عليه الصلاة والسلام : يا بلال حدثني بأرجى عمل عملته عندك في الإسلام منفعة ؟ فإني سمعت الليلة خشف نعليك بين يدي في الجنة . قال بلال: ما عملت عملا في الإسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهورا تاماً في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كََتَبَ الله لي أن أصلي . رواه البخاري ومسلم .
ولقائل أن يقول : كيف مُنعت الصلاة في الأوقات المضيّقة ، وحديث بلال هذا لم يخص وقتا دون وقت .
والجواب :
أن ما في هذا الحديث إقرار منه عليه الصلاة والسلام ، وما تقدّم من النهي عن الصلاة في الأوقات المضيّقة قول ، ودلالة القول أقوى من دلالة التقرير .
كما أن القول خاص ، وفعل بلال عام في كل وقت ، فقُدِّم الخاص على العام .
وتبقى دلالة فعل بلال على جواز صلاة ذوات الأسباب في أوقات النهي الموسّعة دون المضيّقة .

وتُصلى راتبة الفجر بعد الفجر

قال ابن قدامة : فأما قضاء سنة الفجر بعدها فجائز ، إلا أن أحمد اختار أن يقضيهما من الضحى ، وقال : إن صلاهما بعد الفجر أجزأ ، وأما أنا فأختار ذلك ، وقال عطاء وابن جريج والشافعي يقضيهما بعدها ، لما رُوي عن قيس بن قهد (12) قال : رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أصلي ركعتي الفجر بعد صلاة الفجر ، فقال : ما هاتان الركعتان يا قيس ؟ قلت يا رسول الله لم أكن صليت ركعتي الفجر فهما هاتان . رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي (13) ، وسكوت النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الجواز ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر ، وهذه في معناها ؛ ولأنها صلاة ذات سبب فأشبهت ركعتي الطواف (14) .

وتُصلّى صلاة الكسوف ، ويُسجد سجود التلاوة والشكر في هذه الأوقات ؛ لأنها من ذوات الأسباب .

إشكال وجوابه :

ثبت النهي عن الصلاة بعد العصر في غير حديث تقدّم بعضها ، وثبت ما يُعارضه ظاهرا ، وهو أنه عليه الصلاة والسلام قضى سنة الظهر بعد العصر ، فقد روى البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد العصر عندي قط .
وسيأتي ذِكر مزيد من الروايات :
وللعلماء مسالك في الجمع بين هذه الأحاديث :

الأول : أنه تعارض حاظر ومُبيح
والقاعدة أنه إذا تعارض حاظر ومُبيح قُـدِّم الحاظر .

والثاني :
أنه هذا الفعل خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ ابن حجر : تمسك بهذه الروايات من أجاز التنفل بعد العصر مطلقا ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس ، وقد تقدم نقل المذاهب في ذلك ، وأجاب عنه من أطلق الكراهة بأن فعله هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة ، وأما مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فهو من خصائصه ، والدليل عليه رواية ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد العصر وينهى عنها ، ويواصل وينهى عن الوصال . رواه أبو داود
(15) .

والثالث : أن هذا من قضاء النوافل ، ولا يكون هذا إلا لمن حافظ عليها .
وهذا الذي يظهر من النصوص الواردة في صلاته صلى الله عليه وسلم بعد العصر .
ففي الصحيحين عن كريب مولى ابن عباس أن عبد الله بن عباس وعبد الرحمن بن أزهر والمسور بن مخرمة أرسلوه إلى عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلْها عن الركعتين بعد العصر ، وقل : إنا أُخبرنا أنك تصلينهما ، وقد بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنهما . قال ابن عباس : وكنت أَضْرِب مع عمر بن الخطاب الناس عليها . قال كريب : فدخلت عليها وبلغتها ما أرسلوني به فقالت : سَـلْ أم سلمة . فخرجت إليهم فأخبرتهم بقولها فردوني إلى أم سلمة بمثل ما أرسلوني به إلى عائشة فقالت أم سلمة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنهما ثم رأيته يصليهما ؛ أما حين صلاهما فإنه صلى العصر ، ثم دخل وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار فصلاهما ، فأرسلت إليه الجارية فقلت : قومي بجنبه فقولي له : تقول أم سلمة يا رسول الله إني أسمعك تنهى عن هاتين الركعتين وأراك تصليهما ، فإن أشار بيده فاستأخري عنه . قال : ففعلت الجارية فأشار بيده ، فاستأخرت عنه ، فلما انصرف قال : يا بنت أبي أمية سألتِ عن الركعتين بعد العصر . إنه أتاني ناس من عبد القيس بالإسلام من قومهم ، فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر ، فهما هاتان . متفق عليه .

وعند مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة عن السجدتين اللتين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصليهما بعد العصر . فقالت : كان يصليهما قبل العصر ، ثم إنه شغل عنهما أو نسيهما فصلاهما بعد العصر ثم أثبتهما ، وكان إذا صلى صلاة أثبتها . قال يحيى بن أيوب : قال إسماعيل : تعني داوم عليها .

قال ابن قدامة : وأما قضاء السنن الراتبة بعد العصر ، فالصحيح جوازه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله فإنه قضى الركعتين اللتين بعد الظهر بعد العصر في حديث أم سلمة ، وقضى الركعتين اللتين قبل العصر بعدها في حديث عائشة ، والاقتداء بما فعله النبي صلى الله عليه وسلم متعين ؛ ولأن النهي بعد العصر خفيف لما رُوي في خلافه من الرخصة ، وما وقع من الخلاف فيه ، وقول عائشة : إنه كان ينهى عنها ، معناه - والله أعلم - نهى عنها لغير هذا السبب ، أو أنه كان يفعلها على الدوام وينهى عن ذلك ، وهذا مذهب الشافعي
(16) .

محرم 1425 هـ

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 19-12-2009, 10:20 PM
المشاركة 29

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
من أحكام الجهاد في الإسلام
تقسيم الجهاد :
من حيث تقسيم الجهاد ، فالعلماء قسموا جهاد الكفّار إلى قسمين :
جهاد دفع ، وجهاد طلب . ويُتسامح في الأول لدفع العدو الصائل ما لا يُتسامح في الثاني .
فجهاد الدفع يتعيّن على أهل ذلك البلد الذي دهمه العدو ، ولو بغير إمام كما سيأتي .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
فأما إذا أراد العدو الهجوم على المسلمين فإنه يصير دفعه واجبا على المقصودين كلهم ، وعلى غير المقصودين لإعانتهم - إلى أن قال -
كما كان المسلمون لما قصدهم العدو عام الخندق لم يأذن الله في تركه لأحد ، كما أذن في ترك الجهاد ابتداء لطلب العدو الذي قسمهم فيه إلى قاعد وخارج . بل ذم الذين يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم ( يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً) (الأحزاب: من الآية13) فهذا دفع عن الدين والحرمة والأنفس ، وهو قتال اضطرار . وذلك قتال اختيار للزيادة في الدين وإعلائه ولإرهاب العدو كغزاة تبوك ونحوها . اهـ

وقال المرداوي في الإنصاف :
تنبيه : مفهوم قوله أو حضر العدو بلده . أنه لا يلزم البعيد ، وهو الصحيح إلا أن تدعو حاجة إلى حضوره . كعدم كفاية الحاضرين للعدو ، فيتعّين أيضا على البعيد . اهـ .
أما جهاد الطلب ، فامتثالا لقوله تعالى : ( قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) .
وغيرها من الآيات ، والأحاديث الدالة على وجوب الجهاد ومُضيِّه مع كل برّ وفاجر إلى يوم القيامة .

حُـكـم الجهـاد :
من حيث حُكم الجهاد ، فقد جرى فيه الخلاف ، فجمهور العلماء على أنه فرض كفاية ، وذهب بعض العلماء أنه فرض عين . منهم سعيد بن المسيب .
والصحيح أنه فرض كفاية على الأمة ، للأدلة التي سوف أذكرها فيما بعد .
ولا يعني كونه فرض كفاية التقليل من أهميته ، إذ أن الجهاد من أفضل القربات وقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أفضل ؟ فقال : رجل يجاهد في سبيل الله بماله ونفسه . متفق عليه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه .
ولما سألت عائشة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : نرى الجهاد أفضل العمل ، أفلا نجاهد ؟ قال : لا ، لكن أفضل الجهاد حـج مبرور . رواه البخاري ، وفي رواية لـه قال : جهادكن الحج .

ولذا قرر غير واحد من أهل العلم أن الحج في حق النساء أفضل من الجهاد ، فلا يجب الجهاد على النساء بلا نزاع . يُنظر الإنصاف ومجموع الفتاوى .
وفي المسألة خلاف .

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : استيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليلا ونهاراً ، أفضل من الجهاد الذي لم تذهب فيه نفسه وماله . اهـ .

يُشير بذلك إلى حديث البخاري عنه عليه الصلاة والسلام : ما العمل في أيام العشر أفضل من العمل في هذه . قالوا : ولا الجهاد ؟ قال : ولا الجهاد ؛ إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله ، فلم يرجع بشيء .
والأحاديث في فضل الجهاد كثيرة معلومة .

قال الإمام أحمد - رحمه الله - : لا أعلم شيئا من العمل بعد الفرائض أفضل من الجهاد .
ولما ذُكِر له الجهاد جعل يبكي ويقول : ما من أعمال البر أفضل منه .

كما أنه لا يعني القول بالفرضية الكفائية أنه لا يجب على الأمة ، بل الفروض الكفائية إذا لم يَقم بها من يكفي أثم الجميع . كما هو مقرر عند أهل العلم .

قال المرداوي في الإنصاف : فرض الكفاية واجب على الجميع . نص عليه في الجهاد . وإذا قام به من يكفي ، سقط الوجوب عن الباقين ، لكن يكون سُنّة في حقهم . اهـ .

ولو قيل بفرضية الجهاد على الأعيان لتعطلت الفروض الأخرى ، ولم يكن ثمة من يقوم بها .
ولو كان الجهاد فرض عين على جميع أفراد الأمة لما مشى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسواق ، ولما وضع الصحابة سيوفهم عن عواتقهم ، ولما قال عمر رضي الله عنه : ألهاني الصفق في الأسواق ، ولما قال ابن عوف رضي الله عنه : دلوني على السوق ، ولما أذِن النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان في تخلّفه لتمريض زوجته ، ولما بقي في المدينة من تدعو الحاجة إلى بقائه ، ونحو ذلك .

ولما قال عليه الصلاة والسلام : لولا أن أشق على أمتي ما تخلفت عن سرية ، ولكن لا أجد حمولة ، ولا أجد ما أحملهم عليه ، ويشق علي أن يتخلفوا عني . متفق عليه .

وقد نص العلماء على : يُشترط لمن أراد الجهاد وجود زاد ونفقة عياله مدة غيبته
ويُنظر لذلك - على سبيل المثال - المقنع والشرح الكبير والإنصاف .

ولو كان يجب على كل أحد ما عُذِر من كان على مثل هذه الحال .
كما أنه لا يجب على النساء كما تقدّم ، ولا يجب على العبيد في أصح قولي العلماء ، ولا يجب على أولي الضرر ، ولا على أهل الأعذار .
ولو كان يجب وجوبا عينيا على كل أحد لما عُذر هؤلاء .
قال سبحانه : ( لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلاَ عَلَى الْمَرْضَى وَلاَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ )
فهؤلاء الضعفاء والمرضى والفقراء الذين لا يجدون ما يُنفقون ولا يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يحملهم عليه من الدواب قد عذرهم الله في محكم كتابه .
وقال سبحانه : ( لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُـلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) .

ولو كان الجهاد فرض عين على الدوام لما كان هناك مجال مقارنة بين المجاهدين والقاعدين ، ولما وعد الله الجميع بالحسنى .
كما أن الأعمى إذا شارك في رأي أو مكيدة ، أو شارك الأعرج ونحوه ، كما شارك في القتال عمرو بن الجموح الأنصاري رضي الله عنه ، فإن ذلك عزيمة عزموا بها على أنفسهم لا أنه فرض عليهم .

وقد نص العلماء على أن الجهاد لا يتعين إلا في ثلاث حالات :
1 – إذا التقى الزحفان وتقابل الصفان . لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ )
2 – إذا نزل الكفار ببلد ، تعيّن على أهله قتالهم ودفعهم . لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً )
3 – إذا استنفر الإمام قوما لزمهم النفير . لقوله صلى الله عليه وسلم : وإذا استنفرتم فانفروا . متفق عليه

ومن أحكام الجهاد :

أولاً : ضرورة وجود إمام أو أمير .
لا يقوم الجهاد إلا بإمام أو أمير ، يُرجع إليه عند الحاجة ، ويُردّ إليه عند الاختلاف .
ولم يُنقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيّر سرية أو بعث بعثا أو أنفذ جيشاً دون أن يؤمّر عليه أميرا ، وقد أمّـر النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة من الصحابة على جيش مؤتة ، وهم زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة رضي الله عنهم .

قال في الشرح الكبير : وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده ، ويلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك
– إلى أن قال –
فإن عُدِمَ الإمام لم يؤخّر الجهاد ؛ لأن مصلحته تفوت بتأخيره . اهـ .

وهذا لا يكون إلا في حالات نادرة ، أو في حالات جهاد دفع العدو الصائل .
إذ
لا يصلح الناس فوضى لا سُراة لهم ولا سُـراة إذا جهالهم سـادوا

ولذا قال عليه الصلاة والسلام : الغزو غزوان : فأما من ابتغى وجه الله ، وأطاع الإمام ، وأنفق الكريمة ، وياسَرَ الشريك ، واجتنب الفساد ؛ فإن نومه ونبهه أجرٌ كله وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة ، وعصى الإمام ، وأفسد في الأرض ؛ فإنه لم يرجع بالكفاف . رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وغيرهم ، وهو حديث صحيح

وقال عمر رضي الله عنه : إنه لا إسلام إلا بجماعة ، ولا جماعة إلا بإمارة ، ولا إمارة إلا بطاعة . رواه عنه الدارمي .

وقد عقد الإمام البخاري - رحمه الله - بابا ، فقال : باب الجهاد ماض مع البر والفاجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة . ثم ساق بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة : الأجر والمغنم .

أما لماذا الجهاد مع البر والفاجر ؟
فإنه بالنظر إلى مقاصد الشريعة ، وبالنظر إلى عواقب الأمور وما تؤول إليه عند ترك الجهاد مع الفاجر مِنْ تمكن العدو وتسلطه على رقاب المسلمين وعلى ديارهم وأموالهم ، فتحقيق هذه المصالح أعظم ، وترك الجهاد مع الفاجر يُفوّت تحقيق هذه المصالح بل وينتج عنه مفاسد لا يعلمها إلا الله .

قال الإمام أحمد : أرأيتم لو أن الناس كلهم قعدوا عن الجهاد كما قعدتم ، من كان يغزو ؟ أليس كان قد ذهب الإسلام ؟

ثانياً : الإعداد للجهاد
لا يُمكن أن يُقاتَل العدو بغير إعداد ولا عدّة ، ولذا قال الله سبحانه وتعالى : ( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْل ِتُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ )
أما من قاتَل العدو بغير إعداد فإنه قد خالِف ما أُمِرَ به ، ورام النصر من غير بابه .
ولذا كانوا يُعوّدون الخيل على الكرّ والفرّ حتى في حال السِّلم حتى تألف ذلك عند القتال .
جاء في سيرة نور الدين زنكي :
أنه كان يُكثر اللعب بالكرة ، فأُنكِرَ عليه فكتب نور الدين لمن أنكر عليه :
والله ما أقصد اللعب ، وإنما نحن في ثغر ، فربما وقع الصوت فتكون الخيل قد أدمنت على الانعطاف والكر والفرّ .

ثالثاً : إخلاص النية
إخلاص النية شرط في قبول العبادات
ومن لم يُخلص في جهاده لم يكن لـه من نصيب فيه ، ولم يكن لـه إلا ما نوى إذا نوى أمراً دنيوياً ، أما إذا أظهر للناس أنه يُجاهد في سبيل الله ولم يكن كذلك فهذا أول من تسعر به النار ، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها . قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت . قال : كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء ، فقد قيل . ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ... الحديث . رواه مسلم
وفي الصحيحين من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه قال : التقى النبي صلى الله عليه وسلم والمشركون في بعض مغازيه فاقتتلوا فمال كل قوم إلى عسكرهم وفي المسلمين رجل لا يدع من المشركين شاذة ولا فاذة إلا اتبعها فضربها بسيفه ، فقيل : يا رسول الله ما أجزأ أحد ما أجزأ فلان . فقال : إنه من أهل النار . فقالوا : أينا من أهل الجنة إن كان هذا من أهل النار ؟ فقال رجل من القوم : لأتبعنه فإذا أسرع و أبطأ كنت معه حتى جرح ، فاستعجل الموت ، فوضع نصاب سيفه على الأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه فقتل نفسه ، فجاء الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أنك رسول الله . فقال : وما ذاك فأخبره ، فقال : إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وإنه من أهل النار ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة .
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة .

أما إذا غزا وهو يُريد غرضا دنيوياً ، فليس له إلا ما نوى ، وإن ذهبت نفسه .
قال عليه الصلاة والسلام : من غزا ولا ينوي في غزاته إلا عقالا فله ما نوى . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث صحيح .

رابعاً : وضوح الهدف ، وبيان القصد .
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرجل يقاتل للمغنم ، والرجل يقاتل للذكر والرجل يقاتل ليرى مكانه . فمن في سبيل الله ؟ قال : من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله . متفق عليه

فيُقاتِل المسلم من أجل هدف سام ، وغاية عظيمة ، وهي إعلاء كلمة الله
والمسلم يربأ بنفسه أن يُقاتِل حمية أو عصبية أو لغرض دنيوي زائل
قال عليه الصلاة والسلام : من قُتِل تحت راية عُمِّيَّةٍ ، يدعو عصبية أو ينصر عصبية ، فَقِتْلَةٌ جاهلية . رواه مسلم .
وفي الحديث الآخر : ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية . رواه أبو داود .
فلا بُد أن يكون المسلم على بيّنة في قتاله .
وما الهدف من هذا القتال ؟
إذا كان لإقامة شرع الله فهذا هو المقصد ، أما إذا كان لتحصيل أرض أو وطن ثم تُحكم بحكم الجاهلية فبئس القصد وبئست النيّة .
إذاً لا بُـدّ من وضوح الهدف ، والقتال تحت راية واضحة وضوح الشمس .
لا أن يكون الحال كما قيل :
وهل أنا إلا من غُزية إن غوت غويت وإن ترشد غزية أرشـد

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة









قديم 19-12-2009, 10:23 PM
المشاركة 30

عضو له مكانه في قلوبنا

  • غير متواجد
رد: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
وقبل الختام أود تحرير القول في مسألة جرى فيها الخلاف ، ألا وهي :
مسألة الاستئذان
وتتضمن :
1 - استئذان الإمام
2 - استئذان الوالدين
3 - استئذان الدائن
4 - استئذان العبد
5 - استئذان المرأة

أولاً : استئذان الإمام
ذكر بعض العلماء أنه لا يجوز الغزو إلا بإذن الإمام .
قال ابن قدامة في المغني : مسألة ؛ قال : ( وإذا غزا الأمير بالناس لم يَجز لأحد أن يتعلف ولا يحتطب ولا يبارز علجا ولا يخرج من العسكر ولا يحدث حدثا إلا بإذنه ) يعني لا يخرج من العسكر لتعلف وهو تحصيل العلف للدواب ولا الاحتطاب ولا غيره إلا بإذن الأمير . اهـ .
كما ذكروا أيضا أن المبارزة لا تكون إلا بإذن الإمام

وليس هذا على إطلاقه .
قال في العمدة : ولا يجوز الجهاد إلا بإذن الأمير إلا أن يفجأهم عدو يخافون كلَبه ، أو تعرض فرصة يخافون فوتها . اهـ .
ومعنى ( كَلَبَه ) أي شرّه وأذاه .
وهذا القول – أعني – لا يجوز الجهاد إلا بإذن الإمام ، لـه حظ من النظر في ابتداء الغزو وتسيير السرايا وبعث الجيوش ، لا أن الحكم ينسحب على الأفراد .
فلم يُنقل عن سرية أنها سارت أو جيش أن انطلق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم إلا بإذنه .
وهذا يُشبه حال الجيوش النظامية اليوم فإنه لا يمكن أن تسير إلا بأمر الحاكم ولو أن كل من أراد القتال جمع جيشا وسار بسرية لأصبح المسألة فوضى ، ولا تنضبط الأمور بذلك .

أما دفع العدو الصائل فلا يُشترط له ذلك – كما تقدّم – .
أما ما يُستدل به من مجيء ذلك الرجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في القصة المعروفة – وستأتي – فليس فيه دليل على عموم الاستئذان ، ثم إنه لا يقوى على تخصيص الآية في قوله سبحانه وتعالى :
( لاَ يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ) .
قال القرطبي - رحمه الله - في التفسير : أي في القعود ولا في الخروج ، بل إذا أمرت بشيء ابتدروه ، فكان الاستئذان في ذلك الوقت من علامات النفاق لغير عذر.اهـ .

وقال الشوكاني بعد أن ذكر الأوجه في الآية :
وأما على ما يقتضيه ظاهر اللفظ فالمعنى لا يستأذنك المؤمنون في الجهاد بل دأبهم أن يبادروا إليه من غير توقف ولا ارتقاب منهم لوقوع الإذن منك فضلا عن أن يستأذنوك في التخلف . اهـ .

ثم إن قصة الرجل الذي جاء يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الجهاد واقعة عين لا عموم لها ، بدليل أنه لم يُحفظ عن الصحابة رضي الله عنهم الاستئذان لكل من أراد الجهاد .

وقصة الرجل الذي جاء يستأذن رواها البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد ، فقال : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد .

ومثله قصة جاهمة السلمي رضي الله عنه حيث قال : أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة . قال : ويحك ! أحيّـة أمك ؟ قلت : نعم . قال : ارجع فبرّها ، قال : ثم أتيته من الجانب الآخر فقلت : يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة . قال : ويحك ! أحيه أمك ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : فارجع إليها فبرها ثم أتيته من أمامه فقلت : يا رسول الله إني كنت أردت الجهاد معك أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة . قال : ويحك ! أحيه أمك ؟ قلت : نعم يا رسول الله . قال : ويحك الزم رجلها فثم الجنة . رواه ابن ماجه ثم قال :
قال أبو عبد الله بن ماجة : هذا جاهمة بن عباس بن مرداس السلمي الذي عاتب النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين .

وهذا يدلّ على أمرين :
الأول : أن الاستئذان وقائع أعيان لا عموم لها .
والثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أصحابه بما يعلم أنه الأصلح لهم .
بدليل اختلاف الوصية من رجل لآخر .
ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال أوصني . قال : عليك بالجهاد .
وجاءه آخر فقال أوصني . قال : لا تغضب .
وقال لثالث : عليك بالصوم فإنه لا عدل له .
وأوصى رجلاً فقال : لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله .
وهكذا . تختلف الوصية باختلاف أحوال الناس .
والذي يظهر أن هذا الرجل الذي ردّده النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان ذلك بسبب معرفة النبي صلى الله عليه وسلم بحاله وأنه لا صبر له - كما أشار إليه ابن ماجه - .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : قد يكون الشخص يَصلح دينه على العمل المفضول دون الأفضل ، فيكون أفضل في حقه ، كما أن الحج في حق النساء أفضل من الجهاد . اهـ .

ثم إنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف ذلك – أي خلاف الاستئذان – .
فقد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله عن أفضل الأعمال . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الصلاة . قال : ثم مه ؟ قال : الصلاة قال : ثم مـه ؟ قال : الصلاة ثلاث مرات . قال : ثم مـه ؟ قال : الجهاد في سبيل الله . قال : فإن لي والدين . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمرك بوالديك خيرا ، فقال : والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فأنت أعلم . رواه الإمام أحمد وابن حبان ، وإسناد ابن حبان حسن .
فقول هذا الصحابي رضي الله عنه : " فإن لي والدين " يُشعر أنه سمع بترديد النبي صلى الله عليه وسلم لمن أتاه قبله .

كما أن حمل الرجل بنفسه على العدو مُخالِف لاشتراط الاستئذان
وقد وقع هذا بمرأى ومسمع من بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلم يُنكروه بل أقروه .

حدّث أبو عمران التجيبي قال : كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم ، فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر ، وعلى أهل مصر عقبة بن عامر رضي الله عنه ، وعلى الجماعة فضالة بن عبيد رضي الله عنه فحمل رجل من المسلمين على صف الروم حتى دخل فيهم فصاح الناس ، وقالوا : سبحان الله يلقي بيديه إلى التهلكة ، فقام أبو أيوب رضي الله عنه فقال : يا أيها الناس إنكم تتأولون هذه الآية هذا التأويل ، وإنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار . لما أعز الله الإسلام ، وكثر ناصروه ، فقال بعضنا لبعض سراً دون رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعز الإسلام ، وكثر ناصروه ، فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها ، فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم يردّ علينا ما قلنا : ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) فكانت التهلكة الإقامة على الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو ، فما زال أبو أيوب شاخصا في سبيل الله حتى دفن بأرض الروم . رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ، وهو حديث صحيح .

ولما أغار الكفار على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم فصادفهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه خارجا من المدينة تبعهم وطاردهم وقاتلهم بغير إذن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأقرّه النبي صلى الله عليه وسلم . كما في الصحيحين .

ثم إن الخلاف قد وقع بين العلماء في الغزو بإذن الإمام .
وفي الرجل يدخل دار الحرب وحده مغيرا بغير إذن الإمام .

قال أبن قدامة في المغني : إذا دخل قوم لا منعة لهم دار الحرب بغير إذن الإمام فغنموا ؛ فعن أحمد فيه ثلاث روايات : إحداهن أن غنيمتهم كغنيمة غيرهم يخمسه الإمام ويقسم باقيه بينهم ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، منهم الشافعي . لعموم قوله سبحانه : ( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَه ُ) الآية ، والقياس على ما إذا دخلوا بإذن الإمام – ثم ذكر بقية الأقوال – ورجه هذا القول .

وقال في معرض سياق الأقوال : فإن الجهاد إنما يكون بإذن الإمام ، أو من طائفة لهم مَنَعَـة وقـوّة . اهـ

ونسب هذا القول الإمام النووي إلى الجمهور .
فلو كان الجهاد لا يجوز بغير إذن الإمام على إطلاقه لما جاز أن يُعطى هؤلاء نكالاً لهم .
وكذلك القول في المبارزة بغير إذن الإمام .
قال ابن المنذر : المبارزة بإذن الإمام حسن ، وليس على من بارز بغير إذن الإمام حرج ، وليس ذلك بمكروه ؛ لأني لا أعلم خبرا يمنع منه . اهـ .

الثاني : استئذان الوالدين
ثبت في الصحيحين عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في الجهاد ، فقال : أحي والداك ؟ قال : نعم . قال : ففيهما فجاهد . متفق عليه .

قال جمهور العلماء : يحرم الجهاد إذا منع الأبوان أو أحدهما ، بشرط أن يكونا مسلمين ، لأن برّهما فرض عين عليه ، والجهاد فرض كفاية ، فإذا تعين الجهاد فلا إذْن .

قال الإمام الصنعاني :
وذهب الجماهير من العلماء إلى أنه يحرم الجهاد على الولد إذا منعه الأبوان أو أحدهما بشرط أن يكونا مسلمين ؛ لأن برّهما فرض عين والجهاد فرض كفاية ، فإذا تعين الجهاد فلا . فإن قيل : بـرّ الوالدين فرض عين أيضا ، والجهاد عند تعينه فرض عين ، فهما مستويان . ما وجه تقديم الجهاد ؟ قلت : لأن مصلحته أعمّ ، إذ هي لحفظ الدين والدفاع عن المسلمين ، فمصلحته عامة مقدمة على غيرها . اهـ .
وهذا هو القول الصواب ، جمعاً بين الأدلة ، ويُستثنى من ذلك ما إذا كان لـه أبوان شيخان كبيران وليس لهما عائل سواه ، فحينئذٍ يجوز له التخلف عن الجهاد .
وتقدمت الأدلة في استئذان الأبوين وعدمه .

قال في المغني :
وإن أذن لـه والداه في الغزو وشرطا عليه أن لا يُقاتل ، فحضر القتال تعيّن عليه وسقط شرطهما . كذلك قال الأوزاعي وابن المنذر ؛ لأنه صار واجبا عليه فلم يبق لهما في تركه طاعة .

استئذان المدين من غريمه
روى الإمام مسلم عن أبي قتادة أنه سمعه يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال . فقام رجل فقال : يا رسول الله ! أرأيت إن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم قال رسول الله : كيف قلت ؟ قال : أرأيت إن قتلت في سبيل الله ، أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر . إلا الدَّين . فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك .
قال ابن قدامة في المغني :
ومن عليه دين حال أو مؤجل لم يجز لـه الخروج إلى الغزو إلا بأذن غريمه إلا أن يترك وفاء أو يقيم به كفيلا أو يوثقه برهن ، وبهذا قال الشافعي ، ورخص مالك في الغزو لمن لا يقدر على قضاء دينه ؛ لأنه لا تتوجه المطالبة به ولا حبسه من أجله فلم يمنع من الغزو كما لو لم يكن عليه دين . ولنا إن الجهاد تقصد منه الشهادة التي تفوت بها النفس فيفوت الحق بفواتها وقد جاء أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا تكفر عني خطاياي ؟ قال : نعم ، إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك . رواه مسلم . وأما إذا تعين عليه الجهاد فلا إذن لغريمه ؛ لأنه تعلق بعينه ، فكان مقدما على ما في ذمته كسائر فروض الأعيان ، ولكن يستحب له أن لا يتعرض لمظان القتل . اهـ

استئذان العبد
مما اشترط العلماء لوجوب الجهاد : الحرية
فلا يجب على العبد ، كالحج .
وهذا مما يُضعف القول بفرضية الجهاد على الأعيان .

استئذان المرأة
لا تخرج المرأة للجهاد ؛ لأن جهاد النساء جهاد لا شوكة فيه : الحج . كما تقدم .
ولأن المرأة ضعيفة ، ولا يؤمن ظفر العدو بها .
قال في الإنصاف :
ظاهر قوله : ويمنع النساء إلا طاعنة في السن ؛ لسقي الماء ، ومعالجة الجرحى . منع غير ذلك من النساء وهو صحيح ، وهو ظاهر كلام الأصحاب .
ثم قال تنبيه :
ظاهر كلام المصنف أن المنع من ذلك على سبيل التحريم ، وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب . اهـ .

وإنما ذكرت هذه المسألة لأني سمعت من النساء من تقول : إنه يجوز للمرأة أن تخرج بغير إذن زوجها إذا تعيّن الجهاد .
والقاعدة الشرعية تنص على أن :
درء المفاسد مقدّم على جلب المصالح .
وقد سُئل الإمام أحمد رحمه الله : فتخاف على المنتقل بعياله إلى الثغر الإثم ؟ قال : كيف لا أخاف الإثم ، وهو يعرض ذريته للمشركين .
قيل : فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها . قال : هذا للواحدة . ليس الذرية . اهـ .

أقول : وهذا محمول على الثغور المخوفة .

وختاماً أرجو أن أكون قد وُفّقت في تناول هذا الموضوع ، والإفادة فيه .

والله أعلم . وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين .

الرياض - 1422 هـ

تعصي الإلهَ وأنتَ تظهرُ حُبَّه ... هذا محالٌ في القياسِ بديعُ

لو كان حبُّكَ صادقاً لأطعَتهُ ... إِن المحبَّ لمن يُحِبُّ مطيعُ



أحذروا أخواني في الله من نشر المواضيع الغير صحيحة












الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه للموضوع: صفحة الشيخ ( عبد الرحمن بن عبدالله السحيم) حفظه الله
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأحاديث النبوية الشريفة( كل يوم حديث) إن شاء الله تعبت أسافر ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 170 27-06-2009 01:39 PM
عقيدة اهل السنة والجماعة N.S.A ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 16 12-10-2008 11:01 PM
نبذة يسيرة عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم...ارجو التثبيت.. الزهراني ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 7 27-07-2008 02:15 AM
°•¤[ ســنــن مــنــســيــة ]¤•° .. ×عاشقة نفسها× ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 16 07-05-2008 03:56 PM
صفات الرسول صلى الله عليه وسلم fai9al ●{منْتدَى نْفحآتْ روٌحــآنيِهـ إسْلاميّة ~ 17 22-11-2007 03:19 PM

Bookmark and Share



الساعة الآن 11:19 PM.